تذكرة الفقهاء - ج ١٧

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٧

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-530-4
الصفحات: ٤٨٥

المراهق ، فقد تردّد أصحاب أبي حنيفة في تبعيّته لمن أسلم من أبويه ؛ لأنّ الجمع بين إمكان الاستقلال وبين إثبات التبعيّة بعيد (١).

إذا عرفت هذا ، فإنّه لا فرق عندنا بين أن يُسلم الأب أو الأُمّ في أنّ الولد يتبعه في إسلامه ، فأيّهما أسلم تبعه الولد ، وكان مسلماً بإسلامه في الحال إذا لم يكن بالغاً ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّه إذا كان أحد الأبوين مسلماً ، وجب تغليب الإسلام على طرف الكفر ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الإسلام يعلو ولا يعلى » (٣).

وقال مالك : لا يكون الصغير مسلماً بإسلام الأُمّ ، بل بإسلام الأب ؛ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ ) (٤) ولأنّه لا يدخل في أمان الأُمّ ، فلا يتبعها في الإسلام ، كالأجنبيّ (٥).

ولا دلالة في الآية ؛ لدخول الأُمّ تحت لفظة : ( الَّذِينَ ) ولأنّ الحكم باتّباع الذرّيّة للأب إذا آمن لا ينافي اتّباعهم للأُمّ إذا آمنت ، ونعارضه بأنّ الولد يتبع الأُمّ في الملك عنده ، وولادتها متحقّقة ، فكان أولى بالتبعيّة ، وقد سلّم أنّ الولد إذا كان حملاً في بطنها فأسلمت يتبعها الولد في إسلامها ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٧.

(٢) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣ : ١٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٠ ، الوجيز ١ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٣ ، البيان ٨ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٦ ، المغني ١٠ : ٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ١٠٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٢٠٥ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٥٢ / ٣.

(٤) سورة الطور : ٢١.

(٥) الذخيرة ٩ : ١٣٤ ، المعونة ٢ : ١٢٩٢ ، المغني ١٠ : ٩١ ، الشرح الكبير ١٠ : ١٠٥ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٣ : ١٥٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٤٤ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٣ ، البيان ٨ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٧.

٣٤١

فيقيس المتنازع عليه وعلى ما إذا كانت مسلمةً يوم العلوق.

واعلم أنّه متى تأخّر إسلام أحدهما عن العلوق فلا فرق بين أن يتّفق في حالة اجتنان الولد أو بعد انفصاله.

وقال بعض الشافعيّة : يجوز أن يجعل إسلام أحدهما في حالة الاجتنان كما لو كان مسلماً يوم العلوق جواباً على أنّ الحمل لا يُعرف حتى يلتحق ذلك بالوجه الأوّل (١).

مسألة ٤٣٠ : في معنى الأبوين الأجداد والجدّات ، سواء كانوا وارثين أو لا ، فلو أسلم الجدّ أو الجدّة لأبٍ كان أو لأُمٍّ تبعه الطفل ، فيُحكم عليه بالإسلام من حين إسلام الجدّ إن لم يكن الأب حيّاً ؛ لصدق الأب عليه ، ولأنّ الأب يتبعه ويكون أصلاً له ، فيكون أصالته للطفل أولى ، وبه قال الشافعي (٢).

ولو كان الأب حيّاً ، فإشكال ينشأ : من أنّ سبب التبعيّة القرابة وأنّها لا تختلف بحياة الأب وموته ، كسقوط القصاص وحدّ القذف ، ومن انتفاء ولاية الحضانة للجدّين مع الأبوين.

وللشافعيّة قولان (٣) كهذين.

ولا فرق بين أن يكون المسلم من الجدّين طرف أحد الأبوين أو مقابله ، فلو أسلم جدّ الأُمّ والأب حيٌّ أو أسلم جدّ الأب والأُمّ حيّة ، جاء الإشكال.

وكذا البحث لو كان الأبوان والجدّان القريبان موتى وأسلم الجدّ البعيد أو الجدّة البعيدة إمّا من قِبَل الأب أو من الأُمّ أو من قِبَلهما معاً ، فإنّ الولد‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٨.

(٢ و ٣) الوجيز ١ : ٢٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٦.

٣٤٢

يتبعه.

والإشكال الثالث في طرف الأب والأُمّ مع الجدّ القريب والجدّة القريبة آتٍ في طرف الأبوين والجدّين البعيدين.

وكذا الإشكال لو كان الأبوان معدومين ووُجد أحد الأجداد الأربعة الأدنين وأحد الأجداد الثمانية الأباعد وأسلم أحد الثمانية.

مسألة ٤٣١ : لا شكّ في أنّ الولد يُحكم له بالإسلام إذا كان أبواه أو أحدهما مسلماً بالأصالة أو تجدّد إسلامه حال علوق الولد ، فإذا بلغ الولد ووصف الإسلام تأكّد ما حُكم به ، وانقطع الكلام ، وإن أعرب الكفر فهو مرتدّ عن فطرةٍ يُقتل في الحال.

