النيابة في الحج

الشيخ عبد الرضا البهادلي

النيابة في الحج

المؤلف:

الشيخ عبد الرضا البهادلي


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٧

والراحلة)(١).

وقال الشيخ ابو الصلاح الحلبي : (ووجود الزاد والراحلة)(٢).

وقال الشيخ الطوسي : (والاستطاعة هي الزاد الراحلة)(٣).

وقال الشيخ الجواهري : الشرط (الثالث) أن يكون له ما يتمكن به من (الزاد والراحلة) لأنهما من المراد بالاستطاعة التي هي شرط في الوجوب باجماع المسلمين ، والنص في الكتاب المبين ، والمتواتر من سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) ، بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج(٤).

ادلة الشرط الثالث وهو الزاد والراحلة

١ ـ عن الشيخ الكليني ، عن محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : سأل حفص الكناسي الصادق عليه‌السلام ـ وأنا عنده ـ عن قول الله عز وجل : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال : ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه ، له زاد

__________________

(١) الشريف المرتضى : علي بن الحسين : الناصريات : ص ٣٠٣.

(٢) الحلبي : أبو الصلاح تقي الدين بن نجم : الكافي : ص ١٩٢.

(٣) الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن : النهاية : ص ٢٠٣.

(٤) الجواهري : محمد حسن : جواهر الكلام : ج ١٧ : ص ٢٤٨.

٤١

وراحلة ، فهو ممن يستطيع الحج(١).

٢ ـ عن الشيخ الكليني ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : (قال سأله رجل من أهل القدر فقال : يا بن رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) أليس قد جعل الله لهم الاستطاعة؟ فقال : ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة ليس استطاعة البدن)(٢).

٣ ـ عن الحر العاملي ، عن هشام بن الحكم ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام في قوله عز وجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة)(٣).

٤ ـ عن سنن ابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (سئل ما السبيل؟ قال : (الزاد والراحلة)(٤).

رابعا : امكان المسير :

ومن شروط التي يجب ان تتوفر في المكلف هي امكان مسيره

__________________

(١) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ج٤ : ص ٢٦٨.

(٢) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ج٤ : ص ٢٦٨.

(٣) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج١١ : ص ٣٥.

(٤) الترمذي : محمد بن يزيد القزويني : سنن الترمذي : ج٤ : ص ٢٩٣.

٤٢

وهي تشمل ، الصحة ، وامكان ركوبه ، وعدم وجود العدو في طريقه.

قال الطوسي : إمكان المسير أحد شروط الحج على ما قلناه ، ومعناه أن يجد رفقة يمكنه المسير معهم ويتسع له وقت المسير على مجرى العادة. فإن لم يجد من يخرج معه أو ضاق عليه الوقت حتى لا يلحق إلا بأن يصعب المسير لا يلزمه تلك السنة(١).

قال المحقق في المعتبر : (إمكان المسير). ويدخل تحته (الصحة وإمكان الركوب وتخلية السرب)(٢).

وقال المحقق السبزواري : إمكان المسير وهو الصحة ، وتخلية السرب ، والقدرة على الركوب عند الحاجة إليه ، وسعة الوقت(٣).

وقال المحقق الاردبيلي : وإمكان المسير وهو الصحة ، وتخلية السرب والقدرة على الركوب. وسعة الوقت(٤).

وقال الشيخ صاحب الجواهر : الشرط(الخامس إمكان المسير) بلا خلاف أجده فيه ، بل في محكي المعتبر والمنتهى اتفاقنا عليه ،

__________________

(١) الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن : المبسوط : ج ١ : ص ٣٠٠.

(٢) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : المعتبر : ج ٢ : ص ٧٥٤.

(٣) المحقق السبزواري : محمد باقر بن محمد مؤمن : كفاية الأحكام : ج ١ : ص ٢٨١.

(٤) المحقق الأردبيلي : أحمد بن محمّد : مجمع الفائدة : ج ٦ : ص ٥٣ : ٦٢.

