الأصول العامّة للفقه المقارن

السيّد محمّد تقي الحكيم

الأصول العامّة للفقه المقارن

المؤلف:

السيّد محمّد تقي الحكيم


المحقق: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٩٦

يوم السقيفة ، وكذلك (تعلموا من قريش) لا اختصاص لأحد به.

«أما قوله : (عالم قريش يملأ الأرض علما) فابن عباس يزاحم الشافعي فيه ، فهو أحق به لسبقه وصحبته ودعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في قوله : (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) (١) فكان يسمى بحر العلم وحبر العرب ، وإنما حمل الشافعية الحديث على الشافعي لاشتهار مذهبه وكثرة أتباعه ، على ان مذهب ابن عباس مشهور بين العلماء لا ينكر.

وأما الرواية في أبي حنيفة وأحمد بن حنبل فموضوعة باطلة لا أصل لها ، أما حديث «هو سراج أمتي» فأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وذكر ان مذهب الشافعي لما اشتهر أراد الحنفية إخماله ، فتحدثوا مع مأمون بن أحمد السلمي وأحمد ابن عبد الله الخوشاري وكانا كذابين وضاعين ، فوضعا هذا الحديث في مدح أبي حنيفة وذم الشافعي ، (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ).

وأما الرواية في أحمد بن حنبل فموضوعة قطعا لأنا قدمنا أن أحمد كان أحفظ الناس للسنة وأشدهم بها إحاطة حتى ثبت انه كان يذاكر تأليف ألف حديث وانه قال : خرجت مسندي من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث ، وجعلته حجة بيني وبين الله عزوجل فما لم تجدوه فيه فليس بشيء.

ثم ان هذا الحديث الّذي أورده الشيرازي في مناقب أحمد ليس في مسندة ، فلو كان صحيحا لكان هو أولى الناس بإخراجه والاحتجاج به في محنته التي ضيق الأرض ذكرها.

فانظر بالله أمرا يحمل الاتباع على وضع الأحاديث في تفضيل أئمتهم وذم بعضهم ، وما مبعثه إلا تنافس المذاهب في تفضيل الظواهر ونحوها على رعاية المصالح الواضح بيانها الساطع برهانها ، فلو اتفقت كلمتهم بطريق ما لما كان شيء

__________________

(١) مسند أحمد : مسند بني هاشم ، الحديث : ٢٢٧٤ و ٢٧٣١.

٣٨١

مما ذكرنا عنهم.

واعلم ان من أسباب الخلاف الواقع بين العلماء تعارض الروايات والنصوص ، وبعض الناس يزعم أن السبب في ذلك عمر بن الخطاب ، وذلك ان أصحابه استأذنوه في تدوين السنة في ذلك الزمان فمنعهم من ذلك وقال : (لا أكتب مع القرآن غيره) مع علمه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «اكتبوا لأبي شاه خطبة الوداع» (١). وقال : «قيدوا العلم بالكتابة» (٢) قالوا : فلو ترك الصحابة يدون كل واحد منهم ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لانضبطت السنة ، ولم يبق بين أحد من الأمة وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل حديث إلا الصحابي الّذي دون روايته ، لأن تلك الدواوين تتواتر عنهم إلينا كما تواتر البخاري ومسلم ونحوهما» (٣).

ثم أورد بعد ذلك على نفسه بقوله : «فإن قيل : خلاف الأمة في مسائل الأحكام رحمة وسعة ، فلا يحويه حصرهم من جهة واحدة لئلا يضيق بحال الاتساع ، قلنا : هذا الكلام ليس منصوصا عليه من جهة الشرع حتى يمتثل ، ولو كان لكان مصلحة الوفاق أرجح من مصلحة الخلاف فتقدم.

ثم ما ذكرتموه من مصلحة الخلاف بالتوسعة على المكلفين معارض بمفسدة تعرض منه ، وهو ان الآراء إذا اختلفت وتعددت اتبع بعض رخص بعض المذاهب فأفضى إلى الانحلال والفجور كما قال بعضهم :

فاشرب ولط وأزن وقامر واحتجج

في كل مسألة بقول إمام

يعني بذلك شرب النبيذ وعدم الحد في اللواط على رأي أبي حنيفة ، والوطء في الدبر على ما يعزى إلى مالك ، ولعب الشطرنج على رأي الشافعي.

