التفسير الأثري الجامع - ج ٤

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-05-0
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

صلاحيّة إمام الجماعة

قد عرفت من كلام الجصّاص اعتبار العدالة حتّى في إمام الجماعة ، حيث قال : دلّت الآية على بطلان إمامة الفاسق وأنّه لا يكون خليفة ودلّت أيضا على أنّ الفاسق لا يكون حاكما. وكذلك لا تقبل شهادته ولا خبره ، ولا فتياه. وأنّه لا يقدّم للصلاة. فقد حوت الآية على كلّ هذه المعاني .. (١)

[٢ / ٣٢٢٤] روى ابن ماجة في سننه بالإسناد إلى سعيد بن المسيّب عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال في خطبته : «ألا لا تؤمّنّ امرأة رجلا. ولا يؤمّ أعرابيّ مهاجرا. ولا يؤمّ فاجر مؤمنا. إلّا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسوطه». (٢)

قال السندي في الشرح : لأنّ من شأن الأعرابي الجهل. ومن شأن المهاجر العلم. وقال في قوله : «لا يؤمّ فاجر مؤمنا» أي لا يؤمّ فاسق غير فاسق وحمله السندي على إرادة الكراهة؟!

غير أنّ ابن قدامة اعتمد الرواية واستدلّ بها على عدم صحّة الصلاة خلف الفاسق وجعل هذه الرواية أخصّ ممّا رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

[٢ / ٣٢٢٥] «صلّوا خلف من قال : لا إله إلّا الله» ـ فيما رواه الدار قطني (٣) ـ قال : وهذا الذي رواه ابن ماجة أخصّ من حديثهم ، فتعيّن تقديمه. قال : أمّا حديثهم فنقول به في الجمع والأعياد. وأضاف : فمن صلّى خلف فاسق خوفا من سيفه وسوطه ، أعادها.

وذكر عن الإمام أحمد بن حنبل أنّه قال : «لا تصلّ خلف فاجر ولا فاسق». (٤)

[٢ / ٣٢٢٦] وروى عن حبيب بن عمر الأنصاري عن أبيه قال : سألت واثلة بن الأسقع ، قلت : أصلّي خلف القدري؟ قال : لا تصلّ خلفه. ثمّ قال : أمّا أنا لو صلّيت خلفه لأعدت صلاتي. رواه الأثرم. (٥)

قال ابن قدامة : وهذه النصوص تدلّ على أنّه لا يصلّى خلف فاسق.

__________________

(١) أحكام القرآن ١ : ٧٠.

(٢) ابن ماجة ١ : ٣٣٤ ـ ٣٣٥ / ١٠٩٢ ، باب ٢٨٠ (فرض الجمعة). رواه عن محمّد بن عبد الله بن نمبر عن الوليد بن بكير أبي خباب عن عبد الله بن محمّد العدوي عن عليّ بن زيد بن جدعان عن سعيد عن جابر.

(٣) الدار قطني ٢ : ٤٣.

(٤) المغني لابن قدامة ٢ : ٢٤.

(٥) المصدر : ٢٣.

٦١

ثمّ عرّج على دلائل القائلين بالجواز ، وكان عمدة دليلهم حديث «صلّوا خلف من قال : لا إله إلّا الله». وبعمل بعض الأجلّة ، ربما كانوا يقتدون بصلاة الفجرة في الجمع والأعياد.

وأجاب عن الحديث ، بأنّه عامّ ، والخاصّ مقدّم عليه ، كما سبق.

وأمّا صلاة بعض الأجلّة خلف الفجرة ، فلمكان خوفهم الضرر بترك الاقتداء.

[٢ / ٣٢٢٧] قال : فقد روينا عن عطاء وسعيد بن جبير أنّهما كانا في المسجد والحجّاج يخطب ، فصلّيا بالإيماء. وإنّما فعلا ذلك لخوفهما على أنفسهما إن صلّيا على وجه يعلم بهما. (١)

* * *

[٢ / ٣٢٢٨] وأمّا ما رواه البيهقي بالإسناد إلى مكحول عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر» (٢).

[٢ / ٣٢٢٩] وما رواه أبو داوود بالإسناد إلى مكحول أيضا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «الصلاة المكتوبة واجبة خلف كلّ مسلم ، برّا كان أو فاجرا ، وإن عمل الكبائر!» (٣)! ؛ فمحمول على إرادة الجمع والأعياد يقيمها الأمراء الجبابرة ..

هذا مع أنّ في الإسناد انقطاعا ؛ قال عليّ بن عمر الحافظ : مكحول لم يسمع من أبي هريرة. (٤)

* * *

أمّا فقهاؤنا الإماميّة فقد أطبقوا على اعتبار العدالة في إمام الجماعة ـ ولو في ظاهر الحال ـ وعليه تظافرت رواياتهم.

[٢ / ٣٢٣٠] فقد روى الشيخ أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى عليّ بن مهزيار عن أبي عليّ بن راشد عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه وأمانته». (٥)

__________________

(١) المصدر ٢ : ٢٢ ـ ٢٥.

(٢) البيهقي ٤ : ١٩ ، باب الصلاة على من قتل نفسه ؛ عوالي اللئالي ١ : ٣٧ / ٢٨.

(٣) أبو داوود ١ : ١٦٢ / ٥٩٤.

(٤) البيهقي ٤ : ١٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٦ / ٧٥٥ ـ ٧٥. ويقرب منه ما في الكافي ٣ : ٣٧٤ / ٥.

٦٢

[٢ / ٣٢٣١] وروى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى إسماعيل بن مسلم ، أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الصلاة خلف رجل يكذّب بقدر الله ـ عزوجل ـ قال : «ليعد كلّ صلاة صلّاها خلفه». (١)

[٢ / ٣٢٣٢] وعن أبي ذرّ الغفاريّ ـ عليه الرحمة والرضوان ـ قال : إنّ إمامك شفيعك إلى الله ، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا. رواه الصدوق (٢) ، والشيخ بالإسناده المتّصل إلى طلحة بن زيد قال : حدّثنا ثور بن غيلان عن أبي ذرّ قال : إنّ إمامك شفيعك إلى الله ، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا (٣).

