الأصول العامّة للفقه المقارن

السيّد محمّد تقي الحكيم

الأصول العامّة للفقه المقارن

المؤلف:

السيّد محمّد تقي الحكيم


المحقق: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٩٦

يعتمد على وحدة يحوم من حولها الطرفان.

على أن الّذي يهمنا هنا هو إيمان الأطراف المتنازعة في المسائل الفقهية بهذه القضايا ، وهذا ما لا موضع لخلاف فيه كما يتضح من عرض كلماتهم الآتية في مختلف ما نطرقه من مواضيع ، حتى أن الغزالي ـ وهو ممن عرف بإنكار السببية الطبيعية في الفلسفة ـ لم يعمم إنكارها إلى الفقه وأصوله ، وانما بنى عليها كثيرا من المسائل المهمة في القياس وغيره. وسنرى بعد حين مدى إيمانه بذلك.

وإذا صح هذا عدنا إلى تحديد مفهوم كلمة الحجة لنجعل منها منطلقنا إلى تمييز ما يصلح للاحتجاج به من الأصول والمباني العامة من غيره ، محاولين ان نلتمس مختلف وجهات النّظر في ذلك على أساس من التقييم والموازنة.

(٢)

تعريف الحجة

والّذي يبدو من تتبع موارد استعمال هذه الكلمة لدى الأصوليين وغيرهم ان لهم فيها اصطلاحات متعددة تختلف باختلاف زاوية المصطلح ، فاللغويون يطلقونها على كل ما يصح الاحتجاج به ، أفاد علما بمدلوله أم لم يفد ، شريطة ان يكون مسلما لدى المحتج عليه ليكون ملزما به. يقول الأزهري : «الحجة الوجه الّذي يكون به الظفر عند الخصومة» (١) ولا يتم الظفر ـ بالطبع ـ الا مع الاعتراف الخصم والتزامه بما قامت عليه ، وانما سميت ـ فيما يقول الأزهري ـ : «حجة لأنها تحج أي تقصد ، لأن القصد لها وإليها» (٢). والمرء عادة لا يقصد إلى الشيء الا إذا

__________________

(١) لسان العرب مادة «حجج».

(٢) لسان العرب مادة «حجج».

٢١

وجد فيه ضالته ، والضالة التي ينشدها العقلاء من وراء قصدهم إلى الحجة الشرعية عادة هو التماس المعذرية أو المنجزية ، وهما من اللوازم العقلية التي لا تنفك عن مفهوم الحجة بحال ، كما ان من لوازمها صحة نسبة مدلول ما يحتج به إلى من يحتج عليه بعد فرض التزامه به.

ولتحديد المراد من هذه اللوازم نخصها بشيء من الحديث.

أ ـ المعذرية :

تطلق المعذرية هنا ويراد بها حكم العقل بلزوم قبول اعتذار الإنسان إذا عمل على وفق الحجة الملزمة وأخطأ الواقع ، وليس للآمر معاقبته على ذلك ما دام قد اعتمد على ما أقامه له من الطرق وألزمه بالسير على وفقها ، أو كان ملزما بحكم العقل بالسير عليها ، كما هو الشأن في الحجج الذاتيّة. فالمشرع الّذي يجعل الطريق إلى قوانينه (جريدة الدولة الرسمية) مثلا لا يسوغ له ان يعاقب مواطنيه إذا اعتمدوا عليها في سلوكهم وتبين فيها الخطأ في النقل بسبب من الطباعة أو غيرها ، ولو قدر له ان يعاقب لكان عرضة لكثير من اللوم والتقريع من قبل العقل ، ولكان أيسر ما يقال له : كيف تعاقبه على السير على وفق ما ألزمته بالسير عليه؟ أليس هذا هو الظلم بعينه؟!

ب ـ المنجزية :

ويريدون بها اعتبار ما تقوم عليه الحجة من الأمور الموصلة إلى واقع ما تقوم عليه ، بحيث يسوغ للمشرع ان يعاقب إذا قدر لها إصابة الواقع مع تخلف المكلف عنها ، فليس للمواطن مثلا إذا بلغ ـ بواسطة الجريدة الرسمية ـ بنفاذ قانون ما ان يتخلف عن امتثاله بدعوى عدم حصول العلم بمدلوله لاحتمال الخطأ أو الاشتباه في الطريق ، ومن حق الدولة ان تعاقب وتعتبر عدم الأخذ بما في الجريدة تمردا

٢٢

وعصيانا ، ولا يجديه اعتذاره بان هذه الطريق لم تفدني العلم ، ما دام عالما بجعلها طريقا من قبل دولته أو مشرعه ، ومن هنا صح احتجاج المولى عليه وإلزامه بنتائج تمرده.

