التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

قال العلّامة الطباطبائي : ليس المراد بالتحميل هنا ، التكليف بما لا يطاق ، إذ لا تكليف ذاتا بما لا يطاق ، حيث قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، فإذن فلا تكليف بغير المستطاع ، حتّى يطلب الإعفاء عنه.

بل المراد : جزاء السيّئات جزاء يحرجهم إحراجا شديدا فوق طاقتهم ، إذ قد يعاقب المؤمن على بعض تفريطاته ولغرض تطهيره ، ببلاء يمكن تحمّله عادة ، كالأمراض والأضرار وبعض الخسائر الماليّة أو النفسيّة ، فهذا ممّا يمكن إطاقته.

أمّا المعاقبة بنزول عذاب صارم أو رجز قائم ، كما في الأمم السابقة ، فهذا ممّا لا يمكن إطاقته وربّما كانت مبيدة ومهلكة إلى حدّ بعيد.

فأمثال هذه العقوبات المحرجة نهائيّا ، ممّا يطلب الإعفاء عنه. وفي الأحاديث : إعفاء هذه الأمّة من أمثال تلك العقوبات المبيدة (١).

***

(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).

العفو : محو السيّئة. والغفران : سترها. ويدخلان جميعا تحت رحمته تعالى الواسعة.

قوله : (أَنْتَ مَوْلانا) تعليل لطيف لاستجابة طلب الرحمة ، حيث لا يرحم العبد إلّا مولاه الكريم.

ومن ثمّ نشط الداعي في دعائه ، فطلب النصرة حيث أعوزته الحجّة ، لو لا أن يمدّه تعالى بالفوز في حجّته على من ناوأه من أهل الكفر والعناد ، (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ)(٢) ، (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٣) بغلبة حجّتهم أبدا. وهذا وعد من الله حتم : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ)(٤)(وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)(٥). وصدق الله العليّ العظيم.

__________________

(١) الميزان ٢ : ٤٧٥ ، بتوضيح وتفصيل.

(٢) محمّد ٤٧ : ١١.

(٣) البقرة ٢ : ٢٥٧.

(٤) غافر ٤٠ : ٥١.

(٥) الصافات ٣٧ : ١٧٣.

٥٤١

وبعد ، فهذا دعاء يصوّر حال المؤمنين مع ربّهم ، وإدراكهم لضعفهم وعجزهم وحاجتهم إلى رحمته وعفوه وغفرانه ، وافتقارهم لمدده وعونه ، واعتمادهم إلى ركنه ، والتجاءهم إلى كنفه. وتجرّدهم من كلّ من عداه ، واستمدادهم النصر منه في غلبة حجّتهم على من نبذوا الحقّ وكفروا بأنعم الله.

كلّ هذه التعابير جاءت في صياغة نغمة وادعة واجفة ، تصوّر بإيقاقاتها وجيب القلب ورفرفة الروح.

نعم ، (خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)(١).

قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)

أي لها نفع ما كسبته من عمل خير. وعليها ضرّ ما اكتسبته من شرّ.

وأضيف الاكتساب إلى الشرّ لبيان أنّ النفس مجبولة على حبّ الخير وكراهة الشرّ ، فعمل الخير أطوع لها وأيسر ، وإنّما تفعل الشرّ بالتكلّف ومزيد عناء ، إذ الميل إلى الخير ممّا أودع في طبع الإنسان ، ولا يحتاج إلى كثير مشقّة في فعله ، بل يجد لذّة في عمله.

وأمّا الشرّ فإنّه يعرض للنفس لأسباب ليست من طبيعتها ولا هي مقتضى فطرتها ، ومن غير أن يخفى عليها ـ حين الارتكاب ـ قبحها وأنّها ممقوتة في نظر الناس ، وأنّها مهينة في قرارة نفوسهم. فكان يعملها في كفاح مع قرارة نفسه ومع مقت الآخرين ، ومن ثمّ كان صعبا عليه وبحاجة إلى تعمّل وارتكاب مشاقّ.

وإلى هذا المعنى أشار سيبويه بقوله : «كسب : أصاب ، واكتسب : تصرّف واجتهد» (٢).

قوله : «أصاب» مطلق ، سواء أصابه بسهولة ويسر ، أم بصعوبة وعناء. أمّا الاكتساب فهي الإصابة بجهد وعناء.

__________________

(١) المطفّفين ٨٣ : ٢٦.

(٢) لسان العرب ١ : ٧١٦ (كسب).

٥٤٢

الفارق بين الكسب والاكتساب

هل هناك فرق بين الكسب والاكتساب؟

قال الواحدي : الصحيح عند أهل اللغة أنّ الكسب والاكتساب واحد لا فرق بينهما ، قال ذو الرمّة :

إلفى أباه بذاك الكسب يكتسب

قال الفخر الرازي : والقرآن أيضا ناطق بذلك : قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)(١). وقال : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها)(٢). وقال : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)(٣). فدلّ هذا على إقامة كلّ واحد من هذين اللفظين مقام الآخر (٤).

وقال الراغب : الكسب ما يتحرّاه الإنسان ممّا فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظّ ككسب المال. وقد يستعمل فيما يظنّ الإنسان أنّه يجلب منفعة ، ثمّ استجلب به مضرّة.

وقد ورد في القرآن في فعل الصالحات والسيّئات. فممّا استعمل في الصالحات قوله : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)(٥).

وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ. أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٦).

قال : وممّا استعمل في السيّئات : (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ ... أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا)(٧). (إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ)(٨). (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)(٩). (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(١٠). (وَلَوْ يُؤاخِذُ

__________________

(١) المدثّر ٧٤ : ٣٨.

(٢) الأنعام ٦ : ١٦٤.

(٣) البقرة ٢ : ٨١.

(٤) التفسير الكبير ٧ : ١٤٢.

(٥) الأنعام ٦ : ١٥٨.

