النيابة في الحج

الشيخ عبد الرضا البهادلي

النيابة في الحج

المؤلف:

الشيخ عبد الرضا البهادلي


الموضوع : الفقه
الناشر: مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٩٧

القربة وحيثية العبادة سواء أكان العمل المستأجر عليه واجبا أم مستحبا.

قال السيد الخوئي قدس‌سره : (قد يقال بذلك نظرا إلى أن حيثية العبادية والاتصاف بالقربية يستدعي الانبعاث عن أمر إلهي ومحرك قربي وبداعي الامتثال عن نية خالصة ، فالاتيان بداعي أخذ المال واستحقاق الأجرة يضاد عنوان العبادة وينافيه كما في ساير الدواعي المنضمة إلى قصد الأمر. وبالجملة يعتبر في العبادة أن يكون المحرك نحو العمل هو الداعي الإلهي على سبيل الاستقلال ، ولا يصح ضم داع آخر فضلا عن أن يكون مستقلا في الدعوة في عرض داعي القربة لمنافاته للخلوص المعتبر في صحة العبادة)(١).

واجاب السيد الخوئي قدس‌سره : (والجواب عن هذا لعله ظاهر ، إذ لا ينبغي التأمل في أن استحقاق الأجرة أو جواز أخذها وكذا التصرف فيها كل ذلك من آثار الملكية المتحققة بنفس العقد من دون مدخلية لصدور العمل الخارجي في ترتيب شئ من هذه الآثار فإن عقد الإجارة بعد ما افترض وقوعه صحيحا استحق كل من الطرفين ما ملكه للآخر من أجرة أو عمل ، وساغ له الأخذ لو أعطاه ،

__________________

(١) السيد الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الاجارة الأول : شرح ص ٣٧٨.

١٢١

كما جاز تصرفه فيه فإنه من تصرف المالك في ملكه ولا يناط شئ من هذه الأحكام بتحقق العمل المستأجر عليه خارجا غاية الأمر أن للمستأجر الفسخ لو لم يتحقق.

إذا فلا يكون الداعي على ايجاد العمل والباعث على اتيانه استحقاق الأجرة لثبوته في مرتبة سابقة ، وإنما الداعي والمحرك هو وجوب الوفاء بالعقد وتسليم ما يملكه الغير إلى مالكه ، ودفع مال الغير إلى صاحبه ونتيجة ذلك أن العبادة الواقعة موردا للإجارة تعرضها صفة الوجوب لو لم تكن واجبة في نفسها وإلا فيتأكد وجوبها التعبدي بالوجوب التوصلي الناشئ من قبل الإجارة من غير أن يعارضها الوقوع في حيز الإجارة لو لم يكن معاضدا لها)(١).

المطلب الثاني : حكم الاجارة على النيابة في الحج

تجوز النيابة في الحج وعلى ذلك اجماع الفقهاء والعلماء من مدرسة اهل البيت عليهم السلام ، وكذلك لم يختلف العلماء في استحقاق اخذ الاجرة من قبل النائب سواء كان المنوب عنه عاجزا عن الحج ، او كان المنوب عنه ميتا. وسوف نبين تحت هذا المطلب امرين :

الامر الاول : اقوال الفقهاء في جواز اخذ الاجرة على النيابة في

__________________

(١) السيد الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر : كتاب الاجارة الأول : شرح ص ٣٧٩.

١٢٢

الحج

١ ـ قال الشيخ الطوسيقدس‌سره في الخلاف : (الاستئجار للحج جائز ، فإذا صار الرجل معضوبا جاز أن يستأجر من يحج عنه ، وتصح الإجارة وتلزم ، ويكون للأجير أجرته ، فإذا فعل الحج عن المكتري ، وقع عن المكتري ، وسقط الفرض به عنه. وكذلك إذا مات من عليه حج ، واكترى وليه من يحج عنه ، ففعل الأجير الحج)(١).

٢ ـ قال السيد المرتضى قدس‌سره : (الاستئجار على فعل الحج والعمرة جائز ، الذي نذهب إليه أنه يجوز الاستئجار على الحج عن المعضوب ، والميت ، وإذا حج الأجير يستحق الأجرة المسماة ، وسقط الفرض عن المحجوج عنه)(٢).

٣ ـ وقال العلامة الحلي قدس‌سره : (يجوز الاستئجار على الحج)(٣).

