المعجزة الكبرى القرآن

محمد أبو زهرة

المعجزة الكبرى القرآن

المؤلف:

محمد أبو زهرة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (١٧) [الحاقة : ١٣ ـ ١٧].

وقال تعالى فى وصفها بالقارعة : (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القارعة : ١ ـ ٥]

وعلم الساعة خفى عن الناس ، وعن الأنبياء والمرسلين ، فهى من علم الغيب الذى استأثر به علم الله تعالى ، حتى يسير الناس فى أعمالهم ، وبإرادتهم ويتحملون تبعة الأعمال ، وقد قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٨٨) [الاعراف : ١٨٧ ، ١٨٨].

ولقد قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (٣٤). [لقمان : ٣٣ ، ٣٤]

الميزان والحساب

١٧٧ ـ إذا كان يوم القيامة هو اليوم الذى يبعثر فيه ما فى القبور وقد حدثنا القرآن الكريم فى علمه عن ذلك بتفصيل واضح تطمئن إليه العقول والقلوب ، فإنه بعد قيام القيامة يكون الحساب على ما قدم المرء من أعمال الخير ، ويحاسب الأشرار على ما قدموا من شر ، ولذلك نجد النصوص القرآنية تقرر الحساب والميزان ، وأن الناس منتهون من بعد الحساب إما إلى الجنة وإما إلى السعير ، اقرأ من سورة الواقعة قوله تعالى :

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ

٣٠١

(٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) ... إلخ. [الواقعة : ١ ـ ١٦].

وإنه يجيء كل إنسان ومعه كتابه فيه حسناته وفيه سيئاته قال تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥) [الإسراء : ١٢ ـ ١٥].

ويقول سبحانه وتعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً (٧٠) يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٧٢) [الإسراء : ٧٠ ـ ٧٢].

ويقول سبحانه وتعالى بعد وصف يوم القيامة فى سورة الحاقة : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ (١٨) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (١٩) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٢١) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (٢٢) قُطُوفُها دانِيَةٌ (٢٣) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ (٢٤) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) (٢٩) [الحاقة : ١٨ ـ ٢٩].

ويقول سبحانه فى سورة القارعة بعد ذكر يوم القيامة وهوله : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ) (١١) [القارعة : ٦ ـ ١١].

الجنة والنار

١٧٨ ـ فصل القرآن الكريم أحوال أهل الجنة ، وما فيها من نعيم مقيم ، وأحوال أهل النار ، وما فيها من عذاب أليم ، وبين ما يجزى الله تعالى به عباده المتقين ، وما يعاقب به الذين استحوذ عليهم الشيطان.

ولنضرب لذلك أمثلة مما ذكره من أحوال الجنة ونعيمها ، فقد قال تعالى :

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ

٣٠٢

وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (١٥) [محمد : ١٥].

ويقول سبحانه وتعالى فى وصف أهل الجنة : وهم فيها (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٤٠).

[الواقعة : ١٠ ـ ٤٠]

وقال تعالى فى وصف الجنة ووصف النار : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (٢٦) [الغاشية : ١ ـ ٢٦].

ويقول سبحانه فى وصف الجنة : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

٣٠٣

تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٧٨).

[الرحمن : ٤٦ ـ ٧٨]

١٧٩ ـ وقد ذكر القرآن أوصاف النار التى هى جزاء الكافرين. الذين استكبروا عن أن يؤمنوا بربهم ، واتبعوا إغواء إبليس الرجيم ، ولنذكر بعض أمثلة من أوصاف الجحيم ، يقول الله تعالى : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) (٣٠) [النبأ : ٢١ ـ ٣٠].

ويقول سبحانه وتعالى ، فى جهنم أيضا : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)

[المطففين : ١ ـ ١٧]

ويقول سبحانه فى بعض ما يذوقه الكفار الضالون : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ

٣٠٤

وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦) نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) (٥٧) [الواقعة : ٤١ ـ ٥٧].

ويقول سبحانه وتعالى فى جزاء اتباع إبليس وذكر ذلك فى أصل عصيان إبليس عند ما طلب سبحانه وتعالى منه السجود ، فلم يسجد ، يقول سبحانه وتعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) (٤٤) [الحجر : ٢٨ ـ ٤٤].

وهكذا نرى وصف الجحيم مبثوثا فى القرآن ؛ لأنه جزاء وفاق على الشر ، ولأن جزاء الإحسان على الإحسان ، كما قال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ).

[يونس : ٢٦]

١٨٠ ـ وإن القرآن الكريم قد جمع بين ضفتيه بيان العقيدة الإسلامية التى لا يسع مسلما أن ينكرها ، ومن أنكرها يقال له : تب كما قال الإمام الشافعى رضى الله تعالى عنه.

وإن العقيدة كلها قائمة على الإيمان بوحدانية الله تعالى ، وعدله سبحانه وأنه الفعال المختار ، وأنه المجازى بالإحسان إحسانا ، ويعاقب من يخرج عن الجادة ، ويكون من المفسدين.

