الأصول العامّة للفقه المقارن

السيّد محمّد تقي الحكيم

الأصول العامّة للفقه المقارن

المؤلف:

السيّد محمّد تقي الحكيم


المحقق: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٩٦

٢ ـ إطلاق لفظ الحسن على الاستحسان بالمعنى المصطلح في هذه الرواية لا دليل عليه لكون الاستحسان من المعاني المستحدثة لدى المتأخرين ، فكيف يصح نسبة مضمونها إلى ابن مسعود؟ ومع الغض عن ذلك فأي معاني الاستحسان التي عرضناها ينطبق عليه هذا التعبير؟ وهل يتسع لها جميعا وهي متباينة ، كما سبق شرحه؟ وليس حمله على بعضها بأولى من حمله على الآخر.

والظاهر أن هذه الرواية ـ لو صح ورودها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنما هي لتأكيد قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، أي ما أطبق العقلاء على حسنه فهو عند الله حسن ، وهذا إنما يتم إذا أردنا من لفظة المسلمين المسلمين ـ بما أنهم عقلاء ـ وأما إذا اعتبرنا خصوصية لهذه اللفظة (المسلمين) فهي تصلح ان تكون من أدلة الإجماع بعد حملها على العموم المجموعي.

ومن الواضح أن العموم الاستغراقي لا يمكن ان يراد منها ، وإلا لأوقعتنا بألف مفارقة لإنهائها إلى أن استحسان أي مسلم ولو كان عاميا ، لا يحسن إقامة الرّأي يكون تشريعا وكاشفا عن الحكم الواقعي (فهو عند الله حسن) مع ما في ذلك من فوضى لا حدّ لها.

الإجماع :

وذلك بدعوى إجماع الأمة باستحسانهم دخول الحمام وشرب الماء من أيدي السقاءين ، من غير تقدير لزمان المكث وتقدير الماء والأجرة.

ولكن هذا الإجماع ـ لو صح وجود مثله ـ فهو قائم على هذه الأحكام بالخصوص لا على استحسانها ، فضلا عن قيامها على كل استحسان ، ولا أقل من اقتصاره على هذه الموارد بحكم كونه من الأدلة اللبية التي يقتصر فيها على القدر المتيقن.

والظاهر أن مثل هذا الإجماع لا أساس له ، وإنما قامت السيرة على هذه

٣٦١

الأحكام ، وهي مستمرة على «جريان ذلك إلى زمن النبي عليه الصلاة والسلام ، مع علمه به وتقريره لهم عليه» (١).

والّذي أتصوره أن أصلا هذه حججه وأدلته لا يستحق ان يعطى له أهمية كالتي أعطاها له مالك حين قال : «الاستحسان تسعة أعشار العلم» اللهم إلا ان يريد به معناه السليم من تقديم دليل على دليل.

نفاة الاستحسان وأدلتهم :

أما نفاة الاستحسان فأظهرهم الشافعي ، وقد علل وجهة نظره بقوله : «أفرأيت إذا قال المفتي في النازلة ليس فيها نصّ خبر ولا قياس ، وقال : استحسن ، فلا بدّ أن يزعم أن جائزا لغيره ان يستحسن خلافه فيقول كل حاكم في بلد ومفت بما يستحسن ، فيقال في الشيء الواحد بضروب من الحكم والفتيا ، فإن كان هذا جائزا عندهم فقد أهملوا أنفسهم فحكموا حيث شاءوا ، وإن كان ضيقا فلا يجوز أن يدخلوا فيه» (٢).

ومثل هذا الكلام غريب على الفن لانتهائه ـ لو تم ـ إلى حظر الاجتهاد مطلقا ، مهما كانت مصادره ، لأن الاختلاف واقع في الاستنباط منها ، إلا نادرا ، ولا خصوصية للاستحسان في ذلك.

وإذن فمتى جاز لحاكم أن يجتهد ، فقد أجاز لغيره أن يجتهد ، وعندها ينتهي الأمر إلى ضروب من الأحكام والفتاوى المختلفة ، ولازم ذلك أن نمنع الاجتهاد بجميع مصادره ، وهو مما لا يمكن أن يلتزم به مثله ، بالإضافة إلى وروده عليه نقضا في اجتهاده بمنع الاستحسان مثلا ، إذ يقال له : إذا أجزت لنفسك الاجتهاد في منعه ، فقد أجزت لغيرك أن يجتهد في تجويزه ، فيلزم الاختلاف في الشيء

__________________

(١) الأحكام للآمدي : ٣ ـ ٣٨.

(٢) فلسفة التشريع الإسلامي : ص ١٧٤ وما بعدها.