٤ ـ وقال الشيخ ابو الصلاح الحلبي قدس‌سره : (من تعلق عليه التمكن بالسعة في المال فمنعه مانع ، فليخرج عنه نائبا يدفع إليه من ماله ما يكفيه لنفسه وأهله في مدة سفره ذاهبا وراجعا ، وفضلا يرجع

__________________

(١) الشيخ الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ص ٣٨٤.

(٢) السيد المرتضى : علي بن الحسين : الناصريات : ص ٣١٣.

(٣) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج٧ : ص ٧٥.

١٢٣

إليه ويجوز إعطاؤه ما يرضى به وإن قل ، والأفضل ما ذكرناه)(١).

٥ ـ وقال المحقق الحلي قدس‌سره : الاستيجار للحج جائزة وتبرء ذمة المحجوج عنه ، إذا كان ميتا ، أو ممنوعا ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يصح وإذا لبى وقع عن الأجير ، وللمكري ثواب النفقة ، فإن بقي معه شئ يلزمه رده ، فأما لو أوصى الميت بالحج عنه كان تطوعا من الثلث. لنا : خبر الخثعمية ، وأخبار أهل البيت عليهم السلام كثيرة جدا(٢).

٦ ـ وقال الشيخ بن زهرة الحلبي رحمه‌الله : (والاستئجار على الحج عن الميت والمعضوب جائز بدليل الإجماع المشار إليه)(٣).

٧ ـ وقال الشيخ يحيى بن سعيد الحليرحمه‌الله : (ويصح النيابة في الحج الواجب والندب ، ويصح الاستئجار فيهما)(٤).

٨ ـ وقال الشيخ القمي رحمه‌الله : (والاستئجار على الحج عن الميت والمعضوب جائز ويكون للأجير أجرته ، فإذا فعل الحج وقع

__________________

(١) ابو الصلاح الحلبي : تقي الدين بن نجم : الكافي : ص ٢١٩.

(٢) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : المعتبر : ج ٢ : ص ٧٦٥.

(٣) ابن زهرة الحلبي : حمزة بن علي بن أبي المحاسن : غنية النزوع : ص ١٩٦.

(٤) يحيى بن سعيد الحلي : الجامع للشرايع : ص ٢٢٥.

١٢٤

عن المكتري ، وسقط الفرض به عنه(١).

الامر الثاني : الادلة على جواز الاستئجار على الحج

وقد استدل على جواز الاستئجار في النيابة بعدة ادلة

اولا : الاجماع

قال الشيخ الطوسي قدس‌سره : (إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضا الأصل جواز الإجارات في كل شئ ، فمن منع في شئ دون شئ فعليه الدلالة ، ولأنا اتفقنا على وجوب الحج عليه ، فمن أسقطه بالموت فعليه الدلالة)(٢).

ثانيا : الاصل في الاشياء جواز الاجارات

قال القمي قدس‌سره : (لنا أن الأصل جواز الإجارة في جميع الأشياء فمن منع ذلك في بعضها فعليه الدليل)(٣).

ثالثا : الرويات

واستدل الشيخ الطوسي قدس‌سره على جواز الاجاره والنيابة في الحج بعدة روايات(٤) منها :

__________________

(١) القمي : علي بن محمد : جامع الخلاف والوفاق : ص ٢٢٢.

(٢) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ٣٨٥.

(٣) القمي : علي بن محمد : جامع الخلاف والوفاق : ص ٢٢٢.

(٤) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ٣٨٥.

١٢٥

١ ـ عن عوالي اللئالي ، عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سمع رجلا وهو يقول : (لبيك عن شبرمة فقال له : ويحك من شبرمة؟! فقال له : أخ لي ، أو صديق لي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : حج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة. فوجه الدلالة أنه قال : ثم حج عن شبرمة)(١).

قال الشيخ الطوسي قدس‌سره : (فوجه الدلالة أنه قال : ثم حج عن شبرمة)(٢).

٢ ـ وروي عن ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : (إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة ، فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله : نعم فقالت : يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ قال : نعم كما لو كان عليه دين فقضيته نفعه ، فقالت : نعم فقال عليه السلام ، فدين الله أحق بالقضاء)(٣).