(٦) البقرة ٢ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٧) الأنعام ٦ : ٧٠.

(٨) الأنعام ٦ : ١٢٠.

(٩) البقرة ٢ : ٧٩.

(١٠) التوبة ٩ : ٨٢.

٥٤٣

اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا)(١). (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها)(٢).

قال : وقوله : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ)(٣) ، فمتناول لهما.

قال : والاكتساب قد ورد فيهما ، قال في الصالحات : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)(٤).

قلت : وما ورد في الإثم ، قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ)(٥).

قال : وقوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) ، فقد قيل : خصّ الكسب ها هنا بالصالح ، والاكتساب بالسيّء.

وقيل : عني بالكسب ما يتحرّاه من المكاسب الأخرويّة ، وبالاكتساب ما يتحرّاه من المكاسب الدنيويّة.

وقيل عني بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز ، وبالاكتساب ما يحصّله لنفسه من نفع يجوز تناوله ، فنبّه سبحانه على أنّ ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصّله له ، فله الثواب ، وأنّ ما يحصّله لنفسه ـ وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه ـ فقلّما ينفكّ من أن يكون عليه ، إشارة إلى ما قيل : «من أراد الدنيا فليوطّن نفسه على المصائب» (٦). وقوله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)(٧). ونحو ذلك (٨).

وقال ابن جنّي : قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) عبّر عن الحسنة بكسبت ، وعن السيّئة باكتسبت ، لأنّ معنى «كسب» دون معنى «اكتسب» ، لما فيه من الزيادة ؛ وذلك أنّ كسب الحسنة ، بالإضافة إلى اكتساب السيّئة أمر يسير ومستصغر ، إذا ما قيست الحسنة بالجزاء عليها

__________________

(١) فاطر ٣٥ : ٤٥.

(٢) الأنعام ٦ : ١٦٤.

(٣) البقرة ٢ : ٢٨١.

(٤) النساء ٤ : ٣٢.

(٥) النور ٢٤ : ١١.

(٦) ابن عساكر ١٩ : ٢٠٩. (وفيه : من أحبّ البقاء فليوطّن نفسه على المصائب).

(٧) التغابن ٦٤ : ١٥.

(٨) المفردات : ٤٣٠ ـ ٤٣١.

٥٤٤

أضعافا مضاعفة ، فكانت الحسنة هيّنة الكسب. أمّا السيّئة فحيث كانت تجازى بمثلها ، فقد كبر شأوها وثقل العمل بها ولذلك زيد في لفظ فعل السيّئة دون لفظ فعل الحسنة (١).

***

قلت : لا شكّ أنّ لفظ «اكتسب» يدلّ على زيادة جهد في العمل ، وفقا لقانون «زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني» ومن ثمّ فإنّ لفظ المزيد يكون أخصّ دلالة من لفظ المجرّد ، هذا لا شكّ فيه.

وعليه فلفظ «كسب» أعمّ شمولا من لفظ «اكتسب» كما في «كشف» و «اكتشف».

فالصحيح ما قاله سيبويه : «كسب : أصاب. واكتسب : تصرّف واجتهد» (٢).

أي يقال : كسب ، حيث أريد إصابة الشيء والحصول عليه ، من غير نظر إلى أنّ إصابته له كان عن جهد بذله في سبيله ، أم حصّله بيسر وسهولة ومن غير عناء ، فهو أعمّ موردا في الاستعمال.

ولا يقال : اكتسب ، إلّا حيث أريد إصابة الشيء ببذل جهد وتحمّل عناء ، سواء كان الشيء الّذي يحاول إصابته خيرا أم شرّا ، فإنّ بعض الخير ممّا يتحمّل الصعوبات في سبيل الحصول عليه. كما أنّ بعض الشرّ ممّا يسهل الوصول إليه ، فجاز استعمال كلّ من الكسب والاكتساب ، في كلّ من الموردين ، ولكن كلّا بلحاظ دون لحاظ الآخر.

***

والآية ـ بلا شكّ ـ استعملت الكسب في الخير ، بدليل اللّام. والاكتساب في الشرّ ، بقرينة «على».

إنّما الكلام في حكمة فارق الاستعمال هنا بالذات ، كيف لوحظ الخير سهل الحصول نوعيّا ، والشرّ صعب الوصول أكثريّا؟

فزعم أبو الفتح عثمان بن جنّي (ت : ٣٩٢) أنّ الحسنة إنّما كانت هيّنة الكسب ، بالقياس إلى

__________________

(١) لسان العرب ١ : ٧١٦.

(٢) لسان العرب ١ : ٧١٦.

٥٤٥

مثوبتها المضاعفة ، وأمّا السيّئة فحيث كانت تقابل بالجزاء بمثلها فكانت خطيرة الحصول وبحاجة إلى اعتمال ومزيد عناء.

وذكر أبو القاسم الحسين بن محمّد (الراغب الأصبهاني ت : ٥٠٢) في المفردات :

وقوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) فقد قيل : خصّ الكسب ها هنا بالصالح ، والاكتساب بالسيّء ، وقيل عني بالكسب ما يتحرّاه من المكاسب الأخرويّة ، وبالاكتساب ما يتحرّاه من المكاسب الدنيويّة ، وقيل عني بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز وبالاكتساب ما يحصّله لنفسه من نفع يجوز تناوله ، فنبّه على أنّ ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصّله إليه فله الثواب وأنّ ما يحصّله لنفسه وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه فقلّما ينفكّ من أن يكون عليه ، إشارة إلى ما قيل : «من أراد الدنيا فليوطّن نفسه على المصائب» (١).

وقال جار الله الزمخشري (ت : ٥٢٨) : في الاكتساب اعتمال ، فلمّا كان الشرّ ممّا تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وأمّارة به ، كانت في تحصيله أعمل وأجدّ ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه ، ولمّا لم تكن كذلك في باب الخير ، وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال (٢).

