التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

قال تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤))

عود على بدء ، حيث الإنفاق في سبيل الله ضرورة ، بل دعامة لقوام الإسلام ، وقد سبق أنّ الإنفاق في سبيل الجهاد ، نظير بذل النفس في سبيل إعلاء كلمة الله في الأرض ، واجب إسلامي ـ إنساني ؛ فالإنفاق صنو الجهاد وعصب النضال في سبيله تعالى.

والآية الكريمة دعوة إلى الإنفاق من رزقه تعالى الّذي أعطا كموه ، فهو الّذي أعطى ، وهو الّذي يدعو إلى الإنفاق ممّا أعطى ومنح.

ألا وهي الدعوة إلى الفرصة الّتي إن أفلتت منهم فلن تعود (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) لا تعامل فيه ولا صداقة ولا شفاعة تردّ عنهم عاقبة النكول والتقصير ، إن لم يكن قدّم لغده شيئا (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ)(١).

ومن ثمّ (وَالْكافِرُونَ) الّذين أغفلوا الحياة الأخرى ولم يلحظوها في حياتهم الدنيا (هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم ، وخسروها عبر الهباء ، فقد ظلموا الحقّ فأنكروه ، وظلموا أنفسهم فأوردوها موارد الهلاك والخسران.

[٢ / ٧٤٠٧] أخرج ابن أبي حاتم عن الجعفي : أنّه فسّر الكفر هنا ـ في الآية ـ بكفران النعم ، قال : الكافرون بالنعم (٢).

نعم كفران النعم يوجب الخسران ، كما أنّ الشكر يوجب الازدياد. فكافر النعم ظالم لنفسه لا محالة.

__________________

(١) الحشر ٥٩ : ١٨.

(٢) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٦ / ٢٥٦٨.

٢٤١

والإنفاق المندوب إليه هنا يعمّ الفرض والنفل ، كما عن أكثر المفسّرين.

[٢ / ٧٤٠٨] قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : قال ابن جريج : يدخل في الخطاب الزكاة والتطوّع ، وهو أقوى ، لأنّه أعمّ ، قال : وبه قال البلخي (١).

[٢ / ٧٤٠٩] وهكذا قال أبو عليّ الطبرسي : يدخل فيه النفل والفرض. عن ابن جريج واختاره البلخي. وهو الأقوى ، لأنّه أعمّ ولأنّ الآية ليس فيها وعيد على ترك النفقة ، وإنّما فيها إخبار عن عظم أهوال يوم القيامة وشدائدها (٢).

[٢ / ٧٤١٠] وقد أخذ الحسن هذا الإخبار وعيدا ، فخصّ الآية بالزكاة المفروضة (٣). وذكره البغوي عن السدّي (٤).

[٢ / ٧٤١١] وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) قال : من الزكاة والتطوّع (٥)!

[٢ / ٧٤١٢] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) من الأموال في طاعة الله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) يقول لا فداء فيه (وَلا خُلَّةٌ) فيه ليعطيه بخلّة ما بينهما (وَلا شَفاعَةٌ) للكفّار فيه كفعل أهل الدنيا بعضهم في بعض ، فليس الآخرة شيء من ذلك (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٦).

قال أبو جعفر الطبري : قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) يقول : ادّخروا لأنفسكم عند الله في دنياكم من أموالكم بالنفقة منها في سبيل الله ، والصدقة على أهل المسكنة والحاجة ، وإيتاء ما فرض الله عليكم فيها ، وابتاعوا بها ما عنده ممّا أعدّه لأوليائه من الكرامة ، بتقديم ذلك لأنفسكم ، ما دام لكم السبيل إلى ابتياعه ، بما ندبتكم إليه ، وأمرتكم به من النفقة من أموالكم. (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) يعني من قبل مجيء يوم لا بيع فيه ، يقول : لا

__________________

(١) التبيان ٢ : ٣٠٥.

(٢) مجمع البيان ٢ : ١٥٦.

(٣) مجمع البيان ٢ : ١٥٦ ؛ القرطبي ٣ : ٢٦٦.

(٤) البغوي ١ : ٣٤٤.

(٥) الدرّ ٢ : ٤ ؛ الطبري ٣ : ٦ ، بعد رقم ٤٤٩٣ ؛ القرطبي ٣ : ٢٦٦ ، عن ابن جريج وسعيد بن جبير ، بلفظ : هذه الآية تجمع الزكاة المفروضة والتطوّع.

(٦) تفسير مقاتل ١ : ٢١٢.

٢٤٢

تقدرون فيه على ابتياع ما كنتم على ابتياعه بالنفقة من أموالكم الّتي أمرتكم به ، أو ندبتكم إليه في الدنيا ، قادرين ، لأنّه يوم جزاء وثواب وعقاب ، لا يوم عمل واكتساب وطاعة ومعصية ، فيكون لكم إلى ابتياع منازل أهل الكرامة بالنفقة حينئذ ، أو بالعمل بطاعة الله ، سبيل.

ثمّ أعلمهم ـ تعالى ذكره ـ أنّ ذلك اليوم ، مع ارتفاع العمل الّذي ينال به رضى الله ، أو الوصول إلى كرامته بالنفقة من الأموال ، إذ كان لا مال هنالك يمكن إدراك ذلك به ، يوم لا مخالّة فيه نافعة كما كانت في الدنيا ، فإنّ خليل الرجل في الدنيا قد كان ينفعه فيها بالنصرة له على من حاوله بمكروه وأراده بسوء ، والمظاهرة له على ذلك. فآيسهم ـ تعالى ذكره ـ أيضا من ذلك ، لأنّه لا أحد يوم القيامة ينصر أحدا من الله ، بل (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)(١) كما قال الله تعالى ذكره. وأخبرهم أيضا أنّهم يومئذ مع فقدهم السبيل إلى ابتياع ما كان لهم إلى ابتياعه سبيل في الدنيا بالنفقة من أموالهم ، والعمل بأبدانهم ، وعدمهم النصراء من الخلّان ، والظهراء من الإخوان ، لا شافع لهم يشفع عند الله كما كان ذلك له في الدنيا ، فقد كان بعضهم يشفع في الدنيا لبعض بالقرابة والجوار والخلّة ، وغير ذلك من الأسباب ، فبطل ذلك كلّه يومئذ ، كما أخبر ـ تعالى ذكره ـ عن قيل أعدائه من أهل الجحيم في الآخرة إذا صاروا فيها : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٢). وهذه الآية مخرجها في الشفاعة عامّ والمراد بها خاصّ. وإنّما معناه : من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة لأهل الكفر بالله ، لأنّ أهل ولاية الله والإيمان به ، يشفع بعضهم لبعض (٣).

__________________

(١) الزخرف ٤٣ : ٦٧.

(٢) الشعراء ٢٦ : ١٠٠ ـ ١٠١.

