التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

بالصدقة ؛ قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عليّ ، ما عملت في ليلتك؟ قال : ولم يا رسول الله؟ قال : نزلت فيك أربعة معالي. قال : بأبي أنت وأمّي كانت معي أربعة دراهم ، فتصدّقت بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرّا وبدرهم علانية. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإنّ الله أنزل فيك : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ»)(١).

[٢ / ٧٨٢٠] وروى أبو النضر محمّد بن مسعود العيّاشي بالإسناد إلى أبي إسحاق ، قال : كان لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أربعة دراهم فتصدّق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرّا وبدرهم علانية. فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «يا عليّ ما حملك على ما صنعت؟ قال : إنجاز موعود الله. فأنزل الله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً»)(٢).

وهكذا روى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى الإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (٣).

[٢ / ٧٨٢١] وأخرج جار الله الزمخشري عن ابن عبّاس ، قال : نزلت في عليّ عليه‌السلام لم يملك سوى أربعة دراهم ، فتصدّق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرّا وبدرهم جهرا.

قال : وقيل : نزلت في أبي بكر ، حين تصدّق بأربعين ألف دينار!! عشرة آلاف بالليل ، وعشرة آلاف بالنهار ، وعشرة آلاف في السرّ ، عشرة آلاف في العلانية!! (٤)

قال : وقيل : نزلت في علف الخيل وارتباطها في سبيل الله. وكان أبو هريرة إذا مرّ بفرس سمين ، قرأ هذه الآية!!.

لكنّه فسّر الآية بالّذين يعمّون الأوقات والأحوال ويبادرون إلى التصدّق في سبيل الله ، على جميع الأحوال والأزمان ، استباقا للخير ، فكلّما نزلت بهم حاجة محتاج تعجّلوا في قضائها ولم يتأخّروا ولم يتعلّلوا ، بوقت ولا حال (٥).

__________________

(١) كتاب الاختصاص : ١٥٠. (مصنّفات المفيد ١٢ : ١٤٤ ـ ١٦٠) ؛ البحار ٤٠ : ١٠٥ ـ ١١٧ باب ٩١.

(٢) العيّاشي ١ : ١٧١ / ٥٠٣ ؛ البحار ٤١ : ٣٥ / ١١ ، باب ١٠٢ ؛ البرهان ١ : ٥٦٦ / ٤ ؛ نور الثقلين ١ : ٢٩٠ ؛ الصافي ١ : ٤٧٥ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٥٠ ـ ٤٥١.

(٣) عيون الأخبار ٢ : ٦٧ / ٢٥٥ ، باب ٣١ ؛ البحار ٤١ : ٣٥ / ٨ ، باب ١٠٢.

(٤) سيأتي عن الآلوسي أن لا مستند لهذا القول.

(٥) الكشّاف ١ : ٣١٩.

٤٢١

قلت : هذا مفاد الآية العام ، ترغيبا في الإنفاق والتسريع إليه في جميع الأحوال. ولا يتنافى واختصاص عليّ عليه‌السلام بكونه أوّل من بدأ بهذه المكرمة ، ممّا استوجب ثناءه تعالى عليه.

[٢ / ٧٨٢٢] وأخرج أبو عليّ محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي (ت : ٣١٤) بالإسناد إلى عليّ بن الحسين عن أبيه عليهما‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث مع عليّ عليه‌السلام ثلاثين فرسا ، في غزاة ذات السلاسل ، فقال : «يا عليّ ، أتلو عليك آية في نفقة الخيل : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) يا عليّ ، هي النفقة على الخيل ، ينفق الرجل سرّا ، وعلانية» (١).

[٢ / ٧٨٢٣] وروى أبو جعفر الصدوق ـ بحذف الأسناد ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الآية : «إنّها نزلت في النفقة على الخيل». ولعلّه يريد حديث ابن الأشعث الآنف.

ثمّ قال : وروي أنّها نزلت بشأن أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث تصدّق بدراهمه الأربعة ليلا ونهارا ، سرّا وجهارا.

فقال ـ بصدد الجمع بين الروايتين ـ : والآية إذا نزلت في شيء ، فهي منزّلة في كلّ ما يجري فيه [وفق قاعدة الجري والتطبيق].

قال : فالاعتقاد في تفسير الآية أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام وجرت في النفقة على الخيل وأشباه ذلك (٢).

يعني : أنّ نزولها بدءا بشأن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كرامة اختصاصيّة ، لا يتنافى وشمول عمومها لكلّ عمل خير أريد به وجه الله. ومنها الإنفاق على الخيل في سبيل الجهاد.

وهكذا قال القاضي أبو محمّد عبد الحقّ بن غالب بن عطيّة : الآية وإن كانت نزلت في عليّ عليه‌السلام فمعناها يتناول كلّ من فعل فعله وكلّ مشّاء في الظّلم إلى مظنّة ذي الحاجة (٣).

وقال السيّد محمود الآلوسي البغدادي : واختلف فيمن نزلت الآية.

__________________

(١) الأشعثيّات (الجعفريّات) : ٨٦ ، كتاب الجهاد ، باب السيرة في الخيل ؛ مستدرك الوسائل ٨ : ٢٥٣ ؛ البحار ٩٧ : ٣٥ / ٢٨ ، باب ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ٢٤٧٥ ، كتاب الحجّ ، ثواب النفقة على الخيل.

(٣) المحرّر الوجيز ١ : ٣٧١.

٤٢٢

فأخرج عبد الرزّاق وابن المنذر عن ابن عبّاس : أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرّا درهما وعلانية درهما. وفي رواية الكلبي : فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما حملك على هذا؟ قال : حملني أن استوجب على الله الّذي وعدني. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إنّ ذلك لك» (١).

[٢ / ٧٨٢٤] وأخرج ابن المنذر عن ابن المسيّب أنّ الآية كلّها في عثمان بن عفّان وعبد الرحمان بن عوف ، في نفقتهم في جيش العسرة (٢).

[٢ / ٧٨٢٥] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والواحدي من طريق الصنعاني أنّه سمع ابن عبّاس ، يقول في هذه الآية : هم الّذين يعلفون الخيل في سبيل الله (٣).

غير أنّ ذكر السرّ والعلانية قد يأبى هذا الحمل.

وقال بعضهم : إنّها نزلت في أبي بكر ، تصدّق بأربعين ألف دينار ، عشرة ليلا وعشرة نهارا وعشرة سرّا وعشرة جهارا.