٣٦٢

الواحد بضروب من الحكم والفتيا.

والظاهر أن مراده هو الردع عن خصوص القسم الرابع من الأقسام التي ذكرناها ، كما تومئ إليه بقية أقواله ، مما لا تخضع لضوابط من شأنها أن تقلل من وقوع الاختلاف وتفسح المجال أمام المتطفلين على منصب الإفتاء ليرسلوا كلماتهم بسهولة استنادا إلى ما يدعونه لأنفسهم من انقداحات نفسية وأدلة لا يقدرون على التعبير عنها ، مما يسبب إشاعة الفوضى في عوالم الفقه والتشريع.

ولكن هذا النوع من الاستدلال أقرب إلى النهج الخطابي منه إلى الروح العلمية ، فالأنسب ان يدفع هذا القسم بعدم قيام الدليل على حجيته ، لأن ما ذكروه من الأدلة لا يصلح ـ على الأقل ـ لإثبات ذلك على الخصوص ، ويكفي شكنا في الحجية للقطع بعدمها.

والخلاصة : إن كان المراد بالاستحسان هو خصوص الأخذ بأقوى الدليلين فهو حسن ولا مانع من الأخذ به ، إلا أن عده أصلا في مقابل الكتاب والسنة ودليل العقل لا وجه له «وان كان ـ كما يقول ابن القفال ـ ما يقع في الوهم من استقباح الشيء واستحسانه من غير حجة دلت عليه من أصل ونظير فهو محظور والقول به غير سائغ» (١).

__________________

(١) إرشاد الفحول : ص ٢٤١.

٣٦٣
٣٦٤

الباب الأول

القسم السابع

المصالح المرسلة

* تحديدها

* تقسيم الأحكام المترتبة عليها : الضروري ، الحاجي ، التحسيني

* الاختلاف في حجيتها

* أدلة الحجية من العقل

* الاستدلال بسيرة الصحابة

* الاستدلال بحديث لا ضرر

* غلو الطوفي في المصالح المرسلة

* نفاة الاستصلاح وأدلتهم

* تلخيص وتعقيب

٣٦٥
٣٦٦

تحديدها :

ولتحديد معنى المصالح المرسلة لا بد من تحديد معنى المصلحة أولا ثم تحديد معنى الإرسال فيها ليتضح معنى هذا التركيب الخاصّ.

ويقول الغزالي : المصلحة هي : «عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مضرة ـ وقال ـ : ولسنا نعني به ذلك ، فإن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق وصلاح الخلق ، في تحصيل مقاصدهم ، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع ومقصود الشرع من الخلق خمسة : وهو ان يحفظ عليهم دينهم ، ونفسهم ، وعقلهم ، ونسلهم ، ومالهم : فكل ما يتضمن هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة ، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة» (١).

وعرفها الطوفي بقوله : هي «السبب المؤدي إلى مقصود الشرع عبادة وعادة» (٢) وأراد بالعبادة «ما يقصده الشارع لحقه» (٣) والعادة «ما يقصده الشارع لنفع العباد وانتظام معايشهم وأحوالهم» (٤).

وأما تعريفهم للإرسال فقد وقع موقع الاختلاف لديهم ، فالذي يبدو من بعضهم ان معناه عدم الاعتماد على أي نصّ شرعي ، وإنما يترك للعقل حق اكتشافها ، بينما يذهب البعض الآخر إلى ان معناها هو عدم الاعتماد على نصّ خاص وإنما تدخل ضمن ما ورد في الشريعة من نصوص عامة ، واستنادا إلى هذا التفاوت في معنى

__________________

(١) المستصفى : ١ ـ ١٤٠.

(٢) رسالة الطوفي المنشورة في مصادر التشريع : ص ٩٣.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المصدر السابق.

٣٦٧

الإرسال تفاوتت تعاريف المصلحة المرسلة.

فابن برهان يعرفها بقوله هي : «ما لا تستند إلى أصل كلي أو جزئي» (١) وربما رجع إلى هذا التعريف ما ورد على لسان بعض الأصوليين المحدثين من «أنها الوصف المناسب الملائم لتشريع الحكم الّذي يترتب على ربط الحكم به جلب نفع أو دفع ضرر ، ولم يدل شاهد من الشرع على اعتباره أو إلغائه» (٢).