وإن كان الأبوان كافرين وعلقت الأُم به قبل إسلام أحدهما ثمّ أسلم أحدهما بعد العلوق وقبل بلوغ الصبي ، فإنّه يُحكم على الصبي بالإسلام من حين إسلام أحد أبويه ، فإذا بلغ فإن أعرب عن نفسه بالإسلام فقد تأكّد ما حكمنا به أيضاً من إسلامه ، وإن أعرب بالكفر فهو مرتدّ.

وهل تُقبل توبته ، ويكون ارتداده كارتداد مَنْ أسلم عقيب كفره وقت بلوغه ، أو يكون مرتدّاً عن فطرةٍ لا تُقبل توبته ، ويكون ارتداده كارتداد مَنْ هو مسلم بالأصالة لا عقيب كفره حالة بلوغه؟ الأقوى : الأوّل ؛ لأنّه كافرٌ أصليٌّ حكمنا بكفره أوّلاً ثمّ أُزيل كفره بالتبعيّة ، فإذا استقلّ انقطعت التبعيّة ، فوجب أن يعتبر بنفسه.

وللشافعيّة فيما إذا بلغ هذا الصبي الذي تجدّد تكوّنه قبل إسلام أحد أبويه ثمّ أسلم أحد أبويه قبل بلوغه إذا أعرب بالكفر وجهان :

أصحّهما : إنّه مرتدّ ؛ لأنّه سبق الحكم بإسلامه جزماً ، فأشبه ما إذا باشر الإسلام ثمّ ارتدّ ، وما إذا حصل العلوق حالة الإسلام.

٣٤٣

والثاني : إنّه كافرٌ أصليٌّ ؛ لأنّه كافر محكوم بكفره أوّلاً وأُزيل بالتبعيّة (١).

مسألة ٤٣٢ : إذا حكمنا بارتداد هذا الصبي إذا أسلم أحد أبويه ثمّ بلغ وأعرب الكفر بعد بلوغه ، لم ينقض شيئا ممّا أمضيناه من أحكام الإسلام ، وإن قلنا : إنّه كافرٌ أصليٌّ ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّها ممضاة بحالها ؛ لجريانها في حالة التبعيّة.

وأظهرهما عندهم : إنّا نتبيّن الانتقاض ، ونستدرك ما يمكن استدراكه حتى يردّ ما أخذه من تركة قريبه المسلم ، ويأخذ من تركة قريبه الكافر ما حرم بمنعه ، ويُحكم بأنّ إعتاقه عن الكفّارة لم يقع مجزئاً.

هذا فيما يجري في الصغر ، فأمّا إذا بلغ ومات له قريب مسلم قبل أن يعرب عن نفسه بشي‌ءٍ أو أُعتق عن الكفّارة في هذه الحالة ، فإن قلنا : لو أعرب عن نفسه بالكفر لكان مرتدّاً ، أمضينا أحكام الإسلام ، ولا نقض ، وإن جعلناه كافراً أصليّاً ، فإن أعرب بالكفر تبيّنّا أنّه ما أجزأ عن الكفّارة.

فإن فات الإعراب بموتٍ أو قتلٍ ، فوجهان :

أحدهما : إمضاء أحكام الإسلام ، كما لو مات في الصغر.

وأظهرهما : إنّا نتبيّن الانتقاض ؛ لأنّ سبب التبعيّة الصغر وقد زال ، ولم يظهر في الحال حكمه في نفسه ، ويُردّ الأمر إلى الكفر الأصلي (٢).

وللشافعيّة قولٌ : إنّه لو مات قبل الإعراب وبعد البلوغ يرثه قريبه‌

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٤٤٥ ، الوجيز ١ : ٢٥٦ ، الوسيط ٤ : ٣١٠ ، حلية العلماء ٥ : ٥٦٨ ، البيان ٨ : ٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧.

٣٤٤

المسلم. ولو مات له قريب مسلم فإرثه عنه موقوف ، بناءً منهم على أنّ المسلم لا يرث الكافر (١).

قال الجويني : أمّا التوريث منه فيخرج على أنّه إذا مات قبل الإعراب هل ينقض الحكم؟ وأمّا توريثه فإن عني بالتوقّف أنّه يقال : أعرب عن نفسك بالإسلام ، فهو قريب ، ويستفاد به الخروج من الخلاف ، وأمّا إذا مات القريب ثمّ مات هو وفات الإعراب بموته ، فلا سبيل إلى الفرق بين توريثه والتوريث عنه (٢).

ولو قُتل بعد البلوغ وقبل الإعراب ، ففي تعلّق القصاص بقتله قولان :

أحدهما : التعلّق ، كما لو قُتل قبل البلوغ.

والثاني : المنع ؛ لأنّ سكوته يحتمل الكفر والجحود ، والقصاص يدرأ بالشبهة ، ويخالف ما قبل البلوغ ، فإنّه حينئذٍ محكوم بإسلامه تبعاً ، وقد انقطعت التبعيّة بالبلوغ.

