التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

والتداين من أعظم أسباب رواج المعاملات وبثّ روح العمل والتنمية في الاقتصاد العامّ. فإنّ المقتدر على تنمية المال قد يعوزه رأس المال ، فيضطرّ إلى التداين ليظهر مواهبه في التجارة أو الصناعة أو الزراعة. كما أنّ صاحب المال قد ينضب لديه المال فيتعطّل نشاطه ، فيحتاج إلى التداين لسدّ ثغرته واستمراره في العمل الجادّ. وهكذا يعمل التداين في تنشيط عوامل تنمية الاقتصاد.

والخطاب في الآية موجّه إلى عامّة المسلمين ، حيث ضرورة حياتهم الاقتصاديّة إلى التداين ، بعضهم من بعض ، فالمعوز يتداين من المثري فضل ماله ، وهذا يتداين إذا قصر ماله للإنتاج والعمل المثمر ، وهكذا يتعاضد المسلمون بعضهم من بعض ، وينشط العمل النافع ويزدهر الاقتصاد في أنحاء البلاد.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) تتقدّر بالتعيين لئلّا يقع التشاجر فيما بعد (فَاكْتُبُوهُ) سجّلوه على الوثائق الرسميّة ، تأكيدا في التوثيق. (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ). هذا هو المبدأ العامّ الّذي يريد تقريره ، فالكتابة أمر مفروض بالنصّ ، فرضا إرشاديّا دون توقّع اختلاف بينكم.

ومن ثمّ : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) أي كما أراده الله من العدل بين الطرفين فلا يميل في كتابته مع أحد الطرفين ولا ينقص ولا يزيد ، مع كمال الاحتياط وتمام الضبط.

(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) وهو المدين ، يملل على الكاتب اعترافه بالدين ومقدار الدين وشرطه وأجله ، بتمام وكمال. (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) لا ينقص منه شيئا ، لا في مقدار الدين ولا في أجله أو ما اشترط عليه. (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً) في البيان (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ).

وعلاوة على الكتابة والتسجيل بالنصّ : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) تعتمدونهم في مهامّ أموركم.

ثمّ بيّن ـ سبحانه ـ علّة جعل المرأتين بمنزلة رجل واحد ، وقال : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ، أي حذر أن تضلّ إحداهما أي تخطىء ، لعدم ضبطها وقلّة عنايتها ، فتذكّر إحداهما الأخرى ، تنبّهها على ما غفلت عنه ، فتكون شهادتها متمّمة لشهادة تلك. أي أنّ كلّا منهما

٥٠١

عرضة للخطأ والضلال أي الضياع وعدم الاهتداء إلى ما كان اهتداء بالضبط ، فاحتيج إلى إقامة الثنتين مقام الرجل الواحد ، لأنّهما بتذكير كلّ منهما للأخرى تقومان مقام الرجل. فإذا تركت إحداهما شيئا من الشهادة ، كأن نسيته أو ضلّ عنها ، فتذكّرها الأخرى وتتمّ شهادتها. وهذا من اختصاص شهادة النساء ، وليس ذلك بجائز في شهادة الرجال.

فللقاضي ـ بل عليه ـ أن يسأل إحداهما بحضور الأخرى ويعتدّ بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الأخرى.

قال الشيخ محمّد عبده : «وهذا هو الواجب ، وإن كان القضاة لا يعملون به ، وهذا غفلة منهم عن صريح القرآن» (١).

شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد

إذن كانت شهادة امرأتين منضمّة بعضها إلى بعض ، بمنزلة شهادة رجل واحد ، ولماذا؟

جاء التعليل في الآية بأنّ إحداهما قد تضلّ فيما تحمّلته حين الأداء ، فكانت الأخرى هي الّتي تذكّرها ما غاب عنها ، فكانت شهادة المرأتين بتذكّر إحداهما للأخرى بمنزلة شهادة رجل واحد.

وذلك أنّ المرأة أكثر عرضة للنسيان فيما لا يعود إلى شؤون أنفسهنّ بالذات ، ممّا لا يهمّها في حياتها الأنوثيّة ، فربّما لا تضبط تفاصيل ما تحمّلته بجميع خصوصيّاته وجزئيّاته المعتبرة في الشهادة حين الأداء ، ولا سيّما إذا بعد العهد وطال الأمد بين التحمّل والأداء ، فكانت كلّ واحدة منهما تذكّر الأخرى ما ضلّ عنها ، وبذلك تكمل شهادتهما معا كشهادة واحدة ، بتلفيق بعضها مع بعض وضمّ بعضها إلى بعض ، بتفاعل الذاكرتين وتعاملهما معا بعضا إلى بعض ، الأمر الّذي لا يجوز في شهادة الرجال ، فلو اختلفت الشهادات ولو في بعض الخصوصيّات فقدت اعتبارها! ومن ثمّ جاز التفريق في شهادة الشهود لغرض الاستيثاق ، بل قد يجب عند شبهة الأتّهام.

قال الشيخ محمّد عبده : «إنّ الله ـ تعالى ـ جعل شهادة المرأتين شهادة واحدة ، فإذا تركت إحداهما شيئا من الشهادة كأن نسيته أو ضلّ عنها تذكّرها الأخرى وتتمّ شهادتها ... وأمّا الرجال فلا يجوز ذلك فيهم ، بل يجب أن يفرّق بينهم ، فإن قصّر أحد الشاهدين أو نسي ، فليس للآخر أن

__________________

(١) المنار ٣ : ١٢٥.

٥٠٢

يذكّره ، وإذا ترك شيئا ، تكون شهادته باطلة ؛ يعني إذا ترك شيئا ممّا يبيّن الحقّ فكانت شهادته وحده غير كافية لبيانه ، فإنّه لا يعتدّ بها ولا بشهادة الآخر وإن بيّنت» (١).

وقالوا في سبب ذلك : إنّ المرأة ليس من شأنها الاهتمام بالأمور الماليّة ونحوها من المعاوضات ولا سيّما الخطيرة منها ، فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ، ولا تكون كذلك في الأمور المنزليّة الّتي هي شغلها ، فإنّها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، يعني أنّ من طبع البشر ـ ذكرانا وإناثا ـ أن تقوى ذاكرتهم للأمور الّتي تهمّهم ويكثر اشتغالهم بها. والأحكام العامّة إنّما تناط بالأكثر في الأمور وبالأصل فيها ، ولا تناط بالشاذّ النادر (٢).

***

وكما وجّه الخطاب في أوّل النصّ إلى الكتّاب أن لا يأبوا الكتابة ، يوجّهه هنا إلى الشهداء أن لا يأبوا الشهادة ، فإنّ في الإباء من الشهادة إضاعة لحقّ. (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) فتلبية الدعوة للشهادة إذن فريضة وليست تطوّعا ، فهي وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحقّ.

