النيابة في الحج

الشيخ عبد الرضا البهادلي

النيابة في الحج

المؤلف:

الشيخ عبد الرضا البهادلي


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٧

الامر الثاني : في كفاية الوثاقة

قال المحقق السبزواري قدس‌سره : (واكتفى بعض الأصحاب بكونه ممن يظن صدقه ويحصل الوثوق بقوله وهو غير بعيد)(١).

وقال السيد السيستاني دام ظله : (لا يعتبر في النائب أن يكون عادلا ، ولكن يعتبر أن يكون موثوقا به في أصل إتيانه العمل نيابة عن المنوب عنه ، وفي كفاية إخباره مع عدم الوثوق إشكال)(٢).

وقال المحقق النراقي قدس‌سره : (والأصل عدم اشتراطها ، ولا كونه مظنون الصدق ، وهو الأظهر)(٣)

الامر الثالث : الادلة على عدم شرطية العدالة

استدل النراقيقدس‌سره على عدم شرطية العدالة بعدة روايات(٤) :

منها : ما في مرسلة ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن ابي عبدالله عليه‌السلام التي هي في حكم الصحاح : (في رجل أخذ من رجل مالا ولم يحج عنه ومات ولم يخلف شيئا ، قال : إن كان حج الأجير

__________________

(١) المحقق السبزوراي : محمد باقر بن المولى محمد مؤمن : ذخيرة المعاد (ط. ق) : ج ١ ق ٣ : ص ٥٦٧.

(٢) السيستاني : علي محمد باقر : مناسك الحج : ص ٥٠.

(٣) المحقق النراقي : محمد مهدي : مستند الشيعة : ج١١ : ص ١١٥.

(٤) المحقق النراقي : محمد مهدي : مستند الشيعة : ج١١ : ص ١١٤.

١٨١

أخذت حجته ودفعت إلى صاحب المال ، وإن لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج)(١).

ومنها : مرسلة الفقيه : (قيل لابي عبدالله عليه‌السلام : (الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا ، فقال : أجزأت عن الميت ، وإن كانت له عند الله حجة أثبتت لصاحبه)(٢).

ومنها : وصحيحة الحسين عن ابي عبدالله عليه‌السلام : (في رجل أعطاه رجل مالا يحج عنه فحج عن نفسه ، فقال : هي عن صاحب المال)(٣).

ومنها : مكاتبة أبي علي بن مطهر قال : كتبت الى ابي محمد عليه‌السلام : (إني دفعت إلى ستة أنفس مائة دينار وخمسين دينارا ليحجوا بها ، فرجعوا ولم يشخص بعضهم ، وأتاني بعض وذكر أنه قد أنفق بعض الدنانير وبقيت بقية وأنه يرد علي ما بقي ، وإني قد رمت مطالبة من لم يأتني بما دفعت إليه ، فكتب عليه‌السلام : لا تعرض لمن لم يأتك ولا تأخذ ممن أتاك شيئا مما يأتيك به ، والأجر قد

__________________

(١) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ج ٤ : ص ٣١١.

(٢) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج١١ : ص ١٩٥.

(٣) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة : ج ٨ : ص ١٣٦.

١٨٢

وقع على الله)(١).

المطلب السادس : معرفة النائب بافعال الحج

بعض الفقهاء اشترط ان يكون النائب عارفا بافعال الحج ومناسكه واحكامه ، وبعضهم اكتفى ان يكون النائب يعرف حال العمل حتى لو كان ذلك بارشاد المرشد كما هو المعروف في هذه الازمنة ، حيث يكون لكلّ قافلة مرشد ومربيّ يتعلّم منه حجاج تلك القافلة حال كل عمل ، ويقع البحث في ذلك ضمن امرين.

الامر الاول : اشتراط العلم بافعال الحج

قال العلامة الحليقدس‌سره : (يشترط قدرة الأجير وعلمه بأفعال الحج)(٢).