والقولان مبنيّان على أنّه لو أعرب بالكفر كان مرتدّاً أو كافراً أصليّاً؟ إن قلنا بالأوّل ، وجب القصاص ، وإن قلنا بالثاني ، فلا ، لكنّ الأظهر : منع القصاص وإن كان الأظهر كونه مرتدّاً ، تعليلاً بالشبهة.

وأمّا الدية فالذي أطلقه الشافعيّة وحكوه عن قول الشافعي : تعلّق الدية الكاملة بقتله.

وعلى القول بأنّه لو أعرب بالكفر كان كافراً أصليّاً لا يوجب الدية‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٩ و ٥٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧ ، و ٥ : ٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧.

٣٤٥

الكاملة على رأي (١).

وروى الجويني عن القاضي الحسين من الشافعيّة : إجراء القول بمنع القصاص مع الحكم بأنّه لو أعرب بالكفر لكان مرتدّاً. وعدّه من هفواته (٢).

تذنيب : الصبي المحكوم بكفره إذا بلغ مجنوناً كان حكمه حكم الصغير حتى أنّه لو أسلم أحد أبويه تبعه ، أمّا لو بلغ عاقلاً ثمّ جُنّ ففي التبعيّة إشكال.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه لا يتبعهما ؛ لأنّه قد ثبت له حكم الإسلام بنفسه ، فلا يكون تبعاً ، كالعاقل.

والثاني : إنّه يكون تبعاً ؛ لأنّه غير مكلّفٍ ، فأشبه الذي بلغ مجنوناً ، وإسلامه بنفسه قد بطل بجنونه ، فعاد تبعاً ، كما يعود مولّياً عليه (٣).

ثمّ أصحّهما عندهم : إنّهم قالوا : إنّه إذا طرأ جنونه عادت ولاية المال إلى الأب ، فإذا أسلم استتبعه ، وإلاّ فلا (٤).

النظر الثاني : في الجهة الثانية في تبعيّة الإسلام.

مسألة ٤٣٣ : قال بعض علمائنا : إنّ الصبي يتبع السابي في الإسلام (٥) ، فإذا سبى المسلم طفلاً منفرداً عن أبويه حُكم بإسلامه ؛ لأنّه صار تحت ولايته ، وليس معه مَنْ هو أقرب إليه ، فيتبعه ، كما يتبع الأبوين ؛ لأنّ السبي‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٠.

(٣) الوسيط ٤ : ٣١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٠.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ٢ : ٢٣ ، و ٣ : ٣٤٢.

٣٤٦

لمّا أبطل حُرّيّته قلبه قلباً كلّيّاً فعدم عمّا كان وتجدّد له وجود تحت يد السابي وولايته ، فأشبه تولّده من الأبوين ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (١).

والثاني : إنّه لا يُحكم بإسلامه (٢).

وهو جيّد ؛ لأنّ يد السابي يد ملكٍ ، فأشبهت يد المشتري.

لكن المشهور عندهم : الأوّل.

مسألة ٤٣٤ : لو كان السابي ذمّيّاً ، لم يُحكم بإسلامه ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣) ـ إذ لا سبب له من إسلام أحد أبويه أو إسلام سابيه ، فيبقى على حالة الكفر.

والثاني : إنّه يُحكم بإسلامه ؛ لأنّه إذا سباه صار من أهل دار الإسلام ؛ لأنّ الذمّي من أهلها ، فيجعل مسلماً تبعاً للدار (٤).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ كون الذمّي من أهل دار الإسلام لا يؤثّر فيه ولا في حقّ أولاده فكيف يؤثّر في حقّ مسبيّه!؟ وتبعيّة الدار له إنّما تؤثّر في حقّ المجهول حاله ونسبه.

ولو باعه الذمّي السابي من مسلمٍ ، لم يُحكم بإسلامه أيضاً ؛ لأنّ ملك المسلم طرأ عليه وهو رقيق ، وإنّما تحصل التبعيّة في ابتداء الملك ، فإنّ عنده يتحقّق تحوّل الحال ، وكذا سبي الزوجين يقطع النكاح ، وتجدّد‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٥ ، و ١٤ : ٢٤٦ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٠ ، الوجيز ١ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٣ ، البيان ٨ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٧ ـ ٤٩٨.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٤٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٠ ، الوجيز ١ : ٢٥٦ ، حلية العلماء ٧ : ٦٦٣ ، البيان ٨ : ٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٨.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٨.

٣٤٧

الملك على الرقيقين لا يقطعه عند الشافعي (١).

مسألة ٤٣٥ : لو سبي الطفل ومعه أبواه الكافران أو أحدهما ، لم يُحكم بإسلامه ، ولا يتبع السابي هنا في الإسلام ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّ والديه أقرب إليه من سابيه ، فكانا أولى بالاستتباع.

