التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

[٢ / ٦٧٢٢] بما رواه بالإسناد إلى جميل بن درّاج عن زرارة عن أحدهما (الباقر أو الصادق عليهما‌السلام) قال : سألته عن الّذي يطلّق في حال طهر في مجلس ثلاثا؟ قال عليه‌السلام : «هي واحدة».

[٢ / ٦٧٢٣] وبالإسناد إلى منصور بن حازم عن أبي بصير الأسدي ، ومحمّد بن عليّ الحلبيّ وعمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الطلاق ثلاثا في غير عدّة إن كانت على طهر فواحدة ، وإن لم تكن على طهر فليس بشيء».

[٢ / ٦٧٢٤] وبالإسناد إلى عمرو بن البراء ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أصحابنا يقولون : إنّ الرجل إذا طلّق امرأة مرّة أو مائة مرّة (١) ، فإنّما هي واحدة ، وقد كان بلغنا عنك وعن آبائك أنّهم كانوا يقولون : إذا طلّق مرّة أو مائة مرّة ، فإنّما هي واحدة؟ فقال : «هو كما بلغكم».

[٢ / ٦٧٢٥] وبالإسناد إلى محمّد بن حمران عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام في الّتي تطلّق في حال طهر في مجلس ثلاثا؟ قال : «هي واحدة».

[٢ / ٦٧٢٦] وبالإسناد إلى عمر بن أذينة عن بكير بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن طلّقها للعدّة أكثر من واحدة ، فليس الفضل على الواحد بطلاق».

[٢ / ٦٧٢٧] وبالإسناد إلى أبي محمّد الوابشي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل ولّى أمر امرأته رجلا وأمره أن يطلّقها على السنّة ، فطلّقها ثلاثا في مقعد واحد؟ قال : «تردّ إلى السنّة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة» (٢).

***

ثمّ ذكر الشيخ روايات قد يخالف ظاهرها ما تقدّم ، فأخذ في تأويلها وأنّ الظاهر غير مراد ، البتّة لمخالفتها لما عليه الأصحاب ورواياتهم.

[٢ / ٦٧٢٨] روى بالإسناد إلى محمّد بن سعيد الأموي ـ مجهول ـ قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلّق ثلاثا في مقعد واحد؟ فقال : «أمّا أنا فأراه قد لزمه ، وأمّا أبي (الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام)

__________________

(١) بأن قال : أنت طالق ثلاثا أو أزيد : مائة أو ألفا.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٢ ـ ٥٣ / ٨٧ ـ ٩٢ ؛ وراجع : الوسائل ٢٢ : ٦١ ـ ٦٤ / ٢ و ١ و ٧ و ١١ و ١٢ و ١٣ ، على الترتيب.

٢١

فكان يرى ذلك واحدة!!» (١).

قلت : مع غضّ النظر عن ضعف السند لموضع الجهل بالراوي والاختلاف في اسم أبيه ونسبه ، فإنّه غير معقول على معتقدنا في الأئمّة ، وأنّهم نور واحد ، ما يقول أوّلهم هو ما يقول آخرهم ، وما يقول آخرهم هو ما يقول أوّلهم ، لأنّهم إنّما يستقون من منهل عذب واحد صاف زلال ، لا غبار عليه لديهم فيما يرون ويروون.

ولعلّه من إلصاق التّهم بأئمّة أهل البيت ، وأنّهم كسائر أصحاب الرأي ، لا يرون الحقيقة إلّا من وراء حجاب!! ونظيره الحديث التالي :

[٢ / ٦٧٢٩] وروى بالإسناد إلى أبي أيّوب الخزّاز ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فجاء رجل فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثا؟ فقال : بانت منه. ثمّ جاء رجل آخر من أصحابنا فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثا؟ فقال : تطليقة واحدة. وجاء آخر فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثا؟ فقال : ليس بشيء. قال : فنظر إليّ فقال : هو ما ترى! قلت : كيف هذا؟ قال : «هذا يرى أنّ من طلّق امرأته ثلاثا حرمت عليه. وأنا أرى أنّ من طلّق امرأته ثلاثا على السنّة فقد بانت منه. ورجل طلّق امرأته ثلاثا وهي على طهر ، فإنّما هي واحدة. ورجل طلّق امرأته ثلاثا على غير طهر ، فليس بشيء!» (٢).

هذا الحديث ظاهر التشويش ، حيث السؤال مجمل رغم تكرّره ثلاث نوبات. لأنّ السؤال وقع عمّن طلّق ثلاثا ، ولم يتبيّن أنّها وقعت في مجلس واحد أم في مجالس ، وقعت وفق شروطها أم على غير شروطها.

غير أنّ الجواب جاء في كلّ نوبة ، على فرض غير فرض الآخرين.

فأوّلا : جاء الجواب على فرض أنّها وقعت في مجلس واحد ، وفق شرائط السنّة ، فكان من رأي الإمام عليه‌السلام هو البتّ وأنّها بانت منه ، فلا رجعة بعدها ، الأمر الّذي يوافق رأي العامّة (فقهاء المدينة السبعة).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٥٣ / ٩٣. ورواه في الاستبصار (٣ : ٢٨٩ / ٧) بالإسناد إلى محمّد بن سعد الأموي. ورواه في الوسائل ٢٢ : ٦٥ / ١٤. وفي نسخة ـ كما في الهامش ـ : محمّد بن سعد السندي!

(٢) التهذيب ٨ : ٥٤ / ٩٥ : الوسائل ٢٢ : ٦٦ / ١٦.

٢٢

وثانيا : جاء الجواب على نفس الفرض ، لكنّ مع فرض أنّها وقعت وفق الشرائط وفي حالة الطهر غير المواقع ، فكان من رأي الأصحاب ـ الّذي عليه رأي السائل ـ أنّها لا تبين ، بل تحرم عليه ، وله الرجعة.

وثالثا : جاء الجواب على نفس الفرض ، لكنّ مع فرض أنّها وقعت على غير السنّة وفي حالة الحيض ، فوقعت لغوا لا أثر له.

ومن ثمّ فهنا سؤال : كيف يأتي الجواب وفقا لما فرضه المجيب ، من غير أن تكون في لفظ السائل دلالة عليه؟!

إنّما على المجيب أن يتساءل السائل عن مناحي مسألته ، فيجيبه عليها ، وليس من المتعارف المعهود ، أن يفرض المجيب مناحي من عنده ، مع كون السؤال وقع على إطلاقه ؛ إذ هكذا إجابة على مناحي خاصّة ـ فرضها المجيب ـ قد يوجب تعمية على السائل ، ولا ذهنيّة له عن ذلك المنحى الخاصّ!

وإذ كنّا نعلم أنّ الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام هم من أفصح وأبلغ أهل زمانهم. فلا ينطقون إلّا بما اقتضته حكمة البلاغة ، بإفصاح وإيضاح ، بعيدا عن كلّ تعمية أو إيهام.

ثمّ كيف ـ يا ترى ـ يفتي الإمام الصادق عليه‌السلام ـ وهو شاخص الأئمّة بعد أبيه ـ على خلاف رأي أصحاب آبائه ، ويأخذ برأي العامّة ـ الّذي هو بدوره يخالف المأثور من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحابته الأطياب؟!