وللمتأخّرين رأي أسدّ في تأويل الآية ، قالوا : إنّ هذا الافتراق يعود إلى طبيعة كلّ من الخير والشرّ ، وموضعهما من فطرة الإنسان المجبولة على حبّ الخير وكراهة الشرّ ، ومن ثمّ كان في تحصيل الخير أميل وفي السعي وراء كسبه أرغب وأنشط ، فلا يثقل عليه ما يبذله من الوسع في طريق الوصول إليه.

أمّا الشرّ ، فحيث كان مستكرها ومرفوضا ذاتا ، كان السعي وراء كسبه أشقّ وأثقل ، لأنّها حركة في اتّجاه ينافر الفطرة وتمجّه النفس في قرارة ذاته.

الفطرة مجبولة على الخير ، والشرّ عارض

اختلف أهل النظر في أنّ الإنسان هل هو خيّر بالطبع أم شرّير بالطبع ، وإلى أيّ الأمرين يكون أميل بفطرته ، مع صرف النظر عمّا يتّفق له في تربيته؟

__________________

(١) المفردات : ٤٣١.

(٢) الكشّاف ١ : ٣٣٢.

٥٤٦

لا شكّ أنّ الميل إلى الخير ممّا أودع في طبع الإنسان ، وأنّه يفعل الخير بطبعه وتكون له فيه لذّة وارتياح نفس ، ولا يحسّ الإنسان إلى تكلّف في فعل الخير ، لأنّه يشعر بأنّ كلّ أحد يرتاح إليه ويراه بعين الرضا.

وأمّا الشرّ فإنّه يعرض للنفس بأسباب ليست من طبيعتها ولا هي مقتضى فطرتها ، ومهما كان الإنسان شرّيرا فإنّه لا يخفى عليه أنّ الشرّ ممقوت وصاحبه مهين.

خذ لذلك مثلا الطفل ، ينشأ على الصدق والأمانة ، ما لم يرى الكبار يتعاطون الكذب والخيانة ، فيتعاطاهما بالتقليد والتأسّي ، ومع ذلك لا ينفكّ يشعر بقبحهما ، حتّى إذا نبذ أحد أمامه بلقب الكاذب والخائن ، أحسّ بمهانة وخزي في الموصوف بهما.

وهكذا شأن الإنسان عند ما يقترف قبيحا ، يشعر في نفسه بقبحه ويجد من أعماق سريرته هاتفا يوبّخه ويحذّره مغبّة عمله ذلك القبيح.

نعم حيث كان الإنسان ينشأ بين منازعات الكون وفواعل الطبيعة وأحيائها ومغالبة أبناء جنسه على المنافع والمرافق ، وقد يدفعه هذا التنازع إلى الأثرة وتوفير المنافع لنفسه خاصّة ، ويلجؤه الظلم إلى الظلم ومقابلة التعدّي بالتعدّي ، فيأتيه تعاطي الشرّ متعلّما إيّاه تعلّما متكلّفا له تكلّفا ، وفي نفسه ذلك الهاتف الفطري ، يقول له : لا تفعل. وهذا هو النبراس الإلهي الّذي لا ينطفئ أبدا.

فإذا رجع الإنسان إلى أصل فطرته لا يرى إلّا الخير ، ولا يميل إلّا إليه. وإذا تأمّل الشرّ الّذي قد يعترض طريقه ، لم يخف عليه أنّه ليس من أصل الفطرة ، وإنّما هو من الطوارئ الّتي تعرض عليها ، لا سيّما من ينشأ بين قوم فسدت فطرتهم ، فيتطبّع تطبّعا على الفساد ، وعلى خلاف ذاته وفطرته ، ومع ذلك فإنّ الفطرة لا تنطفئ رأسا ، وهي الحجّة القائمة مع كلّ نفس وتكون زاجرة ورادعة أبدا ، مهما بلغ في الفساد.

ومنه يعلم وجه قوله تعالى ـ في الخير ـ : كسبت. وفي الشرّ : اكتسبت. وذلك أنّ عمل الخير ـ حيث كان متلائما مع الفطرة ـ كان سهلا وكانت عاقبته حميدة. وعمل الشرّ عسرا ومغبّته ذميمة.

٥٤٧

وقد أوجز الأستاذ عبده الكلام هنا وبتقرير من تلميذه السيّد رشيد رضا ، فراجع (١).

قوله تعالى : (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا)

[٢ / ٨٢٥٦] أخرج ابن أبي شيبة عن قدامة بن عبد الله العامري ، قال حدّثتني حرّة ، قالت : حدّثتني عائشة ، قالت : «دخلت عليّ امرأة من اليهود ، فقالت : إنّ عذاب القبر من البول! قلت : كذبت ، قالت : بلى إنّه ليقرض منه الجلد والثوب! قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا ، فقال : ما هذا؟ فأخبرته ، فقال : صدقت!» (٢).

[٢ / ٨٢٥٧] وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داوود والنسائي وابن ماجة والحاكم عن زيد بن وهب عن عبد الرحمان ابن حسنة ، قال : انطلقت أنا وعمرو بن العاص ، فخرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيده درقة أو شبيه بالدّرقة (٣) ، فاستتر بها فبال وهو جالس! فقلت لصاحبي : ألا ترى كيف يبول كما تبول المرأة؟! فسمعه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ويحك أما علمت أنّ بني إسرائيل كان إذا أصاب أحدهم شيء من البول قرضه بالمقراض. وفي لفظ : كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض».

أخرجه الحاكم وصحّحه على شرط الشيخين ، وأقرّه الحافظ الذهبي على ذلك (٤).

قلت : يا لها من فضيعة فضيحة : ينسب إلى أعظم خلق الله خلقا وأفخمهم عند الله مكرمة ، ما يتحاشاه الأدب الإسلاميّ الرفيع ، ومن الأدب الإسلامي عند الخلاء أن يبتعد المتخلّي عن أعين الناس ويستتر منهم.