__________________

(١) ابن ابي جمهور الاحسائي : الشيخ شمس الدين محمّد ابن الشيخ زين الدين : عوالي اللئالي : ج١ : ص ٢١٥. ابن ماجة : سنن ابن ماجة : ج ٢ : ص ٩٦٩ حديث ٢٩٠٣.

(٢) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ٣٨٦.

(٣) ابن ابي جمهور الاحسائي : الشيخ شمس الدين محمّد ابن الشيخ زين الدين : عوالي اللئالي : ج١ : ص ٢١٦. البيهقي : أحمد بن الحسين : معرفة السنن والآثار : ج ٣ : ص ٤٧٢.

١٢٦

قال الشيخ الطوسيقدس‌سره : (وهذا يدل على ما قلناه من ثلاثة أوجه :

أحدهما : إنها سألته عن النيابة عنه؟ فقال : تجوز.

والثاني : قالت : ينفعه؟ قال : نعم ، فأخبرها أن الحج ينعقد وينفعه ، وعندهم ينفعه ثواب النفقة.

والثالث : إنه شبهه بالدين ، في أنه ينفعه ويسقط به قضاؤه عنه)(١).

٣ ـ عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام : (أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وصل منى ينحر فجاءته امرأة من خثعم فقالت : إن أبي شيخ كبير قد اقعد ، وأدركته فريضة الله على عبادة في الحج ، ولا يستطيع أداءها ، فهل يجزي عنه أن أؤديها عنه؟ فقال : نعم)(٢).

قال الشيخ الطوسي قدس‌سره : (وهذا نص ، لأنها سألته عن الإجزاء عنه بالنيابة؟ فقال : نعم)(٣).

__________________

(١) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ص ٣٨٦.

(٢) القبانجی : حسن بن السيد علي بن السيد حسن : مسند الامام علیعليه‌السلام : ج٣ : ص ٤٤٨. رواها البيهقي في سننه الكبرى : ج ٤ : ص ٣٢٩. باختلاف يسير في بعض ألفاظه. ورواه ابن ماجة.

(٣) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ص ٣٨٦.

١٢٧

المطلب الثالث : ضوابط صحة الاجارة على النيابة في الحج

بعد ان انتهينا الى جواز الاجاره على النيابة في الحج ، نشير الى ما شرط في صحة الاجارة فهناك جملة من الامور يجب مراعاتها لتصح الاجارة على الحج. منها ، معرفة الاجرة ، والاتيان بالصيغة ، ومعلومية اعمال الحج.

١ ـ قال العلامة الحلي قدس‌سره : (وإن استأجره ليحج عنه أو عن ميت ، اعتبرت فيه شرائط الإجارة من معرفة الأجرة وعقد الإجارة)(١).

٢ ـ وقال العلامة الحلي قدس‌سره : (يشترط في لزوم الإجارة وصحتها : الإتيان بالصيغة على الوجه المعتبر شرعا ، فلو قال : من حج عني فله مائة ، صح جعالة ، ولا تكون إجارة ، ولا تلزم المائة إلا بالعمل)(٢).

٣ ـ وقال العلامة الحلي كذلك : (يشترط في الاستئجار على الحج : العلم بالعوض كغيره ، فلو قال : استأجرتك للحج بنفقتك لم يصح)(٣).

__________________

(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج ٧ : ص ٧٧.

(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج ٧ : ص ١٣٨.

(٣) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج ٧ : ص ١٦٢.

١٢٨

٤ ـ قال العلامة : يجب أن تكون أعمال الحج معلومة عند المتعاقدين وقت العقد ، لبطلان العقد على المجهول ، فإن علماها عند العقد ، فلا بحث ، وإن جهلاها أو أحدهما فلا بد من الإعلام(١).

٥ ـ قال السيد الخوئيقدس‌سره في كتاب الحج : (ذكر الفقهاء انه لابد في الاجارة للحج من تعيين نوع الحج من تمتع ، أو قران ، أو افراد ، لان مقتضى قواعد الاجارة اعتبار تعيين النوع الذي يريده المستأجر في صحة الاجارة وإلا يلزم الغرر فان اعمال الحج غير متساوية ومختلفة حسب الكيفية والاحكام ، والاجرة والقيمة كما هو كذلك في سائر الاعمال المتعلقة للاجارة ، كذا علله في الجواهر)(٢).

