التفسير الأثري الجامع - ج ٦

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-07-4
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٥٩

استندوا الرؤيا الّتي ذكرت في كتاب «حز قيال» في الإصحاح ٣٧ منه :

جاء فيه عن لسانه : «كانت عليّ يد الربّ فأخرجني بروح الربّ وأنزلني في وسط البقعة ، وهي ملآنة عظاما ، وأمرّني من حولها ، وإذا هي كثيرة جدّا على وجه البقعة ، وإذا هي يابسة جدّا. فقال لي : يا ابن آدم ، أتحيا هذه العظام؟ فقلت : يا سيّد الربّ ، أنت تعلم! فقال لي : تنبّأ على هذه العظام وقل لها : أيّتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الربّ ، هكذا قال السيّد الربّ لهذه العظام ، ها أنا ذا أدخل فيكم روحا فتحيون ، وأضع عليكم عصبا وأكسيكم لحما وأبسط عليكم جلدا وأجعل فيكم روحا ، فتحيون وتعلمون أنّي أنا الربّ!

فتنبّأت كما أمرت ، وبينما أنا أتنبّأ كان صوت وإذا رعش ، فتقاربت العظام ، كلّ عظم إلى عظمه ، ونظرت وإذا بالعصب واللحم كساها وبسط الجلد عليها من فوق وليس فيها روح ، فقال لي : تنبّأ للروح ، تنبّأ يا ابن آدم وقل للروح هكذا : قال السيّد الربّ : هلمّ يا روح من الرياح الأربع ، وهبّ على هؤلاء القتلى ليحيوا ، فتنبّأت كما أمرني ، فدخل فيهم الروح فحيوا وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدّا جدّا!

ثمّ قال لي : يا ابن آدم ، هذه العظام هي كلّ بيت إسرائيل ، ها هم يقولون يبست عظامنا وهلك رجاؤنا. قد انقطعناه! لذلك تنبّأ وقل لهم : هكذا قال السيّد الربّ : ها أنا ذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي ، وآتي بكم إلى أرض إسرائيل ، فتعلمون أنّي أنا الربّ عند فتحي قبوركم وإصعادي إيّاكم من قبوركم يا شعبي ، وأجعل روحي فيكم فتحيون ، وأجعلكم في أرضكم فتعلمون أنّي أنا الربّ تكلّمت وأفعل» (١).

هذه رؤيا رآها حز قيال أيّام كانوا في أسر بابل ، وهي بشارة بنجاتهم من الأسر.

جاء في مفتتح سفر حز قيال :

كان في سنة الثلاثين في الشهر الرابع في الخامس من الشهر ، وأنا أرى بين المسبيّين عند نهر خابور (٢) أنّ السماوات انفتحت فرأيت رؤى الله ، في الخامس من الشهر ، وهي السّنة الخامسة من

__________________

(١) العهد القديم : ١٢٣٥ ـ ١٢٣٦.

(٢) خابور : نهر كبير كان على الجنوب الشرقي من مدينة بابل بالعراق ، وكان أسراء اليهود وفيهم حز قيال قد أسكنوا هناك على شاطئه. قال ياقوت : خابور اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة شماليّ العراق.

١٨١

سبي يوياكين الملك ، صار كلام الربّ إلى حز قيال الكاهن بن يوزي في أرض الكلدانيّين عند نهر خابور ، وكانت عليه هناك يد الربّ.

ثمّ يذكر الرؤى واحدة تلو أخرى حتّى يصل إلى هذه الرؤيا في الإصحاح السابع والثلاثين ، كما نقلناه.

فلعلّ هذا المثل ـ الّذي تمثّل لحز قيال في رؤياه ـ مع الموضع الّذي كانت فيه مرائي هذا الكاهن ، وهو خابور ، وهو قرب واسط ، هو الّذي حدا بعض القصّاصين إلى دعوى أنّ هؤلاء القوم من أهل بلدة يقال لها : داوردان ، إذ لعلّ داوردان كانت بجهات خابور الّذي رأى النبيّ حز قيال ما رأى.

تأويلات بشأن الحادثة

وإليك جانبا من تأويلات القوم بشأن هذا الحادث :

قال الشيخ محمّد عبده : معنى موت أولئك القوم هو أنّ العدو نكل بهم وأفنى قوّتهم وأزال استقلال أمّتهم ، حتّى صارت لا تعدّ أمّة ؛ بأن تفرّق شملها وذهبت جامعتها ، فكلّ من بقي من أفرادها خاضعين للغالبين ، ضائعين فيهم مدغمين في غمارهم ، لا وجود لهم في أنفسهم ، وإنّما وجودهم تبع لوجود غيرهم.

قال : ومعنى حياتهم من جديد هو عود الاستقلال إليهم. ذلك أنّ من رحمة الله تعالى في البلاء يصيب الناس ، أنّه يكون تأديبا لهم ومطهّرا لنفوسهم ممّا عرض لها من دنس الأخلاق الذميمة. أشعر الله أولئك القوم بسوء عاقبة الجبن والخوف والفشل والتخاذل ، بما أذاقهم من مرارتها ، فجمعوا كلمتهم ووثقوا رابطتهم ، حتّى عادت لهم وحدتهم قويّة ، فاعتزّوا وكثروا إلى أن خرجوا من ذلّ العبوديّة الّتي كانوا فيها ، إلى عزّ الاستقلال.

فهذا معنى حياة الأمم وموتها ؛ يموت قوم منهم باحتمال الظلم ، ويذلّ الآخرون حتّى كأنّهم أموات ، إذ لا تصدر عنهم أعمال الأمم الحيّة ، من حفظ سياج الوحدة وحماية البيضة ، بتكافل أفراد الأمّة ومنعتهم ، فيعتبر الباقون فينهضون إلى تدارك ما فات ، والاستعداد لما هو آت ، يتعلّمون من فعل عدوّهم بهم كيف يدفعونه عنهم. قال عليّ عليه‌السلام : «إنّ بقيّة السيف هي الباقية». أي الّتي يحيا بها

١٨٢

أولئك الميّتون ، فالموت والإحياء واقعان في مجموعهم ، على ما عهدنا من أسلوب القرآن ، إذ خاطب بني إسرائيل في زمن تنزيله بما كان من آبائهم الأوّلين بمثل قوله تعالى : (نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ)(١). وقوله : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ)(٢). وغير ذلك. وقلنا : إنّ الحكمة في هذا الخطاب تقرير معنى وحدة الأمّة وتكافلها ، وتأثير سيرة بعضها في بعض ، حتّى كأنّها شخص واحد ، وكلّ جماعة منها كعضو منه ، فإن انقطع العضو العامل لم يكن مانعا من مخاطبة الشخص بما عمله قبل قطعه ، وهذا الاستعمال معهود في سائر الكلام العربيّ ؛ يقال : هجمنا على بني فلان حتّى أفنيناهم أو أتينا عليهم ، ثمّ أجمعوا أمرهم وكرّوا علينا ـ مثلا ـ وإنّما كرّ عليهم من بقي منهم.