وقد عقد البخاري بابا عنوانه : «من الكبائر أن لا يستتر من بوله». وذكر حديثا :

__________________

(١) المنار ٣ : ١٤٦ ـ ١٤٨ ؛ وتابعه على ذلك المراغي ٣ : ٨٥ ـ ٨٦.

(٢) المصنّف ١ : ١٧٤ / ٧ ، باب ١٥١ ؛ النسائي ١ : ٤٠٠ / ١٢٦٨ ، باب ١٢٢.

(٣) الدّرقة : التّرس من جلود ، ليس فيه خشب ولا عقب.

(٤) الدرّ ٢ : ١٣٦ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ١٤٦ / ٣ و ٥ باب ١٥١ ؛ النسائي ١ : ٦٨ / ٢٦ باب ٢٠ ؛ ابن ماجة ١ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ٣٤٦ ، باب ٢٦ ؛ أبو داوود ١ : ١٣ ـ ١٤ / ٢٢ باب ١١ ؛ الحاكم ١ : ١٨٤ ـ ١٨٥ ؛ كنز العمّال ٩ : ٣٤٥ / ٢٦٣٦٧ ؛ مسند أحمد ٥ : ٤٠٢.

٥٤٨

[٢ / ٨٢٥٨] عن مجاهد عن ابن عبّاس ، قال : «مرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقبرة فسمع صوت إنسانين يعذّبان في قبورهما ، فقال النبيّ : يعذّبان ، وما يعذّبان في كبير؟ ثمّ قال : بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة» (١).

[٢ / ٨٢٥٩] وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام فيما وصف به لقمان الحكيم : «... ولم يره أحد من الناس على بول ولا غائط قطّ ...» (٢).

[٢ / ٨٢٦٠] وفي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحاول جهده في الاستتار عند الخلاء (٣).

[٢ / ٨٢٦١] وروى الشهيد الثاني ـ في شرح النفليّة ـ : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ير على بول ولا غائط!» (٤).

وهكذا دأب عليه أئمّة المسلمين والمتأدّبون بالأدب الإسلاميّ من المؤمنين ، أن يتباعدوا عن أعين الناس عند الخلاء ، ويستتروا منهم.

إذن فكيف يا ترى صدور مثل هذا القبيح من مثل صاحب الخلق العظيم!! وحاشاه وحاشاه!! إن هي إلّا نسبة ظالمة بل قبيحة ولئيمة ، إلى حدّ بعيد.

على أنّ جهالة الراوي تقضي بوهن الحديث سندا فضلا عن وهن الدلالة حيث جهالة عبد الرحمان ابن حسنة هذا ، من هو؟

زعم بعضهم أنّه أخو شرحبيل بن حسنة ـ نظرا لاتّحادهما في تسمية الأمّ! ـ لكنّهم لم يذكروا في ترجمة شرحبيل هذا أخا لأمّه باسم عبد الرحمان. نعم ذكروا له أخوين من الأمّ ، هما : جنادة وجابر ابنا سفيان ، كان قد تزوّج بحسنة قديما قبل أن يتزوّجها عبد الله بن المطاع ، والد شرحبيل.

ومن ثمّ أنكر العسكري ـ تبعا لابن أبي خيثمة ـ أن يكون عبد الرحمان هذا أخا شرحبيل. إذن فمن هو؟ مجهول لم يعرف!

__________________

(١) البخاري ١ : ٦٠ ـ ٦١.

(٢) الوسائل ١ : ٣٠٥ / ٢ ، باب استحباب التباعد عن الناس عند التخلّي ، وشدّة التستّر والتحفّظ.

(٣) راجع : البيهقي ١ : ٩٤ ، باب الاستتار عند قضاء الحاجة.

(٤) شرح النفليّة : ١٧.

٥٤٩

هذا وقد تفرّد زيد بن وهب في روايته لهذا الحديث الغريب عن عبد الرحمان ، هذا المجهول. وهكذا ذكر مسلم والأزدي أنّه تفرّد بالرواية عنه.

هذا وبحقّ قال يعقوب بن سفيان : «في حديث زيد بن وهب خلل كثير» (١). نعم خلل كثير وكبير ، وهذا من أكبرها.

***

[٢ / ٨٢٦٢] وهكذا أخرج البخاري وأحمد وابن أبي شيبة والبيهقي عن شعبة عن منصور بن المعتمر عن أبي وائل (شفيق بن سلمة) ، قال : كان أبو موسى الأشعريّ يشدّد في البول ويقول : إنّ بني إسرائيل كان إذا أصاب ثوب أحدهم قرضه! فقال حذيقة : ليته أمسك ، أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سباطة قوم فبال قائما (٢).

[٢ / ٨٢٦٣] وفي مسند أحمد : كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم البول يتبعه بالمقراضين.

وذكر أنّ حذيفة قال : وددت أنّه ـ يعني أبا موسى ـ لا يشدّد ، لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى ، أو قال : مشى إلى سباطة قوم ، فبال قائما.

[٢ / ٨٢٦٤] وفي لفظ آخر : كنت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طريق فتنحّى ، فأتى سباطة قوم ، فتباعدت منه ، فأدناني حتّى صرت قريبا من عقبيه ، فبال قائما ، فدعا بماء فتوضّأ ومسح على خفّيه! (٣).

[٢ / ٨٢٦٥] وكذا أخرج البخاري عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة ، قال : أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سباطة قوم فبال قائما ، ثمّ دعا بماء فجئته بماء فتوضّأ.

[٢ / ٨٢٦٦] وأخرج عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور عن أبي وائل عن حذيفة ، قال : رأيتني أنا والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتماشى ، فأتى سباطة قوم خلف حائط ، فقام كما يقوم أحدكم ، فبال ، فانتبذت منه ، فأشار إليّ فجئته فقمت عند عقبيه حتّى فرغ! (٤).