نعم هذا الحديث كسابقه مشوّه مموّه ، ويد الجعل والتزوير بادية عليه بوضوح!

***

[٢ / ٦٧٣٠] وهكذا روى بالإسناد إلى عليّ بن إسماعيل (ابن شعيب بن ميثم التمّار) قال : كتب عبد الله بن محمّد (ابن حصين الحضيني الأهوازي) إلى أبي الحسن (موسى بن جعفر) عليه‌السلام : جعلت فداك ، روى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يطلّق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة ، على طهر بغير جماع ، بشاهدين ، أنّه يلزمه تطليقة واحدة؟

فوقّع عليه‌السلام بخطّه : «أخطئ على أبي عبد الله ، إنّه لا يلزمه الطلاق ، ويردّ إلى الكتاب والسنّة ، إن

٢٣

شاء الله» (١).

قلت : الطلاق ثلاثا في مجلس واحد ، إذا كان عن طهر غير مواقع ، فإنّها تقع واحدة ، هو مذهب الأصحاب الموافق مع رواياتهم. وهو معنى الردّ إلى الكتاب والسنّة ـ على ما سلف ـ فما وجه تخطئته وأنّه أخطئ على أبي عبد الله؟!

ولعلّ هناك سقطا في صدر الحديث.

ملحوظة

المستفاد من الجواب : أنّ الإمام أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام كان يخطأ بشأنه ـ عن غفلة أو غيرها ـ الأمر الّذي نلمسه في أخبار عزيت إليه ، وليس من مذهب الأصحاب.

[٢ / ٦٧٣١] كما روى بالإسناد إلى أبي العبّاس البقباق ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لي : «إرو عنّي أنّ من طلّق امرأته ثلاثا في مجلس واحد ، فقد بانت منه» (٢).

يعني بذلك : معتقد الخلاف ، فإنّ من يرى جواز الطلاق ثلاثا في مجلس واحد ، فهو نافذ عليه ، من باب «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم» (٣).

[٢ / ٦٧٣٢] حسبما روى الشيخ بإسناده إلى إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الجواد عليه‌السلام فأتاني الجواب بخطّه : «فهمت ما ذكرت من أمر ابنتك وزوجها ـ إلى أن قال ـ ومن حنثه بطلاقها غير مرّة ؛ فانظر ، فإن كان ممّن يتولّانا ويقول بقولنا ، فلا طلاق عليه ، لأنّه لم يأت أمرا يجهله ، وإن كان ممّن لا يتولّانا ولا يقول بقولنا ، فاختلعها منه ، فإنّه إنّما نوى الفراق بعينه» (٤).

[٢ / ٦٧٣٣] وقد روى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «إنّه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم» (٥).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٥٦ / ١٠١ ؛ الوسائل ٢٢ : ٦٧ / ١٩.

(٢) التهذيب ٨ : ٥٩ / ١١١ ؛ الوسائل ٢٢ : ٧٤ / ٨ ، باب ٣٠ ، من مقدّمات الطلاق.

(٣) ورد ذلك في عدّة روايات ولا سيّما في هذا الباب. راجع : الوسائل ٢٢ : ٧٣ / ٥ و ٦.

(٤) التهذيب ٨ : ٥٧ / ١٠٥ ؛ الوسائل ٢٢ : ٧٢ / ١.

(٥) العيون ١ : ٢٧٧ / ٧٤ ؛ المعاني : ٢٦٣ / ١ ؛ الوسائل ٢٢ : ٧٥ / ١١.

٢٤

وبعد فلا غرو أن تنسب العامّة إلى الإمام الصادق أو أحد آبائه عليهم‌السلام ما يخالف مذهب الأصحاب.

[٢ / ٦٧٣٤] أخرج البيهقي عن بسام الصيرفي قال : سمعت جعفر بن محمّد يقول : «من طلّق امرأته ثلاثا بجهالة أو علم فقد برئت منه» (١).

[٢ / ٦٧٣٥] وأخرج عن مسلمة بن جعفر الأحمسي قال : قلت لجعفر بن محمّد : إنّ قوما يزعمون أنّ من طلّق ثلاثا بجهالة ردّ إلى السنّة يجعلونها واحدة يروونها عنكم؟ قال : معاذ الله! ما هذا من قولنا ، من طلّق ثلاثا فهو كما قال! (٢)

[٢ / ٦٧٣٦] وأخرج ابن عديّ والبيهقي عن الأعمش قال : بأنّ بالكوفة شيخ يقول : سمعت عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : «إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد ، فإنّه يردّ إلى واحدة». والناس عنقا واحدا إذ ذاك يأتونه ويسمعون منه. قال : فأتيته فقرعت عليه الباب ، فخرج إليّ شيخ فقلت له : كيف سمعت عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول فيمن طلّق امرأته ثلاثا في مجلس واحد؟ قال : سمعت عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فإنّه يردّ إلى واحدة. قال : فقلت له : أنّى سمعت هذا من عليّ؟ قال : أخرج إليك كتابا ، فأخرج ، فإذا فيه : «بسم الله الرحمان الرحيم : هذا ما سمعت من عليّ بن أبي طالب يقول : إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فقد بانت منه ، ولا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره» قلت : ويحك هذا غير الّذي تقول! قال : الصحيح هو هذا ، ولكنّ هؤلاء أرادوني على ذلك (٣)!

[٢ / ٦٧٣٧] وأخرج الطبراني والبيهقي عن سويد بن غفلة قال : كانت عائشة الخثعميّة عند الحسن بن عليّ عليه‌السلام فلمّا قتل عليّ عليه‌السلام پقالت : لتهنك الخلافة! قال : يقتل عليّ وتظهرين الشماتة؟! اذهبي فأنت طالق ثلاثا. قال : فتلفّعت بثيابها (٤) وقعدت حتّى قضت عدّتها ، فبعث إليها ببقيّة بقيت لها من صداقها وعشرة آلاف صدقة. فلمّا جاءها الرسول قالت : متاع قليل من حبيب مفارق!

__________________

(١) الدرّ ١ : ٦٦٩ ؛ البيهقي ٧ : ٣٤٠ / ١٤٧٦٧.

(٢) الدرّ ١ : ٦٦٩ ؛ البيهقي ٧ : ٣٤٠ / ١٤٧٦٦.

(٣) الدرّ ١ : ٦٦٩ ؛ الكامل ١ : ١٤١ ؛ البيهقي ٧ : ٣٣٩ ـ ٣٤٠ / ١٤٧٦٥.

(٤) في تفسير القرطبي : «بساجها» (والساج : الطيلسان الضخم الغليظ) وفي بعض النسخ : «بجلبابها».

٢٥

فلمّا بلغه قولها بكى ، ثمّ قال : لو لا أنّي سمعت جدّي ، أو حدّثني أبي : أنّه سمع جدّي يقول : أيّما رجل طلّق امرأته ثلاثا عند الأقراء ، أو ثلاثا مبهمة لم تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره لراجعتها (١)!

قلت : كلّ ذلك من زخرف القول ، وحاشا أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام أن يتفوّهو بخلاف الثابت عن جدّهم الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد عرفت أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يردّ ذلك إلى الكتاب والسنّة ، فالطلاق الثلاث إذا وقعت في طهر ومع شرائطها فهي واحدة (٢) ؛ وإن وقعت على غير طهر ، فلا شيء ولا أثر له (٣).