[٢ / ٣٢٣٣] وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدّثهم فلم يكذبهم ، وواعدهم فلم يخلفهم ، كان ممّن حرمت غيبته ، وكملت مروّته ، وطهر عدله ، ووجبت أخوّته». (٤)

[٢ / ٣٢٣٤] وروى الشيخ بالإسناد إلى سعد بن إسماعيل عن أبيه قال : قلت للرضا عليه‌السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أصلّي خلفه؟ قال : لا. (٥)

قال المحقّق صاحب كتاب الشرائع : يعتبر في الإمام الإيمان والعدالة. (٦)

وقال صاحب الجواهر في الشرح : فلا يجوز الائتمام بالفاسق ، إجماعا محصّلا ومنقولا مستفيضا أو متواترا كالنصوص. بل ربما وافقنا أصحاب سائر المذاهب. (٧)

[٢ / ٣٢٣٥] وروى صاحب المستطرفات نقلا من كتاب أبي عبد الله السيّاري صاحب الرضا عليه‌السلام قال : قلت لأبي جعفر الثاني (الجواد) عليه‌السلام : قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة ، فيقدّم بعضهم فيصلّي بهم جماعة؟ قال : «إن كان الذي يؤمّهم ليس بينه وبين الله طلبة ، فليفعل» (٨).

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٢٦ / ١ ، باب ٢٠ ؛ الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٧ ؛ الوسائل ٨ : ٣١١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٧.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠ / ١٠٧ ـ ١٩.

(٤) الكافي ٢ : ١٨٧ / ٢٨ ؛ الوسائل ٨ : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ١٠٧٧٢ ـ ٩.

(٥) التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٠ ؛ الوسائل ٨ : ٣١٦ / ١٠٧٧٣ ـ ١٠.

(٦) شرائع الإسلام ١ : ١٢٤.

(٧) جواهر الكلام ١٣ : ٢٧٥.

(٨) السرائر لابن إدريس : ٣ ؛ المستطرفات : ٥٧٠ ؛ الوسائل ٨ : ٣١٧.

٦٣

الصلاة خلف من يشارط

قال أبو داوود : سمعت أحمد ـ وقد سئل عن إمام قال : أصلّي بكم رمضان بكذا وكذا درهما؟ ـ قال : أسأل الله العافية ، من يصلّي خلف هذا؟!.

وروي عنه أنّه قال : لا تصلّ خلف من يشارط! ولا بأس أن يدفعوا إليه من غير شرط. (١)

ونظير ذلك ما ورد بشأن «المستأكل بعلمه» ... وأن لا بأس بقبول البرّ والصلة.

[٢ / ٣٢٣٦] روى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى محمّد بن سنان عن حمزة بن حمران قال : سمعت الإمام أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : «من استأكل بعلمه افتقر»! فقلت له : جعلت فداك ، إنّ في شيعتك ومواليك قوما يتحمّلون علومكم ويبثّونها في شيعتكم ، فلا يعدمون على ذلك منهم البرّ والصلة والإكرام؟

فقال عليه‌السلام : «ليس أولئك بمستأكلين ، إنّما المستأكل بعلمه الذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله ـ عزوجل ـ ليبطل به الحقوق ، طمعا في حطام الدنيا». (٢)

الولاية من قبل الجائر

الولاية من قبل الجائر بما أنّها معونة له في جوره ، فهي محرّمة ، لحرمة إعانة الظالم في سلطانه. ومن ثمّ كان أهل الورع من السلف يتحاشون التولّي عن قبل الأمراء ، حيث موضعهم الغاشم.

قال المحقّق الأنصاري : معونة الظالمين في ظلمهم حرام بالأدلّة الأربعة ، وهي من الكبائر التي أوعد الله عليها النار. (٣)

وقال بشأن الولاية من قبل الجائر : هي محرّمة ، حيث الوالي من قبله هو من أعظم الأعوان .. قال : وظاهر الروايات كون الولاية من قبلهم محرّمة ذاتا ومع قطع النظر عن ترتّب معصية عليها بارتكاب جرائم. قال : مع أنّ الولاية عن الجائر لا تنفكّ عن المعصية عادة. (٤) الأمر الذي قد يخفّف

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٢ : ٢٤.

(٢) معاني الأخبار : ١٧٥ باب معنى الاستئكال بالعلم ؛ البحار ٢ : ١١٧ / ١٤.

(٣) المسألة الثانية والعشرون من محرّمات المكاسب للشيخ الأنصاري.

(٤) المسألة السادسة والعشرون.

٦٤

من وطئه التحريم .. فحيث كان الوالي من قبله ، لم يشاركه في عتوّه ، ولم يكن يعاونه في جوره ، ولم يعاضده في سلطانه ، وتمكّن من إحقاق حقّ وإجراء عدل في مبسوطة يده .. فهذا لا وجه لحرمته بل قد يكون مندوبا إليه مطلوبا من ذوي الصلاح.

قال المحقّق الأنصاري : والذي يسوّغ الولاية عن قبل الجائر ، هو الاطمئنان بإمكان القيام بمصالح العباد بلا خلاف بين أصحابنا الفقهاء فمن تقلّد أمرا جائزا في نفسه من قبل الجائر ، إذا تمكّن معه من إيصال حقّ لمستحقّه أو دفع ظلم عنه ، فإنّه جائز بالإجماع والسنّة الصحيحة ويشهد له استدعاء يوسف عليه‌السلام من عزيز مصر أن يجعله على خزائن الأرض (١).

