النيابة في الحج

الشيخ عبد الرضا البهادلي

النيابة في الحج

المؤلف:

الشيخ عبد الرضا البهادلي


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٧

كما تقدم.

والوصية لغة : (فعيلة من وصى يصي لغة : إذا أوصل الشيء بغيره ، لان الموصى يوصل تصرفه بعد الموت بما قبله)(١).

واصطلاحاً : على أقسام ، فقد تكون تمليك عين أو منفعة ، وقد تكون جعل ولاية أو سلطنة أو وكالة ، وقد تكون إبراءً لدين وإسقاطا لحق ، وقد تكون عهدا وإذنا وطلبا لتجهيزه وغسله والصلاة عليه وقضاء صلاته وصومه وحجه ورد أماناته وأمثال ذلك(٢).

وقال السيد الخوئي : الوصية قسمان :

١ ـ تمليكية : بأن يجعل شيئا من تركته لزيد أو للفقراء مثلا بعد وفاته فهي وصية بالملك أو الاختصاص.

٢ ـ عهدية : بأن يأمر بالتصرف بشئ يتعلق به من بدن أو مال كأن يأمر بدفنه في مكان معين أو زمان معين أو يأمر بأن يعطى من ماله أحدا أو يستناب عنه في الصوم والصلاة من ماله أو يوقف ماله أو يباع أو نحو ذلك ، فإن وجه أمره إلى شخص معين فقد جعله وصيا عنه وجعل له ولاية التصرف ، وإن لم يوجه أمره إلى شخص

__________________

(١) مجمع البحرين : فخر الدين بن محمّد علي : ج ٤ : ص ٥١١.

(٢) الگلپايگاني : محمّد رضا : هداية العباد : ج٢ : ص ١٦٨.

٦١

معين ولم تكن قرينة على التعيين كما إذا قال أوصيت بأن يحج عني أو يصام عني أو نحو ذلك فلم يجعل له وصيا معينا كان تنفيذه من وظائف الحاكم الشرعي(١).

المطلب الثاني : انواع النيابة

فالنيابة تارة تكون باعتبار المكلف ، وتارة تكون باعتبار متعلق التكليف ، وتارة تكون باعتبار ما يؤدى به التكليف ، ولكل نوع من هذه الانواع انطباقات تنطبق عليه ، لذلك نقول.

اولا : النيابة باعتبار المكلف

وهذا النوع من النيابة ، وهو ان ينوب مكلف عن مكلف آخر بفعل تكليفي واحد ، أي ان اعتبار النيابة فيه متعلقة بالمكلف وهذا النوع من النيابة هو الغالب في كلام الفقهاء عندما يتعرضون الى النيابة(٢). ولا شك بان النيابة هنا ليست مطلقة فهناك من التكاليف ما لا يقبل النيابة كالاعمال القلبية ، وكذلك الامور العادية المتعلقة ببدن الانسان من الاكل والشرب واللباس والسكن ، او الشرعية كالنكاح.

__________________

(١) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : منهاج الصالحين : ج٢ : ص ٢٠٧.

(٢) المرتضى : علي بن الحسين : الناصريات ، ص ٣١٣. الحلبي : تقي الدين بن نجم : الكافي : ٢١٩. المحقق الحلي ، جعفر بن الحسن : المعتبر : ٢ ، ٧٦٥.

٦٢

ثانيا : النيابة باعتبار متعلق التكليف

وهذه النيابة تختلف عن سابقتها ، من حيث ان الفعل التكليفي ينوب عنه فعل تكليفي اخر اذا كان هناك سبب يعود على المكلف او الفعل التكليفي او الشيء الذي يؤدي له التكليف وان هذا النوع شرع من باب الرخصة والتخفيف عن المكلف فالنيابة باعتبار الفعل التكليفي هو ان ينوب فعل تكليفي عن فعل تكليفي اخر شرعا ، والمكلف واحد ، فلو نظرنا الى الطهارة التي هي شرط لصحة الصلاة نجد ان المكلف اذا كان مريضا ولا يستطيع ان يستعمل الماء للوضوء والغسل فان الله جعل له فعل التيمم نائبا عنهما وسبب هذه النيابة والبدلية كون المكلف مريضا(١). ونيابة الحكم الظاهري عن الواقعي(٢). وهناك امثلة كثيرة عن النيابة في الصوم والصلاة والحج وسوف نبحثها في موضوعنا النيابة في الحج.

