التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

كراهيّة ردّ السائل

[٢ / ٧٩١٤] وبإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تقطعوا على السائل مسألته ، فلو لا أنّ المساكين يكذبون ما أفلح من ردّهم».

[٢ / ٧٩١٥] وعن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أعط السائل ولو كان على ظهر فرس».

[٢ / ٧٩١٦] وعن إسحاق بن عمّار ، عن الوصّافي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان فيما ناجى الله عزوجل به موسى عليه‌السلام قال : يا موسى ، أكرم السائل ببذل يسير أو بردّ جميل ، لأنّه يأتيك من ليس بإنس ولا جانّ ، ملائكة من ملائكة الرحمان ، يبلونك فيما خوّلتك ، ويسألونك عمّا نوّلتك ، فانظر كيف أنت صانع ، يا ابن عمران!».

[٢ / ٧٩١٧] وعن سعيد بن المسيّب ، قال : حضرت عليّ بن الحسين عليه‌السلام يوما حين صلّى الغداة ، فإذا سائل بالباب ، فقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «أعطوا السائل ولا تردّوا سائلا».

[٢ / ٧٩١٨] وعن أبي أسامة زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما منع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سائلا قطّ ، إن كان عنده أعطى ، وإلّا قال : يأتي الله به».

[٢ / ٧٩١٩] وعن حفص بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تردّوا السائل ولو بظلف محترق» (١).

قدر ما يعطى للسائل

[٢ / ٧٩٢٠] عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد عن الحسين بن مختار عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «صحبته بين مكّة والمدينة فجاءه سائل فأمر أن يعطى ، ثمّ جاء آخر فأمر أن يعطى ، ثمّ جاء ثالث فأمر أن يعطى. ولمّا جاء الرابع قال له أبو عبد الله عليه‌السلام : وسّع الله عليك (٢). ثمّ التفت إلينا وقال : أما إنّ عندنا ما نعطيه ، ولكن أخشى أن نكون كأحد الثلاثة الّذين لا يستجاب لهم :

__________________

(١) المصدر : ١٥.

(٢) هذا نسخة الفقيه ٢ : ٦٩ / ١٧٤٧. وفي نسخة الكافي هنا (٤ : ١٦) : يسع الله عليك. وفي باب الدعاء (٢ : ٥١٠) : يشبعك الله. والأصحّ ما في الفقيه.

٤٤١

رجل أعطاه الله مالا فأنفقه في غير حقّه ، ثمّ يقول : اللهمّ ارزقني! فلا يستجاب له. ورجل يدعوا على امرأته أن يريحه الله منها ، وقد جعل الله أمرها إليه. ورجل يدعو على جاره ، وقد جعل الله له السبيل إلى أن يتحوّل من جواره» (١).

وفي الفقيه : الثلاثة الّذين لا يستجاب لهم : أحدهم من أنفق ماله في غير وجهه ، ورجل جلس في بيته لا يسعى في طلب الرزق. ورجل ابتلى بامرأة تؤذيه ، وقد جعل الله أمرها بيده (٢).

[٢ / ٧٩٢١] وعن عليّ بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في السؤال : «أطعموا ثلاثة إن شئتم أن تزدادوا ، فازدادوا ، وإلّا فقد أدّيتم حقّ يومكم» (٣).

دعاء المتصدّق عليه

[٢ / ٧٩٢٢] روى الكليني بإسناده عن زياد القنديّ عمّن ذكره ، قال : «إذا أعطيتموهم فلقّنوهم الدعاء ، فإنّه يستجاب لهم الدعاء فيكم ولا يستجاب لهم في أنفسهم».

[٢ / ٧٩٢٣] وعن الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «لا تحقّروا دعوة أحد ، فإنّه يستجاب لليهوديّ والنصرانيّ فيكم ، ولا يستجاب لهم في أنفسهم» (٤).

مباشر الصدقة شريك لصاحبها في الأجر

[٢ / ٧٩٢٤] وبإسناده عن صالح بن رزين قال : دفع إليّ شهاب بن عبد ربّه دراهم من الزكاة أقسّمها ، فأتيته يوما فسألني هل قسّمتها؟ فقلت : لا ، فأسمعني كلاما فيه بعض الغلظة ، فطرحت ما كان بقي معي من الدراهم وقمت مغضبا ، فقال لي : ارجع حتّى أحدّثك بشيء سمعته من جعفر بن محمّد عليه‌السلام فرجعت ، فقال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي إذا وجدت زكاتي أخرجتها ، فأدفع منها إلى من أثق به يقسّمها؟ قال : نعم لا بأس بذلك ، أما إنّه أحد المعطين ، قال صالح : فأخذت الدراهم حيث سمعت الحديث فقسّمتها.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٥١٠ / ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٦٩ / ١٧٤٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٦ ـ ١٧.

(٤) المصدر : ١٧.

٤٤٢

[٢ / ٧٩٢٥] وعن أبي نهشل عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لو جرى المعروف على ثمانين كفّا لأجروا كلّهم فيه ، من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا».

[٢ / ٧٩٢٦] وعن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يعطي الدراهم يقسّمها قال : «يجري له ما يجري للمعطي ولا ينقص المعطي من أجره شيئا» (١).

فضل الإيثار

[٢ / ٧٩٢٧] وبإسناده عن سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ليس عنده إلّا قوت يومه أيعطف من عنده قوت يومه على من ليس عنده شيء ، ويعطف من عنده قوت شهر على من دونه ، والسنة على نحو ذلك ، أم ذلك كلّه الكفاف الّذي لا يلام عليه؟ فقال : هو أمران أفضلكم فيه أحرصكم على الرغبة والأثره على نفسه ، فإنّ الله عزوجل يقول : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)(٢). والأمر الآخر لا يلام على الكفاف. واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول.

[٢ / ٧٩٢٨] وعن عليّ بن سويد السائي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : قلت له : أوصني! فقال : «آمرك بتقوى الله ، ثمّ سكت. فشكوت إليه قلّة ذات يدي ، وقلت : والله لقد عريت حتّى بلغ من عريتي أنّ أبا فلان نزع ثوبين كانا عليه وكسانيهما. فقال : صم وتصدّق. قلت : أتصدّق ممّا وصلني به إخواني وإن كان قليلا؟ قال : تصدّق بما رزقك الله ولو آثرت على نفسك».

