التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

من فيه! فقال طالوت : والله لعسى الله أن يقتله به ، قال : فلمّا أن أصبحوا ورجعوا إلى طالوت والتقى الناس ، قال داوود : أروني جالوت ، فلمّا رآه أخذ الحجر فجعله في مقذافه فرماه فصكّ به بين عينيه فدمغه ونكس عن دابّته ...» (١).

[٢ / ٧٣٣٢] وأخرج عبد الرزّاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن وهب بن منبّه قال : لمّا برز طالوت لجالوت قال جالوت : ابرزوا لي من يقاتلني ، فإن قتلني فلكم ملكي ، وإن قتلته فلي ملككم ، فأتي بداوود إلى طالوت فألبسه سلاحا ، فكره داوود أن يقاتله بسلاح ، وقال : إنّ الله إن لم ينصرني عليه لم يغن السلاح شيئا. فخرج إليه بالمقلاع ومخلاة فيها أحجار ، ثمّ برز له جالوت ، فقال أنت تقاتلني؟! قال داوود : نعم! قال : ويلك ما خرجت إلّا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة! لأبددنّ لحمك ، ولأطعمنّه اليوم للطير والسباع! فقال له داوود : بل أنت عدوّ الله شرّ من الكلب ، فأخذ داوود حجرا فرماه بالمقلاع ، فأصابت بين عينيه حتّى نفذت في دماغه ، فصرخ جالوت وانهزم من معه واحتزّ رأسه (٢).

[٢ / ٧٣٣٣] وقال الواحدي : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ) جمع له بين الملك والنبوّة. قال ابن عبّاس : يعني بعد طالوت (٣).

[٢ / ٧٣٣٤] وقال الطبرسي : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي : وأعطاه الملك بعد قتل جالوت بسبع سنين ، عن الضحّاك (٤).

[٢ / ٧٣٣٥] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى أحمد بن أبي داوود عن عبد الله بن أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل يذكر فيه مسجد السهلة ـ يقول فيه : «ومنه سار داوود إلى جالوت» (٥).

__________________

(١) العيّاشي ١ : ١٥٤ ـ ١٥٥ / ٤٤٦ ؛ البحار ١٣ : ٤٥١ ـ ٤٥٢ / ١٦ و ١٧ باب ١٩ ؛ البرهان ١ : ٥٢٣ ـ ٥٢٤ / ١٩.

(٢) الدرّ ١ : ٧٦١ ـ ٧٦٢ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ / ٣٢٧ ؛ الطبري ٢ : ٨٤٤ ـ ٨٤٥ / ٤٤٧٧ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٧٧ ـ ٤٧٨ / ٢٥٢٦ ؛ التبيان ٢ : ٣٠٠.

(٣) الوسيط ١ : ٣٦١.

(٤) مجمع البيان ٢ : ١٥١.

(٥) نور الثقلين ١ : ٢٥٢ ؛ الكافي ٣ : ٤٩٤ / ١ ، كتاب الصلاة ، باب مسجد السهلة ؛ البحار ١١ : ٥٧ / ٥٨.

٢٢١

قوله تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ)

كان داوود ملكا نبيّا (١) ، وعلّمه الله صناعة الزرد وعدّة الحرب ، ممّا يفصّله القرآن في مواضعه في سور أخرى ممّا سيأتي الكلام عليه (٢).

[٢ / ٧٣٣٦] روى أبو إسحاق الثعلبي عن الكلبي وغيره ، قالوا : يعني صنعة الدروع ، فكان يصنعها ويبيعها ، وكان لا يأكل إلّا من عمل يده (٣).

[٢ / ٧٣٣٧] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) يعني ملكه اثنا عشر سبطا (وَالْحِكْمَةَ) يعني الزبور (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) علمّه صنعة الدروع ، وكلام الدوابّ والطير ، وتسبيح الجبال (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) يقول الله ـ سبحانه ـ : لو لا دفع الله المشركين بالمسلمين ، لغلب المشركون على الأرض ، فقتلوا المسلمين وخرّبوا المساجد والبيع والكنائس والصوامع ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) يقول : لهلكت الأرض. نظيرها : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها)(٤) يعني أهلكوها (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) في الدفع عنهم (٥).

[٢ / ٧٣٣٨] وروى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تبارك وتعالى اختار من كلّ شيء أربعة ، واختار من الأنبياء أربعة للسيف : إبراهيم وداوود وموسى وأنا» (٦).

قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)

نعم ، لقد كانت الحياة كلّها تأسن وتتعفّن لو لا دفع الناس بعضهم ببعض ، ولو لا أنّ في طبيعة الناس ـ الّتي فطرهم الله عليها ـ أن تتعارض مصالحهم واتّجاهاتهم الظاهريّة القريبة ، لتنطلق الطاقات كلّها تتزاحم وتتغالب وتتدافع ، فتنفض عنها الكسل والخمول ، وتستجيش ما فيها من

__________________

(١) كما قال في آية أخرى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (النساء ٤ : ٦٣).

(٢) عند الآية ٨ من سورة الأنبياء : ٢١.

(٣) الثعلبي ٢ : ٢٢٣ ؛ البغوي ١ : ٣٤١ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٣٨٢.

(٤) النمل ٢٧ : ٣٤.

(٥) تفسير مقاتل ١ : ٢١١.

(٦) نور الثقلين ١ : ٢٥٢ ؛ الخصال : ٢٢٥ / ٥٨ ، باب الأربعة ؛ البحار ٩٦ : ٣٨٣ / ٣ ، باب ٣ ؛ كنز الدقائق.

٢٢٢

مكنونات مذخورة ، وتظلّ أبدا يقظة عاملة ، مستنبطة لذخائر الأرض ، مستخدمة قواها وأسرارها الدفينة ، وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء ..

[٢ / ٧٣٣٩] أخرج أبو إسحاق الثعلبي عن ابن عبّاس ومجاهد : لو لا دفع الله بجنود المسلمين وسراياهم ومرابطيهم ، لغلب المشركون على الأرض ، فقتلوا المؤمنين وخرّبوا البلاد والمساجد (١).

[٢ / ٧٣٤٠] قال أبو علي الطبرسي : في الآية ثلاثة أقوال : أحدها : لو لا دفع الله بجنود المسلمين الكفّار ومعرّتهم ، لغلبوا وخرّبوا البلاد. كما روي عن ابن عبّاس ومجاهد.