قال الآلوسي : وتعقّبه الإمام السيوطي بأنّ حديث تصدّق أبي بكر بأربعين ألف دينار ، رواه ابن عساكر في تاريخه عن عائشة. وأمّا أنّ الآية نزلت فيه ، فلم أقف على خبر فيه.

قال الآلوسي : وكأنّ من ادّعى ذلك فهمه ممّا أخرجه ابن المنذر عن ابن إسحاق ، قال : لمّا قبض أبو بكر واستخلف عمر ، خطب فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّ بعض الطمع فقر وإنّ بعض اليأس عنى ـ إلى أن قال ـ فأنفقوا خيرا لأنفسكم ، فأين أصحاب هذه الآية ، فقرأ الآية (٤).

قال : وأنت ترى أن لا دلالة فيها على المدّعى (٥)!!.

قال العلّامة الأميني : ذكر البيضاوي (٦) والزمخشري (٧) أنّ الآية نزلت في أبي بكر حين تصدّق بأربعين ألف دينار ....

__________________

(١) تقدّمت الروايتان.

(٢) الدرّ المنثور ٢ : ١٠١.

(٣) المصدر : ١٠٠.

(٤) المصدر ٢ : ١٠١.

(٥) روح المعاني ٣ : ٤١ ـ ٤٢.

(٦) تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) ١ : ٢٦٧ (ط تركيا ـ محمّد ازدمير).

(٧) الكشّاف ١ : ٣١٩.

٤٢٣

قال : لم يعرف القائل ، ولم ينسب إلى أحد من السلف.

نعم ، اختلقتها يد الوضع تجاه ما أخرجه الحفّاظ من نزولها بشأن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال : ومنحت يد الوضع أربعين ألف دينار ، لتقريب نزول الآية فيمن أنفق كمّيّة كبيرة كهذه إلى فهم البسطاء ، دون منفق أربعة دراهم ، العدد القليل؟!.

لكنّه ذهول عمّا أثبته التاريخ من أخذ أبي بكر عند هجرته بضعة آلاف درهم ، صرفها في شؤونه. فلم يكن عنده سوى دريهمات عند نزول الآية من سورة البقرة ، وهي من أوليات السور نزولا بالمدينة.

وذكر كلام جلال الدين السيّوطي : أنّه لم يقف على خبر أنّ الآية نزلت في أبي بكر (١).

قال : وجاء مختلق آخر فروى مرسلا أنّ الآية نزلت في عثمان وابن عوف في نفقتهم في جيش العسرة يوم غزوة تبوك (٢).

قال : وقد أعمى الحبّ بصائر القوم ، فحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وقالوا في كتاب الله ما زيّن لهم الشيطان ؛ خفي على المغفّلين أنّ الآيتين (٣) من سورة البقرة ، وهي أوّل سورة نزلت بالمدينة ، وكانت غزوة تبوك في شهر رجب سنة تسع من الهجرة ، أي بعد نزول الآيتين بعدّة سنين!! (٤).

***

وبعد فإليك ما ورد بشأن الصدقة وآثارها العائدة :

الإبكار بالصدقة

[٢ / ٧٨٢٦] أخرج الطبراني عن عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) روح المعاني ٣ : ٤١.

(٢) قال الرازي : نزلت آية الإنفاق بغير منّ ولا أذى (البقرة ٢ : ٢٦٢) في عثمان وعبد الرحمان بن عوف. أمّا عثمان فجهّز جيش العسرة في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وألف دينار. وأمّا ابن عوف فإنّه تصدّق بنصف ماله : أربعة آلاف دينار. (التفسير الكبير ٧ : ٤٥).

(٣) آية الإنفاق من غير اتّباع منّ ولا أذى (البقرة ٢ : ٢٦٢). وآية الإنفاق ليلا ونهارا ، سرّا وجهارا (البقرة ٢ : ٢٧٤).

(٤) الغدير في الكتاب والسنّة والأدب ٨ : ٨٣ ـ ٨٥.

٤٢٤

«باكروا بالصدقة فإنّ البلاء لا يتخطّاها» (١).

[٢ / ٧٨٢٧] وأخرج البيهقي عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «باكروا بالصدقة فإنّ البلاء لا يتخطّى الصدقة» (٢).

فضل الصدقة وآثارها الحسنة

[٢ / ٧٨٢٨] أخرج أبو يعلى عن جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضوان الله عليه ـ : أنّه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لكعب بن عجرة : «يا كعب بن عجرة ، الصلاة قربان ، والصيام جنّة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار. يا كعب بن عجرة ، الناس غاديان ، فبائع نفسه فموبق رقبته ، ومبتاع نفسه في عتق رقبته» (٣).

[٢ / ٧٨٢٩] وأخرج ابن حبّان عن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا كعب بن عجرة ، إنّه لا يدخل الجنّة لحم ودم نبتا على سحت ، النار أولى به ، يا كعب بن عجرة ، الناس غاديان ، فغاد في فكاك نفسه فمعتقها ، وغاد موبقها. يا كعب بن عجرة ، الصلاة قربان ، والصوم جنّة ، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا» (٤).

[٢ / ٧٨٣٠] وأخرج أحمد وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم وصحّحه والبيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «كلّ امرئ في ظلّ صدقته حتّى يفصل بين الناس» (٥).

[٢ / ٧٨٣١] وأخرج ابن خزيمة والحاكم وصحّحه عن عمر قال : ذكر لي : أنّ الأعمال تباهي ، فتقول الصدقة : أنا أفضلكم (٦).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٨١ ؛ الأوسط ٦ : ٩ / ٥٦٤٣ ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٩٩ / ١٦٢٤٣.

(٢) الدرّ ٢ : ٨١ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢١٤ / ٣٣٥٣ ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٩٩ / ١٦٢٤٣.

(٣) الدرّ ٢ : ٨٠ ـ ٨١ ؛ أبو يعلى ٣ : ٤٧٥ ـ ٤٧٦ / ١٩٩٩ ، وفيه : «فمعتق رقبته» بدل قوله : «في عتق رقبته» ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ٢٣٠ ، قال الهيثمي : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن أبي إسرائيل وهو ثقة مأمون.

(٤) الدرّ ٢ : ٨١ ؛ صحيح ابن حبّان ١٢ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ / ٥٥٦٥.