[٢ / ٦٧٣٨] روى الشيخ بالإسناد إلى إسماعيل بن عبد الخالق ، قال : سمعت أبا الحسن الكاظم عليه‌السلام يقول : «طلّق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثا ، فجعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحدة فردّها إلى الكتاب والسنّة». (٤)

[٢ / ٦٧٣٩] وروى أيضا بالإسناد إلى الحلبيّ : أنّ ابن عمر طلّق امرأته وهي حائض ، فردّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الكتاب والسنّة ، وأنّ طلاقه ليس بشيء ، وقال : لا طلاق إلّا في عدّة ، قال تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ). (٥)

قال الحرّ العاملي : لعلّ الحادثة وقعت مرّتين : مرّة في حالة الحيض ، فوقع الطلاق لغوا. وأخرى في حالة الطهر ثلاثا ، فوقعت واحدة (٦).

كلام عن الطلاق وأنواعه

الطلاق هو الفراق ، وهو انفصام عروة الزوجيّة ، ومن ثمّ فهو أبغض الحلال إلى الله ـ عزوجل ـ كما ورد في الحديث :

[٢ / ٦٧٤٠] روى أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى صفوان بن مهران عن أبي

__________________

(١) الدرّ ١ : ٦٦٧ ؛ الكبير ٣ : ٩١ / ٢٧٥٧ ؛ البيهقي ٧ : ٣٣٦ / ١٤٧٤٨ ؛ القرطبي ٣ : ٢٠٢.

(٢) راجع : الوسائل ٢٢ : ٦٤ / ٨ و ٩ و ١٠.

(٣) راجع : الوسائل ٢٢ : ٦٧ / ١٨.

(٤) راجع : الوسائل ٢٢ : ٦٧ / ١٨.

(٥) راجع : الوسائل ٢٢ : ٦٤ / ٨ و ٩ و ١٠ ، والقرطبي ٣ : ١٣٠.

(٦) الوسائل ٢٢ : ٦٧.

٢٦

عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تزوّجوا وزوّجوا ، ألا فمن حظّ امرئ مسلم إنفاق قيّمة أيّمة (١). وما من شيء أحبّ إلى الله ـ عزوجل ـ من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح. وما من شيء أبغض إلى الله ـ عزوجل ـ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة يعني الطلاق».

ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله ـ عزوجل ـ إنّما وكّد في الطلاق وكرّر القول فيه ، من بغضه الفرقة» (٢).

[٢ / ٦٧٤١] وبالإسناد إلى أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ يحبّ البيت الّذي فيه العرس ، ويبغض البيت الّذي فيه الطلاق. وما من شيء أبغض إلى الله من الطلاق» (٣).

[٢ / ٦٧٤٢] وأخرج الثعلبي وابن ماجة بالإسناد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أبغض الحلال عند الله الطلاق» (٤). وفي المستدرك : «ما أحلّ الله شيئا أبغض إليه من الطلاق».

[٢ / ٦٧٤٣] وأخرج ابن أبي شيبة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله يبغض كلّ مطلاق مذواق» (٥).

[٢ / ٦٧٤٤] وهكذا روى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله يبغض كلّ مطلاق ذوّاق» (٦).

[٢ / ٦٧٤٥] وعنه أيضا قال : «ما من شيء ممّا أحلّه الله أبغض إليه من الطلاق. وإنّ الله يبغض المطلاق الذوّاق» (٧).

الذوّاق : الّذي يتذوّق الشيء للحظة أو فترة قصيرة ثمّ ينصرف عنه.

__________________

(١) الإنفاق ـ هنا ـ في مقابلة الاحتكار والاحتباس بالسلعة دون عرضها للبيع والصرف. والقيّمة : المدركة البالغة حدّ الزواج. والأيّمة : الّتي لم تتزوّج. يعني صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السعي وراء تزويجهنّ دون احتباسهنّ في البيوت ، كسلعة كاسدة.

(٢) الكافي ٥ : ٣٢٨ / ١ ، باب الحضّ على النكاح ؛ الوسائل ٢٢ : ٧ / ١.

(٣) الكافي ٦ : ٥٤ / ٣ ، باب كراهيّة الطلاق ؛ الوسائل ٢٢ : ٧ / ٢.

(٤) الثعلبي ٢ : ١٨٩ ؛ ابن ماجة ١ : ٦٥٠ / ٢٠١٨ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٠٤ ؛ أبو داوود ١ : ٤٨٤ / ٢١٧٧ ؛ الحاكم ٢ : ١٩٦ ؛ البيهقي ٧ : ٣٢٢ ؛ كنز العمّال ٩ : ٦٦١ / ٢٧٨٧٢ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٦ : ٣٩٠ / ١١٣٣١.

(٥) الثعلبي ٢ : ١٨٩ ؛ المصنّف ٤ : ١٧٢ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٠٤ ؛ مسند البزّار ٨ : ٧٠ ـ ٧١ / ٣٠٦٦.

(٦) الكافي ٦ : ٥٥ / ٤ ؛ الوسائل ٢٢ : ٨ / ٣.

(٧) الكافي ٦ : ٥٤ / ٢ ؛ الوسائل ٢٢ : ٨ / ٥.

٢٧

[٢ / ٦٧٤٦] ومنه الحديث : «إنّ الله لا يحبّ الذوّاقين والذوّاقات» (١). قال ابن الأثير : يعني السريعي النكاح ، السريعي الطلاق (٢). وهو معنى المطلاق.

[٢ / ٦٧٤٧] وبالإسناد إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : بلغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ أبا أيّوب يريد أن يطلّق امرأته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ طلاق أمّ أيّوب لحوب» أي إثم (٣).

[٢ / ٦٧٤٨] وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجل فقال : ما فعلت امرأتك؟ قال : طلّقتها ، يا رسول الله. قال : من غير سوء؟ قال الرجل : من غير سوء! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله يبغض ـ أو يلعن ـ كلّ ذوّاق من الرجال وكلّ ذوّاقة من النساء» (٤).

أقسام الطلاق

الطلاق ـ باعتبار سبق كراهة أحد الزوجين أو كلاهما ـ ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الطلاق الرجعي ، والخلع ، والمباراة.

فالطلاق الرجعي : ما كان عن طلب الزوج لكراهة أو سبب آخر يعود إليه أوجب رغبته في الفراق.

والخلع : ما كان عن طلب الزوجة لكراهتها أو سبب يعود إليها أوجب رغبتها في الفراق.

والمباراة : ما كان عن كراهتهما معا.

وفي الأقسام الثلاثة ، إن وقع الطلاق قبل الدخول بها ، فهو طلاق بائن ، تبين عنه ولا رجعة له ، ويصحّ حيثما وقع سواء أكانت طاهرة أم حائضا. وكذلك طلاق من يئست من المحيض ، بائن ؛ ولا عدّة للطلاق البائن ، كما لا رجعة فيه.

أمّا المدخول بها ، فشرط صحّة طلاقها ـ إن كانت ممّن تحيض ـ أن يقع في طهر غير مواقع فيه. وعدّتها ثلاث حيض ، كما قدّمنا. وله الرجعة قبل انقضاء عدّتها ، إن كان هو الطالب لطلاقها.

أمّا إذا كانت هي المطالبة بالطلاق خلعا ، فلها الرجوع في البذل ، فيعود طلاقها رجعيّا ، وكان للزوج حينذاك الرجوع فيه.