[٢ / ٧٩٢٩] وعن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «قلت له : أيّ الصدقة أفضل؟ قال : جهد المقلّ ، أما سمعت قول الله عزوجل : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) ترى ها هنا فضلا» (٣).

كراهيّة السؤال من غير حاجة

[٢ / ٧٩٣٠] وبإسناده عن مالك بن عطيّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «ضمنت على ربّي أنّه لا يسأل أحد من غير حاجة إلّا اضطرّته المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة».

__________________

(١) المصدر : ١٧ ـ ١٨.

(٢) الحشر ٥٩ : ٩.

(٣) الكافي ٤ : ١٨ ـ ١٩.

٤٤٣

[٢ / ٧٩٣١] وعن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ : اتّبعوا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه قال : «من فتح على نفسه باب مسألة فتح الله عليه باب فقر».

[٢ / ٧٩٣٢] وعن مالك بن حصين ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من عبد يسأل من غير حاجة فيموت حتّى يحوجه الله إليها ويثبت الله له بها النار» (١).

كراهيّة المسألة ذاتا

[٢ / ٧٩٣٣] وبإسناده عن الحسين بن حمّاد عمّن سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إيّاكم وسؤال الناس ، فإنّه ذلّ في الدنيا وفقر تعجّلونه ، وحساب طويل يوم القيامة».

[٢ / ٧٩٣٤] وعن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا محمّد لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا ، ولو يعلم المعطي ما في العطيّة ما ردّ أحد أحدا».

[٢ / ٧٩٣٥] وعن أحمد بن النضر ، رفعه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأيدي ثلاث : يد الله العليا ، ويد المعطي الّتي تليها ، ويد المعطى أسفل الأيدي ، فاستعفّوا عن السؤال ما استطعتم ، إنّ الأرزاق دونها حجب ، فمن شاء قنى حياءه (٢) وأخذ رزقه ، ومن شاء هتك الحجاب وأخذ رزقه. والّذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلا ثمّ يدخل عرض هذا الوادي فيحتطب حتّى لا يلتقي طرفاه (٣) ثمّ يدخل به السوق فيبيعه بمدّ من تمر ، ويأخذ ثلثه ويتصدّق بثلثيه ، خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو حرموه».

[٢ / ٧٩٣٦] وعن إبراهيم بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أحبّ شيئا لنفسه وأبغضه لخلقه ؛ أبغض لخلقه المسألة (٤) وأحبّ لنفسه أن يسأل. وليس شيء أحبّ إلى الله من أن يسأل ، فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله من فضله ولو بشسع نعل».

[٢ / ٧٩٣٧] وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «جاءت فخذ من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّموا عليه ، فردّ عليهم‌السلام ، فقالوا : يا رسول الله : لنا إليك حاجة. فقال : هاتوا حاجتكم ، قالوا :

__________________

(١) المصدر : ١٩.

(٢) أي حفظه دون الهتك.

(٣) أي لا يلتقي طرفا الحبل لكثرته.

(٤) أي أن يسألوا. أي أبغض أن يسأل السائل غيره تعالى.

٤٤٤

إنّها حاجة عظيمة. فقال : هاتوها ما هي؟ قالوا : تضمن لنا على ربّك الجنّة؟ فنكس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه ثمّ نكت في الأرض ثمّ رفع رأسه فقال : أفعل ذلك بكم ، على أن لا تسألوا أحدا شيئا. فكان الرجل منهم يكون في السفر فيسقط سوطه فيكره أن يقول لإنسان : ناولنيه ، فرارا من المسألة ، فينزل فيأخذه. ويكون على المائدة فيكون بعض الجلساء أقرب إلى الماء منه فلا يقول : ناولني حتّى يقوم فيشرب».

[٢ / ٧٩٣٨] وعن الحسين بن أبي العلاء ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «رحم الله عبدا عفّ وتعفّف وكفّ عن المسألة ، فإنّه يتعجّل الدنيّة في الدنيا ، ولا يغني الناس عنه شيئا». قال : ثمّ تمثّل أبو عبد الله عليه‌السلام ببيت حاتم :

إذا ما عرفت اليأس ألفيته الغنى

إذا عرفته النّفس ، والطّمع الفقر

[٢ / ٧٩٣٩] وعن مفضّل بن قيس بن رمّانة قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فذكرت له بعض حالي ، فقال : «يا جارية هات ذلك الكيس ، هذه أربعمائة دينار وصلني بها أبو جعفر (المنصور) فخذها وتفرّج بها! قال : فقلت : لا والله جعلت فداك ما هذا دهري ولكن أحببت أن تدعو الله ـ عزوجل ـ لي ، قال : فقال : إنّي سأفعل ولكن إيّاك أن تخبر الناس بكلّ حالك فتهون عليهم!».

[٢ / ٧٩٤٠] وروي عن لقمان أنّه قال لابنه : يا بنيّ ذقت الصّبر وأكلت لحاء الشجر (١) فلم أجد شيئا هو أمرّ من الفقر ، فإن بليت به يوما ، لا تظهر الناس عليه ، فيستهينوك ولا ينفعوك بشيء ، ارجع إلى الّذي ابتلاك به ، فهو أقدر على فرجك وسله ، من ذا الّذي سأله فلم يعطه أو وثق به فلم ينجه!

المنع من المنّ

[٢ / ٧٩٤١] وبإسناده عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ كره لي ستّ خصال وكرهتها للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي ، منها المنّ بعد الصدقة» (٢).

والحديث أورده الصدوق كملا في الخصال :

__________________

(١) الصّبر : عصارة شجر مرّ. ولحاء الشجر : قشرته.

(٢) الكافي ٤ : ٢٢.

٤٤٥

[٢ / ٧٩٤٢] عن إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله ـ عزوجل ـ كره لي ستّ خصال ، وكرههنّ للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي : العبث في الصلاة. والرّفث في الصوم. والمنّ بعد الصدقة. وإتيان المساجد جنبا. والتطلّع في الدور. والضحك بين القبور» (١).

[٢ / ٧٩٤٣] رجع الحديث إلى رواية الكليني عن أحمد بن أبي عبد الله رفعه ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المنّ يهدم الصنيعة» (٢).