وقال أحمد : إنّه يتبع السابي أيضاً في إحدى الروايتين (٣).

ولو كانا معه ثمّ ماتا ، لم يُحكم بإسلامه أيضاً ؛ لما تقدّم من أنّ التبعيّة إنّما تثبت في ابتداء السبي.

وحكم الصبي المحكوم بإسلامه تبعاً [ للسابي إذا بلغ حكم الذي حُكم بإسلامه تبعاً ] (٤) لأبويه إذا بلغ.

واعلم أنّ الصبي المسبي والذي أسلم أحد أبويه إذا أعربا الكفر وجعلناهما كافرين أصليّين ألحقناهما بدار الحرب ، فإن كان كفرهما ممّا يجوز التقرير عليه بالجزية قرّرناهما.

ولو أعربا بنوعٍ من الكفر غير ما كانا موصوفين به ، فهُما منتقلان من ملّةٍ إلى ملّةٍ.

وهل يُقبل؟ قولان سبقا.

ولو ماتا ، فالقول في تجهيزهما والصلاة عليهما ودفنهما في مقابر‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠١.

(٢) الحاوي الكبير ٨ : ٤٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٠ ، الوسيط ٤ : ٣١٢ ، البيان ٨ : ٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠١ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩٩ ، المغني ١٠ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٤ ـ ٤٠٥.

(٣) المغني ١٠ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠١.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٢ ، وروضة الطالبين ٤ : ٤٩٩.

٣٤٨

المسلمين إذا ماتا بعد البلوغ وقبل الإعراب يتفرّع على القولين في أنّهما إذا أعربا بالكفر كانا مرتدّين أو كافرين أصليّين؟

النظر الثالث : في الجهة الثالثة في التبعيّة في الإسلام.

وهي تبعيّة الدار ، وهي المقصودة هنا ؛ لأنّ الغرض من عقد الباب بيان أحكام اللقيط في الإسلام وغيره ، والجهتان السابقتان لا تُفرضان في حقّ اللقيط حتى يُعرف بهما إسلامه ، وإنّما يُحكم بإسلامه بهذه الجهة خاصّةً.

مسألة ٤٣٦ : الدار قسمان : دار إسلامٍ ودار كفرٍ.

أمّا دار الإسلام فقسّمها الشافعيّة أقساماً ثلاثة (١).

أ : دار خطّها المسلمون ، كالبصرة والكوفة وبغداد ، فإذا وُجد فيها لقيط حُكم بإسلامه تبعاً للدار وإن كان فيها أهل ذمّةٍ ؛ لظاهر الدار ، ولأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى ، ولأنّه إن كان المسلمون أكثر فالظاهر أنّه من أولادهم ، وإن كان أهل الذمّة أكثر فيُحتمل أن يكون من أولاد المسلمين ، فيُغلّب حكم الإسلام ، حتى لو لم يكن فيها سوى مسلمٍ واحد حُكم بإسلام اللقيط ، تغليباً للإسلام.

ب : دار فتحها المسلمون فملكوها وأقرّوهم فيها ببذل الجزية ، أو لم يملكوها وصالحوهم على بذل الجزية ، فإنّها تكون دار الإسلام أيضاً ؛ لأنّ حكم الإسلام جارٍ فيها ، فإذا كان في هذه ولو مسلم واحد حُكم بإسلام اللقيط ، وإن لم يكن فيها مسلم البتّة حُكم بكفره ؛ لأنّا نغلّب حكم الإسلام‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

٣٤٩

مع الاحتمال.

ج : دار غلب عليها المشركون كطرسوس ، فإنّها كانت للإسلام فغلب عليها المشركون ، فإن كان فيها ولو مسلم واحد حكمنا بإسلام اللقيط. وأمّا إذا لم يكن فيها مسلم البتّة لم يُحكم بإسلامه ، وهو قول أكثر الشافعيّة (١).

وقال أبو إسحاق منهم : يُحكم بإسلامه ؛ لأنّه لا يخلو أن يكون فيها مسلم وإن لم يظهر إسلامه ، ولأنّ الدار دار الإسلام وربما بقي فيها مَنْ يكتم إيمانه ، ولو كان فيها مسلم واحد حُكم باسلامه (٢).

والأقوى : إنّ دار الإسلام قسمان :

أ : دار خطّها المسلمون ، كبغداد والبصرة والكوفة ، فلقيط هذه محكوم بإسلامه وإن كان فيها أهل الذمّة.

ب : دار فتحها المسلمون ، كمدائن والشام ، فهذه إن كان فيها مسلم واحد حُكم بإسلام لقيطها ، وإلاّ فهو كافر.

وقال الجويني : القسم الثالث السابق مجراه مجرى دار الكفر ؛ لغلبة الكفّار عليها (٣).

وعدُّ القسم الثاني من بلاد الإسلام يدلّ على أنّه لا يشترط في بلاد الإسلام أن يكون فيها مسلمون ، بل يكفي كونها في يد الإمام واستيلائه.