وقال المحقق الكركيقدس‌سره : (يشترط قدرة الأجير ، وعلمه بأفعال الحج)(٣).

وقال النراقيقدس‌سره : (أن يكون فقيها حال الحج ـ أي عارفا بما يلزم عليه من أفعال الحج ـ اجتهادا أو تقليدا ، لروايتي مصادف [

__________________

(١) الصدوق : علي بن الحسين : من لا يحضره الفقيه : ج٢ : ص ٤٢٣.

(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : قواعد الأحكام : ج ١ : ص ٤١٣.

(٣) المحقق الكركي : علي بن حسين : جامع المقاصد : ص ٣ : ص ١٥٠.

١٨٣

المتقدمتين] ، ولتوقف الاتيان بها عليه)(١).

وقال الشهيد الاولقدس‌سره : (ويشترط قدرة الأجير على العمل وفقهه في الحج ، وفي الاكتفاء بالعلم الإجمالي احتمال ، نعم لو حج مع مرشد عدل أجزأ)(٢).

الامر الثاني : الاكتفاء بارشاد المعلم

قال الشهيد الاول قدس‌سره : (ويشترط قدرة الأجير على العمل وفقهه في الحجّ ، وفي الاكتفاء بالعلم الإجماليّ احتمال ، نعم لو حجّ مع مرشد عدل أجزأ)(٣).

وقال العاملي قدس‌سره : (واكتفى الشهيد في الدروس بحجه مع مرشد عدل ، وهو جيد حيث يوثق بحصول ذلك)(٤).

قال السيد اليزدي قدس‌سره : (معرفته بأفعال الحج وأحكامه وإن كان بإرشاد معلم حال كل عمل)(٥).

__________________

(١) المحقق النراقي : محمد مهدي : مستند الشيعة : ج١١ : ص ١١٥.

(٢) الشهيد الأول : محمد بن مكي العاملي : الدروس : ج ١ : ص ٣٢٠.

(٣) الشهيد الأوّل : محمّد بن مكّي العاملي : الدروس الشرعية في‌ فقه الإمامية : ج١ : ص ٣٢٠.

(٤) العاملي : محمد بن علي بن الحسين : مدراك الاحكام : ج ٧ : ص ١٠٩.

(٥) اليزدي : محمد كاظم : العروة الوثقى : ج٤ : ص ٥٣٤.

١٨٤

وقال السيد الخمينيقدس‌سره : (معرفته بأفعال الحج وأحكامه ولو بارشاد معلم حال كل عمل)(١).

وقال السيد الخوئيقدس‌سره : (إذا ناب عن الغير تبرعا وكان جاهلا بالأحكام ولكن نفرض أنه يتعلم من مرشد أثناء العمل تدريجا فلا ريب في صحة عمله كما إذا أتى بالحج عن نفسه بارشاد عارف بالأحكام تدريجا وتعليم منه والحاصل : إذا كان العامل جاهلا بالأفعال والأحكام ونوى العمل اجمالا على هو عليه وشرع فيه ولكن في الأثناء يتعلم من المرشد تدريجا ، فلا ريب في صحة عمله سواء كان العمل لنفسه أو عن الغير لعدم نقص في عمله ولا موجب للبطلان بعد كونه واجدا لجميع ما يعتبر فيه)(٢).

المطلب السابع : ان لا يكون مشغول الذمة لحج واجب

من الشروط التي يجب في النيابة ، ان لا يكون النائب مشغول الذمة في عام النيابة كحجة الاسلام او حجّ النذر المقيد بذلك العام ، واليك تفصيل المسالة في امور

الامر الاول : بطلان النيابة اذا كان الاجير مشغول الذمة

قال العلامة الحلي قدس‌سره : (قال يشترط في النائب خلو ذمته عن

__________________

(١) الخميني : روح الله بن مصطفى : تحرير الوسيلة : ج ١ : ص ٣٩١.

(٢) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج٢ : ص ١٨.