الثاني : يدفع الله بالبرّ عن الفاجر الهلاك ، أي يدفع الله ببركة وجود البررة بين أظهر الناس ، الشرور والهلاك عن الفجرة ، فينعم الناس جميعا بفيوضه تعالى المفاضة على الأبرار ، «لأجل عين ، ألف عين تكرم» وسنبحث عنه.

الثالث : ما يزع الله الناس بسطوة سلطان عادل في الرعيّة ، ما لا يزعه إنذار القرآن ، حيث غوغاء الناس أخوف من سوط السلطان من قرع الوعيد بالانذار! قاله الحسن والبلخي (٢).

[٢ / ٧٣٤١] وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمان بن زيد بن أسلم ، في قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) ـ قال : لو لا القتال والجهاد (٣).

أي لو لا القيام في وجه الظالم ، ولو لا الجهاد لغرض بسط العدل في الأرض ، لعمّ الفساد أرجاء العالم ، ولكنّ الله يمنّ على عباده ويكون جنده هم الغالبين ، والعاقبة للمتّقين (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).

[٢ / ٧٣٤٢] وعن ربيعة بن يزيد ، قال : لو لا ما يدفع الله بأهل الحضر ـ وفيهم اللين والمرونة ـ عن أهل البدو ـ وفيهم الجفاء والخشونة ـ لأتاهم العذاب قبلا (٤).

__________________

(١) الثعلبي ٢ : ٢٢٤ ؛ البغوي ١ : ٣٤١ ؛ الوسيط ١ : ٣٦١ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٨٥ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٥٢ ؛ القرطبي ٣ : ٢٦٠.

(٢) نقلناه بشرح وتوضيح. مجمع البيان ٢ : ١٥٢. وأصله في التبيان ٢ : ٣٠١.

(٣) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨١ / ٢٥٤٠.

(٤) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨١ / ٢٥٣٩.

٢٢٣

لأجل عين ألف عين تكرم

هناك تأويل لطيف ، وردت به الروايات عن أكثر السلف ، واحتفل بها المفسّرون ؛ قالوا : لا يزال بين أظهر الناس أناس طيّبون ، ينعم بوجودهم سائر الخلائق ، وفقا للمثل القائل : «لأجل عين ، ألف عين تكرم»!

قال أبو عبد الله القرطبي : وحكى مكّي أنّ أكثر المفسّرين على أنّ المعنى ـ أي المقصود الأقصى ـ : لو لا أنّ الله يدفع بمن يصلّي عمّن لا يصلّي ، وبمن يتّقي عمّن لا يتّقي ، لأهلك الناس بذنوبهم. قال : وكذا ذكر النحّاس والثعلبي أيضا (١).

قال أبو إسحاق الثعلبي ـ بعد أن ذكر حديث ابن عبّاس ومجاهد الآنف ـ : وقال سائر المفسّرين : لو لا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفّار والفجّار ، لفسدت الأرض : لهلك بمن فيها.

[٢ / ٧٣٤٣] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يدفع الله العذاب بمن يصلّي عمّن لا يصلّي ، وبمن يزكّي عمّن لا يزكّي ، وبمن يصوم عمّن لا يصوم ، وبمن يحجّ عمّن لا يحجّ ، وبمن يجاهد عمّن لا يجاهد ، ولو اجتمعوا على ترك هذه الأشياء ما ناظرهم الله طرفة عين». ثمّ تلا رسول الله هذه الآية.

[٢ / ٧٣٤٤] وروى مالك بن عبيد عن أبيه عن جدّه : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لو لا عباد لله ركّع ، وصبية رضّع ، وبهائم رتّع ، لصبّ عليكم العذاب صبّا ، ثمّ لترضّنّ رضّا» (٢).

قال الثعلبي : وأنشدني لنفسه!

لو لا عباد للإله ركّع

وصبية من اليتامى رضّع

ومهملات في الفلاة رتّع

صبّ عليكم العذاب الأوجع

[٢ / ٧٣٤٥] وروى محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله ـ سبحانه ـ ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولده ولده ، وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم» (٣).

[٢ / ٧٣٤٦] وقال قتادة : يبتلي الله المؤمن بالكافر ، ويعافي الكافر بالمؤمن (٤).

__________________

(١) القرطبي ٣ : ٢٦٠.

(٢) البيهقي ٣ : ٣٤٥ ؛ الكبير ٢٢ : ٣١٠.

(٣) الطبري ٢ : ٨٥٥ / ٤٤٩٠.

(٤) أخرجه عبد بن حميد ؛ الدرّ ١ : ٧٤٦.

٢٢٤

[٢ / ٧٣٤٧] وعن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله ليدفع بالمؤمن الصالح (١) عن مائة من أهل بيت من جيرانه البلاء». ثمّ قرأ ابن عمر : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)(٢).

[٢ / ٧٣٤٨] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) الآية. يقول : ولو لا دفاع الله بالبرّ عن الفاجر [الهلاك] ، ودفعه ببقيّة أخلاف الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها (٣).

[٢ / ٧٣٤٩] وهكذا روى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : «إنّ الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء».

[٢ / ٧٣٥٠] وأيضا عنه عليه‌السلام قال : «لا يصيب قرية عذاب وفيها سبعة من المؤمنين» (٤).

[٢ / ٧٣٥١] وبالإسناد إلى يونس بن ظبيان عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ الله ليدفع بمن يصلّي من المؤمنين عمّن لا يصلّي منهم ، ولو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا ، وإنّ الله ليدفع بمن يزكّي عمّن لا يزكّي منهم ، ولو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا ، وإنّ الله ليدفع بمن يحجّ عمّن لا يحجّ منهم ، ولو اجتمعوا على ترك الحجّ لهلكوا ، وهو قول الله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ). فو الله ما نزلت إلّا فيكم ـ خطاب للمؤمنين ـ ولا عنى به غيركم» (٥). ورواه العيّاشي (٦). والقمّي (٧) بمثله.

[٢ / ٧٣٥٢] وبالإسناد إلى ابن عرفة عن الإمام أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «إنّ لله ـ عزوجل ـ في كلّ يوم وليلة مناديا ينادي : مهلا مهلا عباد الله ، عن معاصى الله ، فلو لا بهائم رتّع ، وصبية رضّع ،

__________________

(١) حسب رواية الطبري ٢ : ٨٥٥ / ٤٤٨٩.