قال : وإطلاق الحياة على الحالة المعنويّة الشريفة في الأشخاص والأمم ، والموت في مقابلها معهود ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ)(٣). وقوله : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها)(٤).

قال : وانظر إلى دقّة التعبير في عطف الأمر بالموت ، على الخروج من الديار ، بالفاء الدالّة على اتّصال الهلاك بالفرار من العدوّ ، وإلى عطفه الإخبار بإحياءهم بثمّ الدالّة على تراخي ذلك وتأخّره.

ولأنّ الأمّة إذا شعرت بعلّة البلاء بعد وقوعه بها وذهابه باستقلالها ، فإنّه لا يتيسّر لها تدارك ما فات إلّا في زمن طويل وجهد جزيل.

قال السيّد رشيد الرضا : ما قرّره الاستاذ الإمام هو ما يعطيه النظم البليغ وتؤيّده السنن الحكيمة. وأمّا الموت الطبيعيّ فهو لا يتكرّر ، كما علم من سنّة الله (٥).

قال الاستاذ عبده ـ بعد ذاك التقرير ـ : هذا هو المتبادر ، فلا نحمل القرآن ما لا يحمل ، لنطبّقه على بعض قصص بني إسرائيل! والقرآن لم يقل : إنّ أولئك الألوف منهم ، كما قال في الآيات الآتية وغيرها.

قال : لو فرض صحّة ما قالوه من أنّهم هربوا من الطاعون ، وأنّ الفائدة في إيراد قصّتهم بيان أنّه

__________________

(١) البقرة ٢ : ٤٩.

(٢) البقرة ٢ : ٥٦.

(٣) الأنفال ٨ : ٢٤.

(٤) الأنعام ٦ : ١٢٢.

(٥) وهذا لا ينافي تكرّره بخرق العادة ، عند اقتضاء الحكمة.

١٨٣

لا مفرّ من الموت ، لما كان لنا مندوحة عن تفسير إحيائهم ، بأنّ الباقين منهم تناسلوا بعد ذلك وكثروا ، وكانت الأمّة بهم حيّة عزيزة ، ليصحّ أن تكون الآية تمهيدا لما بعدها ، مرتبطة به. والله تعالى لا يأمرنا بالقتال لأجل أن نقتل ثمّ يحيينا ، بمعنى أنّه يبعث من قتل منّا بعد موتهم في هذه الحياة الدنيا (١).

***

ولم يرتض سيّدنا العلّامة الطباطبائي هذا التأويل ، وعدّه مسربا إلى إنكار المعجزات كما سبق في كلام الفخر الرازي.

قال : وهذا الكلام كما ترى مبنيّ أوّلا على إنكار المعجزات وخوارق العادات أو بعضها ، كإحياء الموتى ، وقد مرّ إثباتها! على أنّ ظهور القرآن في إثبات خرق العادة بإحياء الموتى ونحو ذلك ممّا لا يمكن إنكاره ، ولو لم يسع لنا إثبات صحّته من طريق العقل.

وثانيا : مبنيّ على دعوى أنّ القرآن يدلّ على امتناع أكثر من حياة واحدة في الدنيا. في حين أنّ القرآن يذكر كثيرا من قصص الأنبياء وإحياء الموتى على أيديهم.

وثالثا : على أنّ الآية لو كانت مسوقة لبيان القصّة لتعرّضت لتعيين القوم وشخص النبيّ ، في حين أنّ البلاغة قد تستدعي إهمال جوانب من الكلام ، لا فائدة في التعرّض لها.

ورابعا : على أنّ الآية لو لم تحمل على التمثيل ، لم ينسجم سياق الآيات ، هذا مع العلم أنّ القرآن نزل نجوما وفي فترات ، وقد لا تكون هناك مناسبة ـ في الظاهر ـ بين آية وقريناتها.

قال : فالحقّ أنّ الآية ـ كما هو ظاهرها ـ مسوقة لبيان قصّة ، لها واقع يستشهد بها ، ولا استشهاد بتمثيل لا يعدو تخييلا في واقعه (٢).

قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً)

سبق أنّها نزلت بشأن الإنفاق في سبيل الله والجهاد لإعلاء كلمة الإسلام. فكلّ ما ينفقه الباذل في سبيل الله ، فإنّه إقراض لله ، ليعود عليه بأضعاف مضاعفة. وذلك على شريطة أنّ الباذل على حسن نيّة وعن طيب نفس ، وحينئذ فلا يخشى النفاد ، والله ـ سبحانه ـ هو الكافل لقسمة الأرزاق ،

__________________

(١) المنار ٢ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩.

(٢) الميزان ٢ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

١٨٤

إن قبضا أو بسطا ، حسبما تراه حكمته البالغة ، هذا مع العلم أنّه تعالى هو المرجع في نهاية المطاف ، فلينظر الإنسان ما قدّم لنفسه لذلك اليوم الرهيب.

[٢ / ٧٢٦٣] أخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : علم الله أنّ فيمن يقاتل في سبيله من لا يجد قوّة ، وفيمن لا يقاتل في سبيله من يجد غنى ، فندب هؤلاء فقال : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) قال : يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده ، ويقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخفّ له ، فقوّه ممّا في يدك يكن لك في ذلك حظّ (١).

[٢ / ٧٢٦٤] وقال ابن زيد في الآية : هذا في سبيل الله ، (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) قال : بالواحد سبعمائة ضعف (٢).

[٢ / ٧٢٦٥] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله ـ عزوجل ـ : «يا ابن آدم أودع من كنزك عندي ، ولا حرق ولا غرق ولا سرق ، أو فيكه أحوج ما تكون إليه» (٣).

فضل الإقراض

[٢ / ٧٢٦٦] روى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى أبي هريرة وابن عبّاس ، قالا : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل وفاته ، وهي آخر خطبة خطبها حتّى لحق بالله ـ عزوجل ـ قال فيها : «ومن أقرض ملهوفا فأحسن طلبته استأنف العمل (٤) وأعطاه بكلّ درهم ألف قنطار من الجنّة. ومن فرّج عن أخيه كربة من كرب الدنيا ، نظر الله إليه برحمته ، فنال بها الجنّة ، وفرّج الله عنه كربه في الدنيا والآخرة.