٤٣

وهو الحجة ، مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة بدونه ، وإلى نفي الحرج والعسر والضرر والضرار(١).

ادلة امكان المسير :

هناك عدة روايات ذكرت في هذا الشرط نتعرض الى بعضها

١ ـ عن الشيخ الكليني ، عن ذريح المحاربي ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام : (من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا)(٢).

٢ ـ عن الشيخ الطوسي ، عن معاوية بن عمار عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال الله عز وجل : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال هذه لمن كان عنده مال وصحة(٣).

٣ ـ عن الشيخ الحر العاملي ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلامفي قوله عز وجل : (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه ، مخلى

__________________

(١) الجواهري : محمد حسن : جواهر الكلام : ١٧ : ص ٢٧٩.

(٢) الشيخ الكليني : محمد بن يعقوب الكافي : ج ٤ : ص ٢٦٨.

(٣) الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن : تهذيب الاحكام : ج ٥ : ص ١٨.

٤٤

سربه ، له زاد وراحلة)(١).

خامسا : الرجوع الى كفاية من شروط الحج كذلك هو الرجوع الى كفاية وقد اختلف الفقهاء في هذا الشرط.

قال الشيخ الطوسي : (من شروط وجوب الحج ، الرجوع إلى كفاية زائدا على الزاد والراحلة)(٢).

قال الشيخ الطوسي : (دليلنا : إجماع الفرقة ، وأيضا الأصل براءة الذمة ، وعند حصول ما قلناه لا خلاف في وجوبه ، وقبل حصوله ليس على وجوبه دليل)(٣).

وخالف في ذلك المحقق الحلي فقال : الرجوع إلى كفاية ليس شرطا ، وبه قال أكثر الأصحاب(٤).

واستدل المحقق الحلي على ذلك : (لنا : قوله (من استطاع إليه سبيلا) والاستطاعة هي الزاد والراحلة مع الشرائط التي قدمناها ، فما زاد منفي بالأصل السليم عن المعارض ، ويدل على ذلك أيضا : قول أبي عبد الله عليه السلام : (من كان صحيحا في بدنه مخلا سربه له

__________________

(١) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (ال البيت) : ج١١ : ص ٣٥.

(٢) الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ص ٢٤٥.

(٣) الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ص ٢٤٥.

(٤) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : المعتبر : ج٢ : ص ٧٥٦.

٤٥

زاد ورحلة فهو ممن يستطيع الحج)(١).

وقال العلامة الحلي : (وهل يشترط الرجوع إلى كفاية من مال أو حرفة أو صناعة في وجوب الحج بعد وجدان ما ذكر ، قال الشيخ : نعم؟ وقال أكثر علمائنا : لا يشترط الرجوع إلى كفاية)(٢).

المطلب الخامس : فلسفة الحج

كل ما في الوجود قائم على فلسفة وحكمة من ايجاده ، ولا شك بان للحج كسائر العبادات فلسفة وحكمة من تشريعها سواء على مستوى الفرد ، أم المجتمع وعلى مستوى الدنيا أم الاخرة ,وتتجلى هذه الحكمة اذا ما اخذت تشريعات الحج الى الحياة واصبحت حاضرة ومعاشة سلوكا لدى الفرد او المجتمع ، ويمكن لنا استنتاج حكمة وفلسفة الحج من خلال الروايات الكثيرة الصادرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واهل بيته الكرام وهي كثيرة جدا ، ومنها :

١ ـ عن الحاكم النيسابوري ، عن عائشة ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما جعل الطواف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ورمي الجمار

__________________

(١) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : المعتبر : ج٢ : ص ٧٥٦.

(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء : ج٧ : ص ٥٧.

٤٦

لإقامة ذكر الله(١).

وخلاصة ما يمكن استفادته من هذه الرواية ان خلق الله الانسان والغاية من خلقه العباد كما قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(٢). وفي هذه الرواية الواردة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيان واضح ان الحج هو لاقامة ذكر الله والذكر هو العبادة ، وافضل الذكر ان تكون في بيت الحرام عندما تطوف وتسعى بين الصفا والمروه.