وهنا ينتهي الكلام عن الشهادة ، ويعرّج إلى ضرورة الكتابة ـ كبر الدين أو صغر ـ ويعالج ما قد يخطر للنفس من استثقال الكتابة ، عند حصول الاطمئنان والاعتماد من الطرفين ، لكنّه تعالى يؤكّد على رفض الخجل أو السأم في هكذا مجالات قد لا تحمد عقباها إذا ما أخذ فيها بالإهمال وقلّة المبالاة : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) حيث الكتابة فيها زيادة التوثّق والاطمينان عند بلوغ الأجل.

ذلك شأن الدين المسمّى إلى أجل. أمّا التجارة الحاضرة ، فإنّها تعفى عن قيد الكتابة ، ولا سيّما الصغيرة منها تيسيرا للمعاملات الدارجة يوميّا وتكفي فيها شهادة الشهود إذا كانت خطيرة : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) في الخطيرة منها.

وبذلك انتهى الكلام عن تشريع الدين والتجارة ، والتقى كلاهما عند شرطي الكتابة والشهادة ، والآن جاء ليقرّر حقوق الكتّاب والشهداء ، كما قرّر واجباتهم من قبل ، لقد أوجب عليهم أن لا يأبوا

__________________

(١) المصدر.

(٢) راجع ما فصّلناه بهذا الشأن في كتابنا «شبهات وردود» : ١٣٢ ـ ١٣٦.

٥٠٣

الكتابة والشهادة ، فالآن يوجب لهم الحماية والرعاية ، ليتوازن الحقّ والتكليف في أداء الوظائف العامّة : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) لا يقع ضرر على كاتب أو شاهد ، بسبب أدائه لواجبه الّذي فرضه الله عليه.

(وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) وإن وقع ، فإنّه يكون خروجا عن شريعة الحقّ ومخالفة لمنهج العدل المستقيم.

وهذا احتياط لا بدّ منه ، لأنّ الكتّاب والشهود معرّضون لسخط أحد الفريقين المتعاقدين في أحيان كثيرة ، فلابدّ من تمتّعهم بالضمانات الّتي تطمئنّهم على أنفسهم وتشجّعهم على أداء واجبهم بالذمّة والأمانة والنشاط في أداء الواجبات ، والحيدة في جميع الأحوال.

إذن (وَاتَّقُوا اللهَ) في رعاية الواجب لحقوق الآخرين ، فلا إرعاب ولا إرهاب ممّا يوجب الخروج عن حدود ما فرض الله.

(وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) معالم دينكم ويبيّن لكم الطريقة المثلى (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يغفل عن شيء من مصالحكم وما فيه صلاحكم في الحياة ، والله بكلّ شيء محيط ، ولا يعزب عن علمه شيء.

وبعد فتيسيرا للتعامل ، مع ضمان الوفاء ، رخّص الشارع في التعاقد الشّفوي بلا كتابة ، مع تسليم رهن مقبوض للدائن ضمانا للدين : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ).

وهنا يستجيش الشارع ضمائر المؤمنين للأمانة والوفاء بدافع من تقوى الله ، (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) اعتمده وجعل من إيمانه وثيقة لأماناته ، (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) والمدين مؤتمن على الدين ، والدائن مؤتمن على الرهن ، وكلاهما مدعوّ لأداء ما اؤتمن عليه ، لموضع تقوى الله ربّه ، الّذي هو حاضره وناظره ، وهو سيّده ومولاه.

كما وبدافع من التقوى من الله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) : زائف ضميره وقد عاكس فطرته الذاتيّة الباعثة على الطهارة والنزاهة عن الأدناس ، ويعقّب على ذلك بتهديد ملفوف ، فليس هناك خاف على الله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وهو يجزي عليه بمقتضى علمه بالأحوال الكامنة وراء الأعمال. ذلك أنّ الله بيده مقاليد السماوات والأرض ، وكلّ ما هو كائن في عالم الوجود : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)

٥٠٤

أي يؤاخذكم على نيّاتكم في الأعمال ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ ، ولا ينظر إلى ظواهر الأعمال ، بل إلى الباطن الباعث على هذه الأعمال (١)(فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) لمن استغفر ربّه وأصلح وأناب (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممّن أصرّ واستكبر ولجّ في الفساد والإفساد ، (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء ولا يحول دون إرادته شيء ، فعّال لما يريد ، إنّه عليم حكيم ، ولما يشاء قدير.

آية الدّين تشتمل على بضعة عشر حكما

[٢ / ٨١٥٨] قال عليّ بن إبراهيم : أمّا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) فقد روي في الخبر : أنّ في البقرة خمسمائة حكم وفي هذه الآية خمسة عشر حكما ، وهو قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ) ثلاثة أحكام (فَلْيَكْتُبْ) رابع الأحكام (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) خامس الأحكام ، وهو إقراره إذا أملى (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) ولا يخونه ، سادس الأحكام (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) أي لا يحسن أن يملّ (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) يعني وليّ المال ، سابع الأحكام (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) ثامن الأحكام (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) يعني أن تنسى إحداهما فتذكّرها الأخرى ، تاسع الأحكام (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) عاشر الأحكام (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) أي لا تضجروا أن تكتبوه صغير السنّ أو كبيره (٢) ، الحادي عشر (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا) أي لا تشكّوا (إِلَّا أَنْ

__________________

(١) وسيأتي أنّه تعالى لا يحاسب العبد على مجرّد نيّته للسوء ما لم يقترفه ، وإن كان يثيبه على نيّة الخير لطفا به. فالآية ناظرة إلى الأعمال الصادرة عن نيّات صالحة أو زائفة ، فيحاسب العباد أعمالهم حسب نيّاتهم ، إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ.

(٢) لم يعرف وجه هذا الكلام ، إذ قوله تعالى (صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) حال من الضمير الرابع إلى الدين. أي سواء كان صغيرا أي قليلا أو لم يكن بذات أهمّية كبيرة. أو كبيرا أي كثيرا أو ذات أهمّية كبيرة. وهذا الكلام يجعل القيد للكاتب أو صاحب الحقّ ، وهو خلاف الظاهر ، هذا و «السّنّ» مؤنّثة ، كما لا يخفى.

٥٠٥

تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) الثاني عشر (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) الثالث عشر (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) الرابع عشر (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) الخامس عشر (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١).

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : وقيل : في البقرة خمسمائة حكم ، وفي هذه الآية أربعة عشر حكما :

أوّلها قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). الثاني : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ). الثالث : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ.) الرابع : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) وهو أقداره إذا أملاه. الخامس : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً) أي لا يخون ، ولا ينقصه. السادس : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) أي لا يحسن (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ). السابع : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ). الثامن : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى). التاسع : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا). العاشر : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) أي لا تضجروا. الحادي عشر : (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها). الثاني عشر : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ). الثالث عشر : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ). الرابع عشر : (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ)(٢).