قال : ومن أقرض أخاه المسلم كان له بكلّ درهم أقرضه وزن جبل أحد وجبال رضوى وجبل

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٤٨ ؛ الطبري ٢ : ٨٠٥ ـ ٨٠٦ / ٤٣٨٥.

(٢) الطبري ٢ : ٨٠٢ / ٤٣٧٨.

(٣) الدرّ ١ : ٧٤٨ ؛ الشعب ٣ : ٢١١ / ٣٣٤٢ ، وفيه : أو تيكه ؛ كنز العمّال ٦ : ٣٥٢ / ١٦٠٢١ ، وفيه : أوفك.

(٤) أي محيت عنه السيّئات.

١٨٥

طور سيناء حسنات. فإن رفق به في طلبته بعد أجله ، جاز على الصراط كالبرق الخاطف اللّامع بغير حساب ولا عذاب» (١).

[٢ / ٧٢٦٧] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله ـ عزوجل ـ : «إنّي جعلت الدنيا بين عبادي قرضا ، فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكلّ واحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك» (٢).

[٢ / ٧٢٦٨] وهكذا روى أبو جعفر الصدوق مثله ، إلّا أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله ـ جلّ جلاله ـ : «إنّي أعطيت الدنيا بين عبادي قيضا (٣) ، فمن أقرضني منها قرضا أعطيته بكلّ واحدة عشرا إلى سبعمائة ضعف وما شئت» (٤).

[٢ / ٧٢٦٩] وروى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ألف درهم أقرضها مرّتين أحبّ إليّ من أن أتّصدق بها مرّة. وكما لا يحلّ لغريمك أن يمطلك وهو موسر ، فكذلك لا يحلّ لك أن تعسره إذا علمت أنّه معسر» (٥).

[٢ / ٧٢٧٠] وروى الكشّي بالإسناد إلى إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال سلمان ـ رضوان الله عليه ـ : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من أقرض قرضا فكأنّما تصدّق بشطره ، فإذا أقرضه الثانية كان برأس المال. وأداء الحقّ إلى صاحبه أن يأتيه في بيته أو في رحله فيقول : ها خذه» (٦).

[٢ / ٧٢٧١] وروى ابن فهد الحلّي مرفوعا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه سأل جبرائيل عن تفسير الإخلاص؟ فقال : «المخلص ، الّذي لا يسأل الناس شيئا حتّى يجد ، وإذا وجد رضي. وإذا بقي عنده شيء أعطاه الله ، فإن لم يسأل المخلوق ، فقد أقرّ لله بالعبوديّة. قال : وإذا وجد أقرض ، فهو عن الله راض ، والله تعالى عنه راض وإذا أعطاه الله فهو جدير» (٧).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٨٩ ؛ البحار ٧٣ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ / ٣٠.

(٢) الكافي ٢ : ٩٢ ـ ٩٣ / ٢١ ؛ البحار ٦٨ : ٧٨ ـ ٧٩ / ١٥.

(٣) القيض من المقايضة في البيع ، إذا أعطاه سلعة وأخذ عوضها سلعة. وهي المعاملة بتبادل السّلع. وقد يقرأ فيضا بالفاء من فاض الماء إذا كثر وسال في الوادي.

(٤) الخصال ١ : ١٣٠ / ١٣٥ ؛ البحار ٦٨ : ٨٥ / ٣٢.

(٥) ثواب الأعمال : ١٣٨ ـ ١٣٩ ؛ البحار ١٠٠ : ١٣٩ / ٨.

(٦) اختيار معرفة الرجال ١ : ٦٨ ـ ٦٩ ؛ البحار ٢٢ : ٣٨٣ / ١٩.

(٧) عدّة الداعي : ٨٥ ؛ البحار ١٠٠ : ٢٣ / ١٤.

١٨٦

[٢ / ٧٢٧٢] وروى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى هيثم الصيرفي وغيره عن الصادق عليه‌السلام قال : «القرض الواحد بثمانية عشر ، وإن مات احتسب من الزكاة» (١).

[٢ / ٧٢٧٣] وبإسناد رفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث ، قال : «ومن أقرض أخاه المسلم كان له بكلّ درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات ، وإن رفق به في طلبه تعدّى به على الصراط كالبرق الخاطف اللّامع بغير حساب ولا عذاب. ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه ، حرّم الله ـ عزوجل ـ عليه الجنّة يوم يجزي المحسنين» (٢).

[٢ / ٧٢٧٤] وروى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى محمّد بن حباب القمّاط عن شيخ كان عندهم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لئن أقرض قرضا أحبّ إليّ من أتصدّق بمثله». قال : وكان يقول : «من أقرض قرضا وضرب له أجلا فلم يؤت به عند ذلك الأجل ، كان له من الثواب في كلّ يوم يتأخّر عن ذلك الأجل بمثل صدقة دينار واحد في كلّ يوم» (٣).

[٢ / ٧٢٧٥] وروى بالإسناد إلى الفضيل ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من مسلم أقرض مسلما قرضا حسنا يريد به وجه الله ، إلّا حسب له أجرها كحساب الصدقة حتّى يرجع إليه» (٤).

[٢ / ٧٢٧٦] وبالإسناد إلى جابر عنه عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه» (٥).

[٢ / ٧٢٧٧] وروى الراوندي بإسناد رفعه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام عن آبائه عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ، وصلة الإخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربع وعشرين» (٦).

[٢ / ٧٢٧٨] وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ)(٧)؟ قال : «القرض تقرضه ، والمعروف ومتاع البيت تعيره» (٨).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ١٣٨ ؛ الوسائل ١٨ : ٣٣٠ / ٤.

(٢) عقاب الأعمال : ٢٨٩ ؛ الوسائل ١٨ : ٣٣١ / ٥.

(٣) ثواب الأعمال : ١٣٨ ؛ الوسائل ١٨ : ٣٣٠ / ١ ، باب ٦ ؛ البحار ١٠٠ : ١٣٩ / ٥.

(٤) ثواب الأعمال : ١٣٨ ؛ الوسائل ١٨ : ٣٣٠ / ٢.

(٥) ثواب الأعمال : ١٣٨ ؛ الوسائل ١٨ : ٣٣٠ / ٣.

(٦) نوادر الراوندي : ٩٥ ؛ البحار ١٠٠ : ١٤٠ / ١٤.

(٧) الماعون : ١٠٧ : ٧.

(٨) الكافي ٣ : ٤٩٩ / ٩ ؛ البحار ٩٣ : ٩٩. عن كتاب الهداية.