وبالبناء على عقيدة الوحدانية ، وأن الله تعالى فاعل مختار ، وأنه العادل ، كان بعث الرسل ، وكانت المعجزات الخارقات لما يعرفه الناس من الأسباب والمسببات ، وكان العدل الإلهى موجبا أن يكون ثمة بعث ، وحساب ، وعقاب ، وثواب ، وكل امرئ بما كسب رهين.

٣٠٥

البعث والجنة والنار أمور حسية

١٨١ ـ يحلو لبعض المتفلسفين من الكتاب فى الماضى أن يقولوا أن البعث والجنة والنار ، والحساب والعقاب والثواب أمور روحية معنوية ، وليست أمورا حسية ، وذلك قد جاء من نقص إيمانهم بالغيب ، وباطل ما يقولون وما يعتقدون فإذا كان البعث معنويا للأرواح ، فلما ذا يعجب المشركون من أنهم بعد أن يكونوا ترابا يعودون ، فإن عودة الأرواح لا تقتضى أن يكون ذلك الاستنكار ، إذ إن الأجساد التى صارت لا تعود ، ولكان الرد عليهم سهلا ، بأن يقال لهم إن أجسامكم لا تعود ، بل أرواحكم هى التى تعود.

وإذا كان البعث ماديا بصريح القرآن الكريم ، فإن الجزاء يكون الإحياء بأرواحهم وأجسادهم ، والنتيجة المنطقية لهذا أن يكون نعيم أولئك الذين بعثوا من قبورهم ، نعيما لأجسادهم وأرواحهم ، ونعيم الأجساد مادى لا محالة ، ولذلك يجب الإيمان بأن نعيم الجنة وعذاب النار ماديان ، وليسا معنويين فقط ؛ لأن البعث حق ، ويجب التنبه إلى أن حقائق اليوم الآخر سواء أكانت معنوية أم كانت مادية لا تتسع لها لغتنا ، وأى لغة من اللغات ، لأنها أعلى من مستوى حياتنا ، ونحن نعبر عمّا هو من معايشنا ، وفيما هو فى طاقتنا.

ولكن تعبير القرآن عن الآخرة وما فيها هو اللغة العربية ، وإن كانت أعلى مما يستطيعه البشر.

ولذلك كانت تعابير العربية لتقريبها من مألوفنا ، ولكى نتسامى إلى معرفة ما ينتظر المتقين من نعيم مقيم ، وما ينتظر العصاة من عذاب مهين.

ولقد ورد عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت». وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن عبارات القرآن ، فيما يتعلق بالجنة والنار ، مجازية فى ألفاظها.

ولكن مع إيماننا بهذه الحقائق ، يجب أن نقرر أن ما ذكر من رمان ، وعسل مصفى وخمر لذة للشاربين ، هى مما يجوز إطلاق هذه الأسماء عليه ، ولكنه نوع آخر ، ليس من جنس الأنواع فى حياتنا هذه ، وإن كان لها اسمها ، ولذا وصفت خمر الآخرة بأنهم لا يصدّعون عنها ولا ينزفون ، ولكن فيها لذة للشاربين.

هذه كلمات نقولها فى ختام بحثنا عن يوم القيامة ، وما يجرى من بعده من حساب وعقاب وثواب.

والقرآن الكريم روضة يانعة مستمرة فيها الحقائق عن الغيب كله بمقدار ما تدركه عقولنا ويقرب إلى أفهامنا ، والحقائق كاملة فى غيب الله ، اللهم اكتبنا من الشاهدين.

٣٠٦

علم الحلال والحرام

١٨٢ ـ علم الحلال والحرام فى الإسلام مصدره القرآن ، وهو الشريعة العملية ، والأحكام التكليفية وما من أمر شرع بالسنة إلا كان مرجعه إلى القرآن ، فهو كلى هذه الشريعة ، حتى لقد قال العلماء أنه لا يوجد حكم شرعى إلا كان له أصل فى القرآن ، والسنة النبوية الكريمة بينته أو شرحته ، ولقد طار بعض الملحدين بهذه الحقيقة ، وزعموا أنه يمكن الاستغناء بالقرآن عن السنة وذلك هو الافتيات على الحقائق ؛ لأن السنة مبينة القرآن كما قال تعالى : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٤) [النحل : ٤٤] وكما قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء : ٦٥].

فإهمال السنة والاقتصار على الكتاب ضلال مبين ، أو تضليل أثيم ، إنما هما يتعاونان فى بيان أحكام الشريعة ، والسنة تفصيل لما أجمل الكتاب ، وتوضيح لما عساه لا تدركه الأفهام.

أمر الله تعالى بالصلاة ، ولم يذكر أركانها ، ولا شكلها ، وترك للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم بيانها ، فبينها بالعمل ، وقال : «صلوا كما رأيتمونى أصلى» وتضافرت بذلك الأخبار عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصار العلم بالأركان والكيف من أصول الدين ، والعلم بها ضرورى ، من أنكره فقد أنكر شيئا علم من الدين بالضرورة ، فهو كافر ، وكذلك الأمر فى الزكاة ، ذكرت مجملة وبينها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وطبقها وجمعها ، حتى أن من ينكرها ، يخرج عن الإسلام.