ثالثا : النيابة باعتبار ما يؤدى به التكليف

اشرنا الى النوعين السابقين ، عن النيابة باعتبار المكلف ، والفعل

__________________

(١) انظر : المحقق الحلي ، جعفر بن الحسن : شرائع الاسلام : ج ١ ،. الشهيد الاول شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين ، اللمعة الدمشقية ، ج١ ، وانظر : مغنية : محمّد جواد بن محمود ، فقه الامام جعفر الصادق ع ، ج١.

(٢) انظر : الصدر : محمد باقر : الاصول : ج ١ : ص ١٤٩.

٦٣

التكليفي ، وفي هذا النوع نتحدث عن الشيء الذي يؤدى به متعلق التكليف الواحد للمكلف الواحد.

فالنيابة بهذا الاعتبار هو ان ينوب شيء يؤدى به التكليف عن شيء آخر ، ومثاله زكاة الفطرة ، فزكاة الفطرة فعل تكليفي وهو ان يدفع المكلف احد هذه الانواع ، كالحنطة ، والشعير ، والتمر والزبيب ، والأرز ، والذرة ، والأقط ، واللبن ونحوها ، ولكن للمكلف هنا دفع قيمة هذه الانواع(١).

قال السيد الخوئي : (الضابط في جنس الفطرة أن يكون قوتا في الجملة كالحنطة ، والشعير ، والتمر والزبيب ، والأرز ، والذرة ، والأقط ، واللبن ونحوها. والأحوط الاقتصار على الأربعة الأولى إذا كانت من القوت الغالب ، والأفضل اخراج التمر ثم الزبيب ، والأحوط أن يكون صحيحا ، ويجزي دفع القيمة من النقدين وما بحكمهما من الأثمان ، والمدار قيمة وقت الأداء لا الوجوب ، وبلد الاخراج لا بلد المكلف)(٢).

فالنيابة هنا ان القيمة نابت عن الاجناس ، فالثمن ناب عن عن

__________________

(١) انظر : الخميني : روح الله بن مصطفى : تحرير الوسيلة : ج١ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨.

(٢) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : منهاج الصالحين : ج١ : ٣٢١.

٦٤

الشيء المخرج من الزكاة في فعل تكليفي واحد وهو الزكاة لمكلف واحد ، وان سبب هذه النيابة لا يعود على المكلف ولا الى الشيء الذي يؤدى به التكليف ، ولكن يعود الى مستحق الزكاة.

المطلب الثالث : مشروعية النيابة بشكل عام

لا خلاف بين الاعلام والفقهاء من المذهب الحق ، في اصل مشروعية النيابة في الاعمال العبادية عن الميت وعن العاجز في بعض الصور(١). ونتعرض في هذا المطلب الى عدة امور

الامر الاول : الروايات التي استدل بها على النيابة بشكل عام

استدل الشيخ الانصاري(٢). على النيابة بشكل عام بعدة روايات نذكر منها ما يلي

__________________

(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : القواعد : ١ : ٢٢٨ ، وانظر الشهيد الاول : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين : ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ، ج٢ ، ص ٧٤ ، وانظر ، الكركي : علي بن حسين بن علي بن محمد بن عبد العالي : جامع المقاصد : ٧ : ١٥٢ ، وانظر العاملي : جواد بن محمد بن محمد : مفتاح الكرامة : ٧ : ١٦٤. وكذلك انظر الى المحقق النراقي : أحمد بن محمد مهدي : مستند الشيعة : ٧ ، ٢٢٥. وكذلك انظر ، السيد ابن طاووس رضي الدين أبوالقاسم علي بن موسى : قبس من غياث سلطان الورى : ص من ١الى ١٢ ، وكذلك انظر الاصفهاني : محمد تقي الموسوي الإصفهاني الأحمد آبادي : مكيال المكارم : ٢ ، ١٩٠.