ج ـ صحة الاخبار بمدلول الحجة :

ويتفرع على هذا صحة الاخبار عن مؤدى ما قامت عليه الحجة ونسبته لمن صدرت عنه ، لأن صحة الاخبار وليدة اعتبار الطريق موصلة إلى مؤداها. فالمسلم مثلا من حقه ان ينسب إلى الإسلام تبنيه وجوب الوضوء على الكيفية الفلانية ، وحجته في ذلك ظواهر القرآن بعد قيام الدليل القطعي على حجية الظواهر وان لم تفد قطعا بمدلولها. والحجة بهذا المعنى شاملة للعلم ولكل ما ينهى إليه من حيث صحة الاحتجاج وإثبات لوازمه ، سواء كان أمارة أم أصلا ، كما سيتضح ذلك فيما بعد.

الحجة عند المناطقة:

ولكن الحجة عند علماء الميزان لا يراد بها ذلك على إطلاقه ، بل يريدون منها «الوسط الّذي به يحتج لثبوت الأكبر للأصغر من نحو علقة وربط ثبوتي بنحو العلية والمعلولية أو التلازم» (١).

وربما أطلقت على مجموع قضايا القياس مقدمات ونتيجة ، وهي هنا ـ بهذا المعنى الّذي تبناه علماء الميزان ـ لا يصح إطلاقها على القطع ، لأن القطع معلول لها وناشئ عنها ، فهو متأخر عنها رتبة ، ولا يسوغ أخذ المتأخر في المتقدم للزوم الخلف أو الدور.

والقياس الّذي يؤخذ في كبراه القطع الطريقي لا يمكن أن يكون منتجا دائما

__________________

(١) نهاية الأفكار : ٣ ـ ٢٠ تقريرات آغا ضياء العراقي.

٢٣

لكذب هذه الكبرى بداهة ، فقولنا : هذا معلوم الخمرية وكل معلوم الخمرية خمر يجب الاجتناب عنه فمعلوم الخمرية يجب الاجتناب عنه قياس غير منتج لأن قولنا : وكل معلوم الخمرية خمر كاذبة : «إذ معلوم الخمرية يمكن ان يكون خمرا ويمكن ان لا يكون ، ووجوب الاجتناب لم يترتب على معلوم الخمرية بل على الخمر الواقعي ، لأن الكلام في القطع الطريقي ، فلا يكون هناك علقة ثبوتية بين العلم وبين الأكبر ، لا علقة التلازم ولا علقة العلية والمعلولية ، وما لم يكن علقة لا يصح جعله وسطا فلا يكون حجة باصطلاح المنطقي» (١).

الحجة عند الأصوليين

أما الأصوليون فان لهم اصطلاحهم الخاصّ فيها ، فهم يطلقونها على خصوص «الأدلة الشرعية من الطرق والأمارات التي تقع وسطا لإثبات متعلقاتها بحسب الجعل الشرعي ، من دون ان يكون بينها وبين المتعلقات علقة ثبوتية بوجه من الوجوه» (٢).

ومن الواضح عدم الارتباط الواقعي بين نفس الأمارة وما تقوم عليه ، سواء كان موضوعا خارجيا أم حكما شرعيا. أما الموضوع الخارجي فواضح جدا لبداهة عدم الارتباط بين الظن بخمرية شيء وبين الخمر الواقعي ، لا على نحو العلية والمعلولية ولا على نحو التلازم ، لأن الظن بخمرية ماء مثلا لا يكون علة في تحويل ذلك الماء إلى خمر واقعي ، كما أنه لا تلازم واقعا بين هذا الظن وثبوت مؤداه.

واما في الأحكام فأمرها أوضح ، لأن الأحكام انما ترد على موضوعاتها الواقعية لا على ما قام عليه الظن ، إلا على قسم من مباني القائلين بالتصويب.

__________________

(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٤.

(٢) المصدر السابق.

٢٤

وسيأتي الكلام فيها في موضعه ، والظن لا يزيد على كونه واسطة في إثبات متعلقه لا ثبوته.

والظاهر ان منشأ إطلاق كلمة الحجة على القياس عند المناطقة وعلى الطرق الشرعية والأمارات عند الأصوليين هو كونهما من صغريات ما يصح الاحتجاج به عقلا ، وقد ضيقوها تبعا لحاجتهم في الاصطلاح. فالحجية اللغوية اذن أوسع نطاقا منها عند المناطقة والأصوليين لصدقها ـ بحكم ما يتبادر منها على كل ما يصح الاحتجاج به علما كان أو أمارة أو أصلا ـ شريطة ان تتوفر فيه جنبة اعتراف الشارع به وتبنيه من قبله ، باعتباره مشرعا أو سيدا للعقلاء.