(٢) الثعلبي ٢ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

(٣) الدرّ ١ : ٧٦٤ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٠ / ٢٥٣٨ ؛ الطبري ٢ : ٨٥٤ / ٤٤٨٦ وبعده ؛ البغوي ١ : ٣٤١ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٨٥ ؛ التبيان ٢ : ٣٠١ ، بلفظ : «يدفع الله بالبرّ عن الفاجر الهلاك» ؛ مجمع البيان ٢ : ١٥٢ ، بمعناه عن عليّ عليه‌السلام وقتادة وجماعة من المفسّرين.

(٤) الكافي ٢ : ٢٤٧ ، باب ما يدفع الله بالمؤمن.

(٥) الكافي ٢ : ٤٥١ / ١.

(٦) العيّاشي ١ : ١٥٥ / ٤٤٧.

(٧) القمّي ١ : ٨٣ ـ ٨٤.

٢٢٥

وشيوخ ركّع ، لصبّ عليكم العذاب صبّا ، ترضّون به رضّا» (١).

[٢ / ٧٣٥٣] وروى أبو النصر العيّاشي بالإسناد إلى إسحاق بن عمّار عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ، ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله» (٢).

[٢ / ٧٣٥٤] وأيضا عنه عليه‌السلام قال : «إنّ الله ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة» (٣).

[٢ / ٧٣٥٥] وأخرج عبد الرزّاق في المصنّف وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «لم يزل على وجه الأرض في الدهر سبعة مسلمون فصاعدا ، فلو لا ذلك هلكت الأرض ومن عليها» (٤).

[٢ / ٧٣٥٦] وأخرج ابن جرير عن أبي مسلم قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : «لو لا بقيّة من المسلمين فيكم لهلكتم» (٥).

[٢ / ٧٣٥٧] وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عبّاس في قوله : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) قال : يدفع الله بمن يصلّي عمّن لا يصلّي ، وبمن يحجّ عمّن لا يحجّ ، وبمن يزكّي عمّن لا يزكّي (٦).

[٢ / ٧٣٥٨] وأخرج الخلّال في كتاب كرامات الأولياء عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «إنّ الله ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيها» (٧).

[٢ / ٧٣٥٩] وأخرج عن إبراهيم النخعي قال : ما من قرية ولا بلدة إلّا يكون فيها من يدفع الله به عنهم (٨).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٧٦ / ٣١ ؛ البحار ٧٠ : ٣٤٤ / ٢٨.

(٢) العيّاشي ٢ : ٣٦٣ / ٦٣.

(٣) المصدر : ٣٦٢ / ٥٨.

(٤) الدرّ ١ : ٧٦٦ ؛ المصنّف ٥ : ٩٦ ـ ٩٧ / ٩٠٩٩.

(٥) الدرّ ١ : ٧٦٤ ؛ الطبري ٢ : ٨٥٥ / ٤٤٨٧ ؛ الجرح والتعديل للرازي ٣ : ٢٤٢ / ١٠٧٣ ، بلفظ : عن أبي مسلم عن عليّ عليه‌السلام أنّه رآه على المنبر يقول : «لو لا بقيّة فيكم من المؤمنين لهلكتم».

(٦) الدرّ ١ : ٧٦٤ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٠ / ٢٥٣٧ ؛ الشعب ٦ : ٩٧ / ٧٥٩٧.

(٧) الدرّ ١ : ٧٦٥.

(٨) المصدر : ٧٦٧.

٢٢٦

الرجال الأبدال

هناك رجال صالحون منتشرون في الأرض ، في كلّ صقع وفي كلّ عصر ، هم شهداء الله على خلقه وحجّته على عباده ، وأنّهم أبدال الأنبياء ، يبلّغون رسالات الله إلى الناس ، في أعمال وأقوال وسلوك مرضيّ يرتضيه كلّ مخالف ومؤالف. ومن ثمّ فإنّهم حجّة لله على الجميع ، لئلّا يكون للناس على الله حجّة بعد الرسل.

وجاء أيضا نعتهم بالأوتاد ، لأنّهم أوتاد الأرض ، ولولاهم لساخت الأرض بأهلها.

[٢ / ٧٣٦٠] كما في الحديث : «لو لا الحجّة لساخت الأرض بأهلها» (١).

[٢ / ٧٣٦١] وفي الدعاء الوارد في النصف من رجب : «اللهمّ صلّ على الأبدال والأوتاد والسّيّاح والعبّاد والمخلصين والزهّاد وأهل الجدّ والاجتهاد ، واخصص محمّدا وأهل بيته بأفضل صلواتك وأجزل كراماتك ، وبلّغ روحه وجسده منّي تحيّة وسلاما ، وزده فضلا وشرفا وكرما ، حتّى تبلّغه أعلى درجات أهل الشرف من النبيّين والمرسلين والأفاضل المقرّبين» (٢).

[٢ / ٧٣٦٢] وروي عن الخالد بن هيثم الفارسيّ ، قال : قلت للإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أنّ الناس يزعمون أنّ في الأرض أبدالا ، فمن هؤلاء الأبدال؟ قال : «صدقوا ، الأبدال هم الأوصياء ، جعلهم الله ـ عزوجل ـ في الأرض بدل الأنبياء ، إذ رفع الأنبياء وختمهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٣).

ولأهل التصوّف والعرفان جولات وهوسات حول محور الأبدال ، زعموهم أقطاب الأرض ، لا يزيد عددهم ولا ينقص ، فإن مات أحدهم أبدل الله مكانه من يقوم مقامه. ولابن عربي هنا كلام عريض وفي تشتّت ظاهر ، فتارة حصر عددهم في سبعة ، وأخرى في اثني عشر ، وثالثة في أربعين (٤).

__________________

(١) فيما رواه الصدوق عن الرضا عليه‌السلام في العيون ١ : ٢٤٦ / ١ ؛ العلل ١ : ١٩٨ / ١٧ ؛ البحار ٢٣ : ٢٩ / ٤٣. وراجع : الكافي ١ : ١٦٨ ـ ١٧٤ ، كتاب الحجّة ، باب الاضطرار إلى الحجّة.

(٢) مفاتيح الجنان : ١٤٥. عن مصباح المتهجّد للشيخ أبي جعفر الطوسي : ٨٠٩.

(٣) البحار ٢٧ : ٢٨. عن كتاب الاحتجاج المنسوب إلى الطبرسيّ ٢ : ٢٣١.

(٤) راجع : الفتوحات ٢ : ٥ ـ ١٦.

٢٢٧

وكذا غيره من أقطاب الصوفيّة ، لهم كلام متفتّت وفي إسهاب. وأثبتوا لهم كرامات وخوارق عادات ، قد لا تخلو من ظرافة وتسلية!!