٢ ـ وفي نهج البلاغة عن الامام عليعليه‌السلام : ألا ترون أن الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما .... الخ الحديث(٣).

خلق الله الحياة ومن لوازمها الاختبار والامتحان كما قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)(٤). وقد تجسد الاختبار والامتحان في الحج ، ان الله تعالى

__________________

(١) الحاكم النيسابوري : أبو عبد الله محمد بن عبد الله : المستدرك : ج١ : ص ٤٥٩. وكذلك السجستاني : سليمان بن الأشعث السجستاني : سنن أبي داود : ج١ : ص ٤٤٢.

(٢) سورة الذاريات : الاية ٥٦.

(٣) عبده : محمد عبده حسن خير الله : شرح نهج البلاغة : ج ٢ : ص ١٤٧.

(٤) سورة الملك : الاية ٢

٤٧

اختبر العباد على مر الدهور بالحج والطواف والسعي والحلق والرمي والذبح لكي يعرضهم لطاعته.

٣ ـ عن الصدوق ، عن محمد بن سنان ، عن الإمام الرضا عليه‌السلام : فيما كتب إلى محمد بن سنان في جواب مسائله : إن علة الحج الوفادة إلى الله تعالى وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف ، وليكون تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل ، وما فيه من استخراج الأموال وتعب الأبدان وحظرها عن الشهوات واللذات ، والتقرب في العبادة إلى الله عز وجل والخضوع والاستكانة والذل ، شاخصا في الحر والبرد والأمن والخوف دائبا في ذلك دائما ، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى الله سبحانه وتعالى. ومنه ترك قساوة القلب ، وخساسة الأنفس ، ونسيان الذكر ، وانقطاع الرجاء والأمل ، وتجديد الحقوق ، وحظر الأنفس عن الفساد ، ومنفعة من في المشرق والمغرب ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لا يحج ، من تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين ، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها ، كذلك ليشهدوا منافع لهم(١).

__________________

(١) الشيخ الصدوق : علي بن الحسين : علل الشرائع : ج ٢ : ص ٤٠٤.

٤٨

واهم ما يمكن استفادته من هذه الرواية الجانب الاخلاقي ، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشكل تام عن الأمور المادية والامتيازات الظاهرية والألبسة الفاخرة ، ومع تحريم الملذات ، وبناء الذات الذي يعتبر من واجبات المحرم يبتعد الفرد عن عالم المادة ، ويدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامي الروحي(١).

وكذلك يمكن الاستفادة من الرواية ان الحج فيه جانب عبادي واقتصادي واجتماعي

٤ ـ عن الشيخ الصدوق ، عن هشام بن الحكم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت له : ما العلة التي من أجلها كلف الله العباد الحج والطواف بالبيت؟ فقال : إن الله خلق الخلق ـ إلى أن قال : ـ وأمرهم ونهاهم ما يكون من أمر الطاعة في الدين ، ومصلحتهم من أمر دنياهم ، فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا ، وليتربح كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، ولينتفع بذلك المكاري والجمال ، ولتعرف آثار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعرف أخباره ، ويذكر ولا ينسى ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد ، وسقطت الجلب والأرباح ، وعميت

__________________

(١) مكارم الشيرازي : ناصر بن محمد : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل : ج ١٠ : ص ٣٢٨ ـ ٣٣٣.

٤٩

الأخبار ، ولم يقفوا على ذلك ، فذلك علة الحج(١).