بينما يذهب الأستاذ معروف الدواليبي إلى إدخالها ضمن ما شهد له أصل كلي من الشريعة يقول ـ وهو يتحدث عن الاستصلاح ـ : «الاستصلاح في حقيقته هو نوع من الحكم بالرأي المبني على المصلحة ، وذلك في كل مسألة لم يرد في الشريعة نصّ عليها ، ولم يكن لها في الشريعة أمثال تقاس بها ، وإنما بني الحكم فيها على ما في الشريعة من قواعد عامة برهنت على أن كل مسألة خرجت عن المصلحة ليست من الشريعة بشيء ، وتلك القواعد هي مثل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٣) وقوله عليه الصلاة والسلام : «لا ضرر ولا ضرار» (٤).

وقد رادف بعضهم بينها وبين الاستصلاح (٥) ، كما رادف آخر بينها وبين الاستدلال (٦).

وهو ما لم يتضح له وجه لبعده عما لهذه الألفاظ من مداليل لديهم ، فالاستصلاح ، كما هو صريح كلامهم ، هو بناء الحكم على المصلحة المرسلة لا أنه عينها ، كما ان الاستدلال إنما يكون بها لا انها عين الاستدلال.

وبما أن هذه التعاريف التي نقلنا نموذجين منها لا تحكي عن واقع واحد

__________________

(١) إرشاد الفحول : ص ٢٤٢.

(٢) سلم الوصول : ص ٣٠٩.

(٣) سورة النحل : الآية ٩٠.

(٤) المدخل إلى أصول الفقه : ص ٢٨٤.

(٥) أصول الفقه للخضري : ص ٣٠٢.

(٦) إرشاد الفحول : ص ٢٤٢.

٣٦٨

ليلتمس تعريفه الجامع المانع من بينها ، وربما اختلف الحكم فيها لديهم باختلاف مفاهيمها فلا جدوى بمحاكمتها.

والأنسب ان تعرض أحكامها وتحاكم على أساس ما ينتظمها من الأدلة نفيا أو إثباتا على أسس من تعدد المفاهيم.

تقسيم الأحكام المترتبة على المصلحة :

وقد قسموا أحكامها المترتبة عليها بلحاظ ما لمصالحها من رتب إلى أقسام ثلاثة :

١ ـ الضروري :

«وهو المتضمن لحفظ مقصود من المقاصد الخمس التي لم تختلف فيها الشرائع بل هي مطبقة على حفظها» (١). يقول الغزالي : «وهذه الأصول الخمسة حفظها واقع في رتبة الضرورات فهي أقوى المراتب في المصالح ، ومثاله قضاء الشرع بقتل الكافر المضلّ ، وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعته ، فإن هذا يفوت على الخلق دينهم ، وقضاؤه بإيجاب القصاص إذ به حفظ النفوس ، وإيجاب حد الشرب إذ به حفظ العقول التي هي ملاك التكليف ، وإيجاب حد الزنى إذ به حفظ النسل والأنساب ، وإيجاب زجر الغصاب والسراق إذ به يحصل حفظ الأموال التي هي معاش الخلق وهم مضطرون إليها» (٢) ، ثم يقول : «وتحريم تفويت هذه الأصول الخمسة والزجر عنها يستحيل ان لا تشتمل عليها ملة من الملل وشريعة من الشرائع التي أريد بها إصلاح الخلق ، ولذلك لم تختلف الشرائع في تحريم الكفر ، والقتل ، والزنى ، والسرقة ، وشرب المسكر» (٣).

__________________

(١) إرشاد الفحول : ص ٢١٦.

(٢) المستصفى : ١ ـ ١٤٠.

(٣) المصدر السابق.

٣٦٩

٢ ـ الحاجي :

وأرادوا به «ما يقع في محل الحاجة لا الضرورة» (١) كتشريع أحكام البيع ، والإجارة ، والنكاح لغير المضطر إليها من المكلفين.

٣ ـ التحسيني :

وأرادوا به ما يقع ضمن نطاق الأمور الذوقية ، كالمنع عن أكل الحشرات ، واستعمال النجس فيما يجب التطهير فيه ، أو ضمن ما تقتضيه آداب السلوك كالحث على مكارم الأخلاق ، ورعاية أحسن المناهج في العادات والمعاملات ، وقد عرفه الغزالي بقوله هو : «ما لا يرجع إلى ضرورة ولا حاجة ، ولكن يقع موقع التحسين والتزيين والتيسير للمزايا والمزايد» (٢).

ولهذا التقسيم ثمرات أهمها تقديم بعضها على بعض في مجالات التزاحم فهي مرتبة من حيث الأهمية ، فالأوّل منها مقدم على الأخيرين والثاني على الثالث ، ولعل قسما من الأقوال القادمة يبتني في حجيته على الأخذ ببعض هذه الأقسام دون بعض.