وبعد ، فإليك ما ورد عن السلف بهذا الشأن :

[٢ / ٧٣٦٣] أخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يزال أربعون رجلا من أمّتي قلوبهم على قلب إبراهيم عليه‌السلام يدفع الله بهم عن أهل الأرض ، يقال لهم الأبدال ، إنّهم لن يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة. قالوا : يا رسول الله فبم أدركوها؟! قال : بالسخاء والنصيحة للمسلمين» (١).

[٢ / ٧٣٦٤] وأخرج أبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لله ـ عزوجل ـ في الخلق ثلاثمائة ، قلوبهم على قلب آدم عليه‌السلام ، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه‌السلام ، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه‌السلام ، ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه‌السلام ، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه‌السلام ، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه‌السلام ، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة ، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة ، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة ، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين ، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة ، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامّة ، فبهم يحيي ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء. قيل لعبد الله بن مسعود : كيف بهم يحيي ويميت؟ قال : لأنّهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون ، ويدعون على الجبابرة فيقصمون ، ويستسقون فيسقون ، ويسألون فينبت لهم الأرض ، ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء» (٢).

[٢ / ٧٣٦٥] وأخرج الخلّال عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يزال أربعون رجلا يحفظ الله بهم الأرض ، كلّما مات رجل أبدل الله مكانه آخر ، وهم في الأرض كلّها» (٣).

[٢ / ٧٣٦٦] وأخرج ابن حبّان في تاريخه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لن تخلو الأرض

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٦٥ ؛ الكبير ١٠ : ١٨١ / ١٠٣٩٠ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٩٠ / ٣٤٦١٢.

(٢) الدرّ ١ : ٧٦٥ ـ ٧٦٦ ؛ الحلية ١ : ٨ ـ ٩ ؛ ابن عساكر ١ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٩٤ / ٣٤٦٢٩ ، إلى قوله : «ويدفع البلاء».

(٣) الدرّ ١ : ٧٦٥ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٩١ / ٣٤٦١٤.

٢٢٨

من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الله ، بهم تغاثون ، وبهم ترزقون ، وبهم تمطرون» (١).

[٢ / ٧٣٦٧] وأخرج عبد الرزّاق عن أبي قلابة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يزال في أمّتي سبعة لا يدعون الله بشيء إلّا استجيب لهم ، بهم تنصرون وبهم تمطرون». وحسبت أنّه قال : «وبه يدفع عنكم» (٢). وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب الجهاد (٣).

[٢ / ٧٣٦٨] وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأبدال في أمّتي ثلاثون ، بهم تقوم الأرض ، وبهم تمطرون ، وبهم تنصرون» (٤).

[٢ / ٧٣٦٩] وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لن تخلو الأرض من أربعين رجلا مثل خليل الرحمان ، فبهم تسقون وبهم تنصرون ، ما مات منهم أحد إلّا أبدل الله مكانه آخر» (٥).

[٢ / ٧٣٧٠] وأخرج أحمد في الزهد والخلّال في كرامات الأولياء بسند صحيح عن ابن عبّاس قال : ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض (٦).

[٢ / ٧٣٧١] وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال : إنّ الأنبياء كانوا أوتاد الأرض ، فلمّا انقطعت النبوّة أبدل الله مكانهم قوما من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال لهم الأبدال ، لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ، ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النيّة وسلامة القلوب لجميع المسلمين ، والنصيحة لهم ابتغاء مرضاة الله ، بصبر وحلم ولبّ وتواضع في غير مذلّة ، فهم خلفاء الأنبياء ، قوم اصطفاهم الله لنفسه واستخلصهم بعلمه لنفسه ، وهم أربعون صدّيقا ، منهم ثلاثون رجلا على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمان ، يدفع الله بهم المكاره عن أهل الأرض والبلايا عن الناس ، وبهم يمطرون ويرزقون ، لا يموت الرجل منهم حتّى يكون الله قد أنشأ من يخلفه (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٦٦ ؛ المجروحين لابن حبّان ٢ : ٦١ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٨٧ / ٣٤٦٠٢.

(٢) المصنّف ١١ : ٢٥٠ / ٢٠٤٥٧ ؛ ابن كثير ١ : ٣١٠.

(٣) الجهاد : ١٧٢ / ١٩٥.

(٤) الدرّ ١ : ٧٦٥ ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ٦٣ ، باب : ما جاء في الأبدال ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٨٦ / ٣٤٥٩٣.

(٥) الدرّ ١ : ٧٦٥ ؛ الأوسط ٤ : ٢٤٧ / ٤١٠١ ، مجمع الزوائد ١٠ : ٦٣ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٨٨ / ٣٤٦٠٣.

(٦) الدرّ ١ : ٧٦٥.

(٧) نوادر الأصول ١ : ٢٦٢ ؛ القرطبي ٣ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

٢٢٩

[٢ / ٧٣٧٢] وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء عن أبي الزناد قال : لمّا ذهبت النبوّة وكانوا أوتاد الأرض ، أخلف الله مكانهم أربعين رجلا من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال لهم : الأبدال ، لا يموت الرجل منهم حتّى ينشئ الله مكانه آخر يخلفه ، وهم أوتاد الأرض ، قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم ، لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام ، ولكن بصدق الورع وحسن النيّة وسلامة القلوب والنصيحة لجميع المسلمين (١).

[٢ / ٧٣٧٣] وأخرج ابن عساكر عن قتادة قال : لن تخلو الأرض من أربعين ، بهم يغاث الناس ، وبهم ينصرون ، وبهم يرزقون ، كلّما مات منهم أحد أبدل الله مكانه رجلا. قال قتادة : والله ، إنّي لأرجو أن يكون الحسن منهم (٢).

[٢ / ٧٣٧٤] وأخرج الجندي في فضائل مكّة عن مجاهد قال : لم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعدا ، ولو لا ذلك هلكت الأرض ومن عليها (٣).

[٢ / ٧٣٧٥] وأخرج الأزرقي في تاريخ مكّة عن زهير بن محمّد قال : لم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا ، ولو لا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها (٤).

[٢ / ٧٣٧٦] وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال : لم تبق الأرض إلّا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ، ويخرج بركتها ، إلّا زمن إبراهيم فإنّه كان وحده (٥).

[٢ / ٧٣٧٧] وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال : لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع الله بهم العذاب (٦).

