المعجزة الكبرى القرآن

محمد أبو زهرة

المعجزة الكبرى القرآن

المؤلف:

محمد أبو زهرة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

إيلاما من لباس الشوك ، لأن الشوك يؤذى الجلد حسا ، ولباس الجوع والخوف يؤذى الجسم ويؤذى النفس ، وإذا قوبلت هذه الصورة عند الكفر بالصورة الأولى من أمن واطمئنان ، ورخاء فى العيش وطيبه واتساعه ، وجدت الفارق بين صورة النعمة التى كفروا بها والشقاء الدائم بعد الكفر.

ومن ذلك يتبين مقام كل كلمة فى تكوين الصورة العامة ، فوق النغمة الهادئة ، والتصور الحكيم.

٤٩ ـ ولننتقل إلى مثال آخر ، لا نختاره من القرآن اختيارا ، ولكن نأخذه من غير تخير ؛ لأن التخير يكون فيما يكون فيه المختار وغير المختار ، وكتاب الله تعالى كله خيار ، وكله فوق طاقة البشر ، ولأن الذى يختار بفرض من نفسه حكما ، ومن يكون حاكما على كتاب الله تعالى؟ إنما يحكم على الكتاب من أنزل الكتاب ، الذى تعهد بحفظه ، وإنما نحن نتلمسه ونطلبه من الكتاب من غير تخير ، لأنه فوق طاقتنا ، وفوق التخير.

اقرأ قوله تعالى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) (٨٤). [الإسراء : ٨٣ ، ٨٤]

اقرأ هذه الآية ، وقف عند كلماتها وتأمل فى تآخى نغمها ، وتأخى معانيها وتصويرها فى جملتها للنفس الإنسانية ـ الكلمة الأولى ـ أنعمنا ، فقد أضافها الله تعالى إليه ، وإنعام الله تعالى فيض وإسباغ يغمر صاحبه ، والإنعام من الله تعالى يقتضى الشكر كما قال تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم : ٧] وكان هذا يقتضى إقبال الإنسان عليه سبحانه ، والإقبال بالطاعة ، ولكنه لم يقبل بل كفر وطغى أن رآه استغنى.

الكلمة الثانية : أعرض ، وهى كناية عن البعد عن الله تعالى وعدم الإقبال عليه ، تعالى الله علوا كبيرا ، وأصل أعرض فى المعنى الحسى أن يولى عرض وجهه بألا يقبل على الله تعالى ، ويطلب المزيد من النعم بالطاعات يقدمها ، ويحب الله تعالى ويخلص له إذ أنعم ، ولكنه يظن أنه استغنى ، وعند ظن الاستغناء يكون الطغيان ، ويكون ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ووراء ذلك الفساد الكبير والشر المستطير.

الكلمة الثالثة : نأى بجانبه ـ النأى هو البعد ، وكلمة بجانبه ، مؤداها اتخاذ جانب آخر غير جانب الله تعالى ، فيسير فى ضلاله البعيد ، ويقول الزمخشرى : إن كلمة ـ نأى بجانبه ـ تأكيد لمعنى ـ أعرض ـ ونقول أنها تأكيد لمعنى الإعراض من حيث إنه الخطوة التالية بعد الإعراض ، فالإعراض عن الكلام عدم الإصاخة إليه ، وعدم الالتفات

٨١

إلى دعوة الحق ، وأن هذه خطوة تكون من بعد أن يبتعد عن الله تعالى ويجافيه ، وترى من هذا أن الكلمات من حيث السياق يأخذ بعضها بحجز بعض فى نغم مؤتلف من حيث إن كل معنى يعقبه أخ له مترتب عليه متناسق معه.

ومن مجموع هذه الكلمات يتبين كيف كان أثر النعمة كفرا بها ، وكيف يتدرج الكفر بها ، حتى يكون البعد التام عن الله ، فتكون الطاعة فى جانب ونفس المنعم عليه فى جانب آخر ، وهو جانب العصيان والضلال البعيد ، ثم الطغيان من وراء ذلك.

والصورة البيانية من هذا الكلام قد تضافرت فى تكوينها الألفاظ كلها مجتمعة ، وكل كلمة صورة بيانية فى ذاتها ، فإنعام الله تعالى يعطى صورة بيانية للمنعم وفيض نعمه تعالى ، والإعراض بتلقيها بجانب الوجه صورة حسية ، ثم النأى من بعد ذلك.

هذه صورة المنعم عليه فى جحود نفسه ، وعدم التفاتها إلى الاعتراف بالنعم وشكرها ، مع أن شكر المنعم واجب عقلا ، وهو منبعث من الضمير الطيب الطاهر.

لننتقل من هذه الصورة التى تصورها الكلمات منفردة إذ كل كلمة صورة بيانية رائعة ثم هى بتضامنها وتلاؤمها تعطى صورة كاملة لنفس كفرت بأنعم الله وبطرت معيشتها واتخذتها سبيلا لظلم العباد ، والكفر برب الناس ملك الناس.

ثم نتجه إلى صورة تلك النفس ، وقد أصابها الشر ، ولم تنل النعمة ، وهنا كلمتان كلتاهما تصور صورة من نزول الضر ، وأعقابه فى النفس الجاحدة ، الكلمتان هما «مسه الشر» و «كان يئوسا». إن المس وهو الإصابة بالشر ، وإن التعبير بمس يفيد أن الإصابة بالشر ولو خفيفة تصيب من النفس ما تجعلها يائسة ، والشر كل ما لا يرغب فيه ، ويطلق على الأمور الضارة حسيا ونفسيا ، وعلى الأمور القبيحة خلقيا. والتعبير بالشر هنا يشمل الضار ، كقوله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) [يونس : ١٢] ، ويشمل نتائج الطغيان والعصيان فيكبه الله تعالى على وجهه ، ويشمل العقاب الذى ينزله جزاء لما ارتكب ، وإذا كان قد جحد بنعمة الله تعالى ، إذ أنعم بها ، وأعرض ، ونأى بجانبه ، فإن النفس التى تطغى بالنعمة تذل وتهون وتضعف بسلبها ويصيبها اليأس المطلق إذا نزلت بها النقمة.

الكلمة الثانية كان يئوسا ، وهنا نجد كلمة كان الدالة على اللزوم والاستمرار ككان فى قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ٩٦] ، وكلمة يئوسا بصيغة المبالغة الدالة على لزوم اليأس وإيغاله فى النفس وعدم افتراقه عنها ، فيكون فى حال بؤس مستمر ، ويأس دائم ، يكفر إذا أنعم الله عليه ويصاب بالطغيان ، ويكفر إذا اختبره الله تعالى بالشر يصيبه.

٨٢

ولا شك أن هذه الجمل السامية والكلمات تصور حال إنسان غير قار ولا ثابت ، تبطره النعمة ، ويؤيسه الاختبار ، وكل ذلك فى ألفاظ منسجمة فى نغماتها ، متضافرة فى معانيها ، تدل على النفس المنحرفة وتصورها.

ولقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) (٨٤) [الإسراء : ٨٤] ، وهنا نجد النص الكريم يفيد ما يدل على أن الناس جميعا ليسوا سواء فى ذلك ، فمنهم شقى على الصورة التى ذكرها سبحانه ، ومنهم سعيد ، وهم الصابرون الذين لا تضطرب نفوسهم بنازلة تنزل ، ولا يطغون بنعمة تسبغ ، وكأن هذه الجملة فى موضع التخصيص من عموم الإنسان المذكورة أولا كالاستثناء فى قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١١)

[هود : ٩ ـ ١١].