العطيّة قبل المسألة

[٢ / ٧٩٤٤] وبإسناده عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ بعث إلى رجل بخمسة أو ساق من تمر البغيبغة (٣) وكان الرجل ممّن يرجو نوافله ويؤمّل نائله ورفده ، وكان لا يسأل عليّا عليه‌السلام ولا غيره شيئا. فقال رجل لأمير المؤمنين : والله ما سألك فلان ، ولقد كان يجزئه من الخمسة الأوساق وسق واحد! فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا كثّر الله في المؤمنين ضربك ، أعطي أنا وتبخل أنت! لله أنت ، إذا أنا لم أعط الّذي يرجوني إلّا من بعد المسألة ، ثمّ أعطيه بعد المسألة ، فلم أعطه ثمن ما أخذت منه ، وذلك لأنّي عرّضته أن يبذل لي وجهه الّذي يعفّره في التراب لربّي وربّه عند تعبّده له وطلب حوائجه إليه ، فمن فعل هذا بأخيه المسلم ، وقد عرف أنّه موضع لصلته ومعروفه ، فلم يصدّق الله ـ عزوجل ـ في دعائه له حيث يتمنّى له الجنّة بلسانه ، ويبخل عليه بالحطام من ماله ، وذلك أنّ العبد قد يقول في دعائه : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات. فإذا دعا لهم بالمغفرة فقد طلب لهم الجنّة ، فما أنصف من فعل هذا بالقول ولم يحقّقه بالفعل».

[٢ / ٧٩٤٥] وعن أحمد بن نوح بن عبد الله عن الذّهليّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المعروف ابتداء ؛ وأمّا من أعطيته بعد المسألة ، فإنّما كافيته بما بذل لك من وجهه ، يبيت ليلته أرقا متململا ، يمثل بين

__________________

(١) الخصال ١ : ٣٢٧ / ١٩ ، باب الستّة.

(٢) الكافي ٤ : ٢٢.

(٣) الوسق : ستّون صاعا. وقيل : حمل بعير. والبغيبغة : قال ياقوت (١٥ : ٤٦٩) : كأنّه تصغير البغبغة ، وهو ضرب من هدير الحمام. والبغيبغة : البئر القريبة الرشاء. قال الطريحي (مجمع البحرين ٥ : ٥ ـ ٦) : هي ضيعة أو عين بالمدينة غزيرة كثيرة النخل لآل الرسول. وعن تاريخ المدينة : عيون عملها الإمام أمير المؤمنين بينبع. وكانت كثيرة الثمر وقد بلغ جذاذها ألف وسق.

٤٤٦

الرجاء واليأس (١) لا يدري أين يتوجّه لحاجته ، ثمّ يعزم بالقصد لها فيأتيك وقلبه يرجف ، وفرائصه ترعد ، قد ترى دمه في وجهه ، لا يدري أيرجع بكآبة أم بفرح!».

[٢ / ٧٩٤٦] وعن ياسر عن اليسع بن حمزة ، قال : كنت في مجلس أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أحدّثه ، وقد اجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام ، إذ دخل عليه رجل طوال آدم (٢) فقال : السّلام عليك يا ابن رسول الله ، رجل من محبّيك ومحبّي آبائك وأجدادك عليهم‌السلام مصدري من الحجّ ، وقد افتقدت نفقتي ، وما معي ما أبلغ مرحلة ، فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي ولله عليّ نعمة ، فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالّذي تولّيني عنك ، فلست موضع صدقة! فقال له : اجلس رحمك الله ، وأقبل على الناس يحدّثهم حتّى تفرّقوا ، وبقي هو وسليمان الجعفريّ وخيثمة وأنا فقال : أتأذنون لي في الدخول؟ فقال له سليمان : قدّم الله أمرك ، فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ثمّ خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلى الباب وقال : أين الخراسانيّ؟ فقال : ها أنا ذا ، فقال : خذ هذه المائتي دينار واستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرّك بها ولا تصدّق بها عنّي ، واخرج فلا أراك ولا تراني (٣) ، ثمّ خرج ، فقال له سليمان : جعلت فداك ، لقد أجزلت ورحمت ، فلماذا سترت وجهك عنه؟ فقال : مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته ، أما سمعت حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المستتر بالحسنة يعدل سبعين حجّة ، والمذيع بالسيّئة مخذول ، والمستتر بها مغفور له» ، أما سمعت قول الأوائل :

متى آته يوما لأطلب حاجة

رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه

[٢ / ٧٩٤٧] وعن عليّ بن إبراهيم بإسناد ذكره عن الحارث الهمدانيّ قال : سامرت أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ (٤) فقلت : يا أمير المؤمنين ، عرضت لي حاجة. قال : فرأيتني لها أهلا؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين! قال : جزاك الله عنّي خيرا ، ثمّ قام إلى السراج فأغشاها وجلس ، ثمّ قال : إنّما أغشيت السراج لئلّا أرى ذلّ حاجتك في وجهك فتكلّم. فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحوائج أمانة من الله في صدور العباد ، فمن كتمها كتبت له عبادة ، ومن أفشاها كان حقّا على من سمعها أن يعنيه» ، أي يهتمّ به.

__________________

(١) أي يشخص بين الحالتين ، كناية عن مثوله حيرانا لا يلوى على شيء.

(٢) أي أسمر اللون. يقال به أدمة أي سمرة فهو آدم.

(٣) أي لا يقع وجهك في وجهي فتخجل.

(٤) المسامرة : المحادثة ليلا.

٤٤٧

[٢ / ٧٩٤٨] وعن بندار بن عاصم ، رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال : «ما توسّل إليّ أحد بوسيلة ، ولا تذرّع بذريعة ، أقرب له إلى ما يريده منّي ، من رجل سلف إليه منّي يد أتبعتها أختها وأحسنتها ، فإنّي رأيت منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل (١) ، ولا سخت نفسي بردّ بكر الحوائج وقد قال الشاعر :

وإذا بليت ببذل وجهك سائلا

فابذله للمتكرّم المفضال

إنّ الجواد إذا حباك بموعد

أعطاكه سلسا بغير مطال

وإذا السؤال مع النّوال قرنته

رجح السؤال وخفّ كلّ نوال» (٢)

صنائع المعروف

[٢ / ٧٩٤٩] وبإسناده عن إسماعيل بن عبد الخالق الجعفيّ ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ من بقاء المسلمين وبقاء الإسلام ، أن تصير الأموال عند من يعرف فيها الحقّ ويصنع فيها المعروف ؛ فإنّ من فناء الإسلام وفناء المسلمين أن تصير الأموال في أيدي من لا يعرف فيها الحقّ ولا يصنع فيها لمعروف!».

