التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

وقال ابن البرّاج : إذا بانت المرأة وله منها ولد طفل لا يعقل ولا يميّز ، كانت هي أولى بحضانته من أبيه ، وإن كان صغيرا وقد ميّز ولم يبلغ وكان ذكرا كانت أمّه أولى به إلى سبع سنين ، وإن كانت أنثى كانت الأمّ أولى بها إلى تسع سنين ، وقيل : إلى بلوغها ما لم تتزوّج (١).

قال العلّامة ـ بعد نقل هذه الأقوال ـ : والوجه ما قاله الشيخ في النهاية. ثمّ أخذ في الاستدلال والبيان (٢).

أمّا على الوجه الآخر ، كان قوله هذا الأخير تكليفا محضا ، بلا تعليل ولا تبرير عقلانيّ رشيد! ومن ثمّ فإنّ الراجح عندنا هو تفسير الآية على الوجه الأوّل اللّائح ، تفسيرا يتوافق مع السياق وفي انسجام كلاميّ بديع!

وقال المحقّق صاحب الشرائع : وأمّا الحضانة ، فالأمّ أحقّ بالولد مدّة الرضاع ، وهي حولان ، ذكرا كان أو أنثى ، فإذا فصل فالوالد أحقّ بالذكر ، والأمّ أحقّ بالأنثى حتّى تبلغ سبع سنين. وقيل :

تسعا. وقيل : الأمّ أحقّ بها ما لم تتزوّج. قال : والأوّل أظهر (أي السبع سنين) ثمّ يكون الأب أحقّ بها. ولو تزوّجت الأمّ سقطت حضانتها عن الذكر والأنثى وكان الأب أحقّ بهما (٣).

قلت : وهذا الّذي رجّحه المحقّق واختاره الشيخ في النهاية ، هو المشهور بين فقهائنا الإمامية.

قال صاحب الجواهر ـ بشأن أحقّيّة الأمّ لحضانة الولد ، ذكرا أو أنثى ، مدّة الرضاع أي الحولين ـ : بلا خلاف معتدّ به أجده فيه. بل في الرياض (٤) : إجماعا ونصّا وفتوى ... وأخذ في الاستدلال عليه بالآية والروايات (٥).

وقال ـ بشأن ما إذا فصل الولد وكان ذكرا فالأب أحقّ به ، وإن كانت أنثى فالأمّ أحقّ بها حتّى

__________________

(١) المهذّب ٢ : ٣٥٢.

(٢) المختلف ٧ : ٣٠٥ ـ ٣٠٧ ، م : ٢١٧.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، (القسم الثاني من أحكام الولادة).

(٤) رياض المسائل ٢ : ١٦٢ ، توابع أحكام النكاح.

(٥) جواهر الكلام ٣١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٦.

٦١

تبلغ سبع سنين ـ : على الأشهر بل المشهور ، بل عن الغنية (١) : الإجماع عليه فيهما. وعن السرائر (٢) في الأوّل. ثمّ أخذ في الاستدلال بلفيف من الروايات (٣).

وهكذا قال ـ فيما لو تزوّجت الأمّ سقطت حضانتها مطلقا ـ : للنصّ والإجماع السابقين (٤). لكن للسيّد العاملي رأي قد يكون أوفق مع النصّ الصحيح :

قال ـ في شرحه على كلام العلّامة ـ : العبارة تضمّنت مسألتين : إحداهما : أنّ الأمّ أحقّ بالولد ـ ذكرا أو أنثى ـ مدّة الرضاع. ونقل عن جدّه الشهيد الثاني في المسالك (٥) : أنّه لا خلاف فيه إذا كانت متبرّعة أو رضيت بما يأخذ غيرها من الأجرة. وقد تقدّم من الأخبار ما يدلّ عليه. وأخذ في مناقشة من قال بالاشتراك ، ثمّ قال : وكيف كان فيجب القطع بأنّ الأمّ أحقّ بالولد مدّة الرضاع ، إذا رضعت الولد.

المسألة الثانية : أنّ الولد إذا فصل كانت الأمّ أحقّ بالبنت إلى سبع سنين ، والأب أحقّ بالابن (بعد الفطام). قال : وهو أحد الأقوال في المسألة ، ذهب إليه الشيخ في النهاية وابن البرّاج وابن حمزة وابن إدريس واختاره المصنّف (العلّامة) رحمه‌الله.

قال السيّد : والمستند فيه ما رواه ابن بابويه في «من لا يحضره الفقيه» (٦) ـ في الصحيح ـ :

[٢ / ٦٨٢٣] عن عبد الله بن جعفر عن أيّوب بن نوح ، قال : كتب إليه بعض أصحابنا : أنّه كانت لي امرأة ، ولي منها ولد وخلّيت سبيلها؟ فكتب عليه‌السلام : «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين ، إلّا أن تشاء» (٧).

قال السيّد : وهذه الرواية أصحّ ما بلغنا في هذا الباب ، ومقتضاها : أنّ الأمّ أحقّ بالولد مطلقا إلى سبع سنين ، من غير فرق بين الذكر والأنثى.

__________________

(١) غنية النزوع ١ : ٣٨٧.

(٢) السرائر ٢ : ٦٥٣. لكنّه ادّعى الإجماع على الحولين في الذكر وعلى السبع في الأنثى ، كما في الغنية.

(٣) جواهر الكلام ٣١ : ٢٩٠ ـ ٢٩٢.

(٤) المصدر : ٢٩٢.

(٥) مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام ٨ : ٤٢١.

(٦) الفقيه ٣ : ٤٣٥ / ٤٥٠٤.

(٧) الوسائل ٢١ : ٤٧٢ / ٦ باب ٨١ (أحكام الأولاد).

٦٢

قال : والعمل بها متّجه. ثمّ أخذ في مناقشة سائر الأقوال ودلائلها.

وأخيرا قال : «والّذي يقتضيه الوقوف مع الرواية الصحيحة ، أنّ الأمّ أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين مطلقا» (١).

ومن عاصرناهم من الفقهاء ذهب أكثريّتهم مذهب صاحب الجواهر ، جاء في تحرير الوسيلة للإمام الخميني (٢) ـ قدس‌سره ـ : «الأمّ أحقّ بحضانة الولد وتربيته وما يتعلّق به من مصلحة مدّة الرضاع أي الحولين ، ذكرا كان أو أنثى. ولا يجوز انتزاعه منها وإن فطمته ـ على الأحوط ـ. فإذا انقضت مدّة الرضاع فالأب أحقّ بالذكر. أمّا الأنثى فالأمّ أحقّ بها حتّى تبلغ سبع سنين».

أمّا سيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي ـ رحمه‌الله ـ فجعل من الأولى إيكال حضانة الولد ـ ذكرا وأنثى ـ إلى الأمّ سبع سنين (٣).