الاختلاف في حجيتها :

ذهب مالك وأحمد ومن تابعهما «إلى أن الاستصلاح طريق شرعي لاستنباط الحكم فيما لا نصّ فيه ولا إجماع ، وان المصلحة المطلقة التي لا يوجد من الشرع ما يدل على اعتبارها ولا على إلغائها مصلحة صالحة لأن يبنى عليها الاستنباط» (٣).

وغالى فيها الطوفي ، وهو من علماء الحنابلة (٤) ، فاعتبرها الدليل الشرعي

__________________

(١) إرشاد الفحول : ص ٢١٦.

(٢) المستصفى : ١ ـ ١٤٠.

(٣) مصادر التشريع : ص ٧٣.

(٤) المصدر السابق : ص ٨٠.

٣٧٠

الأساس في السياسات الدنيوية والمعاملات ، وقدمها على ما يعارضها من النصوص عند تعذر الجمع بينها (١).

بينما ذهب الشافعي ومن تابعه : «إلى أنه لا استنباط بالاستصلاح ، ومن استصلح فقد شرع كمن استحسن ، والاستصلاح كالاستحسان متابعة للهوى» (٢).

وللغزالي وهو من الشافعية تفصيل فيها فهو يرى ان «الواقع في الرتبتين الأخيرتين لا يجوز الحكم بمجرده ان لم يعتضد بشهادة أصل إلا أنه يجري مجرى وضع الضرورات ، فلا بعد في ان يؤدي إليه اجتهاد مجتهد ، وان لم يشهد الشرع بالرأي فهو كالاستحسان ، فإن اعتضد بأصل فذاك قياس. أما الواقع في رتبة الضرورات فلا بعد في ان يؤدي إليه اجتهاد مجتهد ، وان لم يشهد له أصل معين ، ومثاله ان الكفار إذا تترّسوا بجماعة من أسارى المسلمين ، فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام وقتلوا كافة المسلمين ، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلما معصوما لم يذنب ذنبا ، وهذا لا عهد به في الشرع ، ولو كففنا لسلطنا الكفار على جميع المسلمين فيقتلونهم ، ثم يقتلون الأسارى أيضا ، فيجوز ان يقول قائل : هذا الأسير مقتول بكل حال ، فحفظ جميع المسلمين اقرب إلى مقصود الشرع ، لأنا نعلم ان مقصود الشرع تقليل القتل كما يقصد حسم سبيله عند الإمكان فإن لم نقدر على الحسم قدرنا على التقليل ، وكان هذا التفاتا إلى مصلحة علم بالضرورة كونها مقصودة لا بدليل واحد وأصل معين ، بل بأدلة خارجة عن الحصر ، لكن تحصيل هذا المقصود بهذا الطريق وهو قتل من لم يذنب غريب لم يشهد له أصل معين ، فهذا مثال مصلحة غير مأخوذة بطريق القياس على أصل معين» (٣).

__________________

(١) مصادر التشريع : ص ٨١ وما بعدها.

(٢) المصدر السابق : ص ٧٤.

(٣) المستصفى : ١ ـ ١٤١.

٣٧١

وخلاصة ما انتهى إليه في ذلك اعتبار أمور ثلاثة ان توفرت في شيء ما كشفت عن وجود الحكم فيه ، وهي :

١ ـ كون المصلحة ضرورية.

٢ ـ كونها قطعية.

٣ ـ كونها كلية (١).

وهذا كله إذا وقعت في مرتبة الضروري «وان وقعت في مرتبة الحاجي فقد رأى في المستصفى ردها ، وفي شفاء الغليل قبولها» (٢).

أما الأحناف فالمنسوب إليهم أنهم لا يقولون بالمصالح المرسلة ، ولا يعتبرونها دليلا ، وقد تنظّر الأستاذ خلاف في هذه النسبة ، واستظهر من عدة وجوه خلاف ذلك (٣).

وقد نسب الأستاذ الخفيف إلى الشيعة وأهل الظاهر «العمل بالمصالح المرسلة لكونهم لا يرون العمل بالقياس» (٤) وسيتضح الحال فيها.

ولعل الفصل في هذه الأقوال نفيا أو إثباتا يتضح مما عرضوه للحجية من أدلة ، وقد آثرنا تحريرها على ترتيب ما ذكروه في التقديم والتأخير.

أدلة الحجية من العقل :

وخلاصة ما استدل به للاستصلاح منها بعد إكمال نواقص بعضها ببعض هو :

١ ـ ان الأحكام الشرعية إنما شرعت لتحقيق مصالح العباد ، وان هذه المصالح التي بنيت عليها أحكام الشريعة معقولة ، أي مما يدرك العقل حسنها ، كما انه يدرك قبح ما نهى عنه ، فإذا حدثت واقعة لا نصّ فيها «وبنى المجتهد حكمه فيها

__________________

(١) المستصفى : ١ ـ ١٤١.