(٥) الدرّ ٢ : ٨١ ؛ مسند أحمد ٤ : ١٤٧ ـ ١٤٨ وزاد : أو قال : يحكم بين الناس ؛ صحيح ابن خزيمة ٤ : ٩٤ ؛ صحيح ابن حبّان ٨ : ١٠٤ / ٣٣١٠ ؛ الحاكم ١ : ٤١٦ ؛ الشعب ٣ : ٢١٢ / ٣٣٤٨ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١١٠ ، قال الهيثمي : رجال أحمد ثقات.

(٦) الدرّ ٢ : ٨١ ؛ صحيح ابن خزيمة ٤ : ٩٥ ؛ الحاكم ١ : ٤١٦ ؛ كنز العمّال ٦ : ٥٧٠ / ١٦٩٦٩.

٤٢٥

[٢ / ٧٨٣٢] وأخرج أحمد والبزّار وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصحّحه والبيهقي عن بريدة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما يخرج رجل بشيء من الصدقة حتّى يفكّ عنها لحيي سبعين شيطانا» (١).

[٢ / ٧٨٣٣] وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله ليدخل بلقمة الخبز وقبضة التمر ومثله ممّا ينتفع به المسكين ، ثلاثة الجنّة : ربّ البيت الآمر به ، والزوجة تصلحه ، والخادم الّذي يناول المسكين! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد لله الّذي لم ينس خدمنا!» (٢).

[٢ / ٧٨٣٤] وأخرج أحمد عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليتقّ أحدكم وجهه من النار ولو بشقّ تمرة!» (٣).

[٢ / ٧٨٣٥] وأخرج أحمد في الزهد عن سالم بن أبي الجعد قال : كان رجل في قوم صالح عليه‌السلام قد آذاهم ، فقالوا : يا نبيّ الله ادع الله عليه. فقال : اذهبوا فقد كفيتموه ، وكان يخرج كلّ يوم فيحتطب ، فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدّق بالآخر ، فاحتطب ثمّ جاء بحطبه سالما ، فجاؤوا إلى صالح فقالوا : قد جاء بحطبه سالما لم يصبه شيء! فدعاه صالح فقال : أيّ شيء صنعت اليوم؟ فقال : خرجت ومعي قرصان تصدّقت بأحدهما وأكلت الآخر! فقال صالح : حلّ حطبك ، فحلّه فإذا فيه أسود عاضّ على جذل من الحطب ، فقال : بها دفع عنه ، يعني بالصدقة (٤).

[٢ / ٧٨٣٦] وأخرج أحمد عن سالم بن أبي الجعد قال : خرجت امرأة وكان معها صبيّ لها ، فجاء

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٨١ ؛ مسند أحمد ٥ : ٣٥٠ ؛ صحيح ابن خزيمة ٤ : ١٠٥ ؛ الأوسط ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ / ١٠٣٤ ؛ الحاكم ١ : ٤١٧ ؛ الشعب ٣ : ٢٥٧ / ٣٤٧٤ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٠٩ ، قال الهيثمي : رواه أحمد والبزّار والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٤٨ / ١٦٠٠٠.

(٢) الدرّ ٢ : ٨٢ ؛ الأوسط ٥ : ٢٧٨ / ٥٣٠٩ ؛ الحاكم ٤ : ١٣٤ ـ ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١١١ ـ ١١٢ ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٣٨ / ١٥٩٢٩.

(٣) الدرّ ٢ : ٨٢ ؛ مسند أحمد ١ : ٤٤٦ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٠٥ و ١٠٦ ، باب الحثّ على الصدقة ، قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وكذا ما رواه البزّار رجاله رجال الصحيح ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٣٩ / ١٥٩٣٧. و ٣٦٥ / ١٦٠٨٩ ؛ الأوسط ٤ : ٧٣ / ٣٦٤٤.

(٤) الدرّ ٢ : ٨٠ ؛ الزهد لابن أبي عاصم ١ : ٩٥ ـ ٩٦.

٤٢٦

الذئب فاختلسه منها ، فخرجت في أثره وكان معها رغيف ، فعرض لها سائل فأعطته الرغيف ، فجاء الذئب بصبيّها فردّه عليها (١)!.

كلّ أعمال البرّ صدقة

[٢ / ٧٨٣٧] أخرج الطبراني عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ ابن آدم ستّون وثلاثمائة مفصل ، عن كلّ واحد منها في كلّ يوم صدقة ، فالكلمة الطيّبة يتكلّم بها الرجل صدقة ، وعون الرجل أخاه على الشيء صدقة ، والشربة من الماء يسقيها صدقة ، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة» (٢).

[٢ / ٧٨٣٨] وأخرج البزّار والطبراني في الأوسط واللفظ للبزّار عن أبي ذرّ ـ رضوان الله عليه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ تبسّمك في وجه أخيك يكتب لك به صدقة ، وإنّ إفراغك في دلو أخيك يكتب لك به صدقة ، وإماطتك الأذى عن الطريق يكتب لك به صدقة ، وإرشادك للضالّ يكتب لك به صدقة» (٣).

[٢ / ٧٨٣٩] وأخرج أحمد وأبو نعيم في فضل العلم والبيهقي عن أبي ذرّ ـ رضوان الله عليه ـ «أنّه قال : على كلّ نفس في كلّ يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه ، قال : قلت : يا رسول الله ، من أين نتصدّق وليس لنا أموال؟ قال : إنّ من أبواب الصدقة التكبير وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله وأستغفر الله ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر ، وتهدي الأعمى وتسمع الأصمّ والأبكم حتّى يفقه ، وتدلّ المستدلّ على حاجة له قد علمت مكانها ، وتسعى بشدّة ساقيك إلى اللهفان المستغيث وترفع بشدّة ذراعيك مع الضعيف. كلّ ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ، ولك في معاشرتك مع زوجتك أجر. قال أبو ذرّ : كيف

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٨٠ ؛ الزهد لابن أبي عاصم ١ : ٩٧ ـ ٩٨.

(٢) الدرّ ٢ : ٨٤ ؛ الكبير ١١ : ٤٦ / ١١٠٢٧ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤١١ / ١٦٣٠٩.

(٣) الدرّ ٢ : ٨٤ ؛ مسند البزّار ٩ : ٤٥٧ ـ ٤٥٨ / ٤٠٧٠ ، عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ مختصر زوائد مسند البزّار ١ : ٣٩٧ / ٦٥٤ ؛ الأوسط ٨ : ١٨٣ / ٨٣٤٢ ، بلفظ : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ تبسّمك في وجه أخيك صدقة ، وإماطتك الأذى عن الطريق يكتب لك صدقة ، وإنّ إفراغك في دلو أخيك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر لك صدقة ، وإرشادك الضالّة صدقة».