[٢ / ٧٣٧٨] وأخرج الخلّال في كرامات الأولياء عن زاذان قال : ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعدا يدفع الله بهم عن أهل الأرض (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٦٧ ؛ ابن عساكر ١ : ٣٠٤ ، وفيه : ولا بكثرة الصيام ولا بحسن التخشّع ولا بحسن الحلية ولكن بصدق الورع ؛ القرطبي ٣ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ ؛ بمعناه عن أبي الدرداء.

(٢) الدرّ ١ : ٧٦٦ ؛ ابن عساكر ١ : ٢٩٨.

(٣) الدرّ ١ : ٧٦٦.

(٤) المصدر : ٧٦٧.

(٥) الدرّ ١ : ٧٦٦ ، و ٥ : ١٧٦ ؛ الطبري ٨ : ٢٤٩ / ١٦٥٨٨ ، سورة النحل ، الآية ١٢٠.

(٦) الدرّ ١ : ٧٦٦.

(٧) المصدر.

٢٣٠

[٢ / ٧٣٧٩] وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي عنبة الخولّاني ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته» (١).

يحمل هذا العلم في كلّ قرن عدول

قد استفاضت الروايات أولئك العلماء النبهاء في كلّ دور وكور ، يقومون بحماية هذا الدين وحراسته عن طروّ الحدثان ، ويدفعون عنه شبهات أهل الزيغ والانحراف ، وهم المعبّر عنهم بمجدّدي القرون.

[٢ / ٧٣٨٠] روى أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي بالإسناد إلى إسماعيل بن جابر عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحمل هذا الدين في كلّ قرن عدول ؛ ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين ...» (٢).

[٢ / ٧٣٨١] وقال الصادق عليه‌السلام : «طوبى للّذين هم كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (٣).

[٢ / ٧٣٨٢] وروى أبو جعفر محمّد بن الحسن الصفّار بإسناده إلى أبي البختري عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهما ولا دينارا ، وإنّما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ شيئا منها فقد أخذ حظّا وافرا ، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه ، فإنّ فينا ـ أهل البيت ـ في كلّ خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (٤).

[٢ / ٧٣٨٣] وذكر ابن حجر الهيثمي نقلا عن محبّ الدين الطبري حديثا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٦٨ ؛ ابن ماجة ١ : ٥ / ٨ ؛ نوادر الأصول ١ : ٣٨١ ؛ مسند أحمد ٤ : ٢٠٠ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٩٣ / ٣٤٦٢٥ ، وفيه : «ليستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة».

(٢) رجال الكشّي (ط : نجف) : ١٠ ؛ البحار ٢ : ٩٢ ـ ٩٣ / ٢٢.

(٣) تفسير الإمام : ٤٧ / ٢١ ؛ البحار ٨٩ : ٢٥٤.

(٤) بصائر الدرجات : ٣٠ ـ ٣١ / ١ ؛ البحار ٢ : ٩٢ / ٢١.

٢٣١

«في كلّ خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (١).

قال ابن حجر : وأشهر منه الحديث المشهور : «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (٢).

[٢ / ٧٣٨٤] وروى العيّاشي بالإسناد إلى جابر الجعفي عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام سأله عن تفسير هذه الآية : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٣). قال : «تفسيرها بالباطن : أنّ لكلّ قرن من هذه الأمّة رسولا من آل محمّد ، يخرج إلى القرن الّذي هو إليهم رسول ، وهم الأولياء وهم الرسل ، قال : وأمّا قوله : (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) فمعناه : أنّ الرسل يقضون بالقسط وهم لا يظلمون ، كما قال : الله ...» (٤).

قوله : «تفسيرها بالباطن» لأنّ ظاهر الآية إخبار عن أحداث الساعة. فهذا المعنى مستفاد من فحوى الآية ، أنّ لكلّ أمّة رسولا ، والناس في كلّ قرن أمّة ، فلابدّ لهم من رسول يبلّغ عن الله ـ وإن لم يكن صاحب وحي رسالي ـ ومن ثمّ فهم الأولياء ، العباد المخلصون ، وهم الّذين يبلّغون رسالات الله إلى الملأ من الناس في كلّ دور وكور.

[٢ / ٧٣٨٥] وروى بالإسناد إلى حنّان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول ـ في قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(٥) ـ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا المنذر وعليّ الهادي ، وكلّ إمام هاد للقرن الّذي هو فيه» (٦).

[٢ / ٧٣٨٦] وعن بريد بن معاوية عنه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا المنذر وفي كلّ زمان إمام منّا يهديهم إلى ما جاء به نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والهداة من بعده عليّ والأوصياء من بعده واحد بعد واحد» (٧).

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٤١ ، باب أنّ أهل البيت أمان لأهل الأرض.

(٢) حسبما مرّ في كلام الإمام الصادق ، نقلا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (تفسير الإمام : ٤٧ / ٢١).

(٣) يونس ١٠ : ٤٧.

(٤) العيّاشي ٢ : ١٢٣ / ٢٣ ؛ البحار ٢٤ : ٣٠٦ / ٦.

(٥) الرعد ١٣ : ٧.

(٦) العيّاشي ٢ : ٢٠٤ / ٧ ؛ البحار ٣٥ : ٤٠٤ / ٢٢.

(٧) العيّاشي ٢ : ٢٠٤ / ٨ ؛ البحار ٣٥ : ٤٠٤ / ٢٣.

٢٣٢

[٢ / ٧٣٨٧] وأخرج النحّاس عن سفيان بن عيينة قال : بلغني : أنّه يخرج في كلّ مئة سنة بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل من العلماء يقوّي الله ـ عزوجل ـ به الدين (١).

[٢ / ٧٣٨٨] وأخرج البيهقي في المدخل والخطيب من طريق أبي بكر المروزي قال : قال أحمد بن حنبل : في الخبر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله يقيّض في رأس كلّ مئة سنة من يعلّم الناس السنن ، وينفي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكذب» (٢).

[٢ / ٧٣٨٩] وأخرج أبو داوود والحاكم وصحّحه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مئة سنة من يجدّد لها دينها» (٣).

[٢ / ٧٣٩٠] وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجة عن ثوبان أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم من خذلهم ، حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك» (٤).

[٢ / ٧٣٩١] وأخرج مسلم عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا تزال عصابة من أمّتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوّهم ، لا يضرّهم من خالفهم حتّى تأتيهم الساعة وهم على ذلك» (٥).

[٢ / ٧٣٩٢] وأخرج أبو داوود والحاكم وصحّحه عن عمران بن حصين أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٦٨.