وأيضا فإن بعض أهل الذّمّة ربما أراد الإسلام فيمنعه كثرة الخلاف وتعدد

__________________

(١) صحيح البخاري : كتاب اللقطة ، الحديث ٢٢٥٤.

(٢) بحار الأنوار : ٦١ ـ ١٢٤.

(٣) رسالة الطوفي : ص ١٠٩ إلى ١١٣.

٣٨٢

الآراء ظنا منه انهم يخطئون ، لأن الخلاف مبعود عنه بالطبع ، ولهذا قال الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً)(١) أي يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ، لا يختلف إلا بما فيه من المتشابهات وهي ترجع إلى المحكمات بطريقها ، ولو اعتمدت رعاية المصالح المستفادة من قوله عليه‌السلام : «لا ضرر ولا ضرار» على ما تقرر ، لاتحد طريق الحكم وانتهى الخلاف ، فلم يكن ذلك شبهة في امتناع من أراد الإسلام من أهل الذّمّة وغيرهم» (٢).

ومع الغض عما في نصه هذا من خطابية وتطويل قد لا تكون له حاجة ، ان الاختلاف ضرورة لا يمكن دفعها عن البشر ، وهو لا يستدعي الصراع والخصام المذهبي ما دام أصحابه يسيرون ضمن نطاق الاجتهاد بموضوعية تامة ، وما دامت الأهواء السياسية وغيرها بعيدة عنه.

وهذا النوع من الصراع بين اتباع المذاهب كانت من ورائه دائما عوامل لا ترتبط بالدين.

وكانت السياسة من وراء أكثرها وكثير من هؤلاء المصطرعين لم يكونوا من العلماء المجتهدين ، وإنما كانوا مرتزقة باسم الدين لانسداد أبواب الاجتهاد في هذه الفترات التي أرخ لها ، وحيث يوجد الغرض والهوى والجهل ومحاولات الاستغلال من تجار الضمائر والمبادئ توجد التفرقة والصراع ، وأمثال هؤلاء المفرقين من العلماء إنما هم دمي بيد السلطة تحركها كيف ما تشاء.

وإلا فان العالم الصحيح لا يضره الاختلاف معه في مجالات استنباطه ، وربما سر لعلمه بقيمة ما يأتي به الصراع من تلاقح فكري وإنماء وتطور للأفكار التي يؤمن بها.

__________________

(١) سورة الزمر : الآية ٢٣.

(٢) رسالة الطوفي : ص ١١٦.

٣٨٣

والعلماء في مختلف المجالات العلمية يختلفون ، وما سمعنا خلافا أوجب الصراع فيما بينهم باسم العلم فضلا عن أن يدب الصراع إلى أبناء شعوبهم فيقتتلون ، اللهم الا إذا كانت السلطات من ورائه كما هو الشأن في موقف سلطة الكنيسة من بعض العلماء المكتشفين أمثال غاليلو.

والشيعة أنفسهم رأوا طوائف من علمائهم وهم بحكم فتح أبواب الاجتهاد على أنفسهم كانوا يختلفون ، وينقد بعضهم آراء البعض الآخر ، ومع ذلك كله نرى تقديسهم لعلمائهم يكاد يكون منقطع النظير.

وما استشهد به من الآيات والروايات على المنع من الاختلاف أجنبي عن هذا النوع من الاختلاف الّذي يقتضيه البحث الموضوعي ، لأن المنع عن هذا النوع منه تعبير آخر عن الدعوة إلى الجمود وإماتة الفكر والنّظر في شئون الدين ، وهو ما ينافي الدعوة إلى تدبر ما في القرآن والنّظر إلى آياته ، بل ينافي الدعوة إلى تدبر ما في الكون والحث على استعمال العقل ، وهو ما طفحت به كثير من الآيات والأحاديث ، لأن طبيعة التدبر واستعمال الفكر تدعو إلى اختلاف الرّأي.

فالاختلاف المنهي عنه هو الاختلاف الّذي يدعو إلى التفرقة وتشتيت كلمة الأمة ، أي الاختلاف الّذي يستغل عاطفيا لتفرقة الشعوب لا الاختلاف الّذي يدعو إليه البحث الموضوعي وهو من أسباب الألفة والتعاطف بين أربابه ، ففي الاستدلال خلط بين نوعي الاختلاف.

