التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

مُبْصِرُونَ)(١).

فالتعبير بالمسّ لا يراد به الإمساس أو اللمس مباشرة ، بل هي الوسوسة المقيتة المغربة.

***

قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا ...) أي ودليلا على تعسّفهم وخبطهم في الرأي أنّهم حسبوا من الربا نظيرا للبيع. في كونها تبادلا في المال. في حين أنّهم سفهوا في هذا القياس الباطل (مع الفارق) حيث البيع هي تنمية المال بمبادلة السّلع ترفيها وتوسعة على العباد.

أمّا الربا فليس سوى تنمية المال بعين المال ، تضييقا على العباد. (وَ) من ثمّ (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا). والله تعالى لا يحلّ شيئا إلّا ويكون فيه صلاح للناس ومنافع. ولا يحرّم شيئا إلّا ويكون فيه الفساد والدمار : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ)(٢).

(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) ، فمن جاءته هذه العظة وانتهى عن شنائعه ، فله ما سلف ، وأمره فيما تعاطى من الحرام إلى الله ، إن كان صادقا في إيمانه ، نصوحا في توبته ، فسوف يغفر الله له. ولكن (وَمَنْ عادَ) إلى مآثمه الأولى (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) حيث العودة إلى الكفر من أشدّ الكبائر الموجبة للبعد من رحمته تعالى أبديّا. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ)(٣). (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)(٤).

وكيف يكون الربا نظير البيع ، في حين أنّ في الربا مفسدة جاهرة ، وفي البيع منفعة شاملة. كما لا يقاس الربا بالصدقة الّتي هي منحة وسماحة ، على عكس الربا الّذي فيه التضايق والعسرة. (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ). هذا بالنظر إلى الجوامع البشريّة ، فتزداد نشاطا وحيويّة ، إذا ما ساد فيها روح الأريحيّة ، والتعاضد والتكافل الاجتماعي العامّ. فتزداد بركة في الأموال وبهجة وانبساطا في النفوس.

أمّا إذا كان التكالب على الحطام هو السائد على النظام ، فلا يزدادون سوى الشره والتقاعس والانهيار. (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ). كفّار لأنعمه تعالى ، أثيم في تصرّفاته الغاشمة.

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٢٠١.

(٢) الأعراف ٧ : ١٥٧.

(٣) آل عمران ٣ : ٩٠.

(٤) النساء ٤ : ١٣٧.

٤٨١

قوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ)

[٢ / ٨١١٤] أخرج أحمد وابن ماجة وابن جرير والحاكم وصحّحه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الربا وإن كثر فإنّ عاقبته تصير إلى قلّ» (١)(٢).

[٢ / ٨١١٥] وروى أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى محمّد بن الحسن الصفّار عن محمّد بن عيسى عن سماعة بن مهران ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سمعت الله ـ عزوجل ـ يقول في كتابه : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) ، وقد أرى من يأكل الرّبا يربو ماله؟! قال : «فأيّ محق أمحق من درهم الربا يمحق الدين ، وإن تاب ذهب ماله وافتقر!» (٣).

ورواه أيضا بالإسناد إلى عثمان بن عيسى عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : إنّي سمعت الله ـ عزوجل ـ يقول ... إلى آخره.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

وهذا تذييل لما سبق ، فمن آمن عن صدق والتزم بالعمل الصالح ، وقوامه : إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ذلك فرض عبادي وهذا فرض مالي ، فأولئك لهم الأجر ، محفوظا عند ربّهم ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. وهؤلاء قد شملتهم العناية الربّانيّة ودخلوا في ولايته تعالى ، إذن فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لا في عاجله ولا في الآجل. لأنّه في كنفه تعالى حيثما كان.

__________________

(١) القلّ والقلّ : القليل.

(٢) الدرّ ٢ : ١٠٦ ؛ مسند أحمد ١ : ٣٩٥ ؛ ابن ماجة ٢ : ٧٦٥ / ٢٢٧٩ ، باب ٥٨ ، بلفظ : قال : «ما أحد أكثر من الرّبا إلّا كان عاقبة أمره إلى قلّة» ؛ الحاكم ٢ : ٣٧ ، كتاب البيوع ؛ الشعب ٤ : ٣٩٢ / ٥٥١١ ؛ الطبري ٣ : ١٤٤ ، بعد رقم ٤٨٩٥ ، بلفظ : «الربا وإن كثر فإلى قلّ» ؛ ابن كثير ١ : ٣٣٦ ؛ القرطبي ٣ : ٣٦٢ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٨٣ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٠٦ ؛ كنز العمّال ٤ : ١٠٥ / ٩٧٥٨ و ٩٧٨٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩ / ٨٣ ـ ٨٣ ، باب ١ ؛ الفقيه ٣ : ٢٧٩ / ٤٠٠٥ ، باب الربا ؛ القمّي ١ : ٩٣ ؛ البحار ١٠٠ : ١١٧ / ١٢ ، باب ٥ ؛ البرهان ١ : ٥٦٩ ـ ٥٧٠ / ٨ و ٩ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢٠٨.

٤٨٢

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)

وبعد تلك العظة البالغة العامّة الشاملة ، جاء دور توجيه الخطاب إلى الجماعة المسلمة المعاصرة لنزول الخطاب ، فليكفّوا عن شنيعتهم تلك المقيتة ، أمّا إن لم ينتهوا ، فليعلموا أنّهم بإصرارهم على عملهم الجاهليّ القديم ، معلنون بحرب شعواء ضدّ تعاليم الإسلام ، فيصبحوا بعد إيمانهم كفّارا محاربين لله ولرسوله.

لكنّهم إن تابوا وانتهوا عن مراودة الربا ، فإنّ لهم رؤوس أموالهم مجرّدة تعود إليهم ، أمّا الأرباح الّتي كانوا يتوقّعونها فتعود إلى المدينين. لا تظلمون في اقتضاء ربح ، ولا تظلمون في مصادرة رؤوس أموالكم. وهذا هو مقتضى كلّ عقد فاسد ، أو ما تبيّن فساده بعد ، فإنّ كلّا من العوضين يعود إلى صاحبه القديم.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

ولمّا كان قوله تعالى ـ في الآية السابقة ـ : (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) ، قد يستشعر منه استرجاع رؤوس الأموال معجّلة ـ حسب مقتضى انفساخ العقود الباطلة ـ جاءت الآية هنا لاستدراك هذا المعنى ، وأنّ الإسلام لا يفسح المجال للدائن ليطارد المدين المعسر ، حتّى ولو حلّ أجله. فيجب بحكم قانون العدل إنظاره إلى ميسرته ، أو يسمح له بالإبراء والتصدّق بذلك في سبيل مرضاته تعالى. وهذا إحسان إلى جنب ذلك العدل. (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(١).

وهذا هو منهج الإسلام الحنيف ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ومن ثمّ عقّبه بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، فإن كانوا صادقين في إيمانهم فليرضخوا لدستوراته الحكيمة المبتنية على أساس العدل والإحسان.