وقال أيضا : وقال قوم : فيها أحد وعشرون حكما (٣) : (إِذا تَدايَنْتُمْ) (حكم) (فَاكْتُبُوهُ) حكم (وَلا يَبْخَسْ) حكم (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) (حكم) (أَوْ ضَعِيفاً) (حكم) (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ) (حكم) (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) (حكم) (بِالْعَدْلِ) حكم (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) حكم (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (حكم) (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) حكم (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ) حكم (وَلا تَسْئَمُوا) حكم (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) (حكم) (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) حكم (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ) حكم (وَلا شَهِيدٌ) حكم (٤).

__________________

(١) القميّ ١ : ٩٤ ـ ٩٥ ؛ البرهان ١ : ٥٧٦ ـ ٥٧٧ / ١.

(٢) التبيان ٢ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩.

(٣) وذلك بإضافة ما جاء هنا زيادة عمّا ذكره الشيخ ، وهي الموارد السبعة الّتي جعلناها بين قوسين. فهذه السبعة مع الأربعة عشرة الّتي جاءت في كلام الشيخ وتكرّرت هنا ، يكون المجموع أحدا وعشرين حكما.

(٤) التبيان ٢ : ٣٧٩.

٥٠٦

قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ)

[٢ / ٨١٥٩] روي عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تخاصم إليه رجلان في حقّ ، قال للمدّعي : لك بينّة؟ فإن أقام بيّنة يرضاها ويعرفها ، أمضى الحكم على المدّعى عليه ، وإن لم يكن له بيّنة ، حلف المدّعى عليه بالله : ما لهذا قبله ذلك الّذي ادّعاه ولا شيء منه. وإذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير ولا شرّ ، قال للشهود : أين قبائلكما؟ فيصفان. أين سوقكما؟ فيصفان. أين منزلكما؟ فيصفان. ثمّ يقيم الخصوم والشهود بين يديه ، ثمّ يأمر فيكتب أسامي المدّعي والمدّعى عليه والشهود ، ويصف ما شهدوا به ، ثمّ يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار ، ثمّ مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه ، فيقول : ليذهب كلّ واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر ، إلى قبائلهما وأسواقهما أو محالّهما ، والرّبض (١) الّذي ينزلانه ، فليسأل عنهما فيذهبان ويسألان. فإن أتوا خيرا أو ذكروا فضلا ، رجعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبراه به. وأحضر القوم الّذين أثنوا عليهما وأحضر الشهود ، وقال للقوم المثنين عليهما : هذا فلان بن فلان ، وهذا فلان بن فلان ، أتعرفونهما؟ فيقولون : نعم. فيقول : إنّ فلانا وفلانا جاءاني منكم فيهما بنبأ جميل وذكر صالح ، أفكما قالا؟ فإذا قالوا : نعم. قضى حينئذ بشهادتهما على المدّعى عليه. وإن رجعا بخبر سيّء ونبأ قبيح ، دعا بهم ، فقال لهم : أتعرفون فلانا وفلانا؟ فيقولون : نعم. فيقول : اقعدوا حتّى يحضرا ، فيقعدون ، فيحضرهما ، فيقول للقوم : أهما هما؟ فيقولون : نعم. فإذا ثبت عنده ذلك ، لم يهتك ستر الشاهدين ، ولا عابهما ولا وبّخهما ، ولكن يدعو الخصوم إلى الصلح ، فلا يزال بهم حتّى يصطلحوا لئلّا يفتضح الشهود ، ويستر عليهم ، وكان رؤوفا عطوفا متحنّنا على أمّته. فإن كان الشهود من أخلاط الناس : غرباء لا يعرفون ، ولا قبيلة لهما ولا سوق ولا دار ، أقبل على المدّعى عليه فقال : ما تقول فيهما؟ فإن قال : ما عرفت إلّا خيرا ، غير أنّهما قد غلطا فيما شهدا عليّ ، أنفذ عليه شهادتهما.

وإن جرحهما وطعن عليهما ، أصلح بين الخصم وخصمه ، وأحلف المدّعى عليه ، وقطع الخصومة بينهما» (٢)!

[٢ / ٨١٦٠] وأخرج أحمد وأبو داوود والنسائي عن الزّهري قال : حدّثني عمارة بن خزيمة الأنصاري أنّ عمّه حدّثه وهو من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ النبيّ ابتاع فرسا من أعرابيّ فاستتبعه

__________________

(١) الربض : مسكن القوم.

(٢) تفسير الإمام : ٦٧٥ ـ ٦٧٦ / ٣٧٦.

٥٠٧

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقضيه ثمن فرسه ، فأسرع النبيّ المشي وأبطأ الأعرابي ، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومون بالفرس ، لا يشعرون أنّ النبيّ ابتاعه ، حتّى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الّذي ابتاعه به النبيّ ، فنادى الأعرابي النبيّ فقال : إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلّا بعته! فقام النبيّ حين سمع نداء الأعرابي وقال : أو ليس قد ابتعته منك؟ قال الأعرابي : لا والله ، ما بعتك! فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بلى قد ابتعته منك ، فطفق الناس يلوذون بالنبيّ والأعرابي وهما يتراجعان ، فطفق الأعرابي يقول : هلمّ شهيدا يشهد أنّي بايعتك! فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي : ويلك ، النبيّ لم يكن ليقول إلّا حقّا ، حتّى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراجعة الأعرابي ، فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيدا يشهد أنّي بايعتك! قال خزيمة : أنا أشهد أنّك قد بايعته ، فأقبل النبيّ على خزيمة ، فقال : بم تشهد؟ قال : بتصديقك يا رسول الله! فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين (١).

قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا)

[٢ / ٨١٦١] روى القاضي النعمان المغربي بالإسناد إلى الإمام جعفر بن محمّد عليه‌السلام أنّه قال : في قول الله : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) قال : «حين يدعون قبل الكتاب ، لا ينبغي لأحد أن يقول إذا دعي إلى شهادة : لا أشهد لكم ، وقال : إذا دعيت إلى الشهادة فأجب ، فأمّا إذا أشهدت فدعيت إلى أداء الشهادة ، فلا يحلّ لك أن تتخلّف عن ذلك ، وذلك قول الله عزوجل : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»)(٢).

[٢ / ٨١٦٢] وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في هذه الآية : «من كان في عنقه شهادة ، فلا يأب إذا دعي لإقامتها وليقمها ولينصح فيها ، ولا تأخذه فيها لومة لائم ، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر» (٣).

__________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٢١٥ ـ ٢١٦ ؛ أبو داوود ٢ : ١٦٦ ـ ١٦٧ / ٣٦٠٧ ، باب ٢٠ ؛ النسائي ٤ : ٤٨ / ٦٢٤٣ ، باب ٨٢ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٤.