المطلب الرابع : متى يستحق الاجير الاجرة

الاجير يستحق الاجرة اذا مات بعد الاحرام :

يستحق الاجير الاجرة اذا مات بعد الاحرام ، واما قبل الاحرام لا يستحق الاجرة ، وان اختلفا في استحقاق اُجرة المثل لخصوص الطريق.

١ ـ قال الشيخ الطوسي قدس‌سره : (إذا مات أو أحصر بعد الإحرام

__________________

(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج ٧ : ص ١٣٧.

(٢) السيد الخوئي : ابو القاسم بن علي اكبر : ج ٢ : ص ٤٧.

١٢٩

سقطت عنه عهدة الحج ، ولا يلزمه رد شئ من الأجرة)(١).

قال الشيخ قدس‌سره دليلنا : إجماع الفرقة ، فإن هذه المسألة منصوصة لهم ، لا يختلفون فيها(٢).

٢ ـ وقال الشيخ الطوسي : إذا مات الأجير أو أحصر قبل الإحرام ، لا يستحق شيئا من الأجرة(٣).

قال الشيخ قدس‌سره دليلنا : إن الإجارة إنما وقعت على أفعال الحج ، وهذا لم يفعل شيئا منها ، فيجب أن لا يستحق الأجرة ، ومن أوجب له ذلك فعليه الدلالة. ويقوى في نفسي ما قاله الصيرفي ، لأنه كما استؤجر على أفعال الحج استؤجر على قطع المسافة ، وهذا قد قطع قطعة منها ، فيجب أن يستحق الأجرة بحسبه(٤).

٣ ـ وقال الامام الخمينيقدس‌سره : (لو مات الأجير بعد الاحرام ودخول الحرم يستحق تمام الأجرة إن كان أجيرا على تفريغ الذمة كيف كان)(٥).

__________________

(١) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج٢ : ص ٣٨٩.

(٢) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ص ٣٨٩.

(٣) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ ، ص ٣٨٩.

(٤) الطوسي : أبو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ ، ص ٣٨٩.

(٥) الامام الخميني : روح الله بن مصطفى بن أحمد : تحرير الوسيلة : ج١ : ص ٣٩٢.

١٣٠

٤ ـ وقال الشيخ الفاضل اللنكراني رحمه‌الله : (لو مات الاجير بعد الاحرام ودخول الحرم يستحق تمام الاجرة)(١).

٥ ـ وقال السيد الخوئيقدس‌سره : (إذا مات الأجير بعد الاحرام استحق تمام الأجرة ، إذا كان أجيرا على تفريغ ذمة الميت ، وأما إذا كان أجيرا على الاتيان بالأعمال استحق الأجرة بنسبة ما أتى به)(٢).

٦ ـ قال الشيخ الفياض حفظه الله : (قد تسأل أن الأجير إذا مات بعد الاحرام ، فهل يستحق تمام الأجرة؟.

والجواب : انه يستحق إذا كانت الإجارة على تفريغ ذمة الميت ، وإذا كانت على الاعمال والمناسك توزع الأجرة عليها ، فيستحق منها بالنسبة)(٣).

المطلب الرابع : لو افسد الاجير حجه بالجماع هل يبقى مستحقا للاجرة.

اختلف الفقهاء في الاجير الذي يفسد حجه ، فهل الحجة الاولى ماضية والثانية عقوبة او العكس ، وقد عد صاحب الجواهر قدس‌سره الى

__________________

(١) الشيخ اللنكراني : أحكام الحج من تحرير الوسيلة : الشيخ فاضل اللنكراني الجزء : ص ٤٢.

(٢) السيد الخوئي : ابو القاسم بن علي اكبر : كتاب الحج : ج٣ : ص ١٧٨.

(٣) الشيخ الفياض : محمد اسحاق : مناسك الحج : ص ٥٩.

١٣١

ثمانية اقوال.

قال : وبذلك كله يظهر لك ما في أقوال المسألة ووجوهها ، فإن محصلها مع المختار ثمانية :

١ ـ أحدها انفساخ الإجارة مطلقا إن كان الثاني فرضه ، وهو ظاهر المتن.

٢ ـ الثاني انفساخها مع التعيين دون الاطلاق ، ووجوب حجةثالثة نيابة كما هو خيرة الفضال في القواعد والمحكي عن الشيخ وابن إدريس.

٣ ـ الثالث عدم الانفساخ مطلقا ولا يجب حجة ثالثة وهو خيرة الشهيد.