(٣) الطبري ٣ : ٦ ـ ٧.

٢٤٣

آية الكرسيّ

قال تعالى :

(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥))

آية واحدة ، حسب ظاهر الإطلاق كما في آية النور وغيرها.

[٢ / ٧٤١٣] أخرج الثعلبي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «... سيّد الكلام القرآن ، وسيّد القرآن البقرة ، وسيّد البقرة آية الكرسيّ. يا عليّ ، إنّ فيها لخمسين كلمة ، في كلّ كلمة خمسون بركة» (١).

[٢ / ٧٤١٤] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى عمرو بن جميع رفعه إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ أربع آيات من أوّل البقرة ، وآية الكرسيّ ، وآيتين بعدها ، وثلاث آيات من آخرها ، لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه ، ولا يقربه شيطان ولا ينسى القرآن» (٢).

ورواه الصدوق في ثواب الأعمال ، والسبزواري في جامع الأخبار.

[٢ / ٧٤١٥] وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاءهم في صفّة المهاجرين ، فسأله رجل : أيّة آية في القرآن أعظم؟ فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) حتّى انقضت الآية (٣).

__________________

(١) الثعلبي ٢ : ٢٢٩ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٩٩ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٥٧ ؛ كنز العمّال ٢ : ٣٠٢ / ٤٠٦٠.

(٢) الكافي ٢ : ٦٢١ / ٥ ، باب فضل القرآن ؛ ثواب الأعمال : ٩٤ ؛ جامع الأخبار : ١٢٤ / ٢٣٧ ـ ٢٤.

(٣) التاريخ الكبير ٨ : ٤٣ / ٣٥٩٧ ، باب الألف ؛ الكبير ١ : ٣٣٤ / ٩٩٩ ـ ٩٣ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣٢١ ، كتاب التفسير ؛ ابن كثير ١ : ٣١٢ ؛ الدرّ ٢ : ٥.

٢٤٤

[٢ / ٧٤١٦] وروى أبو جعفر الطوسيّ بالإسناد إلى القاسم بن الرحمان بن صديّ عن أبي أمامة الباهلي أنّه سمع الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : «ما أرى رجلا أدرك عقله الإسلام ودلّه في الإسلام ، يبيت ليلة سوادها (١) حتّى يقرأ هذه الآية : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ...) ـ فقرأها إلى قوله ـ : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(٢)».

أعظم آية في القرآن

وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة ، وأنّها أعظم آية في كتاب الله (٣). وسيّد آي القرآن (٤). وأنّ فيها الاسم الأعظم (٥). وأنّها ذروة القرآن وسنامه (٦).

[٢ / ٧٤١٧] وروى أبو عليّ الطبرسيّ بالإسناد إلى الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ لكلّ شيء ذروة ، وذروة القرآن آية الكرسيّ» (٧).

ثواب قراءتها

[٢ / ٧٤١٨] روى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى ابن المقدام ، عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام قال : «من قرأ آية الكرسيّ مرّة صرف عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا ، وألف مكروه من مكروه

__________________

(١) هنا سأل القاسم أبا أمامة عن سواد ليلته الّتي يبيتها؟ قال : جميعها.

(٢) أمالي الطوسيّ ٢ : ٥٠٨ ـ ٥٠٩ / ١١٩٢ ـ ١٩ ، المجلس ١٨ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٤ / ٧.

(٣) في حديث ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «أعظم آية في كتاب الله آية الكرسيّ». أخرجه ابن مردويه والشيرازي في الألقاب ؛ الدرّ ٢ : ٧ ؛ ابن كثير ١ : ٣١٤ ـ ٣١٥ ؛ سنن سعيد ٣ : ٩٥٤ / ٤٢٧ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٩٧.

(٤) أخرجه ابن الأنباري في المصاحف والبيهقي في الشعب ٢ : ٤٥٩ / ٢٣٩٧ ؛ كنز العمّال ٢ : ٣٠١ / ٤٠٥٧.

(٥) عن أبي أمامة رفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ الحاكم ١ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ؛ كنز العمّال ١ : ٤٥١ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٢٦٧ / ٣٨٥٥ و ٣٨٥٦ ، باب ٩ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٣٠ ؛ الكبير ٨ : ١٨٣ / ٧٧٥٨ ، و ٢٤ : ١٧٤ / ٤٤٠ ؛ وأخرجه أحمد في مسنده ٦ : ٤٦١ ، عن أسماء بنت يزيد بن سكن. وأبو داوود ١ : ٣٣٥ / ١٤٩٦ ، باب ٣٥٨. والترمذي ٥ : ١٧٨ ـ ١٧٩ / ٣٥٤٣ ، باب ٦٥.

(٦) الترمذي ٤ : ٢٣٢ / ٣٠٣٨ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٣ : ٣٧٦ / ٦٠١٩ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦١ / ٢٥٢٧.

(٧) مجمع البيان ٢ : ١٥٧.

٢٤٥

الآخرة. أيسر مكروه الدنيا الفقر ، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر» (١).

ورواه السبزواري ، إلّا أنّه قال : «وأيسره من مكروه الدنيا الفقر ، وأيسره من مكروه الآخرة عذاب القبر».

[٢ / ٧٤١٩] وروى بالإسناد إلى النوفلي ، عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «سمع بعض آبائي رجلا أمّ القرآن ، فقال : شكر وأجر. ثمّ سمعه يقرأ قل هو الله أحد ، فقال : آمن وأمن. ثمّ سمعه يقرأ إنّا أنزلناه ، فقال : صدّق وغفر له. ثمّ سمعه يقرأ آية الكرسيّ ، فقال : بخ بخ ، نزلت براءة هذا من النار!» (٢).

[٢ / ٧٤٢٠] وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ آية الكرسيّ في دبر كلّ صلاة لم يمنعه دخول الجنّة إلّا الموت. ومن قرأها حين نام آمنه الله تعالى وجاره وأهل الدويرات حوله» (٣).

[٢ / ٧٤٢١] وفي خبر آخر عن أبي جعفر عليه‌السلام : «من قرأ آية الكرسيّ وهو ساجد ، لم يدخل النار أبدا» (٤).

[٢ / ٧٤٢٢] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق محمّد بن الضوء بن الصلصال بن الدلهمس عن أبيه عن جدّه : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ آية الكرسيّ في دبر كلّ صلاة لم يكن بينه وبين أن يدخل الجنّة إلّا أن يموت ، فإن مات دخل الجنّة» (٥).

[٢ / ٧٤٢٣] وأخرج البيهقي عن عليّ ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من قرأ آية الكرسيّ في دبر كلّ صلاة لم يمنعه من دخول الجنّة إلّا الموت ، ومن قرأها حين يأخذ مضجعه آمنه الله على داره ودار جاره ، وأهل دويرات حوله» (٦).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٥٨ ـ ١٥٩ / ١٥٥ ـ ٦ ، المجلس ٢١ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٢ / ١ ، باب ٣٠ ؛ العيّاشي ١ : ١٥٦ / ٤٥٢ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٢٩ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٢) أمالى الصدوق : ٧٠٣ / ٩٦٢ ـ ١٠ ، المجلس ٨٨ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٢ / ١ ؛ جامع الأخبار : ١٢٤ / ٢٣٨ ـ ٢٦.