وأمّا القسم الثالث : فقال بعض الشافعيّة : إنّ الاستيلاء القديم يكفي‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٣ ، الوسيط ٤ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ، البيان ٨ : ٨ ـ ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

(٢) الوسيط ٤ : ٣١٣ ، البيان ٨ : ٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

٣٥٠

لاستمرار الحكم (١).

ونزّل بعضهم ما ذكروه على ما إذا كانوا لا يمنعون المسلمين عنها ، فإن منعوهم فهي دار الكفر (٢).

وأمّا دار الكفر فعلى ما اخترناه قسمان :

أ : بلد كان للمسلمين فغلب الكفّار عليه ، كالساحل ، فهذا إن كان فيه ولو مسلم واحد حُكم بإسلام لقيطه ، وإن لم يكن فيها مسلم فهو كافر.

ويحتمل أن يكون مسلماً ؛ لاحتمال أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه ، وقد سبق.

ب : أن لم يكن للمسلمين أصلاً ، كبلاد الهند والروم ، فإن لم يكن فيها مسلم فلقيطها كافر ؛ لأنّ الدار لهم وأهلها منهم.

وإن كان فيها مسلمون ـ كالتجّار وغيرهم ـ ساكنون ، فهو مسلم ؛ لقيام الاحتمال ، تغليباً للإسلام ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يُحكم بكفره ، تبعاً للدار (٣).

ويجري الوجهان فيما إذا كان فيها أُسارى مسلمون.

وقال الجويني : الخلاف في الأُسارى مرتَّب على الخلاف في التجّار ؛ لأنّهم تحت الضبط.

قال : ويشبه أن يكون الخلاف في قومٍ منتشرين إلاّ أنّهم ممنوعون من الخروج من البلدة ، فأمّا المحبوسون في المطامير فيتّجه أن لا يكون لهم أثر ، كما لا أثر لطروق العابرين من المسلمين (٤).

قال ابن المنذر : أجمع عوام أهل العلم على أنّ الطفل إذا وُجد في‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٠ ـ ٥٠١.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠١.

٣٥١

بلاد المسلمين ميّتاً في أيّ مكانٍ وُجد أنّ غسله ودفنه في مقابر المسلمين يجب ، وقد منعوا أن يُدفن الطفل من أولاد المشركين في مقابر المسلمين.

قال : وإذا وُجد لقيط في قريةٍ ليس فيها إلاّ مشرك ، فهو على ظاهر ما حكموا به أنّه كافر ، وهكذا قول الشافعي وأصحاب الرأي (١).

تذنيب : كلّ موضعٍ حكمنا بكفر اللقيط فيه لو كان أهل البقعة أصحاب مللٍ مختلفة ، فالأقرب : أن يجعل من خيرهم ديناً.

آخَر : إنّما نحكم بإسلام مَنْ يوجد في بلاد الكفر إذا كان فيها مسلم ساكن ، فلا اعتبار بالطروق والاجتياز في ذلك.

مسألة ٤٣٧ : كلّ صبيٍّ حكمنا بإسلامه بأحد الأسباب الثلاثة فحكمه قبل بلوغه أحكام المسلمين ، فيرث من المسلم ، ولا يرثه الكافر ، ويُقتل قاتله ، ويصلّى عليه.

فإذا بلغ ووصف الإسلام ، فقد استقرّ إسلامه ، وحكمه حكم ما كان قبل بلوغه.

وإن وصف الكفر فإن كان ممّن حكمنا بإسلامه تبعاً لأحد أبويه ، فإنّه مرتدّ.

وقال الشافعي : إنّه يطالَب بالإسلام ، ولا يُقرّ على الكفر. فأجراه مجرى المرتدّ عن غير فطرةٍ (٢).

وقال بعض أصحابه : إنّه يُقرّ على الكفر ؛ لأنّا حكمنا بإسلامه تبعاً لغيره ، فإذا بلغ صار حكمه حكم نفسه ، فرُوعي قوله ، وزال حكم التبع‌

__________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٣ و ١٦٦ ، وعنه في المغني ٦ : ٤٠٤ ـ ٤٠٥ ، والشرح الكبير ٦ : ٤٠٦.

(٢) البيان ٨ : ٣٦.

٣٥٢

عنه (١).

وحكى بعض الشافعيّة هذا قولاً آخَر للشافعي (٢).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّا حكمنا بإسلامه باطناً وظاهراً ، فلم يُقرّ على الكفر ، كما لو أسلم بعد بلوغه ثمّ ارتدّ.

وإن كان ممّن حكمنا عليه بإسلامه تبعاً للسابي ، قال الشافعي : إنّه كالأوّل الذي حكمنا عليه بإسلامه تبعاً لأحد أبويه (٣).

وليس بجيّدٍ ؛ لضعف العلاقة هناك وقوّتها في النسب.