١٨٥

حج واجب عليه بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الإفساد ، فلو وجب عليه حج بسبب أحد هذه ، لم يجز له أن ينوب عن غيره إلا بعد أداء فرضه(١).

وقد استدل العلامة على ذلك

١ ـ لما رواه العامة عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : (من شبرمة؟) قال : قريب لي ، قال : حججت قط؟) قال : لا ، قال : فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة)(٢).

٢ ـ ومن طريق الخاصة : ما رواه سعد بن أبي خلف في الصحيح عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : (سألته عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه ، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله ، وهي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له

__________________

(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج ٧ ، ص ١١٢ ـ ١١٣.

(٢) ابن أبي جمهور الأحسائي : محمد بن علي : عوالي اللئالي : ج١ : ص ٢١٥. البيهقي : أحمد بن الحسين : معرفة السنن والآثار : ج ٣ : ص ٤٧٢.

١٨٦

مال)(١).

٣ ـ ولأن ذمته مشغولة بصرف الزمان في الحج عن نفسه فلا يجوز صرفه في غيره ، لاستلزامه ترك الواجب ، لتضادهما(٢).

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره تبعا للشهيد الاولقدس‌سره : (ويشترط في النائب في الحج .... والخلو أي خلو ذمته من حج واجب في ذلك العام)(٣).

وقال النراقيقدس‌سره : (ومنها : خلو ذمته من حج واجب عليه في عام النيابة بالأصالة أو بالاستئجار أو بالافساد أو بغير ذلك ، فلو وجب عليه حج في ذلك العام لم يجز له أن ينوب عن غيره بالاجماع ، للنهي عن الضد الموجب للفساد ، وللأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها)(٤).

وقال الجواهري قدس‌سره : (من وجب عليه حجة الاسلام وكان

__________________

(١) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ج ٤ : ص ٣٠٥.

(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج ٧ : ص ١١٢ ـ ١١٣.

(٣) الشهيد الثاني : زين الدين بن علي الجبعي العاملي : الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : ج٢ : ص ١٨٣.

(٤) المحقق النراقي : أحمد بن محمد مهدي : مستند الشيعة : ج ٧ : ص ١١٧.

١٨٧

متمكنا منها لا يحج عن غيره تبرعا أو ب‍ (إجارة) بل (ولا) يحج (تطوعا) بلا خلاف أجده)(١).

الامر الثاني : التردد في البطلان

قال العاملي قدس‌سره : (وقد قطع الأصحاب بفساد التطوع والحج عن الغير والحال هذه ، وهو إنما يتم إذا ورد فيه نهي على الخصوص ، أو قلنا باقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص. وربما ظهر من صحيحة سعد بن أبي خلف خلاف ذلك ، فإنه قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميت ، قال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه ، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله ، وهو يجزي للميت إن كان للصرورة مال وإن لم يكن له مال ، والمسألة محل تردد)(٢).

الامر الثالث : صحة النيابة مع العجز عن اداء الحج

قال المحقق الحلي قدس‌سره : (ولا تصح نيابة من وجب عليه الحج

__________________

(١) الشيخ الجواهري : محمد حسن : جواهر الكلام : ج ١٧ : ص ٣٢٨ ـ ٣٢٩.

(٢) العاملي : السيد محمد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي : مدارك الأحكام : ج ٧ : ص ٨٨ ، ٨٩.

١٨٨

واستقر ، إلا مع العجز ، عن الحج ولو مشيا)(١).

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره : (قد تقدم أن من استقر الحج عليه لا يعتبر في حقه الاستطاعة الشرعية فيجب عليه تكلفه ولو بالمشي ، فمع العجز عنه بكل وجه يجوز نيابته ، لكن يراعى في الجواز ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدد الاستطاعة عادة ، فلو استؤجر حينئذ فاتفقت الاستطاعة على خلاف العادة لم تنفسخ. وكذا لو تجددت الاستطاعة لحج الاسلام بعدها. فيقدم حج النيابة على التقديرين ، ويراعى في وجوب حج الاسلام في الثاني بقاؤها إلى القابل)(٢).