[٢ / ٧٩٥٠] وعن أبي حمزة الثماليّ قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ الله ـ عزوجل ـ جعل للمعروف أهلا من خلقه ، حبّب إليهم فعاله ، ووجّه لطلّاب المعروف الطلب إليهم ، ويسّر لهم قضاءه ، كما يسّر الغيث للأرض المجدبة ليحييها ويحيي به أهلها ، وإنّ الله جعل للمعروف أعداء من خلقه ، بغّض إليهم المعروف ، وبغّض إليهم فعاله ، وحظر على طلّاب المعروف الطلب إليهم ، وحظر عليهم قضاءه ، كما يحرم الغيث (٣) على الأرض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها ، وما يعفو الله أكثر».

[٢ / ٧٩٥١] وأيضا عنه قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ من أحبّ عباد الله إلى الله لمن حبّب إليه المعروف وحبّب إليه فعاله» (٤).

__________________

(١) اليد : النعمة. والبكر : الابتداء. وإضافة المنع والشكر إلى الأواخر والأوائل إضافة إلى المفعول ، والمعنى : إنّ أحسن الوسائل إلى السؤال تقدّم العهد بالسؤال ، فإنّ المسؤول ثانيا لا يردّ السائل الأوّل ، لئلّا يقطع شكره على سابق الفضل عليه.

(٢) الكافي ٤ : ٢٢ ـ ٢٥.

(٣) أي يمنع. والأرض المجدبة : اليابسة القاحلة لا تنبت ، بسبب فقد المطر.

(٤) الكافي ٤ : ٢٥.

٤٤٨

فضل المعروف

[٢ / ٧٩٥٢] وعن عبد الأعلى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ معروف صدقة ، وأفضل الصدقة صدقة عن ظهر غنى. وابدأ بمن تعول ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، ولا يلوم الله على الكفاف».

[٢ / ٧٩٥٣] وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ معروف صدقة».

[٧٩٥٤ / ١] وعن سعدان بن مسلم عن أبي يقظان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «رأيت المعروف كاسمه ، وليس شيء أفضل من المعروف إلّا ثوابه ، وذلك يراد منه ، وليس كلّ من يحبّ أن يصنع المعروف إلى الناس يصنع ، وليس كلّ من يرغب فيه يقدر عليه ، ولا كلّ من يقدر عليه يؤذن له فيه ، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والإذن ، فهنالك تمّت السعادة للطالب والمطلوب إليه».

[٢ / ٧٩٥٥] وعن جعفر بن محمّد الأشعري عن ابن القدّاح عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ معروف صدقة ، والدالّ على الخير كفاعله ، والله ـ عزوجل ـ يحبّ إغاثة اللهفان».

[٢ / ٧٩٥٦] وعن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المعروف شيء سوى الزكاة ، فتقرّبوا إلى الله ـ عزوجل ـ بالبرّ وصلة الرحم».

[٢ / ٧٩٥٧] وعن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى من ليس من أهله ، فإن لم يكن هو من أهله فكن أنت من أهله».

[٢ / ٧٩٥٨] وعن عبد الله بن القاسم عن رجل من أهل ساباط ، قال : قال : «أبو عبد الله عليه‌السلام لعمّار : يا عمّار! أنت ربّ مال كثير؟ قال : نعم جعلت فداك! قال : فتؤدّي ما افترض الله عليك من الزكاة؟ قال : نعم. قال : فتخرج المعلوم من مالك؟ قال : نعم ، قال : فتصل قرابتك؟ قال : نعم. قال : فتصل إخوانك؟ قال : نعم. فقال : يا عمّار إنّ المال يفنى ، والبدن يبلى ، والعمل يبقى ، والديّان حيّ لا يموت. يا عمّار! إنّه ما قدّمت فلن يسبقك ، وما أخّرت فلن يلحقك!». أي ما أبقيته وتركته خلفك فلن يعود إليك بخير.

[٢ / ٧٩٥٩] وعن جميل بن درّاج عن حديد بن حكيم أو مرازم قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أيّما

٤٤٩

مؤمن أوصل إلى أخيه المؤمن معروفا ، فقد أوصل ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

[٢ / ٧٩٦٠] وعن معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «اصنعوا المعروف إلى كلّ أحد ، فإن كان أهله وإلّا فأنت أهله».

[٢ / ٧٩٦١] وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ أعرابيّا من بني تميم أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أوصني ، فكان فيما أوصاه به أن قال : يا فلان! لا تزهدنّ في المعروف عند أهله».

[٢ / ٧٩٦٢] وعن عبد الله بن الوليد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّل من يدخل الجنّة المعروف وأهله ، وأوّل من يرد عليّ الحوض».

[٢ / ٧٩٦٣] وعن سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أجيزوا لأهل المعروف عثراتهم (٢) واغفروها لهم ، فإنّ كفّ الله تعالى عليهم هكذا». وأومأ بيده كأنّه يظلّ بها شيئا (٣).

[٢ / ٧٩٦٤] وعن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ يقول : «من صنع بمثل ما صنع إليه فإنّما كافاه ، ومن أضعفه كان شكورا ، ومن شكر كان كريما ، ومن علم أنّ ما صنع إنّما صنع إلى نفسه لم يستبط الناس في شكرهم (٤) ولم يستزدهم في مودّتهم ، فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك ووقيت به عرضك ، واعلم أنّ الطالب إليك الحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك ، فأكرم وجهك عن ردّه» (٥).

صنائع المعروف تقي مصارع السوء

[٢ / ٧٩٦٥] وبإسناده عن عبد الله بن ميمون القدّاح عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام قال : «صنائع المعروف تقي مصارع السوء».

__________________

(١) قال المحقّق الفيض : وذلك لسروره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك المعروف عند عرض الأعمال عليه ، كسرور ذلك المؤمن ، ولأنّه طاعة لله ولرسوله فهو معروف بالإضافة إليهما أيضا ، الوافي ١ : ٤٥٥ ، باب ٥٧.