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ١٩٧ ؛ الوسائل ٢٢ : ٩ / ٨.

(٢) النهاية ٢ : ١٧٢ (ذوق).

(٣) الكافي ٦ : ٥٥ / ٥ ؛ الوسائل ٢٢ : ٨ / ٤.

(٤) الكافي ٦ : ٥٤ / ١ ؛ الوسائل ٢٢ : ٨ / ٦.

٢٨

وكذا المباراة ، لا رجعة فيها إلّا إذا رجعت هي في بذلها ، فيعود رجعيّا حينذاك.

هل الطلاق رهن إرادة الرجل محضا؟

سؤال أثارته روح اليقظة الإسلاميّة ، ولا سيّما في الأوساط الثقافية الراهنة؟

ذهب المشهور من الفقهاء والمفسّرين إلى الإذعان بذلك ، استنادا إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما الطلاق لمن أخذ بالساق»!

[٢ / ٦٧٤٩] والحديث كما رواه ابن ماجة عن ابن عبّاس : أنّ رجلا أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، إنّ سيّدي زوّجني أمته وهو يريد أن يفرّق بيني وبينها! فصعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنبر فقال : «أيّها الناس ما بال أحدكم يزوّج عبده أمته ، ثمّ يريد أن يفرّق بينهما؟! إنّما الطلاق لمن أخذ بالساق» (١).

والحديث وإن كان بمختلف طرقه ضعيف الإسناد ، إلّا أنّ الفقهاء تسالموا على الاستناد إليه ، حتّى أنّ صاحب الجواهر عبّر عنه بالنبويّ المقبول ، وذكر أنّ الحكم إجماعيّ ، وقد أرسل المحقّق حكمه باختصاص الطلاق بمالك البضع إرسال المسلّمات (٢).

وعليه فلا شأن للمرأة في أمر الطلاق ، وإنّما هو رهن إرادة الرجل وحسب مشيئته الخاصّة؟!

***

غير أنّ المسألة بحاجة إلى دقّة وعمق نظر :

الطلاق ـ وهو الفراق بين متآلفين ـ لا بدّ أن يكون عن كراهيّة معقّدة لا يمكن حلّها إلّا بهذه المفارقة البغيضة. والكراهيّة إمّا من الزوج ، فالطلاق رجعيّ ـ إذا وقع بشروطه ـ وإمّا من الزوجة ، فالطلاق خلعيّ ، تبذل المرأة مهرها لتتخلّص بنفسها وتنفلت عن قيد الزوجيّة الّتي تكرهها. وإمّا من الطرفين ، فهو مباراة في مصطلحهم. ويعني : تخلّص الطرفين من الزوجيّة الّتي يكرهانها.

__________________

(١) ابن ماجة ١ : ٦٧٢ / ٢٠٨٢ ، باب ٣١ (طلاق العبد). وفي كنز العمّال ٩ : ٦٤٠ / ٢٧٧٧٠ نقله عن الجامع الكبير للطبراني. وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد ٤ : ٣٣٤ ، وعن عصمة ... الخ وقال : فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف (هامش الكنز). أمّا عن ابن عبّاس ـ كما في سنن ابن ماجة والطبراني ـ ففي طريقه ابن لهيعة. قال في الزوائد : وهو ضعيف (هامش ابن ماجة).

(٢) جواهر الكلام ٣٢ : ٥.

٢٩

فالطلاق في الصورة الأولى عن رغبة الزوج. وفي الصورة الثانية عن رغبة الزوجة. وفي الصورة الثالثة عن رغبتهما معا.

فهل الطلاق في الصور الثلاث جميعا بيد الرجل محضا ورهن إرادته ، إن شاء فارقها وخلّى سبيلها. وإن شاء أمسكها ضرارا ، ولا شأن للمرأة ولا لوليّ أمرها في خلاص نفسها؟! الأمر الّذي يجب التريّث لديه!!

وإليك بعض الكلام حول هذه المسألة الخطيرة :

[٢ / ٦٧٥٠] جاء في الحديث النبويّ المستفيض : أنّ جميلة بنت أبيّ بن سلول ، تزوّجها ثابت بن قيس بن شماس ، وكان رجلا دميما (كريه المنظر) وأصدقها حديقة ، فلمّا رآها كرهته كراهة شديدة ، فجاءت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبدت كراهتها له وقالت : إنّى لأكرهه لدمامته وقبح منظره حينما رأيته ، وزادت : إنّي لو لا مخافة الله لبصقت في وجهه ؛ قالت : إنّي رفعت الخباء فرأيته مقبلا في عدّة ، فإذا هو أشدّهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها! قالت : والله ، لا يجمع رأسي ورأسه وسادة! فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتردّين عليه حديقته؟ قالت : نعم ، وأزيده. قال لها النبيّ : لا ، حديقته فقط ، فردّت عليه حديقته. ففرّق بينهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويبدو أنّ ذلك كان بمغيب عن الرجل ، وذلك لأنّ الرواية ذكرت أنّه لمّا بلغه قضاء رسول الله وحكمه بالفراق بينهما قال : قد قبلت قضاء رسول الله.

قال ابن عبّاس : وكان أوّل خلع وقع في الإسلام (١).

[٢ / ٦٧٥١] وهكذا روي مستفيضا بشأن زوجته الأخرى حبيبة بنت سهل بن ثعلبة الأنصاري ، كانت تحت ثابت بن قيس هذا ، أخرج أبو داوود وعبد الرزّاق وابن جرير والبيهقي وأناس غيره من طريق عمرة عن عائشة ، أنّ ثابت بن قيس كان سيّء الخلق ذميما بالإضافة إلى كونه دميما كريه المنظر. وكان يضربها ضربا وجيعا حتّى كسر يدها ، فأتت عند باب رسول الله في الفلس ، وأنّ

__________________

(١) راجع : البخاري ٧ : ٦٠ ، كتاب الطلاق باب ١٢ ، (الخلع وكيف الطلاق فيه) وشرحه فتح الباري ٩ : ٣٤٦ ـ ٣٥٥. وابن ماجة ١ : ٦٦٣ باب المختلعة تأخذ ما أعطاها. وأبو داوود ١ : ٤٩٦ / ٢٢٢٧ والموطّأ ٢ : ٥٦٤ / ٣١ والأمّ ٣ : ٢٢٢ ؛ مسند أحمد ٤ : ٣ ؛ النسائي ٣ : ٣٦٩ / ٥٦٥٧ ؛ البيهقي ٧ : ١٣١٣ ؛ الطبري ٢ : ٦٢٦ ؛ كنز العمّال ٦ : ١٨٥ / ١٥٢٧٩ ؛ الثعلبي ٢ : ١٧٤ ؛ البغوي ١ : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ؛ الدرّ ١ : ٦٧٢ ؛ مجمع الزوائد ٥ : ٤ ـ ٥.

٣٠

رسول الله خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه ، فقال : من هذه؟ قالت : أنا حبيبة بنت سهل. قال : ما شأنك؟ قالت : لا أنا ولا ثابت ، وإنّي أكره الكفر بعد الإسلام (١)! فقال لها رسول الله : أتردّين عليه ما أصدقك؟ قالت : نعم. فاستدعى رسول الله ثابتا وقال له : خذ ما أصدقتها ـ وكانت حديقتين ـ وفارقها ، فأخذهما ثابت ، وجلست في أهلها.