(٢) محاضرات في أسباب الاختلاف للخفيف : ص ٢٤٤.

(٣) مصادر التشريع : ص ٧٤.

(٤) محاضرات في أسباب الاختلاف : ص ٢٤٤.

٣٧٢

على ما أدركه عقله من نفع أو ضرر ، كان حكمه على أساس صحيح معتبر من الشارع ، ولذلك لم يفتح باب الاستصلاح إلا في المعاملات ونحوها مما تعقل معاني أحكامها فلا تشريع فيها بالاستصلاح» (١).

وهذا الاستدلال لا يتم إلا على مبنى من يؤمن بالتحسين والتقبيح العقليين ، والدليل ـ كما ترون ـ قائم على الاعتراف بإمكان إدراك العقل لذلك.

وقد سبق ان قلنا : ان العقل قابل للإدراك ، ولو أدرك على سبيل الجزم كان حجة قطعا لكشفه عن حكم الشارع ، ولكن الإشكال كل الإشكال في جزمه بذلك لما مر من أن أكثر الأفعال الصادرة عن المكلفين ، اما ان يكون فيها اقتضاء التأثير أو ليس فيها حتى الاقتضاء ، وما كان منها من قبيل الحسن والقبح الذاتيين فهو نادر جدا ، وأمثلته قد لا تتجاوز العدل والظلم وقليلا من نظائرهما.

وما فيه الاقتضاء يحتاج إلى إحراز تحقق شرائطه وانعدام موانعه ، أي إحراز تأثير المقتضي وهو مما لا يحصل به الجزم غالبا لقصور العقل عن إدراك مختلف مجالاته ، وربما كن بعضها مما لا يناله إدراك العقول كما مر عرض ذلك مفصلا.

٢ ـ قولهم : «ان الوقائع تحدث والحوادث تتجدد ، فلو لم يفتح للمجتهدين باب التشريع بالاستصلاح ضاقت الشريعة الإسلامية عن مصالح العباد وقصرت عن حاجاتهم ، ولم تصلح لمسايرة مختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات والأحوال مع انها الشريعة العامة لكافة الناس ، وخاتمة الشرائع السماوية كلها» (٢).

وقد أجبنا على نظير هذا الاستدلال في مبحث القياس ، وبيّنا أنّ أحكام الشريعة بمفاهيمها الكلية لا تضيق عن مصالح العباد ولا تقصر عن حاجاتهم ، وهي بذلك مسايرة لمختلف الأزمنة والأمكنة والبينات والأحوال ، وبخاصة إذا

__________________

(١) مصادر التشريع : ص ٧٥.

(٢) المصدر السابق.

٣٧٣

لوحظت مختلف المفاهيم بعناوينها الأولية والثانوية وأحسن تطبيقها والاستفادة منها. والحقيقة ان تأثير الزمان والمكان والأحوال انما هو في تبدل مصاديق هذه المفاهيم.

فالآية الآمرة بالاستعداد بما يستطيعون له من قوة لإرهاب أعداء الله قد لا نجد لها مصداقا في ذلك الزمن الا بإعداد السيوف والرماح والتروس والخيول وأمثالها ، لأن القوة السائدة هي من هذا النوع ، ولكن تبدل الزمان وتغير وسائل الحرب حوّل الاستعداد إلى إعداد مختلف الوسائل السائدة في الأمم المتحضرة للحروب كالقنابل النووية وغيرها ، فالمفهوم هو وجوب الاستعداد بما يستطاع لهم من قوة لم يتغير في الآية ، وإنما تغيرت مصاديقه وهكذا ...

فالتبدل في الحقيقة ، لم يقع في المفاهيم الكلية ، وإنما وقع في أفرادها ومصاديقها ، فما كان مصداقا لمفهوم ما ربما تحول إلى مصداق لمفهوم آخر.

ولقد وسع لنا الشارع المقدس بما شرحه لنا من العناوين الثانوية من جهة ، وبفتحه لنا أبواب الاجتهاد سواء في التعرف على أحكامه الكلية أم التماس مصاديقها بما سد حاجاتنا الأساسية إلى تطوير أنفسنا ، ومسايرة عصورنا ضمن إطار ما جاء به من أحكام ، ولكن لا على ان نفسح المجال أمام أوهامنا وظنوننا لنتحكم في مصائر العباد كيف ما نشاء ، وما دام مقياس الحجية بأيدينا ـ وهو ما سبق ان عرضناه ـ فلا مجال لاعتماد ما يخالف هذا المقياس ، والأساس فيه هو تحصيل العلم بالحكم أو العلمي ، ولا أقل من تحصيل الوظيفة التي يأمن معها الإنسان من غائلة العقاب.

