التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

[٢ / ٧٦٨٨] وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : قال عمر : آية من كتاب الله ما وجدت أحدا يشفيني عنها! قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) الآية. قال ابن عبّاس : يا أمير المؤمنين إنّي أجد في نفسي منها! فقال له عمر : فلم تحقّر نفسك؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا مثل ضربه الله ، فقال : أيحبّ أحدكم أن يكون عمره يعمل بعمل أهل الخير وأهل السعادة ، حتّى إذا كبرت سنّه واقترب أجله ورقّ عظمه ، وكان أحوج ما يكون إلى أن يختم عمله بخير ، عمل بعمل أهل الشقاء فأفسد عمله فأحرقه. قال : فوقعت على قلب عمر وأعجبته (١).

[٢ / ٧٦٨٩] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) قال : هذا مثل ضربه الله فاعقلوا عن الله أمثاله ، فإنّ الله يقول : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ)(٢)(٣).

وأخرجه ابن جرير بلفظ : عن قتادة قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يقول : أصابها ريح فيها سموم شديدة ، (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ، فهذا مثل. فاعقلوا عن الله ـ عزوجل ـ أمثاله فإنّه قال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ). هذا رجل كبرت سنّه ودقّ عظمه وكثر عياله ، ثمّ احترقت جنّته على بقيّة ذلك كأحوج ما يكون إليه. يقول : أيحبّ أحدكم أن يضلّ عنه عمله يوم القيامة ، كأحوج ما يكون إليه؟ (٤)

[٢ / ٧٦٩٠] وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وحسّنه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٤٨ ـ ٤٩ ؛ الوسيط ١ : ٣٨٠ ، بلفظ : «عن عطاء ، قال : قال عمر بن الخطّاب : ما وجدت أحدا يشفيني من هذه الآية : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ) إلى آخر الآية ، وابن عبّاس خلفه ، فقال له ابن عبّاس : إنّي لأجد في نفسي منها شيئا ، فالتفت إليه عمر ، فقال : لم تحقّر نفسك؟ تحوّل ها هنا ، فقام فأجلسه ، فقال : هذا مثل ضربه الله ، فقال : أيودّ أحدكم أن يكون عمره كلّه لله يعمل بعمل أهل الخير وعمل أهل السعادة ، حتّى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختم عمله بخير ـ حين فني عمره واقترب أجله ـ عمل بعمل أهل الشقاوة وعمل أهل النار ، فختم به عمله فأفسد ذلك عمله كلّه ، كما لو كان لأحدكم جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار فأتتها نار فأحرقتها ، فهذا مثل ضربه الله لهذا».

(٢) العنكبوت ٢٩ : ٤٣.

(٣) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٥ / ٢٧٨٦.

(٤) الطبري ٣ : ١٠٦ ـ ١٠٧ / ٤٧٧٦.

٣٨١

يدعوا : «اللهمّ اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سنّي وانقطاع عمري» (١).

***

وبعد ، فيمضي السياق خطوة أخرى في دستور الصدقة ، تبيينا لنوعها الصالح للإنفاق في سبيل الله. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

نعم إذا كانت الصدقات إنفاقا في سبيل الله ، وعملا صالحا يقدّمه العباد إلى ساحة المولى الكريم ، فأجدر به أن يكون من أحسنه ومن أجود المال وأطيبه. حيث مقتضى الكرامة أن يكون الجود بأفضل الموجود : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٢).

ولا يليق بكرامة الباذل أن يعمد في بذله إلى خبيث المال ورديئه ، فيقدّمه إلى مولاه الكريم. (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ).

تيمّم الشيء : توخّاه وتعمّده. والخبيث : الرديء المستكره.

أي ولا تعمدوا إلى رديء المال ومستكرهه عندكم ، لتبذلوه في سبيل الله. فقد كنتم تعافونه إذا قدّم إليكم ، فكيف لا تعافون تقديمه إلى مولاكم؟! فلو كان قد قدّم إليكم في صفقة (بيعة) ما قبلتموه ، بل رفضتموه ، لمكان ردائته. إلّا إذا انتقص من ثمنه بإزاء موضع ردائته. فتغمضوا في قبوله أي تساهلون فيه.

فمال هكذا شأنه ، بحيث لا يتبادل إلّا في إغماض وتساهل ، عمّا فيه من العيب والردائة ، فكيف تعمدون إلى إنفاقه والصدقة به على الفقير المعوز ، الّذي هو مرغم على القبول ، لمكان فقره وحاجته ، وهذا استغلال لفرصة غير حميدة. بل وتحقير بذيء لصاحب الحاجة الّذي قصدك أن تسمح له ممّا أنعم الله عليك ، وفي سبيل رضاه تعالى! والله الّذي أغناك هو أولى بأن يسخط عليك ويسلبك نعمته.

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٤٩ ؛ الأوسط ٤ : ٦٢ / ٣٦١١ ؛ الحاكم ١ : ٥٤٢ ، كتاب الدعاء ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ١٨٢ ، كتاب الأدعية ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٧ ، وفيه «وانقضاء» بدل قوله : «وانقطاع» ؛ كنز العمّال ٢ : ١٨٨ / ٣٦٨٢.

(٢) آل عمران ٣ : ٩٢.

٣٨٢

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ). غنيّ عن عطاء الناس ، وإنّما كان ما يبذلونه في سبيله ، يعود بالخير لأنفسهم ، مثلا بمثل ، بل وبأضعاف. فليكن ما يبذلونه من أطائب الأموال ، فتعود عليهم بأحسن منها وأنفع وأشمل.

حميد : فإنّه حميد في البذل والعطاء ، وفي مقابلة الإحسان بالإحسان ، إنّه شاكر عليم.

قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ)

[٢ / ٧٦٩١] قال ابن عبّاس : أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه ، ونهاهم عن التصدّق برذالة المال ودنيئه وهو خبيثه ، فإنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا (١).

[٢ / ٧٦٩٢] وأخرج الطستي عن ابن عبّاس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله :

(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) قال : لا تعمدوا إلى شرّ ثماركم وحروثكم فتعطوه في الصدقة ، ولو أعطيتم ذلك لم تقبلوا. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الأعشى وهو يقول :

يمّمت راحلتي أمام محمّد

أرجو فواضله وحسن نداه

وقال أيضا :

تيمّمت قيسا وكم دونه

من الأرض من مهمه ذي شزن (٢)

[٢ / ٧٦٩٣] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) يقول : تصدّقوا من أطيب أموالكم وأنفسه (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) قال : لو كان لكم على أحد حقّ فجاءكم بحقّ دون حقّكم لم تأخذوه بحساب الجيّد حتّى تنقصوه ، فذلك قوله : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟ وحقّي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه ، وهو قوله : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٣)(٤).

__________________

(١) ابن كثير ١ : ٣٢٧.

(٢) الدرّ ٢ : ٦٠ ـ ٦١. والمهمه : المفازة البعيدة الأطراف. والشّزن : الشدّة والغلظة.