ومع التغافل عن هذه الناحية فان دعواه بأن رعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه ـ فهو سبب الاتفاق ـ لا أعرف لها وجها ، لأن المصالح الحقيقية التي يتطابق عليها العقلاء محدودة جدا ، وما عداها كلها موضع خلاف بل هي نفسها موضع لخلاف كبير في مواقع تطبيقها كما سبق بيانه في مبحث العقل ، فكيف يكون

٣٨٤

النّظر فيها موضعا لاتفاق الكلمة وبخاصة إذا وسعنا الأمر إلى عوالم الظنون بها والأوهام؟ وهل تكفي مواضع الاتفاق منها لإقامة شريعة إذا تجردنا عن النصوص؟

وبهذا يتضح الجواب على ما أورده على نفسه من إشكال وأجاب عليه ، فكون الاختلاف رحمة وسعة مما لا إشكال فيه أصلا إذا كان في حدود البحث الموضوعي ، والّذي يدل عليه كل ما يدل على وجوب المعرفة المستلزمة حتما للاختلاف من آيات وأحاديث ، ومعارضتها بمفسدة الأخذ بالرخص لا تعتمد على أساس.

فالآخذون بالرخص اما ان يكونوا معتمدين على حجة ، كأن يكون هناك مرجع مستوف لشرائط التقليد يسيغ لهم ذلك ، فالأخذ بها لا يشكل مفسدة وأصحابها معذورون ، واما ان لا يكونوا على حجة ، وهؤلاء لا حساب لنا معهم لتمردهم على أصل الشريعة في عدم الركون في تصرفاتهم على أساس ، وكونهم يستغلون الرخص لتبرير أعمالهم أمام الرّأي العام ، فانما هو من قبيل الخداع والتمويه ، ولو لم تكن هناك رخص لارتكبوا هذه الأعمال والتمسوا لها مبررات غير هذه.

وكون الاختلاف مانعا من دخول أهل الذّمّة إلى الإسلام هو الآخر لا يخلو من غرابة ، فان هؤلاء ان كانوا على درجة من الثقافة عرفوا ان هذا المقدار من الاختلاف مبرر في جميع الشرائع ، بل هو مما تقتضيه الطبيعة البشرية لاستحالة اتفاق الناس في فهم جميع ما يتصل بشئون شرائعهم ، بل جميع ما يتصل بشئونهم الحياتية وغيرها ، ومتى منع الاختلاف أحدا من الدخول في الإسلام؟!

وهناك أدلة أخرى له لا تستحق ان تعرض ويطال فيها الحديث وأجوبتها تعرف مما سبق ان عرضناه في مبحث القياس.

٣٨٥

فغلو الطوفي في استعمال المصالح المرسلة وتقديمها على النصوص والإجماع لا يستقيم أمره بحال.

نفاة الاستصلاح وأدلتهم :

أما نفاة الاستصلاح ـ وفي مقدمتهم الشافعي ـ فأهم ما استدلوا به :

١ ـ إيمانهم بكمال الشريعة واستيفائها لحاجات الناس «ولو كانت مصالح الناس تحتاج إلى أكثر مما شرعه ومما أرشد إلى الاهتداء به لبيّنه ولم يتركه ، لأنه سبحانه قال علي سبيل الاستنكار : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً)(١)» (٢). والجواب على هذا الاستدلال : ان مثبتي الاستصلاح لا ينكرون وفاء الشريعة بحاجات الناس وان أنكروا وفاء النصوص بها ، فهم يعتبرون العقول من وسائل إدراكها كالنصوص على حد سواء ، واهتداء العقول إليها انما هو بهداية من الله عزوجل لها ، فالعقول اذن كاشفة وليست بمشرعة.

٢ ـ ما يستفاد من قول الغزالي وهو يرد على من يريد الاعتبار الاستصلاح أصلا خامسا : «من ظن انه أصل خامس فقد أخطأ لأنا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع ، ومقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع ، فكل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فهم من الكتاب والسنة والإجماع وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة مطروحة ، ومن صار إليها فقد شرع ، كما ان من استحسن فقد شرع ، وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصودا بالكتاب والسنة والإجماع فليس خارجا من هذه الأصول ، لكنه لا يسمى قياسا بل مصلحة مرسلة ، إذ القياس أصل معين ، وكون هذه المعاني مقصودة عرفت لا بدليل واحد ، بل بأدلة كثيرة لا حصر لها من

__________________

(١) سورة القيامة : الآية ٣٦.

(٢) مصادر التشريع : ص ٧٨.

٣٨٦

الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات تسمى لذلك مصلحة مرسلة ، وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقصود الشرع فلا وجه للخلاف في اتباعها ، بل يجب القطع بكونها حجة» (١).