[٢ / ٣٢٣٧] وروى ابن بابويه الصدوق بإسناده عن عليّ بن يقطين قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : «إنّ لله ـ تبارك وتعالى ـ مع السلطان أولياء ، يدفع بهم عن أوليائه» ورواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن ابن يقطين مثله.

[٢ / ٣٢٣٨] قال الصدوق : وفي خبر آخر : «أولئك عتقاء الله من النار».

[٢ / ٣٢٣٩] قال : وقال الصادق عليه‌السلام : «كفّارة عمل السلطان قضاء حاجة الإخوان».

[٢ / ٣٢٤٠] وروى في الأمالي بالإسناد إلى زيد الشحّام قال : سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول : «من تولّى أمرا من أمور الناس ، فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس ، كان حقّا على الله ـ عزوجل ـ أن يؤمّن روعته يوم القيامة ويدخله الجنّة». (٢)

* * *

وذكر الجصّاص عن بعضهم : أنّ القاضي إذا كان عدلا في نفسه فولّي القضاء من قبل إمام جائر ، فإنّ أحكامه نافذة وقضاياه صحيحة. قال : وهذا مذهب صحيح ولا دلالة فيه على أنّ من مذهبه تجويز إمامة الفاسق! وذلك لأنّ القاضي إذا كان عدلا في نفسه فإنّما يكون قاضيا إذا تمكّن من تنفيذ الأحكام وكانت له يد وقدرة على قهر الممتنع. وليس اعتبار قضائه بمن ولّاه ، لأنّ الذي ولّاه إنّما هو بمنزلة سائر أعوان القاضي وعمده الّذين بهم ينفّذ قضاءه ، وليس شرط أعوان القاضي أن يكونوا

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٥٥.

(٢) راجع : الفقيه ٣ : ١٠٨ / ٤٥١ و ٤٥٢ و ٤٥٣ ؛ المقنع : ١٢٢ ؛ الأمالي : ٢٠٣ / ٢ ؛ الكافي ٥ : ١١٢ / ٧ ؛ الوسائل ١٧ : ١٩٢ ـ ١٩٣ / ١ و ٢ و ٣ و ٥ و ٦ و ٧ باب ٤٦.

٦٥

عدولا ، ما داموا ثبتا سندا للتنفيذ فحسب.

وهؤلاء القضاة أيّام بني أميّة وبني مروان ، كان نصبهم لمنصب القضاء على يد أمثال الحجّاج عامل عبد الملك بالكوفة. ولم يكن في العرب ولا آل مروان أظلم ولا أكفر ولا أفجر من عبد الملك ، ولم يكن في عمّاله أكفر ولا أظلم ولا أفجر من الحجّاج. وكان عبد الملك أوّل من قطع ألسنة الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ صعد المنبر فقال : إنّي والله ما أنا بالخليفة بالمستضعف ـ يعني عثمان! ـ ولا بالخليفة المصانع ـ يعنى معاوية! ـ وإنّكم تأمروننا بأشياء تنسونها في أنفسكم ، والله لا يأمرني أحد بعد مقامي هذا بتقوى الله إلّا ضربت عنقه.

وقد كان كبار التابعين يأخذون أرزاقهم من أيدي هؤلاء الظلمة ، لا على أنّهم كانوا يتولّونهم ولا يرون إمامتهم ، وإنّما كانوا يأخذونها على أنّها حقوق لهم في أيدي قوم فجرة! وكيف يكون ذلك على وجه موالاتهم وقد ضربوا وجه الحجّاج بالسيف وخرج عليه من القرّاء أربعة آلاف رجل هم خيار التابعين وفقهاؤهم فقاتلوه مع عبد الرحمان بن محمّد بن الأشعث بالأهواز ثمّ بالبصرة ثمّ بدير الجماجم من ناحية الفرات بقرب الكوفة ، وهم خالعون لعبد الملك بن مروان ، لاعنون لهم ، متبرّؤون منهم.

وكذلك كان سبيل من قبلهم مع معاوية حين تغلّب على الأمر بعد قتل عليّ عليه‌السلام. وكذلك من كان في ذلك العصر من الصحابة وهم غير متولّين له ، بل متبرّؤون منه ، على السبيل التي كان عليها عليّ عليه‌السلام إلى أن توفّاه الله تعالى إلى جنّته ورضوانه.

فليس إذن في ولاية القضاء من قبلهم ولا أخذ العطاء منهم دلالة على توليتهم واعتقاد إمامتهم. (١)

قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ)

[٢ / ٣٢٤١] أخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : الكعبة. (٢)

[٢ / ٣٢٤٢] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (مَثابَةً) قال :

__________________

(١) أحكام القرآن ١ : ٧١.

(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٤ / ١١٨٩.

٦٦

يثوبون إليه ثمّ يرجعون. (١)

[٢ / ٣٢٤٣] وأخرج الطبري عن سعيد بن جبير قال : يحجّون ويثوبون. (٢)

[٢ / ٣٢٤٤] وعن السدّي قال : أمّا المثابة فهو الذي يثوبون إليه كلّ سنة لا يدعه الإنسان إذا أتاه مرّة ، أن يعود إليه. (٣)

[٢ / ٣٢٤٥] وعن ابن عبّاس قال : لا يقضون منه وطرا ، يأتونه ثمّ يرجعون إلى أهليهم ، ثمّ يعودون إليه. (٤)

[٢ / ٣٢٤٦] وقال عليّ بن إبراهيم : المثابة : العود إليه. (٥)

[٢ / ٣٢٤٧] وأخرج الثعلبي عن ابن عبّاس قال : معاذا وملجأ. (٦)

[٢ / ٣٢٤٨] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَأَمْناً) قال : أمنا للناس. (٧)

[٢ / ٣٢٤٩] وعن السدّي قال : فمن دخله كان آمنا. (٨)

[٢ / ٣٢٥٠] وعن قتادة قال : مجمعا. (٩)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٨٩ ؛ الطبري ١ : ٧٤٢ ـ ٧٤٣ / ١٦٢١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٥ / ١١٩١ ، وزاد : «وروي عن أبي العالية ، وسعيد بن جبير في إحدى روايتيه وعطاء ومجاهد والحسن وعطيّة والربيع بن أنس والسدّي ، والضحّاك نحو ذلك» ؛ البخاري ٥ : ١٤٩ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة ، باب واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى.