وإننا إذ نستعمل كلمة الحجة فيما يأتي من بحوث فإنما نريد بها معناها اللغوي بما له من السعة ، لأنه هو الّذي يتصل بصميم بحوثنا القادمة ما لم ننص على تقييدها بأحد المصطلحات. وبهذا ستكون كلمة الحجة شاملة للعلم والأمارة وغيرهما مما يصح الاحتجاج به.

(٣)

وإطلاق كلمة الحجة على العلم يختلف عن إطلاقها على الأمارة ، لأن إطلاقها على الأول لا يحتاج إلى توسط شيء وإطلاقها على الثاني يحتاج إلى توسط جعل من شارع أو عقل ، وبهذا صحّ تقسيمها إلى قسمين : ذاتية ، ومجعولة.

أ ـ الحجة الذاتيّة :

وهي التي لا تحتاج إلى جعل جاعل وتختص بخصوص (القطع) لأنها من اللوازم العقلية له التي يستحيل تخلفها عنه. وتتضح هذه الملازمة إذا علمنا أن (القطع) ليس هو إلا كشفا للواقع وطريقا له ، وطريقيته من لوازمه الذاتيّة بل هو

٢٥

في رأي بعض أساتذتنا عين الطريق ، لأن القطع لديه ليس هو إلا انكشافا ورؤية للمقطوع «ومن الواضح ان ثبوت الشيء لنفسه ضروري والماهية هي هي بنفسها فلا معنى لتوهم جعل الطريقية» (١) لها.

وإذا ثبت أن العلم عين الطريق أو أن الطريقية من لوازمه الذاتيّة على الأقل كان ثبوت الحجية له من اللوازم العقلية القهرية ، وليس وراء الرؤية الكاملة للشيء ما يلزم بصحة الاحتجاج بما كشفت عنه.

ومن هنا ندرك سر التزامهم بعدم إمكان تصرف الشارع في طريقية العلم أو في حجيته ، لأن الشارع انما يملك التصرف في خصوص مخلوقاته ومجعولاته كمشرع ولا يملك أكثر من ذلك ، وهما بعد اتضاح كون أحدهما ذاتيا والآخر من اللوازم العقلية القهرية ليسا من مجعولاته كمشرع وإن دخلا تحت قبضته كخالق ومكون ، بمعنى أنه قادر على إعمال إرادته التكوينية في إزالة القطع عن القاطع فتزول معه طريقيته وحجيته من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

أما مع وجود القطع وقيامه في نفس القاطع فرفع طريقيته أو رفع حجيته مما ينهي به إلى الخلف ، لبداهة أن رفع الذاتيات أو رفع لوازمها العقلية يستلزم رفع نفس الشيء وهو ينافي فرض بقائه من وجهة تكوينية ، فالزوجية لما كانت من لوازم العدد المزدوج كالأربعة استحال نفيها عن الأربعة تشريعا ، وإذا استحال النفي التشريعي استحال الإثبات كذلك لانتهائه إلى تحصيل الحاصل ، وهو بديهي الاستحالة.

على ان مثل هذا التصرف الشرعي لو فرض إمكانه من تلكم الجهة لثبتت الاستحالة له من جهات أخرى وأهمها :

١ ـ لزوم التناقض إما واقعا واما بنظر القاطع ، لأن التصرف الشرعي بطريقية

__________________

(١) دراسات الأستاذ آية الله الخوئي قدس سرّه : ٥.

٢٦

القطع ينهي إلى ان يكون ما قطع به من الوجوب مثلا غير واجب عليه ، ومعنى ذلك اجتماع الوجوب وعدمه ان صادف قطعه الواقع ، وان لم يصادفه لزم اجتماعهما في نظره لقطعه بوجود الوجوب واقعا وعدم وجوده ، واجتماع القطعين بالنفي والإثبات بالنسبة لشيء واحد محال.

٢ ـ على ان إثبات حجية مثل هذا التصرف بالطريقية أو الحجية ـ لو أمكن ـ فهو مما يحتاج إلى دليل ، فان كان غير القطع احتجنا إلى دليل على حجيته أيضا ، والدليل الثالث على الحجية ان كان غير قطعي احتجنا إلى دليل ، وهكذا إلى ما لا نهاية له. يقول شيخنا النائيني : «طريقية كل شيء لا بد وان تنتهي إلى العلم ، وطريقية العلم لا بد وان تكون ذاتية له لأن كل ما بالغير لا بد وان ينتهي إلى ما بالذات وإلا لزم التسلسل» (١) ومن هنا كان علينا ان نفترض وحدة ينتهي عندها التماس الحجج المجعولة لنقطع السلسلة عن الاستمرار ، وتكون هذه الوحدة مصدرا لجميع الحجج ، وليست هذه الوحدة بالبداهة غير العلم ، فالعلم اذن هو مصدر الحجج وإليه تنتهي ، وكلما لا ينتهي إليه لا يصح الاحتجاج به ولا يكون قاطعا للعذر.