لكنّ الصحيح ما ذهب إليه السيّد العاملي ، وفقا للنصّ الصحيح الصريح في أنّ حضانة الولد مطلقا ـ ذكرا وأنثى ـ حقّ للأمّ ، ولها أن تسقطه ولا تجبر على ذلك.

والتفصيل الّذي جاء في الكلام المشهور لا مستند له ، سوى بعض المحامل ، وهي إلى الجمع التبرّعي أقرب منه إلى الجمع العرفي. فتنبّه.

وإليك ما ذكره صاحب الجواهر في هذا المقام :

[٢ / ٦٨٢٤] جاء في حديث أبي الصباح الكناني : «فإن هي رضيت بذلك الأجر ، فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه» (٤).

[٢ / ٦٨٢٥] وفي حديث داوود بن الحصين : «ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسويّة ، فإذا فطم فالأب أحقّ به من الأمّ» (٥).

قال : وظاهرهما وإن شمل الذكر والأنثى معا ، لكنّ المراد منهما هو الذكر. قال : للجمع بين ما ورد في هذين الخبرين ، وما دلّ على السبع من خبري أيّوب بن نوح : جاء في الأوّل :

__________________

(١) نهاية المرام ـ في تتميم جمع الفائدة والبرهان للمولى الأردبيلي ـ ١ : ٤٦٥ ـ ٤٦٨.

(٢) تحرير الوسيلة ٢ : ٢٧٩ م : ١٦ ، كتاب النكاح ، أحكام الولادة.

(٣) منهاج الصالحين ٢ : ٣٢١ ، م : ٩ ، (أحكام الأولاد).

(٤) الوسائل ٢١ : ٤٧١ / ٢.

(٥) المصدر : ٤٧٠ ـ ٤٧١ / ١.

٦٣

[٢ / ٦٨٢٦] «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين ، إلّا أن تشاء» (١).

وفي الثاني :

[٢ / ٦٨٢٧] «رجل تزوّج امرأة فولدت منه ، ثمّ فارقها ، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب : إذا صار له سبع سنين ، فإن أخذه فله ، وإن تركه فله» (٢).

فحمل هذين الخبرين على إرادة الأنثى.

قال : والشاهد على هذا الجمع ، هو الإجماع المحكيّ ، المؤيّد بالاعتبار ؛ إذ الوالد أنسب بتربية الذكر وتأديبه ، كما أنّ الوالدة أنسب بتربية الأنثى وتأديبها (٣).

هذا ، وقد عرفت أنّ لا إجماع في المسألة سوى ما ادّعاه صاحب الغنية (٤) بل ولا شهرة ، ولا سيّما من القدماء.

أمّا دليل الاعتبار فهو استحسان محض ، وهو أشبه بدلائل أهل القياس.

وعليه فلا محيص عن القول بأنّ حضانة الولد حقّ للأمّ إلى سبع سنين ، مطلقا ذكرا كان الولد أم أنثى ، نظرا لإطلاق النصّ القريب من الصريح.

***

وإليك ما ورد من أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في هذا الباب :

[٢ / ٦٨٢٨] روى محمّد بن يعقوب الكليني عن شيخه أبي عليّ الأشعري عن الحسن بن عليّ بن عبد الله البجلّي عن العبّاس بن عامر بن رباح الثقفي عن داوود بن الحصين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ـ في قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ـ : «ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوّيّة ، فإذا فطم فالأب أحقّ به من الأمّ» (٥).

__________________

(١) برواية الصدوق عن أيّوب بن نوح ؛ الفقيه ٣ : ٤٣٥ / ٤٥٠٤ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧٢ / ٦.

(٢) برواية صاحب السرائر (المستطرفات ٣ : ٥٨١) عن أيّوب بن نوح ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧٢ ـ ٤٧٣ / ٧.

(٣) جواهر الكلام ٣١ : ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٤) وقد تقدّم. راجع : غنية النزوع ١ : ٣٨٧.

(٥) الكافي ٦ : ٤٥ / ٤ ؛ التهذيب ٨ : ١٠٤ / ٣٥٢ ؛ الاستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٣٨ ؛ الفقيه ٣ : ٤٣٤ / ٤٥٠١ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧٠ ـ ٤٧١ / ١ ، باب ٨١.

٦٤

هذا الحديث صحيح الإسناد إلى داوود بن الحصين. أمّا هو فقال الشيخ : إنّه واقفيّ وإن وثّقه النجاشي. وتوقّف العلّامة في العمل بروايته لأجل الوقت.

على أنّ مقتضى هذا الحديث أنّ لا شأن للمرأة في حقّ الحضانة إطلاقا. ولعلّه خلاف الإجماع!

وأيضا فإنّ حقّها في السنتين حينذاك هو حقّ الرضاع. فاشتراك الوالدين في السنتين إنّما باعتبار : أنّ الرضاعة للأمّ ، لا يجوز انتزاع الولد منها إن رضيت برضاعه. أمّا الحضانة وكفالة الولد في شؤونه فهو حقّ الأب.

[٢ / ٦٨٢٩] وعن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن محمّد بن الفضيل عن أبي الصباح إبراهيم بن تميم الكنانيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلّق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتّى تضع حملها ، وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارّها ، إلّا أن يجد من هو أرخص أجرا منها. فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحقّ بابنها حتّى تفطمه» (١).

هذا الحديث كسابقه لم يجعل للأمّ حقّا لحضانة الولد في السنتين سوى حقّ الرضاع ، إن رضيت برضاع الولد ، وإلّا سقط حقّها عن الرضاع أيضا.

فليس في شيء من الحديثين : أنّ للأمّ حقّ حضانة الولد في الحولين.

[٢ / ٦٨٣٠] وروى الصدوق بإسناده عن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «المطلّقة الحبلى ينفق عليها حتّى تضع حملها ، وهي أحقّ بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أخرى». ثمّ استشهد بالآية الكريمة (٢).

[٢ / ٦٨٣١] وعن الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد عن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أبان عن فضل أبي العبّاس البقباق ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل أحقّ بولده أم المرأة؟ قال : لا ، بل

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٥ / ٢ ، و ١٠٣ / ٢ ؛ التهذيب ٨ : ١٠٦ ـ ١٠٧ / ٣٦٠ ، و ١٣٤ / ٤٦٥ ؛ الاستبصار ٣ : ٣٢٠ ـ ٣٢١ / ١١٤١ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧١ / ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٥١٠ / ٤٧٨٨ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٥٥ / ٧.

٦٥

الرجل ؛ فإن قالت المرأة لزوجها الّذي طلّقها : أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من يرضعه فهي أحقّ به» (١).