***

ثمّ يجيء التعقيب العميق الإيحاء ، الّذي ترجف منه النفس المؤمنة ، وتتمنّى لو تنزّل عن الدين كلّه ، ثمّ تمضي ناجية من سخط الله يوم الحساب : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ

__________________

(١) النحل ١٦ : ٩٠.

٤٨٣

ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

فليتّقوا ذلك اليوم الرهيب ، حيث مرجع الناس إليه جميعا ، الدائن والمدين ، الظالم والمظلوم ، الراحم والمرحوم ، فيجازى كلّ حسبما قدّم من عمل صالح أو طالح : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ)(١).

وقفة عند مسألة الربا

من تعاليم الإسلام السامية توظيفه للجماعة المسلمة بأن يقوموا بالقسط والعدل (٢) ، فضلا عن الإحسان ، في تعاملهم مع أبناء جلدتهم في شتّى مناحي الحياة الاجتماعيّة العامّة. ومن بنود هذا التوظيف الجماعي ، أن يقوم التكافل بين المؤمنين بالله ، فيكون بعضهم أولياء بعض (٣) ، وأن ينتفعوا برزق الله الّذي أعطاهم ، على أساس هذا التكافل والتضامن بعضهم لبعض ، فمن وهبه الله سعة ، أفاض من سعته على من قدر عليه رزقه. و (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ. لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(٤).

هذا مع تكليف الجميع بالعمل ، كلّ بحسب طاقته واستعداده ، وفيما يسّر الله له ، فلا يكون أحدهم كلّا على أخيه أو على الجماعة ، وهو قادر على العمل والاكتساب. وجعل الزكاة والفرائض الماليّة محدّدة في أموال الأثرياء ، والصدقات تطوّعا غير محدّد مندوبا إليها.

وهكذا شرط عليهم أن يلتزموا جانب القصد والاعتدال ، ويتجنّبوا السرف والتبذير. وأن يستمتعوا بالطيّبات من الرزق ويتجنّبوا الخبائث. ومن ثمّ تظلّ حاجتهم الاستهلاكيّة للمال وللطيّبات محدودة بحدود الاعتدال ، وتظلّ فضلة رزقهم معرضة لفريضة الزكاة وتطوّع الصدقات. وبخاصّة أنّ الإسلام يطالب المؤمن بتثمير ماله وتكثيره والسعي وراء التجارة المربحة والكسب الحلال.

كما وشرط عليهم أن يلتزموا في تنمية أموالهم وسائل لا ينشأ عنها الأذى أو الإضرار

__________________

(١) غافر ٤٠ : ١٧.

(٢) (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ). (الحديد ٥٧ : ٢٥).

(٣) (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). (التوبة ٩ : ٧١).

(٤) المعارج ٧٠ : ٢٤ ـ ٢٥. وفي الذاريات ٥١ : ١٩ : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).

٤٨٤

بالآخرين ، فلا يكون من جرّائها تعويق أو تعطيل لجريان الأرزاق بين العباد ، ودوران المال في الأيدي على أوسع نطاق ، الأمر الّذي يعني : توزيع الثروة العادل ، فلا تتضخّم الثروات في أيدي الأغنياء ، ويظلّ الفقراء محرومين : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ)(١) ، أي تتداول الأموال على أيدي الأثرياء فحسب ، فتتزايد وتتضخّم ثرواتهم في أحجام هائلة. وهم القلّة من أفراد المجتمع ، ويبقى الفقراء ، وهم الأكثريّة البالغة ، مدقعين ؛ قد أدقع بهم الفقر وأذاقهم الأمرّين من متع الحياة!!

هذا ما كانت عليه الجاهليّة الأولى ، تتشكّل مجتمعاتهم من طبقتين : طبقة راقية موسّع عليهم وفي رفاه بالغ ، وهم القلّة القليلة ، تائهون في نشواتهم ونزقاتهم ، ولا يهمّهم شيء سوى استثمار المعوزين ، مستغلّين فرصة افتقارهم وحاجتهم بالذات ، لا رحمة ولا انصاف.

وهؤلاء الفقراء المعوزون هم الكثرة الكثيرة الّذين يشكّلون الطبقة الأخرى ، الكبيرة حجما ، الحقيرة وضعا وحالا.

جاء الإسلام ليكافح هذه الطّبقيّة الغاشمة الجائرة إلى حدّ بعيد. كما وكتب عليهم الطهارة في النيّة والعمل ، والنظافة في الوسيلة والغاية ، وفرض عليهم قيودا في تنمية المال لا تجعلهم يسلكون إليها سبلا تؤذي ضمير الفرد وخلقه ، أو تؤذي حياة الجماعة وكيانها ... (٢).

والإسلام ، أقام هذا النظام العادل على أساس التصوّر الممثّل لحقيقة الواقع في الوجود ، وعلى أساس عهد الاستخلاف الّذي يحكم كلّ تصرّفات الإنسان المستخلف ، في هذا الملك العريض.

ومن ثمّ فإنّ الربا ـ في حقيقته ـ عمليّة تصطدم مع قواعد التصوّر الإيماني إطلاقا ، لأنّه يصطدم مع النظام في صميم كيانه المبتني على أساس «توزيع الثروة العادل» دون تضخّمها في جانب ، وضئالتها بل ضحالتها في جانب آخر.

وكذلك يصطدم مع أصل السواسيّة في الانتفاع بمباهج الطبيعة ومعطياتها لكلّ عايش في ظلّ رحمتها ، كلّ حسب استعداده وطاقاته ، والمساعي الّتي يبذلها في سبيل التمتّع بلذائذ الحياة.

وكذلك يصطدم مع قانون التعاضد والتعاون والتكافل الاجتماعي ، الحاكم على جميع أنظمة

__________________

(١) الحشر ٥٩ : ٧.

(٢) يراجع : فصل «سياسة الإسلام» في كتاب «العدالة الاجتماعيّة في الإسلام» لمحمّد قطب. (في ظلال القرآن ١ : ٤٦٦ ـ ٤٧٥).

٤٨٥

الحكم الإسلاميّ العادل.

إنّ قضيّة الربا ـ في واقعها ـ استثمار من الأقوياء لجهود الضعفاء ، واستغلال لئيم لموضع حاجتهم بالذات ، وبذلك يصبح المدينون أكرة يعملون في صالح المرابين ، وليس لهم سوى الكدّ والجهد البالغين.

ذلك أنّ المرابي يشترط على المقترض ربحا معيّنا ، من غير ضمان خسارة أو ضرر متوقّع. وليس من اليقين حصول ربح يزيد على ما يتقاضاه صاحب المال.

فسواء ربح العامل أو لم يربح ، وسواء كان ما يربحه يزيد على ما يتقاضاه صاحب المال أو لا يزيد ، أفاد العامل شيئا في عمله أم لم يفد ، ففي جميع هذه الأحوال فإنّ الغريم مطالب بدفع ما فرضه الدائن عليه.