الامر الرابع : صحة النيابة مع الجهل بوجوب الحج

قال السيد اليزدي قدس‌سره : (وأما مع الجهل أو الغفلة فلا ، بل الظاهر صحة الإجارة أيضا على هذا التقدير ، لأن البطلان إنما هو من جهة عدم القدرة الشرعية على العمل المستأجر عليه ، حيث إن المانع الشرعي كالمانع العقلي ، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع لأنه قادر شرعا)(٣).

__________________

(١) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : شرائع الإسلام : ج ١ : ص ١٦٩.

(٢) الشهيد الثاني : زين الدين بن علي الجبعي العاملي : مسالك الافهام : ج٢ : ص ١٦٥.

(٣) السيد اليزدي : محمد كاظم : العروة الوثقى : ج ٤ : ص ٥٣٦.

١٨٩

وقال السيد الحكيمقدس‌سره في تعليقه على العروة الوثقى : (القدرة الشرعية منتزعة من ترخيص الشارع ، فإذا كان الفعل مرخصا فيه شرعا فهو مقدور شرعا. كما أن القدرة العقلية منتزعة من ترخيص العقل ، فإذا كان الفعل مرخصا فيه عقلا فهو مقدور عقلا. وحينئذ يجتمعان ـ بأن يكون الفعل مرخصا فيه شرعا وعقلا ـ كما لو علم المكلف بجواز الفعل ، فإنه مرخص فيه شرعا وعقلا. وقد يكون الشئ مرخصا فيه شرعا غير مرخص فيه عقلا ، كما لو اعتقد بحرمة شئ خطأ وكان جائزا شرعا ، فإن الترخيص الشرعي الواقعي يستتبع القدرة الشرعية. لكن القطع بالحرمة مانع من ترخيص العقل ، فلا يكون مقدورا عقلا ، وقد ينعكس الأمر ، كما لو اعتقد جواز شئ هو حرام شرعا واقعا. وقد ينتفيان معا ، كما لو اعتقد حرمة فعل هو حرام واقعا. وعلى هذا إذا كان المكلف جاهلا بوجوب الحج الاسلامي عليه ، أو كان غافلا عن ذلك ، فهو يعتقد جواز الحج النيابي شرعا خطأ ، فيكون قادرا عقلا لا شرعا. مضافا إلى أن القدرة المعتبرة في صحة الإجارة القدرة على العمل المستأجر عليه عقلا لا شرعا. ولذا بني على بطلان الإجارة في الفرض إذا كان المكلف ملتفتا وإن لم نقل بأن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده ، إذ القدرة ـ المنتفية في الفرض ـ القدرة العقلية لا الشرعية. وكأن

١٩٠

المراد من قوله (ره) في المتن : (لأنه قادرا شرعا) القدرة العقلية المستندة إلى الشارع ، في مقابل القدرة العقلية التكوينية. نظير قولهم : (المانع الشرعي كالمانع العقلي). ومن هنا يحسن تقسيم القدرة إلى تكوينية وتشريعية ، والتشريعية إلى عقلية وشرعية)(١).

وقال الشيخ الفياض حفظه الله : (ولكن إذا صنع ذلك غافلا أو جاهلا بوجوب الحج عليه ، صحت استنابته وحجته النيابية معا)(٢).

المطلب الثامن : ان يكون النائب قادرا على اداء المناسك

من الشروط التي اشترطها الفقهاء في النيابة في الحج هو ان يكون النائب متمكنا في اداء الحج بشكل مباشر وهذا الشرط لم اجد مخالفا فيه.

قال السيد اليزدي قدس‌سره : (لا يجوز استيجار المعذور في ترك بعض الأعمال بل لو تبرع المعذور يشكل الاكتفاء به)(٣).

وقال السيد الخوئي قدس‌سره : (لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال ، بل لو تبرّع المعذور يشكل الاكتفاء به)(٤).