(٣) آل عمران ٣ : ٩٢.

(٤) الدرّ ٢ : ٦٠ ؛ الطبري ٣ : ١١١ ـ ١١٢ و ١١٧ / ٤٧٩٤ ـ ٤٧٩٨ و ٤٨١٨ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٥ ـ ٥٢٩ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٦٩ ؛ أبو الفتوح ٤ : ٦٧ ـ ٦٨.

٣٨٣

[٢ / ٧٦٩٤] وأخرج وكيع عن الحسن : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) قال : لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتموه حتّى يهضم لكم من الثمن (١).

يقال : هضم له من ماله شيئا أي كسر منه مقدارا وأعطاه الباقي.

[٢ / ٧٦٩٥] وقال أبو عليّ الطبرسيّ : معناه : لا تتصدّقوا بما لا تأخذونه من غرمائكم إلّا بالمسامحة والمساهلة. فالإغماض ها هنا المساهلة ، عن البراء بن عازب (٢).

[٢ / ٧٦٩٦] وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) يقول : ولا تعمدوا للخبيث منه تنفقون ، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) عن صدقاتكم (٣).

[٢ / ٧٦٩٧] وأخرج أبو داوود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم وصحّحه والبيهقي عن عوف بن مالك قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه عصا ، فإذا أقناء معلّقة في المسجد ، قنو منها حشف ، فطعن في ذلك القنو وقال : «ما يضرّ صاحبه لو تصدّق بأطيب من هذه!! إنّ صاحب

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٦١ ؛ الطبري ٣ : ١١٨ / ٤٨٢٢ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٩ / ٢٨٠٥ ، بلفظ : «قال : لو وجدتموه يباع في السوق لم تشتروه حتّى يهضم عنه من الثمن» ؛ الثعلبي ٢ : ٢٦٩ ، عن الحسن وقتادة ؛ مجمع البيان ٢ : ١٩٢ ، عن الحسن وابن عبّاس وقتادة ، بلفظ : «معناه : بما لا تأخذونه إلّا أن تحطّوا من الثمن فيه» ؛ التبيان ٢ : ٢٤٥ ؛ القرطبي ٣ : ٣٢٦ ، قال : وروي عن عليّ عليه‌السلام نحوه.

(٢) مجمع البيان ٢ : ١٩٢ ؛ التبيان ٢ : ٢٤٥ ، بلفظ : «قال البراء بن عازب : إلّا أن تتساهلوا فيه» ؛ أبو الفتوح ٤ : ٦٨ ؛ القرطبي ٣ : ٣٢٦ ، بلفظ : «أي لستم بآخذيه في ديونكم وحقوقكم من الناس إلّا أن تتساهلوا في ذلك وتتركوا من حقوقكم ، وتكرهونه ولا ترضونه. أي فلا تفعلوا مع الله ما لا ترضونه لأنفسكم ، قاله البراء بن عازب وابن عبّاس والضحّاك».

(٣) الدرّ ٢ : ٦٠ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٨٣ / ١٨٢٢ ، باب ١٩ ، بلفظ : «عن البراء بن عازب ، في قوله سبحانه : (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال : نزلت في الأنصار ، كانت الأنصار تخرج ، إذا كان جدّاد النّخل من حيطانها أقناء البسر. فيعلّقونه على حبل بين اسطوانتين في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيأكل منه فقراء المهاجرين. فيعمد أحدهم فيدخل قنوا فيه الحشف يظنّ أنّه جائز في كثرة ما يوضع من الأقناء. فنزل فيمن فعل ذلك : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) يقول : لا تعمدوا للحشف منه تنفقون. (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا) فِيهِ يقول : لو أهدي لكم ما قبلتموه إلّا على استحياء من صاحبه ، غيظا أنّه بعث إليكم ما لم يكن لكم فيه حاجة. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ عن صدقاتكم» ؛ الطبري ٣ : ١٢١ / ٤٨٢٩ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٧ و ٥٢٩ / ٢٧٩٧ ـ ٢٧٩٨ و ٢٨٠٧.

٣٨٤

هذه ليأكل الحشف يوم القيامة» (١).

[٢ / ٧٦٩٨] وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصحّحه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصحّحه والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب في قوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) قال : نزلت فينا معشر الأنصار كنّا أصحاب نخل ، كان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلّته ، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلّقه في المسجد ، وكان أهل الصفّة ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممّن لا يرغب في الخير ، يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحفش ، وبالقنو قد انكسر ، فيعلّقه ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) قال : لو أنّ أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلّا عن إغماض وحياء. قال : فكنّا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده (٢).

[٢ / ٧٦٩٩] وأخرج عبد بن حميد وأبو داوود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدار قطني والحاكم والبيهقي في سننه عن سهل بن حنيف قال : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصدقة ، فجاء رجل بكبائس من هذا السحل ـ يعني الشيص ـ فوضعه ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : من جاء بهذا؟ ـ وكان كلّ من جاء بشيء نسب إليه ـ فنزلت : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) الآية. ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن لونين من التمر ، أن يؤخذا في الصدقة الجعرور والحبيق» (٣).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٦٠ ؛ أبو داوود ١ : ٣٦٢ / ١٦٠٨ ، باب ١٧ ؛ بلفظ : «قال : دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد وبيده عصا وقد علّق رجل منّا حشفا ، فطعن بالعصا في ذلك القنو ، وقال : لو شاء ربّ هذه الصدقة تصدّق بأطيب منها. وقال : إنّ ربّ هذه الصدقة يأكل الحشف يوم القيامة» ؛ النسائي ٢ : ٢٣ / ٢٢٧٢ ، باب ٢٩ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٨٣ / ١٨٢١ ، باب ١٩ ؛ ابن خزيمة ٤ : ١٠٩ ؛ ابن حبّان ١٥ : ١٧٨ / ٦٧٧٤ ، وزاد : ثمّ أقبل علينا فقال : أما والله يا أهل المدينة لتذرنّها للعوافي هل تدرون ما العوافي؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : الطير والسباع ؛ الحاكم ٢ : ٢٨٥ ، و ٤ : ٤٢٥ ـ ٤٢٦ ؛ البيهقي ٤ : ١٣٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٦٨ ؛ أبو الفتوح ٤ : ٦٥ ـ ٦٦ ؛ الطبري ٣ : ١١٦.

(٢) الدرّ ٢ : ٥٨ ؛ المصنّف ٣ : ١١٥ / ٥ ، باب ١٤٦ ؛ الترمذي ٤ : ٢٧٨ / ١٨٢٢ ؛ الطبري ٣ : ١١٤ / ٤٨٠٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٨ / ٢٨٠٣ ؛ الحاكم ٢ : ٢٨٥ ؛ البيهقي ٤ : ١٣٦ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٩١ ، عن عليّ عليه‌السلام والبراء بن عازب والحسن وقتادة.