(٣) جامع الأخبار : ١٢٥ / ٢٤٢ ـ ٣٠ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٩ / ١٨.

(٤) جامع الأخبار : ١٢٥ / ٢٤٣ ـ ٣١ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٩.

(٥) الدرّ ٢ : ٦ ؛ الشعب ٢ : ٤٥٥ / ٢٣٨٥ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦٩ / ٢٥٧١.

(٦) الدرّ ٢ : ٨ ؛ الشعب ٢ : ٤٥٨ / ٢٣٩٥ ، وفيه : «سمعت رسول الله على أعواد المنبر يقول : من قرأ ...» ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦٩ / ٢٥٦٩ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٥٧ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ / ١٨٨ ؛ القرطبي ٣ : ٢٦٩ ، وزاد بعد قوله «إلّا الموت» : «ولا يواظب عليها إلّا صدّيق أو عابد» ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٩٨.

٢٤٦

[٢ / ٧٤٢٤] وأخرج النسائي والروياني في مسنده وابن حبّان والدار قطني والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ آية الكرسيّ دبر كلّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنّة إلّا أن يموت» (١).

[٢ / ٧٤٢٥] وروى القطب الراوندي في دعواته : عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «من قرأ آية الكرسيّ في دبر كلّ صلاة مكتوبة ، تقبّلت صلاته ، ويكون في أمان الله ، ويعصمه الله» (٢).

[٢ / ٧٤٢٦] وروى القاضي نعمان المصري عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ ، اقرأ في دبر كلّ صلاة آية الكرسيّ ، فإنّه لا يحافظ عليها إلّا نبيّ ، أو صدّيق ، أو شهيد» (٣).

[٢ / ٧٤٢٧] وروى أبو جعفر الكليني بإسناده عن محمّد بن مروان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ألا أخبركم بما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إذا آوى إلى فراشه؟ قلت : بلى ، قال : كان يقرأ آية الكرسيّ ويقول : بسم الله آمنت بالله وكفرت بالطاغوت اللهمّ احفظني في منامي وفي يقظتي» (٤).

قلت : وفي هذا الخبر دلالة على إلحاق الآيتين بعد آية الكرسيّ ، بها عند قراءتها ، وفي الخبر التالي أيضا دلالة عليه.

[٢ / ٧٤٢٨] وروى بالإسناد إلى إسماعيل بن عبّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) وآخرها (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) و (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وآيتين بعدها (٥).

قلت : هذه الرواية في غاية الإجمال ، إذ لم يعرف وجه ذكر «والحمد لله ربّ العالمين» بعد «وهو العليّ العظيم». وعلى م عطف «وآيتين بعدها»؟!.

__________________

(١) الدرّ ٢ : ١٠ ؛ النسائي ٦ : ٣٠ / ٩٩٢٨ ، كتاب عمل اليوم والليلة ، باب ثواب من قرأ آية الكرسيّ دبر كلّ صلاة ؛ ابن حبّان ٨ : ١١٤ / ٧٥٣٢ ؛ الكبير ٨ : ١١٤ / ٧٥٣٢ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦٢ / ٢٥٣٤ ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ١٠٢ ؛ ابن كثير ١ : ٣١٥.

(٢) مستدرك الوسائل ٥ : ٦٨ ؛ دعوات الراوندي : ٨٤ / ٢١٥ ؛ البحار ٨٣ : ٣٤ / ٣٩ ، باب ٣٨.

(٣) مستدرك الوسائل ٥ : ٦٨ ؛ دعائم الإسلام ١ : ١٦٨ ، كتاب الصلاة ؛ البحار ٨٣ : ٢٤ / ٢٤.

(٤) الكافي ٢ : ٥٣٦ / ٤ ، كتاب : الدعاء ، باب الدعاء عند النوم والانتباه ؛ البرهان ١ : ٥٤١ / ٦.

(٥) الكافي ٨ : ٢٩٠ / ٤٣٨ ؛ البحار ٨٩ : ٥٧ ـ ٥٨ / ٣٧ ، باب ٧ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٤٠٥ ؛ نور الثقلين ١ : ٢٦٢.

٢٤٧

[٢ / ٧٤٢٩] وأخرج الطبراني بسند حسن عن الحسن بن عليّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ آية الكرسيّ في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمّة الله إلى الصلاة الأخرى» (١).

[٢ / ٧٤٣٠] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ في دبر كلّ صلاة مكتوبة آية الكرسيّ حفظ إلى الصلاة الأخرى ، ولا يحافظ عليها إلّا نبيّ أو صدّيق أو شهيد» (٢).

[٢ / ٧٤٣١] وأخرج ابن الضريس عن قتادة قال : من قرأ آية الكرسيّ إذا آوى إلى فراشه وكلّ به ملكين يحفظانه حتّى يصبح (٣).

[٢ / ٧٤٣٢] وأخرج المحاملي في فوائده عن ابن مسعود قال : قال رجل : يا رسول الله علّمني شيئا ينفعني الله به! قال : «اقرأ آية الكرسيّ ، فإنّه يحفظك وذرّيّتك ويحفظ دارك ، حتّى الدويرات حول دارك» (٤).

[٢ / ٧٤٣٣] وأخرج ابن السنيّ عن أبي قتادة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ آية الكرسيّ ، وخواتيم سورة البقرة عند الكرب أغاثه الله» (٥).

[٢ / ٧٤٣٤] وأخرج ابن النجّار عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ آية الكرسيّ في دبر كلّ صلاة مكتوبة أعطاه الله قلوب الشاكرين وأعمال الصدّيقين وثواب المنيبين. وبسط عليه يمينه بالرحمة ، ولم يمنعه من دخول الجنّة إلّا أن يموت فيدخلها» (٦).

[٢ / ٧٤٣٥] وروى أبو جعفر الصدوق ـ في حديث الأربعمائة ـ فيما علّم أمير المؤمنين عليه‌السلام أصحابه ، قال : «إذا اشتكى أحدكم عينيه فليقرأ آية الكرسيّ ، وليضمر في نفسه أنّها تبرأ ، فإنّه يعافى إن شاء الله» (٧).

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٦ ؛ الكبير ٣ : ٨٣ ـ ٨٤ / ٢٧٣٣ ، ترجمة حسن بن حسن بن عليّ عن أبيه ؛ مجمع الزوائد ٢ : ١٤٨ ؛ كتاب الصلاة ، باب ما يقول من الذكر والدعاء عقيب الصلاة ، قال الهيثمي : إسناده حسن.