وما دام العلم ذاتيا في طريقيته وعقليا في حجيته والشارع ليس له التصرف فيه رفعا أو وضعا فانه ليس له التصرف أيضا بشيء من أسبابه ، فليس له ان يقول : ان القطع حجة إذا جاء من السبب الفلاني ، وليس بحجة إذا جاء من سبب غيره ، كما نسب إلى الأخباريين ذلك ، حيث منعوا حجية القطع إذا كانت أسبابه عقلية لانتهاء مثل هذا التصرف إلى التصرف في نفس القطع من حيث طريقيته أو حجيته ، وقد قلنا ان هذا التصرف غير ممكن عقلا للأسباب السابقة.

وكما استحال تصرف الشارع بالنسبة إلى الأسباب استحال تصرفه بالنسبة

__________________

(١) فوائد الأصول : ٣ ـ ٣.

٢٧

إلى الأشخاص ـ كأن يقول : ان قطع القطاع ليس بحجة ـ أو بالنسبة إلى الأزمان أو المتعلقات ، كما نسب ذلك إلى البعض لانتهاء كل ذلك إلى التصرف بنفس القطع وهو مستحيل كما مر.

ب ـ الحجة المجعولة :

وهي التي لا تنهض بنفسها في مقام في مقام الاحتجاج ، بل تحتاج إلى من يسندها من شارع أو عقل.

وهي انما تتعلق فيما عدا العلم من الأمارات والأصول إحرازية أو غير إحرازية ، أي فيما ثبتت له الطريقية الناقصة التي لا تكشف عن الواقع الا في حدود مّا ، أو لم تثبت له لعدم كشفه عنه.

وانما احتجنا إلى من يسندها من شارع أو عقل لعدم توفر الطريقية الذاتيّة لها ، لنقصان في كشفها إذا كانت أمارة أو أصلا إحرازيا على قول ، أو لعدم توفر الطريقية لها إذا كانت أصلا غير إحرازي.

ومتى انعدمت الطريقية الذاتيّة انعدم لازمها العقلي وهو صحة الاحتجاج بمضمونها بما له من المعذرية والمنجزية وغيرهما من اللوازم ، ولإثبات تمامية الكشف للأمارة لا بد ان نحتاج إلى من يتبنى تتميم كشفها من شارع أو عقل ، أي نحتاج إلى القطع بإمضاء الشارع لها إذا كان تتميمها قائما لدى العرف أو جعلها من قبله ابتداء ، بناء على ما هو الصحيح من إمكان جعل الطريقية للطرق والأمارات ، أو نحتاج إلى من يجعل الحجية لها بناء على القول الآخر. أما الأصول فاحتياجها إلى سند قطعي يصحح الاحتجاج بها من أوضح الأمور ما دامت لا تملك شيئا من الكشف عن الواقع ، نعم ما كان فيها شيء من الكشف كالاستصحاب وقاعدة الفراغ فحسابه لدى البعض ملحق بالأمارة.

ووجه الحاجة إلى القطع بوجود من يسندها طريقية أو حجية هو قطع سلسلة

٢٨

العلل لما سبق ان قلنا : ان كل ما كانت حجيته بالغير لا بد وان ينتهي إلى ما بالذات ، وإلا لزم التسلسل.

ومع كون الأمارات أو الأصول لا تملك الحجية الذاتيّة بداهة ، فهي محتاجة إلى الانتهاء إلى ما يملكها ، وليس هناك غير القطع بجعل الحجية لها من قبل من بيده أمر وضعها ورفعها.

ولذلك اعتبرنا ان كل حجة لا تنتهي إلى القطع لا تصلح للاحتجاج بها ، وتسميتها حجة من باب التسامح في التعبير.

وأظننا ـ بهذا المقدار من العرض ـ لا نحتاج بعد إلى التماس أدلة على نفي الحجية عن كل ما هو غير قطعي بأمثال قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١). وقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢). وقوله عزوجل : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(٣). وأمثالها من الآيات المرشدة إلى ذلك الحكم العقلي والمؤكدة له.

والّذي يبدو لي أن المسألة ـ بهذه الحدود ـ موضع اتفاق بين العقلاء ، فضلا عن المسلمين ، وان لم تصرح به جميع كلماتهم ، ودليل اتفاقهم أنهم عند ما يريدون ان يؤصلوا أصلا أو يكتشفوا قاعدة لا يكتفون بالعمل بمقتضى مؤداها ، بل يلتمسون لها قبل ذلك سندا قطعيا من شرع أو عقل تحقيقا للجزم بالمعذرية والمنجزية.