الاستدلال بسيرة الصحابة :

وكما استدلوا بالعقل فقد استدلوا عليها بسيرة الصحابة ، ومما جاء في دليلهم : «ان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما طرأت لهم بعد وفاته حوادث وجدت لهم

٣٧٤

طوارئ شرعوا لها ما رأوا أن فيه تحقيق المصلحة ، وما وقفوا عن التشريع لأن المصلحة ما قام دليل من الشارع على اعتبارها ، بل اعتبروا ان ما يجلب النّفع أو يدفع الضرر حسبما أدركته عقولهم هو المصلحة ، واعتبروه كافيا لأن يبنوا عليه التشريع والأحكام ، فأبو بكر جمع القرآن في مجموعة واحدة ، وحارب مانعي الزكاة ، ودرأ القصاص عن خالد بن الوليد ، وعمر أوقع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة ، ووقف تنفيذ حد السرقة في عام المجاعة ، وقتل الجماعة في الواحد ، وعثمان جدد أذانا ثانيا لصلاة الجمعة ...» (١).

والغريب ان تنزل هذه التصرفات وأمثالها على القياس تارة والاستحسان أخرى والمصالح ثالثة ، وتعتبر على ألسنة البعض أدلة عليها ، وما أدري هل تتسع الواقعة الواحدة لمختلف هذه الأدلة مع تباينها مفهوما أم ما ذا؟!

ومهما يكن فإن النقاش في هذا النوع من الاستدلال واقع صغرى وكبرى.

أما الصغرى فلعدم إمكان تكوين سيرة لهم من مجرد نقل أحداث عن أفراد منهم يمكن ان تنزل على هذا الدليل أو ذاك ، ومن شرائط السيرة ان يصدر المجموع عنها في سلوكهم الخاصّ ، وكذلك لو أريد من هذا الدليل إجماعهم السكوتي على ذلك بالتقريب الّذي ذكروه بالقياس ، والّذي عرفت ـ فيما سبق ـ مناقشته.

أما إذا أريد الاستدلال بتصرفاتهم الفردية فهي لا تصلح للدليلية على أي حال لعدم الإيمان بعصمتهم أولا ، واجتهادهم لا يتجاوز في حجيته أنفسهم ومن يرجع إليهم بالتقليد.

وأما المناقشة في الكبرى فلعدم حجية مثل هذه السيرة أو الإجماع على أمثال هذه الأدلة ، لأن هذه التصرفات غير معللة على ألسنتهم ، وما يدرينا أن الباعث

__________________

(١) مصادر التشريع : ص ٧٥.

٣٧٥

على صدورها هو إدراك المصالح من قبلهم ، والسيرة مجملة لا لسان لها لنتمسك به ، وغاية ما يمكن ان تدل عليه هو حجية نفس ما قامت عليه من أفعال لو كانت مثل هذه السير من الحجج التي يركن إليها لا حجية مصادرها المتخيلة ، على أن هذه التصرفات ـ كما سبقت الإشارة إليها ـ جار أكثرها على مخالفة النصوص لأمور اجتهادية لا نعرف اليوم عواملها وبواعثها الحقيقية ، وفيما سبق عرضه في مبحث القياس ما يغني عن إطالة الحديث.

الاستدلال بحديث لا ضرر :

وقد تبناه الطوفي وقرب دلالته ـ بعد أن أطال الحديث في سنده ـ بقوله : «وأما معناه فهو ما أشرنا إليه من نفي الضرر والمفاسد شرعا ، وهو نفي عام إلا ما خصصه الدليل ، وهذا يقتضي تقديم مقتضى هذا الحديث على جميع أدلة الشرع ، وتخصيصها به في نفي الضرر وتحصيل المصلحة لأنا لو فرضنا أن بعض أدلة الشرع تضمن ضررا ، فإن نفيناه بهذا الحديث كان عملا بالدليلين ، وان لم ننفه به كان تعطيلا لأحدهما وهو هذا الحديث ، ولا شك أن الجمع بين النصوص في العمل بها أولى من تعطيل بعضها» (١).

ويقول : «ثم ان قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ضرر ولا ضرار ، يقتضي رعاية المصالح إثباتا والمفاسد نفيا إذ الضرر هو المفسدة ، فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النّفع الّذي هو المصلحة لأنهما نقيضان لا واسطة بينهما» (٢).