(٢) الدرّ ١ : ٧٦٨ ؛ تاريخ بغداد ٢ : ٦٠ ، ترجمة محمّد بن إدريس الشافعي عن أبي سعيد الفريابي.

(٣) الدرّ ١ : ٧٦٨ ؛ أبو داوود ٢ : ٣١١ / ٤٢٩١ ، باب ٩ ؛ الحاكم ٤ : ٥٢٢ ، كتاب الفتن والملاحم ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٩٣ / ٣٤٦٢٣

(٤) الدرّ ١ : ٧٦٧ ؛ مسلم ٦ : ٥٢ ـ ٥٣ ، وفيه : «وهم كذلك» بدل «وهم على ذلك» ؛ الترمذي ٣ : ٣٤٢ / ٢٣٣٠ ، باب ٤٣ ، وفيه : «لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من خذلهم حتّى يأتي أمر الله». وقال : هذا حديث صحيح ؛ ابن ماجة ١ : ٤ ـ ٥ / ٦ ، باب ١ ، بلفظ : «لا تزال طائفة من أمّتي منصورين لا يضرّهم من خذلهم حتّى تقوم الساعة» ؛ الحاكم ٤ : ٤٤٩ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٦٥ / ٣٤٥٠١.

(٥) الدرّ ١ : ٧٦٨ ؛ مسلم ٦ : ٥٤ ، كتاب الإمارة ، باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين ... ؛ الحاكم ٤ : ٤٥٦ ، كتاب الفتن والملاحم ، وصحّحه ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٦٥ / ٣٤٥٠٢.

٢٣٣

تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين على من ناوأهم حتّى يقاتل آخرهم المسيح الدجّال» (١).

[٢ / ٧٣٩٣] وأخرج مسلم والحاكم وصحّحه عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتّى تقوم الساعة» (٢).

[٢ / ٧٣٩٤] وأخرج الترمذي وصحّحه وابن ماجة عن معاوية بن قرّة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تزال طائفة من أمّتي منصورين لا يضرّهم من خذلهم حتّى تقوم الساعة» (٣).

[٢ / ٧٣٩٥] وأخرج الحاكم وصحّحه عن عمر بن الخطّاب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ حتّى تقوم الساعة» (٤).

[٢ / ٧٣٩٦] وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا تزال طائفة من أمّتي قوّامة على أمر الله ـ عزوجل ـ لا يضرّها من خالفها» (٥).

قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ)

هذه إحدى الآيات المستدلّ بها على عموم الرسالة.

[٢ / ٧٣٩٧] أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ، قال : «أرسل الله محمّد إلى العرب والعجم ، فأكرمهم على الله أطوعهم لله» (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٦٧ ـ ٧٦٨ ؛ أبو داوود ١ : ٥٥٦ ـ ٥٥٧ / ٢٤٨٤ ، باب ٤ ؛ الحاكم ٢ : ٧١ ؛ كتاب الجهاد ؛ مسند أحمد ٤ : ٤٣٧.

(٢) الدرّ ١ : ٧٦٧ ؛ مسلم ٦ : ٥٣ ؛ الحاكم ٤ : ٤٤٩ ، كتاب الفتن والملاحم ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٦٤ / ٣٤٤٩٥ ؛ مسند أحمد ٥ : ٩٢.

(٣) الدرّ ١ : ٧٦٨ ؛ الترمذي ٣ : ٣٢٨ / ٢٢٨٧ ، باب ٢٥ ؛ ابن ماجة ١ : ٤ ـ ٥ / ٦ ، باب ١.

(٤) الدرّ ١ : ٧٦٧ ؛ الحاكم ٤ : ٤٤٩ ، كتاب الفتن والملاحم.

(٥) الدرّ ١ : ٧٦٧ ؛ ابن ماجة ١ : ٥ / ٧ ، باب ١ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٦٤ / ٣٤٤٩٧.

(٦) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٢ / ٢٥٤٩.

٢٣٤

تفضيل الرسل

قال تعالى :

(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣))

وإذ تمّ الكلام عن أنبياء جوبهوا من أممهم بأنواع المكاره والشدائد ، تحمّلوها بفارغ الصبر والأناة ، وكانت النتائج الحاصلة ـ في عظمها وفخامتها ـ متناسبة مع الجهود الّتي بذلوها في سبيل تبليغ الرسالة ومدى تأثيرها في الحياة العامّة في يومهم وكذا من بعدهم على مرّ الزمان ، وبذلك فضّلوا وكانوا على درجات.

فقوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ ...) فذلكة لما سبق من ذكر الأنبياء والأحداث الّتي انتابتهم في الكفاح ضدّ الفساد في الأرض والتغلّب على كلّ المشاكل في نهاية المطاف. (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)(١).

والتعبير بتلك الرسل ، إشارة من بعد ، لرفعة مكانهم السامي ، والّذي اختصّوا به من سائر الناس ، وما هي إلّا لأجل حملهم لرسالة الله ، رسالة من ملأ أعلى. لصفات وسمات في ذوات أنفسهم ، هي الّتي أهّلتهم لهذا المنح ولهذه العناية الخاصّة من قبل الله العزيز الحكيم ، و (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٢).

فيم كان التفضيل؟

أمّا تفضيل الرسل هنا ، فقد يتعلّق بالمحيط المقدّر للرسول ، والّذي تشمله دعوته ونشاطه.

__________________

(١) المجادلة ٥٨ : ٢١.

(٢) الأنعام ٦ : ١٢٤.

٢٣٥

كأن يكون رسول قبيلة أو رسول أمّة أو رسول جيل أو رسول الأمم كافّة في جميع الأجيال. كذلك يتعلّق بالمزايا الّتي يوهبها لشخصه أو لأمّته. كما يتعلّق بطبيعة الرسالة ومدى شمولها لجوانب الحياة الإنسانيّة والكونيّة.

وقد ذكر النصّ هنا مثالين في موسى وعيسى عليهما‌السلام وأشار إشارة عامّة إلى من سواهم :

(مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ).