(٢) انظر الشيخ الانصاري : مرتضى بن محمد أمين : رسائل فقهية : ص ٢٠٥.

٦٥

١ ـ عن الشيخ الحر العاملي ، عن أصل علي بن أبي حمزة ـ الذي هو من رجال الصادق والكاظمعليهما‌السلام : (قال : وسألته عن الرجل يحج ويعتمر ويصلي ويصوم ويتصدق عن والديه وذوي قرابته؟ قال : لا بأس به ، ويؤجر فيما يصنع ، وله أجر آخر بصلة قرابته ، قلت : وإن كان لا يرى ما أرى ، وهو ناصب؟! قال : يخفف عنه بعض ما هو فيه)(١).

٢ ـ عن الشيخ الحر العاملي : عن الحسن بن محبوب ـ في كتاب المشيخة ـ عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : (تدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والدعاء ، قال : ويكتب أجره للذي يفعله وللميت)(٢).

٣ ـ عن الشيخ الحر العاملي ، وعن عبد الله بن أبي يعفور ، وعن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (يقضى عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن. وعن صفوان بن يحيى ، وكان من خواص الرضا والجواد (عليهما السلام) عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق (عليه السلام) مثله)(٣).

__________________

(١) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج ٨ : ص ٢٧٨.

(٢) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج ٨ : ص ٢٧٩.

(٣) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج ٨ : ص ٢٨١.

٦٦

٤ ـ وعن الشيخ الحر العاملي ، عن حماد بن عثمان في كتابه قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (إن الصلاة والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت ، حتى أن الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ، ويقال : هذا بعمل ابنك فلان ، وبعمل أخيك فلان أخوك في الدين)(١).

ومن خلال النصوص الكثيرة والفتاوى على انتفاع الميت بما يفعل عنه ، وكذلك المعتضد بقضية صفوان التي نقلها الشيخ الطوسي في الفهرست حيث قال : صفوان بن يحيى ، مولى بجيلة ، يكنى أبا محمد ، بياع السابري ، أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وأعبدهم ، وكان يصلي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة ، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ، ويخرج زكاة ماله في كل سنة ثلاث مرات. وذلك أنه اشترك هو وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام ، فتعاقدوا جميعا ان مات واحد منهم يصلي من بقي بعده صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ويزكي عنه ما دام حيا ، فمات صاحباه وبقي صفوان بعدهما ، وكان يفي لهما بذلك ، كان يصلي عنهما ويصوم عنهما ويحج عنهما ويزكي

__________________

(١) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج ٨ : ص ٢٨٠.

٦٧

عنهما ، وكل شي من البر والصلاح يفعله لنفسه كذلك يفعل عن صاحبيه(١).

ثم قال الشيخ الانصاري بعد ايراد هذه الرواية : (فإن دعوى كفاية اتفاق هذه الثلاثة في الكشف عن رضا الإمامعليه‌السلام عليه السلام غير بعيدة)(٢).

الامر الثاني : اقوال الاعلام في جواز النيابة

١ ـ قال العلامة : (كل ما يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من العبد مباشرة لا يصح التوكيل فيه ، وكل ما جعل ذريعة إلى غرض لا يختص بالمباشرة ، جاز التوكيل فيه. وشرطه : أن يكون مملوكا للموكل ، فلو وكله في طلاق امرأة سينكحها ، أو بيع عبد يشتريه ، لم يجز ، وأن يكون مما تصح فيه النيابة)(٣).

٢ ـ وقال الشيخ المفلح الصميري البحراني : (تجوز النيابة في الطلب ، لأن الاعتماد على الظن وهو يحصل بقول الثقة)(٤).

__________________

(١) الطوسي : ابي جعفر محمد بن الحسن بن علي : الفهرست : ص ١٤٥ ـ ١٤٦. الميرزا النوري : مستدرك الوسائل : ج٢ : ص ١١٥.

(٢) الشيخ الانصاري : محمد امين : رسائل فقهية : ص ٢٢٢.