١٨٧

[٢ / ٧٢٧٩] وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تمانعوا قرض الخمير والخبز ، فإنّ منعهما يورثان الفقر» (١).

[٢ / ٧٢٨٠] وروى عليّ بن إبراهيم بالإسناد إلى إسحاق بن عمّار ، قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن قول الله ـ عزوجل ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)(٢)؟ قال : «نزلت في صلة الأرحام» (٣).

[٢ / ٧٢٨١] وروى العيّاشي بالإسناد إلى إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض القمّيّين عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)(٤) قال : «يعني بالمعروف ، القرض» (٥).

[٢ / ٧٢٨٢] وقال الرضا عليه‌السلام : «من أقرض مؤمنا قرضا يريد به وجه الله ـ عزوجل ـ حسب له ذلك بحساب الصدقة ، حتّى يؤدّيه إليه. ومن فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب الآخرة. ومن قضى لمؤمن حاجة كان أفضل من صيامه واعتكافه في المسجد الحرام» (٦).

[٢ / ٧٢٨٣] وروى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى أبي أيّوب الخزّاز ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لمّا أنزلت هذه الآية على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ زدني ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها). فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهمّ زدني فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الكثير من الله لا يحصى وليس له منتهى» (٧).

[٢ / ٧٢٨٤] وروى القطب الراوندي بإسناد رفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «قضى الله على نفسه ، أنّه من آمن به هداه ، ومن اتّقاه وقاه ، ومن توكّل عليه كفاه ، ومن أقرضه أنماه ، ومن وثق به أنجاه ،

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٦٩ / ٣٩٧٣.

(٢) الحديد ٥٧ : ١١.

(٣) الكافي ١ : ٥٣٧ / ٤ ؛ القمّي ٢ : ٣٥١ ؛ البحار ١٠٠ : ١٣٨ / ٣ ، باب ١.

(٤) النساء ٤ : ١١٤.

(٥) العيّاشي ١ : ٣٠١ / ٢٧٠ ؛ البحار ١٠٠ : ١٤٠ / ١٢.

(٦) البحار ٧١ : ٢٣٣ / ٢٨. من كتاب قضاء الحقوق للصوري.

(٧) معاني الأخبار : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ / ٥٤ ؛ نور الثقلين ١ : ٢٤٣ / ٩٦٥ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٧٧ ؛ الصافي ١ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨ ؛ البرهان ١ : ٥١٦ / ٢ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٣٧ ؛ البحار ٦٨ : ٢٤٦ / ١ ، باب ٧١.

١٨٨

ومن التجأ إليه آواه ، ومن دعاه أجابه ولبّاه. وتصديقها من كتاب الله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)(١)(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(٢)(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)(٣)(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ)(٤)(وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ)(٥)(وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ)(٦)(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي)(٧)» (الآية) (٨).

[٢ / ٧٢٨٥] وروى العيّاشي بالإسناد إلى عليّ بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا نزلت هذه الآية : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها)(٩) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ربّ زدني ، فأنزل الله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(١٠) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ربّ زدني ، فأنزل الله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً)(١١) والكثيرة عند الله لا تحصى» (١٢).

[٢ / ٧٢٨٦] وروى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ فقال : «لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكنّ للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقرّبان به إلى الله ـ عزوجل ـ قلت : أليس الله يقول : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(١٣) وزعمت أنّهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ مع المؤمن؟ قال : أليس قد قال الله ـ عزوجل ـ : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) فالمؤمنون هم الّذين يضاعف الله لهم حسناتهم ، لكلّ حسنة سبعون ضعفا ، فهذا فضل

__________________

(١) التغابن ٦٤ : ١١.

(٢) الطلاق ٦٥ : ٢.

(٣) الطلاق ٦٥ : ٣.

(٤) البقرة ٢ : ٢٤٥.

(٥) ال عمران ٣ : ١٠١.

(٦) الزمر ٣٩ : ٥٤.

(٧) البقرة ٢ : ١٨٦.

(٨) مجمع البيان ١٠ : ٤٥ ، عن الربيع ، مع اختلاف يسير في اللفظ. راجع : مستدرك الوسائل ١١ : ٢١٨ ، عن كتاب لبّ اللباب لقطب الدين الراوندي ، مئة وخمسون مجلسا في أخبار المواعظ والأخلاق. مخطوط.

(٩) النمل ٢٧ : ٨٩. وهي مكّيّة رقم نزولها : ٤٨.

(١٠) الأنعام ٦ : ١٦٠. وهي مكّيّة رقم نزولها : ٥٥.

(١١) البقرة ٢ : ٢٤٥. وهي مدنيّة رقم نزولها : ٨٧.

(١٢) العيّاشي ١ : ١٥١ / ٤٣٥ ؛ البرهان ١ : ٥١٦ / ٣ ؛ البحار ٦٨ : ٢٤٦.

(١٣) النمل ٢٧ : ٨٩.

١٨٩

المؤمن ويزيد الله في حسناته على قدر صحّة إيمانه أضعافا كثيرة ، ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير» (١).

[٢ / ٧٢٨٧] وروى أبو إسحاق الثعلبي بالإسناد إلى أبي هريرة وابن عبّاس قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أقرض أخاه المسلم فله بكلّ درهم وزن أحد وثبير وطور سيناء حسنات» (٢).

[٢ / ٧٢٨٨] وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ ملكا بباب من أبواب السماء يقول : من يقرض الله اليوم يجز غدا ، وملك بباب آخر ينادي : اللهمّ أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا ، وملك بباب آخر ينادي : يا أيّها الناس ، هلمّوا إلى ربّكم ، ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى ، وملك بباب آخر ينادي : يا بني آدم لدوا للموت وابنوا للخراب» (٣).

[٢ / ٧٢٨٩] وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت على باب الجنّة مكتوبا : والقرض بثمانية عشر ، والصدقة بعشر ، فقلت : يا جبريل ما بال القرض أعظم أجرا؟ قال : لأنّ صاحب القرض لا يأتيك إلّا محتاجا ، وربّما وقعت الصدقة في غير أهلها» (٤).

[٢ / ٧٢٩٠] وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبّان وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال : لمّا نزلت : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ)(٥) إلى آخرها. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّ زد أمّتي. فنزلت : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٦ ـ ٢٧ / ٥ ، نور الثقلين ١ : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ / ٩٦٧ ، و ٧٨٣ / ٣٦٤ ، (الأنعام ٦ : ١٦٠) ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ؛ البحار ٦٥ : ٢٥١ / ١٢ ، باب ٢٤.