(٣) الدرّ ٢ : ٥٩ ؛ أبو داوود ١ : ٣٦٢ / ١٦٠٧ ، باب ١٧ ؛ النسائي ٢ : ٢٢ / ٢٢٧١ ؛ الطبري ٣ : ١١٥ / ٤٨٠٩ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٨ / ٢٨٠٢ ؛ الكبير ٦ : ٧٦ / ٥٥٦٦ ؛ الدارقطني ٢ : ١٣٠ / ١١ ؛ الحاكم ١ : ٤٠٢ ؛ البيهقي ٤ : ١٣٦.

٣٨٥

[٢ / ٧٧٠٠] وأخرج الحاكم وصحّحه من طريق جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما‌السلام عن جابر قال : أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزكاة الفطر بصاع من تمر ، فجاء رجل بتمر رديء فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الله بن رواحة : «لا تخرص هذا التمر ، فنزل هذا القرآن : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) الآية» (١).

[٢ / ٧٧٠١] وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما‌السلام قال : «لمّا أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصدقة الفطر جاء رجل بتمر رديء ، فأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذي يخرص النخل أن لا يجيزه ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) الآية» (٢).

[٢ / ٧٧٠٢] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أمر بزكاة النخيل ، يجيء أقوام بألوان من تمر هو من أردأ التمر ، يؤدّونه من زكواتهم. تمر يقال له : الجعرور والمعافارة ، قليلة اللحاء ، عظيمة النوى. وكان بعضهم يجيء من التمر الجيّد. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشأن الأوّلتين : لا تخرصوا هاتين التمرتين ، ولا تجيئوا منهما بشيء» (٣).

[٢ / ٧٧٠٣] وروى العيّاشي بالإسناد إلى إسحاق بن عمّار عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام قال : «كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطر إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه عرق يسمّى الجعرور وعرق يسمّى معافارة ، كانا عظيما نواهما ، رقيقا لحاهما ، في طعمهما مرارة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخارص : لا تخرص عليهم هذين اللونين ، لعلّهم يستحيون لا يأتون بهما ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ)» (٤).

[٢ / ٧٧٠٤] وعن رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) فقال :

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٥٩ ؛ الحاكم ٢ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، كتاب التفسير ؛ أسباب نزول القرآن : ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) الدرّ ٢ : ٥٨ ـ ٥٩.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨ / ٩ ؛ العيّاشي ١ : ١٦٨ ـ ١٦٩ / ٤٩٠ ؛ البحار ٩٣ : ٤٦ / ٤ ، باب ٤ ؛ البرهان ١ : ٥٥٩ ـ ٥٦٠ / ١ ؛ نور الثقلين ١ : ٢٨٥.

(٤) نور الثقلين ١ : ٢٨٦ ؛ العيّاشي ١ : ١٦٩ ـ ١٧٠ / ٤٩٤ ؛ البحار ٩٣ : ٤٧ / ٦ ، باب ٤ ؛ البرهان ١ : ٥٦١ / ٩ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٤١ ، وفيه : «لا تخارص عليهم هذين اللونين ...».

٣٨٦

«رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عبد الله بن رواحة فقال : لا تخرصوا جعرورا ولا معافارة ، وكان أناس يجيئون بتمر سوء ، فأنزل الله جلّ ذكره : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) وذكر أنّ عبد الله خرص عليهم تمر سوء ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عبد الله لا تخرص جعرورا ولا معافارة» (١).

[٢ / ٧٧٠٥] وأخرج ابن المنذر عن محمّد بن يحيى بن حبّان المازني من الأنصار : أنّ رجلا من قومه أتى بصدقته يحملها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصناف من التمر معروفة من الجعرور واللينة والأيارخ والقضرة والمعافارة ، وكلّ هذا لا خير فيه من تمر النخل ، فردّها رسول الله وأنزل الله فيه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) إلى قوله : (حَمِيدٌ)(٢).

[٢ / ٧٧٠٦] وأخرج ابن جرير عن عبيدة السلماني قال : سألت عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن قول الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) الآية. فقال : «نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة ، كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيّد ناحية ، فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء. فقال الله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) يقول : ولا يأخذ أحدكم هذا الرديء حتّى يهضم له» (٣).

[٢ / ٧٧٠٧] وروى أحمد في مسنده : أنّه أهدي إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضبّ فعافاه وأبى أن يأكله ، قالت عائشة : فقلت : أفلا نطعم المساكين؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تطعموهم ممّا لا تأكلون» (٤).

[٢ / ٧٧٠٨] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) يقول : أنفقوا من الحلال ممّا رزقناكم من الأموال ، الفضّة والذهب وغيرهما (وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) وأنفقوا من طيّبات الثمار والنبات. وذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر الناس بالصدقة قبل أن تنزل آية الصدقات ، فجاء رجل بعذق من تمر عامّته حشف ، فوضعه في المسجد مع التمر ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من جاء بهذا؟ فقالوا : لا ندري ، فأمر النبيّ أن يعلق العذق ، فمن نظر إليه قال بئس ما

__________________

(١) العيّاشي ١ : ١٦٩ / ٤٩١ ؛ البحار ٩٣ : ٤٦ / ٥ ، باب ٤.

(٢) الدرّ ٢ : ٥٩.

(٣) الدرّ ٢ : ٥٩ ؛ الطبري ٣ : ١١٥ و ١١٧ / ٤٨٠٨ و ٤٨١٦ ؛ كنز العمّال ٢ : ٣٦٥ / ٤٢٦٥.

(٤) مسند أحمد ٦ : ١٠٥ و ١٢٣ ؛ مجمع الزوائد ٤ : ٣٧ ، قال الهيثمي : رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٨.

٣٨٧

صنع صاحب هذا! فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) يقول : ولا تعمدوا إلى الحشف من التمر الرديء من طعامكم للصدقات (مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ) يعني الرديء بسعر الطيّب لأنفسكم ، يقول : لو كان لبعضكم على بعض حقّ لم يأخذ دون حقّه ، ثمّ استثنى فقال : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) يقول : إلّا أن يهضم بعضكم على بعض حقّه فيأخذ دون حقّه ، وهو يعلم أنّه رديء فيأخذه على علم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ) عمّا عندكم من الأموال (حَمِيدٌ) عند خلقه في ملكه وسلطانه (١).

[٢ / ٧٧٠٩] وروى العيّاشي بالإسناد إلى محمّد بن خالد الضبّي قال : مرّ إبراهيم النخعي على امرأة وهي جالسة على باب دارها بكرة وكان يقال لها أمّ بكر ، وفي يدها مغزل تغزل به ، فقال : يا أمّ بكر ، أما كبرت ، ألم يأن لك أن تضعي هذا المغزل؟ فقالت : وكيف أضعه وسمعت عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : هو من طيّبات الكسب (٢).

[٢ / ٧٧١٠] وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «التمسوا الرزق في خبايا الأرض» (٣).

[٢ / ٧٧١١] وأخرج أبو إسحاق الثعلبي عن عكرمة عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد يسمع أهل الجمع : أين الّذين يعبدون الناس ، قوموا وخذوا أجوركم ممّن عملتم له ، فإنّي لا أقبل عملا خالطه شيء من الدنيا» (٤).