هذا مع العلم بأنّ أكثر من يتقاضا الدّين هم المعوزون ومن ذوي الحاجات المساكين ، الأمر الّذي يزيد في مسكنتهم وفقرهم المدقع. وكان هو الشائع في الجاهليّة ـ ولا يزال ـ إنّ الواحد منهم كان يدفع ماله لغيره إلى أجل ، على أن يأخذ منه كلّ شهر قدرا معيّنا ، ورأس المال باق بحاله. فإذا حلّ الأجل طالبه برأس ماله ، فإن تعذّر عليه الأداءزاده في الحقّ والأجل ، فلا يزال المدين يكدّ ويعمل لدفع ضريبة المال ، بلا أن ينتقص منه شيء. وربما لا يستفيد أكثر ممّا فرض عليه دفعه إلى الدائن فقد بذل جهده بلا أجر.

وبموجب أيّ شيء من العقل والعدل ومبادىء التجارة وقانون الاقتصاد ، يمكن إثبات معقوليّة أن تكون منفعة العاملين في الانتاج ، الّذين صرفوا أوقاتهم وبذلوا جهودهم واستنفدوا كلّ ما لديهم من قوى وطاقات فكريّة وجسديّة ، لإنتاج حاجات المجتمع وتهيئتها ، يأبي كلّ شيء من العقل والعدل أن يكون ربح هذه المساكين غير معيّن ولا مضمون ، ويكون نفع ذلك المرابي الوادع المستريح القابع في بيته ، معيّنا مضمونا ، يدفع إليه كلّ شهر كملا وبلا تأخير ليكون هؤلاء العاملون ـ دائما ـ مهدّدين بالخطر ، ويكون صاحبهم هذا مضمونا ربحه مهما تكن الظروف والأحوال؟!

نعم من المعقول أن يتوافق المالك والعامل بنسبة من الربح الحاصل بينهما ، كما في المضاربة في صيغتها المعهودة لدى العرف والعقلاء ، وتعود الخسارة إلى صاحب المال ، حسبما قرّره الشرع الحنيف. وذلك نظرا لأنّ العامل حينذاك يصبح كالأجير على عمل تجاريّ ونحوه ، فإنّ له الأجر

٤٨٦

وليست عليه خسارة ، إن لم يكن قد قصّر في العمل أو خالف صيغة الاتّفاق.

ومن ثمّ فإنّ في الربا قسوة وجفاء تأباه شريعة العقل والضمير الحيّ ، ويرفضه الخلق الكريم ، الأمر الّذي جعل من الربا مفسدة للحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة ، ومعصية كبيرة لا يغفر لصاحبها ما أصرّ عليها. ومن ثمّ ورد لعنه على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأغلظ في النكير عليه :

[٢ / ٨١١٦] قال الإمام أبو عبد الله عليه‌السلام عند ما سئل عن علّة تحريم الربا : «إنّه لو كان الربا حلالا ، لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه. فحرّم الله الربا لتنفر الناس من الحرام إلى الحلال ، وإلى التجارات من البيع والشراء» (١).

[٢ / ٨١١٧] وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام قال : «إنّما حرّم الله الربا كي لا يمتنع الناس من صنائع المعروف» (٢).

[٢ / ٨١١٨] وقال عليه‌السلام : «حرّم الربا ليتقارض الناس» (٣).

[٢ / ٨١١٩] وقال عليه‌السلام ـ في قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ)(٤) ـ : «يعني بالمعروف القرض. وإنّما حرّم الربا ليتقارض الناس» (٥).

[٢ / ٨١٢٠] وروى أبو جعفر الصدوق بإسناده إلى محمّد بن سنان : أنّ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام كتب إليه في جواب مسائله : «وعلّة تحريم الربا بالنسيئة ، لعلّة ذهاب المعروف ، وتلف الأموال ، ورغبة الناس في الربح [أي بلا تعب ولا عمل نافع] وتركهم القرض. والقرض صنائع المعروف! قال : ولما في ذلك [أي التعامل بالربا] من الفساد والظلم وفناء الأموال» (٦).

[٢ / ٨١٢١] وروى بإسناد رفعه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ومن أكل الربا ملأ الله بطنه من نار جهنّم بقدر ما أكل. وإن اكتسب منه مالا لم يقبل الله منه شيئا من عمله ، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده قيراط منه» (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٢٠ / ٨ ؛ الفقيه ٣ : ٥٦٧ / ٤٩٣٧.

(٢) الوسائل ١٨ : ١٢٠ / ٩ ؛ الفقيه ٣ : ٥٦٧ / ٤٩٣٥.

(٣) القرطبي ٣ : ٣٥٩.

(٤) النساء ٤ : ١١٤.

(٥) فقه القرآن للراوندي ١ : ٣٨٤.

(٦) الوسائل ١٨ : ١٢١ / ١١ ؛ والفقيه ٣ : ٥٦٧ / ٤٩٣٤ ؛ والعيون ٢ : ١٠١ ؛ والعلل : ٤٨٣ / ٤.

(٧) الوسائل ١٨ : ١٢٢ / ١٣ ؛ ثواب الأعمال : ٢٨٥.

٤٨٧

[٢ / ٨١٢٢] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى عثمان بن عيسى عن سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي رأيت الله تعالى قد ذكر الربا في غير آية وكبّره! فقال : «أو تدري لم ذاك؟ قلت : لا ، قال : لئلّا يمتنع الناس من اصطناع المعروف!» (١).

[٢ / ٨١٢٣] وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام أنّه سئل : لم حرّم الله الربا؟ قال : «لئلّا يتمانع الناس المعروف!» (٢).

حرمة الربا مغلّظة

[٢ / ٨١٢٤] فقد أخرج أصحاب الصحاح والمسانيد عن عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضوان الله عليهما ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّه لعن آكل الربا ومؤكله (٣) وشاهديه وكاتبه. وقال : هم سواء» (٤).

[٢ / ٨١٢٥] وفيما رواه الصدوق والشيخ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الربا

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٩٢ ؛ الكافي ٥ : ١٤٦ / ٧ و ٨ ، كتاب المعيشة ، باب الربا ؛ التهذيب ٧ : ١٧ / ٧١ ـ ٧١ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤٨٢ / ٢ ، باب ٢٣٦ ؛ البحار ١٠٠ : ١١٩ ـ ١٢٠ / ٢٥ ، باب ٥ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ ؛ الصافي ١ : ٤٧٦.

(٢) الدرّ ٢ : ١٠٥ ؛ الحلية ٣ : ١٩٤ ؛ ذيل تاريخ بغداد ٣ : ٢١٤ ، الترجمة ٧٨٤ ؛ سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٦٢ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢٠٧ ، بلفظ : «قال الصادق عليه‌السلام : إنّما شدّد في تحريم الربا لئلّا يمتنع الناس من اصطناع المعروف ، قرضا أو رفدا» ؛ التبيان ٢ : ٣٦٢ ، بنحو ما رواه الطبرسي.

(٣) الآكل : الطاعم. والمؤكل : المطعم.