وفي رواية ابن ماجة : أنّها ردّت عليه ما أصدقها ، ففرّق بينهما رسول الله (٢).

ولابن كثير والقرطبي هنا شروح وتفاصيل. والأكثر كلاما وأبسطه هو ابن حجر العسقلاني في الفتح وفي الإصابة لمعرفة الصحابة ، فراجع.

والروايتان ـ على استفاضتهما ـ متداخلتان في بعض عبائرهما ، ممّا يعود إلى خلط الراوي والتباس إحدى الحادثتين بالأخرى. غير أنّ الأصل في كلّ منهما محفوظ مضبوط لا غبار عليه.

والّذي نستخلص منهما ولا سيّما الأولى : أنّه في صورة كراهة الزوجة ـ إذا كانت شديدة لا تطاق ـ فإنّها ترفع أمرها إلى وليّ الأمر (الحاكم الشرعي) وهو الّذي يتولّي شأنها ويقضي بفراقها ، وليس للزوج الامتناع : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(٣).

والمراد بقضاء الله ورسوله : أن يكون القضاء وفق شريعة السماء ، ولا يكون إلّا كذلك. وعليه فقبول الرجل كان فرضا عليه وليس له الردّ ولا المماطلة. فإن استسلم وطلّقها ، وإلّا فالحاكم الشرعي هو الّذي يتصدّى طلاقها ويقضي بالفراق.

وبذلك صحّت الرواية عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام :

[٢ / ٦٧٥٢] روى الشيخ بإسناده إلى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا يكون الخلع حتّى تقول : لا أطيع لك أمرا ولا أبرّ لك قسما ولا أقيم لك حدّا ، فخذ منّي وطلّقني. فإذا قالت ذلك فقد حلّ له أن

__________________

(١) تريد أن لا صبر لها معه ، وربما خرجت ـ إن بقيت معه ـ عن أدب الإسلام.

(٢) أبو داوود ١ : ٤٩٦ / ٢٢٢٨ ، باب ١٨ ؛ ابن ماجة ١ : ٦٦٣ ، باب المختلعة تأخذ ما أعطاها ؛ الطبري ٢ : ٦٢٦ / ٣٧٩٩ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٦ : ٤٨٤ / ١١٧٦٢ ؛ مسند أحمد ٦ : ٤٣٣ ـ ٤٣٤ ؛ النسائي ٣ : ٣٦٩ / ٥٦٥٦ ؛ البيهقي ٧ : ٣١٢ ـ ٣١٣ ؛ كنز العمّال ٦ : ١٨٤ / ١٥٢٧٧ ؛ ابن كثير ١ : ٢٨١ ؛ القرطبي ٣ : ١٤٠ ـ ١٤١ ؛ الإصابة ٤ : ٢٦١ و ٢٧٠ و ٣١٧.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٦.

٣١

يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير ، ولا يكون ذلك إلّا عند سلطان ، فإذا فعلت ذلك فهي أملك بنفسها من غير أن يسمّي طلاقا» (١).

[٢ / ٦٧٥٣] وروى بإسناده عن ابن بزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك ، أو هي امرأته ما لم يتبعها بطلاق؟ فقال عليه‌السلام : «تبين منه».

قال ابن بزيع للإمام عليه‌السلام : إنّه روي لنا أنّها لا تبين منه حتّى يتبعها بطلاق؟ قال عليه‌السلام : «ليس ذلك إذن خلع!» فقال : تبين منه؟ قال عليه‌السلام : نعم (٢).

وقد أفتى بذلك الشيخ وجماعة من كبار الفقهاء وأوجبوا على الزوج الإجابة على طلبها من غير أن يكون له الامتناع.

قال الشيخ ـ في النهاية ـ : وإنّما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها : إنّي لا أطيع لك أمرا ولا أقيم لك حدّا. فمتى سمع منها هذا القول أو علم من حالها عصيانه في شيء من ذلك وإن لم تنطق به ، وجب عليه خلعها (٣).

قال العلّامة ـ في المختلف ـ : وتبعه أبو الصلاح الحلبي والقاضي ابن البرّاج في الكامل وعليّ بن زهرة الحلّي (٤).

قال أبو الصلاح (م ٤٤٨) : فإذا قالت ذلك فلا يحلّ له إذ ذاك إمساكها (٥).

وقال ابن زهرة (م ٥٨٥) : وأمّا الخلع فيكون مع كراهة الزوجة خاصّة الرجل ، وهو مخيّر في فراقها إذا دعته إليه حتّى تقول له : لئن لم تفعل لأعصيّنّ الله بترك طاعتك ، أو يعلم منها العصيان في شيء من ذلك ، فيجب عليه والحال هذه طلاقها (٦).

فإذا كان ذلك واجبا عليه ولم يكن له الامتناع عند ذلك ، لزمه الطلاق أو يلزمه السلطان (وليّ الأمر ـ الحاكم الشرعيّ) أو يتولّى الحاكم ذلك بنفسه حسبما تقدّم في ظاهر الحديث النبويّ.

على أنّ ذلك هو لازم اشتراط أن يكون بمحضر السلطان ، حسبما اشترطه أبو عليّ ابن جنيد

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٩٨ ـ ٩٩ / ٣٣١.

(٢) المصدر / ٣٣٢.

(٣) النهاية لمجرّد الفقه والفتاوى : ٥٢٩.

(٤) المختلف ٧ : ٣٨٣.

(٥) الكافي في الفقه للحلبي : ٣٠٧.

(٦) غنية النزوع لابن زهرة ١ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥.

٣٢

الإسكافي ، استنادا إلى حديث زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام الآنف. ولقوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وهذا خطاب للحاكم (١).

فإنّ مقتضى هذا الاشتراط أن يقوم الحاكم بتنفيذ الأمر حسبما يراه من مصلحتهما ؛ إن إلزاما للزوج بالطلاق أو التولّي بنفسه.

وقد ناقش صاحب الجواهر القول بوجوب خلعها على الرجل ، بعدم الدليل على الوجوب ؛ إذ ليس في شيء من الروايات أمر بذلك ، وبعدم تماميّة كونه ردعا عن المنكر. مضافا إلى كونه منافيا لأصول المذهب! (٢)

لكن جانب الإضرار بالمرأة ـ إذا لم تطق الصبر معه ـ يرفع سلطة الرجل على الطلاق ، حتّى في هذه الصورة ، إذ «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» (٣). بمعنى : أنّه لم يشرّع في الإسلام أيّ تشريع ـ سواء أكان تكليفا أم وضعا ـ إذا كان مورده ضرريّا. وهذه القاعدة حاكمة على جميع الأحكام الأوّليّة في الشريعة المقدّسة (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٤). ولا شكّ في أنّ الحكم باختيار الرجل بشأن الطلاق ـ حتّى في صورة كون الزوجيّة أو تداومها حرجا على المرأة وضارّا بها ـ حكم ضرريّ ، فهو مرفوع. فعموم سلطة الرجل على أمر الطلاق ـ إن ثبت ولم يثبت (٥) ـ مخصّص بغير هذه الصورة.