[٢ / ٧٧١٢] ومن حديث شعبه عن الأعمش عن سليمان بن مسهّر عن خرشة بن الحرّ عن أبي ذرّ ـ رضوان الله عليه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٢) العيّاشي ١ : ١٧٠ / ٤٩٥ ؛ البحار ١٠٠ : ٥٣ / ١٥ ، باب ٤. وفيه : «بكّرت» بدل «كبرت» ؛ الثعلبي ٢ : ٢٦٧ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٦ / ٢٧٩١.

(٣) الثعلبي ٢ : ٢٦٧ ؛ أبو الفتوح ٤ : ٦٤ ، بلفظ : «اطلبوا الرزق في خبايا الأرض» ؛ الأوسط ١ : ٢٧٤ / ٨٩٥ ؛ كنز العمّال ٤ : ٢١ / ٩٣٠٣ ؛ القرطبي ٣ : ٣٠٦.

(٤) الثعلبي ٢ : ٢٦٣ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٨٥ ، وفيه : شيء من الدنيا وأهله ؛ أبو الفتوح ٤ : ٥٦ ؛ كنز العمّال ٣ : ٤٨٥ / ٧٥٤٢.

٣٨٨

يزكّيهم ، ولهم عذاب أليم : المنّان بما أعطى ، والمسبل إزاره ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» (١).

مناشيء الكفّ عن الإنفاق

قوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)

ولمّا كان الكفّ عن الإنفاق ولا سيّما الإنفاق بطيبة المال ، إنّما كان ينشأ عن دوافع السوء وعن تزعزع اليقين بما عند الله ، وبدافع من خوف الفقر والإملاق ، ممّا لا يساور قلبا يتّصل بالله ويعتمد عليه ويدرك أنّ مردّ ما عنده إليه تعالى ، كشف الله للّذين آمنوا عن هذه الدوافع الرذيلة ، لتبدو لهم عارية ، وليعرفوا من أين تنبت هذه في النفوس ، وما الّذي يثيرها في القلوب. إنّه الشيطان.

الشيطان يسلبكم روح الإيمان وشوق الاتّكال على الله ، ذي القوّة المتين ، ومن ثمّ يخوّفكم الفقر ، ويثير في نفوسكم الحرص والشحّ والتكالب ، وكذلك يأمركم بالفحشاء ، يبثّ فيكم روح الشقاء والفساد والإفساد.

والفحشاء كلّ معصية عارمة كانت هتكا لحريم الإيمان وتجاوزا عن حدود ما أنزل الله ، في عرامة فاضحة.

وبكلمة جامعة : الفحشاء هي كلّ معصية يعود وبالها على الجماعة المسلمة من غير أن تخصّ بآثارها السيّئة فاعلها بالذات.

[٢ / ٧٧١٣] أخرج الترمذي وحسّنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبّان والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ للشيطان لمّة بابن آدم وللملك لمّة ، فأمّا لمّة الشيطان فإيعاد بالشرّ وتكذيب بالحقّ ، وأمّا لمّة الملك فإيعاد بالخير وتصديق

__________________

(١) ابن كثير ١ : ٣٢٥ ؛ مسلم ١ : ٧١ ـ ٧٢ ، بلفظ : «عن سليمان بن مسهّر عن خرشة بن الحرّ عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة : المنّان الّذي لا يعطي شيئا إلّا منّة ، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر ، والمسبل إزاره» ؛ مجمع البيان ٢ : ١٨١ ـ ١٨٢ ؛ التبيان ٢ : ٣٣٤ ؛ ابن ماجة ٢ : ٧٤٤ ـ ٧٤٥ / ٢٢٠٨ ، باب ٣٠ ؛ أبو داوود ٢ : ٢٦٦ / ٤٠٨٧ ، باب ٢٧ ؛ الترمذي ٢ : ٣٤٢ / ١٢٢٩ ، باب ٥ ؛ مسند أحمد ٦ : ٤٤١ ، عن أبي الدرداء. و ٣ : ٢٨ و ٤٤ ، عن أبي سعيد الخدري ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٥ : ٥١٠ / ٢٠ ، باب ٢٢ ، عن أبي سعيد ؛ الشعب ٥ : ١٢ / ٥٥٩٣ ، عن أبي سعيد ؛ الخصال : ١٨٤ / ٢٥٣ ، باب الثلاثة ؛ البحار ٩٣ : ١٤١ / ٦ ، باب ١٥.

٣٨٩

بالحقّ ، فمن وجد ذلك فليعلم أنّه من الله وليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوّذ بالله من الشيطان ، ثمّ قرأ : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) الآية» (١).

يقال : لمّ به أي قصده ونزل به.

[٢ / ٧٧١٤] وروى أبو جعفر الصدوق عن أبيه قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد بن يحيى ، قال : حدّثنا الحسن بن عليّ بن أسباط عن أبي عبد الرحمان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّي ربما حزنت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد ، وربما فرحت فلا أعرف في أهل ولا مال ولا ولد. فقال : «إنّه ليس من أحد إلّا ومعه ملك وشيطان ، فإذا كان فرحه كان من دنوّ الملك منه ، وإذا كان حزنه كان من دنوّ الشيطان منه ، وذلك قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ»)(٢).

[٢ / ٧٧١٥] وروى أبو النضر العيّاشي بالإسناد إلى هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : إنّي ربما أفرح من غير فرح أراه في نفسي ولا في مالي ولا في صديقي ، وربما أحزن من غير حزن أراه في نفسي ولا في مالي ولا في صديقي! قال : «نعم ، إنّ الشيطان يلمّ بالقلب فيقول : لو كان لك عند الله خير ما أدال عليك عدوّك ولا جعل بك إليه حاجة ، هل تنتظر إلّا مثل الّذي انتظر الّذين من قبلك فهل نالوا شيئا؟ فذاك الّذي يحزن من غير حزن. وأمّا الفرح فإنّ الملك يلمّ بالقلب فيقول : إن كان الله أدال عليك عدوّك وجعل بك إليه حاجة ، فإنّما هي أيّام قلائل ، أبشر بمغفرة من الله وفضل ، وهو قول الله : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً)(٣).

قوله : أدال عليك عدوّك ، أي جعل الكرّة له عليك. والأيّام دول.