١٨٣ ـ وقد ذكر القرطبى أن من أوجه إعجاز القرآن علم الحلال والحرام فيه ، وقد وافقناه على ذلك تمام الموافقة ؛ وذلك لأن ما اشتمل عليه القرآن من أحكام تتعلق بتنظيم المجتمع وإقامة العلاقات بين آحاده على دعائم من المودة والرحمة والعدالة ، لم يسبق به فى شريعة من الشرائع الأرضية ، وإذا وزنا ما جاء فى القرآن بما جاءت به قوانين اليونان والرومان وما قام به الإصلاحيون للقوانين والنظم بما جاء فى القرآن ، وجدنا أن الموازنة فيها خروج عن التقدير المنطقى للأمور ، مع أن قانون الرومان أنشأته الدولة الرومانية فى تجارب ثلاثمائة سنة وألف من وقت إنشاء مدينة روما إلى ما بعد خمسمائة من الميلاد ، ومع أنه قانون تعهده علماء قيل أنهم ممتازون ، منهم «سولون» الذى وضع قانون أثينا ، ومنهم «ليكورغ» الذى وضع نظام أسبرطة.

فجاء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه القرآن الذى ينطق بالحق عن الله سبحانه وتعالى ، من غير درس درسه ، وكان فى بلد أمى ليس فيه معهد ، ولا جامعة ،

٣٠٧

ولا مكان للتدارس وأتى بنظام للعلاقات الاجتماعية والتنظيم الإنسانى ، لم يسبقه سابق ، ولم يلحق به لاحق.

وقد كتبنا فى هذا بما فيه بيان الناس (١). والآن نكتفى بالإشارة إلى موضوعات الأحكام من غير إطناب تتميما لأجزاء الموضوع ، والتفصيل فى موضعه بما كتبنا.

العدالة

١٨٤ ـ كل النظم الإسلامية قامت على العدالة ، إذ كانت الشعارات تدعو إلى التسامح ولو مع الظالم ، ويقول قائلها استغفروا لأعدائكم ، فالإسلام يقول اعدلوا مع كل إنسان ولو كان عدوا مبينا. ومكان التسامح فى الأمور الشخصية ، لا فى الأمور التى تتعلق بتنظيم العلاقات الإنسانية. ولذا يقول الله سبحانه وتعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

[النحل : ٩٠]

ولقد قال العلماء : إن هذه الآية أجمع آية لمعانى الإسلام ، ويروى فى ذلك أنه عند ما شاعت دعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الأرض العربية ، وتناقلتها الركبان أرسل حكيم العرب أكثم بن صيفى ولده ليسألوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما يدعو ، فتلا عليهم هذه الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠] ، فرجعوا إلى أبيهم ، وذكروا له ما سمعوا ، فقال الحكيم العربى : «إن هذا إن لم يكن دينا فهو فى أخلاق الناس أمر حسن ، كونوا يا بنى فى هذا الأمر أولا ، ولا تكونوا آخرا».

والعدل ليس موالاة الأولياء ، وظلم الأعداء ، إنما العدالة للجميع على سواء ، والله تعالى يقول مخاطبا أهل الإيمان : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ، فالعدل مع الأعداء المبغوضين كحاله مع الأولياء المحبوبين أقرب للتقوى.

ويقول سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (١٣٥) [النساء : ١٣٥].

وإن هذه الآية تدل على أمور ثلاثة : أولها ـ أن العدالة فى ذاتها مطلوبة لأنها أقرب القربات إلى الله تعالى ، والعدالة فى كل شىء وفى كل عمل ، ولذلك قال

__________________

(١) كتبنا فى ذلك رسالتين إحداهما بعنوان شريعة القرآن دليل على أنه من عند الله ، ورسالة الملكية بالخلافة فى الشريعة والقانون الرومانى ، وقد طبعهما مجلس الشئون الإسلامية وترجمهما.

٣٠٨

سبحانه وتعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) ، فى كل أعمالكم سواء أكنتم حكاما أم كنتم محكومين ، وأن تكونوا شهداء لله لا لأنفسكم ، ولا لأوليائكم ، والأقربين منكم.

الأمر الثانى : الذى تدل عليه الآية ، أن الإعراض عن الحكم ظلم ، أو تمكين للظالمين ، فالسكوت عن رد الباطل ظلم ، والمؤمن يجب عليه أن يقوم بالحق ، وأن ينصر الحق ، وأن يؤيد الحق حيثما كان.

الأمر الثالث : الذى تدل عليه دلالة صريحة أنه لا طبقية فى الإسلام بالغنى والفقر ، فلا يكرم الغنى لغناه ، ولا يذل الفقير لفقره ، بل الجميع أمام العدالة سواء ، قال تعالى : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٧١) [النحل : ٧١].