(٢) الدرّ ٢ : ٦ ؛ الشعب ٢ : ٤٥٨ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦٨ / ٢٥٦٤.

(٣) الدرّ ٢ : ١٥.

(٤) الدرّ ٢ : ٧.

(٥) الدرّ ٢ : ١١ ؛ كنز العمّال ٢ : ١٢٣ / ٣٤٣٧ ؛ عمل اليوم والليلة ، لابن السنيّ : ١٢٢.

(٦) الدرّ ٢ : ٦.

(٧) نور الثقلين ١ : ٢٥٧ ؛ الخصال : ٦١٦ / ١٠ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ / ٤ ، باب ٣٠ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٩٧ ؛ تحف العقول : ١٠٦.

٢٤٨

تفسيرها

وأمّا تفسيرها فلنعلم أنّ هذه الآية جاءت بعد ذكر الرسل وتفاضلهم في مواقفهم تجاه أممهم ، وأنّهم جميعا كانوا على خطّ واحد ومنهج واحد ، غير أنّ الاختلاف جاء من قبل تصادم آراء وتضارب أهواء ، أثيرت من بعد الرسل ، ومن ثمّ ناسب الكلام عن تلك الوحدة الإيمانيّة والوحدة السلوكيّة ، اللّتين جاء بهما الرسل ، والآية تقرّر التصوّر الإيماني الموحّد ، عن الله وعن صفاته الجمال والكمال ، والّتي تتبيّن منها معنى الوحدانيّة النزيهة ، في أدقّ مجالاته وأوضح سماته. والآية ـ في هذا المجال ـ جليلة وعميقة وصريحة البيان :

قال تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

كلّ صفة من هذه الصفات الّتي تضمّنتها الآية ، تمثّل قاعدة يقوم عليها التصوّر الإسلامي المتين ، كما يقوم عليها المنهج الإسلامي القويم.

قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ...)

(اللهُ) اسم خاصّ ، علم للباري تعالى ، تعرفه جميع الأمم والأجيال بهذا الاسم في مختلف تعابيرهم ، يعرفونه الخالق الباري المتعالي (١). لكنّها معرفة إجماليّة ، وربّما غير منزّهة.

فليعلموا الآن ـ وبفضل تعاليم الإسلام ـ أنّه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، وحدانيّة حاسمة لا مجال فيها لأيّ انحراف أو لبس ، ممّا طرأ على الديانات السابقة ـ بعد الرسل ـ كعقيدة التثليث المبتدعة في المجامع الكنسيّة بعد عيسى عليه‌السلام ولا لأيّ غبش ممّا كان يرين على العقائد الوثنيّة ، الّتي تميل إلى التوحيد ، ولكنّها تلبسه بالأساطير ، وكعقيدة قدماء المصريّين ـ في وقت من الأوقات ـ بوحدانيّة الله ، ثمّ تلبيس هذه الوحدانيّة بتمثّل الإله في قرص الشمس ، ووجود إله صغير خاضعة للإله الكبير!

__________________

(١) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ. (العنكبوت ٢٩ : ٦١). وآيات أمثالها كثيرة.

٢٤٩

وهذه الوحدانيّة الحاسمة الناصعة هي القاعدة الّتي يقوم عليها التصوّر الإسلامي ، والّتي ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلّها. فعن هذا التصوّر ينشأ الاتّجاه إلى الله وحده بالعبوديّة والعبادة ، فلا يكون إنسان عبدا إلّا لله. ولا يتّجه بالعبادة إلّا لله ، ولا يلتزم بطاعة إلّا طاعة الله ، وما يأمره الله به من الطاعات.

وعن هذا التصوّر تنشأ قاعدة : الحاكميّة لله وحده ، فيكون الله وحده هو المشرّع للعباد ، ويجيء تشريع البشر مستمدّا من شريعة الله.

وعن هذا التصوّر تنشأ قاعدة استمداد القيم كلّها من الله ، فلا اعتبار لقيمة من قيم الحياة. وهكذا إلى آخر ما ينبثق عن معنى الوحدانيّة ، من مشاعر في الضمير أو مناهج لحياة الناس في الأرض على السواء.

قوله تعالى : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

والحياة الّتي يوصف بها الإله الواحد ، هي الحياة الذاتيّة الّتي لم تأت من مصدر آخر كحياة الخلائق المكسوبة الموهوبة لها من الخالق العظيم. ومن ثمّ يتفرّد الله ـ سبحانه ـ بالحياة على هذا المعنى. كما أنّها الحياة الأزليّة الأبديّة الّتي لا تبدأ من مبدأ ولا تنتهي إلى نهاية ، فهي متجرّدة عن معنى الزمان المصاحب لحياة الخلائق المكتسبة المحدّدة البدء والنهاية. ومن ثمّ يتفرّد الله ـ سبحانه ـ كذلك بالحياة على هذا المعنى.

ثمّ إنّها هي الحياة المطلقة من الخصائص الّتي اعتاد الناس أن يعرفوا بها الحياة. فالله ـ سبحانه ـ ليس كمثله شيء. ومن ثمّ يرتفع كلّ شبه من الخصائص الّتي تتميّز بها حياة الأشياء ، وتثبت لله صفة الحياة مطلقة من كلّ خصيصة تحدّد معنى الحياة في مفهوم البشر ، وتنتفي بهذا جميع المفهومات الأسطوريّة الّتي جالت في خيال البشر.

أمّا صفة (الْقَيُّومُ) فتعني قيامه ـ سبحانه ـ على كلّ موجود ، كما تعني قيام كلّ موجود به فلا قيام لشيء إلّا مرتكنا إلى وجوده ـ تعالى ـ وتدبيره وعن إرادته بالذات في كلّ آن من الآنات ، ومن ثمّ يظلّ ضمير المسلم وحياته ووجوده وتصرّفاته ، بل وكلّ شيء من حوله ، مرتبطا بالله الواحد ، ارتباطا ذاتيّا على دوام ، وأنّه ـ تعالى ـ هو الّذي أمره وأمر كلّ شيء حوله ، وفق حكمة وتدبير

٢٥٠

متداوم ، فيلتزم الإنسان في حياته بالمنهج المرسوم القائم على الحكمة والتدبير ، ويستمدّ منه قيمه وموازينه ، ويراقبه وهو يستخدم هذه القيم والموازين.

قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)

وهذا توكيد لقيامه ـ سبحانه ـ على كلّ شيء وقيام كلّ شيء به ، على دوام واستمرار ، ومن غير قصور ولا فتور.