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٦٥ ؛ الترمذي ٤ : ٢٨٨ / ٤٠٧٣ ؛ النسائي ٦ : ٣٠٥ / ١١٠٥١ ؛ الطبري ٣ : ١٢٢ / ٤٨٣٢ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٩ ـ ٥٣٠ / ٢٨١٠ ، وفيه «وللملائكة لمّة» و «لمّة الملائكة» ؛ ابن حبّان ٣ : ٢٧٨ / ٩٩٧ ؛ الشعب ٤ : ١٢٠ / ٤٥٠٦ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٧٢ / ٣٤٨ ؛ كنز العمّال ١ : ٢٤٦ / ١٢٤٠ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٩ ، بلفظ : «ابن أبي حاتم» ؛ القرطبي ٣ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٩٣ ، بلفظ : «روي عن ابن مسعود أنّه قال : للشيطان لمّة ، وللملك لمّة. وروى مثله عن أبي عبد الله عليه‌السلام ثمّ قال : فلمّة الشيطان : وعده بالفقر وأمره بالفحشاء ، ولمّة الملك : أمره بالإنفاق ونهيه عن المعصية» ؛ التبيان ٢ : ٣٤٧.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٨٦ ؛ علل الشرائع ١ : ٩٣ / ١ ، باب ٨٤ ؛ البحار ٥٨ : ١٤٥ / ٢١ ، باب ٤٣ و ٦٠ : ٢٥٠ / ٣٣ ، باب ٣ ؛ البرهان ١ : ٥٦٢ / ١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٤٣.

(٣) العيّاشي ١ : ١٧٠ / ٤٩٦ ؛ البحار ٦٧ : ٥٦ / ٢٧ ، باب ٤٤.

٣٩٠

نعم ، الشيطان ، أميل إلى إغواء الناس على ارتكاب هذا النوع من المعاصي ، الّتي فيها هتك الحرمات علانية ، ممّا يبعث على اجتراء الآخرين في اقترافها من غير احتشام.

وحين يعدكم الشيطان الفقر ويأمركم بالفحشاء ، فالله تعالى يعدكم المغفرة والعطاء الوفير.

(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) ، مغفرة عمّا فرط منكم من قصور ، وفضلا : زيادة على المغفرة بالمنح والعطاء الوفير.

فالله تعالى ـ لعظيم لطفه بعباده ـ يعفو ويمنح ، ولا يؤاخذهم على قصور في المسير ، إن كانوا قد استقاموا على الطريقة وأنابوا إلى الله الواهب الغفّار.

(وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) : يعطي عن سعة (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(١). ويعلم نيّاتكم ، إن خالصة صادقة ، أو قذرة فاسدة.

وهذه هي الحكمة الرشيدة ، قلّ من يتنبّه لها أو يعيها :

قال تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ).

الحكمة هي البصيرة في الأمور ، كيف يردها وكيف يعالجها بسلام؟! الأمر الّذي قلّ من ينعم بها ، سوى النابهين الواعين ، أصحاب العقول الراجحة.

فصاحب اللبّ ـ وهو العقل الراجح ـ هو الّذي يتذكّر فيعي ، ويتنبّه فلا يغفل ، ويعتبر فلا يلجّ عن عمى. ومن ثمّ فهو على هدى من أمره ، وفي حمى من عناية ربّه ، يهديه إلى الحقّ ويخرجه من الظلمات إلى النور (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(٢).

كلام عن الحكمة الرشيدة

قال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣).

كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يواصل تبيين الدلائل والبيّنات على صدق رسالته ، يحاول تعليم الكتاب

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٥٦.

(٢) العنكبوت ٢٩ : ٦٩.

(٣) الجمعة ٦٢ : ٢.

٣٩١

والحكمة.

والكتاب هي نصّ الشريعة في جميع أبعادها المترامية. أمّا الحكمة فهي فهم الدين عن بصيرة نافذة.

فكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحاول تعليم الأمّة الكتاب ، وهو علم الشريعة. والحكمة ، وهي فهم أسس الشريعة ودعائمها القويمة. فلو لا البصيرة في الدين ، لم يكن في العمل به على ظاهره شكليّا كثير فائدة.

فالعمدة في الدين هو فهمه والبصيرة فيه ، وهو الأساس الباعث على النشاط والحيويّة في العمل بأحكامه والانصياع لبرامجه ، في جميع أبعاد الحياة.

[٢ / ٧٧١٦] فعن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة : الحكمة ، الفقه في القرآن (١).

[٢ / ٧٧١٧] وعن ابن زيد : العقل في الدين (٢).

[٢ / ٧٧١٨] وعن إبراهيم : الفهم (٣).

[٢ / ٧٧١٩] وعن أبي الدرداء : قراءة القرآن والفكرة فيه (٤).

[٢ / ٧٧٢٠] وعن أبي العالية : الكتاب والفهم به (٥).

[٢ / ٧٧٢١] وعن الحسين بن واقد : استظهار القرآن (٦).

[٢ / ٧٧٢٢] وعن السيّد رضي الدين ابن طاووس فيما أثبته في خطبة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام المسمّاة بالمخزون : «والحكمة فضاء للبصر» (٧).

[٢ / ٧٧٢٣] وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس ، قال : قال زيد بن أسلم : إنّ الحكمة ، العقل ، وإنّه ليقع في قلبي أنّ الحكمة ، الفقه في دين الله ، أمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله. وممّا يبيّن ذلك أنّك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا إذا نظر فيها ، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه ، عالما بأمر دينه بصيرا به ، يؤتيه الله إيّاه ويحرمه هذا ، فالحكمة ، الفقه في دين الله (٨).

__________________

(١) الطبري ٣ : ١٢٤.

(٢) المصدر : ١٢٥.

(٣) المصدر.

(٤) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٣٣.

(٥) الطبري ٣ : ١٢٤.

(٦) ابن أبي حاتم ٢ : ٥٣٣.

(٧) البحار ٥٣ : ٧٩ / ٨٦.

(٨) الدرّ ٢ : ٦٧ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٣٢ / ٢٨٢٩ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٩.

٣٩٢

[٢ / ٧٧٢٤] وأخرج البزّار والطبراني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أراد الله بعبد خيرا فقّهه في الدين وألهمه رشده» (١).

[٢ / ٧٧٢٥] وأخرج المرهبي في فضل العلم والطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين ، ولفقيه واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد ، ولكلّ شيء عماد ، وعماد هذا الدين ، الفقه». وقال أبو هريرة : لأن أجلس فأتفقّه أحبّ إليّ من أن أحيي ليلة إلى الصباح (٢).

[٢ / ٧٧٢٦] وقال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «من اتّجر بغير فقه ، ارتطم في الربا ثمّ ارتطم» (٣).

[٢ / ٧٧٢٧] وأخرج الترمذي والمرهبي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خصلتان لا تجتمعان في منافق ، حسن سمت وفقه في الدين» (٤).

[٢ / ٧٧٢٨] وأخرج الطبراني عن عبد الرحمان بن عوف ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يسير الفقه خير من كثير العبادة ، وخير أعمالكم أيسرها» (٥).

[٢ / ٧٧٢٩] وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين» (٦).

[٢ / ٧٧٣٠] وروى العيّاشي بالإسناد إلى سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) فقال : «إنّ الحكمة ، المعرفة والتفقّه في الدين ، فمن فقه منكم فهو حكيم ، وما أحد يموت من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من فقيه» (٧).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٧٠ ؛ مسند البزّار ٥ : ١١٧ / ١٧٠٠ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٢١ ، قال الهيثمي : رواه البزّار والطبراني في الكبير ورجاله موثّقون.