والكلمة السامية (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ، نجد فيها ثلاث كلمات منها ينبثق نور ، فالأمر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يقول ذلك ، فيه ما يصور أن بعض الناس كذلك ، وأن فى الناس من ليسوا كذلك ، فدلت كلمة «قل» التى تتضمن الرد على هذا الاعتراض المفروض. وانتقل الكلام من ضمير المتكلم من الذات العلية إلى الخطاب الذى أمر به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن الأمر تنبيه ، يتولاه صاحب الرسالة المتكلم عن الله نازلا إلى مرتبة المسترضين ليواجههم بالرد ، وفى ذلك فضل تنبيه وتقريب ، وذات الانتقال من المتكلم إلى المخاطب فيه تجديد بيانى ، وتصوير بلاغى ، والشاكلة ـ الهيئة والصورة والسجية ، والمنهج الذى يخطه لنفسه ويسير عليه من الضلالة كالأولين والهدى للمهتدين ، والشاكلة تطلق على الطريقة ، ويقول الزمخشرى أنها من قولهم : طريق ذو شواكل ، الطرق التى تتشعب منها.

وفى هذا الكلام معان دقيقة تنبعث من صور الكلمات ، ومرامى العبارات ، وحسن المقابلات ، إن الناس قسمان : قسم شاكلته تلقى النعمة بالإعراض ، ووراء الإعراض الظلم والطغيان والفساد فى الأرض. وقسم صابر ضابط لنفسه لا تبطره النعمة ، بل يصبر عليها فيطيع ، ويقوم بحق شكرها. والأول مضطرب النفس غير منضبط القلب ، تطغيه النعمة فيستكبر ، وتؤيسه النقمة ، فيكفر باليأس من رحمة الله.

وإن لله تعالى العلم الكامل بالصنفين ، وهو مجاز للفريقين ، وقد ختم النص الكريم بقوله تعالت كلمته : (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) وهنا نجد المعانى تشع بنورها من هذه الكلمات.

٨٣

فأولا : الفاء التى تفيد ترتيب الجزاء على الأعمال ، وثانيا : التعبير بربكم الذى فيه الإشارة إلى أنه خلق فسوى وهو المربى المكمل ، الهادى كلا إلى غايته ، وثالثا : ترتب العلم الكامل على كونه الخالق ، ورابعها : ذكر العلم الكامل بأفعل التفضيل الذى يدل على أنه لا علم فوقه إن كان ثمة تفاضل ، وخامسا : التعبير عن الجزاء بأنه أثر الهداية ، وإن الله تعالى أعلم بالمهتدين ، وسادسا : التعبير بأفعل التفضيل فى أهدى ، أى أنه العالم بمن اهتدى بعد أن يغفر الله ، وسابعا : فى التمييز بكلمة سبيلا ، وفيه بيان بعد نوع من الإبهام ، وكذلك يكون العلم متمكنا فضل تمكّن ، علم بالهداية وعلم بمنهاجها ، وهو السبيل القويم.

٥٠ ـ بعد هذا النظر السريع إلى تلك الآية نتجه إلى آية أخرى ، نجد فيها الكلمة تدل على معنى لو غيرت بغيرها مما يكون فى معناها ظاهرا ، مرادفا لها بادى الرأى ، لا يمكن أن يؤدى المعنى الذى يشرق منها ، ويجتمع به فى الدلالة صورة اللفظ ، وإشراق المدلول.

اقرأ قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨) [التكوير : ١٨] ، فإننا لو أردنا تغيير كلمة من هاتين الكلمتين لتغيرت الصورة البيانية ، ولننظر فيهما.

الكلمة الأولى : وهى الصبح ، فإنها تدل على النور الذى يتخلل الظلمة ، ويسرى فيها شيئا فشيئا وينبعث فى هذا الوجود فيملؤه نورا ، وتنبعث من بعده الحياة ، ويخرج الناس إلى معايشهم بعد سبات الليل وسكنه ، وما يغشى به الكون من لباس الظلمة.

ولا شك أن كلمة الفجر قد تدل على بعض معانى كلمة الصبح ، والعلماء يعدونهما من المترادفين ، ولكن عند التحقيق نجد كلمة الفجر تدل على معنى شق الظلمة ، وعلى مجرد ابتداء نهاية الظلمة ، ولذلك يقترن بها ذكر الليالى ، كما قال تعالى : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (٣) [الفجر : ١ ـ ٣] ، فقد كان ذكر الليالى مع الفجر متناسبا ؛ لأن الليل متآخ مع الفجر فى معناه ، وقصد به مجرد نهاية الليالى.

ولكن كلمة الصبح لوحظ فيها الإشارة إلى ابتداء النهار. فإذا كان وقت الفجر والصبح واحدا ، فإن الفجر فيه بيان إنهاء الليل ، والصبح ابتداء النهار ، ولذا يستحسن الناس أن يقال طلع الفجر ، ولا يقال طلع الصبح ، بل يقال أشرق الصبح ، وهنا نجد المعنى واحدا فى الجملة ، ولكن الدلالة اللغوية الدقيقة مختلفة ، فهذا إشراق ، وذاك إنهاء.

والكلمة الثانية : كلمة (تَنَفَّسَ) فإن كلمة التنفس فى ذاتها تدل على بدء مظاهر الحياة شيئا فشيئا ؛ ذلك لأن أصل التنفس من النفس ، وهى الحياة ، وهى أيضا الريح ،

٨٤

وهى الحركة الدائمة المستمرة فى الداخل والخارج ، فهى تشمل ما يدخل فى النفس من أسباب الحياة ، وما يخرج منها لتستمر الحياة ، ويقال نفس عنى أى فرج عنى ، وبذلك يكون كلمة التنفس يندرج فيها ثلاثة معان تتصل بالحياة الدائمة المستمرة أولها التنفس بمعنى الحياة ، وثانيها حركتها واستمرارها ، وثالثها تدرجها فى الظهور شيئا فشيئا ، ولو أنك وضعت كلمة أشرق بدل تنفس ، كأن يقال ولكلام الله تعالى المثل الأعلى : «والصبح إذا أشرق ، أو أصبح أو أنار أو أضاء» فإن كلمة منها أو كلمات لا تقوم مقام تنفس ، ولا تغنى غناءها.

ولو أننا تركنا لفظ تنفس بانفرادها ، وتابعناها مقترنة بكلمة الصبح ، وهو النور الذى يبتدئ به النهار ونظرنا ما يصوره قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨) ورأينا كل حى فى الوجود ، يفيض عليه الإصباح بالعمل والحركة ، فالندى يصيب الزهور ، والضوء يضيء الحدائق الغناء ، والطيور تزقزق بموسيقاها ، وينبعث كل من فى الوجود خارجا من لباس الليل إلى معاش النهار ، فالزارع يخرج إلى حقله ، والماشية تنبعث من مرابضها ناعقة فرحة ، سائرة إلى المراعى ترعاها ، والكلأ تنتجعه ، والصبيان يخرجون من أكنانهم كما تخرج الطير من أكنانها ، وكل ما فى الوجود يخرج مما يخفيه الظلام.

وهكذا نجد كل مظاهر الحياة تندرج فى الظهور ، حتى يصل إلى الضحى فيكون المعترك القوى الصاخب اللاغب ، فهل ترى كلمة تدل على هذه المعانى أبلغ من كلمة : والصبح إذا تنفس ، وبهذا يتبين أن ألفاظ القرآن الكريم كل كلمة فى حيزها ، لا يملأ غيرها فى موضعها فراغها.

٥١ ـ بعد هذا البيان الذى حاولنا فيه أن نتسامى إلى أن نذكر مواضع البلاغة أو الفصاحة فى كل الكلمات التى سقناها وتلونا آياتها ، وكون كل كلمة فى موضعها ذات بلاغة خاصة تصور صورة بيانية رائعة ، وهى مع أخواتها تتلاقى فى صورة كاملة ، لها أطياف تروع القارئ ، وتستولى على لب المتفهم.

ولننتقل الآن من الألفاظ إلى عبارات لها معان لا يحل محلها فى نسجها ولا فى مدلولها ما يقوم مقامها ، ولنذكر منها أربع آيات.

أولاها قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٧٦) [الأعراف : ١٧٥ ، ١٧٦].