وربما تناقشوا في إفادة الدليل للمؤدّى ، وناقشوا بثبوت الجعل الشرعي له ، وقالوا : ان الدليل لا يفيد القطع بذلك ، مما يكشف عن أن القطع هو أساس جميع الحجج عندهم ، يقول الشاطبي ـ وهو يتحدث عن بعض الأدلة غير العلمية ـ : «ان المعنى المناسب الّذي يربط به الحكم الشرعي إذا شهد الشرع في قبوله لا

__________________

(١) سورة الإسراء : الآية ٣٦.

(٢) سورة يونس : الآية ٣٥.

(٣) سورة يونس : الآية ٥٩.

٢٩

خلاف في صحته وأعماله ، وإن شهد الشرع بردّه كان لا سبيل إلى قبوله ، ويكون الحكم الّذي يربط به ويقوم عليه لا سبيل إلى قبوله» (١). ويقول الخضري من المتأخرين : «أما الأصولية ككون الإجماع والقياس وخبر الواحد حجة ، فهذه مسائل أدلّتها قطعية» (٢) ، وقال غيرهما نظير هذا القول مما يكاد يكون صريحا بعدم أخذهم بالدليل ما لم تلتمس له الحجية من الشارع أو العقل الموجبة للقطع بلزوم اتباعها ، وسيأتي ما يؤيد ذلك عند ما نعرض أدلتهم على الأمارات والأصول ومناقشاتهم لهذه الأدلة.

نعم هناك ما يشعر بخلاف ذلك من كلماتهم ، وبخاصة ما ورد منها في تعريف الاجتهاد ، أمثال تعريف الآمدي له : «باستفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النّفس العجز عن المزيد عليه» (٣).

واستدراكهم على من أخذ العلم بالأحكام في تعريفه بأن أكثر الأحكام مما قام عليها دليل ظني ، وأن بعض مقدمات القياس المنطقي إذا كانت ظنية كانت النتيجة تبعا لذلك ظنية ، لأن النتائج تتبع أخس المقدمات ، إلى أمثال ذلك من المناقشات.

وأظن أن هذه المناقشات لا تنافي ما استظهرناه من إطباقهم على اعتبار القطع في كل حجة ، والخلاف بينهم هنا أقرب إلى الخلاف الشكلي.

فالقائلون باعتبار العلم بالأحكام في تعريف الاجتهاد لا يريدون به العلم بالأحكام الواقعية ، وانما يريدون به العلم بالحكم الفعلي وهو أعم من كونه واقعيا أو ظاهريا.

والقائلون باعتبار الظن لا يريدون به الظن بالحكم الفعلي ، وإنما أرادوا به الظن

__________________

(١) الإسلام ومشكلاتنا المعاصرة : ٢٦ نقلا عنه.

(٢) أصول الفقه : ٣٦٦.

(٣) الأحكام : ٣ ـ ١٣٩.

٣٠

بالحكم الواقعي مع قيام الدليل القطعي على اعتباره.

وعلى هذا فالقطع في الحجية لا ينافي الظنّ بالحكم الواقعي ، ولا شك بأن الشارع بعد تبنيه لحجية خبر الواحد مثلا ، وقيام الدليل القطعي عليه ، فانه ينجز ما قام عليه من الأحكام عند من قام لديه ، ويلتمس المعذرية له لو خالف الحكم الواقعي باتباعه له.

ومن هنا يتّضح معنى قولهم : إن العلم مقوم للحجية وان الشك في الحجية كاف للقطع بعدمها ، لأن الشاك في الحجية قاطع بعدم المعذّرية والمؤمّنية لو سلك هذه الطريق المشكوكة ، وكانت لله عليه الحجة البالغة لو ساءله : على أي شيء ارتكزت في سلوكك هذا وخالفت واقع ما أمرت به؟ وكيف نسبت إليّ مع عدم تأكدك مضمون ما شككت بحجيته؟ (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(١).

(٤)

وبهذا فقد تحدد موقفنا مما سنعرضه من المباني العامة والقواعد الأصولية ، أو ما سنعرضه من المسائل الفقهية في هذا المدخل وغيره من كتبنا اللاحقة إن شاء الله تعالى.

فالقطع بالحجية اذن هو أساس جميع الأدلة ، وعلى ركائزه تقوم دعائم الموازنة والتقييم وإصدار الحكم ، فكل دليل أنهى إلى القطع بمؤدّاه ، أو قام دليل قطعي على جعل الطريقية أو جعل الحجية له فهو الملزم للجميع ، وكل ما لا يكون كذلك فهو ليس بدليل.