(٢) أي لا تؤاخذوهم عليها. وفي بعض النسخ : «أقيلوا». وهو بمعناه.

(٣) أي جعل كفّه ظاهرها إلى فوق ، كأنّه يحاول السّترة على شيء.

(٤) من الاستبطاء ، أي لا ينتظر الشكر ليجدهم قد أبطأوا في شكره. ولم يستزدهم ، أي لا يتوقّع المزيد في مودّته.

(٥) الكافي ٤ : ٢٦ ـ ٢٨.

٤٥٠

[٢ / ٧٩٦٦] وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ البركة أسرع إلى البيت الّذي يمتار منه المعروف ، من الشفرة في سنام البعير أو من السيل إلى منتهاه» (١).

[٢ / ٧٩٦٧] وعن عبد الله بن سليمان قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ صنائع المعروف تدفع مصارع السوء» (٢).

أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة

[٢ / ٧٩٦٨] وبإسناده عن داوود بن فرقد أو قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله فداك آباؤنا وأمّهاتنا ، إنّ أصحاب المعروف في الدنيا عرفوا بمعروفهم ، فبم يعرفون في الآخرة؟ فقال : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ إذا أدخل أهل الجنّة الجنّة أمر ريحا عبقة طيّبة (٣) فلزقت بأهل المعروف ، فلا يمرّ أحد منهم بملأ من أهل الجنّة إلّا وجدوا ريحه ، فقالوا : هذا من أهل المعروف!».

[٢ / ٧٩٦٩] وعن أبي عبد الله البرقيّ عن بعض أصحابنا رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، يقال لهم : إنّ ذنوبكم قد غفرت لكم ، فهبوا حسناتكم لمن شئتم!».

[٢ / ٧٩٧٠] وعن عبد الله بن الوليد الوصّافيّ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة».

[٢ / ٧٩٧١] وعن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ للجنّة بابا يقال له : المعروف ، لا يدخله إلّا أهل المعروف ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة» (٤).

__________________

(١) «يمتار» أي يجلب ، وأكثر استعماله في جلب الطعام. والشفرة : السكين العريض. والسنام : حدبة في ظهر البعير.

(٢) الكافي ٤ : ٢٨ ـ ٢٩.

(٣) عبق به الطيب عبقا : لزق به وظهرت ريحه من ثوبه وبدنه.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩ ـ ٣٠.

٤٥١

تمام المعروف

[٢ / ٧٩٧٢] وبإسناده عن محمّد بن خالد عن سعدان عن حاتم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «رأيت المعروف لا يصلح إلّا بثلاث خصال : تصغيره وتستيره وتعجيله ، فإنّك إذا صغّرته عظّمته عند من تصنعه إليه ، وإذا ستّرته تمّمته ، وإذا عجّلته هنّأته ، وإن كان غير ذلك سخّفته ونكّدته».

[٢ / ٧٩٧٣] وعن زرارة عن حمران عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «لكلّ شيء ثمرة ، وثمرة المعروف تعجيل السراح» (١).

أفضل المعروف وضعه موضعه

[٢ / ٧٩٧٤] وبإسناده عن سيف بن عميرة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لمفضّل بن عمر : «يا مفضّل! إذا أردت أن تعلم أشقيّ الرجل أم سعيد ، فانظر سيبه (٢) ومعروفه إلى من يصنعه فإن كان يصنعه إلى من هو أهله فاعلم أنّه إلى خير ، وإن كان يصنعه إلى غير أهله ، فاعلم أنّه ليس له عند الله خير».

[٢ / ٧٩٧٥] وفي لفظ آخر عنه قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا مفضّل! إذا أردت أن تعلم إلى خير يصير الرجل أم إلى شرّ ، انظر أين يضع معروفه ، فإن كان يضع معروفه عند أهله ، فاعلم أنّه يصير إلى خير ، وإن كان يضع معروفه عند غير أهله ، فاعلم أنّه ليس له في الآخرة من خلاق» (٣).

[٢ / ٧٩٧٦] وعن أبي مخنف الأزديّ قال : «أتى أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ رهط من الشيعة ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، لو أخرجت هذه الأموال ففرّقتها في هؤلاء الرؤساء والأشراف وفضّلتهم علينا ، حتّى إذا استوسقت الأمور (٤) عدت إلى أفضل ما عوّدك الله من القسم بالسويّة والعدل في الرعيّة! فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أتأمروني ، ويحكم ، أن أطلب النصر بالظلم والجور فيمن ولّيت عليه من أهل الإسلام! لا والله لا يكون ذلك ما سمر السمير (٥) ، وما رأيت في السماء نجما. والله لو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم ، فكيف وإنّما هي أموالهم.

__________________

(١) السراح ـ بالمهملات ـ : الإرسال والخروج من الأمر بسرعة وسهولة.

(٢) السيب : العطاء.

(٣) أي نصيب.

(٤) استوسق له الأمر : انتظم وانقاد. وفي بعض النسخ : استوثقت.

(٥) يقال : لا أفعله ما سمر السمير : أي ما اختلف الليل والنهار.

٤٥٢

قال : ثمّ أزم ساكتا طويلا (١) ثمّ رفع رأسه فقال : من كان فيكم له مال فإيّاه والفساد ، فإنّ إعطاءه في غير حقّه تبذير وإسراف ، وهو يرفع ذكر صاحبه في الناس ويضعه عند الله ولم يضع امرؤ ماله في غير حقّه وعند غير أهله إلّا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودّهم. فإن بقي معه منهم بقيّة ممّن يظهر الشكر له ويريه النصح ، فإنّما ذلك ملق منه وكذب ، فإن زلّت بصاحبهم النعل ثمّ احتاج إلى معونتهم ومكافأتهم فألأم خليل وشرّ خدين (٢) ولم يضع امرؤ ماله في غير حقّه وعند غير أهله إلّا لم يكن له من الحظّ فيما أتي إلّا محمدة اللّئام وثناء الأشرار ، ما دام عليه منعما مفضلا! ومقالة الجاهل (٣) : ما أجوده ، وهو عند الله بخيل. فأيّ حظّ أبور وأخسر من هذا الحظّ ، وأيّ فائدة معروف أقلّ من هذا المعروف؟!