(٢) الدرّ ٢ : ٧١ ؛ الأوسط ٦ : ١٩٤ / ٦١٦٦ ؛ الدار قطني ٣ : ٧٩ / ٢٩٤ ؛ الشعب ٢ : ٢٦٦ / ١٧١٢ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٢١ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٢٨٧٥٢.

(٣) مجمع البيان ٢ : ١٩١ ؛ نهج البلاغة ٤ : ١٠٣ ، الحكمة ٤٤٧.

(٤) الدرّ ٢ : ٧١ ؛ الترمذي ٤ : ١٥٤ / ٢٨٢٥ ، باب ١٩ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٥٢ / ٢٨٧٧٧ ؛ الأوسط ٨ : ٧٥ / ٨٠١٠.

(٥) الدرّ ٢ : ٧١ ؛ الكبير ١ : ١٣٥ ـ ١٣٦ / ٢٨٦ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٢٠ ـ ١٢١.

(٦) الدرّ ٢ : ٧١ ؛ الشعب ٢ : ٢٦٦ / ١٧١١ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٥٧ / ٢٨٨١١.

(٧) نور الثقلين ١ : ٢٨٧ ؛ العيّاشي ١ : ١٧١ / ٤٩٩ ؛ البرهان ١ : ٥٦٤ / ٧ ، وفيه : «من موت فقيه» بدل قوله «من فقيه» ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٤٤ ؛ الصافي ١ : ٤٧٠ ؛ البحار ١ : ٢١٥ / ٢٥ ، باب ٦.

٣٩٣

[٢ / ٧٧٣١] وروى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قال أبو الحسن عليه‌السلام : «من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ، إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة ، إنّ الصمت يكسب المحبّة. إنّه دليل على كلّ خير» (١).

[٢ / ٧٧٣٢] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى أحمد بن محمّد بن خالد عن بعض أصحابه رفعه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما قسّم الله للعباد شيئا أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، ولا بعث الله نبيّا ولا رسولا حتّى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمّته ، وما يضمر النبيّ في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين ، وما أدّى العبد فرائض الله حتّى عقل عنه ، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عباداتهم ما بلغ العاقل. والعقلاء هم أولو الألباب ، الّذين قال الله تبارك وتعالى فيهم : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٢)» (٣).

[٢ / ٧٧٣٣] وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره ذيل الآية (٩ : ٤٢) بشأن غزوة تبوك ، عند ما عزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الخروج في قوّة وبأس شديد ، قام خطيبا بثنيّة الوداع وخطبهم خطبة عصماء ، قال فيها : «وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله» (٤).

وأخرجه المفيد في كتاب الاختصاص (٥).

[٢ / ٧٧٣٤] وأخرجه أبو محمّد جعفر بن أحمد بن عليّ القمّي في كتاب الغايات عن الزهري عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : «كان فيما أوصى به صاحب موسى لموسى بن عمران أن قال : لا تعيرنّ

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٨٨ ؛ الخصال : ١٥٨ / ٢٠٢ ، باب الثلاثة ؛ الكافي ٢ : ١١٣ / ١ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت وحفظ اللّسان ؛ عيون الأخبار ١ : ٢٣٤ / ١٤ ، باب ٢٦ ، فيه : «فقيه» بدل «فقه» ؛ البحار ٢ : ٤٨ / ٦ ، باب ١١ ، و ٦٨ : ٢٩٤ / ٦٥ ، باب ٧٨ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٤٤.

(٢) البقرة ٢ : ٢٦٩ ؛ آل عمران ٣ : ٧.

(٣) البرهان ١ : ٥٦٤ / ٩ ؛ الكافي ١ : ١٢ ـ ١٣ / ١١ ، كتاب العقل والجهل ؛ المحاسن ١ : ١٩٣ ـ ١٩٤ / ١١ ، باب العقل ؛ البحار ١ : ٩١ ـ ٩٢ / ١٢ ، باب ١ ، زاد فيه بعد قوله : «سهر الجاهل» وقبل قوله : «إقامة العاقل» : «وإفطار العاقل أفضل من صوم الجاهل» ؛ نور الثقلين ٤ : ٤٨٠ / ٢٣ ، (الزمر ٣٩ : ٩).

(٤) القمّي ١ : ٢٩١ ؛ البحار ٢١ : ٢١١ / ٢٢ ؛ الفقيه ٤ : ٤٠٢ / ٥٨٦٨.

(٥) الاختصاص : ٣٤٣ ؛ البحار ٧٤ : ١٣٣ / ٤٣.

٣٩٤

أحدا بذنب ـ إلى أن قال ـ ورأس الحكمة مخافة الله» (١).

[٢ / ٧٧٣٥] وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ـ مرفوعا ـ : «رأس الحكمة مخافة الله» (٢).

[٢ / ٧٧٣٦] وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية : (يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) قال : الخشية ، لأنّ خشية الله رأس كلّ حكمة ، وقرأ : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٣)(٤).

[٢ / ٧٧٣٧] وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير ، قال : الخشية حكمة ؛ من خشي الله فقد أصاب أفضل الحكمة (٥).

[٢ / ٧٧٣٨] وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر الورّاق قال : بلغنا أنّ الحكمة خشية الله والعلم بالله (٦).

[٢ / ٧٧٣٩] وأخرج أحمد في الزهد عن خالد بن ثابت الربعي ، قال : وجدت فاتحة زبور داوود : إنّ رأس الحكمة خشية الربّ (٧).

[٢ / ٧٧٤٠] وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «الحكمة ضياء المعرفة ، وميزان التقوى ، وثمرة الصدق. ولو قلت : ما أنعم الله على عباده بنعمة أنعم وأعظم وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة ، لقلت : قال الله ـ عزوجل ـ : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) أي لا يعلم ما أودعت وهيأت في الحكمة إلّا من استخلصته لنفسي ، وخصصته بها. والحكمة هي النجاة ، وصفة الحكمة الثبات عند أوائل الأمور ، والوقوف عند عواقبها ، وهو هادي خلق الله إلى الله» (٨).

__________________

(١) البحار ١٣ : ٢٩٤ / ٨ و ٧٥ : ٤٥٣ / ٢٣ ؛ الخصال : ١١١ / ٨٣ ، أبواب الثلاثة ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٤٤.

(٢) نوادر الأصول ٣ : ٨٤ ؛ كنز العمّال ٣ : ١٤١ / ٥٨٧٣ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٩.

(٣) الفاطر ٣٥ : ٢٨.

(٤) الدرّ ٢ : ٦٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٣١ / ٢٨٢٤ ؛ الطبري ٣ : ١٢٥ / ٤٨٤٤ ، أخرجه عن الربيع ؛ ابن كثير ١ : ٣٢٩.

(٥) الدرّ ٢ : ٦٧.

(٦) الدرّ ٢ : ٦٧ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٣٣ / ٢٨٣٦.