وهذه الرواية كسابقتها لا تجعل للمرأة حقّا سوى الإرضاع ، إن رضيت بالمقدار المتعارف.

[٢ / ٦٨٣٢] وعن عليّ بن إبراهيم عن عليّ بن محمّد بن شيرة القاساني عن القاسم بن محمّد الإصفهاني عن سليمان بن داوود المنقري عمّن ذكره ، قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يطلّق امرأته وبينهما ولد ، أيّهما أحقّ بالولد؟ قال : المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوّج» (٢).

هذه الرواية مع الغمز في سندها بالإرسال وضعف عليّ بن محمّد بن شيرة ـ على العكس ـ تجعل كلّ الحقّ للمرأة ما لم تتزوّج ، وهي بأن تكون مستندا لقول الصدوق ـ فيما تقدّم ـ أولى.

وهكذا رواها الصدوق بإسناده عن سليمان بن داوود المنقري عن حفص بن غياث أو غيره ـ مردّدا بين معروف ومجهول ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

[٢ / ٦٨٣٣] كما روى صاحب درر اللئالي مرفوعا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الأمّ أحقّ بحضانة ابنها ما لم تتزوّج».

[٢ / ٦٨٣٤] وهكذا روى في من طلّق امرأته وأراد أن يأخذ ولده منها ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطبا للمرأة : «أنت أحقّ به ما لم تنكحي» (٤).

[٢ / ٦٨٣٥] وروى الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الحبلي المطلّقة ينفق عليها حتّى تضع حملها وهي أحقّ بولدها حتّى ترضعه بما تقبله امرأة أخرى» (٥).

وهذه أيضا كالروايات الثلاث الأولى لا ترى حقّا للمرأة سوى الإرضاع.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٤ ـ ٤٥ / ١ ؛ التهذيب ٨ : ١٠٥ / ٣٥٣ ؛ الاستبصار ٣ : ٣٢٠ / ١١٤٠ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧١ / ٣.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥ / ٣ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧١ / ٤.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٣٥ / ٤٥٠٣ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧١ ـ ٤٧٢.

(٤) الدرر ١ : ٤٥٧. مستدرك الوسائل ٢٥ : ١٦٤ / ٥ و ٦ ، باب ٥٨ (أحكام الأولاد).

(٥) الكافي ٦ : ١٠٣ / ٣ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧٢ / ٥.

٦٦

[٢ / ٦٨٣٦] وروى ابن بابويه الصدوق بإسناده الصحيح عن عبد الله بن جعفر عن أيّوب بن نوح ، قال : كتب إليه بعض أصحابه : كانت لي امرأة ولي منها ولد وخلّيت سبيلها؟ فكتب عليه‌السلام : «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين ، إلّا أن تشاء المرأة» (١).

[٢ / ٦٨٣٧] وروى محمّد بن إدريس في مستطرفات سرائره من كتاب «مسائل الرجال» ومكاتباتهم مولانا أبا الحسن عليّ بن محمّد عليه‌السلام بالإسناد إلى أيّوب بن نوح ، قال : كتبت إليه مع بشر بن بشار : «جعلت فداك ، رجل تزوّج امرأة فولدت منه ، ثمّ فارقها ، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب : «إذا صار له سبع سنين ، فإن أخذه فله وإن تركه فله» (٢).

هاتان الصحيحتان هما عمدة الباب ، وعليهما المعتمد في القول بأنّ حضانة الولد ، مطلقا سواء الذكر والأنثى ، حقّ للأمّ إلى سبع سنين ، كما عرفت.

ولا مستند للقول بالتفصيل ـ كما عليه المشهور ـ ولا سائر الأقوال ، والعلم عند الله.

وهنا لصاحب الحدائق اختيار لطيف في القول بالتفصيل :

قال : والأقرب عندي في الجمع بين أخبار المسألة هو أن يقال : إنّه بعد الطلاق إن وقع التشاجر والنزاع بين الأبوين في الحضانة ، فالظاهر أنّ الأب أحقّ به إلّا في مدّة الحولين إذا رضيت بما يرضى به غيرها أو تبرّعت ؛ فإنّها تصير حينئذ أحقّ. وإلى ذلك يشير قوله عليه‌السلام في رواية البقباق (٣) ، بعد أن سأله : «الرجل أحقّ بولده أم المرأة؟ فقال : لا ، بل الرجل».

قال : وإن لم يكن هناك نزاع بينهما فالأمّ أحقّ به إلى السبع ما لم تتزوّج. وعلى ذلك يحمل ما دلّ على السبع على عمومه (٤).

قال : ويؤيّده ما ورد في جملة من الأخبار الدالّة على ما ينبغي أن يفعل بالولد في مبدأ نشوّه وتربيته :

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٣٥ / ٤٥٠٤ ؛ العيّاشي ١ : ١٢١ / ٣٨٥ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧٢ / ٦.

(٢) مستطرفات السرائر ٣ : ٥٨١ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧٣ / ٧.

(٣) رواها الكليني بالإسناد إلى الفضل أبي العبّاس البقباق ، الكافي ٦ : ٤٤ / ١ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧١ / ٣.

(٤) هما صحيحتا أيّوب بن نوح.

٦٧

[٢ / ٦٨٣٨] ففي خبر يونس عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «دع ابنك يلعب سبع سنين ، وألزمه نفسك سبعا ، فإن أفلح وإلّا فإنّه لا خير فيه» (١).

وأردفه بروايات أخرى ، ثمّ قال : فإنّه لا يخفى أنّ السبع الّتي هي مدّة التربية واللعب إنّما يكون عند الأمّ ، لأنّها هي المرّبية له. وإليه يشير قوله : «ثمّ ضمّه إليك وألزمه نفسك» يعني : بعد تلك السبع ، وهو ظاهر في أنّ الأب إنّما يضمّه إلى نفسه وتصير الحضانة له بعد تلك السبع الّتي مضت للولد عند أمّه ، ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى (٢).

***

وأمّا الرواية من جهة سائر أهل الحديث فهي عدّة روايات كالتالي :

[٢ / ٦٨٣٩] أخرج البيهقي بالإسناد إلى أحمد بن محمّد بن عبدوس العنزي عن عثمان بن سعيد الدارمي عن محمود بن خالد الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن أبي عمرو الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد الله بن عمرو : أنّ امرأة أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إنّ ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء. وإنّ أباه طلّقني وأراد أن ينزعه منّي! فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت أحقّ به ما لم تنكحي» (٣).

[٢ / ٦٨٤٠] وأخرج أحمد عن عبد الرزّاق عن المثنّى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى : «إنّ المرأة أحقّ بولدها ما لم تزوّج» (٤).