[٢ / ٦٧٥٤] وهكذا ورد صحيحا عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام فيمن كانت عنده امرأة ولا يقوم بنفقتها ، قال : «كان حقّا على الإمام أن يفرّق بينهما» (٦).

وعمدة ما استدلّ به صاحب الجواهر على ذلك هو الإجماع (٧)! ولم يكن دليلا لفظيّا ليكون له إطلاق أو عموم. إذن فمستند العموم ضعيف الشمول.

__________________

(١) راجع : المختلف ٧ : ٣٨٨.

(٢) جواهر الكلام ٣٣ : ٣ ـ ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ١١٨ / ١٠ ، باب ١ ، من أبواب موانع الإرث ؛ مسند أحمد ١ : ٣١٣ ؛ الكافي ٥ : ٢٩٤ / ٨ ؛ البيهقي ٦ : ١٥٧ ؛ أبو داوود ٢ : ١٧٣ / ٣٦٣٦ ، باب ٣١.

(٤) الحجّ ٢٢ : ٧٨.

(٥) إذ قد عرفت ضعف المستند.

(٦) الوسائل ٢١ : ٥٠٩ / ٢ و ٦ و ١٢ ، باب ١ ، من أبواب النفقات.

(٧) جواهر الكلام ٣٢ : ٥.

٣٣

وبعد فإذ لم يكن لعموم سلطة الرجل على الطلاق دليل قاطع وشامل ، وكان أمر الخلع منوطا بالترافع لدى السلطان ، كان مقتضى ذلك هو إمكان إلزام الزوج بالطلاق إذا كانت المصلحة قاضية بذلك ، ومدعما بحديث «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام».

وهناك بعض الشواهد عليه في بعض النصوص :

[٢ / ٦٧٥٥] كما في حديث حمران عن الصادق عليه‌السلام وفي آخره : «والطلاق والتخيير من قبل الزوج ، والخلع والمباراة يكون من قبل المرأة» (١).

وهذا يعني : أنّ أمر الخلع منوط بمصلحة المرأة واختيارها ، ولا خيار للزوج فيه. مضافا إلى ما فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشأن المختلعة.

إذن فطريق خلاص المرأة ـ إذا لم تطق الصبر مع زوجها ـ منفتح ، وليست أسيرة رهن إرادة الرجل محضا.

بقي هنا شيء وهو : كلام صاحب الجواهر بالمنافاة مع أصول المذهب! ولم نتحقّقه ؛ كيف وقاعدتا «لا ضرر» و «لا حرج» هما اللّتان تشكّلان قواعد المذهب ، والعلم عند الله.

والسؤال الأخير : ما هو السبب في الفرق بين الرجل والمرأة ، حيث كان الرجل مطلق السراح بشأن طلاق زوجته ، حيث كرهها. وأمّا المرأة فبعد مراجعة الحاكم الشرعي ورهن تصميمه في مصلحة أمرها؟!

وهذا يعود إلى ما بين الرجل والمرأة من فرق في طبيعتهما ، حيث هي مرهفة الطبع ، رقيقة النفس ، ذات عاطفة جيّاشة ، تثار لأوّل مؤشّر ، وتنبري لأيّ وخزة ، وكلّ أمر إذا أنيط بجانب العاطفة السريعة التأثّر ، ربما أوجد مشاكل ومضاعفات قد لا يحمد عقباها. أمّا الرجل فبطبيعته الهادئة المتريّثة ، وهو الّذي تحمّل تكاليف هذا الازدواج ، ولا يمكن أن يتغافل عن عواقب سوء وخسائر سوف تترتّب على هذا الفراق أحيانا ، ويكون عبء ثقلها على عائقه في الأغلب ، فإنّه بذلك ولغيره من الجهات ، علّه لا يتسارع في البتّ من الأمر ، مهما بلغ به الغضب أو استشاط غيظا ، ما لم ينظر في عاقبته وما يترتّب عليه من آثار!

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٢٩٢ / ٤ ، باب ٦ ، من كتاب الخلع.

٣٤

هذا ، والقوانين الوضعيّة في الأحكام المدنيّة اليوم في البلاد الإسلامية تفرض على الرجل تريّثه المضاعف ومراجعة المحاكم الصالحة ، من غير أن يكون مطلق السراح. وتمام الكلام في مجاله من الفقه.

قوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) من صداق أو نفقة أنفقها في أثناء الحياة الزوجيّة ، أخذا في مقابل تسريح المرأة ، إذا كان الرجل هو الّذي كره الحياة معها.

أمّا إذا كان العكس وكانت المرأه هي الّتي تكرهه ولا تطيق الحياة معه ، لسبب يخصّ مشاعرها الشخصيّة وتحسّ أنّ كراهيتها له أو نفورها منه سيقودها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة أو العفّة أو الأدب ، فهنا يجوز لها أن تطلب الطلاق منه ، وأن تعوّضه ـ عن تحطيم عشّه بلا سبب متعمّد منه ـ بردّ الصداق الّذي أمهرها إيّاه ، أو ببعض ما أنفق عليها. وهذا استثناء من الحكم الأوّل :

(إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) لا الزوج في أخذه ولا الزوجة في بذلها (فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المتعسّفون الخارجون عن نهج الحقّ القويم.

[٢ / ٦٧٥٦] قال عليّ بن إبراهيم : هذه الآية نزلت في الخلع (١).

[٢ / ٦٧٥٧] وروى العيّاشي بالإسناد إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المختلعة كيف يكون خلعها؟ فقال : «لا يحلّ خلعها حتّى تقول : والله لا أبرّ لك قسما ، ولا أطيع لك أمرا ولأوطئنّ فراشك ، ولأدخلنّ عليك بغير إذنك ، فإذا هي قالت ذلك حلّ خلعها وحلّ له ما أخذ منها من مهرها وما زاد ، وهو قول الله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وإذا فعل ذلك فقد بانت منه بتطليقة ، وهي أملك بنفسها إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا ، فإن نكحته فهي عنده على ثنتين» (٢).

__________________

(١) البرهان ١ : ٤٨٩ / ١ ؛ القميّ ١ : ٧٥.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٢٤ / ٨٦٣ ؛ العيّاشي ١ : ١٣٦ / ٣٦٨ ؛ البرهان ١ : ٤٩٠ / ٦ ؛ الصافي ١ : ٤٠٢ ؛ البحار ١٠١ : ١٦٣ ـ ١٦٤ / ٥ ، باب ٣ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

٣٥

[٢ / ٦٧٥٨] وبالإسناد إلى زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : لا ينبغي لمن أعطى لله شيئا أن يرجع فيه وما لم يعط لله وفي الله فله أن يرجع فيه ، نحلة كانت أو هبة حيزت أو لم تحز ، ولا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته ولا المرأة فيما تهب لزوجها ، حيزت أو لم تحز ، أليس الله يقول : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) ، وقال : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً). (١)(٢)

[٢ / ٦٧٥٩] وأخرج ابن أبي داوود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءة عبد الله : «إلّا أن يخافوا» (٣).

[٢ / ٦٧٦٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة : (فَإِنْ خِفْتُمْ) يعني : الولاة (٤).

[٢ / ٦٧٦١] وأخرج عبد بن حميد عن الليث قال : قرأ مجاهد في البقرة : «إلّا أن يخافا» برفع الياء (٥). أي بضمّ ياء المضارعة.

__________________

(١) النساء ٤ : ٤.