وحقيقة القيام على هذا الوجود بكلّياته وجزئيّاته ، في كلّ وقت وفي كلّ حالة ، حقيقة هائلة ، حين يحاول الإنسان تصوّرها ، وحين يسبح بخياله المحدود مع ما لا يحصيه عدّ من الذرّات والخلايا والخلائق والأشياء والأحداث في هذا الكون الهائل ، ويتصوّر ـ بقدر ما يملك ـ قيام الله ـ سبحانه ـ عليها ، وتعلّقها في قيامها بالله وتدبيره في كلّ آن ، إنّه أمر ، أمر لا يتصوّره الإدراك الإنساني ؛ وما يتصوّره منه ـ وهو يسير ـ هائل يدير الرؤوس ، ويحيّر العقول ، نعم ، وتطمئنّ به القلوب!

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكيّة شاملة ، كما أنّها ملكيّة مطلقة ، ملكيّة لا يرد عليها قيد ولا شرط ولا فوت ولا شركة. وهي مفهوم من مفاهيم الالوهيّة الواحدة ، فالله الواحد هو الحيّ الواحد ، القيّوم الواحد ، الملك الواحد ، وهي نفي للشركة في جميع أنواع صورها الّتي ترد على الأذهان.

كما أنّها ذات أثر في إنشاء معنى الملكيّة وحقيقتها في دنيا الناس ، فإذا تمحضت الملكيّة الحقيقيّة لله ، لم يكن للناس ملكيّة ابتداء لشيء. إنّما كان لهم استخلاف من المالك الواحد الأصلي الّذي يملك كلّ شيء. ومن ثمّ وجب أن يخضعوا في خلافتهم ، لشروط المالك المستخلف في هذه الملكيّة ، وإلّا بطلت ملكيّتهم الناشئة عن عهد الاستخلاف ، ووقعت تصرّفاتهم باطلة ، بل وغصبا حيث وقعت تصرّفاتهم من غير إذن من المالك الأصلي ، الشاهد على الأحوال.

وهكذا نجد أثر التصوّر الإسلامي في التشريع الإسلامي ، وفي واقع الحياة العمليّة الّتي تقوم عليه. فحينما يقول تعالى : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، فإنّه لا يقرّر مجرّد حقيقة تصوّريّة

٢٥١

اعتقاديّة ، إنّما يضع قاعدة من قواعد الدستور للحياة البشريّة ونوع الارتباطات الّتي تقوم فيها كذلك.

قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)

وهذه صفة أخرى من صفاته تعالى ، توضّح مقام الألوهيّة ومقام العبوديّة ، فالعبيد جميعا يقفون في حضرة الألوهيّة موقف العبوديّة ، لا يتعدّونه ولا يتجاوزونه ، يقفون في مقام العبد الخاشع الخاضع ، الّذي لا يقدم بين يدي ربّه ، ولا يجرأ على الشفاعة عنده ، إلّا بعد أن يؤذن له. فيخضع للإذن ويشفع في حدوده. وهم يتفاضلون فيما بينهم ، ويتفاضلون في ميزان الله. ولكنّهم ـ جميعا ـ يقفون عند الحدّ الّذي لا يتجاوزه عبد.

إنّه الإيحاء بالجلال والهيمنة في ظلّ الألوهيّة الجليلة العليّة. ويزيد هذا الإيحاء عمقا صيغة الاستفهام الاستنكاريّة ، الّتي توحي بأنّ هذا أمر لا يكون ، وأنّه مستنكر أن يكون. فمن هذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه؟!

وفي ظلّ هذه الحقيقة تبدو سائر التصوّرات المنحرقة للّذين جاؤوا من بعد الرسل فخلطوا بين حقيقة الألوهيّة وحقيقة العبوديّة ؛ فزعموا الله ـ سبحانه ـ خليطا يمازجه أو يشاركه بالبنوّة أو بغيرها من الصور في أيّ شكل وفي أيّ تصوّر. أو زعموا له ـ سبحانه ـ أندادا يشفعون عنده فيستجيب لهم حتما. أو زعموا له ـ سبحانه ـ من البشر خلفاء يستمدّون سلطانهم من قرابتهم له.

في ظلّ هذه الحقيقة تبدو تلك التصوّرات كلّها مستنكرة مستبعدة لا تخطر على الذهن ، ولا تجول في الخاطر ، ولا تلوح بظلّها في خيال!

وهذه هي النصاعة الّتي يتميّز بها التصوّر الإسلامي ، فلا تدع مجالا لتلبيس أو وهم ، أو اهتزاز في الرؤية! الألوهيّة ألوهيّة ، والعبوديّة عبوديّة. ولا مجال لالتقاء طبيعتهما أدنى التقاء. والربّ ربّ ، والعبد عبد ، ولا مجال لمشاركة في طبيعتهما ولا التقاء.

فأمّا صلة العبد بالربّ ، ورحمة الربّ للعبد ، والقربى والودّ والمدد ، فالإسلام يقرّرها ويسكبها في النفس سكبا ، ويملأ بها قلب المؤمن ويفيضها عليه فيضا ، ويدعه يعيش في ظلالها النديّة

٢٥٢

العذبة ، دون ما حاجة إلى خلط طبيعة الألوهيّة وطبيعة العبوديّة. ودون ما حاجة إلى الغبش وحلكة الظلام والاضطراب ، الّذي لا تتبيّن فيه صورة واحدة واضحة ولائحة ومحدّدة الأطراف.

***

وبهذه المناسبة أتذكّر حوارا جرت بيني وبين وفد من قساوسة جاؤوا إلى «قم» (١) لغرض البحث عن مسائل دينيّة ، كانت مستعصية عليهم ، فجرى الكلام عن ضرورة ابتناء العقيدة الدينيّة ـ في شتّى مسائلها الذاتيّة ـ على أساس اليقين والبرهان العقلاني الرصين. إذ هي بحاجة إلى قناعة نفسيّة حاسمة ، لا اضطراب فيه ولا تشكيك وفي وضح الصباح.

فابتدر أحدهم قائلا : هذا شيء اقتنعت به نفسيّا في عقيدتي الدينيّة بالذات يعني : ابتناء عقيدته على أساس البرهان العقلاني الرشيد.

فاستحسنته وقلت له : إذن استميحك بسؤال : كيف تفسّر ظاهرة التثليث ، وهي أولى كلمة تكلّل الدعوة المسيحيّة اليوم؟

فابتدرت زوجته ـ وكانت حاضرة معه ـ وقالت : أوّه ، هذا كلمة مستعصية جدّا ، وربّما بلغت تفاسيرها أكثر من تسعين وجه!

قلت : هذا هو بيت القصيد ، كيف تكون أولى كلمة في الدعوة المسيحيّة ـ اليوم ـ في هكذا خضمّ من الإبهام والظلام؟! وأمّا نحن المسلمين فإنّ دعوتنا تبدو واضحة لائحة لا غبار عليها ولا إبهام.

«الله. محمّد. عبده ورسوله».

الله ، يعترف به الجميع.

محمّد ، يعرفه الجميع.

عبده ، لا أكثر منه.

وأخيرا رسوله الّذي أرسله إلى هداية الناس أجمعين.