(٤) مسلم ٥ : ٥٠ ، كتاب البيوع ؛ مسند أحمد ١ : ٨٣ ؛ أبو داوود ٢ : ١١٠ / ٣٣٣٣ ، باب ٤. وفيه : وشاهده. و ٢ : ١٤١ / ٣٤٨٣ باب ٢٩ ؛ الترمذي ٢ : ٣٤٠ / ١٢٢٣ ، باب ٢٠. قال : حديث عبد الله حديث حسن صحيح ؛ النسائي ٦ : ٣٠٦ / ١١٠٥٤ ؛ ابن حبّان ١١ : ٣٩٩ / ٥٠٢٣ ؛ البخاري ٣ : ٤٣ ، كتاب البيوع ، و ٧ : ٦٧ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢٠٨ ؛ الأمالي للصدوق : ٥١١ / ٧٠٧ ـ ١ ، المجلس ٦٦ ؛ البحار ٧٣ : ٣٣٠ / ١ ، باب ٦٧ ؛ الحاكم ٢ : ٣٧ ، كتاب البيوع ؛ الشعب للبيهقي ٤ : ٣٩١ / ٥٥٠٨ ؛ البيهقي ٥ : ٢٧٥ ، كتاب البيوع ، أبواب الرّبا ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٦ : ٢٦٩ / ١٠٧٩١ ؛ ابن كثير ١ : ٢٨٦ و ٣٣٦ ، في حديث عليّ وابن مسعود ؛ الثعلبي ٢ : ٢٨٣ ؛ كنز العمّال ٤ : ١٠٦ و ١٠٩ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٠٦ ؛ القرطبي ٣ : ٣٦٤ ؛ البغوي ١ : ٣٨٤.

٤٨٨

وآكله وبائعه ومشتريه وكاتبه وشاهديه» (١).

[٢ / ٨١٢٦] وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شرّ المكاسب كسب الربا» (٢).

[٢ / ٨١٢٧] وعن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : «أخبث المكاسب كسب الربا» (٣).

[٢ / ٨١٢٨] وعن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام قال : «السحت الربا» (٤).

[٢ / ٨١٢٩] وأخرج أبو إسحاق الثعلبي عن الحسن عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أراد الله بقوم هلاكا أظهر فيهم الربا» (٥).

[٢ / ٨١٣٠] وأخرج الحاكم وصحّحه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أربع حقّ على الله أن لا يدخلهم الجنّة ، ولا يذيقهم نعيمها : مدمن الخمر ، وآكل الربا ، وآكل مال اليتيم بغير حقّ ، والعاقّ لوالديه!» (٦).

ربا القرض وربا النقد

قد يكون الربا في قرض بزيادة مشروطة ، فيقرضه ألفا ـ مثلا ـ إلى أجل ، ويشترط عليه فائضا على رأس المال ، يدفعه المدين إلى الدائن عند تمام الأجل أو بأقساط.

وقد يعبّر عنه بربا النسيئة ، تعبيرا عن مصطلح جاهليّ ، كانوا ينسئون الأجل لعدّة مرّات ، في مقابل فائض يتقاضونه بأضعاف مضاعفة.

قال فخر الرازي : «إنّ ربا النسيئة هو الّذي كان مشهورا في الجاهليّة ؛ كان أحدهم يدفع مالا

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٧٤ / ٣٩٩٤ ، باب الربا. و ٤ : ٨ / ٤٩٦٨ ، باب ذكر مناهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ الأمالي : ٥١١ / ٧٠٧ / ١ ، المجلس ٦٦ ؛ التهذيب ٧ : ١٥ / ٦٤ ؛ البحار ٧٣ : ٣٣٠ / ١ ، باب ٦٧ ؛ الصافي ١ : ٤٨٠.

(٢) الفقيه ٤ : ٢٧٢ / ٨٢٨ ؛ الوسائل ١٨ : ١٢٢ / ١٣ ، أبواب الربا.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٧ / ١٢.

(٤) النوادر لأحمد بن محمّد بن عيسى : ١٦٣ / ٤٢٢ ؛ الوسائل ١٨ : ١٢٣ / ٢٠.

(٥) الثعلبي ٢ : ٢٨٣ ؛ مجمع البيان ٢ : ٣٠٩ ، وفيه : «ظهر فيهم الربا» ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٠٦ ؛ كنز العمّال ٤ : ١٠٤ / ٩٧٥١ ؛ الوسائل ١٨ : ١٢٣ / ١٧.

(٦) الدرّ ٢ : ١١٠ ؛ الحاكم ٢ : ٣٧ ، كتاب البيوع ؛ الشعب ٤ : ٣٩٧ / ٥٥٣٠ ؛ كنز العمّال ١٦ : ٦٧ / ٤٣٩٦٦.

٤٨٩

لغيره إلى أجل ، على أن يأخذ منه كلّ شهر قدرا معيّنا ، ورأس المال باق بحاله. فإذا حلّ الأجل ، طالبه برأس ماله ، فإن تعذّر عليه الأداء ، زاده في الحقّ والأجل» (١).

وهذا هو الّذي تغلّظ تحريمه وعظم قبحه وكبر مقته وكثر فساده ونهى الله عنه وأوعد عليه النار. قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ). (٢) أي تلك شنعة كان يرتكبها الجهلاء ، فحاشاكم ـ وأنتم النبهاء ـ أن تكونوا أمثالهم!

والشنعة ، كما تصوّرها القرآن الكريم في أقبح صورها المزرية (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)(٣) أي ألعوبة يتلاعب بها إبليس في تسويلاته الخبيثة ، ومن ثمّ تراه يتخبّط خبط عشواء ولا يلوى على شيء ، إنّما تعني هذا النوع من الربا ، الشائع لدى جميع الأقوام ولا يزال.

أمّا ربا النقد فهو أن يبيع الرجل الشيء بالشيء من جنسه المماثل له ، مع زيادة كبيع الذهب بالذهب ، والدراهم بالدراهم ، والقمح بالقمح ، والشعير بالشعير ، وهكذا. فيدفع الأكثر ليأخذ الأقلّ أو العكس حيث كان أحدهما أدون من الآخر ، فيقع التبادل بين الأدون والأفضل ، بزيادة في طرف الأدون.

وقد ألحق هذا النوع بالربا ، لما فيه من شبه به ، ولما يصاحبه أحيانا من مشاعر مشابهة للمشاعر المصاحبة لعمليّة الربا.

[٢ / ٨١٣١] عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الذهب بالذهب والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح ، كلّا مثلا بمثل ، يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء» (٤).

[٢ / ٨١٣٢] وعنه أيضا قال : «جاء بلال إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتمر برنيّ ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين هذا؟ قال : كان عندنا تمر رديء ، فبعث منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) التفسير الكبير ٧ : ٨٥.

(٢) آل عمران ٣ : ١٣٠ ـ ١٣١.

(٣) البقرة ٢ : ٢٧٥.

(٤) مسلم ٥ : ٤٤ ؛ النسائي ٤ : ٢٨ ـ ٢٩ / ٦١٥٨ ؛ البيهقي ٥ : ٢٧٨.

٤٩٠

أوّه! عين الربا ، لا تفعل. ولكن إذا أردت ان تشتري التمر ، فبع التمر ببيع آخر ثمّ اشتر به» (١).