وإن هاتين الآيتين الكريمتين تصوران رجلا آتاه الله تعالى العلم بالآيات الموجبة التصديق بالحق ، وإن هذه الآيات أحاطت بقلبه ونفسه ، حتى لا مناص من إنكارها كما

٨٥

يحيط الإهاب بالجسم ، ولكنه ترك الأخذ بالهدى استجابة لداعى الشيطان وصار من الضالين الذى أغواهم إبليس اللعين ، فكان مثله كمثل من ينسلخ عن الإهاب الذى لبسه ولصق بجسمه ، ولو شاء الله تعالى لرفعه من كبوة الضلال بما آتاه الله تعالى من علم ، ولكنه هو الذى انحط إلى الأرض ونزل إليها ، بسبب هواه فصار مثله كمثل الكلب يلهث دائما ، إن ترك يلهث ، وإن حمل عليه يلهث ، ولننظر فى الكلمات التى تشتمل عليها هذه الآيات.

الكلمة الأولى : (انسلخ) والسلخ نزع جلد الحيوان يقال سلخته فانسلخ ، ووضع هذه الكلمة فى ذلك النص الكريم له معنى لا يوجد فى لفظ غيره ، وهو يشير إلى أن البينات والآية المعلمة للحق أحاطت به ، ولصقت بنفسه واتصلت بعقله اتصال إهاب الحيوان بلحمه ، ولكنه انسلخ من هذه البينات فكلمة انسلخ فيها استعارة ، فشبه الكفر والفساد ، بالانسلاخ فى الإهاب لكمال الملازمة ، ولأن الانسلاخ يكون بمعاناة وعنف ، إذ إن مادة المطاوعة لا تكون إلا للأفعال التى تحتاج إلى معالجة ، فلا يقال كسرت القلم فانكسر ، ولا يقال كسرت الزجاج فانكسر ، ولكن يقال كسرت الباب فانكسر ، ويقال طويت الحديد فانطوى ، فكان هذا تصويرا لإثبات أن الكفر ضد الفطرة ، وأنه يحتاج إلى يحتاج إلى معاناة للنفس ، ومقاومة لدواعى الهوى ، ولكنها لا تكون إلا اتباعا لهوى الشيطان.

الكلمة الثانية : أتبعه الشيطان : أى لحقه الشيطان ، فإنه يقال أتبعه إذا لحقه ، ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) (٦٠) [الشعراء : ٦٠] ، وقوله تعالى : (فَأَتْبَعَ سَبَباً) (٨٥) [الكهف : ٨٥] ، وقوله تعالى : (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٤٢) [القصص : ٤٢] ، وإن وضع هذه الكلمة فى هذا الموضع لهو وضع بلاغى عميق ، ففيه إشارة إلى أن الشيطان إنما يلاحق الذين يتركون الآيات ، ولا يعملون على الأخذ بموجب البينات ، فأول دركات الضلال هو ترك الدلالة المعلمة للحق مع قوة سلطانها ، وإذا تركها فإن الشيطان يلحقه ، ويأخذ به إلى آخر غايات الضلال ، وإذا وصل إلى هذه الدرجة صار من الغاوين ، والغواية معناها الجهل المردى ، الذى يصحبه اعتقاد فاسد مردود ، وكأنه بهذا الانسلاخ من موجبات المعرفة ، ودواعى الحقيقة ينقلب من عالم بالبينات مدرك لها إلى جاهل أرداه جهله فى الفساد.

الكلمة الثالثة : (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) ومعنى أخلد إلى الأرض ركن إليها يحسب أن الركون إليها يجعله خالدا ، ويجعله باقيا مستمرا ، وهو يريد البقاء على أى صورة ، وإن مقابلة هذه الكلمة بقوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) أى بالبينات يفيد أنه اختار الاستفال بدل الارتفاع ، والضعة بدل الرفعة ، ويكون فى هذا إثبات أن الرفعة تكون بطلب الحق والإيمان والاستجابة لبيناته ، وعدم الانخلاع من موجبها.

٨٦

وكل هذه المعانى تشرق من مقابلة الارتفاع بالإخلاد إلى الأرض.

وهنا نجد صورة رائعة تلتقى فيها أطياف مميزة بألفاظ مصورة فهى تصور شخصا أفاض الله تعالى عليه بأسباب الإيمان بالحق ، والتصقت به حتى صارت كأنها جزء من كيانه ، وقد اتصلت ببنائه ، ولكنه بسبب أنه أخلد إلى الأرض وكان نزوعه متصلا بأعلاقه قد سلخ البينات الملتصقة بها بانغماس فى الضلال متكرر مستمر ، حتى انسلخ من الهداية ، وفى ذلك إشارة بيانية إلى أنه ترك الهداية بعد عمل مستمر قام به ، فهو قد ابتدأ فى الشر متبعا هواه ثم كرره حتى كون له خطوطا فى نفسه ، وتكرر حتى صارت الخطوط مجارى ، فكان الانسلاخ وبعد الانسلاخ وجد الشيطان طريقه فأتبعه بغية الضلال ، وقد مثله تعالى بمثال آخر ، وذكر له صورة أخرى.

وذكر فى الكلمة الرابعة : «فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث» ؛ واللهث كما يقول علماء اللغة أن يخرج الحيوان لسانه مرطبا بلعابه فى حال عطشه أو جوعه أو إعيائه ، أو إهاجته وذعره ، ويقولون : إن أخس أحوال الكلب أن يكون منه اللهث فى كل أحواله ، فإنه يكون مكروبا دائما. وقد ذكر القرآن الكريم حال من ينسلخ من الهداية إلى الغواية بأنه يكون فى حال هياج نفسى مستمر لا يستقر على قرار ، ولا يسكن على حال ؛ إذ إن الهداية إيمان ، والإيمان اطمئنان وقرار ، ومن يكفر بالله وينسلخ على هدايته اتباعا لهواه يكون فى لهج مستمر ، فيكون كالكلب فى أخس أحواله وأذلها ، إن هيج لهث وبدت صورته شوهاء ، وإن سكت عنه بدا على هذه الصورة.

وإن هذا تصوير واضح لمن غلب عليه هواه ، إذ تغلب عليه شقوته ويكون فى اضطراب ، وشعور بحرمان دائم يستقر فى نفسه ؛ لأن الهوى يجعل النفس طلعة تتطلع ولا تهدأ ولا تستقر ولا تطمئن.

ونرى من هذه الآية وما سبقتها كيف يكون كل لفظ مؤديا معنى خاصا يقصد ، ويعطى صورة من البيان لها أطياف كأطياف صورة التصور الحسية التى تصورها يد صناع لمصور ماهر ، ولكلام الله تعالى المثل الأعلى ، ومن مجموع هذه الصور المتكونة من الكلمات تكون صورة كلية يتمثل فيها أعلى صور البيان.

٥٢ ـ ولننتقل من هذه الصورة الرائعة التى تتكون من مجموع صور بيانية للعبارات إلى صورة بيانية لبيان حال ما ينزل بالكفار يوم القيامة ، ولا يصح أن يجول بخاطر أحد أننا نبحث فى ألفاظ القرآن الكريم متخيرين ، بل نفتح فنجد الأمثال الواضحة من غير تحر ولا تخير.

٨٧

لقد قال تعالى فى سورة الدخان فى تصوير غذاء المشركين يوم القيامة ، وترى كل كلمة من النص تبين صورة مؤلمة مزعجة لما يتناولون ، ويشترك فى الصورة نغمة الكلمات ونسقها وتآخيها.

اقرأ قوله تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩) [الدخان : ٤٣ ـ ٤٩].

ولننظر إليها ، ونبين ما فيها من صورة بيانية ، تتخذ منها ومن أخواتها صور بيانية لأغلظ عيش وأقسى حياة ، وكيف يكون الغذاء كله إيلاما لا إشباع فيه ، وإيذاء لا متعة معه ، ثم يختم القول بتهكم على من كان يحسب نفسه عزيزا كريما والمؤمنين أراذل منبوذين.