فمن كان منكم له مال فليصل به القرابة ، وليحسن منه الضيافة ، وليفكّ به العاني (٤) والأسير وابن السبيل ، فإنّ الفوز بهذه الخصال مكارم الدنيا وشرف الآخرة».

[٢ / ٧٩٧٧] وعن إسماعيل بن جابر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم الله ـ عزوجل ـ به فأنفقوه فيما نهاهم الله عنه ، ما قبله منهم ، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم ، حتّى يأخذوه من حقّ وينفقوه في حقّ».

[٢ / ٧٩٧٨] وعن أبي جميلة عن ضريس ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّما أعطاكم الله هذه الفضول من الأموال لتوجّهوها حيث وجّهها الله ، ولم يعطكموها لتكنزوها» (٥).

المعروف على قدر السعة

[٢ / ٧٩٧٩] وبإسناده عن حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تدخل لأخيك في أمر مضرّته عليك أعظم من منفعته له» قال ابن سنان : يكون على الرجل دين كثير ، ولك مال ، فتؤدّي عنه فيذهب مالك ولا تكون قضيت عنه.

[٢ / ٧٩٨٠] وعن إبراهيم بن محمّد الأشعري عمّن سمع أبا الحسن موسى عليه‌السلام يقول : «لا تبذل

__________________

(١) أزم عن الكلام : أمسك وسكت.

(٢) الخدين : الصديق.

(٣) عطف على «محمدة اللئام».

(٤) العاني من العناء.

(٥) الكافي ٤ : ٣٠ ـ ٣٢.

٤٥٣

لإخوانك من نفسك ما ضرّه عليك أكثر من منفعته لهم».

[٢ / ٧٩٨١] وعن الحسن بن عليّ الجرجانيّ عمّن حدّثه عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «لا توجب على نفسك الحقوق ، واصبر على النوائب ، ولا تدخل في شيء مضرّته عليك أعظم من منفعته لأخيك» (١).

كفران المعروف

[٢ / ٧٩٨٢] وبإسناده عن أبي جعفر البغداديّ عمّن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لعن الله قاطعي سبل المعروف! قيل : وما قاطعو سبل المعروف؟ قال : الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره ، فيمتنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره».

[٢ / ٧٩٨٣] وعن سيف بن عميرة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما أقلّ من شكر المعروف».

[٢ / ٧٩٨٤] وعن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أتي إليه معروف فليكاف به ، فإن عجز فليثن عليه ، فإن لم يفعل فقد كفر النعمة» (٢).

فضيلة القرض

[٢ / ٧٩٨٥] وبإسناده عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «مكتوب على باب الجنّة : الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر. وفي رواية أخرى : بخمسة عشر».

[٢ / ٧٩٨٦] وعن فضيل بن يسار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من مؤمن أقرض مؤمنا يلتمس به وجه الله إلّا حسب الله له أجره بحساب الصدقة حتّى يرجع إليه ماله».

[٢ / ٧٩٨٧] وعن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ)(٣) قال : «يعني بالمعروف القرض».

[٢ / ٧٩٨٨] وعن عقبة بن خالد ، قال : دخلت أنا والمعلّى وعثمان بن عمران على أبي عبد الله عليه‌السلام فلمّا رآنا قال : «مرحبا مرحبا بكم ، وجوه تحبّنا ونحبّها ، جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة. فقال

__________________

(١) المصدر : ٣٢ ـ ٣٣.

(٢) المصدر : ٣٣.

(٣) النساء ٤ : ١١٤.

٤٥٤

له عثمان : جعلت فداك ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : نعم مه (١) قال : إنّي رجل موسر. فقال له : بارك الله لك في يسارك. قال : ويجيء الرجل فيسألني الشيء وليس هو إبّان زكاتي ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشرة ، وماذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته ، فإذا كان إبّان زكاتك احتسبت بها من الزكاة ، يا عثمان! لا تردّه فإنّ ردّه عند الله عظيم ، يا عثمان! إنّك لو علمت ما منزلة المؤمن من ربّه ما توانيت في حاجته ، ومن أدخل على مؤمن سرورا فقد أدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقضاء حاجة المؤمن يدفع الجنون والجذام والبرص».

[٢ / ٧٩٨٩] وعن إبراهيم بن السنديّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير. إن أيسر ، أدّاه وإن مات احتسب من الزكاة» (٢).

إنظار المعسر

[٢ / ٧٩٩٠] وبإسناده عن الحسن بن محبوب عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من أراد أن يظلّه الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه ـ قالها ثلاثا ـ فهابه الناس أن يسألوه! فقال : فلينظر معسرا أو ليدع له من حقّه».

[٢ / ٧٩٩١] وعن عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في يوم حارّ ـ وحنا كفّه (٣) ـ : من أحبّ أن يستظلّ من فور جهنّم؟ ـ قالها ثلاث مرّات ـ فقال الناس في كلّ مرّة : نحن يا رسول الله ، فقال : من أنظر غريما أو ترك معسرا».

ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال لي عبد الله بن كعب بن مالك : إنّ أبي أخبرني أنّه لزم غريما له في المسجد ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل بيته ونحن جالسان ، ثمّ خرج في الهاجرة (٤) فكشف رسول الله ستره وقال : يا كعب! ما زلتما جالسين؟ قلت : نعم بأبي وأمّي! فأشار رسول الله بكفّه خلّه النصف! فقلت : بأبي وأمّي! ثمّ قال : اتبعه ببقيّة حقّك. قال : فأخذت النصف ووضعت له النصف».

__________________

(١) أي ما مطلبك والهاء للسكت وأصله «فما» أي فما تريد.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣ ـ ٣٤.

(٣) حنا كفّه ـ مخفّفة ومشدّدة ـ : لواها وعطفها.

(٤) الهاجرة : شدّة الحرّ نصف النهار.

٤٥٥

[٢ / ٧٩٩٢] وعن يعقوب بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «خلّوا سبيل المعسر كما خلّاه الله ـ عزوجل ـ».

[٢ / ٧٩٩٣] وعن يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر ذات يوم ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على أنبيائه ثمّ قال : أيّها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، ألا ومن أنظر معسرا كان له على الله في كلّ يوم صدقة بمثل ماله حتّى يستوفيه. ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(١) إن كنتم تعلمون أنّه معسر فتصدّقوا عليه بمالكم فهو خير لكم» (٢).