(٣) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن علي : تحرير الاحكام : ج٣ : ص ٢٦.

(٤) الصميري البحراني : مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح : ج١ : ص ٩٢.

٦٨

٣ ـ وقال الشيخ كاشف الغطاء : (أنّه يلزم النائب القيام بما لزم المنوب عنه ، من خصوص نوع العبادة ، ومقوّماتها ، وشرائطها المتعلَّقة بذاتها ، دون ما تعلَّق لخصوص الفاعل ، فإنّ لكلّ حكمه)(١).

٤ ـ وقال السيد الخوئي : (ولا شبهة في وقوع النيابة في العبادات الواجبة والمستحبة ، بضرورة الفقه نصا وفتوى)(٢).

٥ ـ وقال الشهيد الصدر : (تجوز النيابة في العبادات عن الميت فيصلي عنه ويصام عنه إلى غير ذلك من العبادات واجبة كانت أو مستحبة ، كما يمكن الإتيان بالعبادة بصورة أصيلة ثم اهداء ثوابها إلى الميت)(٣).

ثالثا : الاشكالات والاعتراضات على النيابة(٤).

ذكر الشيخ الانصاري بان هناك اشكالات قد وجهت نحو النيابة منها :

__________________

(١) كاشف الغطاء : جعفر بن خضر بن يحيى : كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (ط. ج) : ج٤ : ص ٦٤.

(٢) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : مصباح الفقاهة : ج ١ : ص ٧٢٥.

(٣) الصدر : محمد باقر : الفتاوى الواضحة : ص ٥٦.

(٤) انظر الشيخ الانصاري : مرتضى بن محمد أمين : رسائل فقهية : ص ٢٠٥ ـ ٢١٣.

٦٩

١ ـ قوله تعالى : (وأن ليس للانسان إلا ما سعى)(١).

واجاب الشيخ الانصاري : فيمكن توجيهها بعد مخالفة ظاهرها للاجماع والأخبار المتواترة بأن الثواب على سعيه حال الحياة ، فإن تحصيل الإخوة للمؤمنين تعريض للنفس في هذه المثوبات(٢).

٢ ـ الحديث الشريف عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو ولد صالح يترحم عليه ، أو علم ينتفع به)(٣).

واجاب الشيخ الانصاري عنه : بانه مسوق لذكر ما يعد عملا للميت بعد موته من الأفعال المتولدة من فعله تولد الغاية ، دون التي يترتب على عمله اتفاقا من دون قصد لترتبها ، فالحصر في الرواية بالنسبة إلى أعمال الميت المقصود منها الاستمرار بعد الموت ، كإعانة الناس بحفر البئر وغرس الشجر ووقف مال عليهم أو إظهار سنة حسنة ، أو ولادة من يستغفر له مما يقصد منه البقاء ، فهي بمنزلة الأفعال التوليدية للميت يعد عملا له ، والكلام ـ في المقام ـ في ما يعمل الغير عنه ، كما أن ما ورد من أن : (من سن سنة سيئة كان عليه

__________________

(١) سورة النجم : الاية ٣٩.

(٢) انظر الشيخ الانصاري : مرتضى بن محمد أمين : رسائل فقهية : ص ٢١٣.

(٣) ابن أبي جمهور الأحسائي : محمد بن علي : عوالي اللئالي : ج٢ : ص ٥٢.

٧٠

وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)(١). لا تنافي قوله تعالى : (ولا تزر وازرة وزر أخرى)(٢). وإنما ينافيه ما يكذب على النبي صلى الله عليه وآله من أن : (الميت ليعذب ببكاء أهله عليه))(٣). ولذا ردت عائشة بتلك الآية ، وقد عرفت أنه مجمع عليه فتوى ونصا(٤).