[٢ / ٨١٣٣] وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، وزن بوزن لا فضل بينهما ، ولا يباع عاجل بآجل» (٢).

[٢ / ٨١٣٤] وأخرج الشافعي ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عبادة بن الصامت : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق ، ولا البرّ بالبرّ ، ولا الشعير بالشعير ، ولا التمر بالتمر ، ولا الملح بالملح ، إلّا سواء بسواء ، عينا بعين ، يدا بيد ، ولكن بيعوا الذهب بالورق ، والورق بالذهب ، والبرّ بالشعير ، والشعير بالبرّ ، والتمر بالملح ، والملح بالتمر ، يدا بيد كيف شئتم ، من زاد أو ازداد فقد أربى!» (٣).

[٢ / ٨١٣٥] وأخرج مالك والشافعي والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلّا مثلا بمثل ، ولا تشفّوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلّا مثلا بمثل ، ولا تشفّوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا غائبا بناجز!» (٤).

__________________

(١) البخاري ٣ : ٦٤ ـ ٦٥ ، كتاب الوكالة ؛ مسلم ٥ : ٤٨ ، كتاب البيوع ؛ النسائي ٤ : ٢٥ / ٦١٤٩ ؛ البيهقي ٥ : ٢٩٦ ؛ القرطبي ٣ : ٣٥٨.

(٢) الدرّ ٢ : ١١١ ؛ مسلم ٥ : ٤٩ ، بلفظ : «حدّثنا سفيان عن عمرو عن أبي صالح ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم مثلا بمثل ، من زاد أو ازداد فقد أربى ، فقلت له : إنّ ابن عبّاس يقول غير هذا؟ فقال : لقد لقيت ابن عبّاس ، فقلت : أرأيت هذا الّذي تقول أشيء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو وجدته في كتاب الله ـ عزوجل ـ؟ فقال : لم أسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم أجده في كتاب الله ولكن حدّثني أسامة بن زيد أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الربا في النسيئة» ؛ البيهقي ٥ : ٢٧٩ ، كتاب البيوع ، أبواب الربا ، بلفظ : «عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما». فمشى عبد الله ومعه نافع حتّى دخل على أبي سعيد الخدري فسأله فقال : بصر عيني وسمع أذني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم وزن بوزن لا فضل بينهما ولا يباع عاجل بآجل».

(٣) الدرّ ٢ : ١١١ ؛ الأمّ ٣ : ١٤ ـ ١٥ ؛ مسلم ٥ : ٤٣ ؛ أبو داوود ٢ : ١١٣ / ٣٣٤٩ و ٣٣٥٠ ، باب ١٢ ؛ النسائي ٤ : ٢٦ / ٦١٥٢ ، باب ٤٣ ؛ ابن ماجة ٢ : ٧٥٧ ـ ٧٥٨ / ٢٢٥٤ ، باب ٤٨ ؛ البيهقي ٥ : ٢٧٦ ؛ البغوي ١ : ٣٨٢ / ٣٢٧.

(٤) الدرّ ٢ : ١١١ ؛ الموطّأ ٢ : ٦٣٢ ـ ٦٣٣ / ٣٠ ، وفيه : «... ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز» ؛ الأمّ ٣ : ٣٠ ؛ البخاري ٣ : ـ ٣٠ ـ ٣١ ، كتاب البيوع ؛ مسلم ٥ : ٤٢ ، كتاب البيوع ، باب الربا ؛ الترمذي ٢ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ / ١٢٥٩ ، باب ٢٤ ؛ النسائي ٤ : ٣٠ / ٦١٦٢ ، باب ٤٨ ؛ البيهقي ٥ : ٢٧٦ ، كتاب البيوع.

٤٩١

الشّفّ : الربح والزيادة. ولا تشفّوا أي لا تزيدوا.

[٢ / ٨١٣٦] وأخرج مالك والشافعي وأبو داوود والترمذي وصحّحه والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن سعد بن وقاص : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن اشتراء الرطب بالتمر فقال : «أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك» (١).

***

وبعد ، فأمّا النوع الأوّل فالربا ظاهر فيه لا يحتاج إلى بيان ، حيث تتوفّر فيه العناصر الأساسيّة لكلّ عمليّة الربا ، وهي : الزيادة على أصل المال ، والأجل الّذي من أجله تؤدّى هذه الزيادة ، وكون الفائدة شرطا مضمونا في التعاقد. أي ولادة المال للمال بسبب المدّة ليس إلّا.

وأمّا النوع الثاني ، فممّا لا شكّ فيه أنّ هناك فروقا أساسيّة في الشيئين المتماثلين ، هي الّتي تقتضي الزيادة ، كما في قضيّة بلال ، حين أعطى صاعين من تمره الرديء وأخذ صاعا من التمر الجيّد. وهذا لا يعدّ زيادة في العرف المعامليّ ، بعد تكافؤ المتبادلين في قيمتها الماليّة. فإنّ صاعا من تمر جيّد ، كان يساوي قيمته صاعين من تمر رديء ، فلا تفاضل هناك ولا ربا في واقع الأمر.

غير أنّ تماثل المتبادلين في الجنس ربما يخلق شبهة أنّ هناك عمليّة ربوية ، حيث التمر يلد التمر ، ومن ثمّ جاء وصفه ـ في الحديث ـ بالربا ، لمكان هذا التشابه! وكان علاج التخلّص منه بيع الصنف الّذي يراد استبداله بالنقد ، ثمّ شراء الصنف المطلوب بالثمن الّذي نقده. إبعادا لشبح الربا من العمليّة تماما.

وكذلك شرط القبض حالا يدا بيد ، كي لا يكون التأجيل في بيع المثل بالمثل ، ولو من غير زيادة ، فيه شبح من الربا ، وعنصر من عناصره!

إلى هذا الحدّ بلغت الحسّاسيّة بشبح الربا في أيّة عمليّة تبادليّة ، وبلغت كذلك حكمته في

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١١٢ ؛ الموطّأ ٢ : ٦٢٤ / ٢٢ ؛ الأمّ ٣ : ١٨ ؛ أبو داوود ٢ : ١١٥ / ٣٣٥٩ ، باب ١٨ ؛ الترمذي ٢ : ٣٤٨ / ١٢٤٣ ، باب ١٤ ؛ النسائي ٣ : ٤٩٦ / ٦٠٣٤ ، باب ٦٤ ؛ ابن ماجة ٢ : ٧٦١ / ٢٢٦٤ ، باب ٥٣ ؛ البيهقي ٥ : ٢٩٤ ، كتاب البيوع ، باب الربا.

٤٩٢

علاج عقليّة الربا الّتي كانت سائدة في الجاهليّة.

[٢ / ٨١٣٧] وهكذا ورد في أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام : «لا يصلح الحنطة والشعير إلّا واحدا بواحد» (١).