ولا يكون القطع ملزما للجميع حتى ينتهي الحديث فيه إلى إحدى تلك

__________________

(١) سورة يونس : الآية ٥٩.

٣١

القضايا الأولية أو المسلّمة لدى الطرفين.

والبراعة في الاحتجاج والإلزام انما تكون بمقدار ما يملك صاحبها من إيصال إلى هذه القضايا وإنهاء إليها.

ومع عدم الانتهاء إلى ملزم منها فإن المسألة تتحول إلى مسألة مبنائية لا مجال فيها لفصل أو تقييم ، ويترك لكل من الطرفين حق اختياره لما يشاء ، وبخاصة إذا ادعى لنفسه القطع ، وهو حجة لا تتجاوز نفس القاطع ومن كان ملزما بالرجوع إليه.

وعلى هذا الضوء ، نرجو ان نوفق إلى بحث وتحديد مسائل أصول الفقه المقارن الّذي عقد هذا المدخل لدراستها دراسة مفصلة ، فنعرض إلى أصل أصل ، ونستعرض آراء الأعلام فيه على اختلاف وجهات نظرهم ، ثم نحاول تقييمها على أساس ما قدمناه من أصول الموازنة والتقييم ، ومن الله تعالى نستمد العون والتوفيق.

٣٢

بحوث تمهيديّة

(٣)

أصول الفقه المقارن

* تعريفه

* الفروق بينه وبين القواعد الفقهية

* الفروق بينه وبين أصول الفقه

* موضوعه

* الغاية منه

* الفارق بينه وبين أصول القانون

٣٣
٣٤

(١)

وقبل ان نبدأ هذه الدراسة ، فإن علينا ان نحدد مدلول مفردات هذا التركيب الإضافي (أصول ، الفقه ، المقارن) ليسهل الانطلاق من هذا التحديد إلى التماس تعريفه تعريفا مستوفيا للشرائط المنطقية من حيث الاطراد والانعكاس.

فما ذا يراد بهذه الكلمات؟

١ ـ كلمة الأصول :

وهي جمع ، مفردها أصل ، ومعناها اللغوي : ما يرتكز عليه الشيء ويبنى.

وفي المصطلحات الفقهية والأصولية ذكروا لها معاني وصل بها بعضهم إلى خمسة :

١ ـ ما يقابل الفرع ، فيقال مثلا في باب القياس : الخمر أصل النبيذ ، أي ان حكم النبيذ مستفاد من حكم الخمر.

٢ ـ ما يدل على الرجحان ، فيقال : الحقيقة أصل المجاز ، أي إذا تردد الأمر بين حمل كلام على الحقيقة وحمله على المجاز ، كان الحمل على الحقيقة أرجح.

٣ ـ الدليل ، أي الكاشف عن الشيء والمرشد له.

٤ ـ القاعدة ، أي الركيزة التي يرتكز عليها الشيء كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بني الإسلام على خمسة أصول» (١) أي على خمس قواعد.

٥ ـ ما يجعل لتشخيص بعض الأحكام الظاهرية أو الوظيفة كالاستصحاب أو

__________________

(١) لم نعثر على حديث بهذا اللفظ راجع الأصول من الكافي : ٢ ـ ١٨ ، الحديث رقم ٥. وفيه «خمسة أشياء» وصحيح مسلم : كتاب الإيمان ، الحديث رقم ١٩ ، من دون كلمة «أصول».

٣٥

أصل البراءة.

ولصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود (١) رأي وهو أنها لم تستعمل هنا إلا «بمعناها اللغوي الحقيقي دون نقله إلى استعمال آخر ، إذ مخالفة الأصل لا يصار إليه إلا عند الضرورة ، ولا ضرورة هنا لأن المعنى مستقيم ، واللفظ في الحقيقة وإن كان يشمل البناء الحسي والعقلي ، إلا أن إضافة الأصل للفقه الّذي هو عقلي صرفته عن الابتناء الحسي ، وقصرته على البناء العقلي» (٢).

وما يراه صدر الشريعة لا يخلو عن وجه ، والظاهر أن هذه المعاني وإن تعددت في بدو النّظر في اصطلاح الفقهاء ، إلا أن رجوعها إلى المعنى اللغوي غير بعيد ، ومنشأ التعدد في ألسنتهم اختلاط المفهوم بالمصداق على الكثير ، مما حملهم على دعوى الاشتراك اللفظي بينها.

وإذا كان ولا بد من دعوى التعدد في مفهومها ، فالذي نراه أعلق بالمفهوم الّذي نريد تحديده للعنوان هو كلمة القواعد ، كما سنشير إلى وجه ذلك فيما بعد.