المطلب الرابع : الحكمة من النيابة

بعد بيان الوجه في مشروعية النيابة في الشريعة الإسلامية ، يمكن بيان حكمة هذا التشريع من خلال مجموعة من النقاط :

اولا : اللطف الالهي : فالله تعالى رؤوف بعباده ، ومن لطفه تعالى انه يخفف عن عباده في الدنيا والآخرة ومن تجليات هذا اللطف الالهي تشريع النيابة عن الميت وعن الحي العاجز في العبادات وهذا نوع من التخفيف على المكلف وحتى ينتفع بثواب هذا

__________________

(١) الميرزا النوري : حسين بن محمد تقي : مستدرك الوسائل : ج١٢ : ص ٣٢١. النمازي الشاهرودي : علي بن محمد : مستدرك سفينة البحار : ج٥ : ص ١٨٤. وكذلك انظر ابن حجر : أحمد بن علي العسقلاني : فتح الباري : ١٢ ، ١٧٠.

(٢) سورة الاسراء : الاية ١٥.

(٣) البخاري : محمد بن إسماعيل : صحيح البخاري : ج٢ : ص ٨٠.

(٤) انظر الشيخ الانصاري : مرتضى بن محمد أمين : رسائل فقهية : ص ٢١٣.

٧١

العمل العظيم في العبادات ومن ضمنها الحج بعد مماته او حال حياته اذا كان عاجزا عن الاداء.

ثانيا : الضرورة : فالمكلف عندما يقوم بعمل مكلف آخر نيابة عنه فبدافع من الضرورة وانسداد طرق المباشرة بأداء التكليف من قبل المكلف نفسه ، والا فلا يمكن للشخص ان يقوم مقام شخص اخر لا سيما في العبادات.

ثالثا : النيابة فيها فائدة معنوية : وذلك من اجل التعاون على البر والتقوى ولكي يبقى التواصل ما بين الاحياء والاموات ، فان في ذلك فضل كبير ورعاية عظيمة في حفظ العهود بين الاحياء والاموات.

رابعا : النيابة فيها فائدة مادية للاحياء : وذلك لانتفاع بعض المؤمنين الفقراء في النيابة ورفع فقرهم ، وذلك بالنيابة عن الاحياء العاجزين او عن الموتى.

٧٢

المبحث الثالث

تعريف الفقه الأمامي ونشأته ومراحله

المطلب الاول : الفقه لغة واصطلاحا

نتعرض في هذا المطلب الى عدة امور

اولا : الفقه لغة : العلم بالشيء ، والفهم له.

١ ـ قال في النهاية : (والفقه في الأصل : الفهم ، واشتقاقه من الشق والفتح. يقال : فقه الرجل بالكسر ـ يفقه فقها إذا فهم وعلم ، وفقه بالضم يفقه : إذا صار فقيها عالما)(١).

٢ ـ وقال في اللسان : (فِقْه : العلم بالشيء والفهمُ له)(٢).

ثانيا : معنى الفقه في القرآن الكريم :

استعمل الكتاب الكريم كلمة الفقه ، وأراد منها المعنى اللغوي : قال تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا)(٣). وقال تعالى : (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا

__________________

(١) ابن الاثير : مجد الدين بن محمد : النهاية في غريب الحديث ، ج ٣ : ص ٤٦٥ ، مادة فقه.

(٢) ابن منظور : محمد بن مكرم : لسان العرب : ١٣ ، ٥٢٢ ـ ٥٢٣. الطريحي : فخر الدين بن محمّد علي : مجمع البحرين : ٣ ، ٤٢١.

(٣) سورة الأعراف : الاية١٧٩.

٧٣

رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١). قال في منية المريد : والذي يحصل به الإنذار غير هذا العلم المدوّن ... وإنّما العلم المهمّ هو معرفة سلوك الطريق إلى الله تعالى ، وقطع عقبات القلب ، التي هي الصفات المذمومة ، وهي الحجاب بين العبد وبين الله تعالى ، ... ومن ثمّ كان العلم موجباً للخشية ، بل هي منحصرةٌ في العالِم كما نبّه عليه تعالى بقوله : (إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(٢).

أعمّ من أن يكونوا فقهاء أو غير فقهاء(٣).

وقال تعالى : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي)(٤).

وقال تعالى : (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً)(٥).