(٢) دعائم الإسلام ٢ : ٥١٦ ـ ٥١٧ / ١٨٥٣ ، كتاب الشهادات ، الفصل الثاني.

(٣) الصافي ١ : ٤٨٧ ؛ تفسير الإمام : ٦٧٨ / ٣٧٨ ؛ البحار ١٠١ : ٣١٣ / ٢٢ ، باب ٢.

٥٠٨

[٢ / ٨١٦٣] وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عبّاس في قوله : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) قال : إذا كانت عندهم شهادة (١).

[٢ / ٨١٦٤] وأخرج ابن جرير عن الحسن : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) قال : الإقامة والشهادة (٢).

[٢ / ٨١٦٥] وأخرج سفيان وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) قال : إذا كانت عندك شهادة فأقمها ، فأمّا إذا دعيت لتشهد فإن شئت فاذهب وإن شئت فلا تذهب (٣)!

[٢ / ٨١٦٦] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) يقول لا يعمد أحدكم إلى الكاتب والشاهد فيدعوهما إلى الكتابة والشهادة ولهما حاجة ، فيقول : اكتب لي فإنّ الله أمرك أن تكتب لي ، فيضارّه بذلك ، وهو يجد غيره ، ويقول للشاهد وهو يجد غيره : اشهد لي على حقّي ، فإنّ الله قد أمرك أن تشهد على حقّي ، وهو يجد غيره من يشهد له على حقّه ، فيضارّه بذلك ، فأمر الله ـ عزوجل ـ أن يتركا لحاجتهما ويلتمس غيرهما (٤).

وهكذا روي عن ابن عبّاس وطاووس والسدّي وغيرهما (٥).

قلت : هذا على تأويل «يضارّ» بصيغة المفعول. وأمّا على تأويله بصيغة الفاعل فمعناه : لا يقوم الكاتب والشاهد بإضرار صاحب الحقّ.

[٢ / ٨١٦٧] وقال ابن زيد : لا يضارّ كاتب فيكتب غير الّذي أملي عليه. قال : والكتّاب يومئذ قليل ، ولا يدرون أيّ شيء يكتب فيضارّ فيكتب غير الّذي أملي عليه ، فيبطل حقّهم. قال : والشهيد : يضارّ فيحوّل شهادته ، فيبطل حقّهم (٦)!

وهكذا روي عن عطاء.

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٢١ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٦٣ / ٢٩٩٨.

(٢) الطبري ٣ : ١٧٣ / ٤٩٩٥.

(٣) الدرّ ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢ ؛ الطبري ٣ : ١٧٣ / ٤٩٩٩.

(٤) تفسير مقاتل ١ : ٢٣٠.

(٥) الطبري ٣ : ١٨٤ ـ ١٨٥.

(٦) المصدر : ١٨٣.

٥٠٩

قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ)

[٢ / ٨١٦٨] أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) قال : لا يكون الرهن إلّا في السفر. (١)

[٢ / ٨١٦٩] وأخرج ابن جرير عن الضحّاك في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ) قال : من كان على سفر فبايع بيعا إلى أجل فلم يجد كاتبا فرخّص له في الرهان المقبوضة وليس له إن وجد كاتبا أن يرتهن. (٢)

[٢ / ٨١٧٠] وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) يقول : كاتبا يكتب لكم (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ). (٣)

قوله تعالى : (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ)

[٢ / ٨١٧١] أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف من طرق عن ابن عباس أنّه قرأ «ولم تجدو كتابا» وقال : قد يوجد الكاتب ولا يوجد القلم ولا الدواة ولا الصحيفة ، والكتاب يجمع ذلك كلّه قال : وكذلك كانت قراءة أبيّ. (٤)

[٢ / ٨١٧٢] وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية أنّه كان يقرأ : «فإن لم تجدوا كتابا» قال : يوجد الكاتب ولا توجد الدواة ولا الصحيفة. وأخرج ابن الأنباري عن الضحّاك مثله. (٥)

[٢ / ٨١٧٣] وأخرج عبد بن حميد عن أبن عباس أنّه كان يقرأ : «فإن لم تجدوا كتابا» وقال :

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٦٩ / ٣٠٣٨ ؛ الطبري ٣ : ١٨٩ / ٥٠٥٥.

(٢) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ الطبري ٣ : ١٨٨ / ٥٠٥٠ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٦٩ / ٣٠٣٩.

(٣) الطبرى ٣ : ١٨٨ / ٥٠٥١.

(٤) الدرّ ٢ : ١٢٤ ؛ الطبري ٣ : ١٨٨ / ٥٠٥٢ و ٥٠٥٣ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٦٨ / ٣٠٣٢.

(٥) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ الطبري ٣ : ١٨٩ / ٥٠٥٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٦٩ / ٣٠٣٥ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٣٩ ، عن الضحّاك ؛ الثعلبي ٢ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، وعن الضحّاك ؛ القرطبي ٣ : ٤٠٧ ، عن جماعة منهم أبو العالية والضحّاك.

٥١٠

الكتاب كثير لم يكن حواء من العرب إلّا كان فيهم كاتب ولكن كانوا لا يقدرون على القرطاس والقلم والدواة. (١)

[٢ / ٨١٧٤] وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن الأنباري عن مجاهد أنّه قرأها : «فإن لم تجدوا كتابا» ، قال : مدادا. (٢)

[٢ / ٨١٧٥] وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أنّه كان يقرأ : «فإن لم تجدوا كتّابا» بضمّ الكاف وتشديد التاء. (٣)

[٢ / ٨١٧٦] وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن الأنباري عن عكرمة أنّه قرأ : «فإن لم تجدوا كتابا». (٤)

[٢ / ٨١٧٧] وروى داوود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام فى قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) : «أي يأخذ منه رهنا فإن أمنه ولم يأخذ منه رهنا فليتّق الله ربّه الّذي يأخذ المال». (٥)

[٢ / ٨١٧٨] وقال عليّ بن ابن إبراهيم : وقوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أى يأخذ منه رهنا فإن أمنه ولم يأخذ منه رهنا (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) الّذي أخذ المال ، وقوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) معطوف على قوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ). (٦)

[٢ / ٨١٧٩] وروى العيّاشي عن محمّد بن عيسى عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا رهن إلّا مقبوض». (٧)

[٢ / ٨١٨٠] وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : لا يكون الرهن إلّا مقبوضا يقبضه الّذي له المال. ثمّ قرأ : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ). (٨)

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٦٩ / ٣٠٣٣ ، بلفظ : «الكتاب كثير ، ولكنّه يعني : دواة وقرطاسا» ؛ الثعلبي ٢ : ٢٩٨.