وفي هذه الرواية يمكن لنا تسجيل عدة فوائد للحج

اولا : البعد الثقافي : وهو التعارف بين الحجيج القادمين من شتى بقاع الارض على اختلاف السنتهم وقومياتهم وعناصرهم ، وهذا التعارف سوف يولد الافكار والرؤى في جميع الابعاد التي تهم العالم الاسلامي والخروج بحصيلة تفيد العالم الاسلامي ، ولكن في ظل حكم ال سعود يمكن ان تقوض هذا المسعى ويكون بشكل فردي وليس جماعي

ثانيا : البعد السياسي : البعد السياسي للحج ذكر أحد كبار فقهاء المسلمين أن مراسم الحج في الوقت الذي تستبطن أخلص وأعمق العبادات ، هي أكثر الوسائل أثرا في التقدم نحو الأهداف السياسية الإسلامية. فجوهر العبادة التوجه إلى الله ، وجوهر السياسة التوجه إلى خلق الله ، وهذان الأمران امتزجا في الحج بدرجة أصبحا كنسيج واحد. إن الحج عامل مؤثر في وحدة صفوف المسلمين. الحج عامل مهم في مكافحة التعصب القومي والعنصري والتقوقع في حدود جغرافية. والحج وسيلة لتحطيم الرقابة التي تفرضها

__________________

(١) الشيخ الصدوق : علي بن الحسين : علل الشرائع : ج ٢ : ص ٤٠٦.

٥٠

الأنظمة الظالمة ، وتدمير هذه الأنظمة المتسلطة على رقاب الشعوب الإسلامية. والحج وسيلة لنقل الأنباء السياسية للبلدان الإسلامية من نقطة إلى أخرى. وأخيرا الحج عامل مؤثر في تحطيم قيود العبودية والإستعمار وتحرير المسلمين(١).

ثالثا : البعد الاقتصادي : البعد الاقتصادي للحج خلافا لما يراه البعض ، فإن مؤتمر الحج العظيم يمكن أن يستفاد منه في تقوية أسس الاقتصاد في البلدان الإسلامية. بل إنه وفق أحاديث إسلامية معتبرة يشكل البعد الاقتصادي جزءا مهما من فلسفة الحج. فما المانع من وضع أسس سوق مشتركة إسلامية خلال إجتماع الحج العظيم ، ليوسع المسلمون مجال التبادل التجاري فيما بينهم بشكل تعود منافعهم إليهم لا إلى أعدائهم. ومن أجل تحرير اقتصادهم من التبعية الأجنبية ، وهذا العمل عبادة وجهاد في سبيل الله ، ولا يمكن أن يكون حبا للدنيا وطمعا فيها ولكن هذا البعد متوقف ما دام الحكم بيد ال سعود.

رابعا : التعلق باثار رسول الله واخباره

ان اعظم اثر يمكن ان يستفاد منه في الحج هو تذكر اثار رسول

__________________

(١) مكارم الشيرازي : ناصر بن محمد : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل : ج ١٠ : ص ٣٢٨ ـ ٣٣٣.

٥١

اللهعليهما‌السلامواخباره ولذلك ورد في الروايات انه يستحب زيارة النبيعليهما‌السلام

قال الطوسي : ويستحب لمن حج على طريق العراق أن يبدأ أولا بزيارة النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة فإنه لا يأمن ألا يتمكن من العود إليها فإن بدء بمكة فلا بد له من العود إليها للزيارة. وإذا ترك الناس الحج وجب على الإمام أن يجبرهم على ذلك ، وكذلك إن

تركوا زيارة النبي صلى الله عليه وآله كان عليه إجبارهم عليها(١).

__________________

(١) الطوسي : المبسوط : ج١ ، ص ٣٨٥.

٥٢

المبحث الثاني

معنى النيابة ومشروعيتها

المطلب الأول : تعريف النيابة

في هذا المطلب عدة امور نتعرض لها :

اولا : النيابة لغة

النيابة مصدر للفعل الثلاثي ناب ، وجذره نوب ، وتطلق النيابة على معان في اللغة كما هو ادناه.

١ ـ القيام مقام الاصيل :

قال في لسان العرب : (ناب عني فلان ينوب نوبا ومنابا أي قام مقامي ، وناب عني في هذا الأمر نيابة إذا قام مقامي)(١).