(٢) البرهان ١ : ٤٩٠ / ٥ ؛ العيّاشي ١ : ١٣٦ / ٣٦٧ ؛ البحار ١٠٠ : ١٨٨ / ٣ ؛ الكافي ٧ : ٣٠ / ضمن ٣ ، بإسناده عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ التهذيب ٩ : ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٣) الدرّ ١ : ٦٧٣ ؛ الثعلبي ٢ : ١٧٥. وزاد : «واختاره أبو عبيد لقوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) قال : فجعل الخوف لغيرهما ولم يقل فإن يخافا ألّا يقيما حدود الله».

(٤) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٢١ / ٢٢٢٠.

(٥) الدرّ ١ : ٦٧٣ ؛ التبيان ٢ : ٢٤٢ ، بلفظ : «قرأ حمزة ، وأبو جعفر «إلّا أن يخافا» بضمّ الياء ، والباقون بفتحها».

٣٦

قال تعالى :

(فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠))

وهنا يمضي السياق لبيان أحكام الطلاق :

إنّ الطلقة الثالثة ـ إن وقعت على شروطها ـ فهي البائنة ، ليس للزوج أن يراجع فيها ، حتّى تنقضي عدّتها وتتزوّج بغيره. فإذا تزوّجت ودخل بها الزوج ، ثمّ طلّقها وانقضت عدّتها ، حلّ لزوجها السابق أن يتزوّجها من جديد ، ويكون خاطبا من الخطّاب.

هذا ولتكن إعادة حياتها الزوجيّة الأولى ، على شريطة الثقة منهما أنّهما عادا إلى رشدهما. إذ ليست المسألة هوى يطاع وشهوة تستجاب ، وليسا متروكين لأنفسهما وشهواتهما ونزواتهما في تجمّع وتفرّق ، إنّما هي حدود ضربها لتحديد التصرّفات الهائمة ، والّتي تفشل معها الحياة وتعود بسيّئاتها لا على الزوجين فحسب ، بل على المجتمع والأهل والقرابات ، فإن وثقوا منهما باحترام الضوابط والأخذ بحرمات الله فليقدموا على التقارن بينهما ، بعد أن قاسا مغبّات الافتراق.

نعم تلك حدود الله تقام ، وهي إطار الحياة الّذي إن أفلتت منه لم تعد الحياة الّتي كان يريدها الله ويرضى عنها. (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). فمن رحمته تعالى بالعباد أنّه لم يترك حدوده غامضة ولا مجهولة المغزى ، إنّما هو يبيّنها بوضوح وجلاء ، لقوم يعلمون ، كانت لهم قلوب واعية فيدركون الحقّ ويقفون عنده حيث لمسوه ، وإلّا فالجهل الذميم وهي الجاهليّة العمياء.

[٢ / ٦٧٦٢] روى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى أبي بصير المرادي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة الّتي لا تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجا غيره؟ قال : «هي الّتي تطلّق ثمّ تراجع ثمّ تطلّق ثمّ تراجع ثمّ تطلّق الثالثة. فهي الّتي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره. ويذوق عسيلتها» (١).

[٢ / ٦٧٦٣] وروى أبو جعفر ابن بابويه بالإسناد إلى عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال عن أبيه ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن العلّة الّتي من أجلها لا تحلّ المطلّقة للعدّة [ثلاثا] حتّى تنكح

__________________

(١) الكافي ٦ : ٧٦ / ٣ ؛ التهذيب ٨ : ٣٣ / ٩٨ ؛ الاستبصار ٣ : ٢٧٤ / ٩٧٣. الوسائل ٢٢ : ١١٨ ، باب ٤ (أقسام الطلاق).

٣٧

زوجا غيره؟ قال : عليه‌السلام «لئلّا يوقع الناس الاستخفاف بالطلاق ولا يضارّوا النساء» (١).

[٢ / ٦٧٦٤] وروى بالإسناد إلى محمّد بن سنان ، عن الرضا عليه‌السلام فيما كتب إليه في العلل : «وعلّة الطلاق ثلاثا ، لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى الثلاث ، لرغبة تحدث أو سكون غضبه ، ويكون تخويفا وتأديبا للنساء وزجرا لهنّ عن معصية أزواجهن» (٢).

[٢ / ٦٧٦٥] وروى العيّاشي بالإسناد إلى عبد الله بن فضالة ، عن العبد الصالح (الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام) قال : سألته عن الرجل طلّق امرأته ثلاث تطليقات؟ قال : «لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره» (٣).

[٢ / ٦٧٦٦] وروى أبو جعفر الطوسيّ بإسناده إلى زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث ، قال : «فإذا طلّقها ثلاثا لم تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره. فإذا تزوّجها غيره ولم يدخل بها وطلّقها أو مات عنها ، لم تحلّ لزوجها الأوّل ، حتّى يذوق الآخر عسيلتها» (٤).

[٢ / ٦٧٦٧] وهكذا روى أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «فإذا تزوّجت زوجا ودخل بها حلّت لزوجها الأوّل» (٥).

[٢ / ٦٧٦٨] وأيضا عن سماعة ، قال : «سألته عن رجل طلّق امرأته فتزوّجها رجل آخر ولم يصل إليها حتّى طلّقها ، تحلّ للأوّل؟ قال : لا ، حتّى يذوق عسيلتها» (٦).

[٢ / ٦٧٦٩] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى الحسن الصيقل ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلّق امرأته ثلاثا ... وتزوّجها رجل متعة ، أيحلّ له أن ينكحها؟ قال : لا ، حتّى تدخل في مثل ما خرجت منه» (٧) يعني النكاح الدائم.

[٢ / ٦٧٧٠] وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى الحسن الصيقل عنه عليه‌السلام قال : «لا ؛ لأنّ

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٥٠٢ / ٤٧٦٤ ؛ عيون الأخبار ٢ : ٩١ / ٢٧ ؛ علل الشرائع ٢ : ٥٠٧ / ٢ ، باب ٢٧٦ ؛ الوسائل ٢٢ : ١٢١ / ٧.

(٢) عيون الأخبار ٢ : ١٠٢ ؛ علل الشرائع ٢ : ٥٠٦ ـ ٥٠٧ / ١ ، باب ٢٧٦ ؛ الوسائل ٢٢ : ١٢١ / ٧.

(٣) العيّاشي ١ : ١٣٦ / ٣٧٠ ؛ الوسائل ٢٢ : ١٢٣ / ١٤.

(٤) التهذيب ٨ : ٣٣ / ٩٩ ؛ الاستبصار ٣ : ٢٧٤ / ٩٧٤ ؛ الكافي ٥ : ٤٢٥ / ٤ ؛ الوسائل ٢٢ : ١٢٩ / ١ ، باب ٧.

(٥) الوسائل ٢٢ : ١٢٩ / ٢ ؛ النوادر : ١١١ / ٢٧٥.

(٦) الوسائل ١٣٠ / ٣ ؛ النوادر : ١١٢ / ٢٧٦.

(٧) الكافي ٥ : ٤٢٥ / ٢ ؛ النوادر ١١٣ / ٢٨٠ ؛ الوسائل ٢٢ : ١٣١ / ١ ، باب ٩.

٣٨

الله تعالى يقول : (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما). والمتعة ليس فيها طلاق!» (١).