تحليل الميّت

[٢ / ٧٩٩٤] وبإسناده عن الحسن بن خنيس ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ لعبد الرحمان بن سيّابة دينا على رجل قد مات ، وقد كلّمناه أن يحلّله فأبى. فقال : «ويحه ، أما يعلم أنّ له بكلّ درهم عشرة ، إذا حلّله. فإذا لم يحلّله فإنّما له درهم بدل درهم».

[٢ / ٧٩٩٥] وعن الوليد بن أبي العلاء عن معتّب قال : دخل محمد بن بشر الوشّاء على أبي عبد الله عليه‌السلام يسأله : أن يكلّم شهابا أن يخفّف عنه حتّى ينقضي الموسم ، وكان له عليه ألف دينار. فأرسل إليه فأتاه فقال له : قد عرفت حال محمّد وانقطاعه إلينا وقد ذكر أنّ لك عليه ألف دينار ، لم تذهب في بطن ولا فرج ، وإنّما ذهبت دينا على الرجال ووضائع وضعها ، وأنا أحبّ أن تجعله في حلّ! ثم قال : لعلّك ممّن يزعم أنّه يقبض (٣) من حسناته فتعطاها؟! قال : كذلك في أيدينا (٤). فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الله أكرم وأعدل من أن يتقرّب إليه عبده فيقوم في الليلة القرّة (٥) أو يصوم في اليوم الحارّ أو يطوف بهذا البيت ثمّ يسلبه ذلك فيعطاه ، ولكن لله فضل كثير يكافئ المؤمن» فقال شهاب : فهو في حلّ (٦).

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٨٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥ ـ ٣٦.

(٣) في بعض النسخ «يقتص».

(٤) أي فيما بأيدينا من العلم.

(٥) القرّة : أي الشديدة البرد.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦ ـ ٣٧.

٤٥٦

تداوم النعمة ببذلها

[٢ / ٧٩٩٦] وبإسناده عن حديد بن حكيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من عظمت نعمة الله عليه اشتدّت مؤونة الناس عليه ، فاستديموا النعمة باحتمال المؤونة ، ولا تعرّضوها للزوال ؛ فقلّ من زالت عنه النعمة فكادت أن تعود إليه».

[٢ / ٧٩٩٧] وعن إبراهيم بن محمّد ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من عبد تظاهرت عليه من الله نعمة إلّا اشتدّت مؤونة الناس عليه ، فمن لم يقم للناس بحوائجهم ، فقد عرّض النعمة للزوال. قال : فقلت : جعلت فداك ، ومن يقدر أن يقوم لهذا الخلق بحوائجهم؟ فقال : إنّما الناس في هذا الموضع والله المؤمنون».

[٢ / ٧٩٩٨] وعن أبان بن تغلب ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لحسين الصحّاف : «يا حسين ، ما ظاهر الله على عبد النعم حتّى ظاهر عليه مؤونة الناس ، فمن صبر لهم وقام بشأنهم زاده الله في نعمه عليه عندهم ، ومن لم يصبر لهم ولم يقم بشأنهم أزال الله ـ عزوجل ـ عنه تلك النعمة».

[٢ / ٧٩٩٩] وعن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من عظمت عليه النعمة اشتدّت مؤونة الناس عليه ، فإن هو قام بمؤونتهم اجتلب زيادة النعمة عليه من الله ، وإن لم يفعل فقد عرّض النعمة لزوالها!» (١).

حسن الجوار للنعم

[٢ / ٨٠٠٠] وبإسناده عن محمّد بن عرفة ، قال : قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «يا ابن عرفة ، إنّ النعم كالإبل المعتقلة في عطنها (٢) على القوم ما أحسنوا جوارها ، فإذا أساؤوا معاملتها وإنالتها نفرت عنهم».

[٢ / ٨٠٠١] وعن محمّد بن عجلان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «احسنوا جوار النعم. قلت : وما حسن جوار النعم؟ قال : الشكر لمن أنعم بها وأداء حقوقها».

[٢ / ٨٠٠٢] وعن الحسن بن محبوب عن زيد الشحّام ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «احسنوا

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧ ـ ٣٨.

(٢) العطن : مبرك الإبل حول الماء يقال : عطنت الإبل إذا سقيت وبركت عند الحياض لتعاد إلى الشرب مرّة أخرى.

٤٥٧

جوار نعم الله ، واحذروا أن تنتقل عنكم إلى غيركم ، أما إنّها لم تنتقل عن أحد قطّ فكادت أن ترجع إليه».

قال : وكان عليّ عليه‌السلام يقول : «قلّ ما أدبر شيء فأقبل» (١).

معرفة السماحة والسخاء

[٢ / ٨٠٠٣] وبإسناده عن أحمد بن سليمان ، قال : سأل رجل أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام (٢) وهو في الطواف ، فقال له : «أخبرني عن الجواد؟ فقال : إنّ لكلامك وجهين ، فإن كنت تسأل عن المخلوق ، فإنّ الجواد ، الّذي يؤدّي ما افترض الله عليه. وإن كنت تسأل عن الخالق ، فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع ، لأنّه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك منعك ما ليس لك».

[٢ / ٨٠٠٤] وعن الحسن بن محبوب ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما حدّ السخاء؟ فقال : «تخرج من مالك الحقّ الّذي أوجبه الله عليك فتضعه في موضعه».

[٢ / ٨٠٠٥] وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «السخي محبّب في السماوات ، محبّب في الأرض ، خلق من طينة عذبة ، وخلق ماء عينيه من ماء الكوثر. والبخيل مبغّض في السماوات ، مبغّض في الأرض ، خلق من طينة سبخة ، وخلق ماء عينيه من ماء العوسج» (٣).

[٢ / ٨٠٠٦] وعن مهدي عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «السخيّ الحسن الخلق في كنف الله ، لا يستخلي الله منه حتى يدخله الجنّة ، وما بعث الله ـ عزوجل ـ نبيّا ولا وصيّا إلّا سخيّا ، وما كان أحد من الصالحين إلّا سخيّا ، وما زال أبي يوصيني بالسخاء حتّى مضى. وقال ـ يعني أبا الحسن موسى عليه‌السلام ـ : من أخرج من ماله الزكاة تامّة فوضعها في موضعها ، لم يسأل من أين اكتسبت مالك» (٤).