والّذي يرد على هذا الاستدلال :

١ ـ اعتقاده أن نسبة هذا الحديث إلى الأدلة الأولية هي نسبة المخصص مع ان من شرائط المخصص ان يكون أخص مطلقا من العام ليصح تقديمه عليه ، وقد سبق

__________________

(١) رسالة الطوفي : ص ٩٠.

(٢) المصدر السابق : ص ٩١.

٣٧٦

بيان السر في ذلك في بحوث التمهيد وغيرها.

والنسبة هنا بين حديث لا ضرر وأي دليل من الأدلة الأولية هي نسبة العموم من وجه ، فوجوب الوضوء مثلا ، بمقتضى إطلاقه شامل لما كان ضرريا وغير ضرري ، وأدلة لا ضرر شاملة للوضوء الضرري وغير الوضوء ، فالوضوء الضرري مجمع للحكمين معا ، ومقتضى القاعدة التعارض بينهما والتساقط ، ولا وجه لتقديم أحدهما على الآخر لأن نسبة العامين إلى موضع الالتقاء من حيث الظهور نسبة واحدة.

والظاهر أن الطوفي ـ بحاسته الفقهية ـ أدرك تقديم هذا الدليل على الأدلة الأولية وإن لم يدرك السر في ذلك.

والسر هو ما سبق ان ذكرناه من حكومة هذا النوع من الأدلة على الأدلة الأولية لما فيه من شرح وبيان لها ، فكأنه يقول بلسانه ان ما شرع لكم من الأحكام هو مرفوع عنكم إذا كان ضرريا ، فهو ناظر إليها ومضيق لها.

وما دام لسانه لسان شرح وبيان فلا معنى لملاحظة النسبة بينه وبين غيره من الأدلة.

٢ ـ اعتقاده أن بين الضرر والمصلحة نسبة التناقض ، ولذلك رتب على انتفاء أحدهما ثبوت الآخر لاستحالة ارتفاع النقيضين مع ان الضرر معناه لا يتجاوز النقص في المال أو العرض أو البدن وبينه وبين المصلحة واسطة ، فالتاجر الّذي لم يربح في تجارته ولم يخسر فيها لا يتحقق بالنسبة إليه ضرر ولا منفعة ، فهما اذن من قبيل الضدين اللذين لهما ثالث ، ومتى حصلت واسطة بينهما فانتفاء أحدهما لا يستلزم ثبوت الآخر ، وعلى هذا المعنى يبتني ثبوت المباح ، وهو الّذي لا ضرر ولا مصلحة فيه.

وإذن فانتفاء الضرر هنا لا يستلزم ثبوت المصلحة ، ومن هنا قلنا : ان حديث

٣٧٧

لا ضرر رافع للتكليف لا مشرع ، فهو لا يتعرض إلى أكثر من ارتفاع الأحكام الضررية عن موضوعاتها ، اما إثبات أحكام أخر فلا يتعرض لها ، وإنما المرجع فيها إلى أدلتها الأخرى.

وإذا اتضح هذا لم يبق أمام الطوفي ما يصلح للاستدلال به على المصالح المرسلة فضلا عن الغلو فيها.

غلو الطوفي في المصالح المرسلة :

وكان من مظاهر غلو الطوفي فيها تقديمه رعاية المصلحة على النصوص والإجماع ، واستدل على ذلك بوجوه :

«أحدها : ان منكري الإجماع قالوا برعاية المصالح ، فهو إذن محل وفاق ، والإجماع محل خلاف ، والتمسك بما اتفق عليه أولى من التمسك بما اختلف فيه» (١).

ويرد على هذا الاستدلال عدم التفرقة بين رعاية المصلحة وبين الاستصلاح كدليل ، فالأمة ، وإن اتفقت على ان أحكام الشريعة مما تراعى فيها المصالح ، ولكن دليل الاستصلاح موضع خلاف كبير لعدم إيمان الكثير منهم بإمكان إدراك هذه المصالح مجتمعة من غير طريق الشرع ، وقد سبق إيضاح ذلك في مبحث العقل.

فدليل الاستصلاح إذن ليس موضع وفاق ليقدم على الإجماع.

الوجه الثاني : ان النصوص مختلفة متعارضة فهي سبب الخلاف في الأحكام المذموم شرعا ، ورعاية المصالح أمر حقيقي في نفسه لا يختلف فيه ، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعا فكان اتباعه أولى ، وقد قال عزوجل : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(٢) ، (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ

__________________

(١) رسالة الطوفي : ص ١٠٩.

(٢) سورة آل عمران : الآية ١٠٣.

٣٧٨

فِي شَيْءٍ)(١) ، وقال عليه‌السلام : «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (٢) ، وقد قال عزوجل في مدح الاجتماع : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)(٣) ، وقال عليه‌السلام : «كونوا عباد الله إخوانا».