__________________

(١) السيد الحكيم : محسن بن مهدي بن صالح : مستمسك العروة : ج ١١ : ص ١٠.

(٢) الفياض : محمد إسحاق : مناسك الحج : ص ٥٥.

(٣) السيد اليزدي : محمد كاظم : العروة الوثقى : ج ٤ : ص ٥٣٩.

(٤) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج٢ : ص ٣٧.

١٩١

وقال السيد الحائري دام ظله : (ان يكون النائب متمكنا من القيام بكل واجبات الحج ، وأما إذا كان معذورا في بعضها لمرض أو غير ذلك فليس من المعلوم ان نيابته عن غيره في الحج الواجب كافية. وعليه فلا يجوز ان يستأجر لأداء الحج الواجب عن غيره ، وإذا بادر وتبرع بأدائه عن الغير فلا يكتفى ذلك)(١).

وقال السيد الخوئيقدس‌سره في تعليقه على ذلك : (قد ذكرنا في باب قضاء الصلاة عدم جواز استنابة المعذور بل ذكرنا عدم جواز الاكتفاء بتبرعه ، وذلك لأن الذي يجب على المكلف أولا إنما هو العمل التام؟ الواجد لجميع الأجزاء والشرائط ، ولا ينتقل الأمر إلى الفاقد إلا بعد العذر عن اتيان الواجد التام. وهكذا الحال بالنسبة إلى النائب فإن الواجب على المكلف استنابة طبيعي النائب ولا يختص بشخص خاص فإذا تمكن المكلف من استنابة النائب القادر على اتيان الأعمال التامة لا يجوز له استنابة العاجز المعذور الذي لا يتمكن من اتيان ، العمل التام ، لعدم الدليل على جواز استنابة المعذور وجواز الاكتفاء بالناقص بعد فرض تمكنه من استنابة القادر. وبما قلنا يظهر أن التبرع بالناقص لا يوجب فراغ ذمة المتبرع

__________________

(١) السيد الحائري : كاظم الحسيني : مناسك الحج : ص ١٦٩.

١٩٢

له لأن الواجب عليه هو الحج الكامل التام)(١).

__________________

(١) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج٢ : ص ٣٧.

١٩٣

المبحث الثالث

شرائط المنوب عنه في الحج

نتعرض في هذا المبحث الى شروط المنوب عنه ضمن مطالب

المطلب الاول : اسلام المنوب عنه

يجب ان يكون المنوب عنه مسلما والا فلا تصح النيابة ، وهذا هو المشهور بين الفقهاء ، وان كان هناك من جوز النيابة عن الكافر ويقع البحث ضمن امور.

الامر الاول : القول باشتراط الاسلام في المنوب

قال العلامة الحلي قدس‌سره : (وكذا هو شرط في المنوب عنه ، فليس للمسلم أن يحج عن الكافر)(١).

وقال المحقق الكركيقدس‌سره : (في شرائط النيابة وهي ثلاثة : كمال النائب وإسلامه ، وإسلام المنوب عنه)(٢).

وقال الشيخ زين الدين قدس‌سره : (يشترط في المنوب عنه أن يكون مسلما ، فلا تصح النيابة في الحج أو العمرة عن الكافر ، سواء كان ملحدا أم مشركا أم غير مشرك ، وكتابيا أم غير كتابي ، وإن كان

__________________

(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج ٧ : ص ١١٠ ـ ١١١.

(٢) المحقق الكركي : علي بن حسين : جامع المقاصد : ج٣ : ص ١٤١.

١٩٤

وارثه مسلما وأراد النيابة عنه أو الاستئجار له من تركته)(١).

قال السيد الخمينيقدس‌سره : (يشترط في المنوب عنه الاسلام ، فلا يصح من الكافر)(٢).

وقال السيد اليزديقدس‌سره : (يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر ، لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه ، لمنعه وإمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه ، بل لانصراف الأدلة)(٣).