(٢) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ الطبري ٣ : ١٨٩ / ٥٠٥٥ و ٥٠٥٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ؛ القرطبي ٣ : ٤٠٧.

(٣) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ القرطبي ٣ : ٤٠٧.

(٤) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ القرطبي ٣ : ٤٠٧.

(٥) البرهان ١ : ٥٨١ / ١.

(٦) القميّ ١ : ٩٥.

(٧) نور الثقلين ١ : ٣٠١ / ١٢٠ ؛ العيّاشي ١ : ١٧٦ / ٥٢٦ ؛ البحار ١٠٠ : ١٥٨ / ٤ ؛ البرهان ١ : ٥٨١ / ٢.

(٨) الدرّ ٢ : ١٢٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٦٩ / ٣٠٣٦.

٥١١

[٢ / ٨١٨١] وأخرج الحاكم وصحّحه عن زيد بن ثابت قال : أقرأني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فرهن مقبوضة» بغير ألف. (١)

[٢ / ٨١٨٢] وأخرج سعيد بن منصور عن حميد الأعرج وإبراهيم أنّهما قرآ : «فرهن مقبوضة». (٢)

[٢ / ٨١٨٣] وأخرج سعيد بن منصور عن الحسين وأبي الرجاء أنّهما قرآ : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ). (٣)

قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ)

[٢ / ٨١٨٤] أخرج ابن جرير عن الضحّاك في قوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) إنّما يعني بذلك في السفر ، فأمّا الحضر فلا وهو واجد كاتبا ، فليس له أن يرتهن ولا يأمن بعضهم بعضا. (٤)

[٢ / ٨١٨٥] وأخرج ابن أبي حاتم عن حمّاد بن أبي سليمان ، فى قوله تعالى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) قال : أخلاق ، دلّهم عليها. (٥)

[٢ / ٨١٨٦] وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحّاك قال : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فمن لم يجد ، فإنّها عزمة أن يكتب ويشهد ، ولا يأخذ رهنا إذا وجد كاتبا ، كما قال في الظّهار : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) وكما قال في جزاء الصيد : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فهذا يشبه بعضه بعضا ، وآية الدين ، حكم حكمه الله وفصّله وبيّنه ، فليس لأحد أن يتخيّر في حكم الله. (٦)

[٢ / ٨١٨٧] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقى عن الشعبي قال : لا بأس إذا أمنته أن لا تكتب ولا تشهد ، لقوله : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً). (٧)

[٢ / ٨١٨٨] وأخرج البخاري في التاريخ الكبير وأبو داوود والنحاس معا في الناسخ وابن ماجة

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ الحاكم ٢ : ٢٣٥.

(٢) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٣٩ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٩٨.

(٣) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ التبيان ٢ : ٣٧٩ ؛ الطبري ٣ : ١٨٩ ؛ البغوي ١ : ٣٩٦.

(٤) الطبري ٣ : ١٩٠ / ٥٠٥٧.

(٥) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧١ / ٣٠٤٥.

(٦) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧٠ / ٣٠٤٣.

(٧) الدرّ ٢ : ١٢٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧٠ / ٣٠٤٢ ؛ البيهقي ١٠ : ١٤٥ ، بلفظ : «إن أشهدت فحزم وإن ائتمنته ففي حلّ» ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٧٧ / ٣٦٣ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٥ ، وفيه : «أن لا تكتبوا أو لا تشهدوا».

٥١٢

وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري أنّه قرأ هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) حتّى إذل بلغ (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) قال : هذه نسخت ما قبلها. (١)

[٢ / ٨١٨٩] وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر في قوله : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) قال : هي منسوخة (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) يعني : نسخه ذلك. (٢)

[٢ / ٨١٩٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) يعني لم تقدروا على كتابة الدين في السفر فرهان مقبوضة يقول : فليرتهن الّذي له الحقّ من المطلوب (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) يقول : فإن كان الّذي عليه الحقّ أمينا عند صاحب الحقّ فلم يرتهن لثقته وحسن ظنّه (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) يقول : ليؤدّ الحقّ الّذي عليه إلى صحبه وخوف الله الّذي عليه الحقّ ، فقال : (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) يعني عند الحكّام يقول : من أشهد على حقّ فليقمها على وجهها كيف كانت (وَمَنْ يَكْتُمْها) يعني الشهادة ولا يشهد بها إذا دعى لها (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) يعني من كتمان الشهادة وإقامتها. (٣)

[٢ / ٨١٩١] وعن الثعلبي ، في قوله : (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) قال : صار الأمر إلى الأمانة. (٤)

[٢ / ٨١٩٢] وأخرج أحمد عن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه». (٥)

[٢ / ٨١٩٣] وأخرج البخاري ومسلم عن أنس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توفّي ودرعه مرهونة عند يهوديّ على ثلاثين وسقا من شعير رهنها قوتا لأهله. (٦)

[٢ / ٨١٩٤] وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت : اشترى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طعاما من يهوديّ بنسيئة ورهنه درعا له من حديد. (٧)

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٢٦ ؛ ابن ماجة ٢ : ٧٩٢ / ٢٣٦٥ ؛ الطبري ٣ : ١٦١ ـ ١٦٢ / ٤٩٦٣ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧٠ / ٣٠٤١ ؛ البيهقي ١٠ : ١٤٥ ؛ الكبير ١ : ٢٣٢ / ٧٢٧ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٥.

(٢) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧٠ / ٣٠٤٠.

(٣) الدرّ ٢ : ١٢٥ ـ ١٢٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٦٩ ـ ٥٧٢ / ٣٠٣٤ ـ ٣٠٥٤.

(٤) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧١ / ٣٠٤٦.

(٥) مسند أحمد ٥ : ٨ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٥.

(٦) البخاري ٣ : ٨ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤٥.

(٧) الدرّ ٢ : ١٢٥ ؛ البخاري ٣ : ٢٣١ ، بلفظ «توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودرعه مروهنة عند يهوديّ بثلاثين صاعا من شعير» ؛ مسلم ٥ : ٥٥ ؛ النسائي ٤ : ٣٨ ؛ ابن ماجة ٢ : ٨١٥ / ٢٤٣٦ ؛ البيهقي ٦ : ١٩٨ ؛ كنز العمّال ٦ : ٢٩١.