(٢) الثعلبي ٢ : ٢٠٦ / ١٧٩ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٤٢ ، عن أبي هريرة فقط ؛ بغية الباحث : ٧٧.

(٣) الدرّ ١ : ٧٤٨ ؛ العظمة ٣ : ٩٩٥ ـ ٩٩٦ / ٥١٧ ؛ الشعب ٧ : ٣٩٦ / ١٠٧٣٠ ، وفيه : «يجد غدا» بدل قوله «يجز غدا».

(٤) الثعلبي ٢ : ٢٠٦ / ١٧٨ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٤٢ ، مع عدم ذكر الراوي ؛ نوادر الأصول ٢ : ٢٨٠ ، بلفظ : عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت على باب الجنّة مكتوبا : القرض ، بثمانية عشر ، والصدقة بعشر! فقلت : يا جبرئيل ما بال القرض بثمانية عشر والصدقة بعشر؟ قال : لأنّ صاحب القرض لا يأتيك إلّا وهو محتاج وربّما وضعت الصدقة في غنيّ».

(٥) البقرة ٢ : ٢٦١.

١٩٠

أَضْعافاً كَثِيرَةً) قال : ربّ زد أمّتي. فنزلت : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١)(٢).

[٢ / ٧٢٩١] وأخرج أحمد بالإسناد إلى عليّ بن زيد عن أبي عثمان ، قال : بلغني عن أبي هريرة أنّه قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة. قال : فقضي أنّي انطلقت حاجّا أو معتمرا ، فلقيته فقلت : بلغني عنك حديث : أنّك تقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّ الله ـ عزوجل ـ يعطي عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة؟ قال أبو هريرة : لا ، بل سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ الله ـ عزوجل ـ يعطيه ألفي ألف حسنة. ثمّ تلا : (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)(٣) فقال : إذا قال : أجرا عظيما ، فمن يقدّر قدره؟» (٤).

[٢ / ٧٢٩٢] وأخرج ابن أبي حاتم بالإسناد إلى زياد الجصّاص عن أبي عثمان النهدي ، قال : لم يكن أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة منّي ، فقدم قبلي حاجّا وقدمت بعده ، فإذا أهل البصرة يأثرون أنّه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّ الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة»! فقلت : ويحكم ، والله ما كان أحد أكثر مجالسة لأبي هريرة منّي ، فما سمعت منه هذا الحديث! قال : وتحمّلت أريد أن ألحقه ، فوجدته قد انطلق حاجّا ، فانطلقت إلى الحجّ ، أن ألقاه في هذا الحديث فلقيته بهذا. فقلت : يا أبا هريرة ، ما حديث سمعت أهل البصرة يأثرون عنك؟ قال : ما هو؟ قلت : زعموا أنّك تقول : إنّ الله يضاعف الحسنة ألف ألف حسنة! قال : يا أبا عثمان ، وما تعجب من ذا ، والله يقول : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً). ويقول : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)(٥). والّذي نفسي بيده ، لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّ الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة» (٦).

[٢ / ٧٢٩٣] وأخرج ابن المنذر عنه قال : بلغني عن أبي هريرة حديث : أنّه قال : إنّ الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة! فحججت ذلك العام ولم أكن أريد أن أحجّ إلّا لألقاه

__________________

(١) الزمر ٣٩ : ١٠.

(٢) الدرّ ١ : ٧٤٧ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٦١ / ٢٤٣٥ ؛ ابن حبّان ١٠ : ٥٠٥ / ٤٦٤٨ ؛ الشعب ٣ : ١٩٩ / ٣٣١٨ ؛ ابن كثير ١ : ٣٠٧ و ٣٢٥ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١١٢ ؛ الأوسط ٦ : ١٠ / ٥٦٤٥ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٠٥ ، رواه عن سفيان.

(٣) النساء ٤ : ٤٠.

(٤) مسند أحمد ٢ : ٥٢١ ـ ٥٢٢.

(٥) التوبة ٩ : ٣٨.

(٦) ابن أبي حاتم ٢ : ٤٦١ / ٢٤٣٤.

١٩١

في هذا الحديث ، فلقيته وقلت له ذلك ، فقال : ليس هذا قلت ، ولم يحفظ الّذي حدّثك ، إنّما قلت : إنّ الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة. ثمّ قال أبو هريرة : أو ليس تجدون هذا في كتاب الله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً)؟ فالكثيرة عند الله أكثر من ألف ألف وألفي ألف ، والّذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّ الله يضاعف الحسنة ألفي ألف حسنة» (١).

[٢ / ٧٢٩٤] وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب ، أنّ رجلا قال له : سمعت رجلا يقول : من قرأ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) مرّة واحدة بنى الله له عشرة آلاف ألف غرفة من درّ وياقوت في الجنّة. أفأصدّق بذلك؟ قال : نعم ، أو عجبت من ذلك؟ نعم وعشرين ألف ألف ، وثلاثين ألف ألف ، وما لا يحصي ذلك إلّا الله ، ثمّ قرأ : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) فالكثير من الله ما لا يحصى (٢).

[٢ / ٧٢٩٥] وقال أبو هريرة : هذا في نفقة الجهاد ، وكنّا نحسب ـ والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرنا ـ نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره بألفي ألف! (٣)

قصّة أبي الدحداح الأنصاري

[٢ / ٧٢٩٦] أخرج جماعة بالإسناد إلى كلّ من عبد الله بن مسعود وأبي أمامة وزيد بن أسلم وغيرهم ، قالوا : لمّا نزلت هذه الآية ، جاء أبو الدحداح الأنصاري إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، وإنّ الله ليريد منّا قرضا؟ قال : نعم يا أبا الدحداح! قال : أرني يدك يا رسول الله ، فناوله يده ، قال : فإنّي قد أقرضت ربّي حائطي وفيه ستّمائة نخلة.

[٢ / ٧٢٩٧] وفي رواية ، قال : يا رسول الله ، لي مالان ، مال بالعالية ومال في بني ظفر ، فابعث خارصك فليقبض خيرهما! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفروة بن عمرو : انطلق فانظر خيرهما فدعه

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٤٥ ـ ٧٤٦ ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ١٤٥ ، قال الهيثمي : رواه أحمد بإسنادين والبزّار بنحوه وأحد إسنادي أحمد جيّد.

(٢) الدرّ ١ : ٧٤٧ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٤٦٢ / ٢٤٣٧ ؛ ابن كثير ١ : ٣٠٧.

(٣) الثعلبي ٢ : ٢٠٦ ؛ القرطبي ٣ : ٢٤٢.