وحين يذكر تكليم الله لأحد من الرسل ينصرف الذهن إلى نبيّ الله موسى عليه‌السلام وقد خصّه الله بهذا الشرف وهو شرف الحضور والمواجهة لدى المولى تعالى ، ومن ثمّ لم يذكره باسمه. وذكر عيسى بن مريم عليه‌السلام منسوبا إلى أمّه الصدّيقة عليها‌السلام في أغلب مواضع القرآن. والحكمة في هذا واضحة ؛ فقد نزل القرآن وهناك حشد من الأساطير الشائعة حول المسيح وبنوّته لله ـ سبحانه وتعالى ـ أو عن ازدواج طبيعته من اللّاهوت والناسوت ، أو عن تفرّده بطبيعة إلهيّة ذابت فيها الطبيعة الناسوتيّة كالقطرة في الكأس! إلى آخر تلكم التصوّرات الأسطوريّة الّتي غرقت الكنائس والمجامع في الجدل حولها ، وجرت حولها الدماء أنهارا في الدولة الرومانيّة! ومن ثمّ كان هذا التوكيد الدائم على بشريّة عيسى عليه‌السلام وأنّه وليد أنثى.

أمّا روح القدس ، فالقرآن يعني به جبرئيل عليه‌السلام (١) فهو حامل الوحي إلى الرسل ، وهذا أعظم تأييد وأكبره ، وهو الّذي ينقل الإشارة الإلهيّة إلى الرسل بانتدابهم لهذا الدور الفذّ العظيم ، وهو الّذي يثبّتهم على المضيّ في الطريق الشاقّ الطويل ، وهو الّذي يتنزّل عليهم بالسكينة والتثبيت والنصر في مواقع الهول والشدّة في ثنايا الطريق.

هذا كلّه التأييد ، أمّا البيّنات الّتي آتاها الله عيسى عليه‌السلام فتشمل الإنجيل الّذي نزّله عليه ، كما تشمل الخوارق الّتي أجراها على يديه ، والّتي ورد ذكرها مفصّلة في مواضعها المناسبة من القرآن ، تصديقا لرسالته في مواجهته بني إسرائيل المعاندين!

ولم يذكر النصّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ الخطاب موجّه إليه. كما جاء في الآية السابقة في السياق :

__________________

(١) وبه وردت الروايات عن السلف. راجع : البخاري ٥ : ٢٢٢ ، كتاب التفسير ، سورة النحل ؛ عبد الرزّاق (١ : ٣٦١) عن معمر عن قتادة ؛ القمّي ١ : ٣٩ ، سورة النحل : ١٠٢ ؛ برواية أبي جارود ، تفسير الإمام : ٣٧١ / ٢٦٠ ؛ البحار ٩ : ٣٢٠ ، و ١٧ : ٢٠٦ ؛ التبيان ٢ : ٣٠٤ ، و ٤ : ٥٥ ، عن الحسن.

٢٣٦

(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. تِلْكَ الرُّسُلُ ...) فالسياق سياق إخبار له عن غيره من الرسل.

كما ولم يذكر إبراهيم الخليل ولا نوحا النجيّ ولا غيرهما من سائر الأنبياء العظام ، لأنّ الكلام ـ حين الخطاب ـ دائر مع أبناء اليهود والمسيحيّة وتشكيكاتهم في الإسلام ، والأساطير الّتي سطّروها حول أنبيائهم بالذات ، فجاء الكلام تعريضا بهم وتنويها بشأن الرسل ، تنزيها بمقامهم الرفيع عن تلكم الأساطير.

ماورد بشأن تفضيل رسول الإسلام

[٢ / ٧٣٩٨] أخرج مسلم وأحمد والترمذي وغيرهم بالإسناد إلى أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «فضّلت على الأنبياء بستّ : أو تيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأرسلت إلى الخلق كافّة ، وختم بي النبوّة» (١).

[٢ / ٧٣٩٩] وأخرج البخاري ومسلم وأحمد عن أبي هريرة أيضا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ما من نبيّ من الأنبياء إلّا وقد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنّما كان الّذي أو تيته وحيا أوحاه الله تعالى إليّ ، فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (٢).

وقال القرطبي : والقول بتفضيل بعضهم على بعض إنّما هو بما منح من الفضائل وأعطي من الوسائل.

[٢ / ٧٤٠٠] وقد أشار ابن عبّاس إلى هذا فقال : إنّ الله فضّل محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأنبياء ، وعلى أهل السماء! فقالوا : بم يا ابن عبّاس فضّله على أهل السماء؟ فقال : إنّ الله تعالى قال : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) وقال لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ). قالوا : فما فضله على الأنبياء؟ قال : قال الله تعالى :

__________________

(١) مسلم ٢ : ٦٤ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤١١ ـ ٤١٢ ؛ الترمذي ٣ : ٥٥ ـ ٥٦ / ١٥٩٤ ، باب ٥ ، قال : هذا حديث حسن صحيح ؛ الدرّ ٤ : ١١٠ ، سورة الأنفال : ٦٨ ؛ البغوي ١ : ٣٤٣ / ٢٩١ ؛ ابن كثير ٣ : ٥٠١ ، سورة الأحزاب.

(٢) البخاري ٦ : ٩٧ ، كتاب فضائل القرآن و ٨ : ١٣٨ ـ ١٣٩ ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ؛ مسلم ١ : ٩٢ ـ ٩٣ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥١ ؛ البغوي ١ : ٣٤٢ / ٢٨٩ ؛ الدرّ ١ : ٨٩ ، سورة البقرة ، الآية ٢٣.

٢٣٧

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ). وقال الله ـ عزوجل ـ لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) فأرسله إلى الجنّ والإنس. ذكره أبو محمّد الدارمي في مسنده (١).

[٢ / ٧٤٠١] وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال : «لا تخيّروا بين الأنبياء» (٢).

[٢ / ٧٤٠٢] وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) قال : بالعلم (٣).

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا)

وإذ كان أمر الرسل جميعا هو الدعوة إلى كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ، فما شأن أتباعهم والاختلاف من بعدهم ، الباعث على الاقتتال ، وهم يحسبون من أنفسهم أتباعا لطريقة أنبيائهم الموحّدة؟!

لكنّ هذا الاختلاف إنّما نجم عن ركائز نفسيّة تختلف واختلاف الأهداف والاتّجاهات ، ومن أهمّها حبّ الذات والكبرياء ونسيان الآخرة.

فهو ـ تعالى ـ قد أوضح لهم الطريق على يد أنبيائه ، وهداهم النجدين : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها). وحثّهم على اتّباع الهدى وابتعاد عن الردى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)(٤).

وهذا ليكون تحقيقا لمبدأ الاختيار ، تمهيدا لمبدأ الاختبار في التكليف ، وبذلك تتبلور الاستعدادات الكريمة وتنمو وتزدهر.