الامر الثاني : الدليل على اسلام المنوب عنه

استدل العلامة الحليقدس‌سره على شرطية الاسلام

١ ـ بقوله تعالى : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)(٤).

٢ ـ وبأن ثواب الحج مقارن للتعظيم والإجلال ، وهو ممتنع في حق الكافر ، لاستحقاقه في الآخرة الخزي والعذاب والاستخفاف ،

__________________

(١) الشيخ زين الدين : محمد أمين زين الدين : كلمة التقوى : ج٣ : ص ١٣٢ ـ ١٣٣.

(٢) الامام الخميني : روح الله بن مصطفى : تحرير الوسيلة : ج١ : ٣٩٢.

(٣) اليزدي : محمد كاظم : العروة الوثقى : ج٤ : ص ٥٣٦.

(٤) سورة التوبة : الاية ١١٣.

١٩٥

وإذا انتفى استحقاق الثواب ، انتفى ملزومه وهو صحة الفعل عنه(١).

واستدل المحقق النراقي قدس‌سره : (لا تصح النيابة عن الكافر ، للاجماع ، وهو الحجة فيه)(٢).

وقال السيد اليزدي قدس‌سره : (يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر ، لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه ، لمنعه وإمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه ، بل لانصراف الأدلة فلو مات مستطيعا وكان الوارث مسلما لا يجب عليه استيجاره عنه)(٣).

الامر الثالث : عدم اشتراط الاسلام عن المنوب عنه

قال السيد الروحاني : (لا يشترط في المنوب عنه الاسلام ، فتصح النيابة عن الكافر)(٤).

وقال الشيخ اسحاق الفياض بعد استعراض ادلة المانعين : (ولكن مع الاغماض عن ذلك ، وتسليم ان لروايات النيابة اطلاقاً في كلا الموردين ، فلا مانع من التمسك به والحكم بصحة النيابة عن الكافر

__________________

(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) ، ج ٧ : ص ١١٠.

(٢) النراقي : احمد بن محمد مهدي : مستند الشيعة : ج ١٤ : ص ١١٨.

(٣) السيد اليزدي : محمد كاظم : العروة الوثقى : ج ٤ : ص ٥٣٦.

(٤) الروحاني : محمد صادق : مناسك الحج : ص ٤٢.

١٩٦

فيهما)(١).

الامر الرابع : الاستئجار من باب الاحتياط

قال السيد الكلبايكانيقدس‌سره : (لكن الأحوط الاستيجار لاحتمال وجوب الحج ، وكون الحج كالدين يجب أدائه عنه ، وإن لم ينتفع به ، ولو لتخفيف العقاب ، فيكون إتيان الحج موجبا لانتفاء موضوع العقاب ، فيصير المنوب عنه بعد حج النائب بمنزلة غير المستطيع ، وهذا غير الاستغفار الممنوع في الآية الشريفة)(٢).

الامر الخامس : التفصيل بين الواجب والمستحب

قال السيد الخوئيقدس‌سره مفرقا بين الواجب والمستحب فلم يجوز في الواجب ولكنه اجاز النيابة عن الكافر في الحج المستحب :

قال قدس‌سره : (وأما الثاني : وهو النيابة عنه في المندوبات سواء كان حيا أو ميتا فيشكل عدم جواز النيابة عنهم ، إذ لا مانع من الاحسان إليهم بالحج كما لا مانع من الاحسان إليهم بالصدقات والأعمال الخيرية ، لامكان تقرب الكافر ولو بالتخفيف في عقابه وعذابه)(٣).

__________________

(١) الشيخ الفياض : محمد اسحاق : تعاليق مبسوطة : ج ٨ : ص ٣٤١.

(٢) الگلپايگاني : محمد رضا : مناسك الحج : ص ٥٠.

(٣) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج٢ : ص ٢٣.

١٩٧

المطلب الثاني : الايمان

وقع خلاف بين الاعلام في شرطية الايمان في المنوب عنه فهل يجوز النيابة عن المخالف ام لا ، لذلك نستعرض هذا المطلب ضمن امور.