وإن كان ممّن حكمنا عليه بإسلامه تبعاً للدار ، فالأقرب : إنّه لا يُحكم بارتداده ، بل بكفره ؛ لأنّ الحكم بإسلامه وقع ظاهراً ، لا باطناً ؛ بدليل أنّه لو ادّعى ذمّيٌّ بنوّته وأقام بيّنةً على دعواه ، سُلّم إليه ، وحُكم بكفره ، ونُقض الحكم بإسلامه ، فإذا بلغ ووصف الكفر كان قوله أقوى من ظاهر اليد فأقررناه ، ولهذا لو حكمنا بحُرّيّته بظاهر الدار ثمّ بلغ وأقرّ بالرقّ فإنّه يُحكم عليه بالرقّ ، وهذا بخلاف مَنْ تبع أباه ؛ لأنّ الحكم هناك كان على علمٍ منّا بحقيقة الحال ، وهنا مبنيٌّ على ظاهر الدار ، فإذا أعرب عن نفسه بالكفر ظهر كذب ما ظننّاه.

وقال الشافعي : لا يتبيّن لي أن أقتله ولا أُجبره على الإسلام (٤).

ولأصحابه فيه طريقان ، أحدهما : إنّ هذا ترديد قولٍ منه ، وفي كونه مرتدّاً أو كافراً أصليّاً قولان ، كما في المحكوم بإسلامه تبعاً لأبويه (٥).

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يُقرّ عليه ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ لأنّه‌

__________________

(١ ـ ٣) البيان ٨ : ٣٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠١.

٣٥٣

حُكم بإسلامه قبل بلوغه ، فأشبه مَنْ تبع أبويه (١).

مسألة ٤٣٨ : إذا بلغ المحكوم بإسلامه تبعاً للدار فأعرب بالكفر ، فإن جعلناه كافراً أصليّاً ، ففي التوقّف في الأحكام الموقوفة على الإسلام إشكال ، أقربه : إنّا لا نتوقّف ، بل نمضيها ، كما في المحكوم بإسلامه تبعاً لأبويه.

ويحتمل التوقّف إلى أن يبلغ فيعرب عن نفسه.

فإن مات في صباه ، لم يُحكم بشي‌ءٍ من أحكام الإسلام.

وللشافعي قولان (٢) كالاحتمالين.

وقال أبو حنيفة وأحمد : إنّه مرتدّ (٣).

وبالجملة ، فالحكم بإسلام الصبي تبعاً للدار إنّما يثبت ظاهراً ، لا يقيناً ؛ لاحتمال أن يكون أبوه كافراً.

فإن ادّعى كافر بنوّته وأقام عليه بيّنةً ، لحقه وتبعه في الكفر ، وارتفع ما ظننّاه أوّلاً ؛ لضعف تبعيّة الدار.

ولو تجرّدت دعواه عن البيّنة ، فالأقرب : عدم الالتفات إليه ، ويُحكم بإسلامه ؛ لأنّا حكمنا له بالإسلام أوّلاً ، فلا نغيّره بمجرّد دعوى الكافر ، وجاز أن يكون ولده لكن من مسلمةٍ ، فلا يتبع الدين النسب ، وهذا أظهر قولَي الشافعي.

والثاني : إنّه يُحكم بكفره ؛ لأنّه يلحقه بالاستلحاق ، وإذا ثبت نسبه تبعه في الدين ، كما لو قامت البيّنة على النسب (٤).

__________________

(١ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٢.

٣٥٤

ونمنع لحوقه وتبعيّة الدين النسب على ما تقدّم.

وعلى كلا القولين سواء قلنا بإسلامه ـ كما اخترناه نحن ـ أو قلنا بكفره ـ كما قال الشافعي ـ يحال بينه وبين مدّعيه الكافر لئلاّ يرغبه عن الإسلام ويزهده فيه ، ويُقرّب إليه الكفر ويزيّنه عليه.

إذا ثبت هذا ، فإن بلغ ووصف الكفر ، فإن قلنا بتبعيّته في الكفر ، قُرّر عليه ، لكن يُهدَّد ويُخوَّف أوّلاً لعلّه يُسلم.

وإن قلنا : لا يتبعه ، ففي تقريره إشكال.

وللشافعيّة قولان (١).

فإن قلنا : يُقرّ على كفره ، فإن وصف كفراً يُقرّ أهله عليه ، خيّرناه بين التزام الجزية والرجوع إلى دار الحرب ، وإن وصف كفراً لا يُقرّ أهله عليه ، قلنا له : إمّا أن تسلم أو تخرج إلى دار الحرب أو تصف كفراً يُقرّ أهله عليه على الخلاف ، قاله بعض الشافعيّة (٢).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ هذا إمّا ابن حربيٍّ وقد حصل في يد المسلمين بغير عهدٍ فيكون لواجده ، ويصير مسلماً بإسلام سابيه ، أو يكون أحد أبويه ذمّيّاً ، فلا يُقرّ على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب ، أو يكون ابن مسلمٍ ، فيكون مسلماً ، فلا وجه لردّه إلى دار الحرب.