[٢ / ٦٨٤١] وأخرج النسائي ـ في السنن الكبرى ـ بالإسناد إلى عبد الرزّاق ، قال : حدّثني سفيان الثوري عن عثمان البتّي عن عبد الحميد بن سلمة الأنصاري عن أبيه عن جدّه : «أنّه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ، فجاء ابن صغير لهما لم يبلغ الحلم ، فأجلس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأب ها هنا والأمّ ها هنا ، ثمّ خيّره ـ فقال : اللهمّ اهده ـ فذهب إلى أبيه» (٥).

[٢ / ٦٨٤٢] وأخرج أبو داوود عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جدّه رافع بن سنان : أنّه أسلم

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٦ / ١ ؛ الوسائل ٢١ : ٤٧٣ / ١ ، باب ٨٢.

(٢) الحدائق الناضرة ٥ : ٨٩ ـ ٩٠.

(٣) البيهقي ٨ : ٤ ـ ٥ ؛ أبو داوود ١ : ٥٠٨ / ٢٢٧٦.

(٤) مسند أحمد ٢ : ٢٠٣.

(٥) النسائي ٣ : ٣٨١ / ٥٦٨٩ ، باب ٥٢.

٦٨

وأبت امرأته أن تسلم. فأتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ابنتي وهي فطيم ـ أو شبهه ـ ، وقال رافع : ابنتي. فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقعد ناحية. وقال لها : اقعدي ناحية. قال : وأقعد الصبيّة بينهما ، ثمّ قال : ادعواها ، فمالت الصبيّة إلى أمّها ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ اهدها ، فمالت الصبيّة إلى أبيها ، فأخذها (١).

[٢ / ٦٨٤٣] وأخرج أبو داوود والبيهقي والحاكم بإسنادهم جميعا إلى هلال بن أسامة أنّ أبا ميمونة سليمان ـ مولى من أهل المدينة رجل صدق ـ قال : «بينا أنا جالس مع أبي هريرة ، جاءته امرأة فارسيّة ، معها ابن لها وقد طلّقها زوجها وقد ادّعياه. فقالت : يا أبا هريرة ـ ثمّ رطنت (لم تفصح) ـ فقالت بالفارسيّة : زوجي يريد أن يذهب بابني؟ فقال أبو هريرة : استهما عليه (٢) ورطن لها بذلك فجاء زوجها فقال : من يحاقّني في ولدي؟ فقال أبو هريرة : اللهمّ إنّي لا أقول هذا ، إلّا أنّي سمعت امرأة جاءت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا قاعد عنده فقالت : فداك أبي وأمي ، إنّ زوجي يريد أن يذهب بابني ، وهو يسقيني من بئر أبي عنبة (٤) ، وقد نفعني! فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استهما عليه ، فقال زوجها من يحاقّني في ولدي يا رسول الله؟ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا غلام ، هذا أبوك وهذه أمّك ، فخذ بيد أيّهما شئت. فأخذ الغلام بيد أمّه ، فانطلقت به» (٥).

نقد الفقهاء لهذه الأحاديث

وللفقهاء من سائر المذاهب تريّث عند هذه الأحاديث ، وأكثرها لا تصحّ :

قال ابن حزم ـ بشأن حديث أبي ميمونة عن أبي هريرة ـ : أبو ميمونة هذا مجهول ، ليس هو والد هلال الّذي روى عنه. قال : ثمّ إذا تدبّر لم يكن فيه حجّة ، لأنّه ليس فيه أنّه لو تخيّر أباه قضى له به. وأيضا فنحن لا ننكر تخييره إذا كان أحد الأبوين أرفق به. ولا شكّ في أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا

__________________

(١) أبو داوود ١ : ٤٩٩ / ٢٢٤٤ ، باب ٢٦ (إذا أسلم أحد الأبوين ، مع من يكون الولد؟).

(٢) يقال : استهم القوم إذا تقارعوا.

(٣) بئر أبي عنبة بئر بالمدينة ، عندها عرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه حين سار إلى بدر. النهاية.

(٤) البيهقي ٨ : ٣ ؛ الحاكم ٤ : ٩٧ ؛ والنسائي ٣ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ / ٥٦٩٠ ، كتاب الطلاق ، باب ٥٢ ؛ أبو داوود ١ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩ / ٢٢٧٧.

٦٩

يخيّر بين خير وشرّ ، ولا شكّ في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخيّر إلّا بين خيرين. وكذلك نحن على يقين من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يترك أحدا على اختياره ما هو فساد له في دينه أو في حالته ، فقد يسوء اختيار الصغير لنفسه ويميل إلى الراحة والإهمال ، فلا شكّ في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن كان خيّر الصبيّ فلم ينفذ اختياره إلّا وقد اختار الّذي يجب أن يختار ، لا يجوز غير ذلك أصلا.

ثمّ تعرّض لحديث عبد الحميد الأنصاري عن أبيه عن جدّه حيث إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّر الولد بين أبيه المسلم وأمّه الكافرة.

قال : هذا خبر لم يصحّ قطّ ؛ لأنّ الرواة اختلفوا ، فقال عثمان البتّي : عبد الحميد الأنصاري عن أبيه عن جدّه. وقال مرّة أخرى : عبد الحميد بن يزيد بن سلمة أنّ جده أسلم. وقال ثالثة : عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جدّه. وقال عيسى : عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جدّه رافع بن سنان. وكلّ هؤلاء مجهولون ، ولا يجوز تخيير بين كافر ومسلم أصلا (١).

ثمّ ذكر أقوال السلف وعقّبها بقوله : إنّما أوردنا هذه الأقوال ليوقف على تخادلها وتناقضها وفسادها ، وأنّها استحسانات لا معنى لها ، وليظهر كذب من ادّعى الإجماع في شيء من ذلك! (٢)

***

وقال المارديني الشهير بابن التركماني ـ في شرحه على سنن البيهقي ـ : ذكر فيه حديث عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن رافع بن سنان ، ثمّ قال : رافع جدّ عبد الحميد! قلت : هو جدّ جدّه ، لأنّه عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع.

ثمّ قال : وفي هذا الحديث أشياء : أوّلها : أنّ عبد الحميد متكلّم فيه ؛ كان يحيى القطّان يضعّفه ، وكان الثوري يحمل عليه ويضعّفه ، كذا في الضعفاء لابن الجوزي.

ثانيها : أنّه مضطرب الإسناد والمتن. قال ابن القطّان : ورويت القصّة من طريق عثمان البتّي عن عبد الحميد بن سلمة عن أبيه عن جدّه : أنّ أبويه اختصما فيه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدهما مسلم والآخر كافر ، فخيّره فتوجّه إلى الكافر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ اهده. فتوجّه إلى المؤمن. فقضى له به.