١٨٥ ـ ولا تفرقة بين العناصر فى تحقيق العدالة ، فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق على ألوان مختلفة ، ولكنهم جميعا خلق الله تعالى ، وإن اختلاف الألوان والألسنة من آيات الله تعالى الكبرى ، فهو يقول سبحانه فى كتابه العزيز الخالد بلفظه وحقائقه ، ومعانيه : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (٢٢) [الروم : ٢٢].

والجميع عباد الله تعالى ، فلا يصح أن يظلم زنجى للونه ، ولا يحابى أبيض لشقرته ، ولقد صرح بذلك القرآن الكريم ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣) [الحجرات : ١٣].

وإن هذا النص الكريم ينبئ عن ثلاثة معان سامية توجب المساواة بين الأجناس.

لأن الأصل واحد ، وهو الأم ، والأب ، كما قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلكم لآدم ، وآدم من تراب لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى».

المعنى الثانى : الذى دلت عليه الآية الكريمة أن الاختلاف فى الشعوب والقبائل والأجناس يوجب التعارف ، ولا يسوغ التخالف ، والتعارف يقتضى تعاون أبناء الأرض على استغلال كل ينابيع الثروة فى الأرض ، بحيث يفيض أهل كل إقليم على الآخر بفاضل ما عنده ، من غير بخس ولا شطط ، ومن غير من ولا أذى ، ويقتضى المساواة فى أصل الحقوق الإنسانية الثابتة من اتحاد الأصل ، ويقتضى العدالة ، ولا يرهق جنس آخر بظلم ، أو أذى أو مضايقة أو استعباد.

والمعنى الثالث : الذى يدل عليه النص الكريم ، أن الفضل لا يكون بالجنس والعشيرة ، بل يكون التفاضل بالعمل الصالح ، الذى يتقى به صاحبه وجه الله تعالى ، والذى لا يريد به إلا النفع العام ، ودفع الفساد فى الأرض ، فالإكرام ليس باللون ، ولا

٣٠٩

بالسامية أو الآرية ، إنما الإكرام بالعمل لخدمة الإنسانية وإن النصوص القرآنية كلها تدعو إلى التراحم بين الناس ، فالله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١) [النساء : ١].

ونص القرآن على الوحدة الإنسانية ، فقال تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [البقرة : ٢١٣].

العدالة الدولية

١٨٦ ـ والعدالة كما تكون بين الآحاد تكون بين الجماعات والدول ، فقد قامت العلاقة بين المسلمين وغيرهم على أساس العدالة. فلا يظلمون شيئا ، ولا يمنعون من خير ، والناس جميعا نسبتهم إلى الله واحدة ، لقد كانت الدول حتى التى بلغت شوطا من الحضارة فى عهد نزول القرآن كالفرس والرومان واليونان لا تعترف بأى حق لغير المستوطنين معهم ، فغيرهم يعدون برابرة ، وليسوا منهم فى شىء ، حتى أن الإسرائيليين الذين يعيشون فى حكم الرومان لا يعتبرون رومانيين ، ولا يمنحون هذه الرعوية وتلك الجنسية ، باعتبار أن الجنسية الرومانية شرف لا يحوزه إلا الرومان ، وكذلك كان الفرس.

وإن من يعيش فى بلد آخر يسترقونه ، حتى أن أفلاطون جرى عليه الرق ، وعمر ابن الخطاب رضى الله عنه قبل الإسلام قد ذهب إلى أرض الروم فاسترقه قسيس رومانى ، وأظهر عمر الاستسلام ، حتى اطمأن إليه القسيس وخرج معه إلى الصحراء فى أرض الشام ، فلوى عمر رقبته ـ وكان قويا فى بدنه ، كما صار من بعد قويا فى دينه ـ وقتله ، وهرب بحريته.

جاء القرآن الكريم فحارب التعصب القبلى ، والتعصب الجنسى ، والتعصب الإقليمى ، وجعل الناس كما رأيت أمة واحدة ، لا فرق بين عربى وغير عربى ، كما أشرنا.

وقامت بذلك العلاقة الدولية على أسس العدل ، قال تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (١٩٠) [البقرة : ١٩٠] ، وقال جل وعلا : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٩٤) [البقرة : ١٩٤].

وقال تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)

[النحل : ١٢٦]

٣١٠

وقد نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن العصبية الجاهلية. وبالأول كان النهى عن العصبية الإقليمية ، ولقد سئل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمن العصبية أن يحب الرجل قومه ، قال : لا ، وإن من العصبية أن يعين قومه على الظلم.

وسيكون لذلك شىء من البيان عند ما نتكلم عن العلاقات الدولية التى نظمها القرآن.

ومهما يكن من إيجاز فى هذا المقام ، فإنه يجب أن نشير إلى أن شرائع القرآن قسمان : عبادات ومعاملات مالية واجتماعية ، وأساس العلاقات المالية والاجتماعية العدالة.