(٧) الدرّ ٢ : ٦٧ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٨ : ١١٥ / ٧ ، باب ٢ ، بلفظ : «عن خالد الربعي قال : أخبرت أنّ فاتحة الزبور الّذي يقال له زبور داوود : رأس الحكمة خشية الربّ».

(٨) نور الثقلين ١ : ٢٨٨ ؛ مصباح الشريعة : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، باب ٩٥ (في الحكمة) ؛ البحار ١ : ٢١٥ ـ ٢١٦ / ٢٦ ، باب ٦ ؛ البرهان ١ : ٥٦٤ / ١٠ ؛ الصافي ١ : ٤٧٠ ـ ٤٧١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٤٥ ـ ٤٤٦.

٣٩٥

[٢ / ٧٧٤١] وعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : «بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا : السّلام عليك يا رسول الله! فالتفت إليهم وقال : ما أنتم؟ فقالوا : مؤمنون. قال : فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا : الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علماء حكماء ، كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتّقوا الله الّذي إليه ترجعون» (١).

[٢ / ٧٧٤٢] وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ الله آتاني القرآن وآتاني من الحكمة مثل القرآن ، وما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة إلّا كان خرابا. ألا فتفقّهوا وتعلّموا ، ولا تموتوا جهّالا» (٢).

الحكمة ضالّة المؤمن

[٢ / ٧٧٤٣] أخرج الشيخ أبو جعفر الطوسي عن المفيد عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور عن أبي بكر المفيد الجرجاني عن المعمّر أبي الدنيا عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلمة الحكمة ضالّة المؤمن ، فحيث وجدها فهو أحقّ بها» (٣).

وأخرجه الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثله (٤).

[٢ / ٧٧٤٤] وروى ابن أبي جمهور الأحسائي مرفوعا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها حيث وجدها» (٥).

[٢ / ٧٧٤٥] وأيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «خذوا العلم من أفواه الرجال» (٦).

[٢ / ٧٧٤٦] وقال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «خذ الحكمة أنّى كانت ، فإنّ الحكمة تكون في صدر

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٨٨ ؛ الخصال : ١٤٦ / ١٧٥ ، باب الثلاثة ؛ التوحيد : ٣٧١ / ١٢ ، باب ٦٠ ؛ معاني الأخبار : ١٨٧ / ٦ ، باب معنى الإسلام والإيمان ؛ الكافي ٢ : ٥٢ ـ ٥٣ / ١ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب حقيقة الإيمان واليقين ؛ البحار ٦٤ : ٢٨٦ / ٨ ، باب ١٤ ؛ الصافي ١ : ٤٧١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٩٤ ، وفيه : «فلا تموتوا» ؛ الصافي ١ : ٤٧١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٤٤.

(٣) البحار ٢ : ٩٩ / ٥٨ ؛ ابن عساكر ٥٥ : ١٩٢.

(٤) الترمذي ٤ : ١٥٥ / ٢٨٢٨ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٣٩٥ / ٤١٦٩ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٤٨ / ٢٨٧٥٧.

(٥) عوالي اللئالي ٤ : ٨١ / ٨٢ ؛ البحار ٢ : ١٠٥ / ٦٦.

(٦) عوالي اللئالي ٤ : ٧٨ / ٦٨ ؛ البحار ٢ : ١٠٥ / ٦٥.

٣٩٦

المنافق فتتخلّج (١) في صدره حتّى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن» (٢).

[٢ / ٧٧٤٧] وروى أيضا ابن شعبة عنه عليه‌السلام قال : «الحكمة ضالّة المؤمن ، فليطلبها ، ولو في أيدي أهل الشرّ» (٣).

من أين تأتي الحكمة؟

[٢ / ٧٧٤٨] قال الإمام أمير المؤمنين ـ عليه صلوات المصلّين ـ : «قالت الحكمة : من أرادني فليعمل بأحسن ما علم! ثمّ تلا : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ»)(٤).

[٢ / ٧٧٤٩] وسئل ـ صلوات الله عليه ـ : هل عندك علم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقع إلى غيرك؟ قال : «لا ، إلّا كتاب الله ، وما في صحيفتي ، وفهم يؤتيه الله من يشاء» (٥).

قال العلّامة المجلسيّ : قيل : الحكمة تحقيق العلم وإتقان العمل. وقيل ما يمنع من الجهل. وقيل : هي الإصابة في القول. وقيل : هي طاعة الله. وقيل : هي الفقه في الدين. وقال ابن دريد : كلّ ما يؤدّي إلى مكرمة أو يمنع من قبيح. وقيل : ما يتضمّن صلاح النشأتين. والتفاسير متقاربة ، والظاهر من الأخبار : أنّها العلوم الحقّة النافعة ، مع العمل بمقتضاها. وقد يطلق على العلوم الفائضة من جنابه تعالى على العبد بعد العمل بما يعلم (٦)!

قلت : وهذا الأخير إشارة إلى ما ورد في كلام الإمام عليه‌السلام.

وعلى ذلك يحمل ما ورد في تفسير الحكمة بأنّها معرفة الإمام واجتناب الكبائر العظام (٧).

[٢ / ٧٧٥٠] وفي رواية أخرى : «هي طاعة الله ومعرفة الإمام» (٨).

إذ لو لا معرفته لم يكن للاهتداء إلى صراط الحقّ سبيل. قال تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ

__________________

(١) أي تضطرب ولا تستقرّ.

(٢) نهج البلاغة ٤ : ١٨ / ٧٩ ؛ البحار ٢ : ٩٩ / ٥٦.

(٣) تحف العقول : ٢٠١ ؛ البحار ٧٥ : ٣٨ / ٩.

(٤) الزمر ٣٩ : ١٨.

(٥) مقدّمة الجامع لتفسير القرآن ـ الراغب الأصبهاني ـ : ٩٥.

(٦) البحار ١ : ٢١٥ / ٢٥ ، باب ٦ ، من كتاب العلم.

(٧) الكافي ٢ : ٢٨٤ / ٢٠ ؛ العيّاشي ١ : ١٧٠ / ٤٩٨ ؛ البحار ١ : ٢١٥ و ٢٤ : ٨٦.

(٨) المحاسن ١ : ١٤٨ / ٦٠ ؛ الكافي ١ : ١٨٥ / ١١ ؛ العيّاشي ١ : ١٧٠ / ٤٩٧ ؛ البحار ١ : ٢١٥ و ٢٤ : ٨٦ ؛ القمّي ١ : ٩٢.

٣٩٧

لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)(١) وقال : (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ)(٢). وقال : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ)(٣).

[٢ / ٧٧٥١] وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أخلص لله أربعين يوما ، تفجّرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» (٤).

[٢ / ٧٧٥٢] وأخرج القطب الراوندي في «لبّ اللباب» عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أخلص العبادة لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» (٥).

[٢ / ٧٧٥٣] وأخرج أبو جعفر الصدوق عن الإمام أبي الحسن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ما أخلص عبد لله ـ عزوجل ـ أربعين صباحا إلّا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» (٦).

ورواه ابن فهد الحلّي في عدّة الداعي (٧).