والجواب الّذي يصلح ـ لمثبتي الاستصلاح ـ التمسك به : ان حصر معرفة المصلحة التي تحفظ مقاصد الشرع بالكتاب والسنة والإجماع لا دليل عليه ، لما سبق من إثبات كاشفية العقل وإدراكه للمصالح والمفاسد المستلزم لإدراك حكم الشارع بها.

ومع إمكان الإدراك فليس هناك ما يمنع من وقوعه أحيانا ، وعلى أي حال فالمسألة مبنائية.

٣ ـ ما ذكره الآمدي في كتابه الأحكام من ان «المصالح على ما بيّنا ، منقسمة إلى ما عهد من الشارع اعتبارها ، وإلى ما عهد منه إلغاؤها ، والمرسلة مترددة بين ذينك القسمين ، وليس إلحاقها بأحدهما أولى من إلحاقها بالآخر ، فامتناع الاحتجاج بالمرسل دون شاهد بالاعتبار يبين انه من قبيل المعتبر دون الملغى» (٢).

وموضع الفجوة في هذا الاستدلال اعتبار المصلحة مترددة بين القسمين إذا أريد من ترددها ترددها بين ما دلّ على الاعتبار من النصوص ، وما دلّ على الإلغاء ، لافتراض القائلين بالاستصلاح ان النصوص غير متعرضة لها اعتبارا أو إلغاء ، وإنما اكتشفوا اعتبارها من قبل الشارع بدليل العقل ، فهي إذن معتبرة من الشارع ولكن من غير ما عهد منه ، فهي قسم ثالث في عرض ذينك القسمين.

وان شئت ان تقول : ان الاعتبار على قسمين : معهود من الشرع بطريق

__________________

(١) المستصفى : ١ ـ ١٤٣ وما بعدها.

(٢) مصادر التشريع : ص ٧٩ نقلا عنه.

٣٨٧

النصوص ، ومعهود منه بطريق العقل ، وهذه من القسم الثاني وليست بأحد القسمين اللذين ذكرهما الآمدي ليقال : «وليس إلحاقها بأحدهما أولى من إلحاقها بالآخر».

تلخيص وتعقيب :

وخلاصة ما انتهينا إليه ان تعاريف المصالح المرسلة مختلفة ، فبعضها ينص على استفادة المصلحة من النصوص والقواعد العامة ، كما هو مقتضى استفادة الدواليبي والطوفي.

ومقتضى هذا النوع من التعاريف إلحاقها بالسنة ، والاجتهاد فيها إنما يكون من قبيل تحقيق المناط بقسمه الأول ، أي تطبيق الكبرى على صغراها بعد التماسها ـ أعني الصغرى ـ بالطرق المجعولة من الشارع لذلك ، ولا يضر في ذلك كونها غير منصوص عليها بالذات ، إذ يكفي في إلحاقها بالسنة دخولها تحت مفاهيمها العامة ، ومتى اشترطنا في السنة ان تكون خاصة لتكون مصدرا من مصادر التشريع ، فعدها ـ بناء على هذه التعاريف ـ في مقابل السنة لا يعرف له وجه.

وأما على تعاريفها الأخر فينحصر إدراكها بالعقل. والّذي ينبغي ان يقال عنها انها تختلف من حيث الحجية باختلاف ذلك الإدراك ، فإن كان ذلك الإدراك كاملا ـ أي إدراكا للمصلحة بجميع ما يتعلق بها في عوالم تأثيرها في مقام جعل الحكم لها من قبل الشارع ـ فهي حجة ، إذ ليس وراء القطع ، كما سبق تكراره ، مجال لتساؤل أو استفهام.

يقول المحقق القمي : «والمصالح اما معتبرة في الشرع وبالحكم القطعي من العقل من جهة إدراك مصلحة خالية من المفسدة كحفظ الدين والنّفس والعقل والمال

٣٨٨

والنسل ، فقد اعتبر الشارع صيانتها وترك ما يؤدي إلى فسادها (١) ... إلخ».

ولكن القول بحجيتها هنا لا يجعلها دليلا مستقلا في مقابل العقل ، بل هي نفس ما عرضناه سابقا في مبحث حجيته.