الأحكام الفقهية فى القرآن

١ ـ العبادات :

١٨٧ ـ قد ذكر القرآن الأوامر التكليفية فى العبادات بالإجمال ولم يتعرض لها بالتفصيل كما أشرنا من قبل ، فالصلاة ، تعرض النص القرآنى لها بالأوامر بالتكليف بها ، والغاية منها ، وهو إصلاح النفوس ، وتزكية القلوب ، وتربية الوجدان ، كما قال تعالى : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت : ٤٥] ، وكما قال تعالى فى وجوبها ووجوب الوضوء والاغتسال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) [المائدة : ٦]

وجاء الأمر المؤكد بالصلاة فى قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (٢٣٨) [البقرة : ٢٣٨].

وكذلك كان الأمر بالزكاة مجملا ، ولم يبين القرآن شيئا من أحكامها ، ونصابها ومقاديرها ولم تذكر إلا مصارفها فى قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠) [التوبة : ٦٠].

والحج من العبادات التى لم تبين أحكامها كلها تفصيلا ، بل ذكر القرآن بعضها ، وإن لم يكن قليلا ، وبين صلى الله تعالى عليه وسلم سائرها.

٣١١

وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : «خذوا عنى مناسككم» لقد بين القرآن أركان الحج وأشهره ومواقفه ، والنبى عليه الصلاة والسلام فصل واجباته. وكان بيانه أكثره عملى.

ومن العبادات الصوم. وقد طالب القرآن به إجمالا ، وذكر وقته ، والأعذار التى تبيح الفطر فى الجملة ، وأشار سبحانه إلى حكمة اختيار شهر رمضان لفرضية الصوم ، كما قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١٨٥) [البقرة : ١٨٥].

وهنا يرد على الخاطر سؤال : لما ذا بينت العبادات بالقرآن إجمالا مع تأكيد طلبها ، والتفصيل فيها ـ إن استثنيت الحج ـ كان قليلا ، ولا يمكن أن تقال العبادة على وجهها مع ذلك الإجمال.

والجواب عن ذلك أن العبادات هى لب الدين ، وهى قوام اليقين ، وهى ذكر الله الذى به تطمئن القلوب ، وهى التى تربى الضمير وتنيره ، وتقيمه ، وهى التى تربى الضمير الجماعى ، والوجدان الإنسانى ، وروح التعاون بين الناس بعضهم مع بعض.

والعبادات هى قوام الجماعات ؛ لأن تكوين الجماعات لا يكون إلا بأمر معنوى يؤلف بينهم ، ويزيل النفرة ، وذلك بأن يكون المؤمن ربانيا يتجه إلى رب الخلق ، ويسير على ميزان الحق.

ولهذه المعانى فى العبادات ، وعموم تطبيقها على كل المؤمنين ، كان لا بد من تربية عملية عليها ، وقدوة حسنة فى تنفيذها ، وأسوة من الرسول فى القيام بها ، وأن تتوارث تلك الأسوة الأجيال ، وتكوّن مع القرآن اتصال الرسالة المحمدية ، ولذلك تثبت أحكام العبادات التفصيلية بسنة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم المتواترة التى عرفها المسلمون جمعا عن جمع باقية إلى يوم القيامة.

ولا شىء من العبادات يثبت بالقياس ، بل يثبت بإيجاب القرآن ، وعمل الرسول عليه الصلاة والسلام.

٢ ـ الكفارات :

١٨٨ ـ الكفارات ، وهى تأخذ جانبين : جانب العقوبة المادية على ذنب ارتكب ، أو خطأ ترتب عليه أذى غيره ، وكان يجب الاحتراس من ذلك ، والجانب الثانى فيها

٣١٢

معنى التقرب إلى الله تعالى بالتوبة مقرونة بذلك الجزاء ، ولقربها من العبادات ذكرناها بجوارها ، وفوق ذلك هى درء لتقصير فى العبادات نفسها ، فهى فى هذه جزء منها.

وعلى ذلك نقسمها من هذه الجهة إلى قسمين : أحدهما تعويض عن التقصير فى بعض العبادات ، أو استعمال الرخص ، أو العجز الكامل عن أداء الفرض ، ومن هذا القبيل رخصة الإفطار للمريض بمرض مزمن ، والشيخ الفانى والشيخة إذا عجزا عن الصيام أو كانا لا يصومان إلا بمشقة فوق الطاقة ، وقد ثبتت هذه الفدية بالقرآن الكريم ، قال تعالى فيه : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) [البقرة : ١٨٤] أى الذين يبلغون فى صومهم أقصى الطاقة التى لا يمكن المداومة على تحملها ، ولذا قال ابن عباس أنها نزلت فى الشيخ والشيخة إذا شق عليهما الصوم ، ومن الفدية التى تعد كفارة لبعض التقصيرات فى العبادات الهدى فى حال عدم القيام ببعض الواجبات التى لا تعد ركنا من أركان الحج وقد ثبت ذلك بالقرآن الكريم ، وعمل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن ذلك كفارة الصيد فى الأشهر الحرم ، وقد ثبتت بالقرآن الكريم ، إذ قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٩٦) [المائدة : ٩٤ ـ ٩٦].