أولى هذه الكلمات شجرة الزقوم. وهذا استعمال قرآنى لم يكن كثيرا عند العرب ، وإن كان أصل اشتقاقه من لغتهم ، والزقوم صيغة مبالغة من الزقم ، الزقم إعطاء الطعام الكريه أو الأمر الكريه ، ويقال تزقم إذا ابتلع شيئا كريها غير مرغوب فيه ، بل تنفر عنه الطباع وتستكرهه.

فشجرة الزقوم الشجرة التى لا تثمر إلا ثمرا كريها تعافه النفوس ، ولا يناله المتناول إلا مكرها بإكراه من ذى جبروت ، أو من جوع ، أو من يكون فى حال من يريد تناول أى شىء مهما يكن ذلك الشيء ، ومهما يكن مذاقه ، ومهما تكن وباءته ، والتعبير بشجرة الزقوم فيه إشارة إلى أنه طعام مثمر مستمر ؛ لأن ثمراته الوبيئة الكريهة لا تنقطع ، فهى شجرة دائمة الإثمار.

وفى هذه الآية يذكرها ، وفى آية أخرى يذكر سبحانه أنها تنبت فى أصل الجحيم ، فهى من ثمرات شجر جهنم ، وفى ذلك تصوير لحال الطعام ، وتصوير لحال المقام ، وكيف أن المترف فى الدنيا يتنقل من واد نيرانى إلى واد مثله وكل حياته منها ، فإقامته فيها وغذاؤه من ثمار أشجارها ، وبئس مثوى الكافرين.

الكلمة الثانية : طعام الأثيم يقول الذين تكلموا فى ألفاظ القرآن أن الإثم الأمر المبطئ عن الخير المعوق عنه أو المؤخر له. وعبر عنها بكلمة أثيم ، وهى صيغة مبالغة من أثم وصفة مشبهة تدل على حال دائمة مستمرة ، فهى تدل على أنه فعل الإثم كثيرا ، ولذلك وصف بصيغة الصفة المشبهة ، وهو حال دائمة عنده ، إذ الصفة المشبهة تقتضى أن يكون الموصوف بها فى حال دائمة فى صفتها لا تفارقه ولا يفارقها ، وهنا معنيان كلاهما يدل على بلاغة اللفظ ، وعظم مؤداه :

أول المعنيين : ذكر الوصف الذى يشير إلى أن سبب ذلك الجزاء هو الإثم الدائم الكثير الذى كان منه فى الدنيا ، فالجزاء من جنس العمل ، والعدل يقتضى ألا يتساوى المسيء بالمحسن ، فهل يستوى الأعمى والبصير؟

٨٨

ثانيهما : أن ذلك الثمر الكريه الذى تثمره شجرة من نار جهنم هو الطعام الدائم المستمر الذى لا يقدم للطغاة إلا هو ، فلا يذوقون طيبا ، لأنهم لم يذيقوا الناس فى الدنيا طيبا ، وهل يكون جزاء الخبيث إلا خبثا.

الكلمة الثالثة : كالمهل يغلى فى البطون ـ والمهل دردى الزيت ، أى الراسب أو بقايا الزيت ، وتكون عادة سوداء معتمة ، ثم هى فى ذاتها شىء رديء ، وأعطاه القرآن وصفا وهو أنه يغلى فى البطون ، فهو بقايا رديئة أصابها العطن لغليانها إما لحموضتها إذ تغلى كالأشياء العطنة التى تتخمر وتغلى بالزبد ، وإما لأنها تكون ذات حرارة شديدة تغلى من شدة هذه الحرارة ، ولعل غليانها من الأمرين فهى متعفنة تغلى بالزبد من الحموضة ، أو هى حارة تغلى منها البطون لشدة الحرارة ، وفى كلتا الصورتين تدخل على البطون غذاء وبيئا ، إن كان فيه مادة الغذاء ، وليس غذاء مريئا ، فهو إن يمنع غائلة الموت ويبقى فإنما يبقى لتستمر الآلام ، وتكون حياته نكدا ، فطعام كريه فى مذاقه ، وبىء فى مآله ، مؤلم فى كل أحواله.

وقد يقال أن الأظهر هنا أن الغليان من العفونة التى تكون من بقايا هذا الزيت ، لأن التشبيه جاء بعد ذلك فى قوله تعالى : (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) وهو الماء الحار إذا بلغ أقصى درجات الحرارة ، فغلا واشتد غليانه ، والجواب أن الزيت يغلى مع شدة الحرارة كغليان الماء وهو فى هذه الحال يكون أشد لأنه يكون فى درجة حرارة أعلى ، وكان تشبيهه بالماء للتصوير والتقريب ، وكثير من تشبيهات القرآن للتقريب والتصوير ، فالغليان يكون بالعفونة ، وبالحرارة معا.

الكلمتان الرابعة والخامسة : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) فإن كل كلمة من هذه الكلمات تصور صورة عنيفة لهذا الذى عصى وغوى ، وضل إذ حسب أنه استغنى.

فكلمة الأخذ تنبئ عن القبض بعنف ، وقد كان فى القرآن الكريم ما يدل على العنف فيها كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (١٠٢) [هود : ١٠٢] ، وكان الأخذ بأمر الله لملائكة غلاظ شداد ، فكان الأخذ فى ذاته شديدا ، وكان الآخذون أشداء ، وتجهيلهم هنا مع وصفهم فى آية أخرى بأنهم غلاظ شداد ، فيه إرهاب وبيان لعظم الأخذ بالآخذين.

وقد فسر سبحانه فى الآية بما يدل على شدة الأخذ ، وبيان أنه نوع خاص منه ، إذ قال سبحانه : (فَاعْتِلُوهُ) إذ العتل هو الأخذ بمجامع الشيء والإحاطة به وجره بالقهر والعنف ، فإذا كان الأخذ فى ذاته عنيفا ، فهو فى هذا النص أشد عنفا ، إذ هو جر وإحاطة قوية بالمأخوذ ، وإن الأخذ بهذه الصورة من جر عنيف وإحاطة فيه ما يدل على الإهانة والتحقير ، وخصوصا إذا كانوا يحسبون أنهم وحدهم الكرام ، وغيرهم أراذل دونهم فإن الأخذ بطريق العتل يعطى صورة للمهانة التى يكون عليها من يستكبرون على

٨٩

الحق أن يتبعوه ، ويتبع الحق أهواءهم ، وفى هذا بيان أن هذا العنف جزاء وفاق لما كان منهم من غطرسة مقيتة ، فإنهم سيعاملون بمثلها يوم القيامة ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

الكلمتان السادسة والسابعة : (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) فكلمة سواء معناها المكان المتوسط ، والجحيم النار المتأججة التى تكون فى مهواة ، والصورة التى توضحها كل كلمة من هذه أنه يؤخذ عنوة ويوضع فى وسط النيران المتأججة التى تشتعل وتتأجج مرتفعة من وهدة جهنم إلى أعلى ، ويلقى فى المكان المتوسط بحيث لا يكون قادرا على الخروج منها ، بل هو فى وسطها لا ينتقل إلا إليها ، وليته يستمر على حاله لم يجئ له عذاب من خارجها ، بل إنه يجيئه العذاب من الخارج ، فيلتقى عذاب الداخل والخرج معا بل يجيء ما تدل عليه العبارات التالية :

الكلمات الثامنة والتاسعة والعاشرة : (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) ، والصب هو نزول الماء من أعلى إلى أسفل ، ويكون متدفقا مندفعا ، وهو مرتفع من فوق رأس الأثيم من عذاب الحميم ، فالصب فى ذاته من عل يؤلم ولو كان ماء باردا.

فكيف الحال إذا كان عذابا ، فهو صب لا لأجل التبريد ، ولكن لأجل التعذيب ، والإضافة هنا بيانية أى عذاب هو الحميم ، وهو السائل الحار الشديد الحرارة ، فهو عذاب ينزل فوق الرأس ، فيذيب أديمه ، ويصهره دهنا.