(٢) الطبري ١ : ٧٤٢ / ١٦١٩ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٩٢ / ١٢٧ ، بلفظ : «يحجّون ، ثمّ يحجّون لا يقضون منه وطرا» ؛ الثعلبي ١ : ٢٦٩ ، عن مجاهد وسعيد بن جبير والضحّاك ، بلفظ : «يثبون إليه من كلّ جانب ويحجّون ولا يملّون منه ، فما من أحد قصده إلّا وهو يتمنّى العود إليه» ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٤٥.

(٣) الطبري ١ : ٧٤١ ـ ٧٤٢ / ١٦١٤.

(٤) الدرّ ١ : ٢٨٩ ؛ الطبري ١ : ٧٤٢ / ١٦١٥.

(٥) البرهان ١ : ٣٢٦ / ١ ؛ القمي ١ : ٥٩.

(٦) الثعلبي ١ : ٢٦٩.

(٧) الدرّ ١ : ٢٨٩ ؛ الطبري ١ : ٧٤٣ / ١٦٢٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٥ / ١١٩٣.

(٨) الطبري ١ : ٧٤٣ / ١٦٢٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٥ / ١١٩٤ ، ونسبه أيضا إلى مجاهد وعطاء وقتادة والربيع بن أنس.

(٩) الطبري ١ : ٧٤٢ / ١٦٢٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٥ / ١١٩٢ ، بلفظ : «مجمعا للناس» وكذا عن سعيد بن جبير وعكرمة وعطاء الخراساني ؛ الثعلبي ١ : ٢٧٠ ، عن قتادة وعكرمة.

٦٧

[٢ / ٣٢٥١] وأخرج ابن أبي حاتم عن عطيّة قال : لا يؤخذ فيه صاحب حدّ حتّى يخرج. (١)

[٢ / ٣٢٥٢] وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (وَأَمْناً) قال : أمنا من العدوّ أن يحمل فيه السلاح ، وقد كانوا في الجاهليّة يتخطّف الناس من حولهم وهم آمنون. (٢)

[٢ / ٣٢٥٣] وأخرج الثعلبي عن ابن عبّاس قال : فمن أحدث حدثا خارج الحرم ثمّ التجأ إلى الحرم أمن من أن يهاج فيه ، ولكن لا يؤوى ولا يخالط ولا يبايع ، ويوكّل به ، فإذا خرج منه أقيم عليه الحدّ ، ومن أحدث في الحرم أقيم عليه الحدّ فيه. (٣)

قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)

[٢ / ٣٢٥٤] أخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) قال : مدّعى. (٤)

[٢ / ٣٢٥٥] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وهو الصلاة عند مقامه في الحجّ. (٥)

[٢ / ٣٢٥٦] وعن الربيع قال : فهم يصلّون خلف المقام. (٦)

[٢ / ٣٢٥٧] وأخرج مسلم وابن أبي داوود وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن جابر قال :

إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا ، حتّى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلّى خلفه

__________________

(١) ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٥ / ١١٩٥.

(٢) الدرّ ١ : ٢٨٩ ؛ الطبري ١ : ٧٤٣ / ١٦٢٧ ، بل رواه عن الربيع ، بلفظ : «أمنا من العدوّ أن يحمل فيه السلاح ، وقد كان في الجاهليّة يتخطّف الناس من حولهم وهم آمنون لا يسبون ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٥ / ١١٩٤ ؛ ابن كثير ١ : ١٧٣ ، عن أبي العالية ، بنحو ما رواه الطبري عن الربيع.

(٣) الثعلبي ١ : ٢٧٠.

(٤) الدرّ ١ : ٢٩٢ ؛ سنن سعيد بن منصور ٢ : ٦٠٧ / ٢١٤ ؛ الطبري ١ : ٧٤٨ / ١٦٤٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٧ / ١٢٠١ ؛ القرطبي ٢ : ١١٣. بلفظ : «ومعنى «مصلّى» مدعى يدعى فيه» ؛ التبيان ١ : ٤٥٣ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٨٢.

(٥) الطبري ١ : ٧٤٧ / ١٦٤٣ و ١٦٤٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٧ / ١٢٠٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٨٠ ، وكذا عن الحسن وقتادة ، وليس فيه قوله : «في الحجّ».

(٦) الطبري ١ : ٧٤٧ / ١٦٤٢.

٦٨

ركعتين ، ثمّ قرأ : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى). (١)

[٢ / ٣٢٥٨] وأخرج أبو داوود عن أبى هريرة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا دخل مكّة طاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف المقام ، يعني يوم الفتح. (٢)

[٢ / ٣٢٥٩] وأخرج البخاري وأبو داوود والنسائي وابن ماجة عن عبد الله بن أبي أوفى ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعتمر فطاف بالبيت وصلّى خلف المقام ركعتين. (٣)

* * *

[٢ / ٣٢٦٠] وروى الكليني بالإسناد إلى أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام في طواف الحجّ والعمرة ، فقال : «إن كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام فإنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع». (٤)

[٢ / ٣٢٦١] وروى الشيخ بالإسناد إلى أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) حتّى ارتحل؟ فقال : «إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع ، ولكن يصلّي حيث يذكر». (٥)

[٢ / ٣٢٦٢] وروى بالإسناد إلى صفوان بن يحيى عمّن حدّثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام ، لقول الله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة» (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٩٠ ؛ مسلم ٤ : ٤٠ ، كتاب الحجّ ؛ البيهقي ٥ : ٩٠ ـ ٩١ ؛ الحلية ٣ : ٢٠٠ ، قال : هذا حديث صحيح ؛ الطبري ١ : ٧٤٧ / ١٦٤٤.