ومن تأمل ما حدث بين أئمة المذاهب من التشاجر والتنافر ، علم صحة ما قلنا ، حتى أن المالكية استقلوا بالمغرب ، والحنفية بالمشرق ، فلا يقار أحد المذهبين أحدا من غيره في بلاده إلا على وجه ما ، وحتى بلغنا أن أهل جيلان من الحنابلة إذا دخل إليهم حنفي قتلوه ، وجعلوا ماله فيئا حكمهم في الكفار ، وحتى بلغنا أن بعض بلاد ما وراء النهر من بلاد الحنفية ، كان فيه مسجد واحد للشافعية وكان والي البلد يخرج كل يوم لصلاة الصبح فيرى ذلك المسجد فيقول : أما آن لهذه الكنيسة أن تغلق؟ فلم يزل كذلك ، حتى أصبح يوما وقد سد باب ذلك المسجد بالطين واللبن فأعجب الوالي ذلك.

ثم ان كلا من اتباع الأئمة ، يفضل إمامه على غيره في تصانيفهم ومحاوراتهم ، حتى رأيت حنفيا صنّف مناقب أبي حنيفة ، فافتخر فيها باتباعه ، كأبي يوسف ومحمد وابن المبارك ونحوهم ، ثم قال : يعرض بباقي المذاهب :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع.

وهذا شبيه بدعوى الجاهلية وغيره كثير ، وحتى ان المالكية يقولون : الشافعي غلام مالك ، والشافعية يقولون : أحمد بن حنبل غلام الشافعي ، والحنابلة يقولون : الشافعي غلام أحمد بن حنبل.

وقد ذكره أبو الحسن القرافي في الطبقات من اتباع أحمد.

والحنفية يقولون : ان الشافعي غلام أبي حنيفة لأنه غلام محمد بن الحسن ،

__________________

(١) سورة الأنعام : الآية ١٥٩.

(٢) صحيح مسلم : كتاب الصلاة ، الحديث : ٦٥٤.

(٣) سورة الأنفال : الآية ٦٣.

٣٧٩

ومحمد غلام أبي حنيفة ، قالوا لو لا أن الشافعي من اتباع أبي حنيفة لما رضينا أن ننصب معه الخلاف. وحتى أن الشافعية يطعنون بان أبا حنيفة من الموالي ، وانه ليس من أئمة الحديث ، وأحوج ذلك الحنفية إلى الطعن في نسب الشافعي وانه ليس قرشيّا بل من موالي قريش ، ولا إماما في الحديث لأن البخاري ومسلما أدركاه ولم يرويا عنه ، مع أنهما لم يدركا إماما إلا رويا عنه ، حتى احتاج الإمام فخر الدين والتميمي في تصنيفيهما مناقب الشافعي إلى الاستدلال على هاشميته ، وحتى جعل كل فريق يروي السنّة في تفضيل إمامه ، فالمالكية رووا : «يوشك أن تضرب أكباد الإبل ولا يوجد أعلم من عالم المدينة». قالوا : وهو مالك ، والشافعية رووا : «الأئمة من قريش ، تعلموا من قريش ولا تعلموها» ، أو «عالم قريش ملأ الأرض علما» ، قالوا : ولم يظهر من قريش بهذه الصفة إلا الشافعي.

والحنفية ، رووا : «يكون في أمتي رجل يقال له النعمان هو سراج أمتي ، ويكون فيهم رجل يقال له محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس».

والحنابلة رووا : «يكون في أمتي رجل يقال له أحمد بن حنبل يسير على سنتي سير الأنبياء» أو كما قال فقد ذهب عني لفظه.

وقد ذكر أبو الفرج الشيرازي في أول كتابه المنهاج : واعلم ان هذه الأحاديث ما بين صحيح لا يدل ، ودال لا يصح. أما الرواية في مالك والشافعي فجيدة لكنها لا تدل على مقصودهم لأن عالم المدينة ان كان اسم جنس فعلماء المدينة كثير ولا اختصاص لمالك دونهم ، وان كان اسم شخص فمن علماء المدينة الفقهاء السبعة وغيرهم من مشايخ مالك الذين أخذ عنهم وكانوا حينئذ أشهر منه ، فلا وجه لتخصيصه بذلك وإنما حمل أصحابه على حمل الحديث عليه كثرة أتباعه وانتشار مذهبه في الأقطار ، وذلك أمارة على ما قالوا ، وكذلك الأئمة من قريش لا اختصاص للشافعي به ، ثم هو محمول على الخلفاء في ذلك ، وقد احتج به أبو بكر

٣٨٠