٤ ـ الرابع إن كان الثاني عقوبة لم ينفسخ مطلقا ولا عليه حجة ثالثة ، وإن كان فرضه انفسخ في المعينة دون المطلقة ، وعليه حجة ثالثة ، وهو على ما قيل خيرة للتذكرة وأحد وجهي المعتبر والمنتهى والتحرير.

٥ ـ الخامس كذلك وليس عليه حجة ثالثة مطلقا ، وهو محتمل المعتبر والمنتهى.

٦ ـ السادس انفساخها مطلقا مطلقة كانت أو معينة ، كان الثاني عقوبة أولا ، لانصراف الاطلاق إلى العام الأول وفساد الحج الأول

١٣٢

وإن كان فرضه.

٧ ـ السابع عدم انفساخها مطلقا كذلك ، قيل : ويحتمله الجامع والمعتبر والمنتهى والتحرير لمضمر إسحاق بن عمار قال : قلت : فإن ابتلى بشئ ‹ يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أيجزي عن الأول؟ قال : نعم ، قلت : فإن الأجير ضامن الحج قال : نعم وفي خبره الآخر سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل وكفارة قال : هي للأول تامة ، وعلى هذا ما اجترح

٨ ـ الثامن المختار ، وهو محتمل محكي المختلف ، وهو الأصح لما سمعت ، وليس في الخبرين منافاة له بعد ما عرفت(١).

وقال الشيخ الطوسي قدس‌سره : (وإذا أحرم الأجير بالحج عن المستأجر ، انعقد عمن أحرم عنه ، فإن أفسد الأجير الحج انقلب عن المستأجر إليه وصار محرما بحجة عن نفسه فاسدة ، فعليه قضاؤها عن نفسه ، والحج باق عليه للمستأجر ، يلزمه أن يحج عنه فيما بعد إن كانت الحجة في الذمة ، ولم يكن له فسخ هذه الإجارة ، لأنه لا دليل على ذلك. وإن كانت معينة إنفسخت الإجارة ، وكان على

__________________

(١) الشيخ الجواهري : محمد حسن : جواهر الكلام : ج١٧ : ص ٣٩١.

١٣٣

المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه)(١).

وقال المحقق الحلي قدس‌سره : (ولو أفسده حج من قابل ، وهل يعاد بالاجرة عليه؟ يبنى على القولين(٢).

قال صاحب المدارك قدس‌سره : (قال أشار بالقولين إلى القولين المشهورين في أن المفسد للحج إذا قضاه فهل تكون الاولى فرضه وتسميتها فاسدة مجاز والثانية عقوبة ، أو بالعكس؟ فإن قلنا إن الاولى فرضه والثانية عقوبة كما اختاره الشيخ ودلت عليه حسنة [...] زرارة فقد برئت ذمة المستأجر بإتمامه ، واستحق الاجير الاجرة. وإن قلنا إن الاولى فاسدة والاتمام عقوبة والثانية فرضه كان الجميع لازما للنائب وتستعاد منه الاجرة إن كانت الاجارة متعلقة بزمان معين وقد فات ، وإن كانت مطلقة لم تنفسخ الاجارة وكان على الاجير الحج عن المستأجر بعد ذلك)(٣).

وقال العلامة الحلي قدس‌سره : (ونحن نقول : إن كانت الفاسدة حجة الإسلام ، والثانية عقوبة ، برئت ذمة المستأجر بإكمالها ، والقضاء في القابل عقوبة على الأجير ، ولا تنفسخ الإجارة ، وإن قلنا ، : الأولى

__________________

(١) الشيخ الطوسي : ابو جعفر محمد بن الحسن : الخلاف : ج ٢ : ص ٣٨٨.

(٢) المحقق الحلي : جعفر بن الحسن : شرائع الاسلام : ج١ : ص ١٧١.

(٣) السيد العاملي : محمد بن علي الموسوي : مدارك الأحكام : ٧ : ص ١٣٤.

١٣٤

فاسدة ، والثانية قضاء ، لزم النائب الجميع ، ولا يجزئ عن المستأجر ، ويستعيد الأجرة إن تعلقت بزمان معين ، وإلا وجب على الأجير الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء ، ولو قيل بأن حجة القضاء مجزئة كان وجه)(١).