وباجتماع الآيات من أولها يكون العذاب المهين فى غذاء من المهل من الزيت الردىء يغلى فى البطن من شدة العفن ، ويغلى من شدة الحرارة ، ويساق فى هذه الحال مأخوذا أخذا عنيفا محيطا بمجامعه إلى وسط جهنم ، ثم ينزل من فوق رأسه عذاب هو سائل شديد الحرارة ، يصب على رأسه صبا عنيفا يذيب كل ما يقع عليه.

ومع هذا العذاب المهين المؤلم الشديد يوجد عذاب معنوى بالتهكم عليه فيقول لسان الحال : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ، ليعلم أنه كان طاغيا.

٥٣ ـ هذه جمل من الآيات الكريمة تسامينا فحاولنا أن نسمو إلى ألفاظ قرآنية مشرقة بمعان ، وكل كلمة منها لها طيف خاص بها ، وتدل على معان عميقة تصور ناحية بيانية تبدو واضحة فى انضمامها لغيرها ، وتتكون من مجموع الصور البيانية للكلمات صورة بيانية رائعة ، وإذا كان لكل صورة حسية أطياف تعطى الصورة حيوية ، فالصور البيانية لها أطياف عالية ، تعطى الصورة روعة عالية ، لا توجد فى أى كلام غير القرآن الكريم.

وإن الصور البيانية القرآنية تبدو أوضح ما تكون فى القصص القرآنى وإن كان كل البيان القرآنى رائعا واضحا ، فإن القرآن فى وصف الحوار والأجواء الفكرية والاعتقادية يصورها تصويرا واضحا ، فإذا وصف حالا لرجل تجده يصور قلبه وخواطره.

٩٠

اقرأ قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢١) [القصص : ٢٠ ، ٢١] ، هذه القصة بسياقها كل لفظ منها ينبئ عن معنى اللهفة والحذر ، فهذا الرجل الناصح الأمين تجده يسعى من أقصى المدينة ، والتعبير بأقصى يدل على المحبة الخالصة الطيبة ، ثم كلمة يسعى تدل على أنه جاء عدوا لا قرار عنده ولا اطمئنان وقوله : (إِنَّ الْمَلَأَ) ، وهم كبار القوم يدبرون الأمر ليقتلوك.

واستجاب موسى لنصيحة الرجل الأمين ، فخرج خائفا يترقب «انظر إلى كلمة يترقب» فهو ينظر يمينا وشمالا وأماما وخلفا يترقب من يأتيه من أمامه ، ومن يأتيه من ورائه ومن يأتيه من شماله ومن يمينه ، وكلمة يترقب تصور تلك الحال ، وتصور النفس المحترسة الآخذة تجدها فى اطمئنان نفسى ، واحتراس من غير اضطراب ، فالمترقب الخائف غير المضطرب الخائف ؛ لأن الخائف المضطرب لا يحسن الترقب ولا الحذر فيصيبه الهلع فيخاف من غير مخوف ، ويقع بهلعه وفزعه فيما يخشاه ، ولفظ القرآن الكريم ينبئ عن هذه المعانى السامية ، والكلمات صور لمعان حسية ومعنوية ، ظاهرة وباطنة ، والله سبحانه السميع العليم ، والحكيم الذى أنزل كتابه المبين الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

الكلمة مع أخواتها والعبارات مع رفيقاتها

٥٤ ـ قلنا : إن للكلمة إشراقا خاصا ، فكل كلمة لها إشعاع فكرى ، ولكنها لا يبدو منها ذلك الإشعاع ، والبلاغة البيانية إلا مع أخت لها تناسبها ، وتتلاقى فكريا معها ، فمثلا كلمة ـ تنفس ـ التى ذكرناها فى قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) لا ينبعث منها ذلك الإشعاع الفكرى إلا إذا كانت كلمة الصبح معها ، فلا بد لكى يكون ذلك الإشعاع المعنوى صحيحا واضحا مؤديا إلى غايته من أن يكون مقترنا بالصبح ، ومع أن الإشعاع منها وحدها ، إلا أنه لا يضيء إلا مع كلمة الصبح ، وكلمة الصبح لا تفترق عن كلمة الفجر ، إلا إذا كان يتبعه التنفس والإسفار ، فالصبح والتنفس متلازمان ، وإن كان كل منهما مؤديا معنى مستقلا ، والتلازم كان بألا يتبين ذلك المعنى الاستقلالى إلا بضم الأخرى إلى الأولى.

وذلك ما أشرنا إليه فى ابتداء الكلام فى بلاغة الكلمة القرآنية ، وما ارتضاه الجرجانى الذى حمل عبء القول عن نفى بلاغة اللفظ المنفرد ، فقيد نفيه بأن يكون مستقلا منفردا ، فإذا انضم إلى غيره بدت بلاغة الكلمة فى أنه يكون لها صورة بيانية ، وبانضمامها تكون لها صورة بيانية من الهيئة المجتمعة.

٩١

وقد راجعنا من بعد ذلك القاضى عبد الجبار (١) فى كتابه إعجاز القرآن ، فوجدناه يقرر فصاحة الكلمة منفردة ، ولكن لا تبدو بلاغة معانيها إلا إذا تضامت مع غيرها فهو يقول :

«اعلم أن الفصاحة لا تظهر فى إفراد الكلام ، وإنما تظهر فى الكلام بالضم على طريقة مخصوصة ، ولا بد مع الضم من أن يكون لكل كلمة ابتداء ، وقد يجوز أن تكون هذه الصفة بالمواضعة التى تتناول الضم ، وقد تكون بالإعراب الذى له مدخل فيه ، وقد تكون بالموقع ، وليس لهذه الأقسام رابع ، لأنه إما أن تعتبر فيه الكلمة أو حركاتها أو موقعها ، ولا بد من هذا الاعتناق فى كل كلمة ، ثم لا بد من اعتبار مثله فى الكلمات إذا انضم بعضها إلى بعض ، لأنه قد يكون لها عند الانضمام صفة ، وكذلك لكيفية إعرابها وحركاتها وموقعها ، فعلى هذا الوجه الذى ذكرناه إنما تظهر مزية الفصاحة بهذه الوجوه دون ما عداها.

هذا كلام من ذلك الإمام المعتزلى ، نهج فيه نهجا فلسفيا ، ولكنه يؤدى إلى ما قصدنا إلى بيانه ، ولعله يريد من المواضعة الوضع اللغوى للكلمة ، ويشمل ذلك الأصل اللغوى ، والحقيقة العرفية ، والمجاز والاستعارة والتشبيه ، وغير ذلك ، ويريد من الموقع موقع الكلمة من أخواتها من غير تنافر بينهما ، بحيث تكون الكلمة لقف أختها ، متناسقة متناسبة. ولعله يريد من موقع اختيار الكلمة فى وضعها بأن تكون فاعلا أو مفعولا أو حالا ، أو فيها اختصاص ، إذ عبر بالإشارة القريبة ، وهكذا ، فهو لم ينظر إلى بنية الكلمة وحدها بل نظر إلى موقعها من الإعراب.

وعلى ذلك نرى أن الكلمة البليغة تظهر بلاغتها مع أخواتها ، وأن الكلمة قد تكون بليغة فى موضع ، ولا تكون بليغة فى موضع آخر فى كلام الناس ، أما القرآن فالكلمة تكون بليغة دائما ، لأن منزل القرآن وهو الله تعالى يضع الكلمات فى مواضعها ، وفى الكلام الذى ينسب إلى الناس قد تكون اللفظة فى موضع بليغة ، وفى غيره غير ذلك ، ولذلك يقول عبد الجبار فى تفاوت كلام الناس : «لا بد فى الكلامين اللذين أحدهما يكون أفصح من الآخر أن يكون إنما زادوا عليه بكل ذلك أو بعضه (أى بالأمور السابقة) ولا يمنع فى اللفظة الواحدة أن تكون إذا استعملت فى معنى تكون أفصح منها إذا استعملت فى غيره» .. والله أعلم.