٢ ـ الفرصة والحظ والقسط :

قال الجوهري : النوبة ، واحدة النوب ، تقول : (جاءت نوبتك ونيابتك. وهم يتناوبون النوبة فيما بينهم ، في الماء وغيره)(٢).

ثانيا : النيابة اصطلاحا

لا يوجد باب في الفقه الاسلامي باسم النيابة ، ولكن النيابة فرع من بعض الابواب الفقهية ، فالنيابة داخلة في الصوم والصلاة والحج

__________________

(١) ابن منظور : محمد بن مكرم : لسان العرب : ج١ : ص ٧٧٤.

(٢) الجوهري : إسماعيل بن حمّاد : الصحاح : ج ١ : ص ٢٢٩.

٥٣

والزكاة ، وعلى ذلك فقليل من عرفها من الفقهاء ، ولكن تعرض الفقهاء الى حقيقة النيابة عندما تعرضوا الى مسائل النيابة ، ولا شك بان حقيقة النيابة غير تعريف النيابة كما سوف نبين ذلك.

١ ـ قال الأمام الخميني قدس‌سره : (والنيابة عبارة عن قيام شخص مقام شخص آخر في نوع من الأفعال يكون حقها مباشرة المنوب عنه لدى الاختيار ، كما لو قام مجلس سلام عام للسلطان تكون وظيفة أركان دولته وشرفاء مملكته الحضور فيه لمراسم السلام واتفق عذر لبعضهم فأرسل شخصا مناسبا لمقام السلطنة قائما مقامه ونائبا منابه في تشريفات السلام فإنه يعد لدى العقلاء مرتبة من حضوره بوجوده التنزيلي ويصير لدى السلطان مقربا ويكون ذاك العمل عند العذر مقبولا منه)(١).

٢ ـ وقال صاحب معجم الفاظ الفقه الجعفري : (النيابة ، إقامة الغير مقام النفس)(٢).

٣ ـ وقال صاحب معجم لغة الفقهاء : (إنابة : من نوب : إقامة الغير مقام النفس في التصرف .. Authorization. (٣)

__________________

(١) الخميني : روح الله بن مصطفى : الرسائل : ج ١ : ص ٣٣٢.

(٢) فتح الله : الدكتور احمد فتح الله : معجم ألفاظ الفقه الجعفري : ص ٧١.

(٣) قلعجي : محمد قلعجي : معجم لغة الفقهاء : ص ٩٠.

٥٤

وهذه التعاريف تشير الى معنى واحد ان النيابة هي انابة الشخص القادر على الاداء مقام غيره في العمل.

ثالثا : حقيقة النيابة(١) :

اختلفت كلمات الاعلام في حقيقة النيابة ، فهل هي تنزيل الشخص منزلة المنوب عنه بمعنى تبديل شخصية النائب بشخصية المنوب فكانما هو هو وافنائه فيه ، فالنائب هو المنوب عنه ليس إلا والعمل عمله ليس إلا ، او النيابة تفريغ ذمة المنوب عنه نظير تفريغ ذمة المدين في باب الدين ، وعلى ذلك فالمتصور من راي الفقهاء الاعلام في حقيقة النيابة وجهان :

__________________

(١) قد يتوهم انه لا فرق بين تعريف النيابة ، وحقيقة النيابة ، فتعريف النيابة ناظر الى النيابة بما هي هي ، واما حقيقة النيابة فهي تنظر الى شيء اخر وهو كنه وحقيقة التنزيل والقيام مقام الغير في النيابة ، فهل هي تنزيل الشخص منزلة المنوب او القيام مقامه في حدود تفريغ ذمة المنوب ، او شيء اخر كما سوف ياتي.

٥٥

الاول : تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه ، فكأنّه هو هو ، وكأنّ فعله هو فعله(١).

الثاني : إضافة العمل إليه والإتيان به بقصد ما ثبت في ذمّته ، نظير التبرّع بأداء الدين(٢).