__________________

(١) في بداية هذا العام : ٢٠٠٦ م. ١٤٢٧ ه‍ ق. ١٣٨٥ ه‍ ش.

٢٥٣

قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ ...)

وهذا أيضا أسّ من أسس العقيدة الدينيّة : علمه تعالى الشامل لما حضر وما غاب. و (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)(١).

وشمول علمه تعالى هذا ، لازم عموم تدبيره لهذا الكون كلّه. وهذه الحقيقة تساهم في تعريف المسلم بإلهه ، وهو تعبير عن العلم الشامل الكامل المستقصي لكلّ جوانب الحياة في هذا الكون الفسيح. إذن فإذ لم يفلت عن شمول علمه تعالى شيء ، كذلك لم يشذّ عن عموم تدبيره تعالى ، لا شيء من الأشياء ، ولا أمر من الأمور ، على الإطلاق.

قوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ)

نعم ليس لأحد علم بأسرار الوجود ، كعلمه تعالى المحيط بكلّ أبعاد الوجود. (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)(٢). ذلك ، متناسبا مع طبيعة الإنسان المحدودة. فلا يمكن إحاطته بعلم الله اللّامحدود.

إذن فما خفي على الإنسان من أسرار هذا الكون ، لا يوازي ما علم به ، وإن جدّ جدّه وكدّ حثيثا ـ عبر الزمان ـ في الكشف عن أسرار الطبيعة المودعة في طيّها.

إنّ الله ـ سبحانه ـ وهب الإنسان المعرفة ، مذ أراد إسناد الخلافة في الأرض إليه ، ووعده أن يريه آياته في الآفاق وفي الأنفس ، ووعده الحقّ وصدقه وعده ، فكشف له يوما بعد يوم وجيلا بعد جيل ، وفي خطّ يكاد يكون صاعدا أبدا ، عن بعض القوى والطاقات والقوانين الكونيّة الّتي تلزم له في خلافته في الأرض ، وليصل بها إلى أقصى الكمال المقدّر له في هذه الرحلة من حياته الأرضيّة.

ولكن هل بلغ ـ أو هل يتوقّع أن يبلغ ـ الغاية ، وهي بلا نهاية؟!

إذن فلا يغترّ الإنسان ولا يفتتن بذلك الطرف من العلم ، الّذي أحاط به بمشيئته تعالى ، وما هي إلّا غرفة من بحر خضمّ. فلا يختلجنّ نفسه ـ يوما وعن سفه ـ فيحسب نفسه جبّارا في الأرض تجاه جبّار السماء.

***

نعم ، للعلماء الحقيقيّين النابهين ، هنا تجاه عظمة هذا الكون وعظمة بارئه ـ موقع مشرّف

__________________

(١) سبأ ٣٤ : ٣ ، ويونس ١٠ : ٦١.

(٢) الإسراء ١٧ : ٨٥.

٢٥٤

جميل : كلّما ازدادوا علما ، ازدادوا يقينا بكبريائه تعالى. وذلك أنّهم لمسوا عظمة هذا الكون ووقفوا على عظمة بارئه ، وعند ما رأوا ضئالة ما لديهم من معلومات ، ازدادوا صغارا في أنفسهم وخشوعا لدى الصانع الحكيم ، وهذا ما نطق به القرآن الكريم : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(١).

قال الحكيم الفيلسوف راشد الخراساني (٢) : «لقد كان منتهى ما يبلغه العلماء في محاولاتهم وجهودهم المتواصلة ، هو اعترافهم بأنّهم لا يعلمون شيئا من هذا الوجود. نعم لا يعلمون شيئا تجاه ما لمسوه من عظمة هذا الكون الفسيح. إنّهم علموا أشياء ووقفوا على أسرار ، ولكنّهم كلّما جدّوا في الأمر وجدوا المجال أوسع وأفسح ، وهناك أسرار كبرى خابئة في هذا الوجود أعمق وأدقّ. فإذا ما قاسوا معلوماتهم هم بالذات ، إلى ما جهلوه من كوامن وأسرار عظام ، تصاغروا واستصغروا ما لديهم من معلومات حتّى ولم يعدّوه شيئا بالقياس إلى عظمة هذا الكون ، الأمر الّذي لا يزال بالعلماء يزدادون خشوعا وخضوعا لدى الصانع المتعالي الحكيم : (ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ ...)(٣)».

***

قوله : (إِلَّا بِما شاءَ) أن ييسّر للإنسان العلم به من القوى والطاقات ، والقوانين الكونيّة الّتي تلزم له في خلافته في الأرض وعمارتها لإمكان الحياة عليها (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها)(٤).

وبقدر ما أذن الله للإنسان في علم هذا الجانب ـ الخطير بالنسبة إليه ، والضئيل بالنسبة ما زوي عنه علمه من أسرار الملك والملكوت ـ منحه القدرة والإمكانيّات اللّازمة للقيام بهذه المهمّة الخطيرة ، الّتي كلّفه الله تعالى في صميم شاكلته ، وهو خليفة الله في الأرض.

هذا ومع ذلك نرى الإنسان في سابق حياته قد يفتتن بهذا الطرف من العلم ، الّذي أحاط به بعد الإذن ، يفتتن فيحسب نفسه في الأرض جبّارا ، ويكفر وينكر أنّ لهذا الكون بارئا ومدبّرا من فوق الأرض! وإن يكن في هذا الدور الأخير (القرنين ٢٠ و ٢١) بدأ الوعي الفطريّ ـ الإنساني يتيقّظ شيئا فشيئا ، وبدأ يردّ العلماء حقّا إلى التواضع والتطامن ، فقد بدأوا يعلمون أنّهم لم يؤتوا من العلم إلّا قليلا! وبقي الجهّال المتعاملون الّذين يحسبون أنّهم قد علموا شيئا كثيرا! (٥).

__________________

(١) فاطر ٣٥ : ٢٨.

(٢) راجع : مقدّمة كتابه «دو فيلسوف شرق وغرب».

(٣) آل عمران ٣ : ١٩١.

(٤) هود ١١ : ٦١.

(٥) راجع : في ظلال القرآن ١ : ٤٢٣.

٢٥٥

قوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما)

وقد جاء التعبير في هذه الصورة الحسّيّة في موضع التجريد المطلق ، على طريقة القرآن في التعبير التصويري ، الّذي يمنح الحقيقة المراد تمثيلها ، للقلب قوّة وعمقا وثباتا. فالكرسيّ يستخدم عادة في معنى الملك ، فإذا وسع كرسيّه السماوات والأرض فقد وسعهما سلطانه. وهذه هي الحقيقة من الناحية الذهنيّة. ولكنّ الصورة الّتي ترتسم في الحسّ من التعبير بالمحسوس ، أثبت وأمكن.