٤٢٧

يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيت لو كان لك ولد فأدرك فرجوت أجره فمات أكنت تحتسب به؟ قلت : نعم. قال : فأنت خلقته؟ قلت : بل الله خلقه! قال : فأنت هديته؟ قلت : بل الله هداه! قال : فأنت كنت ترزقه؟ قلت : بل الله كان يرزقه! قال : فكذلك فضعه في حلاله وجنّبه حرامه ، فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر» (١).

الصدقة بالعلم أفضل الصدقات

[٢ / ٧٨٤٠] أخرج الطبراني عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم العطيّة كلمة حقّ تسمعها ، ثمّ تحملها إلى أخ لك مسلم فتعلّمها إيّاه!» (٢).

[٢ / ٧٨٤١] وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أفضل الصدقة أن يتعلّم المرء المسلم علما ثمّ يعلّمه أخاه المسلم» (٣).

[٢ / ٧٨٤٢] وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تصدّق الناس بصدقة مثل علم ينشر» (٤).

[٢ / ٧٨٤٣] وأخرج المرهبي في فضل العلم والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما أهدى المرء المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة ، يزيده الله بها هدى أو يردّه عن ردى» (٥).

فضل الإنفاق على الأرحام

[٢ / ٧٨٤٤] أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٨٥ ؛ مسند أحمد ٥ : ١٦٨ ـ ١٦٩ ؛ شعب الإيمان ٧ : ٥١٤ / ١١١٧١ ؛ النسائي ٥ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ / ٩٠٢٧ ، باب ٣٣ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤١٣ ـ ٤١٤ / ١٦٣١٤.

(٢) الدرّ ٢ : ٤٣ ؛ الكبير ١٢ : ٣٤ ـ ٣٥ / ١٢٤٢١ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٦٦ ، كتاب العلم ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٤٠ / ٢٨٧١٠.

(٣) الدرّ ٢ : ٤٣ ؛ ابن ماجة ١ : ٨٩ / ٢٤٣ ، باب ٢٠ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤٢١ / ١٦٣٥٧.

(٤) الدرّ ٢ : ٤٣ ؛ الكبير ٧ : ٢٣١ / ٦٩٦٤ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٦٦ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٧١ / ٢٨٨٨٨.

(٥) الدرّ ٢ : ٤٣ ؛ الشعب ٢ : ٢٨٠ / ١٧٦٤ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٧٢ / ٢٨٨٩٢ ؛ ابن عساكر ٣٧ : ٤١٠ / الترجمة : ٤٤٣١.

٤٢٨

«ما أنفق المرء على نفسه وأهله وولده وذي رحمه وقرابته فهو له صدقة» (١).

[٢ / ٧٨٤٥] وأخرج أحمد وأبو يعلى عن عمرو بن أميّة قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ما أعطى الرجل أهله فهو له صدقة» (٢).

[٢ / ٧٨٤٦] وأخرج أحمد والطبراني عن العرباض بن سارية ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّ الرجل إذا سقى امرأته من الماء أجر». قال : فأتيتها فسقيتها وحدّثتها بما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

[٢ / ٧٨٤٧] وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أنفق على نفسه نفقة ليستعفّ بها فهي صدقة ، ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة» (٤).

[٢ / ٧٨٤٨] وأخرج أحمد عن المقدام بن معديكرب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة» (٥).

[٢ / ٧٨٤٩] وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أنفقتم على أهليكم في غير إسراف ولا إقتار فهو في سبيل الله» (٦).

[٢ / ٧٨٥٠] وأخرج أحمد والطبراني عن أمّ سلمة : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من أنفق على ابنتين ، أو أختين ، أو ذاتي قرابة ، يحتسب النفقة عليهما حتّى يغنيهما الله من فضله أو يكفيهما كانتا

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٤١ ؛ الأوسط ٧ : ٧٤ / ٦٨٩٦ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١١٩.

(٢) الدرّ ٢ : ٤١ ؛ مسند أحمد ٤ : ١٧٩ ؛ أبو يعلى ١٢ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ / ٦٨٧٧ ، بلفظ : إنّ كلّ ما صنعت إلى أهلك صدقة ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١١٩ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤١٥ / ١٦٣٢٢.

(٣) الدرّ ٢ : ٤١ ؛ مسند أحمد ٤ : ١٢٨ ؛ الكبير ١٨ : ٢٥٩ / ٦٤٦ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١١٩ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤٢٥ / ١٦٣٨٠.

(٤) الدرّ ٢ : ٤١ ؛ الأوسط ٤ : ١٧٣ / ٣٨٩٧ ؛ الكبير ٨ : ٢٣٩ / ٧٩٣٢ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٢٠ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤٢٧ / ١٦٣٩٠.

(٥) الدرّ ٢ : ٤١ ؛ مسند أحمد ٤ : ١٣١ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١١٩ ، قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله ثقاة ؛ النسائي ٥ : ٣٧٦ / ٩١٨٥ ، باب ٨١ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤١٥ / ١٦٣٢١.

(٦) الدرّ ٢ : ٤٠ ؛ المصنّف ٦ : ٢٥٢ / ١٠ ، باب ٢٠٤ ، بلفظ : «إنّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألوه : ما أنفقنا على أهلينا؟ فقال : ما أنفقتم على أهليكم في غير إسراف ولا تقتير فهو في سبيل الله» ؛ شعب الإيمان ٥ : ٢٥١ / ٦٥٥٤.

٤٢٩

له سترا من النار» (١).

[٢ / ٧٨٥١] وأخرج البخاري ومسلم عن سعد : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت عليها ، حتّى ما تجعل في فم امرأتك!» (٢).

[٢ / ٧٨٥٢] وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي مسعود البدري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها ، كانت له صدقة» (٣).

[٢ / ٧٨٥٣] وأخرج ابن المنذر والحاكم وصحّحه عن أنس : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل البراء بن عازب فقال : يا براء كيف نفقتك على أهلك؟ ـ وكان موسّعا على أهله ـ فقال : يا رسول الله ما أحسنها! قال : فإنّ نفقتك على أهلك وولدك وخادمك صدقة ، فلا تتبع ذلك منّا ولا أذى» (٤).