٥١٣

قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ)

[٢ / ٨١٩٥] أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) قال : لا يحلّ لأحد أن يكتم شهادة هي عنده وإن كانت على نفسه أو الوالدين أو الأقربين. (١)

[٢ / ٨١٩٦] وروى الصدوق في مناهي النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ونهى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كتمان الشهادة وقال : «من كتمها أطعمه الله لحمه رؤوس الخلايق ، وهو قول الله عزوجل : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)». (٢)

[٢ / ٨١٩٧] وروى الكليني بالإسناد إلى أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتم شهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرء مسلم أو ليزوي مال امرء مسلم ، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر وفي وجهه كدوح تعرفه الخلايق باسمه ونسبه». (٣)

[٢ / ٨١٩٨] وروى الصدوق بالإسناد إلى جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتم الشهادة أو شهد بها ليهدر بها دم امرء مسلم أو ليتوي (٤) مال امرء مسلم ، أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر وفي وجهه كدوح تعرفه الخلائق باسمه ونسبه ، ومن شهد شهادة حقّ ليحيي بها مال امرء مسلم ، أتى يوم القيامة ولوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلايق باسمه ونسبه ، ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام :

ألا ترى أنّ الله عزوجل يقول : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ)». (٥)

[٢ / ٨١٩٩] وروى الثعلبي عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من كتم الشهادة إذا دعي ، كان كمن شهد بالزور» (٦).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٢٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧١ / ٣٠٥٠ ؛ الطبري ٣ : ١٩١ / ٥٠٥٨.

(٢) نور الثقلين ١ : ٣٠١ / ١٢٠٨ ؛ الأمالي للصدوق : ٥١٤ / ٧٠٧ ـ ١ ، المجلس ٦٦ ؛ الفقيه ٤ : ١٣ / ٤٩٦٨ ؛ البحار ٧٣ : ٣٣٣ و ١٠١ : ٣١٠ / ٥.

(٣) نور الثقلين ١ : ٣٠١ / ١٢٠٦ ؛ الكافي ٧ : ٣٨٠ ـ ٣٨١ / ١ ، باب كتمان الشهادة.

(٤) توي المال : ذهب فلم يرج.

(٥) الفقيه ٣ : ٥٨ / ٣٣٢٩ ؛ الأمالي للصدوق : ٥٧٠ / ٧٧٣ ـ ٤ ، المجلس ٧٣ ؛ ثواب الأعمال : ٢٢٥ ؛ التهذيب ٦ : ٢٧٦ / ٧٥٦ ـ ١٦١ ، باب ٩١ ؛ البحار ٧ : ٢١٨ / ١٢٦ و ١٠١ : ٣١١ / ٩ ، باب ٢.

(٦) الثعلبي ٢ : ٢٩٩.

٥١٤

[٢ / ٨٢٠٠] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال : إذا كانت عندك شهادة فسألك عنها ، فأخبره بها ، ولا تقل : أخبر بها عند الأمير ؛ أخبره بها لعلّه يراجع أو يرعوي (١)

[٢ / ٨٢٠١] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال : أكبر الكبائر الإشراك بالله ، لأنّ الله يقول : (مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ) وشهادة الزور وكتمان الشهادة لإنّ الله عزوجل يقول : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).

وقد روي عن ابن عباس أنّه كان يقول : على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد ويخبر بها حيث استخبر. (٢)

[٢ / ٨٢٠٢] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (آثِمٌ قَلْبُهُ) قال : فاجر قلبه. (٣)

[٢ / ٨٢٠٣] وعن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : في قول الله عزوجل : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) قال : «كافر قلبه». (٤)

[٢ / ٨٢٠٤] وروى الكليني بالإسناد إلى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام فى قول الله عزوجل : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) قال : «بعد الشهادة». (٥)

إنّما الأعمال بالنيّات

قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) فقد كانت المؤاخذة على الأعمال ، إنّما هي حسب النيّات والدواعي النفسيّة ، الباعثة على عمل مّا ، إن خيرا أو شرّا (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً)(٦).

__________________

(١) الطبري ٣ : ١٩١ / ٥٠٦١.

(٢) الطبري ٣ : ١٩١ / ٥٠٦٠ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧١ / ٣٠٥١ ، بلفظ : «ومن الكبائر ، كتمان الشهادة ، لأنّ الله يقول : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)» ؛ القرطبي ٣ : ٤١٥.

(٣) الدرّ ٢ : ١٢٦ ؛ الطبري ٣ : ١٩١ / ٥٠٥٩ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٧٢ / ٣٠٥٣.

(٤) نور الثقلين ١ : ٣٠١ / ١٢٠٧ ؛ الفقيه ٣ : ٥٨ / ٣٣٣٠ ؛ البرهان ١ : ٥٨٢ / ٣.

(٥) نور الثقلين ١ : ٣٠١ / ١٢٠٥ ؛ الكافي ٧ : ٣٨١ / ٢ ؛ العيّاشي ١ : ١٧٦ / ٥٢٧ ؛ الفقيه ٣ : ٥٧ / ٣٣٢٧ ؛ التهذيب ٦ : ٢٥٧ / ٥٧٠ ـ ١٥٥ ؛ البرهان ١ : ٥٨١ ـ ٥٨٢ / ١.

(٦) الأسراء ١٧ : ٨٤.

٥١٥

نعم ، الإنسان إنّما يقوم بأعمال هي انعكاسات لما ينطوي عليه باطنه ، وتجلّيات لما انطبعت عليه سريرته ، وبالأحرى فإنّ الأعمال إثارة للسرائر ، والبواعث الداخليّة هي الّتي تبدو بصورة أعمال ظاهريّة. وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح ، وعليه فليست تصرّفات الإنسان ومزاولاته في الحياة ، سوى تجسّدات لما ينطوي عليه باطنه من استعدادات وقابليّات ، وهي الّتي تشكّل واقعه الذاتيّ وشاكلته في حقيقة الأمر. فربّ عمل في ظاهره كبير لكنّه في واقعه ـ وبحسب ما نواه صاحبه ـ حقير ، أو كان بظاهره خيرا وكان القصد من ورائه الشرّ محضا.

ومن ثمّ فإنّ الأعمال إنّما تقوّم حسب النيّات ، صاعدة بها أو هابطة. وأنّ لكلّ امرء ـ من حظّ الكمال ـ ما نوى ، كما في الحديث :

[٢ / ٨٢٠٥] روى أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى عليّ بن جعفر وعليّ بن موسى عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أغزى عليّا عليه‌السلام في سريّة ، وأمر المسلمين أن ينتدبوا معه في سريّته. فقال رجل من الأنصار لأخ له : أغز بنا في سريّة عليّ ، لعلّنا نصيب خادما أو دابّة أو شيئا نتبلّغ به. فبلغ النبيّ قوله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما الأعمال بالنيّات ، ولكلّ امرء ما نوى ؛ فمن غزا ابتغاء ما عند الله ـ عزوجل ـ فقد وقع أجره على الله ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا (١) ، لم يكن له إلّا ما نوى» (٢).

[٢ / ٨٢٠٦] وهكذا روى أصحاب السنن بالإسناد إلى عمر بن الخطّاب ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرء ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله. ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (٣).

__________________

(١) العقال : الغنائم ، إذا أخذت بأعيانها ، فإنّها تعقل أي تشدّ بحزام.