__________________

(١) المحلّى ١٠ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(٢) المصدر : ٣٣١.

٧٠

هكذا ذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل بن إبراهيم ، هو ابن عليّة عن عثمان البتّي. وكذا رواه يعقوب الدورقي عن إسماعيل أيضا.

ورواه يزيد بن زريع عن عثمان البتّي فقال فيه : عبد الحميد بن يزيد بن سلمة أنّ جدّه أسلم وأبت امرأته ، فذكر مثله. رواه عن يزيد بن زريع يحيى بن عبد الحميد الحمّاني من رواية ابن أبي خيثمة عنه. نقلت جميعها من كتاب قاسم بن الأصبغ ، إلّا أنّ هذه القصّة هكذا يحمل المخيّر غلاما وجدّ عبد الحميد بن يزيد بن سلمة. قال ابن القطّان : وعبد الحميد وأبوه وجدّه لا يعرفون. انتهى كلامه.

قال المارديني : وفي مصنّف عبد الرزّاق عن الثوري عن عثمان البتّي عن عبد الحميد الأنصاري عن أبيه عن جدّه : أنّ جدّه أسلم وأبت امرأته أن تسلم ، فجاء بابن له صغير لم يبلغ ، فأحبس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأب ها هنا والأمّ ها هنا ، ثمّ خيّره وقال : اللهمّ اهده ، فذهب إلى أبيه. وكذا في مسند أحمد وسنن النسائي : أنّه جاء بابن صغير. وذكر ابن الجوزي ـ في جامع المسانيد ـ أنّ رواية من روى أنّه كان غلاما أصحّ. وذكر الطحاوي هذا الحديث من وجه آخر وفيه : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لهما : هل لكما أن تخيّراه؟ فقالا : نعم. ففيه أنّ التخيير كان باختيارهما.

ثالثها : أنّ الشافعي وغيره من العلماء لم يقولوا بظاهر هذا الحديث ، فإنّ الفطيم لا يطلق على من بلغ سبعا ، لأنّهم كانوا يفطمون لنحو حولين ، فلا حجّة في الحديث في محلّ النزاع ، وأيضا لا يصحّ إثبات التخيير بهذا الحديث على مذهب الشافعي ، لأنّ التخيير إنّما يكون بين شخصين من أهل الحضانة ، والأمّ ـ هنا ـ ليست من أهل الحضانة عنده ، لأنّها كافرة والأب مسلم ، فكيف يحتجّ البيهقي بحديث لا يقول إمامه بموجبه؟! (١)

__________________

(١) هامش السنن الكبرى ٨ : ٤.

٧١

قال تعالى :

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥) لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧))

وبعد استيفاء التشريع بشأن المطلّقات ، وللآثار المتخلّفة عن الطلاق ، يأخذ في بيان حكم المتوفّى عنها زوجها ، عدّتها ، وخطبتها بعد انقضاء العدّة ، والتعريض بالخطبة في أثنائها.

وكانت المتوفّى عنها زوجها في الجاهليّة تعاني الكثير من العنت من الأهل وقرابة الزوج والمجتمع كلّه ، عادات جاهليّة جافية.

وعند العرب كانت إذا مات زوجها دخلت مكانا رديئا ولبست شرّ ثيابها ولم تمسّ طيبا ولا شيئا مدّة سنة ، ثمّ تخرج فتقوم بعدّة شعائر جاهليّة سخيفة تتّفق مع سخف الجاهليّة ، من أخذ بعرة وقذفها ، ومن ركوب دابّة ؛ حمار أو شاة ، فلمّا جاء الإسلام خفّف عنها هذا العنت ، بل رفعه كلّه عن كاهلها ، ولم يجمع عليها بين فقدان الزوج واضطهاد الأهل بعده ، وإغلاق السبيل في وجهها دون

٧٢

حياة شريفة ، وحياة عائليّة مطمئنّة (١).

جعل عدّتها أربعة أشهر وعشرا ـ ما لم تكن حاملا فعدّتها أن تضع حملها ـ ولا تجرح أهل الزوج في عواطفهم بخروجها لتوّها. وفي أثناء هذه العدّة تلبس ثيابا محتشمة ولا تتزيّن للخطّاب. فأمّا بعد هذه العدّة فلا سبيل لأحد عليها ، سواء من أهلها أو من أهل الزوج ، ولها مطلق حرّيّتها فيما تتّخذه لنفسها من سلوك شريف في حدود «المعروف». فلها أن تأخذ زينتها المباحة ، ولها أن تتلقّى خطبة الخطّاب ، وتتزوّج ممّن ترتضي ، لا تقف في سبيلها عادة بالية ولا كبرياء زائفة. وليس عليها من رقيب إلّا الله (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

هذا شأن المرأة ؛ ثمّ يلتفت السياق إلى الرجال الراغبين فيها في فترة العدّة ، فيوجّههم توجيها قائما على أدب النفس وأدب الاجتماع ، ورعاية المشاعر والعواطف ، مع رعاية الحاجات والمصالح : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ).

نعم كانت المرأة لا تزال معلّقة القلب بذكرى لم تمت ، وبمشاعر أسرة الميّت ، ومرتبطة كذلك بما قد يكون في رحمها حمل لم يتبيّن ، أو حمل تبيّن والعدّة معلّقة بوضعه ، وكلّ هذه الاعتبارات تمنع الحديث عن حياة زوجيّة جديدة ، حيث لم يحن موعده ولأنّه يحرج مشاعر ويخدش ذكريات.

إذن فمع رعاية هذه الاعتبارات فقد أبيح التعريض ـ لا التصريح ـ بخطبتهنّ ؛ أبيحت الإشارة البعيدة الّتي تلمح منها المرأة أنّ هذا الرجل يريدها زوجة بعد انقضاء عدّتها.

[٢ / ٦٨٤٤] وقد روي عن ابن عبّاس : أنّ التعريض مثل أن يقول : إنّي أريد التزويج. وإنّ النساء لمن حاجتي. ولوددت أنّه تيسّرلي امرأة صالحة (٢).

كذلك أبيحت الرغبة المكنونه (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) الّتي لا يصرّح بها لا تصريحا ولا تلميحا ؛ لأنّ الله يعلم أنّ هذه الرغبة لا سلطان لإرادة البشر عليها (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ).

وقد أباحها الله ، لأنّها تتعلّق بميل فطري ، حلال في أصله ، مباح في ذاته ، والملابسات وحدها هي الّتي تدعو إلى تأجيل اتّخاذ الخطوة العمليّة فيه ، والإسلام يلحظ أن لا يحطّم الميول الفطرية إنّما يهذّبها ، ولا يكبت النوازع البشريّة إنّما يضبطها. ومن ثمّ نهى فقط عمّا يخالف نظافة الشعور

__________________

(١) راجع : في ظلال القرآن ١ : ٣٧٣.