ثالثا : الفقه في الحديث الشريف

١ ـ عن الصدوق ، عن موسى ابن إبراهيم المروزي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من حفظ من أمّتي أربعين حديثاً

__________________

(١) سورة التوبة : الاية١٢٢.

(٢) سورة فاطر : الاية ٢٨.

(٣) الشهيد الثاني : زين الدين بن علي : منية المريد : ص ١٥٧.

(٤) سورة طـه : الاية ٢٧ ـ ٢٨.

(٥) سورة هود : الاية ٩١.

٧٤

ممّا يحتاجون إليه من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالما)(١).

٣ ـ عن البرقي ، عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : (ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام)(٢).

٤ ـ عن الشيخ الكليني ، عن داود بن سرحان قال : (رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يكيل تمراً بيده ، فقلت : جعلت فداك ، لو أمرتَ بعض ولدك ، أو بعض مواليك فيكفيك ، فقال : يا داود إنّه لا يصلح المرء المسلم إلا ثلاثة : التفقّه في الدين ، والصبر على النائبة ، وحسن التقدير في المعيشة)(٣).

رابعا : الفقه اصطلاحا :

وقد عرف الفقهاء الشيعة الفقه بعبائر ممتقاربه ، اليك بعضا منها :

١ ـ قال السيد المرتضى : (الفقه العلم بجملة الأحكام الشرعية. وقيل : العلم بالأحكام الشرعية العملية المستدل على أعيانها بحيث

__________________

(١) الصدوق : علي بن الحسين : الخصال : ص ٥٤١.

(٢) البرقي : أحمد بن محمد : المحاسن ، ج ١ : ص ٢٢٩.

(٣) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ج ٥ : ص ٨٧.

٧٥

لا يعلم كونها من الدين ضرورة ، احترازا عن التقليد واحترازا عن العلم بوجوب الصلاة)(١).

٢ ـ قال الفاضل الآبي : (بأنه العلم بالأحكام الشرعية ، فكل موضوع له حكم ما من الشرع المقدس فهو فقه ، سواء كان تكليفيا أو وضعيا ، وسواء كان متعلقا بنظم الدنيا أو نظم الآخرة ، ولذا جعلوا موضوعه أفعال المكلفين)(٢). ٣ ـ وعرفه ابن ابي جمهور : (العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية)(٣). ٤ ـ وقال الشيخ الكركي في تعريف الفقه : (العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية)(٤).

٥ ـ قال العلامة الحلي : (الفقه اصطلاحا العلم بالأحكام الشرعية الفرعية ، المستدل على أعيانها ، بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة ، فخرج العلم بالذوات والأحكام العقلية

__________________

(١) المرتضى : علي بن الحسين بن موسى : رسائل المرتضى : ج ٢ : ص ٢٧٩.

(٢) الفاضل الآبي : : كشف الرموز : ج ١ : ص ٦.

(٣) ابن ابي جمهور الاحسائي : محمد بن علي بن إبراهي : الاقطاب الفقهية : ص ٣٤.

(٤) المحقق الكركي : علي بن حسين بن علي بن محمد بن عبد العالي : جامع المقاصد : ج ١ : ص ١٢.

٧٦

(والنقلية) والتقليدية وعلم واجب الوجود والملائكة وأصول الشريعة)(١).

٦ ـ وقال الشهيد الاول في الذكرى في تعريف الفقه انه : (العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة عن أدلّتها التفصيليّة لتحصيل السعادة الأخرويّة)(٢).

المطلب الثاني : ابعاد ومعطيات الفقه الشيعي الأمامي

تكتسب عظمة الفقه الأمامي من عظمة مصدره وامتداده وهو النبي الأكرم والأئمة الأطهار الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فالفقه الشيعي الأمامي لم ينحرف يمينا أو شمالا بل ظل مستمرا في امتداده الطبيعي للنبي والأئمة الأطهار عليهم السلام ، وقد ازدهر الفقه الأمامي أيما ازدهار في فترة الأمام الصادق عليه‌السلام ، إذ أن الأمام عليه‌السلام استغل فرصة سقوط الدولة الأموية ، وظهور الدولة العباسية الضعيفة في بدايتها ، ومن خلال ذلك اسس مدرسته في الكوفة والتي كانت تحتوي على الاف الطلبه حتى قال احدهم كما في حديث الوشاء : أخبرني ابن شاذان قال : حدثنا

__________________

(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تحرير الأحكام : ج ١ : ص ٣١.