وقال صاحب الحدائق : (اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما إذا أفسد الأجير حجه المستأجر عليه ، ثم قال ، وبالجملة فإن الظاهر هو صحة الحج ـ مطلقا كان الاستئجار أو مقيدا بالسنة الأولى ـ وأنه قد قضى ما عليه بالحجة الأولى واستحق الأجرة. وما أطالوا به من الاحتمالات والمناقشات والتفريعات كله تطويل بغير طائل ، فإن ما ذكرناه هو مدلول الأخبار التي هي المعتمد في الإيراد والاصدار. والله العالم)(٢).

وقال السيد الكلبايكاني : (لو أفسد الاجير حجه بالجماع قبل المشعر ، فكالحاج عن نفسه ، وجب عليه إتمامه والحج من قابل ، والظاهر وجوب قصد النيابة في الثانى أيضا وإتيانه بعنوان إعادة الاول. ولازمه بقاء الاجارة بالنسبة إلى الاول واستحقاق الاجرة ،

__________________

(١) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تحرير الأحكام : ج٢ : ص ٩٥.

(٢) البحراني : يوسف بن أحمد بن إبراهيم : الحدائق الناظرة : ج١٤ : ص ٢٨٤.

١٣٥

وكون الثانى عوضا تعبديا عما أتلفه بالافساد)(١).

خلاصة الفصل الثاني

خلاصة الفصل الثاني : وقد قلنا انه لا خلاف بين فقهاء الامامية في صحة النيابة في الحج سواء الواجب ام المستحب ، وقد استدل الفقهاء على ذلك بعدة روايات وردت عن اهل البيت عليهم‌السلام ، وكذلك ورد الفضل الكبير في حج النيابة لما في ذلك من البر والتعاون وقضاء حوائج المؤمنين.

وتعرضنا الى مبحث الاجرة على الواجبات ، وقد اختلف الاعلام في ذلك الى اراء كثيرة فالقدماء ذهبوا الى المنع والمعاصرين ذهبوا الى الجواز ، ثم لم يختلف العلماء في جواز اخذ الاجرة على الحج ، وقد استدل الفقهاء على ذلك بروايات عدة.

وفي الاخير تعرضنا الى ضوابط صحة الاجارة في الحج ولزوم معرفة الاجرة ، وكذلك متى يستحق الاجير الاجرة وقد قال الفقهاء يستحق الاجير بعد الاحرام ودخول الحرم في تفصيل ذكرناه ، وكذلك تعرضنا الى مسالة وهو فيما اذا افسد الاجير حجه فهل يبقى مستحقا للاجرة ام لا يستحق شيئا.

__________________

(١) الگلپايگاني : محمد رضا : مناسك الحج : ٥١ ـ ٥٢.

١٣٦

الفصل الثالث

شرائط النيابة ومخالفات النائب وافتراق النائب عن المنوب عنه في الحج

المبحث الاول

شرائط النيابة

ذكر الفقهاء عدة شرائط لأصل النيابة وللنائب ، والمنوب عنه ، ونحن سوف نستعرض ذلك ضمن عدة مباحث ونبدأ ببيان اصل النيابة.

المطلب الاول : قصد النيابة

النية شرط في الاعمال العبادية وفي الحديث الشريف المروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (إنما الأعمال بالنيات)(١). وعن الرضا عليه‌السلام أنه قال : (لا عمل إلا بنية)(٢).

__________________

(١) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج ٦ : ص ٥.

(٢) الحر العاملي : محمد بن الحسن : وسائل الشيعة (آل البيت) : ج ٦ : ٥.

١٣٧

باعتبار ان العبادات كثيرة فالنية تميز العبادات بعضها عن بعض ، والمشهور(١) هو قصد النيابة عن المنوب عنه في الحج النيابي ، وان كان هناك من خالف في ذلك ، وسوف نتناول هذا المطلب في عدة امور

الامر الاول : القول باعتبار قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة

١ ـ قال العلامة الحلي قدس‌سره : (يشترط في النيابة نية النائب عن المنوب بالقلب ، ويستحب ضم اللسان ، ولا يجزئ لو تجرد عن القلب ، لأن الحج فعل يحتمل وجوها ، وصرفه إلى الفاعل أقرب ، فلا بد من تخصيص الفعل بالمنوب ليقع له)(٢).