***

[٢ / ٦٧٧١] وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داوود والنسائي وابن جرير عن عائشة قالت : «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن رجل طلّق امرأته فتزوّجت زوجا غيره ، فدخل بها ثمّ طلّقها قبل أن يواقعها ، أتحلّ لزوجها الأوّل؟ قال : لا ، حتّى تذوق عسيلة الآخر ويذوق عسيلتها» (٢).

[٢ / ٦٧٧٢] وأخرج عبد الرزّاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير والبيهقي عن ابن عمر قال : «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الرجل يطلّق امرأته ثلاثا فيتزوّجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ، ثمّ يطلّقها قبل أن يدخل بها ، فهل تحلّ للأوّل؟ قال : لا حتّى تذوق عسيلته. وفي لفظ : حتّى يجامعها الآخر» (٣).

وهكذا روي عن أنس وأبي هريرة وابن عبّاس وغيرهم سواء ، كلّهم يرووه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

[٢ / ٦٧٧٣] وأخرج ابن أبي شيبة عن عليّ عليه‌السلام قال : «لا تحلّ له حتّى يهزّها به هزيز البكر!» (٥).

[٢ / ٦٧٧٤] وهكذا أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : «لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره ويهزّها» (٦).

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٤ / ١٠٣ ؛ الاستبصار ٣ : ٢٧٥ / ٩٧٨ ؛ الوسائل ٢٢ : ١٣١ / ٤.

(٢) الدرّ ١ : ٦٧٨ ـ ٦٧٩ ؛ المصنّف ٣ : ٣٧٨ / ٣ و ٩ ، باب ١٣٥ ؛ أبو داوود ١ : ٥١٧ ـ ٥١٨ / ٢٣٠٩ ، باب ٤٩ ؛ النسائي ٣ : ٣٥١ / ٥٦٠٠ ؛ الطبري ٢ : ٦٤٥ / ٣٨٦١ ؛ كنز العمّال ٩ : ٧٠٦ / ٢٨٠٦٤ ؛ مسند أحمد ٦ : ٤٢ ؛ الدارقطني ٤ : ٣٢ / ٨٧.

(٣) الدرّ ١ : ٦٧٩ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٦ : ٣٤٨ / ١١١٣٥ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٣ : ٣٧٨ / ٤ ، باب ١٣٥ ؛ مسند أحمد ٢ : ٢٥ ؛ النسائي ٣ : ٣٥٤ / ٥٦٠٨ ؛ ابن ماجة ١ : ٦٢٢ / ١٩٣٣ ، باب ٣٢ ؛ الطبري ٢ : ٦٤٨ / ٣٨٧٠ ؛ البيهقي ٧ : ٣٧٥ / ١٤٩٧٦.

(٤) الدرّ ١ : ٦٧٩ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٣ : ٣٧٨ ، باب ١٣٥. و ٣٩٢ ، باب ١٤٧ ؛ مسند أحمد ١ : ٢١٤. و ٣ : ٢٨٤ ؛ النسائي ٣ : ٣٥٣ / ٥٦٠٦ ؛ الطبري ٢ : ٦٤٧ ـ ٦٤٨ / ٣٨٦٩ وفيه : عن عبيد الله بن عبّاس ؛ البيهقي ٧ : ٣٧٥ ـ ٣٨٦ ؛ مجمع الزوائد ٤ : ٣٤٠ ؛ الكبير ١١ : ١٨٠ / ١١٥٦٧ ؛ كنز العمّال ٩ : ٢٥٨ / ٢٧٨٦٠.

(٥) الدرّ ١ : ٦٧٩ ؛ المصنّف ٣ : ٣٧٨ / ٥ ، باب ١٣٥.

(٦) الدرّ ١ : ٦٧٧ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٢٣ / ٢٢٣١.

٣٩

[٢ / ٦٧٧٥] وأخرج ابن أبي شيبة (١) عن ابن مسعود قال : لا ، تحلّ له حتّى يقشقشها به (٢).

[٢ / ٦٧٧٦] وأخرج عبد الرزّاق عن ابن مسعود قال : لا يحلّها لزوجها وطء سيّدها حتّى تنكح زوجا غيره (٣).

[٢ / ٦٧٧٧] وقال مقاتل بن سليمان : نزلت : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) في تميمة بنت وهب بن عتيك النقري وفي زوجها رفاعة بن عبد الرحمان بن الزبير ، وتزوّجها عبد الرحمان بن الزبير القرظي ، يقول : (فَإِنْ طَلَّقَها) الزوج الأخير عبد الرحمان (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) يعني الزوج الأوّل رفاعة ، ولا على المرأة تميمة (أَنْ يَتَراجَعا) بمهر جديد ونكاح جديد (إِنْ ظَنَّا) يعني إن حسبا (أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) أمر الله فيما أمرهما (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) يعني أمر الله في الطلاق يعني ما ذكر من أحكام الزوج والمرأة في الطلاق وفي المراجعة. (يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٤).

[٢ / ٦٧٧٨] وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيّان قال : نزلت هذه الآية في عائشة بنت عبد الرحمان بن عتيك النضري ، كانت عند رفاعة بن وهب بن عتيك وهو ابن عمّها فطلّقها طلاقا بائنا ، فتزوّجت بعده عبد الرحمان بن الزبير القرظي فطلّقها ، فأتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : إنّه طلّقني قبل أن يمسّني أفأرجع إلى الأوّل؟ قال : لا حتّى يمسّ. فلبثت ما شاء الله ، ثمّ أتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت له : إنّه قد مسّني. فقال : كذبت بقولك الأوّل فلم أصدّقك في الآخر. فلبثت حتّى قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتت أبا بكر فقالت : أرجع إلى الأوّل فإنّ الآخر قد مسّني؟ فقال أبو بكر : عهدت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لك : لا ترجعي إليه. فلمّا مات أبو بكر أتت عمر ، فقال لها : لئن أتيتني بعد هذه المرّة لأرجمنّك فمنعها ، وكان نزل فيها : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً) فيجامعها ، فإن طلّقها بعد ما جامعها فلا جناح عليهما أن يتراجعا (٥).

__________________

(١) المصنّف ٣ : ٣٧٨ / ٨ ، باب ١٣٥ ؛ الدرّ ١ : ٦٧٩.

(٢) قشقشه : أزاح علّته. وفي نسخة : حتّى يستقفشها ؛ هو من القفش : النكاح في سعة بال ووفرة حال. يقال : أرفش فلان ، إذا وقع في الأهيغين أي الرفش والقفش ، وهما : الأكل في نعمة ، والنكاح في سعة ووفرة. (القاموس ٢ : ٢٧٥ ؛ تاج العروس ٤ : ٣١٤ و ٣٤٠ ؛ لسان العرب ٦ : ٣٠٥). والأهيغ : أرغد العيش. يقال : أهيغ القوم ، إذا أخصبوا.

(٣) الدرّ ١ : ٦٨١ ؛ المصنّف ٦ : ٢٧١ / ١٠٨٠٢.

(٤) تفسير مقاتل ١ : ١٩٦.

(٥) الدرّ ١ : ٦٧٧ ـ ٦٧٨ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٢٣ / ٢٢٣٣ ؛ الثعلبي ٢ : ١٧٦ ؛ البغوي ١ : ٣٠٨ / ٢٦٥ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

٤٠