١٩٢

واقبض الآخر ، فانطلق فأخبره. فقال أبو الدحداح : ما كنت لأقرض رّبي شرّ ما أملك ، ولكن أقرض رّبي خير ما أملك ؛ إنّي لا أخاف فقر الدنيا. فقال رسول الله : يا ربّ عذق مدلّى لابن الدحداح في الجنّة.

[٢ / ٧٢٩٨] وفي رواية ابن مردويه عن عطاء بن يسار : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : قد قبله رّبي منك. فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليتامى الّذين في كفالته.

[٢ / ٧٢٩٩] وفي حديث الشعبي : أنّ أبا الدحداح قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لأنت أحقّ بي وبمالي وولدي ونفسي ، وإنّما هو مالك فخذ منه ما شئت واترك لنا ما شئت.

[٢ / ٧٣٠٠] وفي حديث زيد بن أسلم : جاء أبو الدحداح إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا نبيّ الله ، ألا أرى ربّنا يستقرضنا ممّا أعطانا لأنفسنا؟ وإنّ لي أرضين إحداهما بالعالية والأخرى بالسافلة ، وإنّي جعلت خيرهما صدقة.

[٢ / ٧٣٠١] وفي رواية الثعلبي : جاء أبو الدحداح إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : فداك أبي وأمّي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الله يستقرض وهو غنيّ عن القرض! قال : نعم ، يريد أن يدخلكم الجنّة! قال أبو الدحداح : فإنّي أقرضت رّبي قرضا ، تضمّن لي الجنّة؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم ، من تصدّق بصدقة فله مثلها في الجنّة. قال : فزوجي أمّ الدحداح معي؟ قال : نعم. قال : الدحداح معنا؟ قال : نعم. فقال أبو الدحداح : ناولني يدك ، فناوله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده. فقال : إنّ لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية ، والله لا أملك غيرهما ، وجعلتهما قرضا لله ـ عزوجل ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

اجعل إحداهما لله ، والأخرى معيشة لك ولعيالك. قال : فاشهد يا رسول الله ، أنّي جعلت غيرها لله تعالى ، وهو حائط فيه ستّمائة نخلة. قال : يجزيك الله إذن به بالجنّة.

[٢ / ٧٣٠٢] وفي رواية مقاتل بن سليمان : قال أبو الدحداح : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن تصدّقت بصدقة ، أفلي مثلها في الجنّة؟ قال : نعم. قال : والصبية معي؟ قال : نعم. قال : وأمّ الدحداح معي؟ قال : نعم. وكان له حديقتان إحداهما تسمّى الجنّة ، والأخرى الجنينة ، وكانت الجنينة أفضل من الجنّة. فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشهد بأنّي قد تصدّقت بها على الفقراء ، أو قال : بعتها من الله ورسوله ، فمن يقبضها؟

١٩٣

قال : فضاعف الله صدقته ألفي ألف ضعف ، فذلك قوله تعالى : (أَضْعافاً كَثِيرَةً) ، فرجع أبو الدحداح إلى حديقته فوجد أمّ الدحداح والصبية في الحديقة الّتي جعلها صدقة ، فقام على باب الحديقة وتحرّج أن يدخلها ، وقال : يا أمّ الدحداح! قالت : لبّيك! قال : إنّي جعلت حديقتي هذه صدقة ، واشترطت مثلها في الجنّة ، وأمّ الدحداح والصبية معي! قالت : بارك الله فيما اشتريت ، فخرجوا منها وسلّم الحديقة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال مقاتل بن سليمان : أنّ أبا الدحداح لمّا أتى باب الحديقة صاح :

يا أمّ دحداح هداك الهادي

إلى سبيل القصد والرشاد

بيني من الحائط لي بالوادي

فقد مضى قرضا إلى التناد

أقرضته الله على اعتماد

طوعا بلا منّ ولا ارتداد

إلّا رجاء الضعف في الميعاد

فودّعي الحائط وداع العاد

واستيقني وفّقت للرشاد

فارتحلي بالنفس والأولاد

إنّ التّقى والبرّ خير زاد

قدّمه المرء إلى المعاد

فأجابته : ربح بيعك ، والله لو لا شرطك ما كان لك منه إلّا مالك ، وانشأت تقول :

مثلك أحيا (١) ما لديه ونصح

وأشهر الحقّ إذا الحقّ وضح

قد منح الله عيالي ما صلح

بالعجوة السوداء والزهر البلح

والله أولى بالّذي كان منح

مع واجب الحقّ ومع ما قد سرح

والعبد يسعى وله ما قد كدح

طول اللّيالي وعليه ما اجترح

ثمّ خرجت وجعلت تنفض ما في أكمام الصبيان ، وتخرج ما في أفواههم ، ثمّ خرجوا وسلّموا الحديقة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال النبيّ : «كم من نخلة لأبي الدحداح مدلّى عذوقها في الجنّة لو اجتمع على عذق منها أهل منّي أن يقلّوه ما أقلّوه» (٢).

__________________

(١) وفي رواية الثعلبي : أجدى ما لديه ...

(٢) تفسير مقاتل ١ : ٢٠٤ و ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ / ١٨٠ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٤٤ ـ ٣٤٦ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ـ

١٩٤

[٢ / ٧٣٠٣] وهكذا روى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى إسحاق بن عمّار ، قال : «قلت : ما معنى قول الله ـ عزوجل ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً)؟ قال : صلة الإمام» (١).

أي أداء وظيفة الواجب المالي ، من زكوات وأخماس وسائر الوجوه الشرعيّة إلى وليّ الأمر القائم بمصلحة النظام ، كما في قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢).

ولا شكّ أنّهم إذا لم يقوموا بهذا الواجب المالي ، ضعفت أركان النظام الحاكم ، القائم أسسه على المال ، الّذي هو منبعث الطاقات الّتي تسيّر مجاري الأمور في مختلف جوانبها. حيث إنّ المال طاقة ، يمكن تبديلها إلى أيّ طاقة شئت.

قوله تعالى : (قَرْضاً حَسَناً)

قال الحسين بن عليّ الواقدي : يعني : محتسبا طيّبة به نفسه (٣).

وقال ابن المبارك : هو أن يكون المال من الحلال ، لا يمنّ به ولا يؤذي (٤).

وهكذا قال الصدفي : هو أن لا يمنّ ولا يؤذي (٥).