__________________

(١) راجع : الإصابة لابن حجر ٢ : ١٤٣ ، (حرف الشين). و ٤٢٢ (حرف العين). وتهذيب التهذيب ٣ : ٤٢٧ / ٧٨١.

(٢) البخاري ١ : ٦٦ ، باب البول عند سباطة قوم. والسّباطة : الكناسة : موضع تطرح فيه الزبالة خارج البيوت.

(٣) مسند أحمد ٥ : ٤٠٢ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ١٤٦ / ٥ باب ١٥١ ؛ البيهقي ١ : ١٠١ ـ ١٠٢ ؛ الدرّ ٢ : ١٣٦.

(٤) البخاري ١ : ٦٦ ، باب البول قائما. وباب البول عند صاحبه.

٥٥٠

قلت : هكذا يفترون الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل وعلى صاحبه الجليل حذيفة بن اليمان ـ رضوان الله عليه ـ في نسبة القبيح إلى رسول الله ، وحاشاه من ذلك.

[٢ / ٨٢٦٧] وقد قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بشأنه : «علم وسأل عن المعضلات حتّى عقل عنها» (١). فهو الرجل الواعي النبيه العارف بموضع الرسول من الخلق الكريم.

كيف يمكن نسبة مثل هذا القبيح إلى رسول الله ، وقد طفحت النصوص بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبل قائما قطّ ، ولم يره أحد يبول قائما كأحد الأعراب البوّالين على أعقابهم.

[٢ / ٨٢٦٨] وأخرج البيهقي وغيره من أصحاب المسانيد عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة ، قالت : ما بال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن.

[٢ / ٨٢٦٩] وأيضا عنه قال : سمعت عائشة تقسم بالله : ما رأى أحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبول قائما منذ أنزل عليه القرآن.

[٢ / ٨٢٧٠] وأخرج عن عبد الرزّاق عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الكريم عن نافع عن عبد الله بن عمر ، قال : قال عمر : رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبول قائما! فقال : يا عمر ، لا تبل قائما! قال عمر : فما بلت قائما بعده (٢).

[٢ / ٨٢٧١] وهكذا ذكر ابن بابويه الصدوق : أنّه عليه‌السلام قال : «البول قائما من غير علّة من الجفاء» (٣).

[٨٢٧٢ / ١] وروى القاضي النعمان المغربي ـ في مناهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه نهى أن يبول الرجل قائما (٤).

[٢ / ٨٢٧٣] وروى الشيخ بالإسناد إلى الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن البول قائما؟ قال : «نعم ، ولكنّه يتخوّف عليه أن يلبّس به الشيطان». أي يخبّله (٥).

__________________

(١) كنز العمّال ١٣ : ١٦٠ / ٣٦٤٩٢ ؛ أمالي الصدوق : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ / ٣٣٧ ـ ٩ ، المجلس ٤٣.

(٢) البيهقي ١ : ١٠١ ـ ١٠٢.

(٣) الفقيه ١ : ١٩ / ٥١ ؛ الوسائل ١ : ٣٥٢ / ٣ ، أبواب أحكام الخلوة.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٠٤ ؛ مستدرك الوسائل ١ : ٢٧٦ / ٢ ، باب ٢٤ / ٢ ؛ البحار ٧٧ : ١٩٣ / ٥١ ، باب آداب الخلاء.

(٥) التهذيب ١ : ٣٥٢ / ١٠٤٤ ؛ الوسائل ١ : ٣٥٣ / ٧.

٥٥١

وحاشاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينهى عن خلق ويأتي بمثله.

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (١)

وأخيرا فإنّ أبا وائل هذا كان قد طعن في السنّ وتجاوز المئة وقضى أكثر عمره في خدمة آل أميّة ، مات أيّام عمر بن عبد العزيز (٢) ، وكان مائلا إليهم بعد أن كان حائدا عنهم أيّام نضوج عقله.

قال عاصم بن بهدلة : قيل لأبي وائل : أيّهما أحبّ إليك ، عليّ أو عثمان؟ قال : كان عليّ أحبّ إليّ ثمّ صار عثمان! (٣).

قلت : ولعلّ أمثال هذا الحديث المزري بشأن عميد آل هاشم ، صدر منه أيّام وهن عقليّته وركونه إلى عمد آل أميّة! الأمر الّذي ليس من الظالمين ببعيد!

[٢ / ٨٢٧٤] وهكذا ذكر صاحب كتاب الاحتجاج (٤) حديثا طويلا مشتملا على غرائب ، أرسله عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة أسري به ، دنى بالعلم فتدلّى ، فدلّي له من الجنّة رفرف أخضر وغشّى النور بصره ، فرأى عظمة ربّه ـ عزوجل ـ بفؤاده ، ولم يرها بعينه ، فكان كقاب قوسين بينه وبينها أو أدنى ، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى ، فكان فيما أوحى إليه الآية الّتي في سورة البقرة قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليه‌السلام إلى أن بعث الله تبارك وتعالى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها ، وقبلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرضها على أمّته فقبلوها ، فلمّا رأى الله تبارك

__________________

(١) من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي ، وقبله :

وإذا جريت مع السفيه كما جرى

فكلا كما في جريه مذموم

وإذا عتبت على السفيه ولمته

في مثل ما تأتي فأنت ظلوم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

(٢) تقريب التهذيب ١ : ٣٥٤ / ٩٦.

(٣) تهذيب التهذيب ٤ : ٣٦٢ / ٦٠٩.

(٤) صاحب كتاب الاحتجاج مجهول وكتابه هذا مجموعة مراسيل وروايات لا سند لها وأكثرها غرائب لا يدرى من أين أخذها؟! ومن ثمّ لم يعتمدها أصحاب النقد في الحديث ، إلّا فيما ثبت من دليل خارج.