٢ ـ كلمة الفقه :

ولكلمة الفقه أيضا مدلولان : لغوي واصطلاحي. فمدلولها اللغوي الفهم والفطنة ، ولها في الاصطلاح عدة تعاريف رأينا الأنسب منها بعد تكميل بعضها ببعض فيما يتصل بعنواننا هي : مجموع الأحكام الشرعية الفرعية الكلية أو الوظائف المجعولة من قبل الشارع ، أو العقل عند عدمها. وإذا ضممنا هذين المعنيين إلى ما سبق أن حددناه من كلمة المقارن ، اتضح لنا ما نريد من التعريف لعنوان كتابنا هذا.

__________________

(١) راجع : أعلام الزركلي : ٤ : ١٩٧.

(٢) مباحثات الحكم عند الأصوليين : ٩.

٣٦

تعريف أصول الفقه المقارن :

هو : القواعد التي يرتكز عليها قياس استنباط الفقهاء للأحكام الشرعية الفرعية الكلية ، أو الوظائف المجعولة من قبل الشارع أو العقل عند اليأس من تحصيلها من حيث الموازنة والتقييم.

وبالطبع ، لا نريد بالقواعد هنا غير الكبريات التي لو انضمت إليها صغرياتها لأنتجت ذلك الحكم أو الوظيفة ، لأن الكبرى هي التي تصلح ان تكون قاعدة لقياس الاستنباط ، وعليها تبنى نتائجه.

وبهذا ندرك أن تعريف شيخنا النائيني للمسائل الأصولية بأنها «عبارة عن الكبريات التي تقع في طريق استنباط الأحكام الشرعية» (١) من أسدّ التعريفات ، لو لا احتياجه إلى كلمة «الفرعية الكلية» إخراجا للكبريات التي لا تنتج إلا أحكاما جزئية كبعض القواعد الفقهية وضميمة الوظائف إليه ، ليستوعب التعريف مختلف المسائل المعروضة لدى الفقهاء ، وستأتي التفرقة بين الحكم والوظيفة في تمهيدنا اللاحق.

وتلائم هذا التعريف مع ما يتبادر من كلمة أصل بمفهومها اللغوي من أوضح الأمور.

فأصول الفقه اذن : أسسه التي يرتكز عليها وتبنى عليها مسائله على اختلافها.

إطلاق كلمة الأدلة والحجج عليها :

وربما أطلق على هذه القواعد كلمة أدلة باعتبار ما يلزم أقيستها من الدلالة على الأحكام أو الوظائف ـ بحكم كونها واسطة في الإثبات ـ كما يطلق عليها كلمة حجج باعتبار صحة الاحتجاج بها بعد توفر شرائط الحجية لها ، وإطلاق هذه الكلمات عليها بما لها من حدود لا تخلو من تجوّز.

__________________

(١) فوائد الأصول : ٤ ـ ١٠٧.

٣٧

ما يقع موقع الصغرى ليس من الأصول :

وإذا صح ما ذكر من أن ما يصلح ان يسمى (أصلا) للفقه هو خصوص الكبرى المنتجة لأنها هي التي تصلح للارتكاز عليها كقاعدة لبناء الاستنباط ، اتضح السر في عدم تعميمنا في التعريف إلى ما يشمل الصغريات ، سواء ما وقع منها في مجالات استكشاف المراد من النص كمباحث الألفاظ أم غيرها كمباحث الملازمات العقلية ، لوضوح كونها ليست من الأصول التي يرتكز عليها البناء ، وان توقف عليها إنتاج القياس وإعطاؤها الثمرة العملية.

وأظن أن الأعلام الذين وسعوا في التعريف إلى ما يشملها فأبدلوا كلمة الكبريات بكلمة (ما يقع في طرق الاستنباط) أو ما يشبهها ، كان همهم في الدرجة الأولى وضع تعريف لما اعتادوا تسميته بالأصول ، فوقعوا في مفارقات عدم انعكاس تعريفهم لوقوع كثير مما اتفقوا على تسميته بالمبادئ في صميم علم الأصول ، لاشتراكها في الكثير من الأحيان في تنقيح الصغريات لقياس الاستنباط كعلوم اللغة والنحو والبلاغة ، بالإضافة إلى خروجهم على ما توحي به هذه الكلمة من دلالة.

والحق الّذي نعتقده ان بحث ما يتصل بمباحث الألفاظ وغيرها مما يلابس قياس الاستنباط مما اعتادوا بحثه في علم الأصول وان كان على درجة من الضرورة ، لإغفال بحثه على هذا المستوى في مظانه من الكتب الأخرى ، إلا ان تسميته بالأصول لا يتضح لها وجه.