٢ ـ الأسلوب القرآنى

٥٥ ـ قد تكلمنا فى سابق قولنا فى ألفاظ القرآن المفردة ، أن اللفظ المفرد له بلاغة خاصة فى ضمن الأسلوب ، وأن كل كلمة فى جملة من الكلام تدل بمفردها على

__________________

(١) هو القاضى أبو الحسن عبد الجبار توفى سنة ٤١٥ ه‍.

٩٢

معان تتساوق مع المعنى الجملى للكلام ، وأن كل كلمة تكون بمفردها صورة بيانية تكون جزءا من الصورة العامة للقول ، وقلنا أن ذلك ليس معناه أن الكلمة لو جردت من الكلام تعطى وحدها ذلك الإشراق ، ولكن ينبثق نورها بالتضام مع غيرها من غير أن يفنى ضوؤها فى ضوئه ، ولا تنمحى صورتها البيانية التى أشرقت بهذا التضام.

وقلنا أن ذلك لم ينكره أحد حتى الجرجانى (١) الذى تشدد فى اعتبار الأسلوب وحده هو سر الإعجاز ، من غير التفات إلى معانى المفردات.

وإذا أردنا أن نحرر القول الذى رآه الأكثرون ، وخالف فيه الجرجانى ومن لف لفه ، فإننا نقول أن كلمات القرآن لها فى تناسق حروفها ، وتلاقى مخارجها إشراق بلاغى ، ولكن لا ينكشف ذلك الإشراق إلا بالتضام ، أى أن الإشراق ذاتى ، وهو الأصل ، ولكن شرط ظهوره تضام الكلمة مع غيرها.

وفى هذا المقام نتكلم على الأسلوب والصور البيانية التى تتكون منه ، والتآخى بين ألفاظه فى النغم وفى تناسق القول ، بحيث تكون كل كلمة فى موضعها الذى وضعت لا تنفر من أختها ، ولا يمكن تغييرها ، وكأن الكلمات فى الأسلوب نجوم السماء وأبراجها ، لا تزايل أماكنها ، ولا تخرج من مواطنها ، ويقول فى ذلك القاضى عياض فى الشفاء :

«الوجه الثانى من إعجاز صورة نظمه العجيب ، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ، ومناهج نظمها ونثرها الذى جاء عليه ، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له ، ولا استطاع أحد مماثلة شىء منه ، بل حارت فيه عقولهم ، وتدلهت دونه أحلامهم ، ولم يهتدوا إلى مثله فى جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر» (٢).

وإن الأسلوب هو الصورة البيانية التى تظهر فى معنى رائع ، وكلام مشرق ، يثير فى النفس أخيلة الحقيقة يصورها ويبينها ، ويحس الإنسان فيها بأطياف المعانى ، كما يحس بأطياف الصورة على حسب تثقيف المصور ، وحسن الاختيار فى ألوان الصور ، فللأساليب ألوان تحسن ، وتنسق ، وتصريف فى أوضاعها كما قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام : ٦٥].

ولقد قال فى هذا المعنى الخطابى (٣) فى رسالة إعجاز القرآن : «وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر لأنها لجام الألفاظ ، وزمام المعانى ، وبه تنتظم

__________________

(١) هو عبد القاهر الجرجانى توفى توفى سنة ٤٧١.

(٢) الشفاء ج ١ ص ١٧٦.

(٣) أديب لغوى محدث توفى سنة ٣٨٨ ه‍.

٩٣

أجزاء الكلام ، ويلتئم بعضه ببعضه فتقوم له صورة فى النفس فيتكلم بها البيان» ، وإذا كان الأمر فى ذلك على ما وصفناه ، فقد علم أنه ليس المغرد بذرب اللسان وطلاقته كافيا فى هذا الشأن ، ولا كل من أوتى حظا من بديهة حاضرة وعارضة كان ناهضا بحمله ومضطلعا بعبئه ، ما لم يجمع إليها سائر الشروط التى ذكرناها على الوجه الذى حددناه ، وأنى لهم ذلك ، ومن لهم به (١) : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) [الإسراء : ٨٨].

وإن الشروط التى ذكرها فى آنف قوله هو اختيار الألفاظ من ناحية معانيها ، وقوة تماسكها بعضها ببعض ، وأشار إلى أن الألفاظ قد تكون مترادفة فى الظاهر ، ولكن عند التحقق فى مرماها يكون الاختلاف ، وإن كان المعنى الجملى واحدا.

وإن الناظر إلى أسلوب القرآن الكريم فى الخطاب والبيان ، يجده مختلفا. فمثلا أحيانا يكون بالاستفهام والاستفهام أحيانا للتوبيخ ، وأحيانا للتقرير وأحيانا يكون للتنبيه ، والكلام يكون بإطناب لا حشو فيه قط ، ومعاذ الله أن يكون فى كلامه تعالى ما يشبهه ، وفى الإطناب يكون تكرار القول ، وأحيانا يكون الكلام إيجازا ليس فيه إخلال ، وأحيانا يكون الكلام تهديدا تضطرب له القلوب وتفزع ، وأحيانا يكون توجيها يدعو إلى التأمل والفكر ، وأحيانا ببيان أحكام الحلال والحرام وتوجيه أنظار المكلفين إلى حكمها ، وكل ذلك فى أسلوب متناسب مؤتلفة ألفاظه ، ومؤتلفة معانيه ، بحيث يتكون من الجميع صورة بيانية متناسقة فى معانيها مؤتلفة فى ألفاظها لا ينبو واحد منها فى لفظ أو معنى ، بل يتآخى الجميع.

التآلف فى الألفاظ والمعانى

٥٦ ـ التآلف فى الألفاظ ، بألا تكون بينها نفرة فى المخارج ، ولا نفرة فى النغم ، بل يتلاقى نغمها ، وتسهل مخارجها ، فلا تكون واحدة نابية عن أختها ، بل تتآلف وتتآخى فى نسق واحد ، بحيث لا تبدو واحدة بنطق غير مؤتلف مع نطق تاليتها ، أو كما قال الجرجانى فى دلائل الإعجاز : «كل كلمة لقف مع أختها ، ولو حاولت أن تنزع كلمة لتضع مكانها فى معناها ما ائتلف السياق ولا انسجم الأسلوب» ويقول فى هذا الباقلانى فى كتابه (إعجاز القرآن) :

«واعلم أن هذا علم شريف المحل عظيم المكان قليل الطلاب ضعيف الأصحاب ، ليست له عشيرة تحميه ، ولا أهل بيت عصمة تفطن لما فيه ، وهو أدق من السحر ، وأهول من البحر .. وكيف لا يكون كذلك وأنت تحسب أن وضع الصبح ، فى

__________________

(١) رسالة الخطابى ص ٣٧.

٩٤

موضع الفجر يحسن فى كل كلام ، إلا أن يكون شعرا أو سجعا ، وليس كذلك ، فإن إحدى اللفظتين قد تنفر فى موضع ، وتزل عن مكان لا تزل فيه اللفظة الأخرى ، بل تتمكن فيه ، وتضرب بجرانها ، وتراها فى مظانها ، وتجدها فى غير منازعة فى أوطانها ، وتجد الأخرى لو وضعت فى موضعها لكانت فى محل نفار ، ومرمى شرار ، ونابية عن استقرار» (١).

هذا ما ذكره الباقلانى فى كتابه ، وإذا طرحنا ما فيه من سجع لم يجئ على رسله واتجهنا إلى ما يرمى إليه وجدناه سليما دقيقا ، وإنه لا ينطبق على كلام كما ينطبق على القرآن ، ومقام القرآن فيه مقام الذروة والسنام.