٢ ـ وقال الشهيد الاولقدس‌سره : (يجب تعيين المنوب عنه قصدا ،

__________________

(١) الجواهري : محمد حسن : جواهر الكلام : ج١٧ : ص ٣٦٢. اليزدي : محمد كاظم : ج٤ : ٥٣٨. الخوئي : أبو القاسم بن علي أكبر بن هاشم تاج الدين : كتاب الحج : ج٢ : ص ٣٢. الفياض : محمد إسحاق : تعاليق مبسوطة : ج٨ : ص ٣٤٩. الفاضل الهندي : بهاء الدين محمد بن الحسن : كشف اللثام : ج٥ : ص ١٥٥. المحقق البحراني : يوسف بن احمد : الحدائق الناظرة : ج ١٤ : ص ٢٥٠. الطباطبائي : علي محمد : رياض المسائل : ج٦ : ص ٩٠.

(٢) العلامة الحلي : الحسن بن يوسف : تذكرة الفقهاء (ط. ج) : ج ٧ : ص ١٥٨.

١٣٨

ويستحب لفظا في جميع الأفعال ، فيقول عند الإحرام : اللهم ما أصابني من تعب أو لغوب أو نصب فأجر فلان بن

فلان وأجرني في نيابتي عنه(١).

٣ ـ وقال ابن فهد الحليقدس‌سره : (ويجب تعيين المنوب قصدا ويستحب لفظا ، والدعاء له في المواطن)(٢).

٤ ـ وقال الشهيد الثانيقدس‌سره : ((ويشترط نية النيابة) بأنه يقصد كونه نائبا ، ولما كان ذلك أعم من تعيين من ينوب عنه نبه على اعتباره أيضا بقوله ، (وتعيين المنوب عنه قصدا) في نية كل فعل يفتقر إليها. ولو اقتصر في النية على تعيين المنوب عنه ، بأن ينوي أنه عن فلان أجزأ ، لأن ذلك يستلزم النيابة عنه)(٣).

٥ ـ وقال الامام الخمينيقدس‌سره : (يشترط في صحة الحج النيابي قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة ولو اجمالا ، لا ذكر اسمه ، وان كان مستحبّا في جميع المواطن والمواقف)(٤).

__________________

(١) الشهيد الأول : محمد بن مكي : الدروس الشرعية في فقه الامامية : ج ١ : ص ٣٢١.

(٢) ابن فهد الحلي : أحمد بن محمّد الأسدي : الرسائل العشر : ص ١٩٩.

(٣) الشهيد الثاني : زين الدين بن علي : شرح اللمعة : ج ٢ : ص ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٤) الخميني : روح الله : تحرير الوسيلة : ج١ : ص ٣٩٢.

١٣٩

٦ ـ وقال الشيخ التبريزيقدس‌سره : (يشترط في صحّة النيابة قصد النيابة وتعيين المنوب عنه في النيّة ولو بالإجمال ولا يشترط ذكر اسمه وإن كان يستحب ذلك في جميع المواطن والمواقف)(١).

٧ ـ وقال الروحاني : (في تعليل قصد النية في النيابة فيعتبر فيها قصد النيابة ، فإنه لا يصدق وقوع الحج عن الغير الذي هو المأمور به إلا بذلك. وبعبارة أخرى : إن المأمور به فردان : أحدهما : الحج عن نفسه ، والآخر الحج عن غيره ، ولعل الأول لا يتقوم بالقصد زائدا عن اتيان الأعمال متقربا إلى الله تعالى ، وأما الثاني فامتيازه عن الأول إنما هو بذلك ، فلا بد وأن يقصد وإلا لا يتحقق. كما أنه يعتبر فيها تعيين المنوب عنه ، فإن الفعل الصالح للوقوع عن المتعدد لا يتعين لأحدهم إلا بالقصد وإلا لزم الترجح بلا مرجح ، بل النيابة وإتيان الحج عن الغير حقيقتها تتقوم بتعيين المنوب عنه. ولا يعتبر ذكر اسمه اتفاقا كما في الجواهر. وعن ظاهر الصدوق لزوم تسميته عند الذبح)(٢).

__________________

(١) الميرزا التبريزي : جواد علي : التهذيب في مناسك العمرة والحج : ج١ : ص ٢١٥.

(٢) الروحاني : محمد صادق الروحاني : فقه الصادق (ع) : ج ٩ : ص ٣٦٩.

١٤٠