[٢ / ٧٨٥٤] وأخرج الطبراني عن كعب بن عجرة قال : مرّ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل ، فرأى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جلده ونشاطه ، فقالوا : يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها ، فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان» (٥).

وأخرجه عبد الرزّاق عن أيّوب.

[٢ / ٧٨٥٥] وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داوود والترمذي وابن حبّان عن ابن الخدري قال : قال

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٤١ ؛ مسند أحمد ٦ : ٢٩٣ ؛ الكبير ٢٣ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣ / ٩٣٨ ؛ مجمع الزوائد ٨ : ١٥٧.

(٢) الدرّ ٢ : ٤١ ؛ البخاري ١ : ٢٠ و ٢ : ٨٢ ؛ مسلم ٥ : ٧١ ، وفيه : «ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلّا أجرت بها حتّى اللّقمة تجعلها في فيّ امرأتك» ؛ النسائي ٥ : ٣٨٣ / ٩٢٠٦ ، باب ٨٩ ؛ كنز العمّال ١٦ : ٦١٦ / ٤٦٠٦٧.

(٣) الدر ٢ : ٤٠ ؛ المصنّف ٦ : ٢٥٨ / ٣ ، باب ٢١٧ ، بلفظ : «نفقة الرجل على أهله صدقة» ؛ البخاري ١ : ٢٠ ، كتاب الإيمان ؛ مسلم ٣ : ٨١ ، كتاب الزكاة ؛ الترمذي ٣ : ٢٣٢ / ٢٠٣١ ، باب ٤٢ ، بلفظ : «عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : نفقة الرجل على أهله صدقة» ؛ النسائي ٢ : ٣٦ / ٢٣٢٥ ، باب ٦٢ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤١٩ / ١٦٣٤٣.

(٤) الدرّ ٢ : ٤٠ ؛ الحاكم ٢ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، كتاب التفسير ؛ كنز العمّال ٦ : ٤٢٧ / ١٦٣٨٨.

(٥) الدرّ ٢ : ٤٠ ؛ الكبير ١٩ : ١٢٩ / ٢٨٢ ؛ المصنّف ٥ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ / ٩٥٧٨ ؛ مجمع الزوائد ٤ : ٣٢٥ ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح.

٤٣٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كان له ثلاث بنات ، أو ثلاث أخوات ، أو بنتان ، أو أختان ، فأحسن صحبتهنّ واتّقى الله فيهنّ. وفي لفظ : فأدّبهنّ ، وأحسن إليهنّ ، وزوّجهنّ ، فله الجنّة» (١).

وأخرجه البخاري في الأدب والبزّار والطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن جابر (٢).

***

وفي أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام غرر ودرر بشأن الصدقة وفضلها وفوائدها وآثارها العائدة على الجماعة المسلمة ، وعلى صاحبها بالذات ، إن عاجلا أو آجلا ، أوردها ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني في أبواب من كتابه الكافي ، وفي تنسيق بديع ، نذكر منها :

فضل الصدقة

[٢ / ٧٨٥٦] روى بإسناده عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصدقة تدفع ميتة السوء».

[٢ / ٧٨٥٧] وعن إسحاق بن غالب عمّن حدّثه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «البرّ والصدقة ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ويدفعان سبعين ميتة السوء. وفي خبر آخر : ويدفعان تسعين ميتة السوء».

[٢ / ٧٨٥٨] وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لأن أعول أهل بيت من المسلمين ؛ أشبع جوعتهم ، وأكسو عورتهم ، وأكفّ وجوههم عن الناس ، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة وحجّة ، حتّى انتهى إلى سبعين».

[٢ / ٧٨٥٩] وعن السكونيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من صدّق بالخلف جاد بالعطيّة» (٣).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٤٢ ؛ المصنّف ٦ : ١٠٣ ـ ١٠٤ / ٥ ، باب ١٢ ، بلفظ : قال : «لا يكون لأحدكم ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فيحسن إليهنّ إلّا دخل الجنّة» ؛ أبو داوود ٢ : ٥٠٨ / ٥١٤٧ و ٥١٤٨ ، باب ١٣٠ ، بخلاف في اللفظ ؛ الترمذي ٣ : ٢١٣ / ١٩٧٨ ، باب ١٣ ، بنحو ما رواه ابن أبي شيبة ؛ صحيح ابن حبّان ٢ : ١٨٩ ـ ١٩٠ / ٤٤٦ ؛ مسند أحمد ٣ : ٤٢ ؛ كنز العمّال ١٦ : ٤٤٧ / ٤٥٣٦٧.

(٢) الأدب المفرد : ٢٨ ـ ٢٩ / ٧٨ ؛ مسند أحمد ٣ : ٣٠٣ ؛ الأوسط ٥ : ٢٢٦ / ٥١٥٧ ؛ الشعب ٧ : ٤٦٩ / ١١٠٢٥ ؛ كنز العمّال ١٦ : ٤٥٣ / ٤٥٣٩٧.

(٣) «من صدّق بالخلف جاد بالعطيّة» أي من صدّق بأنّ ما ينفقه في سبيل الله يدّخر له يوم القيامة ، جادت نفسه بالعطيّة.

٤٣١

[٢ / ٧٨٦٠] وعن عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا البلاء بالدعاء (١) واستنزلوا الرزق بالصدقة ، فإنّها تفكّ (٢) من بين لحي سبعمائة شيطان ، وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن وهي تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد».

[٢ / ٧٨٦١] وعن عبد الرحمان بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أرض القيامة نار ما خلا ظلّ المؤمن ، فإنّ صدقته تظلّه».

[٢ / ٧٨٦٢] وعن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء وتفكّ عن لحي سبعين شيطانا كلّهم يأمره أن لا يفعل».

[٢ / ٧٨٦٣] وعن معاوية بن عمّار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «كان في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : وأمّا الصدقة فجهدك (٣) حتّى يقال : قد أسرفت ولم تسرف».

[٢ / ٧٨٦٤] وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «يستحبّ للمريض أن يعطي السائل بيده ويأمر السائل أن يدعو له».

[٢ / ٧٨٦٥] وعن محمّد بن عمر بن يزيد ، قال : أخبرت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام أنّي أصبت بابنين وبقي لي بنيّ صغير! فقال : «تصدّق عنه» ، ثمّ قال حين حضر قيامي : «مر الصبي فليتصدّق بيده بالكسرة والقبضة والشيء وإن قلّ ، فإنّ كلّ شيء يراد به الله وإن قلّ ـ بعد أن تصدق النيّة فيه ـ عظيم ، إنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٤) وقال : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ)(٥) علم الله ـ عزوجل ـ أنّ كلّ أحد لا يقدر على فكّ رقبة ، فجعل إطعام اليتيم والمسكين مثل ذلك ، تصدّق عنه!».