(٢) البخاري ٦ : ١٣١.

٧٣

وطهارة الضمير (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) لا نكر فيه ولا فحش ، ولا مخالفة لحدود ما أنزل الله ، والّتي بيّنها في هذا الموقف الدقيق.

(وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ) ما فرض عليهنّ من العدّة (أَجَلَهُ) أي تنقضي العدّة.

قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) ـ ولم يقل : «ولا تعقدوا النكاح» ـ زيادة في التحرّج. فالعزيمة الّتي تنشئ العقدة هي المنهيّ عنها ، نظير : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) مبالغة في التحرّز عنها. الأمر الّذي يوحي بمعنى في غاية اللّطف والدقّة.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ). وهنا يربط بين التشريع والوازع النفسي الباعث على الخشية من الله المطّلع على السرائر ، فللهواجس المستكنّة وللمشاعر المكنونه هنا ـ وفي غيرها من مزالّ ـ الأقدام ـ قيمتها في العلاقات بين رجل وامرأة ، بل بين آحاد الناس على سواء.

ومع ذلك (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) غفور يغفر خطيئة القلب الشاعر بالله ، الحذر من عقوبته. حليم لا يعجل بالعقوبة ، فلعلّ عبده الخاطىء آب ورجع عمّا فرّط في جنب الله.

***

ثمّ يجيء حكم المطلّقة قبل الدخول : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) فالواجب على الزوج في هذه الحالة أن يمتّعها أي يمنحها عطيّة حسبما يستطيع :

(وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ) ـ أي المعوز ـ قدره ، (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) ممّن يحاول الإحسان في حياته.

نعم ولهذا العمل قيمته النفسيّة بجانب كونه نوعا من التعويض ؛ إنّ انفصام هذه العقدة من قبل ابتدائها قد ينشئ جفوة ممضّة في نفس المرأة ، ويجعل الفراق طعنة عداء وخصومة. ولكنّ التمتيع يذهب بهذا الجوّ المكفهرّ ، وينسم فيه نسمات من الودّ والمعذرة ، ولهذا يوصي أن يكون المتاع بالمعروف ، استبقاء للمودّة الإنسانيّة ، وافتراقا بسلام.

أمّا إذا كان الطلاق قبل المساس ، بعد أن فرضتم لهنّ فريضة ، فنصف ما فرضتم. هذا هو القانون. ولكنّ القرآن يدع الأمر بعد ذلك للسماحة والفضل واليسر ، فللزوجة أو وليّها إن كانت صغيرة أن تعفو وتترك ما يفرضه القانون ، والتنازل في هذه الحالة هو تنازل الإنسان الراضي القادر العفوّ السمح ، فيا للقرآن يظلّ يلا حق هذه القلوب كي تصفو وترفّ وتخلو من كلّ شائبة : (وَأَنْ تَعْفُوا

٧٤

أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

نعم يلاحقها باستجاشة شعور التقوى ، ويلاحقها باستجاشة شعور السماحة والتفضّل ، ويلاحقها باستجاشة شعور مراقبة الله ، ليسود التجمّل والتفضّل جوّ هذه العلاقة ، ناجحة كانت أم خائبة. ولتبقي القلوب نقيّة خالصة صافية ، موصولة بالله في كلّ حال.

***

[٢ / ٦٨٤٥] أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) فهذه عدّة المتوفّى عنها زوجها ، إلّا أن تكون حاملا ، فعدّتها أن تضع ما في بطنها (١).

[٢ / ٦٨٤٦] وروى أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما عدّة المتعة إذا مات عنها الّذي تمتّع بها؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، ثمّ قال : «يا زرارة كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة ، وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين ، فالعدّة أربعة أشهر وعشرا».

قال الشيخ : لعدّة المتوفّى عنها زوجها بيان وأحكام ذكرها الأصحاب في محلّها فلتطلب هناك (٢).

[٢ / ٦٨٤٧] وروى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى عبد الله بن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لأيّ علّة صارت عدّة المطلّقة ثلاثة أشهر ، وعدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا؟ قال : لأنّ حرقة المطلّقة تسكن في ثلاثة أشهر ، وحرقة المتوفّى عنها زوجها لا تسكن إلّا بعد أربعة أشهر وعشرا» (٣).

[٢ / ٦٨٤٨] وروى العيّاشي بالإسناد إلى أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لمّا نزلت هذه الآية : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) جئن النساء يخاصمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلن لا نصبر! فقال لهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كانت إحداكنّ إذا مات زوجها

__________________

(١) الطبري ٢ : ٦٩٤ / ٣٩٩٩.

(٢) التهذيب ٨ : ١٥٧ / ٥٤٥ ـ ١٤٤ ، باب عدد النساء ؛ الفقيه ٣ : ٤٦٥ / ٤٦٠٧ ؛ الاستبصار ٣ : ٣٥٠ / ١٢٥٢ ـ ٢.

(٣) نور الثقلين ١ : ٢٢٩ / ٨٩٤ ؛ علل الشرائع ٢ : ٥٠٨ / ٢ ، باب ٢٧٧ ؛ البحار ١٠١ : ١٨٥ / ١٣ ، باب ٨.

٧٥

أخذت بعرة فألقتها خلفها في دويرها في خدرها ، ثمّ قعدت فإذا كان مثل ذلك اليوم من الحول أخذتها ففتّتها ثمّ اكتحلت بها ، ثمّ تزوّجت فوضع الله عنكنّ ثمانية أشهر» (١).

[٢ / ٦٨٤٩] وروى أبو جعفر الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة يتوفّى عنها زوجها وتكون في عدّتها ، أتخرج في حقّ؟ فقال : إنّ بعض نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألته ، فقالت : إنّ فلانة توفّي عنها زوجها فتخرج في حقّ ينوبها؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أفّ لكنّ ؛ قد كنتنّ قبل أن أبعث فيكنّ أنّ المرأة منكنّ إذا توفّي عنها زوجها أخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها ثمّ قالت : لا أمتشط ولا أكتحل ولا أختضب ، حولا كاملا! وإنّما أمرتكنّ بأربعة أشهر وعشرا ثمّ لا تصبرنّ! لا تمتشط ولا تكتحل ولا تختضب ولا تخرج من بيتها نهارا ولا تبيت عن بيتها» ، فقالت : يا رسول الله ، فكيف تصنع إن عرض لها حقّ؟ فقال : «تخرج بعد زوال الشمس وترجع عند المساء ، فتكون لم تبت عن بيتها» ، قال أبو بصير : قلت له : فتحجّ؟ قال : «نعم» (٢).