وكذلك التعبير بقوله : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) فهو كناية على دوام سلطانه وتداوم تدبيره لشؤون هذا العالم الفسيح الواسع الأرجاء. من غير قصور ولا فتور.

قال أبو إسحاق الثعلبي : أي لا يثقله ولا يجهده ولا يشقّ عليه (١).

ومن ثمّ : (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ). وهذه خاتمة الصفات بل وفذلكة الكلام عن سمات الربوبيّة الشاملة القاهرة. فالله تعالى ، بسماته العليا ، عليّ عن نقص الأوصاف ، وعظيم شأنه فوق كلّ عظيم.

[٢ / ٧٤٣٦] أخرج الطبراني ـ في السنّة ـ عن ابن عبّاس ، قال : «يريد : لا أعلى منه ولا أعظم ولا أعزّ ولا أجلّ ولا أكرم» (٢).

وإليك ما ورد في قوله تعالى : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ ...).

[٢ / ٧٤٣٧] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله : (الْحَيُ) قال : حيّ لا يموت. (الْقَيُّومُ) قيّم على كلّ شيء ، يكلؤه ويرزقه ويحفظه (٣).

[٢ / ٧٤٣٨] وروى أبو جعفر الصدوق بإسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث يذكر فيه صفة الربّ ـ عزوجل ـ وفيه : «لم يزل حيّا بلا حياة ، كان حيّا بلا حياة عارية» (٤).

__________________

(١) الثعلبي ٢ : ٢٣٣.

(٢) الدرّ ٢ : ٩ ـ ١٠.

(٣) الدرّ ٢ : ١٥ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٦ / ٢٥٧١ و ٢٥٧٢ ، وزاد بعد قوله «لا يموت» : وروي عن قتادة نحو ذلك ، وزاد أيضا بعد قوله «ويحفظه» : وروي عن مجاهد وقتادة نحو ذلك ؛ الطبري ٣ : ٩ و ٢٢٢ / ٤٤٩٦ و ٤٤٩٨ ، وفيه : «قيّم كلّ شيء» بدل «قيّم على كلّ شيء» ؛ الثعلبي ٢ : ٢٣٠ ، بلفظ : الربيع : القيّم على كلّ شيء يحفظه ويرزقه ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٤.

(٤) نور الثقلين ١ : ٢٥٨ ؛ التوحيد : ١٧٣ ـ ١٧٤ / ٢ ، باب ٢٨ ؛ الكافي ١ : ٨٩ / ٣ ؛ البحار ٤ : ٢٩٩ / ٢٨ ، باب ٤ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٩٨.

٢٥٦

[٢ / ٧٤٣٩] وبإسناده إلى عبد الأعلى عن العبد الصالح (موسى بن جعفر عليه‌السلام) في حديث طويل ، وفيه : «كان حيّا بلا كيف ولا أين ، حيّا بلا حياة حادثة ، بل حيّ لنفسه» (١).

[٢ / ٧٤٤٠] وبإسناده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «إنّ الله تعالى نور لا ظلمة فيه ، وعلم لا جهل فيه ، وحياة لا موت فيه» (٢).

[٢ / ٧٤٤١] وروى عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن أبي عبد الله قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل عن عليّ بن العبّاس عن جعفر بن محمّد عن الحسن بن أسيد عن يعقوب بن جعفر ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أنزل على عبده محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وسمّي بهذه الأسماء : الرحمان الرحيم العزيز الجبّار العليّ العظيم ، فتاهت هنالك عقولهم ، واستخفّت حلومهم ، فضربوا له الأمثال وجعلوا له أندادا وشبّهوه بالأمثال ، ومثّلوه أشباها ، وجعلوه يزول ويحوّل ، فتاهوا في بحر عميق لا يدرون ما غوره ، ولا يدركون بكيفيّة بعده» (٣).

[٢ / ٧٤٤٢] وقال ابن عبّاس : «القيّوم معناه : الّذي لا يحوّل ولا يزول» (٤).

[٢ / ٧٤٤٣] وقال الكلبي : القائم على كلّ نفس بما كسبت (٥).

[٢ / ٧٤٤٤] وعن ابن الأنباري عنه قال : القيّوم الّذي لا بديء له (٦).

[٢ / ٧٤٤٥] وأخرج ابن جرير عن الضحّاك قال : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) : القائم الدائم (٧).

[٢ / ٧٤٤٦] وقال أبو إسحاق الثعلبي كان ابن عبّاس يقول : أعظم أسماء الله ـ عزوجل ـ الحيّ القيّوم ، وهو دائما أهل الخير (٨).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٥٨ ؛ التوحيد : ١٤١ ـ ١٤٢ / ٦ ، باب ١١ ؛ البحار ٤ : ٢٩٨ / ٢٧ ، باب ٤ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٥٨ ؛ التوحيد : ١٣٨ / ١٣ ، باب ١٠ ؛ البحار ٤ : ٨٤ ـ ٨٥ / ١٨ ، باب ٢ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٩٩.

(٣) القمّي ٢ : ٣٦٠ ـ ٣٦١ ، سورة الحشر ٥٩ : ٢٢ ـ ٢٤ ؛ البحار ٣ : ٢٩٦ / ٢١ ، باب ١٣ ، وفيه «ولا يدركون كمّية بعده» بدل : «ولا يدركون بكيفيّة بعده» ؛ نور الثقلين ١ : ٢٥٦ ، و ٥ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥ / ٨٣ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٩٩.

(٤) القرطبي ٣ : ٢٧١.

(٥) الثعلبي ٢ : ٢٣٠ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٤.

(٦) القرطبي ٣ : ٢٧٢.

(٧) الطبري ٣ : ١٠ / ٤٥٠٠ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٣٠ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٥٩ ، عن سعيد بن جبير والضحّاك ، بلفظ : قيل معناه : الدائم الوجود ؛ التبيان ٢ : ٣٠٨ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٣ ؛ الوسيط ١ : ٣٦٧ ، بلفظ : قال الضحّاك : (الْقَيُّومُ) : الدائم الوجود.

(٨) الثعلبي ٢ : ٢٣٠ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٤.

٢٥٧

[٢ / ٧٤٤٧] وروى قتادة عن أنس : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدعو : «يا حيّ يا قيّوم» (١).

[٢ / ٧٤٤٨] وعن قتادة (الْقَيُّومُ) : القيّم على الخلق بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم (٢). وعنه أيضا قال : القائم بتدبير خلقه من إنشائهم ابتداء وإيصال أرزاقهم إليهم ، كما قال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها)(٣)(٤).

***

وفي قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)

[٢ / ٧٤٤٩] أخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء والطستي في مسائله عن ابن عبّاس ، أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)؟ قال : السّنة : الوسنان ، الّذي هو نائم وليس بنائم! قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت زهير بن أبي سلمى وهو يقول :

ولا سنة طوال الدهر تأخذه

ولا ينام وما في أمره فند (٥)

[٢ / ٧٤٥٠] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عبّاس في قوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) قال : السّنة : النعاس ، والنوم هو النوم (٦).