وهكذا نرى أن الكفارات هنا ثابتة بالقرآن الكريم. وهى فى موضوع ، وهى سد لنقص ، أو لاعتداء فى عمل ما نهى الله تبارك وتعالى عنه.

وبجوار هذا النوع من الكفارات التى كانت درءا لنقص أو لرخصة أو لعدم الاستجابة لأمر وموضوعها العبادة. هناك كفارات أخرى هى فى معنى العبادات فى ذاتها ، ولكنها شرعت لمعنى خلقى أو اجتماعى أو لحقوق العباد وهذا هو القسم الثانى.

ومن ذلك كفارة اليمين ، وهى عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) [المائدة : ٨٩]

٣١٣

ونرى أن هذه الكفارة شرعت لمعنى خلقى ، وهو صيانة الألسنة عن كثرة الأيمان وإخلافها ، والتعرض للمهانة ، كما قال تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (١٠) [القلم : ١٠] ، وأيضا ، لكيلا يتخذ المؤمنون يمين الله حاجزا بينهم وبين فعل الخير ، إن حلفوا ، وبدا الخير فى غير ما حلفوا عليه ، فشرع لهم تلك الكفارة تحلة لأيمانهم ، كما قال عليه الصلاة والسلام : «من حلف على شىء فرأى خيرا منه ، فليحنث وليكفّر».

وإن الكفارة ذاتها عبادة بدليل أنها كانت صوما فى بعض أحوالها.

ومن الكفارات التى ذكرت فى القرآن علاجا إحياء للأسرة ، ولمنع الظلم عن المرأة كفارة الظهار ، وهى كفارة من يحرم امرأته على نفسه ، ويجعلها كإحدى محارمه من غير إرادة طلاق ، وما كان لشريعة القرآن أن تترك المرأة المظلومة فريسة لكلمات ينطق بها اللسان إيذاء وظلما ، ولا يترك المتكلم بها من غير عقاب لغوا عابثا ، بل لا بد من رد الحق ، وعقاب العابث ، فكانت الكفارة ، وتثبت بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤) [المجادلة : ٣ ، ٤].

ونرى أن هذه الكفارة فيها إقامة للحياة الزوجية على دعائم من المودة والأنس النفسى من غير إيحاش ولا إعنات ؛ لأن النطق بهذه الكلمات وأشباهها يلقى بالجفوة فى قلب الزوجة فلا تطمئن إلى زوجها ، ولا إلى الحياة الزوجية الكريمة المتوادة ، ولهذا كانت تلك الكفارة محافظة على هذه المعانى.

ومن الكفارات التى نص عليها القرآن الكريم كفارة القتل الخطأ ، فإن الله أوجب الدية تعويضا لأسرة المقتول وأوجب الكفارة إذا كان القاتل المخطئ من أهل التكليف ؛ وذلك لتعويض جماعة المؤمنين ، ولتربية النفس على الاحتراز من الخطأ ، والاحتياط له ، ولقد قال سبحانه وتعالى فى ذلك.

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٩٢) [النساء : ٩٢].

٣١٤

وواضح أن الدية لتعويض الأسرة وهى تجب على أسرة الجانى لأسرة المجنى عليه ، وفى وجوبها على أسرة الجانى معنى التعاون الاجتماعى بين الأسرة فى دفع الأذى ، والحمل على المعاونة فى التأديب النفسى.

والكفارة فيها تعويض لجماعة المؤمنين ، لأنه بقتله لمؤمن قد نقص عدد المؤمنين ، فكان الواجب أن يعوض ما نقص بعتق رقبة مؤمنة ، لأن العتق إعطاء الحرية ، والحرية كالحياة.

وفى الجملة أن الكفارات كلها التى جاء بها القرآن وبينتها السنة النبوية فيها معنى العبادة ، وفيها صلاح ، وفيها تعاون اجتماعى إنسانى.

فى الأسرة

١٨٩ ـ قبل أن نتلو الآيات الكريمة التى تصدت لأحكام الأسرة وتنظيم العلاقات بين آحادها. أو نشير إلى بعض تلك الآيات الكريمة لا بد أن ننبه إلى أمرين :

أولهما : ما ذكرناه آنفا من أن العبادات قد ذكرت فى القرآن إجمالا وترك أمر بيانها للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأشرنا إلى ما أدركنا حكمته لعلم الله تعالى فى شرعه وبيان أحكامه.

الأمر الثانى : أن الأسرة ذكرت أحكامها تفصيلا من وقت تكوينها بعقد الزواج إلى أن يقرر الله تعالى التفريق بالموت ، أو الطلاق ، وذكر أحكام الأسرة الممتدة غير المقصورة على الزوجين ، وما بينته السنة لا يعد كثيرا بالنسبة لما بينه القرآن الكريم.