__________________

(١) في بعض النسخ : «بالصدقة».

(٢) أي تخلص وتفلت من بين أسنان الشيطان وقد عضّ عليها. وأصل الفكّ : التخليص من القيد.

(٣) الجهد ـ بالضمّ ـ : الوسع والطاقة أي اجهد جهدك.

(٤) الزلزلة ٩٩ : ٧ ـ ٨.

(٥) البلد ٩٠ : ١١ ـ ١٦.

٤٣٢

[٢ / ٧٨٦٦] وعن أبي جميلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تصدّقوا ولو بصاع من تمر ، ولو ببعض صاع ، ولو بقبضة ، ولو ببعض قبضة ، ولو بتمرة ، ولو بشقّ تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة ليّنة ، فإنّ أحدكم لاق الله فقائل له : ألم أفعل بك؟ ألم أجعلك سميعا بصيرا؟ ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فيقول : بلى ، فيقول الله تبارك وتعالى : فانظر ما قدّمت لنفسك؟ قال : فينظر قدّامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يجد شيئا يقي به وجهه من النار!» (١).

الصدقة تدفع البلاء

[٢ / ٧٨٦٧] وروى بإسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي ولّاد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «بكّروا بالصدقة وارغبوا فيها ، فما من مؤمن يتصدّق بصدقة يريد بها ما عند الله ليدفع الله بها عنه شرّ ما ينزل من السماء إلى الأرض في ذلك اليوم ، إلّا وقاه الله شرّ ما ينزل من السماء إلى الأرض في ذلك اليوم!».

[٢ / ٧٨٦٨] وعن السكوني عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله لا إله إلّا هو ليدفع بالصدقة الداء والدّبيلة (٢) والحرق والغرق والهدم والجنون ، وعدّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين بابا من السوء».

[٢ / ٧٨٦٩] وعن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «مرّ يهودي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : السام عليك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليك ، فقال أصحابه : إنّما سلّم عليك بالموت! قال : الموت عليك ، قال النبيّ : وكذلك رددت ، ثمّ قال النبيّ : إنّ هذا اليهودي يعضّه أسود في قفاه فيقتله ؛ فذهب اليهوديّ فاحتطب حطبا فاحتمله ثمّ لم يلبث أن انصرف ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ضعه فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاضّ على عود ، فقال : يا يهوديّ ما عملت اليوم؟ قال : ما عملت عملا إلّا حطبي هذا احتملته فجئت به وكان معي كعكتان (٣) فأكلت واحدة وتصدّقت بواحدة على مسكين ،

__________________

(١) الكافي : ٤ : ٢ ـ ٤.

(٢) الدبيلة ـ كجهينة مصغّرة ـ : الطاعون والخراج (بضمّ الخاء) ودمّل يظهر في بطن صاحبه فيقتله ومرض في الجوف لفساد يجتمع فيه. والدبيلة والدبلة واحد.

(٣) الكعك : خبز يصنع من الدقيق والسكّر والسمن ويسوّى مستديرا وهو فارسيّ معرّب.

٤٣٣

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بها دفع الله عنه. وقال : إنّ الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان».

[٢ / ٧٨٧٠] وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال عليّ عليه‌السلام : «كانوا يرون أنّ الصدقة يدفع بها عن الرجل الظّلوم». أي تدفع الصدقة عن صاحبها ظلم الظّلوم.

[٢ / ٧٨٧١] وعن سليمان بن عمرو النخعي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بكّروا بالصدقة فإنّ البلاء لا يتخطّاها». أي لا يتجاوزها ليصيب صاحبها.

[٢ / ٧٨٧٢] وعن حنّان بن سدير ، عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ الصدقة لتدفع سبعين بليّة من بلايا الدنيا مع ميتة السوء ، إنّ صاحبها لا يموت ميتة السوء أبدا مع ما يدّخر لصاحبها في الآخرة».

[٢ / ٧٨٧٣] وعن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من تصدّق بصدقة حين يصبح ، أذهب الله عنه نحس ذلك اليوم».

[٢ / ٧٨٧٤] وعن عليّ بن أسباط عن الحسن بن الجهم ، قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام لإسماعيل بن محمّد وذكر له أنّ ابنه صدّق عنه ، قال : «إنّه رجل (١) فمره أن يتصدّق ولو بالكسرة من الخبز. ثمّ قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّ رجلا من بني إسرائيل كان له ابن وكان له محبّا فأتي في منامه فقيل له : إنّ ابنك ليلة يدخل بأهله يموت ، قال : فلمّا كان تلك الليلة وبنى عليه أبوه توقّع أبوه ذلك فأصبح ابنه سليما ، فأتاه أبوه فقال له : يا بنيّ هل عملت البارحة شيئا من الخير؟ قال : لا ، إلّا أنّ سائلا أتى الباب وقد كانوا ادّخروا لي طعاما فأعطيته السائل ، فقال : بهذا دفع الله عنك».

[٢ / ٧٨٧٥] وبهذا الإسناد ، عن عليّ بن أسباط ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان بيني وبين رجل قسمة أرض ، وكان الرجل صاحب نجوم وكان يتوخّى ساعة السعود فيخرج فيها وأخرج أنا في ساعة النحوس! فاقتسمنا فخرج لي خير القسمين ، فضرب الرجل يده اليمنى على اليسرى ثمّ قال : ما رأيت كاليوم قطّ! قلت : ويل الآخر وما ذاك؟ قال : إنّي صاحب نجوم أخرجتك في ساعة النحوس وخرجت أنا في ساعة السعود ، ثمّ قسمنا فخرج لك خير القسمين! فقلت : ألا أحدّثك بحديث حدّثني به أبي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يدفع الله عنه نحس يومه

__________________

(١) أي قال الإمام : إنّه رجل أي بالغ يجوز تصرّفه في ماله.

٤٣٤

فليفتتح يومه بصدقة يذهب الله بها عنه نحس يومه ، ومن أحبّ أن يذهب الله عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع الله عنه نحس ليلته». فقلت : وإنّي افتتحت خروجي بصدقة ، فهذا خير لك من علم النجوم!