وإن لم يكن إدراكه لها كاملا بأن كان قد أدرك المصلحة ، واحتمل وجود مزاحم لها يمنع من جعل الحكم ، أو احتمل انها فاقدة لبعض شرائط الجعل كما هو الغالب فيها ، بل لا يتوفر الإدراك الكامل إلا في حالات نادرة وهي التي تكون المصلحة ذاتية ـ كما سبق ـ فإن القول بحجيتها ـ أعني هذا النوع من المصالح المرسلة ـ مما يحتاج إلى دليل ، وليس لدينا من الأدلة ما يصلح لإثبات ذلك ، لما قلناه من أن الإدراك الناقص ـ وهو الّذي لا يشكل الرؤية الكاملة ـ ليست حجيته ذاتية ، بل هي محتاجة إلى الجعل والأدلة غير وافية بإثباته.

والشك في الحجية كاف للقطع بعدمها لتقومها بالعلم ، وقد مرّ إيضاح ذلك كله.

وبهذا يتضح ان الشيعة لا يقولون بالمصالح المرسلة إلا ما رجع منها إلى العقل على سبيل الجزم ، كما هو مقتضى مبناهم الّذي عرضناه في دليل العقل وما عداه فهو ليس بحجة ، فنسبة الأستاذ الخفيف القول بها إلى الشيعة ليس بصحيح على إطلاقه.

__________________

(١) القوانين المحكمة : ٢ ـ ٩٢.

٣٨٩
٣٩٠

الباب الأول

القسم الثامن

فتح الذرائع وسدها

* الذريعة لغة واصطلاحا

* أقسام الذريعة* حكمها

* الأدلة على الحكم : أدلتها من الكتاب والسنة

* أدلتها من العقل

* خلاصة وتعقيب

٣٩١
٣٩٢

الذريعة لغة واصطلاحا :

للذريعة مدلولان : لغوي واصطلاحي ، فهي في اللغة الوسيلة التي يتوصل بها إلى الشيء.

وفي الاصطلاح وقعت موضعا لاختلافهم في مقام التحديد ، فالشاطبي يحددها ب «التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة» (١).

وقريب منه ما ورد على ألسنة بعض المتأخرين في تحديدها فهي عنده «ما يتوصل به إلى شيء ممنوع مشتمل على مفسدة» (٢).

ويرد على هذين التعريفين انهما غير جامعين لاقتصارهما على وسائل الأمور المحرمة ، بينما تعم الذريعة ـ كدليل ـ جميع الوسائل سواء كانت وسائل لمحرمات أم واجبات أم غيرهما من الأحكام ، يقول القرافي : «الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب وتباح» (٣).

وقريب منه قول سلام : «الذرائع إذا كانت تفضي إلى مقصد هو قربة وخير أخذت الوسيلة حكم المقصد ، وإذا كانت تفضي إلى مقصد ممنوع هو مفسدة أخذت حكمه ، ولذا فإن الإمام مالكا يرى انه يجب فتح الذرائع في الحالة الأولى لأن المصلحة مطلوبة ، وسدها في الحالة الثانية لأن المفاسد ممنوعة» (٤) ، اللهم إلا أن يكون ذلك مجرد اصطلاح خاص لهم ولا حساب لنا معه.

__________________

(١) الموافقات : ٤ ـ ١٩٩.

(٢) المدخل للفقه الإسلامي : ص ٢٦٦.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٣٩٣

ولعل أقرب تعاريفها إلى السلامة ما ذكره ابن القيم من أن «الذريعة ما كان وسيلة وطريقا إلى الشيء» (١) ، وهو مأخوذ من مفهومها اللغوي ، إلا أن تعميم الشيء فيه يجعله غير مانع من الغير لدخول جميع الوسائل المفضية إلى غير الأحكام الشرعية ، وهو ما لا يتصل بحثه بوظيفة الأصولي ، فالأنسب تعريفها ب (الوسيلة المفضية إلى الأحكام الخمسة) ليشمل بحثها كل ما يتصل بالذريعة وأحكامها من أبحاث سواء أفضت إلى مصالح أم مفاسد أم غيرها ، على أن الّذي ركّز عليه الباحثون من أقسامها هو الذريعة المفضية إلى مفسدة وخصوها بأكثر أحاديثهم.

أقسام الذريعة :

وقد قسمها ابن القيم إلى أقسام أربعة :

١ ـ الوسائل الموضوعة للإفضاء إلى المفسدة ، ومثل لها بشرب المسكر المفضي إلى مفسدة السكر ، والزنى المفضي إلى اختلاط المياه وفساد الفراش ، وليس لهذه الأفعال ظواهر غير الإفضاء إلى المفسدة.