ثم ذكر القرآن الكريم توزيع المال فى آحاد الأسرة ، وفى الميراث ، ويكاد القرآن الكريم يستغرق كل أحكامه فى تفصيل لا إجمال فيه.

وهنا يسأل السائل ، لما ذا كان التفصيل فى أحكام الأسرة ، ولم يترك أمرها لبيان النبى عليه الصلاة والسلام فقط ، ونقول فى الجواب عن ذلك أن هذه حكمة علام الغيوب ، وأننا نتلمس معرفة بعض هذه الحكمة ، راجين ألا نكون داخلين فى النهى فى قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦) [الإسراء : ٣٦].

وإن هذا بلا ريب من عناية القرآن الكريم بالأسرة ، إذ جاء النص على أحكامها بآيات محكمة ، وإذا كانت عناية الإسلام بالعبادات ، جعلت أحكامها عملية يتولاها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، لتربى النفوس عليها بالدربة والتهذيب لا بمجرد التلقين ، فعناية الإسلام بالأسرة كانت بالنص الكامل على نظامها ، لكيلا ينحرف الناس بأهوائهم عنها ، ولكيلا ينكروا تطبيقها ويجعلوا لعقولهم سبيلا للتحكم فى أموالها ،

٣١٥

ونظامها ، ولأنها متصلة بالرضا والغضب بين الزوجين والأقارب فكان لا بد من ميزان مقرر ثابت يحكم الأهواء ، ويضع الأمور فى مواضعها.

وإن أحكام الأسرة مؤثرة فى المجتمع وموجهة له لأن الأسرة هى دعامة البناء الاجتماعى يضطرب باضطرابها ، ويقوى بقوتها ، ولأن الإسلام جاء لإقامة مجتمع فاضل تربطه المحبة ، وتوثق روابطه المودة ، كانت عنايته بأحكام الأسرة ، وأن تكون مستقرة يتصل فيها ماضى الأمة بحاضرها.

ومن الناس من ظنوا أنهم يستطيعون إقامة بناء صالح للأسرة من غير أن يتقيدوا بأحكام القرآن الكريم باسم ما يسمونه «تطور الزمان» يقلبون فيه الأوضاع ، فتضطرب الموازين ، ومن الناس من يبالغون فى إعطاء المرأة حقوقا لا تقتضيها فطرتها ، ولا النظام الاجتماعى ، ويحسبون أنهم يسيرون بالجماعة إلى الإمام ، وهم يرجعون بها إلى الوراء ، حيث تفسد الطبائع وتخالف الفطرة.

ولقد يقول بعض علماء الاجتماع أن النشأة الأولى فى جاهلية الإنسان كان فيها السلطان على الأولاد للمرأة كأنثى الحيوان ، أو أكثره ، حتى إذا عرف البيت ، وانتظمت العلاقة بين الرجل والمرأة ، وكان لكل واحد منهما ما هيأته الفطرة له ، فالمرأة ترأم الأولاد ، وتقوم على رعايتهم ، والأب يكدح ويعمل ليوفر لهم الرزق.

والآن يحاولون أن يقلبوا الأمور ، ويضعوها فى غير مواضعها حتى لقد قال بعض المفكرين : إننا لو سرنا خطوات بعد ما ابتدأنا السير فيه وأوغلنا ، فستعود الأمور إلى سيطرة المرأة على البيت ، ويكون الرجل غير مستقر فى بيت ، ويكون نظام المسافدة.

من أجل هذا فيما ندرك وعلى قدر إدراكنا نص القرآن الكريم على أحكام الأسرة بالتفصيل ، حتى لا يتهجم المنحرفون ليشرعوا لأنفسهم ما لم يشرع الله ويفسدوا الفطرة.

ولقد كان سبحانه وتعالى بعد ذكر بعض أحكامها يقول جل شأنه : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٣) [النساء : ١٣] ، ومن ذلك قوله تعالى بعد بيان المواريث : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النساء : ١٧٦].

١٩٠ ـ وأحكام الأسرة التى تعرض لها القرآن تبتدئ من وقت إنشاء الزواج أو التفكير فيه ، فأوجب الإعلان فى الزواج ، فقال تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (٢٣٥) [البقرة : ٢٣٥].

٣١٦

وبين سبحانه وتعالى فى كتابه أن المهر واجب على الرجل ، لأن كل الواجبات المالية على الرجل ، حتى لا تبتذل المرأة فى كسب المال فتتدلى إلى الهاوية. وقد قال تعالى فى ذلك : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) [النساء : ٤] ، وقرر أن المرأة مستحقة للمهر كاملا بالدخول بها. وقد قال تعالى فى ذلك :

(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (٢١) [النساء : ٢٠ ، ٢١].

وإذا لم تتم بينهما عشرة زوجية ، وكان تفرق قبل الدخول ، فإن المرأة لا تحرم من المهر حرمانا كاملا ، بل يبقى لها نصفه ، ولأن الرجل لم تقم بينهما حياة زوجية يشتاران عسلها ، فإنه يسقط عنه النصف ، وذلك ما قاله سبحانه وتعالى فى القرآن الكريم ، إذ يقول جل من قائل : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢٣٧) [البقرة : ٢٣٦ ، ٢٣٧].