الاشكال على الوجه الاول وعدم قبوله :

قال السيد الخوئي أمّا الوجه الأوّل : وهو التنزيل ، فانّما ينفع ويترتّب عليه الأثر إذا صدر ممّن بيده الجعل والاعتبار ، فانّه مجرّد ادعاء وفرض أمر على خلاف الواقع ، فلا يملكه إلاّ من بيده زمام الاُمور ، وهو الشارع الأقدس ، ولا يكاد يصح ذلك من آحاد المكلّفين الذين هم بمعزل عن مقام التشريع ، والمفروض عدم قيام

__________________

(١) الانصاري : مرتضى بن محمد أمين : رسائل فقهية : ص ٢٠٥. البروجردي : مرتضى البروجردي : المستند في شرح العروة الوثقى : ج ٦ ، ص ٢٠٧. الخميني : روح الله بن مصطفى : المكاسب المحرمة : ٢ ، ٢١٣. الخوئي : كتاب الصلاة : ج٥ ق١ ، ص ٢٤٥. الشيرازي : القواعد الفقهية : ج١ ، ص ١٣٨. الروحاني : تقرير بحث الروحاني للحكيم : ج١ ، ص ٤٨٥.

(٢) البروجردي : مرتضى البروجردي : المستند في شرح العروة الوثقى : ج ٦ ، ص ٢٠٧. الخميني : روح الله بن مصطفى : المكاسب المحرمة : ٢ ، ٢١٣. الخوئي : كتاب الصلاة : ج٥ ق١ ، ص ٢٤٥. الشيرازي : القواعد الفقهية : ج١ ، ص ١٣٨. الروحاني : تقرير بحث الروحاني للحكيم : ج١ ، ص ٤٨٥.

٥٦

دليل على التنزيل في خصوص المقام.

ثمّ إنّه على تقدير التسليم بتصدّي الشارع للتنزيل في المقام فلازمه أن يكون الفعل الصادر من النائب بذاته بمثابة الفعل الصادر عن المنوب عنه ، من دون حاجة إلى اعتبار قصد النائب ذلك ، بل حتّى وإن كان المباشر للعمل قد قصد الإتيان بالفعل عن نفسه ، فانّ المفروض هو تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فيكون هو هو وفعله فعله. وهو كما ترى ، لا يظنّ الالتزام به من أحد ، بل هو باطل جزماً.

نعم ، ورد نظيره في من سنّ سنّة حسنة أو سيّئة ، وأنّ له أجرها وأجر من عمل بها أو وزرها ووزر من عمل بها ، فيؤجر السانّ أو يحمل الوزر بمجرّد صدور الفعل المذكور عن غيره ممّن تبعه وإن لم يقصد التابع عنه. لكن ذلك إنّما يرتبط بمقام الجزاء على العمل والثواب والعقاب ، ولا يرتبط بمرحلة استناد العمل نفسه وحصول تفريغ ذمّة الغير به كما هو محلّ الكلام.

وعلى الجملة : إن اُريد تحقّق التنزيل المذكور من قبل الشارع فلا دليل عليه وإن اُريد تحقّقه من قبل المكلّف نفسه فلا يكاد يترتّب عليه الأثر. فالتنزيل بالمعنى المتقدّم لا محصّل له ، اللّهم إلاّ

٥٧

أن يرجع ذلك إلى الوجه الثاني(١).

قبول الوجه الثاني ولكن بشرط وجود الدليل

قال السيد الخوئي وأمّا الوجه الثاني : وهو إضافة الفعل وإسناده إلى المنوب عنه والإتيان به بقصد أدائه عنه وبداعي تفريغ ذمّته ، نظير التبرّع باداء دين الغير ، فهذا في حدّنفسه وإن كان على خلاف القاعدة ، بلا فرق في ذلك بين باب الدين وغيره من العبادات والتوصّليات ، فانّ الإسناد إلى الغير بمجرّده لا يصيّر العمل عملا للغير ، بحيث يترتّب عليه تفريغ ذمّته عنه ، إلاّ أنّه لا مانع من الالتزام به إذا ساعد عليه الدليل(٢).