[٢ / ٦٨٥٠] وأخرج البخاري ومسلم ومالك وعبد الرزّاق وأبو داوود والترمذي والنسائي والطبري والبغوي وغيرهم من طريق حميد بن نافع عن زينب ابنة أبي سلمة : أنّها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة :

قالت زينب : دخلت على أمّ حبيبة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين توفّي أبوها أبو سفيان بن حرب ، فدعت أمّ حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثمّ مسّت بعارضيها ثمّ قالت : والله مالي بالطيب من حاجة ، غير أنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرا».

قالت زينب : فدخلت على زينب ابنة جحش حين توفّي أخوها فدعت بطيب فمسّت منه ، ثمّ قالت : أما والله مالي بالطيب من حاجة غير أنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول على المنبر : «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال إلّا على زوج أربعة أشهر وعشرا».

قالت زينب : وسمعت أمّ سلمة تقول : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله ،

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٢٩ / ٨٩٥ ؛ العيّاشي ١ : ١٤٠ ـ ١٤١ / ٣٨٧ ؛ البرهان ١ : ٤٩٩ / ٤ ؛ البحار ١٠١ : ١٨٨ / ٢٩ ، باب ٨.

(٢) البرهان ١ : ٤٩٩ / ٣ ؛ الكافي ٦ : ١١٧ / ١٣.

٧٦

إنّ ابنتي توفّي عنها زوجها وقد اشتكت عينها ، أفتكحلها؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، مرّتين أو ثلاثا ، كلّ ذلك يقول : «لا». ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكنّ في الجاهليّة ترمى بالبعرة على رأس الحول!».

قال حميد : فقلت لزينب : وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ فقالت زينب : كانت المرأة إذا توفّي عنها زوجها دخلت حفشا (١) ولبست شرّ ثيابها ولم تمسّ طيبا حتّى تمرّ لها سنة ، ثمّ تؤتى بدابّة حمار أو شاة أو طائر فتفتضّ به (٢) ، فقلّما تفتضّ بشيء إلّا مات! ثمّ تخرج فتعطى بعرة فترمي ثمّ تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره.

سئل مالك : ما تفتضّ به؟ قال : تمسح به جلدها! (٣)

قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)

[٢ / ٦٨٥١] قال مجاهد : الحلال الطيّب (٤).

[٢ / ٦٨٥٢] وقال ابن شهاب : في نكاح من يهوينه إذا كان معروفا (٥).

[٢ / ٦٨٥٣] وقال السدّي : هو النكاح (٦).

قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ)

[٢ / ٦٨٥٤] أخرج وكيع والفريابي وعبد الرزّاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد

__________________

(١) الحفش : الدرج ، سفيط صغير تدّخر فيه المرأة طيبها وحليّها. ويطلق على البيت الصغير الحقير الذليل القريب السّمك. سمّي به لضيقه. وهو المراد به هنا. النهاية.

(٢) أي تكسر ما هي فيه من العدّة ، بأن تأخذ طائرا فتمسح به فرجها وتنبذه فلا يكاد يعيش. النهاية.

(٣) البخاري ٦ : ١٨٥ ـ ١٨٦ ، كتاب الطلاق واللفظ له ؛ مسلم ٤ : ٢٠٢ ؛ الموطّأ ٢ : ٥٩٦ ـ ٥٩٨ / ١٠١ و ١٠٢ و ١٠٣ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٧ : ٤٧ ـ ٤٩ / ١٢١٣ ؛ أبو داوود ١ : ٥١٤ ـ ٥١٥ / ٢٢٩٩ ، باب ٤٣ ؛ الترمذي ٢ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤ باب ١٨ / ١٢٠٩ و ١٢١٠ و ١٢١١ ؛ النسائي ٣ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥ / ٥٧٢٧ ، باب ٦٣ ؛ الطبري ٢ : ٦٩٥ / ٤٠٠٤ ـ ٤٠٠٥ ؛ البغوي ١ : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ٢٧٠ ؛ الدرّ ١ : ٦٩٣ ؛ القرطبي ٣ : ١٧٩.

(٤) الطبري ٢ : ٧٠٠ / ٤٠١٧ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٣٨ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٥٥.

(٥) الطبري ٢ : ٧٠٠ / ٤٠١٩.

(٦) المصدر / ٤٠١٨.

٧٧

والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عبّاس في قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) قال : التعريض أن يقول : إنّي أريد التزويج ، وإنّي لأحبّ امرأة من أمرها وأمرها ، وإنّ من شأني النساء لوددت أنّ الله يسّر لي امرأة صالحة ، من غير أن ينصب لها (١).

[٢ / ٦٨٥٥] وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ) قال : يقول : إنّي فيك لراغب ، ولوددت أنّي تزوّجتك حتّى يعلمها أنّه يريد تزويجها ، من غير أن يوجب عقدة أو يعاهدها على عهد (٢).

[٢ / ٦٨٥٦] وعن مجاهد : التعريض هو قول الرجل للمرأة : إنّك لجميلة ، إنّك لحسناء ، إنّك لنافقة (٣) ، إنّك لإلى خير ونحو هذا (٤).

[٢ / ٦٨٥٧] وعن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : كيف يقول الخاطب؟ قال : يعرّض تعريضا ، ولا يبوح بشيء ؛ يقول : إنّ لي حاجة وابشري ، وأنت بحمد الله نافقة ، ولا يبوح بشيء. قال عطاء : وتقول هي : قد أسمع ما تقول ، ولا تعده شيئا ، ولا تقول : لعلّ ذاك (٥).

[٢ / ٦٨٥٨] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) قال : أن يدخل فيسلّم ويهدي إن شاء ولا يتكلّم بشيء (٦). وهكذا روى عن إبراهيم والقاسم بن محمّد.

[٢ / ٦٨٥٩] وقال القاضي أبو محمّد بن عطيّة : ومن أعظمه قربا إلى التصريح قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة بنت قيس : «كوني عند أمّ شريك ولا تسبقيني بنفسك».

ثمّ قال : وقد كره مجاهد أن يقول : لا تسبقيني بنفسك. ورآه من المواعدة سرّا.

__________________

(١) المصنّف لعبد الرزّاق ٧ : ٥٤ / ١٢١٥٤ و ١٢١٥٥ ؛ سنن سعيد بن منصور ٣ : ٨٧٩ / ٣٨٣ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٣ : ٣٦٦ / ١ ، باب ١٢٦ ؛ البخاري ٦ : ١٣١ ، كتاب النكاح ؛ الطبري ٢ : ٧٠١ / ٤٠٢٠ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٣٨ / ٢٣٢٤ ـ ٢٣٢٥ ؛ البيهقي ٧ : ١٧٨ ؛ الدرّ ١ : ٦٩٥.