__________________

٤٦٠ / ٢٤٣٠ ؛ الطبري ٢ : ٨٠٣ / ٤٣٧٩ و ٤٣٨١ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٥٧ / ٣٠٧ ؛ سنن سعيد بن منصور ٣ : ٩٣٤ / ٤١٧ ؛ مسند البزّار ٥ : ٤٠٢ / ٢٠٣٣ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢٤٩ / ٣٤٥٢ ؛ نوادر الأصول ٢ : ٦١ / ١١١ ؛ الكبير ٢٢ : ٣٠١ / ٧٦٤ ؛ الأوسط ٢ : ٢٤٣ / ١٨٦٦ ؛ الدرّ ١ : ٧٤٤ ـ ٧٤٦ ؛ كنز العمّال ٢ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ / ٤٢٢٤ ، و ٦ : ٣٧٨ / ١٦١٤٠ ؛ القرطبي ٣ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ؛ ابن كثير ١ : ٣٠٦.

(١) ثواب الأعمال : ٩٩ ، باب ثواب صلة الإمام ؛ البحار ٢٤ : ٢٧٩ / ٧ ، باب ٦٤ ، و ٩٣ : ٢١٥ ـ ٢١٦ / ٣ ، و ١٠٠ : ١٣٨ / ٣ ؛ الفقيه ٢ : ٧٢ / ١٧٦٣ ؛ العيّاشي ١ : ١٥١ / ٤٣٦ ؛ القمّي ٢ : ٣٥١ ؛ الكافي ١ : ٥٣٧ / ٢ ؛ البرهان ١ : ٥١٥ و ٥١٦ ؛ نور الثقلين ١ : ٢٤٤ / ٩٦٨.

(٢) التوبة ٩ : ١٠٣.

(٣) الثعلبي ٢ : ٢٠٦ ؛ البغوي ١ : ٣٣٠ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٤٣ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٣٧.

(٤) المصدر (الثعلبي والبغوي وأبو الفتوح).

(٥) الثعلبي وأبو الفتوح.

١٩٥

قوله تعالى : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ)

أي يعطي ويمنع حسب مشيئته الناجمة عن حكمته البالغة.

[٢ / ٧٣٠٤] روى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى سليمان مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سأله عن قول الله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ)(١) فقال : «يعني ملكه ، لا يملكها معه أحد».

قال : والقبض من الله في موضع آخر (٢) المنع. والبسط منه الإعطاء والتوسيع ، كما قال ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يعني : يعطي ويوسّع ، ويمنع ويضيّق (٣).

تسعير الأرزاق

[٢ / ٧٣٠٥] أخرج أحمد وأبو داوود والترمذي وصحّحه وابن ماجة وابن جرير والبيهقي في سننه عن أنس قال : غلا السعر. فقال الناس : يا رسول الله سعّر لنا! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله هو المسعّر ، القابض الباسط الرازق ، وإنّي لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال» (٤).

[٢ / ٧٣٠٦] وأخرج أبو داوود والبيهقي عن أبي هريرة : «أنّ رجلا قال : يا رسول الله سعّر! قال : بل أدعو! ثمّ جاءه رجل فقال : يا رسول الله سعّر! فقال : بل الله يخفض ويرفع ، وإنّي لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة» (٥).

__________________

(١) الزمر ٣٩ : ٦٧.

(٢) يعني الآية : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ).

(٣) التوحيد : ١٦١ / ٢ ، باب ١٧ ؛ البحار ٤ : ٢ / ٣ ؛ البرهان ١ : ٥١٧ / ٢ ؛ نور الثقلين ١ : ٢٤٤ / ٩٦٩ ، و ٤ : ٥٠٠ / ١١٠ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٧٩.

(٤) الدرّ ١ : ٧٤٨ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٥٦ ، بلفظ : عن أنس بن مالك قال : غلا السعر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، لو سعّرت! فقال : «إنّ الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعّر ، وإنّي لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إيّاه في دم ولا مال» ؛ أبو داوود ٢ : ١٣٥ / ٣٤٥١ ، باب ١٥ ؛ الترمذي ٢ : ٣٨٨ / ١٣٢٨ ، باب ٧١ ؛ ابن ماجة ٢ : ٧٤١ ـ ٧٤٢ / ٢٢٠٠ ، باب ٢٧ ؛ الطبري ٢ : ٨٠٥ / ٤٣٨٤ ؛ البيهقي ٦ : ٢٩ ، باب التسعير ؛ كنز العمّال ٤ : ٩٨ / ٩٧٢٦.

(٥) الدرّ ١ : ٧٤٨ ؛ أبو داوود ٢ : ١٣٤ ـ ١٣٥ / ٣٤٥٠ ، باب ١٥ ؛ البيهقي ٦ : ٢٩ ، باب التسعير ؛ كنز العمّال ٤ : ١٠٢ / ٩٧٤٣.

١٩٦

[٢ / ٧٣٠٧] وأخرج البزّار عن عليّ عليه‌السلام قال : «قيل : يا رسول الله قوّم لنا السعر! قال : إنّ غلاء السعر ورخصه بيد الله ، أريد أن ألقى ربّي وليس أحد يطلبني بمظلمة ظلمتها إيّاه» (١).

[٢ / ٧٣٠٨] وروى أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى الحسين بن عبيد الله بن ضمرة عن أبيه عن جدّه عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّه مرّ بالمحتكرين ، فأمر بحكرتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق ، وحيث تنظر الأبصار إليها. فقيل : يا رسول الله ، لو قوّمت عليهم! فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى عرف الغضب في وجهه. فقال : أنا أقوّم عليهم!؟ إنّما السعر إلى الله ، يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء» (٢).

ورواه الصدوق مرسلا (٣) وفي كتاب التوحيد مسندا عن جعفر بن محمّد عن أبيه مثله (٤).

[٢ / ٧٣٠٩] وأيضا روى : أنّه قيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو سعّرت لنا سعرا ؛ فإنّ الأسعار تزيد وتنقص! فقال : «ما كنت لألقى الله ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا ، فدعوا عباد الله يأكل بعضهم من بعض ، وإذا استنصحتم فأنصحوا» (٥).

[٢ / ٧٣١٠] وعن أبي حمزة الثمالي ، قال : ذكر عند عليّ بن الحسين عليه‌السلام غلاء السعر ، فقال : «وما عليّ من غلائه ، إن غلا فهو عليه ، وإن رخص فهو عليه» (٦).

وهكذا ذهب المحقّق الحلّي إلى عدم جواز التسعير ، نعم يجبر المحتكر بعرض طعامه ، وبيعه بما لا إجحاف فيه. أمّا التسعير عليه فلا (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٤٨ ؛ مسند البزّار ٣ : ١١٣ / ٨٩٩ ؛ مجمع الزوائد ٤ : ٩٩.