[٢ / ٧٤٥١] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن الضحّاك في الآية قال : السّنة :

النعاس ، والنوم : الاستثقال (٧).

[٢ / ٧٤٥٢] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء

__________________

(١) الثعلبي ٢ : ٢٣٠ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٤.

(٢) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٦ / ٢٥٧٤.

(٣) هود ١١ : ٦.

(٤) التبيان ٢ : ٣٠٨ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٥٩ ؛ القرطبي ٣ : ٢٧١.

(٥) الدرّ ٢ : ١٦ ؛ القرطبي ١ : ٢٥.

(٦) الدرّ ٢ : ١٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٧ و ٤٨٨ / ٢٥٧٦ و ٢٥٨١ ؛ الطبري ٣ : ١١ / ٤٥٠١ ، إلى قوله «النعاس» ؛ العظمة ٢ : ٤٢٦ ـ ٤٢٧ / ١٢٠ ـ ٤ ، باب ٧ ، بلفظ : عن يحيى بن رافع في قوله عزوجل : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) قال : النعاس.

(٧) الدرّ ٢ : ١٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٨ / ٢٥٨٢ ، بلفظ : قال : النوم : الاستثقال ؛ الطبري ٣ : ١١ / ٤٥٠٣ وبعده ، بلفظ : السنة : الوسنة ، وهو دون النوم ، والنوم : الاستثقال ؛ العظمة ٢ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨ / ١٢١ ـ ٥ ، باب ٧.

٢٥٨

والصفات والطبراني في السّنّة عن ابن عبّاس في قوله : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) قال : يريد النعاس (١). وهكذا روي عن قتادة والحسن (٢). ويحيى بن رافع (٣).

[٢ / ٧٤٥٣] وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدّي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عبّاس ، وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وأمّا السّنة فهي ريح النوم ، الّتي تأخذ في الوجه فينعس الإنسان (٤).

[٢ / ٧٤٥٤] وأخرج ابن أبي حاتم عن عطيّة : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ) قال : لا يفتر (٥).

[٢ / ٧٤٥٥] وأخرج ابن جرير عن ابن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع ، قال : السّنة : الوسنان ، بين النائم واليقظان (٦).

[٢ / ٧٤٥٦] وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) قال : من يتكلّم عنده إلّا بإذنه! (٧).

[٢ / ٧٤٥٧] وأخرج البخاري عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا خلّص الله المؤمنين من النار وأمنوا ، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحقّ يكون له في الدنيا ، أشدّ مجادلة من المؤمنين لربّهم في إخوانهم الّذين أدخلوا النار! قال : يقولون : ربّنا! إخواننا ، كانوا يصلّون معنا ويصومون معنا ويحجّون معنا ، فأدخلتهم النار! فيقول : اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم! فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم ، لا تأكل النار صورهم ، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه. ومنهم من أخذته إلى كعبيه. فيخرجونهم ، فيقولون : ربّنا! أخرجنا من قد أمرتنا! ثمّ يقول : أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان ، ثمّ من كان في قلبه وزن نصف دينار ، ثمّ من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل». قال أبو سعيد : فمن لم يصدّق هذا فليقرأ : (إِنَّ اللهَ

__________________

(١) الدرّ ٢ : ٩ ؛ الطبري ٣ : ١١ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٧ ـ ٤٨٨ ؛ العظمة ٢ ، ٤٢٦ ـ ٤٢٧ / ١٢٠ ـ ٤ ، باب ٧.

(٢) الطبري ٣ : ١١ / ٤٥٠٢ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٦٦ / ٣٢٠ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٥.

(٣) الطبري ٣ : ١٢ / ٤٥٠٦ ؛ القرطبي ٣ : ٢٧٣.

(٤) الدرّ ٢ : ١٨ ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٥٠٦.

(٥) الدرّ ٢ : ١٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٧ / ٢٥٧٨.

(٦) الطبري ٣ : ١٢ / ٤٥٠٥ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٧ / ٢٥٧٩ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٥.

(٧) الدرّ ٢ : ١٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٨ / ٢٥٨٦.

٢٥٩

لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)(١)» (٢).

***

وفي قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ)

[٢ / ٧٤٥٨] أخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدّي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عبّاس ، وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وناس من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) فالدنيا (وَما خَلْفَهُمْ) الآخرة (٣).

[٢ / ٧٤٥٩] وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عبّاس : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ما قدّموا من أعمالهم (وَما خَلْفَهُمْ) ما أضاعوا من أعمالهم (٤).

[٢ / ٧٤٦٠] وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) قال : ما مضى من الدنيا (وَما خَلْفَهُمْ) من الآخرة (٥).

[٢ / ٧٤٦١] وأخرج الثعلبي عن ابن جريج : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يعني ما كان قبل خلق الملائكة (وَما خَلْفَهُمْ) وما يكون بعد خلقهم! (٦) وهكذا قال مقاتل بن سليمان (٧).

[٢ / ٧٤٦٢] وقال الكلبيّ : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يعني : الآخرة لأنّهم يقدمون عليها ، (وَما خَلْفَهُمْ) الدنيا لأنّهم يخلفونها وراء ظهورهم (٨).

__________________

(١) النساء ٤ : ٤٠.

(٢) ابن ماجة ١ : ٢٣ / ٦٠ ، باب ٩ ؛ البخاري ٨ : ١٨٢ ، كتاب التوحيد ، باب بقية من أبواب الرؤية ؛ الحاكم ٤ : ٥٨٣ ، كتاب الأهوال.

(٣) الدرّ ٢ : ١٨ ، الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٥٠٦.

(٤) الدرّ ٢ : ١٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٩ ـ ٤٩٠ / ٢٥٩٠ ـ ٢٥٩٥ ؛ الطبري ١٠ : ٢٣ ، سورة الأنبياء ، الآية ٢٨.

(٥) الدرّ ٢ : ١٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٩ / ٢٥٨٨ و ٢٥٩٢ ، عن مجاهد والسدّي ؛ الطبري ٣ : ١٤ / ٤٥١١ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٣١ ، عن مجاهد وعطاء والحكم والسدّي ؛ البغوي ١ : ٣٤٧ ، عن مجاهد وعطاء والسدّي ، بلفظ : «ما بين أيديهم من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة» مجمع البيان ٢ : ١٦٠» ؛ التبيان ٢ : ٣٠٩ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٧.

(٦) الثعلبي ٢ : ٢٣١.

(٧) البغوي ١ : ٣٤٧ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٨.

(٨) الثعلبي ٢ : ٢٣١ ، عن الضحّاك والكلبي ؛ البغوي ١ : ٣٤٧ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٤٠٨ ؛ الوسيط ١ : ٣٦٧ ، عن الضحّاك والكلبي.

٢٦٠