وإن التأليف ليس فقط فى نسق الألفاظ ونغمها ، بل إنه يشمل التآخى فى المعانى كالتآخى فى المبانى ، فلا يكون معنى لفظ نافرا من المعنى الذى يجاوره ، ويتألف من الألفاظ والمعانى وما توعزه من أخيلة ، وما تثيره من معان متداعية يدعو بعضها بعضا ، ويتألف منها علم زاخر ، كثير خصب ، وقد عبر عن هذا المعنى الوليد ابن المغيرة بقوله : «إن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق».

ولنذكر لك شاهدا على ما نقول هو قصة الأعرابى الذى سمع قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٣٨) [المائدة : ٣٨] ، فأخطأ القارئ وقال : غفور رحيم ، فقال الأعرابى ، إنه يقطع الأيدى نكالا فلا يتفق القول ، فراجع القارئ نفسه وأدراك المعنى.

٥٧ ـ وإن التآخى فى المعانى والألفاظ ونسقها ونغمها ومعانيها واضح فى كل آيات القرآن ، لا فى آية دون أخرى ولا فى سورة دون سورة ، فلا تجد فى لفظ معنى يوجه الخاطر إلى ناحية ، ويليه آخر يوجهه إلى ناحية أخرى ، بل تجد النواحى متحدة إما بالتقابل وإما بالتلاصق والمجاورة ، وفى كلتا الحالين ، تجد معنى كل لفظ يمهد لمعنى اللفظ الآخر فلا تنافر فى المعانى ، كما أنه لا تنافر فى الألفاظ ، وهما فى مجموعهما ينسابان فى النفس غذاء رطيبا مريئا ، ونميرا عذبا سلسبيلا.

وقد ساق الباقلانى آيات ليست مختارة اختيارا ، لأن آيات القرآن كلها لا نظير لها ، فليس اختيار من ينتقى لأن كله خير ، وسنذكر آيات مما ذكر وأخرى لم يذكر ، كأن نفتح الكتاب ، فيبدو نوره فنقبس منه قبسة.

وقرأ قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢)

__________________

(١) إعجاز القرآن ص ٢٨٠ طبع المعارف.

٩٥

صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥٣)

[الشورى : ٥٢ ، ٥٣].

هذه الآيات الكريمة بعباراتها وإشاراتها البيانية ، وسياقها تدل على ابتداء الرسالة المحمدية ، وانتهاء أمر الناس فى الأخذ بها ، وعاقبة من اهتدى ، ومن ضل وعصى وغوى.

وإذا نظرت إلى الآيات الكريمات مع ما سبقها وجدتها كلاما متآخيا ، يندمج بعضه فى بعضه فى ائتلاف لا نفرة فيه ، فالآية قبلها تبين طرق كلام الله تعالى لخلقه ، فقد قال تعالى قبل هذه الآيات : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٥١) [الشورى : ٥١].

ولنبتدئ بالإشارات البيانية التى وعدنا أن ننبه إلى بعضها ، فليست لنا الطاقة إلى إدراك كلها ، ولعل غيرنا يدرك بعضا آخر ، ولا أحسب أننا جميعا نصل إلى كنه إشاراتها.

فهنا نجد كلمة «كذلك» تربط هذه الآيات بما فيها ، فهى تدل على المؤاخاة بينهما ، وهى تشير إلى علو الله فى المعنى الذى قرره «إنه على حكيم» وتشير إلى حكمة اختيار الطريقة فى الرسالة المحمدية.

ولننظر فى الألفاظ نجد التآلف بينها فى النطق والنغم ، أفلا نجد ائتلافا بين كلمة أوحينا ، وكلمة روحا ، وكلمة من أمرنا ، لا أنبه إلى ما فيه من تآلف فى النطق ، وتآخ فى المخارج والنغم ، فذلك بين لا يحتاج إلى بيان ، وهو يتصل بالذوق والجرس فى السمع ، فهو يدرك بالحس ، ولا ينبه إليه بالمعنى.

ولكن نريد أن ننبه إلى التآخى فى المعنى لكل كلمة سيقت ، وما تتسع له كل واحدة من معان تتلاقى مع أخواتها وتأتلف فتعطى صورة بيانية رائعة.

فكلمة أوحينا تدل على أن خطاب الله تعالى لرسله لا يكون جهرا يعلمه كل واحد ، ويسمعه كل إنسان ، فهو خطاب لرسول ، والرسالة بمجرى الأمور تكون بين المرسل وبين من يرسله ، والتعبير بأوحينا إبطال لقول من يقولون : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) أو قول من يقولون عن جهل بالله ورسالاته الذين يقولون : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) أى نراه ونحسه ولذا رد الله تعالى قولهم بقوله : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩) [الأنعام : ٨ ، ٩]

فكلمة أوحينا مع حلاوة لفظها فيها إشارة إلى هذه المعانى فى عمومها ، ولم يبين نوع الوحى ، إذ هو على ضروب مختلفة متعددة بالنسبة لخطاب الله تعالى لأنبيائه

٩٦

عامة وبالنسبة لمحمد خاتم النبيين خاصة. وذلك إما برسول يشاهد ، يرى ويسمع كلامه كتبليغ جبريل للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يراها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده) ، وإما بإلقاء فى الروع كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن روح القدس نفث فى روعى» ، وإما بمخاطبة الله تعالى وسماع كلامه سبحانه من غير حس ، كما كان فى المعراج وفرض الصلوات.

وبكل تلك الأنواع والطرق كان وحى الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ونجد فى إضافة الإيحاء إلى الله تعالى بيان عظمة الوحى ، وكون الإيحاء إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخاطبا له جل جلاله إعلاء لشأنه ، وبذلك تتآخى فى رفع شأن الرسالة والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله تعالى : (رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) ، والروح هنا قال أكثر المفسرين للقرآن إنه جبريل ، ونرى أنها تشمل جبريل عليه‌السلام فقد سماه الله تعالى روح القدس ، ويكون معنى الإيحاء الإرسال ، ويشمل القرآن ، ويشمل الشريعة نفسها ، وتسميتها بالروح لما فيها من معنى البقاء والحياة إلى يوم القيامة ، وإضافتها إلى من أمر الله تعالى لتشريفها وتشريف من جاءت إليه وبعث باسمها ، وهكذا نجد مع ائتلاف الألفاظ فى النسق والنغم وجرس الكلام تآخيا فى المعانى ، فإنها كلها تدل على شرفها بعظم مصدرها وهو الله تعالى ، وكبر المعانى فى ذاتها ، فكان لها شرف المعانى ، وكان لها شرف أنها من الله تعالى ، فأى كلام بليغ يصل إلى كل هذا فى التآلف بين المعانى والألفاظ.

٥٨ ـ والآية السامية تحوى فى سياقها ، دليل الرسالة فيقول تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) ، وإن هذا النص الكريم مع إيجازه يرمى إلى ثلاث حقائق :

الأولى : أنه ما كان يعلم علم الكتابة فلم يكن قارئا ولا كاتبا وعبر هنا عن العلم بالدراية ، لأن الدراية علم يأتى بالتعلم والممارسة ؛ فهو علم كسبى ، وأنه ما كان يعلم بالدراية ، ونفى الدراية فى الإيمان لأنه لم يكن هناك من يلقنه علم الإيمان إلا أن يكون إلهاما من الله تعاونه الفطرة المستقيمة ، وقد يقال أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان مؤمنا منذ بلغ التمييز وقبل ذلك ، فكيف كان لا يدرى الإيمان ، والجواب عن ذلك أنه كان موحدا ، ولكن بقية ما يقتضيه الإيمان من صلوات وزكوات وتنظيم للمجتمع ، وطرق التعامل السليم ، ما كان يدريه ، وبهذا يفسر قوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧) [الضحى : ٦ ، ٧].

الثانية : أن فى هذا الكلام السامى حجة على أن القرآن من عند الله تعالى ، وأن محمدا لم يأت به من عنده ، لأنه ما كان يقرأ ولا يكتب ، وهذا كما قال الله تعالى فى

٩٧

سورة أخرى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ).