(٢) الدرّ ١ : ٦٩٥ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٣٨ / ٢٣٢٦ ؛ المصنّف ٣ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨ / ١٥ ، باب ١٢٦.

(٣) النافقة من البضائع : خلاف الكاسدة.

(٤) المصنّف لعبد الرزّاق ٧ : ٥٤ / ١٢١٥٦ ؛ وتفسيره ١ : ٣٥١ / ٢٨٩ ؛ الطبري ٢ : ٧٠٢.

(٥) الطبري ٢ : ٧٠٣ / ٤٠٢٩.

(٦) الدرّ ١ : ٦٩٦ ؛ الطبري ٢ : ٧٠٣ ـ ٧٠٦ / ٤٠٤٠ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٣٩ / ٢٣٢٩ ؛ الثعلبي ٢ : ١٨٦ ، بلفظ : «لا بأس أن يهدي لها ويقوم بشغلها في العدّة إذا كانت من شأنه». البغوي ١ : ٣١٧ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٠٠.

٧٨

قال : ابن عطيّة : وهذا عندي على أن يتأوّل قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة بنت قيس ، أنّه على جهة الرأي لها فيمن يتزوّجها ، لا أنّه أرادها لنفسه (١).

[٢ / ٦٨٦٠] وأخرج عبد الرزّاق عن مجاهد في قوله : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) قال : الّذي يأخذ عليها عهدا أو ميثاقا أن تحبس نفسها ولا تنكح غيره (٢).

وأخرج عن سعيد بن جبير مثله (٣).

[٢ / ٦٨٦١] وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : لا يأخذ ميثاقها ألّا تنكح غيره (٤).

[٢ / ٦٨٦٢] وروى العيّاشي بالإسناد عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال : «المرأة في عدّتها تقول لها قولا جميلا ترغّبها في نفسك ، ولا تقول إنّي أصنع كذا وأصنع كذا القبيح من الأمر في البضع وكلّ أمر قبيح» (٥).

[٢ / ٦٨٦٣] وأخرج البيهقي عن مقاتل بن حيّان قال : بلغنا أنّ معنى : (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) الرفث من الكلام ، أي لا يواجهها الرجل في تعريض الجماع من نفسه (٦).

[٢ / ٦٨٦٤] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى عليّ بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) فقال : «يقول الرجل : أواعدك بيت آل فلان ، يعرّض لها بالرفث ويوقّت ، يقول الله عزوجل : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) والقول المعروف التعريض بالخطبة على وجهها وحلّها (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)». (٧)

__________________

(١) المحرّر الوجيز ١ : ٣٥١ ، القرطبي ٣ : ١٨٨ ـ ١٨٩.

(٢) الدرّ ١ : ٦٩٦ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٥١ / ٢٩٠ ؛ المصنّف ٧ : ٥٥ / ١٢١٦٥ ؛ الطبري ٢ : ٧١٠ / ٤٠٦٥.

(٣) المصنّف ٧ : ٥٦ / ١٢١٦٧.

(٤) الطبري ٢ : ٧٠٤ / ٤٠٣٤ ، وكذا عن عامر ومجاهد وعكرمة ؛ ابن كثير ١ : ٢٩٤ ، عن جماعة منهم الشعبي بلفظ : «هو أن يأخذ ميثاقها أن لا تتزوّج غيره» ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٠١ ، عن الشعبي والسدّي ؛ الثعلبي ٢ : ١٨٧ ، عن الشعبي والسدّي ؛ البيهقي ٧ : ١٧٩.

(٥) نور الثقلين ١ : ٢٣٢ / ٩٠٦ ؛ العيّاشي ١ : ١٤٢ / ٣٩٥ ؛ البرهان ١ : ٥٠٢ / ٩ ؛ الصافي ١ : ٤١٣ ؛ البحار ١٠١ : ١٩٠ / ٣٦ ، باب ٨ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٦٠.

(٦) الدرّ ١ : ٦٩٦ ؛ البيهقي ٧ : ١٧٩.

(٧) نور الثقلين ١ : ٢٣١ / ٩٠٤ ؛ الكافي ٥ : ٤٣٥ / ٣ ؛ البرهان ١ : ٥٠١ / ٣ ؛ الصافي ١ : ٤١٣ ؛ التهذيب ٧ : ٤٧١ / ١٨٨٦ ـ ٩٤ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٦٠.

٧٩

[٢ / ٦٨٦٥] وروي العيّاشي بالإسناد إلى عبد الله بن سنان ، عن أبيه ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) ، قال : «هو طلب الحلال ، (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) ، أليس يقول الرجل للمرأة قبل أن تنقضي عدّتها : موعدك بيت آل فلان ، ثمّ يطلب إليها ألّا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدّتها. قلت : فقوله : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) ، قال : هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله» (١).

[٢ / ٦٨٦٦] وروي الكليني بالإسناد إلى عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) فقال : «السرّ أن يقول الرجل : موعدك بيت آل فلان ، ثمّ يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدّتها. قلت : فقوله : (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال : هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح حتّى يبلغ الكتاب أجله» (٢).

[٢ / ٦٨٦٧] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) قال : لا تنكحوا حتّى يبلغ الكتاب أجله قال : حتّى تنقضي العدّة (٣).

وأخرج عبد الرزّاق وابن شيبة عن مجاهد مثله (٤).

[٢ / ٦٨٦٨] وقال مقاتل بن سليمان : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) يعني ولا تحقّقوا عقدة النكاح يعني لا تواعدوهنّ في العدّة (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) يعني حتّى تنقضي عدّتها ثمّ خوّفهم ، فقال ـ سبحانه ـ : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ) يعني ما في قلوبكم من أمورهنّ (فَاحْذَرُوهُ) أي فاحذروا أن ترتكبوا في العدّة ما لا يحلّ (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ) يعني ذا تجاوز لكم (حَلِيمٌ) لا يعجل بالعقوبة (٥).

__________________

(١) البرهان ١ : ٥٠١ / ٥ ؛ العيّاشي ١ : ١٤٢ / ٣٩١ و ٣٩٤ ؛ البحار ١٠١ : ١٨٩ / ٣٢ و ٣٥ ، باب ٨.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٣ / ٩٠٣ ؛ الكافي ٥ : ٤٣٤ / ٢ ؛ البرهان ١ : ٥٠٠ ـ ٥٠١ / ٢ ؛ الصافي ١ : ٤١٣ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

(٣) الطبري ٢ : ٧١٥ / ٤٠٨٠ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٤١ / ٢٣٤٠ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٧ : ٥٧ / ١٢١٧٢ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٣ : ٤٥٥ / ٢ ، باب ٢٤٤.

(٤) عبد الرزّاق ١ : ٣٥٥ / ٣٠٠.

(٥) تفسير مقاتل ١ : ١٩٩.

٨٠