والنتيجة : ان السيد الخوئي يرى ان تفريغ الذمة على خلاف القاعدة ولكن يساعد عليه الدليل.

قال : وكيفما كان : فلا ينبغي الاشكال في كون الحكم بتفريغ الذمة بذلك على خلاف القاعدة. كما ذكرناه. إلا أنه بعد قيام الدليل عليه شرعا ينبغي رفع اليد عما تقتضيه القاعدة. والدليل على

__________________

(١) البروجردي : مرتضى البروجردي : المستند في شرح العروة الوثقى : ج ٦ ، ص ٢٠٧.

(٢) البروجردي : مرتضى البروجردي : المستند في شرح العروة الوثقى : ج ٦ ، ص ٢٠٧.

٥٨

ذلك ـ في باب الدين ـ إنما هي السيرة العقلائية فقد جرت السيرة على الحكم بالوفاء وتفريغ ذمة المدين بدفع المتبرع المال بدلا عنه. مضافا إلى النصوص الخاصة الدالة عليه ، المذكورة في محلها.

وأما في باب الأعمال ـ من العبادات وغيرها ـ فيدل على ذلك : الروايات الخاصة المتقدم ذكرها ، الدالة على صحة النيابة عن الأموات مطلقا ، وعن الأحياء في موارد خاصة على التفصيل المتقدم ، ولأجل ذلك ينبغي الحكم بتفريغ ذمة المنوب عنه بفعل النائب ، سواء أكان قد أتى به تبرعا لأجل حبه للمنوب عنه ، أم أتى به وفاءا لعقد الإجارة أو الجعالة ، أم لغير ذلك من الدواعي(١).

رابعا : الفاظ لها علاقة بالنيابة

مداليل بعض الالفاظ تتقارب في المعنى مع مدلول النيابة ، مثل الوكالة والوصية.

فالوكالة فتحا وكسرا لغة : (اسم من التوكيل وهي مشتقة من وكل إليه الامر أي فوضه إليه)(٢).

والوكالة عرفها الفقهاء بتعريفات متعددة ولكنها متقومة بوجود

__________________

(١) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الصلاة : ج ٥ ق ١ : ص ٢٤٨.

(٢) الطريحي : فخر الدين بن محمّد علي : مجمع البحرين : ج٤ : ص ٥٤٧.

٥٩

موكل ، ووكيل ، والوكالة تتوقف على اذن الموكل ، ولكن النيابة لا تتوقف على اذن المنوب عنه فقد ينوب شخص عن شخص اخر بدون طلبه. وعلى هذا فكل وكالة نيابة ، وليس كل نيابة وكالة ، بل بينهما عموم وخصوص.

قال السيد السيستاني : وتختلف الوكالة عن النيابة ـ التي هي الاتيان بالعمل الخارجي المعنون بعنوان اعتباري قصدي الذي ينبغي صدوره عن الغير بدلا عنه ـ في جملة أمور : منها : أن العمل الصادر عن الوكيل كالبيع ينسب إلى الموكل ويعد عملا له فيقال باع زيد داره وإن كان المباشر للبيع وكيله ، وأما العمل الصادر من النائب كالصلاة والحج فلا يعد عملا للمنوب عنه ولا ينسب إليه فلا يقال حج زيد لو كان الحاج نائبه. ومنها : أن النيابة على قسمين : ما تكون عن استنابة وما تكون تبرعية ، وأما الوكالة فلا تقع على وجه التبرع(١).

وأما الوصية فهي التصرف بعد الموت ، فالوصية لا تكون الا بعد الموت ، بخلاف النيابة فهي قبل الموت وبعد الموت ، كما ان الوصية تحتاج الى موصي ، بخلاف النيابة فلا تحتاج الى مستنيب

__________________

(١) السيستاني : علي محمد باقر : منهاج الصالحين : ج٢ : ص ٣٤٠.

٦٠