٥٥٢

وتعالى منهم القبول ، علم أنّهم لا يطيقونها ، فلمّا أن صار إلى ساق العرش كرّر عليه الكلام ليفهمه ، فقال : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) فأجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجيبا عنه وعن أمّته : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فقال ـ جلّ ذكره ـ : لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمّا إذا ما فعلت ذلك بنا (غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) يعني المرجع في الآخرة. فأجابه الله ـ جلّ ثناؤه ـ : وقد فعلت ذلك بك وبأمّتك. ثمّ قال ـ عزوجل ـ : أمّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها ، وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها ، وقبلتها أمّتك ، فحقّ عليّ أن أرفعها عن أمّتك ، وقال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ) من خير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من شرّ.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا سمع ذلك : أمّا إذا فعلت ذلك بي وبأمّتي فزدني! قال : سل ، قال : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) قال الله ـ عزوجل ـ : لست أؤاخذك بالنسيان والخطأ لكرامتك عليّ ، وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن أمّتك. وكانت الأمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه ، وقد رفعت ذلك عن أمّتك لكرامتك عليّ.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أعطيتني ذلك فزدني! فقال الله ـ تعالى ـ له : سل. قال : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) يعني بالإصر : الشدائد الّتي كانت على من كان قبلنا ، فأجابه الله إلى ذلك ، فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أمّتك الآصار الّتي كانت على الأمم السالفة ؛ كنت لا أقبل صلاتهم إلّا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلّها لأمّتك مسجدا وطهورا. فهذه من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك ، فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة ، قرّضوه من أجسادهم!! وقد جعلت الماء لأمّتك طهورا فهذا من الآصار الّتي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا ، وقد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ، ومن لم

٥٥٣

أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا ، وقد رفعت ذلك عن أمّتك ، وهي من الآصار الّتي كانت على الأمم قبلك.

وكانت الأمم السالفة صلاتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد الّتي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمّتك وفرضت عليهم صلواتهم في أطراف الليل والنهار ، وفي أوقات نشاطهم.

وكانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا وهي من الآصار الّتي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمّتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات ، وهي إحدى وخمسون ركعة ، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة ، وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيّئتهم بسيّئة ، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمّتك وجعلت الحسنة بعشر والسيّئة بواحدة.

وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة ثمّ لم يعملها لم تكتب له ، وإن عملها كتبت له حسنة ، وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشرا ، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك ، وكانت الأمم السالفة إذا همّ أحدهم بسيّئة فلم يعملها لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيّئة ، وإنّ أمّتك إذا همّ أحدهم بسيّئة ثمّ لم يعملها كتبت له حسنة ، وهذه من الآصار الّتي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمّتك.

وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم ، وجعلت توبتهم من الذنوب أن حرّمت عليهم بعد التوبة أحبّ الطعام إليهم ، وقد رفعت ذلك عن أمّتك ، وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم ، وجعلت عليهم ستورا كثيفة وقبلت توبتهم بلا عقوبة ، ولا أعاقبهم بأن أحرّم عليهم أحبّ الطعام إليهم ، وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم من الذنب الواحد مئة سنة أو ثمانين سنة أو خمسين سنة ثمّ لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة ، وهي من الآصار الّتي كانت عليهم فرفعتها عن أمّتك ، وأنّ الرجل من أمّتك ليذنب عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة أو مئة سنة ثمّ يتوب ويندم طرفة عين فأغفر ذلك كلّه.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أعطيتني ذلك فزدني! قال : سل. قال : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) قال ـ تبارك اسمه ـ : قد فعلت ذلك بأمّتك وقد رفعت عنهم عظم بلايا الأمم ، وذلك حكمي في

٥٥٤

جميع الأمم : «أن لا أكلّف خلقا فوق طاقتهم» (١).

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا) قال الله ـ عزوجل ـ : قد فعلت ذلك بتائبي أمّتك. ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ، قال الله ـ جلّ اسمه ـ : إنّ أمّتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود ، وهم القادرون ، وهم القاهرون ، يستخدمون ولا يستخدمون لكرامتك عليّ ، وحقّ عليّ أن أظهر دينك على الأديان ، حتّى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلّا دينك ، أو يؤدّون إلى أهل دينك الجزية! (٢).

قوله تعالى : (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ)

فسّرناه بتكاليف شاقّة ، عقوبة على ما كان قد يفرط من أمّة تساهلا بأمر الدين. ولكن هناك بعض تفاسير قد تبدو غريبة.

[٢ / ٨٢٧٥] فقد روى أبو إسحاق الثعلبي عن أبي القاسم عبد الله بن يحيى بن عبيد ، قال : سمعت أبا القاسم عبد الله بن أحمد ، قال : سمعت محمّد بن عبد الوهاب ـ في قوله تعالى : (وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ـ قال : يعني العشق (٣).

[٢ / ٨٢٧٦] وعن إبراهيم ، قال : هو الحبّ (٤).

[٢ / ٨٢٧٧] وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول : (ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) قال : العزبة والغلمة والإنعاظ (٥).

__________________

(١) هذا هو المعقول والموافق للحكمة الرشيدة ، الأمر الّذي يتنافى وجميع ما ورد في هذا الحديث الطريف.

(٢) الاحتجاج ١ : ٣٢٨ ـ ٣٣٠.

(٣) الثعلبي ٢ : ٣٠٨ ؛ البغوي ١ : ٤٠٤ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٥٩.

(٤) البغوي ١ : ٤٠٤ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٥٩.

(٥) الدرّ ٢ : ١٣٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٨١ / ٣١٠٥ ـ ٣١٠٦ ؛ ابن كثير ١ : ٣٥١ ؛ البغوي ١ : ٤٠٤. والعزبة : عدم التزوّج. والأعزب : غير المتزوّج. والغلمة : هيجان الشهوة. واغتلم : هاجت شهوته. والإنعاظ : الشبق. وأنعظت المرأة : شبقت وهاجت شهوتها للجماع. وأنعظ الذكر : قام وانتشر.