(٢) التهذيب ٧ : ١٦١ / ٧١٣ ؛ الاستبصار ٣ : ١١٤ / ٤٠٨ ؛ الوسائل ١٧ : ٤٣٠ / ١ ، باب ٣٠ من آداب التجارة.

(٣) الفقيه ٣ : ٢٦٥ / ٣٩٥٥ ؛ الوسائل ١٧ : ٤٣١.

(٤) التوحيد : ٣٨٨ / ٣٣.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٦٨ / ٣٩٦٩ ؛ التوحيد : ٣٨٨ / ٣٣.

(٦) الفقيه ٣ : ٢٦٧ / ٣٩٦٦ ؛ الوسائل ١٧ : ٤٣١ / ٤ ؛ التوحيد : ٣٨٨ / ٣٤.

(٧) راجع : جواهر الكلام ٢٢ : ٤٨٥ ـ ٤٨٧.

١٩٧

قال تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٢٤٦) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧) وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨) فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢))

هذا هو الشاهد الثاني لذلك النماذج من الأمم تتقاعس عن واجبها ، الواجب الّذي يمسّ كرامتها وشرفها وعزّها ، فقد أغفلوها طلبا للراحة ، وهربا من احتمال القتل العاجل ، لينتظرهم الموت والفناء في آجل قريب.

١٩٨

هذه الآية تشير إلى قصّة عظيمة من تاريخ بني إسرائيل ، وفيها العبرة والعظة.

القرآن يأتي بذكر الحوادث التاريخيّة لغرض العبرة بها ، ويختار لذلك ما هو من تاريخ أهل الشرائع ، حيث كان أقرب إلى الهدف الّذي جاء لأجله القرآن.

هذه القصّة هي حادث انتقال نظام حكومة بني إسرائيل من الصبغة الشوريّة ، المعبّر عندهم بعصر القضاة ، إلى الصبغة الملكية ، المعبّر عنها بعصر الملوك.

وذلك أنّه لمّا توفّي موسى عليه‌السلام في حدود سنة ١٣٨٠ قبل الميلاد ، خلّفه في الأمّة الإسرائيليّة يوشع بن نون ، الّذي عهد له موسى في آخر حياته بأن يخلفه. فلمّا صار أمر بني إسرائيل إلى يوشع جعل لأسباط بني إسرائيل حكّاما يسوسونهم ويقضون بينهم ، وسمّاهم القضاة. فكانوا في مدن متعدّدة ، وكان من أولئك الحكّام أنبياء ، وكان هناك أنبياء غير حكّام. وكان كلّ سبط من بني إسرائيل يسيرون على ما يظهر لهم ، وكان من قضاتهم وأنبيائهم «صموئيل بن ألقانة» من سبط أفرايم ، قاضيا لجميع بني إسرائيل ، وكان محبوبا عندهم. فلمّا شاخ وكبر وقعت حروب بين بني إسرائيل والفلسطينيّين وكانت سجالا بينهم ، ثمّ كان الانتصار للفلسطينيّين ، فأخذوا بعض قرى بني إسرائيل حتّى أنّ تابوت العهد ـ الّذي سيأتي الكلام عليه ـ استلبه الفلسطينيّون وذهبوا به إلى «أشدود» بلادهم وبقي بأيديهم عدّة أشهر.

فلمّا رأت بنو إسرائيل ما حلّ بهم من الهزيمة ، ظنّوا أنّ سبب ذلك هو ضعف صموئيل عن تدبير أمورهم ، وظنّوا أنّ انتظام أمر الفلسطينيّين لم يكن إلّا بسبب النظام الملكي. وكانوا يومئذ يتوقّعون هجوم «ناحاش» ملك العمونيّين عليهم أيضا. فاجتمعت إسرائيل وأرسلوا عرفاءهم من كلّ مدينة ، وطلبوا من صموئيل أن يقيم لهم ملكا يقاتل بهم في سبيل الله. فاستاء صموئيل من ذلك وحذّرهم عواقب حكم الملوك ونصحهم : «إنّ الملك يأخذ بنيكم لخدمته وخدمة خيله ويتّخذ منكم من يركض أمام مراكبه ، ويسخر منكم حرّاثين لحرثه ، وعمله لعدد حربه وأدوات مركبه ، ويجعل بناتكم عطّارات وطبّاخات وخبّازات ، ويصطفي من حقولكم وكرومكم وزياتينكم ، أجودها فيعطيها لخصيانه وعبيده. ويأخذ عبيدكم وجواريكم وشبّانكم الحسان وحميركم ويستعملهم لشغله. ويعشّر غنمكم وأنتم تكونون له عبيدا ، فتصرخون في ذلك اليوم من وجه ملككم الّذي

١٩٩

اخترتموه لأنفسكم ، فلا يستجيب لكم الرّبّ في ذلك اليوم».

فأبى الشعب الإسرائيلي أن يسمعوا لنصح صموئيل وقالوا : لا بدّ لنا من ملك لنكون مثل سائر الشعوب ويقضي لنا ملكنا ويخرج أمامنا ويحارب حروبنا (١).

وهذا ما حكاه القرآن : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) وهم عرفاؤهم (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) وهو صموئيل (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا) باستيلاء العدوّ (وَأَبْنائِنا) بالقتل (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).

وقوله تعالى : (وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) يقتضي أنّ الفلسطينيّين أخذوا بعض مدن إسرائيل (٢) وكان القتل فيهم ذريعا (٣).

وفي ذكر الإخراج من الديار والأبناء تلهيب للمسلمين المهاجرين ـ بالأخصّ ـ على مقاتلة المشركين الّذين أخرجوهم من مكّة ، وفرّقوا بينهم وبين نسائهم وأبنائهم ، كما قال تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ)(٤).

قوله تعالى : (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) وقع في سفر صموئيل الأوّل في الأصحاح التاسع : أنّه لمّا صمّم بنو إسرائيل في سؤالهم أن يعيّن لهم ملكا ، صلّى لله تعالى ، فأوحى الله إليه أن أجبهم على ملتمسهم ، فأجابهم وقال : اذهبوا إلى مدنكم حتّى يأتيكم الخبر.

ثمّ أوحى الله إليه صفة الملك الّذي سيعيّنه لهم. وصادف أن وجد رجلا من بنيامين اسمه شاول

__________________

(١) راجع : سفر صموئيل الأوّل ، الأصحاح الثامن.

(٢) الأصحاح السابع : ١٤.

(٣) في واقعة واحدة قتل منهم ثلاثون ألف مقاتل. الأصحاح الرابع : ١٠ ـ ١١.

(٤) النساء ٤ : ٧٥.

٢٠٠