__________________

(١) القرطبي ٣ : ٢٦٣ ؛ الدارمي ١ : ٢٥ ـ ٢٦ ، باب ما أعطي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضل ؛ الحاكم ٢ : ٣٥٠ ، كتاب التفسير ، سورة إبراهيم.

(٢) مسند أحمد ٣ : ٣١ ؛ البخاري ٨ : ٤٧ ، مسلم ٧ : ١٠٢ ، كتاب الفضائل ؛ أبو داوود ٢ : ٤٠٦ / ٤٦٦٩ ، باب ١٤ ؛ الوسيط ١ : ٣٦٣ ، قال الواحدي : وفي هذا نهي عن الخوض في تفضيل بعض الأنبياء على بعض ، فنستفيد من الآية معرفة أنّهم متفاوتون في الفضيلة ، وننتهي الكلام في ذلك لنهيه! ؛ القرطبي ٣ : ٢٦١.

(٣) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٨٣ / ٢٥٥٢.

(٤) الشمس ٩١ : ٧ ـ ١٠.

٢٣٨

أمّا القسر والإجبار ، فهو ينافي الاختيار في التكليف. ولم ينتج بروز الاستعدادات الكامنة في بني الإنسان. وقد خلق ليكون خليفة الله في الأرض ، في إبداعاته وإبراز استعداداته.

إذن فهذا الاختلاف من بعد الرسل ، ناجم عن هوى متّبع ورأي مبتدع ، وزيغ في القلوب.

(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ) فكان من المفلحين. (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) وإن كان قد أظهر الإيمان بلسانه ، ولكنّه أبطن الكفر والنفاق ، فكان من الخائبين.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ) بمشيئته القسريّة القاهرة (مَا اقْتَتَلُوا) وما اختلفوا ، لكن لا عن اختيارهم ، وهم مجبورون عليه.

(وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) : يفعل وفق حكمته في الخلق والتدبير ، ومن ثمّ جعل من بني الإنسان مختارين في السلوك ، إن هدى أو ضلال ، من غير إكراه أو إجبار ، الأمر الّذي تقتضيه حكمة الاختيار في التكليف.

***

[٢ / ٧٤٠٣] قال الطبرسي في الآية : معناه : ولو شاء الله لم يقتتل الّذين من بعد الأنبياء ، بأن يلجئهم إلى الإيمان ، ويمنعهم عن الكفر ، إلّا أنّه لم يلجئهم إلى ذلك ، لأنّ التكليف لا يحسن مع الضرورة والإلجاء ، والجزاء لا يحسن إلّا مع التخلية والاختيار ، عن الحسن (١).

[٢ / ٧٤٠٤] وروى العيّاشي بالإسناد إلى الأصبغ بن نباتة قال : كنت واقفا مع أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمل فجاء رجل حتّى وقف بين يديه فقال : يا أمير المؤمنين كبّر القوم وكبّرنا وهلّل القوم وهلّلنا وصلّى القوم وصلّينا ، فعلى ما نقاتلهم؟! فقال : «على هذه الآية : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) فنحن الّذين آمنّا وهم الّذين كفروا» فقال الرجل : كفر القوم وربّ الكعبة ، ثمّ حمل فقاتل حتّى قتل رحمه‌الله (٢).

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ١٥٤ ؛ التبيان ٢ : ٣٠٤ ، بلفظ : وقوله : وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا إخبار عن قدرته على إلجائهم على الامتناع من الاقتتال ، أو بأن يمنعهم من ذلك. هذا قول الحسن وغيره.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٥٤ ؛ العيّاشي ١ : ١٥٥ ـ ١٥٦ / ٤٤٩ ؛ البحار ٢٩ : ٤٥١ / ٤٠ ، و ٣٢ : ٢٠٢ / ١٥٥ ؛ البرهان ١ : ٥٢٨ / ٤ ؛ الصافي ١ : ٤٤٠ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٩٤ ؛ الاحتجاج ١ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩.

٢٣٩

[٢ / ٧٤٠٥] وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء رجل إلى عليّ عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، هؤلاء القوم الّذين نقاتلهم ، الدعوة واحدة والرسول واحد والصلاة واحدة والحجّ واحد ، فبم نسمّيهم؟ قال : «سمّهم بما سمّاهم الله في كتابه»! فقال : ما كلّ ما في كتاب الله أعلمه! قال : «أما سمعت الله يقول في كتابه : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)؟ فلمّا وقع الاختلاف كنّا نحن أولى بالله بدينه وبالنبيّ وبالكتاب وبالحقّ ، فنحن الّذين آمنوا وهم الّذين كفروا ، وشاء الله منّا قتالهم فقاتلناهم بمشيئته وإرادته» (١).

[٢ / ٧٤٠٦] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) وهو موسى ومنهم من اتّخذه خليلا وهو إبراهيم ، ومنهم من أعطي الزبور وتسبيح الجبال والطير وهو داوود ومنهم من سخّرت له الريح والشياطين وعلّم منطق الطير وهو سليمان ، ومنهم من كان يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص ويخلق من الطين طيرا وهو عيسى ، فهذه الدرجات يعني الفضائل. قال تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) على بعض (وَآتَيْنا) يقول : وأعطينا (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) يعني ما كان يصنع من العجائب وما كان يحيي من الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين ثمّ قال : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) يقول ـ سبحانه ـ : وقوّيناه بجبريل ثمّ قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يعني من بعد عيسى وموسى وبينهما ألف نبيّ أوّلهم موسى وآخرهم عيسى : (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) يعني العجائب الّتي كان يصنعها الأنبياء (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) فصاروا فريقين في الدين فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ) يعني صدّق بتوحيد الله (وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) بتوحيد الله (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) يعني أراد ذلك! (٢).

__________________

(١) الأمالي للطوسي : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٣٣٧ ـ ٣٩ ، المجلس ٧ ؛ الأمالي للمفيد : ١٠١ ـ ١٠٢ / ٣ ، المجلس ١٢ ؛ البحار ٣٢ : ٣١٩ ـ ٣٢٠ / ٢٩٠ ، و ٢٩١ ، باب ٨ ؛ البرهان ١ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨ / ٢ و ٥ ؛ الصافي ١ : ٤٤٠ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٩٤ ؛ نور الثقلين ١ : ٢٥٤ ؛ القمّي ١ : ٨٤ ، وعنه البحار ٢٩ : ٤٢٦ / ١١ ، باب ١٣ ؛ مستدرك الوسائل ١١ : ٦١ ؛ مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٩.

(٢) تفسير مقاتل ١ : ٢١١ ـ ٢١٢.

٢٤٠