[العنكبوت : ٤٨]

الثالثة : أن قوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) الدراية داخلة على الاستفهام ، ففي الدراية متجه إلى الحقيقة ، أى أنه ما كان يدرى حقيقة الكتاب ولا تفصيل الإيمان ، وهذه تأكيد لنفى العلم بالكتاب علم دراية ، ونفى العلم بتفاصيل الإيمان علم دراية.

ولا شك أن كل كلمة من هذا النص وما سبقه تتآخى مع ما بعدها وما قبلها فى تقرير حقيقة ثابتة ، وهى أن القرآن روح من عند الله ، وكل روح فيها حياة ، وحياته فى الشريعة التى أنزلها ، والتوحيد الذى دعا إليه ، والحق الذى أثبته ، والصلاح الذى بثه ، ودفع الفساد فى الأرض ، ولكن القرآن نور هذا الوجود (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا).

٥٩ ـ وننظر فى النص ، وانسجام ألفاظه ، وتلاقى معانيه ، وإنك تجد للاستدراك هنا موضعا طيبا ، إذ إن النص الكريم السابق كان فيه نفى الدراية عن حقيقة الكتاب وعن حقيقة الإيمان ، والاستدراك هنا لا يفيد أن نفى الدراية دائم ، بل إنه ينتهى بعلم الكتاب الذى هو النور الذى يهدى به الله تعالى.

ولنترك الكلمة للباقلانى فى الإعجاز فهو يقول :

«جعله سبحانه وتعالى روحا لأنه يحيى الخلق ، فله فضل الأرواح فى الإحياء ، وجعله نورا لأنه يضيء ضياء الشمس فى الآفاق ، ثم أضاف وقوع الهداية إلى مشيئته ، ووقف وقوع الاسترشاد به على إرادته ، وبين أنه لم يكن ليهتدى إليه لو لا توفيقه ، ولم يكن ليعلم ما فى الكتاب ولا الإيمان لو لا تعليمه ، وأنه لم يكن ليهتدى لو لا هداه فقد صار يهتدى ، ولم يكن من قبل ذلك ليهتدى ، أى أن القرآن الكريم قبل نزوله ما كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدرى ما الكتاب ولا الإيمان ، وبعد نزوله اهتدى وعلم ، وبلغ مرتبة أن يحمل الهداية والإرشاد للناس بعد أن كان لا يدرى الكتاب ولا تفصيل الإيمان ، وهذا يفيد أن القرآن تعليم الله للنبى ، وللناس من بعده».

وأن الكلام السامى (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) فى هذا استعارة تمثيلية ، أى أنه هو كالنور المضىء الذى لا يضل فيه السارى ولا يختفى على من يبصر بسببه شىء ، بل إن فيه تأكيد التشبيه بجعله هو النور ، وأن الذين لا يبصرون حقائقه ، وما فيه من علم ، العيب فيهم وليس فيه ، والنقص منهم وليس منه ، وإضافة جعله نورا إلى الله تعالى تشريف له فوق تشريف ، وهو يتفق مع النسق الذى ابتدأ به النص الكريم ، ولكن مع أنه النور الذى يهدى ـ لا يهتدى به الناس من غير أن يكون ذلك بمشيئة الله تعالى. فقال

٩٨

سبحانه : من نشاء من عبادنا. فبين سبحانه سلطانه على القلوب ، وخص بالهداية من شرفه بأنه من عباده ، تعالى سلطانه ، وقام عدله ، وفى هذا إشارة بيانية إلى أن الذى شاء الله تعالى هدايته هو من خلّص نفسه ، وجعلها لله وحده ، وشرف بأنه من عباد الله لا من إخوان الشياطين.

ولقد شرف الله تعالى نبيه بأن نسب إليه هداية الإرشاد ، وبيان السبيل فهو نور معه نور الكتاب ، ولذا قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أكد الله تعالى عمل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببيان سبيل الحق والدعوة إليه ، وأنه المستقيم الذى لا عوج فيه ولا اضطراب.

فهنا هدايتان : أولاهما هداية التوجيه والإرشاد وبيان الحق ودعوته ، وهى للرسل لكيلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، فمن علم واستنار واهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، وما الله بظلام للعبيد. والهداية الثانية العليا ، وهى امتلاء القلب بالإيمان بعد أن سار فى طريقه وأرشد إليه ، وهذا لمن يشاء الله هدايته من عباده المؤمنين.

وقد ذكر الله تعالى من بعد ذلك الحكم العدل بإعطاء الطائع جزاءه من ثواب ، وما يستحقه العاصى من عقاب ، فقال تعالى : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) أى وإليه وحده مآل الأعمال كلها ، وكل امرئ بما كسب رهين ، فمن عمل صالحا فله جزاؤه ومن عصى وبغى نال عاقبة ما عمل.

ونرى من هذا تآخى المعانى فى الآيات ، وتسلسل ما ترمى إليه ، فبين أولا بعث النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإعطاءه الدليل بمعجزة القرآن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وذكر ثانيا الحجة على صدق القرآن ، ثم أشار إلى أنه نور ، وذكر أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم علمه الإرشاد وبيان الحق والطريق إليه ، وأن الهداية من بعد ذلك.

هذا تآخى المعانى ، وكون كل معنى مقدم للذى يليه ، والتالى مبنى عليه ودعامة لما بعده ، أما تآلف الألفاظ فى النغم والحروف ، فأمر فوق طاقة البشر.

وإنه ليتألف من هذا الكلام صور بيانية للوحى ، والقرآن ونوره وهداية الأنبياء وموضعها ، وهداية الله تعالى ، وثمرتها فى القلوب ، وكونه لعباد الله المخلصين ، لا لعبدة أهوائهم وشهواتهم.

٩٩

صورة بيانية للطمع والشح ثم الندم

٦٠ ـ تلك صورة لمن سيطر عليهم الشح فذاقوا عاقبته ، ثم تنادوا بالتوبة والتلاوم قال تعالى : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٣٣) [القلم : ١٧ ـ ٣٣].

سبحان الله تعالت كلماته ، وعز قرآنه ، وعلا بيانه ، ولعل من فضول القول أن أقول أن الآيات تصوير رائع لنفس الشحيح ، وحرصه ، وندمه. إن ذلك من فضول القول ؛ لأن القرآن كله رائع لا يصل إلى روعته كلام مطلقا ، ولا يستطيعه قائل.

إن الآيات الكريمة فيها :

(١) صورة بيانية لنفس الحريص الغافل عن سلطان الله تعالى.

(٢) وصورة بيانية لغفلة الحريص عن قضاء الله تعالى ، وأن كل شىء عنده بحساب.

(٣) وفيها بيان لحال المناعين للخير ، وما يدور فى نفوسهم.

(٤) وصورة بيانية للندم كيف يدخل النفوس بعد التنبه.

(٥) ثم حال الندم وما يليه من توبة نصوح.

(٦) ثم بيان حال الرجاء فى رضا الله تعالى.

وقبل أن نتكلم فى تلك الصور البيانية نقول : إن الألفاظ ليس فيها نبوة تبدو ، ولو بترجيح النظر كرّات ، والتناسق فيها متوافق النغم تفيد برنينها ، وتصل إلى القلوب فى عميقها ، والمعانى متآخية تتجه كلها إلى تصوير الطامعين أهل الشح ، وكيف يبتدئ بالحرص العنيف المغالى فيه ، وتغليب الطمع فى كل شىء ، والاستيثاق من تحقق ما يطمع فيه ، كما يصور له الطمع ، ثم يشتد المنع حتى يكون لكل خير ، ثم تكون المفاجأة.

هذا ، وإن مجال التصوير يظهر فى أن الموضوع كله ذكر مثلا لكل مناع للخير لأنه ذو مال وبنين ، ودفعه غروره بما آتاه الله من مال ثم كفر به ، واعتدى ، وكانت

١٠٠