فالأنسب اعتبارها من المبادئ وبحثها على هذا الأساس ، مع تقليص بحثها إلى ما تمس الحاجة إليه من حيث تشخيص دلالاتها اللغوية ، وإقصاء كل ما لا يمت إلى واقعها اللغوي من البحوث الفلسفية وغيرها.

٣٨

(٢)

الفرق بين القواعد الأصولية والفقهية :

والّذي أخاله ان تقييدنا للحكم الشرعي بكلمة (كلي) في التعريف السابق سهّل علينا الانطلاق إلى التمييز بين القواعد الفقهية والأصولية.

وهذه المسألة ـ أعني التفرقة بينهما ـ من أعقد ما بحث في مجالها ، ولم تفصح فيها كثير من كلماتهم وان حامت حول ما نريد بيانه أكثرها ـ فيما نعتقد ـ وأهم ما ينبغي التنبيه عليه من الفروق ثلاثة وهي :

أ ـ كون القاعدة الأصولية لا تنتج إلا حكما كليا أو وظيفة كذلك ، بخلاف القاعدة الفقهية ، فان إنتاجها منحصر على الدوام في الأحكام والوظائف الجزئية التي تتصل اتصالا مباشرا بعمل العامل.

ب ـ إن القاعدة الأصولية لا يتوقف استنتاجها والتعرف عليها على قاعدة فقهية ، بخلاف العكس ، لأن القواعد الفقهية جميعا انما هي وليدة قياس لا تكون كبراه إلا قاعدة أصولية.

ج ـ ان القاعدة الأصولية لا تتصل بعمل العامي مباشرة ولا يهمه معرفتها ، لأن إعمالها ليس من وظائفه وانما هو من وظائف مجتهده ، ولذلك لا نجد أي معنى لإلقائها إليه في مجالات الفتوى ، بخلاف القاعدة الفقهية فإنها هي التي تتصل به اتصالا مباشرا وهي التي تشخص له وظيفته ، فهو ملزم بالتعرف عليها لاستنباط حكمه منها بعد أخذها من مجتهده.

ولعل هذا هو مراد شيخنا النائيني ، وان لم توضحه بعض تقريرات بحثه ، فلا يرد على تفرقته هذه ما ذكر «من أن بعض القواعد الفقهية لا يمكن إلقاؤها إلى العامي ولا يستطيع معرفتها فضلا عن تطبيقها ، وذلك كقاعدة ما لا يضمن ، أو

٣٩

التسامح في أدلة السنن ، أو قاعدة لا ضرر ولا حرج ، بداهة ان المكلف عاجز عن تطبيق هذه القواعد على مواردها» (١).

لأن عجز العامي عن معرفة هذه القواعد بنفسه لا يرفع عنه مسئولية فهمها والاستعانة بمن يوضحها له لتعلقها بصميم عمله ، وليس من وظيفة المجتهد ان يعدد جميع مصاديق هذه القواعد ليمهد للعامي جهة الانتفاع بها فيما لو ابتلي ببعضها ، وإلا لضاق به نطاق الزمان عن استيعابها جميعا ، على أنا نشك ان العامي ـ وبخاصة من قارب درجة الاجتهاد ولم يجتهد بعد ـ عاجز عن تطبيقها متى حددت له جهتها الفقهية وأبرزت له معالمها ، وترك له أمر التماس موضوعاتها وتطبيقها على نفسه.

ولعل أهم ما يمكن أن تؤخذ به التفرقة الأولى ـ وهي العمدة في الفروق ـ ما شوهد من إنتاج بعضها للنتائج الفقهية والأصولية معا ، مما يبعث على الحيرة في التماس مقياس موحد للتفرقة بينهما ، فقد لوحظ مثلا على الاستصحاب وأصل الطهارة انهما ينتجان أحيانا الحكم الكلي ، وأحيانا الأحكام الجزئية ، وبمقتضى ذلك لا يمكن عدهما من المسائل الأصولية ولا الفقهية بذلك المقياس ، وهذا ما حمل البعض على عدم الأخذ به واللجوء إلى التماس مقاييس أخرى.

ولكننا لا نجد في هذه المؤاخذة ما يوجب طرح هذا المقياس ، وليس هناك ما يمنع من اشتراك الموضوع الواحد بين علمين وأكثر إذا تعددت فيه الحيثيات بتعدد العلوم.

فالاستصحاب من حيث إنتاجه للحكم الكلي يكون موضوع مسألة أصولية : ومن حيث إنتاجه للحكم الجزئي يكون موضوع مسألة فقهية ، وتعدد الحيثية يعدد الموضوع حتما. وكذلك القول في أصل الطهارة وغيرها من الموضوعات

__________________

(١) مصابيح الأصول : ١ ـ ١٣.

٤٠