غير أنّ الصحيح عندنا هي الكراهة (٢) لا التحريم ، نظرا لموضع الشبه والشبح ، وليس نفسه بالذات ، فلا يشمله لفظ القرآن الخاصّ بما كان ربا في المتفاهم العامّ. كما ورد بشأن المكيل والموزون : أنّ النظر فيهما إلى العامّة (٣).

كما أنّ هناك طرقا للتخلّص من الربا ـ في المتماثلين (٤) ـ خاصّة بربا النقد ولا تجري في ربا القرض ، حسبما فصّلنا الكلام عنه في الفقه.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ)

[٢ / ٨١٣٨] روى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى عليّ بن أسباط عن يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «خلّوا سبيل المعسر كما خلّاه الله!» (٥).

[٢ / ٨١٣٩] وروى بالإسناد إلى عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في يوم حارّ ـ وحنى كفّه (٦) ـ : من أحبّ أن يستظلّ من فور جهنم؟ ـ قالها ثلاث مرّات ـ فقال الناس في كلّ مرّة : نحن يا رسول الله! فقال : «من أنظر غريما أو ترك المعسر» ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال لي عبد الله بن كعب بن مالك : إنّ أبي أخبرني أنّه لزم غريما له في المسجد فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل بيته ونحن جالسان ، ثمّ خرج في الهاجرة فكشف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستره ، فقال : يا كعب! ما زلتما جالسين! قال : نعم بأبي وأمّي. قال : فأشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكفّه : خذ النصف!

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ١٤٠ / ٧ ، باب ٨ من أبواب الربا.

(٢) في الروايات ما يدلّ على هذه الكراهة دون المنع. راجع : الكافي ٥ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ، باب المعاوضة في الطعام. وتمام الكلام في مجاله في الفقه.

(٣) الوسائل ١٨ : ١٣٤ / ٦ ، باب ٦.

(٤) راجع : الوسائل ١٨ : ١٦٢ ، باب ٢٠.

(٥) نور الثقلين ١ : ٢٩٧ ؛ الكافي ٤ : ٣٥ / ٣ ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، باب إنظار المعسر ؛ الفقيه ٢ : ٥٩ / ١٧٠٢ ؛ الصافي ١ : ٤٨١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٦٢.

(٦) حنى كفّه : لواها وعطفها.

٤٩٣

قال : قلت : بأبي وأمّي! ثمّ قال اتبعه ببقيّة حقّك! قال : فأخذت النصف ووضعت له النصف (١)!

[٢ / ٨١٤٠] وروى بالإسناد إلى الحسن بن محبوب عن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على أنبيائه عليهم‌السلام ثمّ قال : أيّها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، ألا ومن أنظر معسرا كان له على الله في كلّ يوم ثواب صدقة بمثل ماله حتّى يستوفيه. ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ). إنّه معسر فتصدّقوا عليه بما لكم عليه فهو خير لكم!» (٢).

[٢ / ٨١٤١] وروى العيّاشي بالإسناد إلى أبان عمّن أخبره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم حارّ : من سرّه أن يظلّه الله في ظلّ عرشه ، يوم لا ظلّ إلّا ظلّه فلينظر غريما أو ليدع لمعسر!».

[٢ / ٨١٤٢] ورواه عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يقيه الله من نفحات جهنّم ، فلينظر معسرا أو ليدع حقّه» (٣).

[٢ / ٨١٤٣] وروى أبو عبد الله المفيد عن محمّد بن عمر الجعابيّ عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد عن عبد الله بن خراش عن أحمد بن [الوليد بن محمّد بن] برد ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عليهم‌السلام عن أبي لبابة بن عبد المنذر : أنّه جاء يتقاضى أبا اليسر [كعب بن عمرو بن عباد السّلمي] دينا عليه ، فسمعه يقول : قولوا له : ليس هو هنا! فصاح أبو لبابة : يا أبا اليسر ، اخرج إليّ! فخرج إليه ، فقال : ما حملك على هذا؟ قال : العسر ، يا أبا لبابة! قال : الله؟ قال : الله!

فقال أبو لبابة : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من أحبّ أن يستظلّ من فور جهنّم؟» قلنا : كلّنا

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ؛ الكافي ٤ : ٣٥ / ٢ ، كتاب الزكاة ، أبواب الصدقة ، باب إنظار المعسر ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٦١ ـ ٤٦٢.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ ؛ الكافي ٤ : ٣٥ ـ ٣٦ / ٤ ؛ الفقيه ٢ : ٥٨ ـ ٥٩ / ١٧٠١ ، باب ثواب إنظار المعسر ؛ البرهان ١ : ٥٧٣ / ١ ؛ الصافي ١ : ٤٨١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٦١.

(٣) العيّاشي ١ : ١٧٤ / ٥١٨ و ٥١٥ ؛ البحار ١٠٠ : ١٥١ / ١٥ ، باب ٤.

٤٩٤

نحبّ ذلك ، يا رسول الله! قال : «فلينظر غريما له أو فليدع لمعسر». (١)

ورواه أبو عليّ الحسن بن محمّد الطوسيّ الملقّب بالمفيد الثاني ـ عن أبيه عن محمّد بن محمّد عن محمّد بن عمر الجعابي ـ وساق السند إلى محمّد بن عليّ عليه‌السلام عن أبي لبابة مثله. إلّا أن في آخره : «فلينظر غريما أو ليدع لمعسر». (٢)

[٢ / ٨١٤٤] ورواه أيضا عن أبيه بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام بالغريّ سنة ٤٥٦ وساق الإسناد إلى أبي المفضّل ، قال : حدّثنا محمّد بن دليل بن بشر الإسكندراني مولى بني هاشم ، ببغداد سنة ٣١٠ عن أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي الكبير ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه محمّد بن عليّ عليهم‌السلام عن أبي لبابة الأنصاري : أنّه جاء يتقاضى أبا اليسر ـ واسمه كعب بن عمر ـ دينا له عليه ، فقال أبو اليسر لأهله : قولوا : ليس هو هنا! فسمعه أبو لبابة ، فصاح به : يا أبا اليسر ، اخرج إليّ! فخرج إليه. فقال : ما حملك على هذا؟ قال : العسر!

فقال أبو لبابة : الله الله! سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من يحبّ منكم أن يستظلّ من فور جهنّم؟» قال : قلنا : كلّنا نحبّ ذلك ، يا نبيّ الله! قال : «من أحبّ ذلك فلينظر غريما أو ليدع معسرا». (٣)

وأورده ورّام بن أبي فراس في تنبيه الخواطر. (٤)

[٢ / ٨١٤٥] ووردت القصّة بنحو آخر من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال : خرجت أنا وأبي نطلب العلم من هذا الحيّ من الأنصار قبل أن يهلكوا ، فكان أوّل من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه غلام له ، معه ضمامة من صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافريّ ، وعلى غلامه بردة ومعافريّ (٥).

__________________

(١) أمالي المفيد : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ٧ ، المجلس ٣٧ (مصنّفات المفيد ١٣ : ٣١٥ ـ ٣١٦).

(٢) أمالي الطوسي : ٤٥٩ / ١٠٢٥ ـ ٣١ ، المجلس ٣. (ترتيب الأمالي ٩ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥).