٢ ـ الوسائل الموضوعة للأمور المباحة ، إلا أن فاعلها قصد بها التوسل إلى المفسدة ، ومثالها فعل من يعقد النكاح قاصدا به التحليل ، أو يعقد البيع قاصدا به الرّبا.

٣ ـ الوسائل الموضوعة للأمور المباحة ، والتي لم يقصد التوسل بها إلى المفسدة لكنها مفضية إليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها ، ومثالها مسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم فيسبوا الله عدوا ، وتزين المتوفى عنها زوجها في زمن عدتها.

__________________

(١) أعلام الموقعين : ٣ ـ ١٤٧.

٣٩٤

٤ ـ الوسائل الموضوعة للمباح ، وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها ، ومثلوا لها بالنظر إلى المخطوبة والمشهود عليها ، وكلمة الحق عند سلطان جائر (١).

حكمها :

أما حكمها فقد اختلفوا فيه ، فالذي عليه ابن القيم وجماعة ان الوسيلة تأخذ حكمها مما تنهي إليه ، وقرّب ذلك بقوله : «لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها ، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها ، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها ، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها ، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود ، وكلاهما مقصود ، لكنه مقصود قصد الغايات ، وهي مقصودة قصد الوسائل.

فإذا حرّم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه ، فإنه يحرّمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنها أن يقرب حماه ، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه ، لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به ، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء» (٢).

ومن رأيه ـ أعني ابن القيم ـ تحريم جميع تلكم الأقسام التي ذكرها للوسيلة ، عدا القسم الرابع وهو ما كان موضوعا للمباح ، وقد يفضي إلى مفسدة ، ومصلحته أرجح من مفسدته (٣).

ولكن المالكية والحنابلة ركزوا في الحرمة على خصوص القسم الثاني منها

__________________

(١) أعلام الموقعين : ٣ ـ ١٤٨.

(٢) المصدر السابق : ٣ ـ ١٤٧.

(٣) المصدر السابق : ٣ ـ ١٤٨.

٣٩٥

ـ أعني الوسائل الموضوعة للأمور المباحة ـ ويقصد فاعلها التوصل بها إلى المفسدة (١).

ولقد حررت هذه المسألة في كتب الشيعة الإمامية من مبحث مقدمة الواجب من الأصول.

وقد كادت ان تطبق كلمتهم على اعتبار المقدمة تابعة في حكمها لذي المقدمة على اختلاف في معنى هذه التبعية وفي حدودها من حيث الإطلاق والتقييد.

وكلماتهم مختلفة في ذلك جدا ، وربما بلغت أقوال المسألة أكثر من عشرة.

ولعل أسدّ هذه الآراء وأقواها أدلة هو ما ذهب إليه بعض المتأخرين من الحجج أمثال : المرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سرّه (٢) ، والسيد محسن الحكيم قدس سرّه (٣) ، والسيد أبو القاسم الخوئي قدس سرّه (٤) ، من إنكار تبعيتها لذي المقدمة في حكمها ، وإنما لها حكمها المستقل المأخوذ من أدلته الخاصة.

الأدلة على الحكم :

أدلتها من الكتاب والسنة :

ولقد ذكر ابن القيم ما يقارب المائة بين آية وحديث استقرأها في مظانها ، فوجد فيها جميعا اتحاد الحكم في الوسائل وما تفضي إليه ، مما يدل على ان الشارع يعطي الوسائل دائما حكم ما تنهي إليه.

والأمثلة التي ذكرها منصبة في الغالب على الوسائل المحرمة لديه ، أمثال قوله تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٥)

__________________

(١) المدخل للفقه الإسلامي : ص ٢٦٩.

(٢) نهاية الدراية : ١ ـ ٢١٢.

(٣) حقائق الأصول : ١ ـ ٢٤١ وما بعدها.

(٤) أجود التقريرات : ١ ـ ١٧٤ وما بعدها.

(٥) سورة الأنعام : الآية ١٠٨.

٣٩٦

وقوله تعالى : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَ)(١).

ولكن ليس في هذه المواقع التي عرضها ما يصرح بأن التحريم فيها جميعا انما كان من أجل كونها وسيلة إلى الغير لا لمفاسد في ذاتها توجب لها التحريم النفسيّ ، كضربهن بأرجلهن والنّظر إلى الأجنبية ، وهكذا ...