الامر الاول : لا يجوز النيابة عن المخالف مطلقا

قال ابن ادريس الحلي قدس‌سره : (ولا يجوز لأحد أن يحج عن غيره ، إذا كان مخالفا له في الاعتقاد ، من غير استثناء سواء كان أباه ، أو غيره)(١).

وقال الشيخ القاضي ابن البراجقدس‌سره : (ومن كان مخالفا في الإعتقاد فلا يجوز الحج عنه ، قريبا كان في النسب أو بعيدا إلا الأب خاصة ، فقد ذكر جواز ذلك عنه وإن كان مخالفا وذلك عندي لا يصح)(٢).

وقال الشيخ صاحب الجواهر قدس‌سره : (التحقيق انه يشترط الايمان في النائب والمنوب ولا تجوز النيابة عن المسلم المخالف ، الذي هو كافر في الآخرة فيجري فيه نحو ما سمعته من غير فرق فيه بين

__________________

(١) الشيخ ابن ادريس الحلي : محمّد بن منصور بن أحمد : السرائر : ج ١ : ص ٦٣٢.

(٢) القاضي ابن البراج : سعد الدّين أبوالقاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز : المهذب : ج ١ : ص ٢٦٩.

١٩٨

الناصب منه وغيره ، بل والمستضعف منهم وغيره والأب وغيره ، خلافا للمحكي عن الجامع والمعتبر والمنتهى والمختلف والدروس)(١).

الامر الثاني : لا يجوز عن المخالف الا في الاب وان كان ناصبيا

قال الشيخ الطوسي قدس‌سره : (ولا يجوز لأحد أن يحج عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد ، اللهم إلا أن يكون أباه فإنه يجوز له أن يحج عنه)(٢).

قال المحقق الخوئي قدس‌سره : (والناصب كالكافر إلا أنه يجوز لولده المؤمن أن ينوب عنه في الحج)(٣).

وقد استدل الفقهاء(٤). على جواز النيابة عن الاب وان كان ناصبيا بالنص ، وهوصحيح وهب بن عبد ربه قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : (أيحج الرجل عن الناصب؟ فقال لا. قلت : فإن كان أبي ،

__________________

(١) الشيخ الجواهري : محمد حسن : جواهر الكلام : ج١٧ : ص ٣٥٨.

(٢) الشيخ الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : النهاية : ص ٢٨٠.

(٣) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج ٣ : ص ١٧٠.

(٤) الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الحج : ج ٣ : ص ١٧٠.

١٩٩

قال. إن كان أباك فنعم)(١).

الامر الثالث : يجوز عن المخالف الا الناصبي

العلامة الحلي قدس‌سره : (والأقرب عندي جواز النيابة عنه مطلقا ، سواء كان قريبا أو بعيدا ، إلا أن يكون ناصبا فلا تجوز النيابة عنه مطلقا ، ونعني بالناصب : من يظهر العداوة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ كالخوارج ومن ماثلهم)(٢).

المطلب الثالث : الحي العاجز

من موارد النيابة في الحج الواجب ، النيابة عن الحي العاجز ويعتبر في صحة النيابة عن الحي رجلا كان أم امرأة أمران :

أحدهما : استقرار الحج في ذمته ، كما إذا كان مستطيعا مالا ولكن لم يتح له أن يحج لمرض أو اي عائق آخر ، أو أتيح له ذلك ، ولكنه تسامح وتساهل في ذلك ، ولم يحج حتى عجز عن الحج لسبب من الأسباب.

والآخر : انقطاع أمله في استعادة قوته في التمكن من القيام المباشر للحج طول عمره.

وسوف نتعرض الى ذلك ضمن امور.

__________________

(١) الكليني : محمد بن يعقوب : الكافي : ج٤ : ص ٣١٠.

(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : مختلف الشيعة : ج٤ : ص ٣٢١.

٢٠٠