(٣) أمالي الطوسي : ٨٣ ـ ٨٤ / ١٢٣ ـ ٣٢ ، المجلس ١٣. (ترتيب الأمالي ٩ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦).

(٤) تنبيه الخواطر ٢ : ١٧٩ ـ ١٨٠. (ترتيب الأمالي ٩ : ٣٠٤).

(٥) قال ابن الأثير : المعافريّ : برود باليمن منسوبة إلى معافر ، وهي قبيلة باليمن. والميم زائدة. النهاية ٣ : ٢٦٢.

٤٩٥

فقال له أبي : يا عمّ! إنّي أرى في وجهك سفعة (١) من غضب! قال : أجل ، كان لي على فلان الحراميّ (٢) مال ، فأتيت أهله فسلّمت ، فقلت : أثمّة هو؟ (٣) قالوا : لا. فخرج عليّ ابن له جفر (٤) ، فقلت : أين أبوك؟ فقال : سمع صوتك فدخل أريكة أمّي (٥)! فقلت : اخرج إليّ ، فقد علمت أين أنت! فخرج ، فقلت : ما حملك على أن اختبأت؟ قال : أنا ـ والله ـ أحدّثك ولا أكذبك ، خشيت ـ والله ـ أن أحدّثك فأكذبك ، وأعدك فأخلفك ، وكنت صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنت ـ والله ـ معسرا! قال : قلت : آلله ، وكنت معسرا؟ قال : آلله! فقلت : آلله! قال : آلله ، وكرّر ذلك.

وعند ذلك نشر الصحيفة فمحى الحقّ ، وقال : إن وجدت قضاء فاقضني ، وإلّا فأنت في حلّ! قال : فأشهد لبصرت عيناي هاتان ـ ووضع إصبعيه على عينيه ـ وسمعت أذناي هاتان ـ ووضع إصبعيه في أذنيه ـ ووعاه قلبي ـ وأشار إلى نياط قلبه ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : «من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظلّه الله في ظلّه».

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم. قال : وكذلك روي مختصرا عن زيد بن أسلم وربعيّ بن حراش وحنظلة بن قيس ، كلّهم عن أبي اليسر (٦).

[٢ / ٨١٤٦] وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده ومسلم وابن ماجة عن أبي اليسر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أنظر معسرا أو وضع عنه ، أظلّه الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» (٧).

[٢ / ٨١٤٧] وروى العيّاشي بالإسناد إلى القاسم بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ أبا اليسر ، رجل من الأنصار من بني سليمة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّكم يحبّ أن ينفصل من فور جهنّم؟

__________________

(١) السّفعة : تغيّر لون الوجه إلى حمرة تقرب إلى السواد.

(٢) نسبة إلى بني حرام. وقيل حزامي. وقيل : جذامي.

(٣) أي هل هو هنا؟

(٤) هو الّذي قارب البلوغ.

(٥) سرير فاخر مزيّن.

(٦) أخرجه مسلم في الصحيح (٣٠٠٦) ٨ : ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، في كتاب الزهد ، من حديث جابر الطويل وقصّة أبي اليسر ؛ وشرح الصحيح للنووي ٩ : ١٣٣ ـ ١٣٥ ؛ والحاكم في المستدرك ٢ : ٢٨ ؛ والبيهقي في السنن ٥ : ٣٥٧ ؛ وابن حبّان في صحيحه ١١ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ / ٥٠٤٤ ، كتاب البيوع باب الديون.

(٧) الدرّ ٢ : ١١٣ ؛ مسند أحمد ٣ : ٤٢٧ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد : ١٤٧ / ٣٧٨ ؛ مسلم ٨ : ٢٣٢ ، كتاب الزهد ؛ ابن ماجة ٢ : ٨٠٨ / ٢٤١٩ ، باب ١٤ ؛ الحاكم ٢ : ٢٩ ، كتاب البيوع ؛ الثعلبي ٢ : ٢٨٧ ؛ البغوي ١ : ٣٨٩ / ٣٣٧ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢١٣ ، وفيه : «... أظلّه الله تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه» ؛ أبو الفتوح ٤ : ١١٥ ؛ الوسيط ١ : ٣٩٩.

٤٩٦

فقال القوم : نحن يا رسول الله! فقال : من أنظر غريما أو وضع لمعسر!» (١).

[٢ / ٨١٤٨] وأخرج الطبراني عن أبي اليسر : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ أوّل الناس يستظلّ في ظلّ الله يوم القيامة لرجل أنظر معسرا حتّى يجد شيئا ، أو تصدّق عليه بما يطلبه ، يقول له : ما لي عليك صدقة ، ابتغاء وجه الله ، ويخرق صحيفته» (٢).

[٢ / ٨١٤٩] وأخرج أبو إسحاق الثعلبي عن سعيد بن أبي سعيد عن أخيه عن أبيه : أنّ جابر بن عبد الله خرج إلى غريم له يتقاضاه فقال : ها هنا؟ فقالوا : لا. فتنحّى ، فلم يلبث أن خرج مستحييا منه ، فقال : ما حملك على أن تحبسني حقّي ، وتغيّب وجهك عنّي؟ قال : العسرة ، فقال : قال الله : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) فأخرج كتابه فمحاه (٣).

[٢ / ٨١٥٠] وهكذا روي عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه : أنّه كان يطلب رجلا بحقّ ، فاختبأ منه ، فقال : ما حملك على ذلك؟ قال : العسرة! فاستحلفه على ذلك فحلف ، فدعا بصكّه فأعطاه إيّاه ، وقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من أنظر معسرا أو وضع له أنجاه الله من كرب يوم القيامة» (٤).

[٢ / ٨١٥١] وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي قتادة وجابر بن عبد الله : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة ، وأن يظلّه تحت عرشه فلينظر معسرا» (٥).

[٢ / ٨١٥٢] وروى العيّاشي بالإسناد إلى أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يقيه الله من نفحات جهنّم ، فلينظر معسرا أو ليدع له من حقّه!» (٦).

[٢ / ٨١٥٣] وأخرج مسلم والترمذي عن أبي مسعود البدريّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حوسب رجل ممّن كان قبلكم ، فلم يوجد له من الخير شيء إلّا أنّه كان يخالط الناس وكان موسرا ، وكان

__________________

(١) العيّاشي ١ : ١٧٤ / ٥١٦.

(٢) الدرّ ٢ : ١١٥ ؛ الكبير ١٩ : ١٦٧ / ٣٧٧ ؛ مجمع الزوائد ٤ : ١٣٤ ، قال الهيثمي : إسناده حسن.

(٣) الثعلبي ٢ : ٢٨٨ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١١٦ ـ ١١٧.

(٤) البغوي ١ : ٣٨٨ / ٣٣٥ ؛ البيهقي ٦ : ٥٣ ، كتاب التفليس ، وفيه : «فاختفى منه» بدل : «فاختبأ منه».

(٥) الدرّ ٢ : ١١٤ ؛ الأوسط ٥ : ٣١ ـ ٣٢ / ٤٥٩٢ ؛ مجمع الزوائد ٤ : ١٣٤ ، قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح.