(٢) الدرّ ١ : ٢٩٤ ؛ أبو داوود ١ : ٤١٨ / ١٨٧١ ، باب ٤٦.

(٣) الدرّ ١ : ٢٩٤ ؛ البخاري ٢ : ١٦٠ ، كتاب الحجّ ، باب ٥٣ ؛ أبو داوود ١ : ٤٢٤ / ١٩٠٢ ، باب ٥٦ ؛ النسائي ٢ : ٤٧١ / ٤٢١٩ ؛ ابن ماجة ٢ : ٩٩٦ / ٢٩٩٠ ، باب ٤٤ ، بلفظ : عبد الله بن أبي أوفى يقول : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين اعتمر فطاف وطفنا معه ، وصلّى وصلّينا معه وكنّا نستره من أهل مكّة لا يصيبه أحد بشيء.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٥ / ١ ، كتاب الحجّ ، باب السهو في ركعتي الطواف ؛ العيّاشي ١ : ٧٧ / ٩١ ، البحار ٩٦ : ٢١٥ / ٩ ، باب ٣٩ ؛ الاستبصار ٢ : ٢٣٥ / ٨١٥ ـ ٦ ؛ التهذيب ٥ : ١٣٩ / ٤٥٨ ـ ١٣٠.

(٥) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦١ ـ ١٣٣ ، كتاب الحجّ ، باب الطواف ؛ الاستبصار ٢ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ٨١٨ ـ ٩ ، باب ١٥٦.

(٦) نور الثقلين ١ : ١٢٣ / ٣٥٣ ؛ التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥١ ـ ١٢٣ كتاب الحجّ ، باب الطواف ؛ البرهان ١ : ٣٢٧ / ٣.

٦٩

[٢ / ٣٢٦٣] وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والعدني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي داوود في المصاحف وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والطحاوي وابن حبّان والدار قطني في الإفراد والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال : قال عمر بن الخطاب : وافقت ربّي في ثلاث ، أو وافقني ربّي في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتّخذت من مقام إبراهيم مصلّى؟ فنزلت : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى). وقلت : يا رسول الله إنّ نساءك يدخل عليهم البرّ والفاجر ، فلو أمرتهنّ أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهنّ : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ)(١) فنزلت كذلك. (٢)

قلت : وعليه فقد كان عمر يستطيع النطق بكلام يماثل القرآن ، وهذا عجيب؟!

[٢ / ٣٢٦٤] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : مقام إبراهيم الحرم كلّه. (٣)

[٢ / ٣٢٦٥] وقال إبراهيم النخعي : الحرم كلّه مقام إبراهيم. (٤)

[٢ / ٣٢٦٦] وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رياح : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) قال : لأنّي قد جعلته إماما فمقامه عرفة ومزدلفة والجمار. (٥)

[٢ / ٣٢٦٧] وأخرج عن مجاهد : الحرم كلّه مقام إبراهيم (٦).

[٢ / ٣٢٦٨] وعن ابن عبّاس قال : مقامه عرفة. (٧)

__________________

(١) التحريم : ٥.

(٢) الدرّ ١ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ؛ سنن سعيد بن منصور ٢ : ٦٠٧ / ٢١٥ ؛ مسند أحمد ١ : ٢٤ ؛ الدارمي ٢ : ٤٤ ، باب الصلاة خلف المقام ؛ البخاري ١ : ١٠٥ ، كتاب الصلاة ، باب ٣٢ (ما جاء في القبلة) ؛ الترمذي ٤ : ٢٧٥ / ٤٠٣٨ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة ؛ النسائي ٦ : ٤٣٥ / ١١٤١٨ ، سورة الأحزاب ؛ ابن ماجة ١ : ٣٢٢ / ١٠٠٩ ، باب ٥٦ ؛ الحلية ٣ : ٣٧٧ ؛ ابن حبّان ١٥ : ٣١٩ / ٦٨٩٦ ، كتاب إخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مناقب الصحابة ؛ البيهقي ٧ : ٨٨ ، باب سبب نزول آية الحجاب ؛ القرطبي ١٢ : ١١٢ ، بتفاوت ؛ ابن كثير ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ؛ البغوي ١ : ١٦٣ ـ ١٦٤ / ٨٣ و ٨٤ ؛ الثعلبي ١ : ٢٧٠ ، بتفاوت.

(٣) الدرّ ١ : ٢٩١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٦ / ١١٩٨ ، وزاد : «وروي عن مجاهد وعطاء مثل ذلك».

(٤) الثعلبي ١ : ٢٧٠ ؛ البغوي ١ : ١٦٣ ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٤٦.

(٥) الطبري ١ : ٧٤٦ / ١٦٣٥ ؛ القرطبي ٢ : ١١٣ ؛ التبيان ١ : ٤٥٣ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٨٠.

(٦) الطبري ١ : ٧٤٦ / ١٦٣٩.

(٧) المصدر / ١٦٣٧.