(٢) الشهيد الأوّل : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين : ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : ج١ : ٤٠.

٧٧

أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن أحمد بن محمد بن عيسى قال خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشاء فسألته أن يخرج لي (إلي) كتاب العلاء بن رزين القلاء وأبان بن عثمان الأحمر فأخرجهما إلي فقلت له : أحب أن تجيزهما لي فقال لي : يا رحمك الله وما عجلتك اذهب فاكتبهما واسمع من بعد فقلت : لا آمن الحدثان فقال : لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه فاني أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد وكان هذا الشيخ عينا من عيون هذه الطائفة(١). وقال المحقق في المعتبر في جملة كلامه عن الصادقعليه‌السلام : «فإنّه انتشر عنه من العلوم الجمّة ما بهر به العقول ، وروى عنه جماعة من الرجال ما يقارب أربعة آلاف رجل)(٢).

وقال الشهيد في الذكرى : إنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنّف لأربعمائة مصنِّف ، ودوّن من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل من أهل العراق

__________________

(١) النجاشي : أحمد بن علي بن أحمد : رجال النجاشي : ص ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد : المعتبر : ج١ : ص ٢٦.

٧٨

والشام والحجاز)(١).

ويمكن اجمال مدرسة الامام الصادق في عدة نقاط مهمة.

أولا : إن المؤسس لهذه المدرسة هو الامام الصادق عليه‌السلام فكان يقول عليه‌السلام (إن حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله وحديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو قول الله)(٢).

ثانيا : ان مدرسة الامام الصادق عليه‌السلام اسست لعلوم ومعارف شاملة للامة الاسلامية الصحيحة. وقال الشيخ الطبرسي في إعلام الورى : «ولم ينقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه ، فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات فكانوا أربعة آلاف رجل ، وقال في القسم الثالث : «وروى عن الصادق من أهل العلم أربعة آلاف إنسان)(٣).

__________________

(١) الشهيد الاول : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جمال الدين مكي العاملي : الذكرى : ج١ : ص ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ج١ : ص ٥٣.

(٣) الشيخ الطبرسي : رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل : إعلام الورى : ج٢ : ص ٢٠٠.

٧٩

ثالثا : ان مدرسة الامام الصادق عليه‌السلام كانت لكل الامة الاسلامية وليس فقط للشيعة ومنهم الكثير من علماء المدارس الاسلامية ، ومنهم من أصبحوا رؤساء طوائف ، وأئمة مذاهب : كأبي حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة (١٥٠هـ) صاحب المذهب المنسوب إليه ، وقد اشتهر قوله : ما رأيت أعلم من جعفر بن محمد .. وقوله : لولا السنتان لهلك النعمان(١). وكانت له مع الإمام الصادقعليه‌السلام اتصالات متفرّقة بالمدينة والكوفة ، وقد لازمه مدة سنتين متواصلتين بالمدينة. فجعل هاتين السنتين نجاة له من الهلكة.

المطلب الثالث : المدارس التي نشا فيها الفقه الشيعي

قلنا في المطلب السابق : ان الفقه الشيعي اكتسب اهميته من ارتباطه باهل بيت العصمة والطهارة ، وكذلك بقاء باب الاجتهاد مفتوحا وفي هذا المطلب سوف نعدد المدارس التي نشا فيها الفقه الشيعي.

تعرض بعض العلماء الى المدارس التي نشا فيها الفقه الشيعي وعدَ منها :

__________________

(١) الشيخ الجواهري : حسن محمد تقي : بحوث في الفقه المعاصر : ج٧ : ص ١٠٥. عن الالوسي : عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي ، محمود شكري الألوسي : التحفة الاثنى عشرية : ص ٨.

٨٠