(٦) العيّاشي ١ : ١٧٤ / ٥١٥ ؛ البحار ١٠٠ : ١٥١ / ١٣ ، باب ٤.

٤٩٧

يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر. قال الله : نحن أحقّ بذلك منه! تجاوزوا عنه» (١).

[٢ / ٨١٥٤] وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ رجلا كان لم يعمل خيرا إلّا أنّه كان يداين الناس ، وكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعلّ الله يتجاوز عنّا ، فلقى الله فتجاوز عنه» (٢).

وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن حذيفة ، قريبا منه (٣).

آخر آية نزلت

قيل : إنّ قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). هي آخر ما نزلت من القرآن.

[٢ / ٨١٥٥] فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جاءني بها جبرائيل وقال : اجعلها على رأس المائتين والثمانين آية من سورة البقرة».

وعاش صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدها أيّاما قلائل ، ثلاث ليال (٤) ، أو سبعا (٥) ، أو تسعا (٦) ، أو أحدا وعشرين

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١١٥ ؛ مسلم ٥ : ٣٣ ، كتاب البيوع ؛ الترمذي ٢ : ٣٨٥ ـ ٣٨٦ / ١٣٢٢ ، باب ٦٥ ؛ البيهقي ٥ : ٣٥٦ ؛ كنز العمّال ٦ : ٢١٥ / ١٥٣٩٦ ؛ القرطبي ٣ : ٣٧٤.

(٢) الدرّ ٢ : ١١٥ ؛ البخاري ٤ : ١٥٢ ، كتاب الأنبياء ؛ مسلم ٥ : ٣٣ ، كتاب البيوع ، باب فضل إنظار المعسر ؛ النسائي ٤ : ٦٠ / ٦٢٩٤ ، باب ١٠٦ ؛ الحاكم ٢ : ٢٨ ، كتاب البيوع و ٣٠٦ ، كتاب التفسير. بلفظ : «عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنّ رجلا لم يعمل خيرا قطّ وكان يداين الناس فيقول لرسوله ، خذ ما تيسّر واترك ما عسر وتجاوز ، لعل الله يتجاوز عنّا ، فلمّا هلك ، قال الله : هل عملت خيرا قطّ؟ قال : لا ، إلّا أنّه كان لي غلام وكنت أداين الناس فإذا بعثته يتقاضى ، قلت له : خذ ما تيسّر واترك ما تعسّر وتجاوز ، لعلّ الله يتجاوز عنّا! قال الله : فقد تجاوزت عنك. قال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ...» ؛ ابن كثير ١ : ٣٣٩ ؛ الوسيط ١ : ٣٩٩.

(٣) الدرّ ٢ : ١١٣ ؛ مسند أحمد ٤ : ١١٨ ؛ البخاري ٣ : ٩ ، كتاب البيوع ؛ مسلم ٥ : ٣٣ ، كتاب البيوع ؛ الحاكم ٢ : ٣٠٦ ، كتاب التفسير ؛ الثعلبي ٢ : ٢٨٨ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١١٦ ؛ كنز العمّال ٦ : ٢١٥ ـ ٢١٦ / ١٥٣٩٩ ؛ ابن كثير ١ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٤) قال القرطبي ٣ : ٢٧٥ : وروي بثلاث ليال.

(٥) عن ابن جبير ومقاتل. (الثعلبي ٢ : ٢٩٠ ؛ القرطبي ٣ : ٣٧٥ ؛ أبو الفتوح ٤ : ١٢١).

(٦) أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير. (٢ : ٥٥٤). وأخرجه الطبري (٣ : ١٥٧) ، عن ابن عبّاس. وتفسير مقاتل ١ : ٢٢٨.

٤٩٨

يوما (١) ، أو أحدا وثمانين يوما (٢) ، على اختلاف الروايات.

وقيل : غير ذلك. قال القرطبي : وروي أنّها نزلت قبل موته بثلاث ساعات ، وقال : اجعلوها بين آية الربا والدين (٣). وهو عجيب : وقد استوفينا الكلام في ذلك في التمهيد (٤).

قلت : الظاهر من الآية كونها تعقيبا لفريضة فرضها الله وأكّد عليها ، ومن ثمّ عقّبها بهذا الإنذار والحذر عن خاتمة السوء.

الأمر الّذي يستدعي نزولها تلو آيات الربا ، لما فيها من التشديد والإنذار. فلعلّ الرواية بأنّها نزلت مستقلّة ، تعني : تأخّر نزولها بفترة ، ومن ثمّ أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موضعها اللّائق بها ، حيث هي الآن.

وعليه يحمل ما ورد أنّ آيات الربا والدين آخر عهدا بالعرش. ولعلّه نظرا إلى موضع هذه الآية بين تلك الآيات!

[٢ / ٨١٥٦] أخرج ابن جرير بسند صحيح عن سعيد بن المسيّب : أنّه بلغه أنّ أحدث القرآن بالعرش آية الدين (٥)!

[٢ / ٨١٥٧] وهكذا أخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن شهاب ، قال : آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين (٦).

__________________

(١) رواه الثعلبي (٢ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠) ، غير منسوب. ورواه القرطبي (٣ : ٣٧٥) عن ابن عمر.

(٢) روي ذلك عن ابن عبّاس ، قال : وكان نزولها بمنى. (الثعلبي ٢ : ٢٨٩. دلائل النبوّة للبيهقي ٧ : ١٣٧).

(٣) القرطبي ٣ : ٣٧٥.

(٤) راجع : التمهيد ١ : ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٥) الدرّ ٢ : ١١٧ ؛ الطبري ٣ : ١٥٧ / ٤٩٤٥ ؛ ابن كثير ١ : ٣٤١ ؛ القرطبي ٣ : ٣٧٧.

(٦) الدرّ ٢ : ١١٧ ؛ فضائل القرآن : ٢٢٤ / ٢٢ ـ ٥٦.

٤٩٩

قال تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٨٢) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤))

هذه أحكام خاصّة بالدين والتجارة والرهن ، جاءت تكملة لأحكام سابقة ، كانت بشأن الصدقة والربا ، فقد اهتمّ الإسلام بنظام أحوال المسلمين في أموالهم ، فابتدأ بما به قوام عامّتهم من التعاضد والتكافل ، ومواساة الأغنياء للفقراء وإغاثة الملهوفين ووضّح ذلك بما فيه عبرة للمعتبر. ثمّ عطف الكلام إلى التحذير من مضايقة المحتاجين وإحراجهم في معاملات ربوبيّة محرجة.

وعقّب ذلك كلّه ببيان التوثّقات الماليّة في تبادلاتهم ، ولا سيّما الخطيرة ، بالإشهاد والكتابة والرهن والاستيثاق. وأنّ تحديد التوثّق في المعاملات من أعظم وسائل تغشّي روح الثقة بين المتعاملين ، وذلك من شأنه تكثير عقود المعاملات ودوران دولاب التموّل ، على أسسه الحكيمة.

٥٠٠