[٢ / ٧٨٧٦] وعن الحسن بن عليّ الوشّاء عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «كان رجل من بني إسرائيل ولم يكن له ولد فولد له غلام وقيل له : إنّه يموت ليلة عرسه فمكث الغلام ، فلمّا كان ليلة عرسه نظر إلى شيخ كبير ضعيف فرحمه الغلام فدعاه فأطعمه ، فقال له السائل : أحييتني أحياك الله! قال : فأتى الأب آت في النوم فقال له : سل ابنك ما صنع؟ فسأله فخبّره بصنيعه. قال : فأتاه الآتي مرّة أخرى في النوم فقال له : إنّ الله أحيا لك ابنك بما صنع بالشيخ».

[٢ / ٧٨٧٧] وعن محمّد بن مسلّم قال : «كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسقط شرفة من شرف المسجد ، فوقعت على رجل فلم تضرّه وأصابت رجله ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : سلوه أيّ شيء عمل اليوم؟ فسألوه فقال : خرجت وفي كمّي تمر ، فمررت بسائل فتصدّقت عليه بتمرة ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : بها دفع الله عنك» (١).

فضل صدقة السرّ

[٢ / ٧٨٧٨] وبإسناده عن ابن القدّاح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صدقة السرّ تطفي غضب الربّ».

[٢ / ٧٨٧٩] وعن هشام بن سالم عن عمّار الساباطي ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا عمّار ، الصدقة ـ والله ـ في السرّ أفضل من الصدقة في العلانية! وكذلك ـ والله ـ العبادة في السرّ أفضل منها في العلانية!».

[٢ / ٧٨٨٠] وعن عبيد الله بن الوليد الوصّافي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صدقة السرّ تطفي غضب الربّ تبارك وتعالى» (٢).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢ ـ ٧.

(٢) المصدر : ٧ ـ ٨.

٤٣٥

فضل صدقة الليل

[٢ / ٧٨٨١] وبإسناده عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا اعتمّ وذهب من الليل شطره أخذ جرابا فيه خبز ولحم والدراهم ، فحمله على عنقه ، ثمّ ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم ولا يعرفونه ، فلمّا مضى أبو عبد الله عليه‌السلام فقدوا ذلك ، فعلموا أنّه كان أبا عبد الله عليه‌السلام.

[٢ / ٧٨٨٢] وعن السكوني ، عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا طرقكم سائل ذكر بليل فلا تردّوه».

[٢ / ٧٨٨٣] وعن سعدان بن مسلم عن معلّى بن خنيس ، قال : «خرج أبو عبد الله عليه‌السلام في ليلة قد رشّت (١) وهو يريد ظلّة بني ساعدة ، فأتبعته فإذا هو قد سقط منه شيء فقال : بسم الله اللهمّ ردّ علينا ، قال : فأتيته فسلّمت عليه ، فقال : معلّى؟ قلت : نعم جعلت فداك ، فقال لي : التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إليّ ، فإذا أنا بخبز منتشر كثير ، فجعلت أدفع إليه ما وجدت فإذا أنا بجراب (٢) ، أعجز عن حمله من خبز ، فقلت : جعلت فداك أحمله على رأسي ، فقال : لا أنا أولى به منك ولكن امض معي. قال : فأتينا ظلّة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدسّ الرغيف والرغيفين حتّى أتى على آخرهم ، ثمّ انصرفنا ، فقلت : جعلت فداك يعرف هؤلاء الحقّ؟ فقال : لو عرفوه لواسيناهم بالدّقّة (٣) ـ والدّقّة هي الملح ـ إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق شيئا إلّا وله خازن يخزنه إلّا الصدقة ، فإنّ الربّ يليها بنفسه. وكان أبي إذا تصدّق بشيء وضعه في يد السائل ، ثمّ ارتدّه منه فقبّله وشمّه ثمّ ردّه في يد السائل. إنّ صدقة الليل تطفي غضب الربّ وتمحو الذنب العظيم وتهوّن الحساب ، وصدقة النهار تثمر المال وتزيد في العمر ، إنّ عيسى بن مريم عليه‌السلام لمّا أن مرّ على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء ، فقال له بعض الحواريّين : يا روح الله وكلمته ، لم فعلت هذا وإنّما هو من قوتك؟ قال :

__________________

(١) أي أمطرت ورشّت السماء : جاءت بالمطر الخفيف.

(٢) الجراب ـ بالكسر ـ : وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الدقيق ونحوه.

(٣) قوله : «يدسّ الرغيف» دسست الشيء في التراب : أخفيته فيه (القاموس). قوله : «لواسيناهم» لعلّ المراد بالمواساة أنّا أجلسناهم في الخوان وأشركناهم معنا في أكل الملح. والدّقّة ـ بضمّ الدال وتشديد القاف ـ : الملح.

٤٣٦

فقال : فعلت هذا لدابّة تأكله من دوابّ الماء وثوابه عند الله عظيم» (١).

الصدقة تزيد في المال

[٢ / ٧٨٨٤] وبإسناده عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الصدقة تقضي الدّين وتخلف بالبركة».

[٢ / ٧٨٨٥] وعن أحمد بن أبي عبد الله قال : حدّثني الجهم بن الحكم المدائني عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تصدّقوا فإنّ الصدقة تزيد في المال كثرة ، وتصدّقوا رحمكم الله».

[٢ / ٧٨٨٦] وعن عليّ بن وهبان عن عمّه هارون بن عيسى قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لمحمّد ابنه : «يا بنيّ ، كم فضل معك من تلك النفقة؟ قال : أربعون دينارا ، قال : اخرج فتصدّق بها ، قال : إنّه لم يبق معي غيرها ، قال : تصدّق بها فإنّ الله ـ عزوجل ـ يخلفها ، أما علمت أنّ لكلّ شيء مفتاحا ومفتاح الرزق الصدقة فتصدّق بها ففعل ، فما لبث أبو عبد الله عليه‌السلام عشرة أيّام حتّى جاءه من موضع أربعة آلاف دينار ، فقال : يا بنيّ أعطينا لله أربعين دينارا فأعطانا الله أربعة آلاف دينار».

[٢ / ٧٨٨٧] وعن موسى بن بكر عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «استنزلوا الرزق بالصدقة».

[٢ / ٧٨٨٨] وعن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا إلّا أحسن الله الخلافة على ولده من بعده ، وقال : حسن الصدقة يقضي الدّين ويخلف على البركة» (٢).