[٢ / ٨٠٠٧] وعن الحسين بن أبي سعيد المكاريّ عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفد من اليمن وفيهم رجل كان أعظمهم كلاما وأشدّهم استقصاء في محاجّة

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨.

(٢) هو الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام.

(٣) السبخة : الأرض المالحة. والعوسج : شوك مرّ.

(٤) قوله : «لا يستخلي الله منه» أي لا يستفرغ منه ولا يتركه يذهب. وفي بعض النسخ : لا يتخلى الله منه.

٤٥٨

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فغضب النبيّ حتّى التوى عرق الغضب بين عينيه ، وتربّد وجهه وأطرق إلى الأرض (١) فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : ربّك يقرئك السّلام ويقول لك : هذا رجل سخيّ ، يطعم الطعام ، فسكن عن النبيّ الغضب ورفع رأسه وقال له : لو لا أنّ جبرئيل أخبرني عن الله أنّك سخيّ تطعم الطعام لشرّدت بك (٢) وجعلتك حديثا لمن خلفك ، فقال له الرجل : وإنّ ربّك ليحبّ السخاء؟ فقال : نعم ، فقال : إنّي أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله ، والّذي بعثك بالحقّ لا رددت من مالي أحدا».

[٢ / ٨٠٠٨] وعن زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ إبراهيم عليه‌السلام كان أبا أضياف ، فكان إذا لم يكونوا عنده خرج يطلبهم ، وأغلق بابه وأخذ المفاتيح يطلب الأضياف ، وإنّه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدار ، فقال : يا عبد الله ، بإذن من دخلت هذه الدار؟ قال : دخلتها بإذن ربّها ـ يردّد ذلك ثلاث مرّات ـ فعرف إبراهيم أنّه جبرئيل ، فحمد الله ثمّ قال : أرسلني ربّك إلى عبد من عبيده يتّخذه خليلا ، قال إبراهيم : فأعلمني من هو أخدمه حتّى الموت؟ قال : فأنت هو ، قال : وممّ ذلك؟ قال : لأنّك لم تسأل أحدا شيئا قطّ ، ولم تسأل شيئا قطّ فقلت : لا».

[٢ / ٨٠٠٩] وعن محمّد بن سنان عن أبي عبد الرحمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أتى رجل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله أيّ الناس أفضلهم إيمانا؟ قال : أبسطهم كفّا».

[٢ / ٨٠١٠] وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يؤتى يوم القيامة برجل فيقال : احتجّ ، فيقول : يا ربّ خلقتني وهديتني فأوسعت عليّ فلم أزل أوسّع على خلقك وأيسّر عليهم ، لكي تنشر عليّ هذا اليوم رحمتك وتيسّره. فيقول الربّ ـ جلّ ثناؤه وتعالى ذكره ـ : صدق عبدي ، أدخلوه الجنّة».

[٢ / ٨٠١١] وعن الحسن بن عليّ الوشّاء ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «السخيّ قريب من الله ، قريب من الجنّة ، قريب من الناس. وسمعته يقول : السخاء شجرة في الجنّة ، من تعلّق بغصن من أغصانها دخل الجنّة».

[٢ / ٨٠١٢] وعن ياسر الخادم عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «السخيّ يأكل طعام الناس ليأكلوا من طعامه ، والبخيل لا يأكل من طعام الناس لئلّا يأكلوا من طعامه».

__________________

(١) الالتواء : الالتفات. والتربّد : التغيّر. الإطراق : السكوت وأطرق إلى الأرض أي أرخى عينيه ينظر إلى الأرض.

(٢) أي طردتك أو سمعت الناس بعيوبك. «حديثا لمن خلفك» أي يحدّثون عنك بالشرّ.

٤٥٩

[٢ / ٨٠١٣] وعن أحمد بن أبي عبد الله رفعه ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنه الحسن عليه‌السلام : «يا بنيّ ما السماحة؟ قال : البذل في اليسر والعسر».

[٢ / ٨٠١٤] وعن مسعدة بن صدقة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لبعض جلسائه : «ألا أخبرك بشيء يقرّب من الله ، ويقرّب من الجنّة ويباعد من النار؟ فقال : بلى. فقال : عليك بالسخاء ، فإنّ الله خلق خلقا برحمته لرحمته فجعلهم للمعروف أهلا وللخير موضعا وللناس وجها ، يسعى إليهم لكي يحيوهم ، كما يحيي المطر الأرض المجدبة ، أولئك هم المؤمنون الآمنون يوم القيامة».

[٢ / ٨٠١٥] وعن عليّ بن إبراهيم رفعه ، قال : أوحى الله ـ عزوجل ـ إلى موسى عليه‌السلام : «أن لا تقتل السامريّ فإنّه سخيّ».

[٢ / ٨٠١٦] وعن محمّد بن شعيب عن أبي جعفر المدائنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «شابّ سخيّ مرهق في الذنوب (١) ، أحبّ إلى الله من شيخ عابد بخيل».

[٢ / ٨٠١٧] وعن جميل بن درّاج ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «خياركم سمحاؤكم ، وشراركم بخلاؤكم. ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان والسعي في حوائجهم ، وإنّ البارّ بالإخوان ليحبّه الرحمان ، وفي ذلك مرغمة للشيطان ، وتزحزح عن النيران ودخول الجنان. يا جميل ، أخبر بهذا غرر أصحابك (٢)! قلت : جعلت فداك من غرر أصحابي؟ قال : هم البارّون بالإخوان في العسر واليسر ، ثمّ قال : يا جميل! أما إنّ صاحب الكثير يهون عليه ذلك ، وقد مدح الله في ذلك صاحب القليل ، فقال في كتابه : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»)(٣).

فضل الإنفاق

[٢ / ٨٠١٨] عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ الشمس لتطلع ومعها أربعة أملاك ، ملك ينادي : يا صاحب الخير أتمّ وأبشر ؛ وملك ينادي : يا صاحب الشرّ أنزع وأقصر ؛ وملك ينادي : أعط منفقا خلفا وآت ممسكا تلفا ؛ وملك ينضحها بالماء ، ولو لا ذلك لاشتعلت الأرض».

__________________

(١) أي مقترف الذنوب حسب شبابه.

(٢) الغرر : جمع غرّة. والغرر من القوم : شرفاؤهم.

(٣) الحشر ٥٩ : ٩.

٤٦٠