تذنيب : اللقيط المحكوم بإسلامه يُنفَق عليه من بيت المال إذا لم يكن له مال ولم يوجد متبرّع عليه على ما تقدّم ، أمّا المحكوم بكفره فإشكال ينشأ : من أنّه كافر فلا يعان من بيت مال المسلمين ، ومن احتمال الإنفاق عليه ؛ إذ لا وجه لتضييعه وفيه مصلحة للمسلمين ، فإنّه إذا بلغ إمّا أن‌

__________________

(١) البيان ٨ : ٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٢.

(٢) البيان ٨ : ٣٧.

٣٥٥

يُسلم ويصير من المسلمين ، أو يعطي الجزية إن بقي على كفره ، وكلاهما مصلحة للمسلمين.

البحث الثاني : في حكم جناية اللقيط والجناية عليه.

مسألة ٤٣٩ : إذا جنى هذا اللقيط ، فإن كان بالغاً وكانت الجناية عمداً ، وجب عليه القصاص عيناً عندنا ، ولا يجب المال إلاّ صلحاً.

وعند الشافعي يتخيّر وليّ الجناية بين أن يقتصّ أو يعفو على مالٍ (١).

فإن عفي على مالٍ ، كان الأرش في ذمّته ـ إمّا مع رضا الغريم عندنا ، أو مطلقاً عند الشافعي (٢) ـ مغلّظاً يتبع إذا أيسر.

وإن كانت الجناية خطأً ، تعلّقت بعاقلته ، وهو الإمام عندنا ؛ لأنّ ميراثه له ، فإنّه وارث مَنْ لا وارث له.

وعند العامّة في بيت مال المسلمين ؛ لأنّه ليس له عاقلة خاصّة ، ومالُه إذا مات مصروف إلى بيت المال إرثاً ، فلمّا كان بيت المال وارثاً له عقل عنه (٣).

وإن كانت الجناية صدرت منه قبل البلوغ ، فعندنا أنّها خطأٌ محض تكون على عاقلته مخفّفةً.

والعاقلة عندنا هو الإمام.

وللشافعي قولان في أنّ عمده عمد أو خطأ؟ فإن قلنا بأنّها عمد ،

__________________

(١ و ٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٧٣ ، البيان ٨ : ٣٨.

(٣) الوجيز ١ : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٧٣ ، البيان ٨ : ٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٢ ، المغني ٦ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٩.

٣٥٦

وجبت الدية مغلّظةً في ماله ، وإن لم يكن له مال فهي في ذمّته إلى أن يجد ، وإن قلنا : إنّ عمد الصبي خطأ ، وجبت الدية مخفّفةً في بيت المال (١).

ولو أتلف مالاً ، كان الضمان عليه لا غير ، سواء أتلفه عمداً أو خطأً.

ولو كان اللقيط محكوماً بكفره ، لم يضرب موجَب جنايته على بيت المال على ما تقدّم ، وتركته له.

مسألة ٤٤٠ : لو جُني على اللقيط ، فإن كانت خطأً وكانت على النفس أُخذت الدية ووُضعت في بيت المال عند العامّة (٢) وعندنا للإمام ، بناءً على القولين في أنّ وارثه الإمام أو بيت المال.

وإن كانت على الطرف ، فالدية على عاقلة الجاني إن تحمّلها العاقلة ، أو على الجاني إن قصرت عن الموضحة يستوفيه الحاكم له ؛ لأنّه وليّه.

وإن كانت الجناية عمداً ، فإن كانت نفساً كان للإمام أن يقتصّ إن رأى ذلك حظّاً للملاقيط ، وكان له العفو على مالٍ إذا رأى ذلك صلاحاً ورضي به الجاني عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر ، إلاّ أنّ أبا حنيفة يخيّره بين القصاص والمصالحة (٣) ، كما ذهبنا‌

__________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٤٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٧٣ ، البيان ٨ : ٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٢.

(٢) المغني ٦ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٧ ـ ٤١٨ ، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٦ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ٥٧٣ ، البيان ٨ : ٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٣.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ١٦٦ ، البيان ٨ : ٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٣ ، فتاوى قاضيخان ـ بهامش الفتاوى الهنديّة ـ

٣٥٧

نحن إليه.

واختلفت الشافعيّة على قولين :

قال بعضهم بالقطع على ما قلناه ولم يُثبتوا فيه خلافاً.

وأثبت الأكثر منهم قولاً آخَر : إنّه لا يجب القصاص (١).

وهو خطأ ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « السلطان وليّ مَنْ لا وليّ له » (٢).

ثمّ اختلف هؤلاء في شيئين :

أحدهما : في مأخذ القولين.