٧٠

[٢ / ٣٢٦٩] وعن ابن عبّاس قال : جعل إبراهيم يبنيه ، وإسماعيل يناوله الحجارة ، ويقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١). فلمّا ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر ، فهو مقام إبراهيم. (٢)

[٢ / ٣٢٧٠] وقال السّدي : المقام الحجر الذي وضعته زوجة إسماعيل تحت قدم إبراهيم عليه‌السلام حين غسلت رأسه. (٣)

[٢ / ٣٢٧١] وذكر القرطبي عن أنس قال : رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص قدميه!! غير أنّه أذهبه مسح الناس بأيديهم! (٤)

[٢ / ٣٢٧٢] وذكر أبو علي الطبرسي في سبب النزول ، عن ابن عبّاس أنّه قال : لمّا أتى إبراهيم بإسماعيل وهاجر فوضعهما بمكّة ، وأتت على ذلك مدّة ونزلها الجرهميّون وتزوّج إسماعيل امرأة منهم وماتت هاجر واستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له ، وشرطت عليه أن لا ينزل ، فقدم إبراهيم عليه‌السلام وقد ماتت هاجر فذهب إلى بيت إسماعيل ، فقال لامرأته : أين صاحبك؟ قالت له : ليس هاهنا ، ذهب يتصيّد ، وكان إسماعيل يخرج من الحرم يتصيّد ويرجع ، فقال لها إبراهيم : هل عندك ضيافة؟ فقالت : ليس عندي شيء وما عندي أحد. فقال لها إبراهيم : إذا جاء زوجك فاقرئيه السّلام وقولي له فليغيّر عتبة بابه. وذهب إبراهيم عليه‌السلام ، فجاء إسماعيل ووجد ريح أبيه ، فقال لامرأته : هل جاءك أحد؟ قالت : جاءني شيخ صفته كذا وكذا ، كالمستخفّة بشأنه ، قال : فما قال لك؟ قالت : قال لي : أقرئي زوجك السّلام وقولي له فليغيّر عتبة بابه ، فطلّقها وتزوّج أخرى. فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثمّ استأذن سارة أن يزور إسماعيل عليه‌السلام ، فأذنت له ، واشترطت عليه أن لا ينزل ، فجاء إبراهيم حتّى انتهى إلى باب إسماعيل ، فقال لامرأته : أين صاحبك؟ قالت : يتصيّد وهو يجيء الآن

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٧.

(٢) الطبري ١ : ٧٤٦ / ١٦٤٠ ؛ البخاري ٤ : ١١٧ ، كتاب الأنبياء ، باب ٩ ؛ النسائي ٥ : ١٠٢ / ٨٣٨٠ ؛ البغوي ١ : ١٦٥ / ٨٦.

(٣) القرطبي ٢ : ١١٣ ؛ ابن كثير ١ : ١٧٤ ؛ التبيان ١ : ٤٥٣ ، بزيادة ، وزاد بعد نقلها : «وبه قال الحسن وقتادة والربيع ، واختاره الجبائي والرماني» ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٤٨.

(٤) القرطبى ٢ : ١١٣ ؛ ابن كثير ١ : ١٧٥ ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٤٨ ؛ الثعلبي ١ : ٢٧١.

٧١

إن شاء الله ، فانزل يرحمك الله ، قال لها : هل عندك ضيافة؟ قالت : نعم ، فجاءت باللبن واللحم ، فدعا لها بالبركة ، فلو جاءت يومئذ بخبز أو برّ أو شعير أو تمر لكانت أكثر أرض الله برّا وشعيرا وتمرا ، فقالت له : انزل حتّى أغسل رأسك ، فلم ينزل. فجاءت بالمقام فوضعته على شقّه الأيمن ، فوضع قدمه عليه ، فبقي أثر قدمه عليه ، فغسلت شقّ رأسه الأيمن ثمّ حولّت المقام إلى شقّه الأيسر ، فبقي أثر قدمه عليه ، فغسلت شقّ رأسه الأيسر ، فقال لها : إذا جاء زوجك فاقرئيه منّي السّلام وقولي له : قد استقامت عتبة بابك ، فلمّا جاء إسماعيل وجد ريح أبيه ، فقال لامرأته : هل جاءك أحد؟ قالت : نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا ، وقال لي كذا وكذا وقلت له كذا وكذا ، وغسلت رأسه ، وهذا موضع قدميه على المقام ، قال لها إسماعيل عليه‌السلام : ذاك إبراهيم عليه‌السلام. (١)

قلت : قصّة غريبة جدّا. ولا تخفى مواضع الغرابة فيها.

[٢ / ٣٢٧٣] وأخرج ابن سعد وابن المنذر عن عائشة قالت : ألقي المقام من السماء! (٢)

[٢ / ٣٢٧٤] وقال الطبرسي : وروي أنّ ثلاثة أحجاز نزلت من الجنّة : مقام إبراهيم وحجر بني إسرائيل ، والحجر الأسود (٣).

[٢ / ٣٢٧٥] وأخرج ابن أبي حاتم والأزرقي عن عبد الله بن عمر قال : إنّ المقام كانت ياقوتة من يواقيت الجنّة محي نورها ، ولو لا ذلك لأضاءت ما بين السماء والأرض ، والركن مثل ذلك. (٤)

[٢ / ٣٢٧٦] وأخرج الترمذي وابن حبّان والحاكم والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : قال

__________________

(١) البرهان ١ : ٣٢٩ ـ ٣٣٠ / ١ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، وزاد : «وقد روى هذه القصّة بعينها عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان عن الصادق عليه‌السلام مع بعض الاختلاف» ؛ كنز الدقائق ٢ : ١٤٢ ـ ١٤٣ ؛ البحار ١٢ : ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) الدرّ ١ : ٢٩١ ؛ الطبقات ٨ : ٤٩٨.

(٣) نور الثقلين ١ : ١٢٢ / ٣٥٠ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٨٠. وزاد : استودع الله إبراهيم حجرا أبيض ، وكان أشدّ بياضا من القراطيس ، فاسودّ من خطايا بني آدم ؛ البرهان ١ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤ / ٥ ، عن العيّاشي ١ : ٧٨ / ٩٣. بلفظ : نزلت ثلاثة أحجار من الجنّة ، الحجر الأسود استودعه إبراهيم ، ومقام إبراهيم ، وحجر بني إسرائيل ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : إنّ الله استودع إبراهيم الحجر الأبيض وكان أشدّ بياضا من القراطيس ، فاسودّ من خطايا بني آدم.

(٤) الدرّ ١ : ٢٩١.