الصدقة على القرابة

[٢ / ٧٨٨٩] وبإسناده عن أبي جميلة عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من وصل قريبا بحجّة أو عمرة كتب الله له حجّتين وعمرتين ، وكذلك من حمل عن حميم يضاعف الله له الأجر ضعفين».

[٢ / ٧٨٩٠] وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيّ الصدقة أفضل؟

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨ ـ ٩.

(٢) المصدر : ٩ ـ ١٠.

٤٣٧

قال : «على ذي الرحم الكاشح». وهو الّذي يطوي عنك كشحه ويعرض عنك بوجهه ، أي غير المؤالف لك.

[٢ / ٧٨٩١] وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ، وصلة الإخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين» (١).

الإنفاق على العيال والتوسيع عليهم

[٢ / ٧٨٩٢] وبإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام قال : «أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله».

[٢ / ٧٨٩٣] وعن محمّد بن مسلم قال : قال رجل لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ لي ضيعة بالجبل أستغلّها في كلّ سنة ثلاث آلاف درهم فأنفق على عيالي منها ألفي درهم وأتصدّق منها بألف درهم في كلّ سنة. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن كانت الألفان تكفيهم في جميع ما يحتاجون إليه لسنتهم فقد نظرت لنفسك ووفّقت لرشدك ، وأجريت نفسك في حياتك بمنزلة ما يوصي به الحيّ عند موته».

[٢ / ٧٨٩٤] وعن معمر بن خلّاد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «ينبغي للرجل أن يوسّع على عياله كيلا يتمنّوا موته. وتلا هذه الآية : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)(٢) قال : الأسير عيال الرجل ينبغي للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه في السعة عليهم ، ثمّ قال : إنّ فلانا أنعم الله عليه بنعمة فمنعها أسراءه ، وجعلها عند فلان فذهب الله بها». قال معمر : وكان فلان حاضرا!.

[٢ / ٧٨٩٥] وعن حمّاد بن عثمان عن الربيع بن يزيد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول».

[٢ / ٧٨٩٦] وعن ابن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : «صاحب النعمة يجب عليه التوسعة على عياله».

[٢ / ٧٨٩٧] وعن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المؤمن يأكل بشهوة أهله ، والمنافق يأكل أهله بشهوته».

__________________

(١) المصدر : ١٠.

(٢) الدهر ٧٦ : ٨.

٤٣٨

[٢ / ٧٨٩٨] وعن عليّ بن أسباط ، عن أبيه أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام سئل : أكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوت عياله قوتا معروفا؟ قال : «نعم إنّ النفس إذا عرفت قوتها قنعت به ونبت عليه اللحم».

[٢ / ٧٨٩٩] وعن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يعوله».

[١ / ٧٩٠٠] وعن عليّ بن غراب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ملعون ملعون من ألقى كلّه على الناس. ملعون ملعون من ضيّع من يعول».

[٢ / ٧٩٠١] وعن أبي حمزة قال : قال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «لأن أدخل السوق ومعي دراهم أبتاع به لعيالي لحما وقد قرموا (١) أحبّ إليّ من أن أعتق نسمة».

[٢ / ٧٩٠٢] وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان عليّ بن الحسين عليه‌السلام إذا أصبح خرج غاديا في الرزق ، فقيل له : يا ابن رسول الله أين تذهب؟ فقال : أتصدّق لعيالي ، قيل له : أتتصدّق؟ قال : من طلب الحلال فهو من الله ـ عزوجل ـ صدقة عليه».

[٢ / ٧٩٠٣] وعن أبي محمّد الأنصاري عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ المؤمن يأخذ بأدب الله ـ عزوجل ـ إذا وسّع عليه اتّسع وإذا أمسك عنه أمسك».

[٢ / ٧٩٠٤] وعن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من سعادة الرجل أن يكون القيّم على عياله».

[٢ / ٧٩٠٥] وعن ياسر الخادم ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : «ينبغي للمؤمن أن ينقص من قوت عياله في الشتاء ويزيد في وقودهم» (٢).

من يلزم نفقته

[٢ / ٧٩٠٦] وبإسناده عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : من الّذي أحتنّ عليه (٣) وتلزمني نفقته؟ قال : «الوالدان والولد والزوجة».

[٢ / ٧٩٠٧] وعن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أتي أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ

__________________

(١) القرم ـ محرّكة ـ شدّة الاشتهاء.

(٢) الكافي ٤ : ١١ ـ ١٣.

(٣) أي أرحمه وأرقّ له.

٤٣٩

بيتيم ، فقال : «خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه».

[٢ / ٧٩٠٨] وعن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : من يلزم الرجل من قرابته ممّن ينفق عليه؟ قال : «الوالدان والولد والزوجة» (١).

الصدقة على من لا تعرفه

[٢ / ٧٩٠٩] وبإسناده عن سدير الصيرفيّ ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أطعم سائلا لا أعرفه مسلما؟ فقال : «نعم ، أعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحقّ ؛ إنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(٢) ولا تطعم من نصب لشيء من الحقّ أو دعا إلى شيء من الباطل».

[٢ / ٧٩١٠] وعن عبد الله بن الفضل النوفليّ عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن السائل يسأل ولا يدرى ما هو؟ قال : «أعط من وقعت له الرحمة في قلبك. وقال : أعط دون الدرهم ، قلت : أكثر ما يعطى؟ قال : أربعة دوانيق» (٣).

الصدقة على أهل البوادي

[٢ / ٧٩١١] وبإسناده عن عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصدقة على أهل البوادي والسواد؟ فقال : تصدّق على الصبيان والنساء والزّمناء والضعفاء والشيوخ ، وكان ينهى عن أولئك الجمّانين ، يعني أصحاب الشعور (٤).

[٢ / ٧٩١٢] وعن منهال القصّاب ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أعط الكبير والكبيرة والصغير والصغيرة ومن وقعت له في قلبك رحمة ، وإيّاك وكلّ ... وقال بيده وهزّها». أي وليس كلّ أحد على إطلاقه.

[٢ / ٧٩١٣] وعن عمرو بن أبي نصر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «إنّ أهل السواد يقتحمون علينا وفيهم اليهود والنصارى والمجوس فنتصدّق عليهم؟ فقال : نعم» (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣.

(٢) البقرة ٢ : ٨٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٣ ـ ١٤.

(٤) ولعلّ المراد : المتخنّثين.

(٥) الكافي ٤ : ١٤.

٤٤٠