(٢) أمالي الطوسي : ٦١٨ / ١٢٧٤ ـ ١٠ ، المجلس ٢٩ ؛ ترتيب الأمالي ٩ : ١٨١ / ٥٣٢٦ ـ ٨.

(٣) مسند أحمد ١ : ٢٥ و ٤٣ ؛ البخاري ١ : ٢ ؛ مسلم ٦ : ٤٨ ؛ البيهقي ٢ : ١٤ ؛ الترمذي ٣ : ١٠٠ / ١٦٩٨ ، باب ١٦ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ / ٤٢٢٧ ، باب ٢٦ ؛ أبو داوود ١ : ٤٩٠ / ٢٢٠١ ، باب ١١ ؛ كنز العمّال ٣ : ٧٩٢ ـ ٧٩٣ / ٨٧٧٩ ؛ تاريخ بغداد ٢ : ٢٤٤ و ٦ : ١٥٣ ؛ ابن المبارك في الزهد : ١٨٨ ؛ الحلية ٨ : ٤٢ ؛ النسائي الكبرى ١ : ٧٩ ـ ٨٠ / ٧٨ ؛ الطيالسي : ٩ ؛ الحميدي : ٢٨ ؛ كتاب الزهد ـ هنّاد ٢ : ٤٤٠ / ٨٧١ ؛ ترتيب الأمالي ٦ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ ؛ غوالي اللئالي ١ : ٨١ ـ ٨٢ / ٣.

٥١٦

[٢ / ٨٢٠٧] وروى أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى الفضيل بن يسار ، قال : سمعت الباقر والصادق عليهما‌السلام يحدّثان عن آبائهما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نيّة المؤمن أبلغ من عمله ، وكذلك الفاجر» (١).

[٢ / ٨٢٠٨] وروى أبو جعفر البرقي بالإسناد إلى الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نيّة المؤمن خير من عمله ، ونيّة الفاجر شرّ من عمله ، وكلّ عامل يعمل بنيّته» (٢).

[٢ / ٨٢٠٩] وروى أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى أبي الصلت عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا قول إلّا بعمل ، ولا قول ولا عمل إلّا بنيّة ، ولا قول ولا عمل ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة» (٣).

[٢ / ٨٢١٠] ورواه أيضا بالإسناد إلى ابن عليّة عن أبان عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يقبل قول إلّا بعمل ، ولا يقبل قول وعمل إلّا بنيّة ، ولا يقبل قول وعمل ونيّة إلّا بإصابة السنّة» (٤).

[٢ / ٨٢١١] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى أبي هاشم ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّما خلّد أهل النار في النار ، لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة ، لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء. ثمّ تلا قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)(٥) قال : على نيّته» (٦).

[٢ / ٨٢١٢] وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما يبعث الناس على نيّاتهم» (٧).

ومن ثمّ ورد : «أنّ النيّة هي العمل» (٨). أي هي الّتي تشكّل ذات العمل وحقيقته إن حسنة أو سيّئة ، فلا ينظر إلى حجم العمل وصورته الظاهرة ، بل إلى واقع العمل حسب نيّة صاحبه.

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٤٥٤ / ١٠١٣ ـ ١٩ ، المجلس ١٦ ؛ البحار ٦٧ : ٢٠٨ / ٢٣.

(٢) محاسن البرقي ١ : ٢٦٠ / ٣١٥ ، باب ٣٣ ؛ البحار ٦٧ : ٢٠٨ / ٢٦.

(٣) أمالي الطوسي : ٣٣٧ / ٦٨٥ ـ ٢٥ ، المجلس ١٢ ؛ البحار ٦٧ : ٢٠٧ / ٢١.

(٤) أمالي الطوسي : ٣٨٥ ـ ٣٨٦ / ٨٣٩ ـ ٩٠ ، المجلس ١٣ ؛ البحار ٦٧ : ٢٠٧ / ٢٢.

(٥) الإسراء ١٧ : ٨٤.

(٦) الكافي ٢ : ٨٥ / ٥ ؛ البحار ٦٧ : ٢٠١ / ٥.

(٧) البحار ٦٧ : ٢٤٩ / ٢٤ ؛ منية المريد : ١٣٣.

(٨) كما في الحديث الآتي عن الإمام الصادق عليه‌السلام (الكافي ٢ : ١٦ / ٤ ؛ البحار ٦٧ : ٢٣٠ / ٦).

٥١٧

[٢ / ٨٢١٣] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، وإنّما ينظر إلى قلوبكم» (١).

[٢ / ٨٢١٤] ورواه مسلم بلفظ : «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، وإنّما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (٢). قال أبو حامد الغزالي : وإنّما نظر إلى القلوب ، لأنّها مظنّة النيّة (٣).

[٢ / ٨٢١٥] وقال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «وبما في الصدور يجازى العباد» (٤).

[٨٢١٦ / ١] وهكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نيّة المؤمن خير من عمله ، ونيّة الفاجر شرّ من عمله» (٥).

[٢ / ٨٢١٧] أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نيّة المؤمن أبلغ من عمله» (٦).

ذلك أنّ النيّة الباعثة على العمل ، هي الثابتة الدائمة ، أمّا العمل فمحدود زائل ، وإنّ للنيّة وأثرها شمولا ليس في العمل ، مهما كان واسع الأرجاء.

[٢ / ٨٢١٨] وروى أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بالإسناد إلى سفيان بن عيينة عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال ـ في قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(٧) ـ : «ليس يعني أكثركم عملا ، ولكن أصوبكم عملا ، وإنّما الإصابة خشية الله ، والنيّة الصادقة. ثمّ قال : الإبقاء على العمل حتّى يخلص أشدّ من العمل. والعمل الخالص : الّذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا الله ـ عزوجل ـ. والنيّة أفضل من العمل ، ألا وإنّ النيّة هي العمل. ثمّ تلا قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)(٨) قال : يعني على نيّته» (٩).

قال الشيخ محمّد بهاء الدين العاملي : المراد بالنيّة الصادقة : انبعاث القلب نحو الطاعة ، غير ملحوظ فيه شيء سوى وجه الله سبحانه لا كمن يعتق عبده ـ مثلا ـ ملاحظا مع القربة الخلاص من مؤنته أو سوء خلقه ، أو يتصدّق بحضور الناس لغرض الثواب والثناء معا ، بحيث لو كان منفردا لم

__________________

(١) البحار ٦٧ : ٢٤٨ / ٢١.

(٢) مسلم ٨ : ١١.

(٣) إحياء العلوم ٤ : ٣٥١ ، كتاب النيّة والإخلاص.

(٤) نهج البلاغة ١ : ١٢٥ ، الخطبة ٧٥.