٧٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنّة طمس الله نورهما ، ولو لا ذلك لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب». (١)

[٢ / ٣٢٧٧] وأخرج الحاكم عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنّة». (٢)

[٢ / ٣٢٧٨] وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : الحجر مقام إبراهيم ليّنه الله فجعله رحمة ، وكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة. (٣)

[٢ / ٣٢٧٩] وأخرج الأزرقي في تاريخ مكّة والجندي عن مجاهد قال : يأتي الحجر والمقام يوم القيامة كلّ واحد منهما مثل أحد ، لهما عينان وشفتان يناديان بأعلى أصواتهما ، يشهدان لمن وافاهما بالوفاء. (٤)

[٢ / ٣٢٨٠] وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير ، أنّه رأى قوما يمسحون المقام ، فقال : لم تؤمروا بهذا ، إنّما أمرتم بالصلاة عنده. (٥)

[٢ / ٣٢٨٠] وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر والأزرقي عن قتادة في قوله : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) قال : إنّما أمروا أن يصلّوا عنده ولم يؤمروا بمسحه ، ولقد تكلّفت هذه الأمّة شيئا ما تكلّفته الأمم قبلها ، وقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبه وأصابعه ، فما زالت هذه الأمّة تمسحه حتّى اخلولق وانمحى. (٦)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٩١ ؛ الترمذي ٢ : ١٨٢ / ٨٧٩ ؛ ابن حبّان ٩ : ٢٤ / ٣٧١٠ ، كتاب الحجّ ، باب ٣ ؛ الحاكم ١ : ٤٥٦ ، كتاب المناسك ؛ الدلائل ٢ : ٥٣ ، باب ما جاء في بناء الكعبة. بتفاوت ، وزاد : «وما مسّهما من ذي عاهة ولا سقيم إلّا شفي» ؛ مسند أحمد ٢ : ٢١٣ ـ ٢١٤ ؛ كنز العمّال ١٢ : ٢١٧ / ٣٤٧٤١ ؛ الثعلبي ١ : ٢٧١ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٨٢ ؛ البغوي ١ : ١٦٥ / ٨٧ ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٤٨.

(٢) الدرّ ١ : ٢٩١ ؛ الحاكم ١ : ٤٥٦ ، كتاب المناسك ؛ كنز العمّال ١٢ : ٢١٧ / ٣٤٧٤٠.

(٣) الدرّ ١ : ٢٩١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٦ / ١١٩٩.

(٤) الدرّ ١ : ٢٩١ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٥ : ٣٠ / ٨٨٨٢ ، بلفظ : قال مجاهد : الركن والمقام يأتيان يوم القيامة أعظم من أبي قبيس لكلّ واحد منهما عينان ولسانان وشفتان تشهدان لمن وافاهما بالوفاء.

(٥) الدرّ ١ : ٢٩٢ ؛ المصنّف ٤ : ٥١٥ / ١ ، باب ٤٥٢ ، كتاب الحجّ.

(٦) الدرّ ١ : ٢٩٢ ؛ الطبري ١ : ٧٤٧ / ١٦٤١.

٧٣

[٢ / ٣٢٨٢] وأخرج الأزرقي عن نوفل بن معاوية الديلمي قال : «رأيت المقام في عهد عبد المطلب مثل المهاة» قال أبو محمّد الخزاعي : المهاة خرزة بيضاء. (١)

[٢ / ٣٢٨٣] وأخرج الأزرقي عن أبي سعيد الخدري قال : «سألت عبد الله بن سلام عن الأثر الذي في المقام؟ فقال : كانت الحجارة على ما هي عليه اليوم إلّا أنّ الله أراد أن يجعل المقام آية من آياته ، فلمّا أمر إبراهيم عليه‌السلام أن يؤذّن في الناس بالحجّ قام على المقام. وارتفع المقام حتّى صار أطول الجبال وأشرف على ما تحته ، فقال : يا أيّها الناس أجيبوا ربّكم ، فأجابه الناس فقالوا : لبّيك اللهمّ لبّيك ، فكان أثره فيه لما أراد الله ، فكان ينظر عن يمينه وعن شماله أجيبوا ربّكم ، فلمّا فرغ أمر بالمقام فوضعه قبلة ، فكان يصلّي إليه مستقبل الباب فهو قبلة إلى ما شاء الله ، ثمّ كان إسماعيل بعد يصلّي إليه إلى باب الكعبة ، ثمّ كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمر أن يصلّي إلى بيت المقدس ، فصلّى إليه قبل أن يهاجر وبعد ما هاجر ، ثمّ أحبّ الله أن يصرفه إلى قبلته التي رضي لنفسه ولأنبيائه فصلّى إلى الميزاب وهو بالمدينة ، ثمّ قدم مكّة فكان يصلّي إلى المقام ما كان بمكّة». (٢)

[٢ / ٣٢٨٤] وأخرج الأزرقي عن كثير بن أبي كثير بن المطّلب بن أبي وداعة السهمي عن أبيه عن جدّه قال : كانت السيول تدخل المسجد الحرام من باب بني شيبة الكبير قبل أن يردم عمر الردم الأعلى ، فكانت السيول ربما رفعت المقام عن موضعه وربما نحّته إلى وجه الكعبة حتّى جاء سيل أمّ نهشل في خلافة عمر بن الخطّاب ، فاحتمل المقام من موضعه هذا فذهب به حتّى وجد بأسفل مكّة ، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة ، وكتب في ذلك إلى عمر ، فأقبل فزعا في شهر رمضان وقد غبى موضعه (٣) وعفاه السيل ، فدعا عمر بالناس فقال : أنشد الله عبدا عنده علم في هذا المقام. فقال المطّلب بن أبي وداعة : أنا يا أمير المؤمنين عندي ذلك ، قد كنت أخشى عليه هذا فأخذت قدره من موضعه إلى الركن ، ومن موضعه إلى باب الحجر ، ومن موضعه إلى زمزم بمقاط (٤) وهو عندي في البيت. فقال له عمر : فاجلس عندي وأرسل إليه. فجلس عنده وأرسل فأتي بها ، فمدّها فوجدها مستوية إلى موضعه هذا ، فسأل الناس وشاورهم فقالوا : نعم ، هذا موضعه. فلمّا استثبت ذلك عمر

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٩٢.