[٢ / ٧٧٥٤] وروى أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بالإسناد إلى سفيان بن عيينة عن السنديّ عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : «ما أخلص العبد الإيمان بالله ـ عزوجل ـ أربعين يوما ـ أو قال : ما أجمل عبد ذكر الله أربعين يوما ـ إلّا زهّده الله في الدنيا وبصّره داءها ودواءها ، فأثبت الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه» (٨).

[٢ / ٧٧٥٥] وروى بالإسناد إلى ابن محبوب عن الهيثم بن واقد الحريري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السّلام» (٩).

__________________

(١) الجنّ ٧٢ : ١٦.

(٢) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٣) محمّد ٤٧ : ١٧.

(٤) حلية الأولياء ١٠ : ٧٠ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٨ : ١٣١ / ٤٣ ؛ كنز العمّال ٣ : ٢٤ / ٥٢٧١.

(٥) البحار ٥٣ : ٣٢٦.

(٦) عيون الأخبار ٢ : ٧٤ / ٣٢١ ؛ البحار ٦٧ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣ / ١٠.

(٧) عدّة الداعي : ٢١٨ ؛ البحار ٦٧ : ٢٤٩ / ٢٥.

(٨) الكافي ٢ : ١٦ / ٦ ، باب الإخلاص.

(٩) الكافي ٢ : ١٢٨ ؛ البحار ٧٠ : ٤٨ / ١٩.

٣٩٨

[٢ / ٧٧٥٦] وكان فيما أورده المجلسي في الروضة من بحار أنواره ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار» (١).

[٢ / ٧٧٥٧] وأخرج الطبراني عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لقمان قال لابنه : يا بنيّ ، عليك بمجالسة العلماء ، واسمع كلام الحكماء ، فإنّ الله يحيي القلب الميّت بنور الحكمة ، كما تحيا الأرض الميّتة بوابل المطر» (٢).

[٢ / ٧٧٥٨] وقال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «... من تبصّر في الفطنة تبيّنت له الحكمة ، ومن تبيّنت له الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة فكأنّما كان في الأوّلين» (٣).

[٢ / ٧٧٥٩] وفيما رواه أبو جعفر الكليني : «... من أبصر الفطنة عرف الحكمة ، ومن تأوّل الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة عرف السنّة ، ومن عرف السنّة فكأنّما كان مع الأوّلين ، واهتدى إلى الّتي هي أقوم» (٤).

[٢ / ٧٧٦٠] وأخرج ابن إدريس من كتاب المشيخة لابن محبوب عن الهيثم بن واقد عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها ، وأخرجه الله من الدنيا سالما إلى دار السّلام» (٥).

[٢ / ٧٧٦١] وأخرجه أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى جعفر بن بشير عن سيف عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأطلق بها لسانه ، وبصّره عيوب الدنيا داءها ودواءها. وأخرجه الله من الدنيا سالما إلى دار السّلام» (٦).

وأخرجه أبو جعفر الصدوق عن أبي عبد الله عليه‌السلام بنفس الإسناد (٧).

__________________

(١) البحار ٧٤ : ١٦١ / ١٧٤.

(٢) الدرّ ٢ : ٦٩ ؛ الكبير ٨ : ١٩٩ ـ ٢٠٠ / ٧٨١٠ ، وفيه : «واستمع» بدل قوله : «واسمع» ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٢٥ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٧٠ / ٢٨٨٨١.

(٣) نهج البلاغة ٤ : ٨ / ٣١ ؛ البحار ٦٥ : ٣٤٨ / ١٧.

(٤) الكافي ٢ : ٥١ / ١ ، باب صفة الإيمان ؛ البحار ٦٥ : ٣٥١ / ١٩.

(٥) السرائر ٣ : ٥٩٣ ؛ البحار ٢ : ٣٣ / ٢٧ ، كتاب العلم.

(٦) أمالي الطوسي : ٥٣١ / ١١٦٢ ـ ١ ؛ البحار ٦٦ : ٤٠٦ / ١١٤.

(٧) ثواب الأعمال : ١٦٦ ـ ١٦٧ ؛ البحار ٦٧ : ٣١٣ / ١٦.

٣٩٩

قوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)

ثمّ يعود السياق إلى بيان موضع الصدقة في واقعها ومدى تأثيرها في النفس وفي الحياة العامّة ، يذكر ذلك في مواقف.

والنفقة تشمل سائر ما يصرفه صاحب المال ، في مصالحه أو مصالح العامّة ، فمنها ما يتطوّع به ، ومنها ما يتعهّده على نفسه بنذر وشبهه ، فضلا عمّا يجب عليه في التكليف.

والنذر نوع من أنواع النفقة ، يوجبه المنفق على نفسه مقدّرا بقدر معلوم ، ولا يكون إلّا لله ولوجهه الكريم ، ولا ينعقد لغيره تعالى أيّا كان ، إلّا إذا أريد مصرفه ، بأن ينذر لله أن يطعم مسكينا أو يكسي عاريا ، أو ما يكون فيه الرفاه العام ، فلا يقصد بنذره سوى الله وابتغاء مرضاته ، وعن نيّة صادقة ، لا يعلمه إلّا الله.

وشعور المؤمن بأنّ عين الله ـ سبحانه ـ على نيّته وضميره ، وعلى حركته وعمله ، يثير في حسّه مشاعر حيّة متنوّعة ، شعور التقوى والتحرّج أن يهجس في خاطره هاجس رياء وسمعة أو تظاهر بكبرياء ، وهاجس شحّ أو بخل. وهاجس خوف من الفقر أو الغبن.

وهكذا يثير في خلده شعور الطمأنينة على الجزاء والثقة بالوفاء ، وشعور الرضى والراحة بما وفى لله وقام بشكر نعمته عليه بهذا الإنفاق ممّا أعطاه.

فأمّا الّذي لا يقوم بحقّ النعمة ولا يشكرها. والّذي لا يؤدّي الحقّ لله ولعباده ، والّذي يمنع الخير بعد ما أعطاه الله ، فهو ظالم : ظالم للعهد ، ظالم لنفسه ، ظالم للناس جميعا. (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).

فالوفاء عدل وقسط ، والجفاء ظلم وجور ، والناكث لعهد الله ظالم. ومن ثمّ فقد خرج عن حمى الله ودخل في حمى الشيطان. وقد كان كيد الشيطان ضعيفا.

إذن فالناكث لعهد الله افتقد الملجأ الوثيق وماله من أنصار.

***

وهنا بشأن الظالم ـ أيّا كان ظلمه ـ أحاديث قد تسترعى الانتباه والتوجّه لها :

[٢ / ٧٧٦٢] أخرج الطبراني عن ابن مسعود أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا تظلموا فتدعوا فلا يستجاب لكم ، وتستسقوا فلا تسقوا ، وتستنصروا فلا تنصروا» (١).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٧٥ ؛ مجمع الزوائد ٥ : ٢٣٥ ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط.

٤٠٠