قال الفرزدق :

كتبت إليّ تستهدي الجواري

لقد أنعظت من بلد بعيد

٥٥٥

[٢ / ٨٢٧٨] وأخرج ابن جرير عن سلام بن سابور : (ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) قال : الغلمة (١).

حديث الرفع

[٢ / ٨٢٧٩] روى أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني بالإسناد إلى عمرو بن مروان ، قال : سمعت الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي أربع خصال : خطاؤها ، ونسيانها ، وما أكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا. وذلك قوله الله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) وقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)(٢)» (٣).

[٢ / ٨٢٨٠] وأخرج ابن ماجة عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تجاوز لي عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (٤).

[٢ / ٨٢٨١] وأخرج ابن ماجة وابن المنذر وابن حبّان والطبراني والدار قطني والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله وضع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (٥).

[٢ / ٨٢٨٢] وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر الهذليّ عن شهر عن أمّ الدرداء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله تجاوز لأمّتي عن ثلاث : عن الخطأ والنسيان والاستكراه». قال أبو بكر : فذكرت ذلك الحسن ، فقال : أجل ، أما تقرأ بذلك قرآنا : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا)؟ (٦).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٣٦ ؛ الطبري ٣ : ٢١٤ / ٥١٢٢ ؛ القرطبي ٣ : ٤٣٣ ، وزاد : وحكاه النقّاش عن مجاهد وعطاء ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٥٨.

(٢) النحل ١٦ : ١٠٦.

(٣) الكافي ٢ : ٤٦٢ ـ ٤٦٣ / ١ ؛ البحار ٥ : ٣٠٦ / ٢٧ ، باب ١٤ ؛ العيّاشي ١ : ١٨٠ ـ ١٨١ / ٥٣٥.

(٤) الدرّ ٢ : ١٣٤ ؛ ابن ماجة ١ : ٦٥٩ / ٢٠٤٣ ، باب ١٦ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٥٥ / ٣٤٤٥٨.

(٥) الدرّ ٢ : ١٣٤ ؛ ابن ماجة ١ : ٦٥٩ / ٢٠٤٥ ، باب ١٦ ؛ ابن حبّان ١٦ : ٢٠٢ / ٧٢١٩ ؛ الكبير ١١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ١١٢٧٤ ؛ سنن الدار قطني ٤ : ١٧٠ / ٣٣ ؛ الحاكم ٢ : ١٩٨ ، كتاب الطلاق ؛ البيهقي ١٠ : ٦١ ، كتاب الإيمان ؛ ابن كثير ١ : ٣٥٠.

(٦) الدرّ ٢ : ١٣٤ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧٩ / ٣٠٩٢ ؛ ابن كثير ١ : ٣٥٠.

٥٥٦

وهكذا روي عن قتادة وعقبة بن عامر وثوبان وأبي بكرة وابن عمر والحسن والشعبي (١).

فضل خاتمة سورة البقرة

[٢ / ٨٢٨٣] روى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل ، قال : «قال لي الله تعالى : وأعطيت لك ولأمّتك كنزا من كنوز عرشي ، فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة» (٢).

[٢ / ٨٢٨٤] وروى بالإسناد إلى عمرو بن جميع رفعه إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ أربع آيات من أوّل البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها ، وثلاث آيات من آخرها ، لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه ، ولم يقربه شيطان ولا ينسى القرآن!» (٣).

[٢ / ٨٢٨٥] وأخرج عبد الرزّاق عن معمر ، وعمّن سمع الحسن يقول : كان ممّا منّ الله تبارك وتعالى على نبيّه أنّه قال : وأعطيتك خواتم سورة البقرة ، وهي من كنوز عرشي (٤).

[٢ / ٨٢٨٦] وأخرج الفريابي وأبو عبيد والطبراني ومحمّد بن نصر عن ابن مسعود قال : أنزلت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش (٥).

[٢ / ٨٢٨٧] وأخرج الحاكم وصحّحه والبيهقي في الشعب عن أبي ذرّ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الّذي تحت العرش ، فتعلّموهما وعلّموهما نساءكم

__________________

(١) عبد الرزّاق ١ : ٣٧٨ ؛ الطبري ٣ : ٢١٠ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠٧ ؛ الدرّ ٢ : ١٣٥ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٤٠٩ ـ ٤١٠ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٧٤ ، و ٤ : ٢٣٣ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٥٧ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٢٥٠ ؛ الأوسط ٨ : ١٦١ / ٨٢٧٣ ؛ البغوي ١ : ٤٠٣ ؛ القرطبي ٣ : ٤٣١ ـ ٤٣٢ ؛ ابن كثير ٣ : ٤٧٦ ؛ الكبير ٢ : ٩٧ / ١٤٣٠.

(٢) الخصال ٢ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦ ، باب العشرة (أسماء النبيّ) ؛ معاني الأخبار : ٥١ / ١ ، باب معاني أسماء النبيّ ؛ علل الشرائع ١ : ١٢٨ / ٣ ، باب ١٠٦ ؛ البحار ١٦ : ٩٣ / ٢٧ ، باب ٦ ؛ نور الثقلين ١ : ٣٠٨ / ١٢٢٩ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٨٤ ـ ٤٨٥.

(٣) نور الثقلين ١ : ٣٠٨ ؛ ثواب الأعمال : ١٠٤ ، وفيه : «ولا يقربه» بدل «ولم يقربه» ؛ الكافي ٢ : ٦٢١ / ٥ ، كتاب فضل القرآن ، باب فضل القرآن ؛ العيّاشي ١ : ٤٣ ـ ٤٤ / ٣ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٥ / ٩ ، باب ٣٠ ؛ الصافي ١ : ٤٩٧ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٨٤ ؛ البرهان ١ : ٥٣٩ ـ ٥٤٠ / ١ ؛ نور الثقلين ١ : ٢٦ / ٢.