والقرآن الكريم بيّن من يحل الزواج منهن ، ومن لا يحل بالنص ، وبعض البيان كان مستغلقا على بعض الأفهام ، فبينه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، اقرأ قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣) وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

٣١٧

مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥) يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٦) [النساء : ٢٢ ـ ٢٦].

ولأن الإسلام يريد مجتمعا فاضلا طاهرا ، لا تشيع فيه الفاحشة ، أباح تعدد الزوجات إلى أربع فقط ، وقد كان من قبله إلى غير عدد محدود ، كما ذكرت التوراة فقال تعالى :

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) (٣) [النساء : ٣].

وشرط إباحة الزواج فى الأحوال كلها العدالة ، سواء أكان الزواج الأول أم الزواج الثانى ، ولقد أجمع الفقهاء على أن من تأكد أنه سيظلم امرأته إن تزوج يكون آثما لأن الزواج حينئذ يكون موصلا للظلم فيأخذ حكمه. ولكن الزواج لا يبطل ، وليس للحاكم أن يقرر بطلانه ، أو يمنعه ، لكن إذا وقع الظلم بالفعل كان للقاضى أن يفرق بينهما إن طلبت الزوجة ذلك. وذلك لمقام النهى فى قوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) [البقرة : ٢٣١].

١٩١ ـ والإسلام إذ جعل دعامة العلاقات الاجتماعية الأسرة فقد دعمها القرآن بوصاياه الحكيمة التى يأثم كل الإثم من خالفها ، وتجانف لإثم فى العلاقة الزوجية :

أولا : أمر الأزواج بالعدل وحسن المودة ، والعشرة الطيبة التى تقرب القلوب وتدنيها ، ولا تنفرها وتجنبها ، فقال تعالى : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء : ١٩].

وقال تعالى : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٣١] وقد تلونا ذلك آنفا.

وأمر سبحانه وتعالى ثانيا : كلا الزوجين أن يعمل على إصلاح الآخر ، إن بدا منه اعوجاج ، فيقول سبحانه فى القرآن العظيم : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧) وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما

٣١٨

تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً) (١٣٠) [النساء : ١٢٧ ـ ١٣٠].

وأمر ثالثا : بعلاج نشوز الزوجة ، وعلاج نشوزها إن لم يتمكنا من الإصلاح بينهما من غير اطلاع غيرهما عليهما إلا أن يكون من أهل الخير أو الجيران الصالحين ، فقال تعالى :

(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) (٣٤) [النساء : ٣٤].

وأمر سبحانه وتعالى : فى القرآن الكريم رابعا : بإرسال حكمين إن كان الشقاق متوقعا ، ويخشى استمراره ، فقال تعالى :

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) (٣٥) [النساء : ٣٥].

والإسلام وزع واجبات الحياة الزوجية بين الزوج والزوجة توزيعا عادلا يتفق مع الفطرة من غير ظلم للمرأة ، ولا إرهاق ولا إذلال لها ، فجعلها قوامة على البيت تديره وتدبره ، وتربى ثمرة الزواج ، وعلى الرجل الإنفاق ، ولقد قال تعالى فى ذلك : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (٧). [الطلاق : ٦ ، ٧]

١٩٢ ـ ولقد تعرض القرآن الكريم لثمرات الزوجية ، وهى الأولاد ، وقد تعرض لبيان حالها ومدة الحمل ، والرضاع ، وحال الأم فى حال الحمل ، فقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ

٣١٩

الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف : ١٥] ، وإن القرآن الكريم بيّن وقت الرضاعة وعلى من تجب ، وبين نفقة الولد ، وعلى من تجب ، فيقول سبحانه وتعالى :

(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢٣٣) [البقرة : ٢٣٣].

ولقد عنى الإسلام بالمحافظة على الأولاد ، إذا فقدوا آباءهم ، وهم اليتامى ، وعنى منهم بأمرين :

أولهما : المحافظة على أموالهم ، فيقول سبحانه وتعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الأنعام : ١٥٢] ، ويقول سبحانه وتعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (٢) [النساء : ٢]. ولحرض الإسلام على أموال اليتامى من أن تتبعثر أو أن تذهب ، نهى الأوصياء عن أن يعطوهم أموالهم قبل أن يدربوهم على إدارة أموالهم ، فقال تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥) وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦) لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧) وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (١٠) [النساء : ٥ ـ ١٠].

هكذا نجد القرآن الكريم حث على المحافظة على أموال اليتامى ، ونظم طريق المحافظة عليها ، بعد أن تسلم إليهم.

الأمر الثانى : الذى حث عليه القرآن الكريم بالنسبة لليتامى أنه منع قهرهم ، وإذلال نفوسهم ، لكيلا تكون لهم عقد نفسية تحول بينهم وبين الاندماج فى الأمة ،

٣٢٠