وإذا شككنا في كون الحرمة نفسية أو غيرية ، فمقتضى إطلاقها انها نفسية ، لأن الحرمة الغيرية مما تحتاج إلى بيان زائد ، ومع عدمه وهو في مقام البيان فالظاهر العدم.

على أنا لا نمنع أن يتخذ الشارع احتياطات لبعض ملاكات أحكامه التي يحرص أن لا يفوتها المكلف بحال ، فيأمر أو ينهى عن بعض ما يفضي إليها تحقيقا لهذا الغرض ، إلا أن ذلك لا يتخذ طابع القاعدة العامة ، ولعل الكثير من الأمثلة التي ذكرها منصبة على هذا النوع.

ويكفينا أن لا يكون في هذه الأمثلة من التعليلات ما يصلح لأن يتمسك بعمومه أو إطلاقه لتحريم جميع المقدمات التي تقع في طريق المحرمات ، مهما كان نوعها ، وليس علينا إلا ان نتقيد بخصوص هذه المواقع التي ثبت لها التحريم.

أدلتها من العقل :

وعمدة ما استدل به على التوافق في الحكم بين المقدمة وذيها ، ما أشار إليه ابن القيم وغيره من دعوى الملازمة بين حكم الشارع بوجوب أو حرمة شيء ، ووجوب أو حرمة وسائله وذرائعه «فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه ، فإنه يحرّمها ويمنع منها تحقيقا لتحريمه وتثبيتا له ومنعا أن يقرب حماه ، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم وإغراء للنفوس به ، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الآباء» (٢).

__________________

(١) سورة النور : الآية ٣١.

(٢) أعلام الموقعين : ٣ ـ ١٤٨.

٣٩٧

والظاهر ان هذه الدعوى لا مأخذ لها لأن الأحكام الواقعية إنما هي وليدة مصالح أو مفاسد في متعلقاتها ، وإذا كان في الشيء مفسدة توجب جعل الحرمة له من قبل الشارع فلا يلزم ان يكون في ذرائعها مفاسد أيضا ليلزم وضع الحرمة على وفقها.

ودعوى ان المتلازمين يجب ان يأخذا حكما واحدا لا مأخذ لها كما سبق شرحه ، إذ لا يلزم فيهما ان يكونا متحدين من حيث اشتمالهما على ملاك الحكم ليتحدا في الحكم ، وغاية ما تلزم به الملازمة ان لا يفترقا في حكمهما على نحو الوجوب والحرمة لتعذر امتثالهما معا ، وفي هذا الحال تعود المسألة إلى صغريات باب التزاحم الأمري الّذي يدعو إلى الموازنة في مقام الثبوت لدى الآمر نفسه ، واختيار أصلحهما للمكلف.

نعم ، قد يقال بأن الهدف من جعل الأحكام ، هو جعل الدواعي في نفوس المكلفين لامتثال تكاليف المولى ، وإنما جعلت الأحكام على الذرائع توفيرا لدواعي امتثال ما تفضي إليه.

ولكن هذا القول أيضا لا مأخذ له ، لأن الدواعي إلى الامتثال إن أحدثها الأمر بذي المقدمة أو النهي عنها ، فالأمر بالمقدمة لا يصنع شيئا ولا يولّد داعيا للزوم تحصيل الحاصل ، وإن لم يحدثها ـ لتمرد المكلف على مولاه ـ فألف أمر بالمقدمة لا يؤثر شيئا ولا يحدث داعيا.

والظاهر أن هذه هي وجهة نظر أساتذتنا المتأخرين الذين ذهبوا إلى عدم وجوب المقدمة كالسيد الحكيم قدس سرّه والشيخ الأصفهاني قدس سرّه والسيد الخوئي قدس سرّه (١).

وقد ذكر الشيخ المظفر نسبة هذا الرّأي إليهم ، واستدل له بقوله : «وذلك لأنه إذا كان الأمر بذي المقدمة داعيا للمكلف إلى الإتيان بالمأمور به فإن دعوته هذه ـ لا محالة بحكم العقل ـ تحمله وتدعوه إلى الإتيان بكل ما يتوقف عليه المأمور به

__________________

(١) راجع : ص ٥٨ من هذا الكتاب.