(٥) سبق الحديث عن (المحاسن ١ : ٢٦٠ / ٣١٥ ؛ البحار ٦٧ : ٢٠٨ / ٢٦).

(٦) أيضا سبق. عن (أمالي الطوسيّ : ٤٥٤ / ١٠١٣ ـ ١٩ ؛ البحار ٦٧ : ٢٠٨ / ٢٣).

(٧) الملك ٦٧ : ٢.

(٨) الإسراء ١٧ : ٨٤.

(٩) الكافي ٢ : ١٦ / ٤ ؛ البحار ٦٧ : ٢٣٠ / ٦.

٥١٨

يبعثه مجرّد الثواب على الصدقة ، وإن كان يعلم من نفسه أنّه لو لا الرغبة في الثواب لم يبعثه مجرّد الرئاء على الإعطاء.

ولا كمن له ورد في الصلاة وعادة في الصدقات ، واتّفق أن حضر في وقتها جماعة ، فصار الفعل أخفّ عليه وحصل له نشاط مّا بسبب حضورهم ، وإن كان يعلم من نفسه أنّهم لو لم يحضروا أيضا لم يكن يترك العمل أو يفتر عنه ، البتّة.

فأمثال هذه الخواطر ممّا يخلّ بصدق النيّة. وبالجملة فكلّ عمل قصدت به القربة ، وانضاف إليه حظّ من حظوظ الدنيا ، بحيث تركّب الباعث عليه من دينيّ ونفسيّ ، فنيّتك فيه غير صادقة ، سواء كان الباعث الدينيّ أقوى من الباعث النفسيّ أو أضعف أو مساويا (١).

هل كانت نيّة السوء سيّئة؟

قال الشهيد السعيد الإمام أبو عبد الله محمّد بن مكّي العاملي : لا تؤثّر نيّة المعصية عقابا ولا ذمّا ، ما لم يتلبّس بها ، وهو ما ثبت في الأخبار العفو عنه (٢).

ولو نرى المعصية وتلبّس بما يراه معصية ، فظهر خلافها ، ففي تأثير النيّة نظر ؛ من أنّها لمّا لم تصادف المعصيّ فيه ، صارت كنيّة مجرّدة ، وهو غير مؤاخذ بها ؛ ومن دلالتها على انتهاكه الحرمة وجرأته على المعاصي!

وقد ذكر بعض الفقهاء (٣) : أنّه لو شرب المباح متشبّها بشارب المسكر ، فعل حراما.

ولعلّه ليس بمجرّد النيّة ، بل بانضمام فعل الجوارح إليها.

قال : ويتصوّر محلّ النظر في صور :

منها : ما لو وجد امرأة في منزل غيره فظنّها أجنبيّة فأصابها ، فتبيّن أنّها زوجته. ومنها : لو وطأ

__________________

(١) البحار ٦٧ : ٢٣٢ ؛ كتاب الأربعين ؛ ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، ذيل الحديث ٣٧.

(٢) تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة من ذرّيّته عليهم‌السلام بأنّ من همّ بمعصية ولم يعملها ، لم يؤاخذ على نيّته المجرّدة. راجع : صحيح مسلم ١ : ٨٢. والبخاري ٨ : ١٩٨. ومسند أحمد ١ : ٣١٠. والكافي ٢ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، باب من يهمّ بالحسنة أو السيّئة. والبحار ٦٨ : ٢٤٥ ـ ٢٥٦. وسيأتي الكلام عن ذلك.

(٣) هو أبو الصلاح الحلبي في كتابه الكافي في الفقه : ١١٧ (مخلوط بمكتبة السيّد الحكيم العامّة في النجف برقم ٦٤١).

٥١٩

زوجته ظانّا أنّها حائض ، فبانت طاهرة. ومنها : لو هجم على طعام بيد غيره وأكله ، فبان أنّه ملك للآكل. ومنها : لو ذبح شاة بظنّها للغير بقصد العدوان ، فظهرت ملكه. ومنها : ما إذا قتل نفسا بظنّها معصومة ، فبانت مهدورة.

وقد قال بعضهم : يحكم بفسق متعاطي ذلك ، لدلالته على عدم المبالاة بالمعاصي ، ويعاقب في الآخرة ـ ما لم يتب ـ عقابا متوسّطا بين عقاب الكبيرة والصغيرة (١).

قال الشهيد : وكلاهما ـ أي العقاب في الآخرة وأنّه متوسّط بين الأمرين ـ تحكّم وتخرّص بالغيب (٢).

قلت : دلالته على عدم المبالاة بالدين ، بل وعلى خبث الباطن ، ممّا لا شكّ فيه. أمّا أنّه يعاقب وأنّه عقابه كذا ، فهذا رجم بالغيب ، فضلا عمّا ورد من العفو عنه ، وبذلك تظاهرت الروايات.

وقال الشيخ محمّد بهاء الدين ـ في تعليقته على كلام الشهيد ـ : قوله : «لا يؤثّر نيّة المعصية عقابا ولا ذمّا» ، غرضه ـ طاب ثراه ـ : أنّ نيّة المعصية وإن كانت معصية ، إلّا أنّه وردت الأخبار بالعفو عنها ، لم يترتّب عليها عقاب ولا ذمّ ، وإن ترتّب استحقاقهما. ولم يرد أنّ قصد المعصية والعزم عليها غير محرّم ، كما يتبادر إلى بعض الأوهام ، حتّى لو قصد الإفطار ـ مثلا ـ في شهر رمضان ولم يفطر ، لم يكن آثما ، كيف والمصنّف مصرّح في كتب الفروع بتأثيمه (٣).

قال : والحاصل أنّ تحريم العزم على المعصية ممّا لا ريب فيه عندنا ، وكذا عند سائر الفقهاء ، وكتب الفقه والتفسير والحديث مشحونة بذلك ، بل هو من ضروريّات الدين.

ثمّ أخذ في نقل كلام كبار العلماء بهذا الشأن :

قال أبو عليّ الطبرسي ـ عند تفسيره لقوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(٤) من كتابه «جوامع الجامع» (٥) ـ الّذي هو اختصار لتفسير الكشّاف للزمخشري ـ : «يقال للإنسان : لم سمعت ما لا يحلّ لك سماعه ، ولم نظرت إلى ما لا يحلّ لك النظر إليه ، ولم عزمت على ما لا يحلّ لك العزم عليه؟».

__________________

(١) انظر : قواعد الأحكام في مصالح الأنام لعزّ الدين عبد السّلام ١ : ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) القواعد والفوائد ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨ ، الفائدة ٢١.

(٣) راجع : الدروس ١ : ٢١٤ ، كتاب الصوم.

(٤) الإسراء ١٧ : ٣٦.

(٥) جوامع الجامع ٢ : ٣٢٨.

٥٢٠