قال قوم : وجه الوجوب : إنّه مسلم معصوم الدم ، فوجب القصاص كغير اللقيط ، ووجه المنع : إنّه لو وجب القصاص لوجب لعامّة المسلمين ، كما يصرف ماله إليهم ، وفي المسلمين أطفال ومجانين ، ومهما كان في الورثة أطفال ومجانين لا يمكن استيفاء القصاص قبل البلوغ والإفاقة ، وأيضاً لا بدّ من اجتماع الورثة على الاستيفاء ، واجتماع جميع المسلمين متعذّر (٣).

وقال بعضهم : بناؤهما على أنّ المحكوم بإسلامه تجري عليه أحكام الإسلام ، أو يتوقّف فيه إلى أن يعرب بالإسلام؟ فإن قلنا بالأوّل ، أوجبنا القصاص ، وإن قلنا بالثاني ، فقد فات الإعراب بقتله ، فلا يجري عليه حكم المسلمين.

قال : والمأخذ الأوّل فاسد ؛ لأنّ الاستحقاق ينسب إلى جهة الإسلام ،

__________________

٣ : ٣٩٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٢١٨ ، المغني ٦ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٦ ٤١٨.

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٦٠٥ / ١٨٧٩ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٢٢٩ / ٢٠٨٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٠٨ / ١١٠٢ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣٧ ، مسند أحمد ١ : ٤١٥ / ٢٢٦٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨.

٣٥٨

لا إلى آحاد المسلمين ، ولهذا لو أوصى مَنْ ليس له وارثٌ خاصّ لجماعةٍ من المسلمين لا يُجعل ذلك وصيّةً للورثة (١).

فهذان مأخذان للمسألة عند الشافعيّة.

وفرّع بعضهم عليهما ما إذا ثبت لرجلٍ حقُّ قصاصٍ ولم يستوفه حتى مات وورثه المسلمون ، فعلى المأخذ الأوّل في بقاء القصاص القولان ، وعلى الثاني يبقى لا محالة (٢).

وهذا لا يتأتّى على مذهبنا ؛ لأنّ المستحقّ لقصاصه وديته هو الإمام خاصّةً.

ولو قُتل اللقيط بعد البلوغ والإعراب بالإسلام ، اقتصّ له مع العمد ، وأُخذت الدية للإمام مع الخطأ.

ويجري هنا الخلاف للشافعيّة على المأخذ الأوّل ، دون الثاني (٣).

ولو قُتل بعد البلوغ وقبل الإعراب ، جرى الخلاف على المأخذين ، ولكن الترتيب على ما قبل البلوغ ، إن منعنا القصاص ثَمَّ فهنا أولى ، وإن أوجبناه فهنا وجهان ؛ لقدرته على إظهار ما هو عليه (٤).

والاختلاف الثاني في كيفيّة قول المنع.

فعن جماعةٍ منهم : البويطي والربيع : إنّه غير منصوصٍ عليه في المسألة بخصوصها ، لكن قال قائلون : إنّ اللقيط لا وارث له (٥).

وروى البويطي : أن لا قصاص بقتل مَنْ لا وارث له ، فيتناول اللقيطَ تناولَ العموم للخصوص (٦).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.

(٣ ـ ٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٩.

٣٥٩

وعن القفّال تخريجه من أحد القولين في أنّ مَنْ قذف اللقيط بعد بلوغه لا يُحدّ ، ويُخرَّج من هذا مأخذٌ ثالث ، وهو دَرْء القصاص بشبهة الرقّ والكفر (١).

ثمّ الأصحّ من القولين عندهم : وجوب القصاص بالاتّفاق (٢).

فإن كانت الجناية على طرف اللقيط ، فعلى المأخذ الأوّل يُقطع وجوب القصاص ؛ لأنّ الاستحقاق فيه للّقيط وهو متعيّن ، لا للعامّة.

وعلى المأخذ الثاني إذا فرّعنا على قول المنع هناك يُتوقّف في قصاص الطرف ، فإن بلغ وأعرب بالإسلام تبيّنّا وجوبه ، وإلاّ تبيّنّا عدمه.

وعلى المأخذ الثالث يجري القولان بلا فرق.

وإذا كان الجاني على النفس أو الطرف كافراً رقيقاً ، جرى القولان على المأخذ الأوّل ، دون الثاني والثالث.

هذا ما يتعلّق بوجوب القصاص.

مسألة ٤٤١ : أمّا استيفاء القصاص إذا قلنا بالوجوب فقصاص النفس يستوفيه الإمام لنفسه عندنا وللمسلمين عند العامّة (٣) إن رأى المصلحة فيه ، وإن رأى في أخذ المال عدل عنه إلى الدية مع رضا الجاني عندنا ، ومطلقاً عند الشافعي (٤) ، ولو لم نجوّز ذلك لالتحق هذا القصاص بالحدود المتحتّمة ، وليس له العفو مجّاناً عندهم (٥) ؛ لأنّه خلاف مصلحة المسلمين ، والحقّ لهم عند العامّة.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٩.

(٣) المغني ٦ : ٤٠٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٣.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٤٠٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠٣.

٣٦٠