٣٩٨

تحصيلا له ، ومع فرض وجود هذا الداعي في نفس المكلف لا تبقى حاجة إلى داع آخر من قبل المولى مع علم المولى ، حسب الفرض بوجود هذا الداعي ، لأن الأمر المولوي ، سواء كان نفسيا أم غيريّا ، إنما يجعله المولى لغرض تحريك المكلف نحو فعل المأمور به ، إذ يجعل الداعي في نفسه حيث لا داعي ، بل يستحيل في هذا الفرض جعل الداعي الثاني من المولى لأنه يكون من باب تحصيل الحاصل» (١).

وما يقال عن الوجوب يقال عن بقية الأحكام الاقتضائية لوحدة الملاك فيهما. يقول شيخنا النائيني : «لا يخفى أن ما ذكرنا من الوجوه والأقوال في مقدمة الواجب يجري في مقدمة المستحب» (٢). ويقول أيضا : «وأما مقدمات المكروه فحالها حال مقدمات الحرام» (٣).

وإذا صح هذا اتضحت أوجه المفارقة في كلمات ابن القيم من دعواه الملازمة بين إباحة الذريعة ونقض التحريم ، لأن إباحة الشيء لا تستلزم الإتيان به ليلزم نقض التحريم ، وتوقف امتثال التحريم على عدم الإتيان بالذريعة المفضية إليه توقف عقلي محض ، والأحكام العقلية لا تستلزم أحكاما شرعية دائما لما سبق ان قلنا في مبحث العقل من امتناع ذلك أحيانا كما هو الشأن في هذه المسألة بناء على ما قالوه من لزوم تحصيل الحاصل فيها ، وكما هو الشأن في أوامر الإطاعة وغيرها ، نعم الّذي يفضي إلى نقض التحريم هو جعل الوجوب للذريعة لا الإباحة ، وليس هناك ما يمنع من ان يبيح الشارع شيئا ويلزم العقل به ما دامت أحكام الشارع وليدة مصالح أو مفاسد في المتعلقات ، فالذريعة التي لا مصلحة ولا مفسدة فيها لا معنى لجعل غير الإباحة لها ، وإلزام العقل بها ـ لتوقف امتثال ما تفضي إليه عليها ـ لا ينافي إباحتها الشرعية ، وحسب الشارع ان يتكل على حكم

__________________

(١) أصول الفقه : ٢ ـ ٨٥.

(٢) أجود التقريرات : ١ ـ ٢٤٨.

(٣) المصدر السابق : ١ ـ ٢٥٠.

٣٩٩

العقل في لزوم الإتيان بها أو الارتداع عنها لتحقيق غرضه.

وبهذا يتضح ان ما ورد على لسان الشارع مما هو صريح بالردع عن الإتيان بالمقدمات المحرمة انما هو من قبيل الإرشاد إلى حكم العقل والتأكيد له ، لا انها أحكام تأسيسية.

ومن هنا صح القول بأن الأوامر والنواهي الغيرية لا تستدعي ثوابا ولا عقابا ، وبدا مثل هذا القول منطقيا ومنسجما على هذا المبنى ، وإلا فما معنى توجيه الأمر المولوي أو النهي إذا كان وجوده كعدمه من حيث استحقاق الثواب والعقاب؟

وفي حدود ما اطلعت عليه من كلماتهم أنهم متفقون على ان الثواب والعقاب انما هو على خصوص ذي المقدمة ، فالشخص الّذي يترك الصلاة مثلا لا يعاقب على أكثر من تركها ، فالوجوب المقدمي المتوجه على التستر والاستقبال وغيرهما من المقدمات لا تستحق مخالفته عقابا في مقابل ذي المقدمة ، وهكذا بالنسبة إلى مقدمات الحرام.

نعم لا يبعد القول ان مخالفة بعض النواهي ـ التي جعلها الشارع سدّا عن الوقوع في بعض المحرمات التي يبغض الشارع وقوعها بغضا شديدا لكثرة مفاسدها ، كالأحكام المتعلقة بالدماء والأموال والفروج مما ثبت نهي الشارع عن اقتحام شبهاتها حذرا من الوقوع في مفاسدها ـ تستدعي عقابا على المخالفة حتى مع عدم مصادفة الشبهة للواقع ، ولكن من باب التجري أو ما يشبهه ـ لو قلنا باستحقاق العقاب عليه ـ لا من باب مخالفة الحكم الواقعي إذ لا مخالفة كما هو الفرض.

خلاصة وتعقيب :

والخلاصة ان جل من تعرفنا عليهم من الأصوليين ـ شيعة وسنة ـ باستثناء

٤٠٠