(٤) عبد الرزّاق ١ : ٣٧٩ / ٣٧١.

(٥) الدرّ ٢ : ١٣٨ ؛ فضائل القرآن : ١٢٤ / ٢٠ ـ ٣٤ ؛ الكبير ٩ : ٢١١ / ٩٠٢٩.

٥٥٧

وأبناءكم ، فإنّهما صلاة وقرآن ودعاء» (١).

[٢ / ٨٢٨٨] وأخرج أحمد والنسائي والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن حذيفة : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطها نبيّ قبلي» (٢).

[٢ / ٨٢٨٩] وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وأحمد والدارمي والبخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن الضريس والبيهقي في سننه عن أبي مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» (٣).

[٢ / ٨٢٩٠] وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه عن ابن مسعود قال : من قرأ الثلاث الأواخر من سورة البقرة فقد أكثر وأطاب (٤).

[٢ / ٨٢٩١] وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : لمّا نزلت هذه الآيات : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) فكلّما قالها جبرئيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال النبيّ : «آمين ربّ العالمين» (٥).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٣٨ ؛ الحاكم ١ : ٥٦٢ ، كتاب فضائل القرآن ، وفيه : .. فتعلّموهنّ وعلّموهنّ ... فإنّها صلاة ... ؛ الشعب ٢ : ٤٦١ / ٢٤٠٣ ـ ٢٤٠٤ ، وفيه : .. فتعلّموهنّ وعلّموهنّ ... ، وقريب منه ما رواه أحمد في المسند ٥ : ١٥١ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩.

(٢) الدرّ ٢ : ١٣٨ ؛ مسند أحمد ٥ : ٣٨٣ ؛ النسائي ٥ : ١٥ / ٨٠٢٢ الكبير ٣ : ١٦٩ / ٣٠٢٥ ، وليس فيه قوله : «لم يعطها نبيّ قبلي» ؛ الشعب ٢ : ٤٦٠ / ٢٣٩٩ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦٢ / ٢٥٢٩ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١٢ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٩ ؛ القرطبي ٣ : ٤٣٤.

(٣) الدرّ ٢ : ١٣٧ ؛ فضائل القرآن : ١٢٥ / ٢٦ ـ ٣٤ ؛ سنن سعيد ٣ : ١٠١١ / ٤٧٦ ، وقال : سنده صحيح ؛ مسند أحمد ٤ : ١١٨ و ١٢١ ؛ الدارمي ١ : ٣٤٩ ؛ البخاري ٥ : ١٧ ـ ١٨ ، كتاب المغازي ، و ٦ : ١٠٤ ، كتاب فضائل القرآن ؛ مسلم ٢ : ١٩٨ ؛ أبو داوود ١ : ٣١٥ / ١٣٩٧ ، باب ٣٢٦ ؛ الترمذي ٤ : ٢٣٤ / ٣٠٤٣ ؛ النسائي ٥ : ١٠ / ٨٠٠٥ ، باب ١٢ ؛ ابن ماجة ١ : ٤٣٦ / ١٣٦٩ ، باب ١٨٣ ؛ البيهقي ٣ : ٢٠ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٨ ؛ القرطبي ٣ : ٤٣٣ ؛ البغوي ١ : ٤٠٥ / ٣٥٦ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٨٠ / ٣٧٣ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢٣١ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠٣ / ٢١٤.

(٤) الدرّ ٢ : ١٣٩ ؛ الكبير ٩ : ١٣٦ / ٨٦٧٢ ، وفيه : «أطيب» بدل قوله : «أطاب» ؛ مجمع الزوائد ٢ : ٢٧٠ ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير وفيه يحيى بن عمرو بن سلمة ولم أجد من ترجمه وبقيّة رجاله رجال الصحيح.

(٥) الدرّ ٢ : ١٣٧.

٥٥٨

[٢ / ٨٢٩٢] وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ، أنّه كان إذا قرأ آخر البقرة قال : يا لك نعمة ، يا لك نعمة (١).

__________________

(١) المصدر : ١٣٩.

(٢) هذا كان آخر ما سطّره يراع العلّامة ، الفطحل ، سماحة آية الله الشيخ محمد هادي معرفة ، الّذي أنفق القسط الأكبر من عمره الشريف في الدراسات القرآنيّة ، وقد كان نتاجه غزيرا نوعيّا يغبطه عليه من اطّلع عليه.

وهذا العمل الّذي بين يدي القارىء الكريم أولى انجازات مشروع ضخم جبّار يراه النور في خمسة وأربعين جزءا ليملأ فراغا ملحّا في مكتبتنا الإسلاميّة. وما ينبغي التنبيه عليه هو أنّ المشروع قد أنجز بإشراف مباشر منه ـ تغمّده الله برحمته ـ وبعمل متواصل لفريق من الفضلاء من الحوزة العلميّة بمدينة قم المقدّسة ، إلّا أنّه ـ رحمه‌الله ـ كان يشفع الروايات بتعليقات منه بين فينة وأخرى حتّى نهاية سورة البقرة.

وقد وافته المنيّة بعد ستّة أيّام من آخر تعليقته على آخر جزء من المجموعة الأولى للمشروع ، ففجع العالم الإسلاميّ برحيله فترك روّاد علمه في ضمأ عند ما توقّف نبعه الصافي عن التدفّق. وما يخفّف من هول المصاب الجلل بعده ـ إلى حدّ ما ـ هو ما أفاده : «أنّ الّذي أردت قوله في هذا المشروع معلّقا هو ما ورد في تعليقاتي على سورة البقرة».

إنّ يوم فقده كان على آل الرسول عظيم حقّا ، نسأل الله أن يكون في عون الفريق العامل من مساعديه أن يواصل المشوار إلى الخاتمة. والله الموفّق وهو خير معين.

والسّلام عليه يوم ولد ويوم انتقل إلى رحمة ربّه ويوم يبعث حيّا.

٥٥٩