(٢) الدرّ ١ : ٢٩٢.

(٣) غبى موضعه : اختفى. الوسيط «غ ب ى».

(٤) المقاط ـ بالكسر ككتاب ـ حبل صغير شديد الفتل ، يكاد يقوم من شدّة فتله. النهاية لابن الأثير ٤ : ٣٤٧.

٧٤

وحقّ عنده أمر به ، فأعلم ببناء ربّضه (١) تحت المقام ثمّ حوّله ، فهو في مكانه هذا إلى اليوم. (٢)

[٢ / ٣٢٨٥] وأخرج الأزرقي من طريق سفيان بن عيينة عن حبيب بن الأشرس قال : كان سيل أمّ نهشل قبل أن يعمل عمر الردم بأعلى مكّة ، فاحتمل المقام من مكانه فلم يدر أين موضعه؟ فلمّا قدم عمر بن الخطّاب سأل من يعلم موضعه؟ فقال عبد المطّلب بن أبي وداعة : أنا يا أمير المؤمنين قد كنت قدّرته وذرّعته بمقاط وتخوّفت عليه هذا ، من الحجر إليه ، ومن الركن إليه ، ومن وجه الكعبة. فقال : ائت به. فجاء به فوضعه في موضعه هذا وعمل عمر الردم عند ذلك. قال سفيان : فذلك الذي حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه ، أنّ المقام كان عند سقع البيت (٣) ، فأمّا موضعه الذي هو موضعه فموضعه الآن ، وأمّا ما يقول الناس : إنّه كان هنالك موضعه ، فلا. (٤)

[٢ / ٣٢٨٦] وأخرج الأزرقي عن ابن أبي مليكة قال : موضع المقام هذا هو الذي به اليوم ، هو موضعه في الجاهليّة ، وفي عهد النبي ، وأبي بكر وعمر ، إلّا أنّ السيل ذهب به في خلافة عمر ، فجعل في وجه الكعبة حتّى قدم عمر فردّه بمحضر الناس. (٥)

[٢ / ٣٢٨٧] وأخرج الأزرقي عن طلق بن حبيب قال : كنّا جلوسا مع عبد الله بن عمرو بن العاص في الحجر ، إذ قلص الظلّ وقامت المجالس ، إذ نحن ببريق أيم طلع من هذا الباب ـ يعني من باب بني شيبة ، والأيم الحيّة الذكر ـ فاشرأبّت له أعين الناس ، فطاف بالبيت سبعا وصلّى ركعتين وراء المقام؟! فقمنا إليه فقلنا : أيّها المعتمر قد قضى الله نسكك ؛ وإنّ بأرضنا عبيدا وسفهاء وإنّما نخشى عليك منهم ، فكوّم برأسه كومة بطحاء فوضع ذنبه عليها فسما بالسماء حتّى ما نراه!! (٦) قلت : يا لها من غريبة؟! وأغرب منها التالية :

[٢ / ٣٢٨٨] وأخرج الأزرقي عن أبي الطفيل قال : كانت امرأة من الجنّ في الجاهلية تسكن ذا طوى ، وكان لها ابن ولم يكن لها ولد غيره ، فكانت تحبّه حبّا شديدا ، وكان شريفا في قومه فتزوّج وأتى زوجته ، فلمّا كان يوم سابعه قال لأمّه : يا أمّاه إنّي أحبّ أن أطوف بالكعبة سبعا نهارا! قالت له

__________________

(١) ربّضه أي أحكمه.

(٢) الدرّ ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ؛ كنز العمّال ١٤ : ١١٧ ـ ١١٨ / ٣٨١٠٤.

(٣) سقع البيت : ناحيته. أي إلى جنب البيت ملصقا به.

(٤) الدرّ ١ : ٢٩٣ ؛ كنز العمّال ١٤ : ١١٧ / ٣٨١٠٣.

(٥) الدرّ ١ : ٢٩٣ ؛ كنز العمّال ١٤ : ١١٨ / ٣٨١٠٥.

(٦) الدرّ ١ : ٢٩٤.

٧٥

أمّه : أي بنيّ إنّي أخاف عليك سفهاء قريش! فقال : أرجو السلامة. فأذنت له فولّى في صورة جانّ ، فمضى نحو الطواف ، فطاف بالبيت سبعا وصلّى خلف المقام ركعتين ثمّ أقبل منقلبا ، فعرض له شاب من بني سهم فقتله ، فثارت بمكّة غبرة حتّى لم يبصر لها الجبال. قال أبو الطفيل : بلغنا أنّه إنّما تثور تلك الغبرة عند موت عظيم من الجنّ! قال : فأصبح من بني سهم على فرشهم موتى كثير من قتل الجنّ ، فكان فيهم سبعون شيخا أصلع سوى الشابّ!؟ (١)

[٢ / ٣٢٨٩] وأخرج عن الحسن البصري قال : ما أعلم بلدا يصلّى فيه حيث أمر الله ـ عزوجل ـ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا بمكّة. قال الله : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) قال : ويقال : يستجاب الدعاء بمكّة في خمسة عشر. عند الملتزم ، وتحت الميزاب ، وعند الركن اليماني ، وعلى الصفا ، وعلى المروة ، وبين الصفا والمروة ، وبين الركن والمقام ، وفي جوف الكعبة ، وبمنى ، وبجمع ، وبعرفات ، وعند الجمرات الثلاث. (٢)

[٢ / ٣٢٩٠] وذكر القرطبي عن جابر قال : نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رجل بين الركن والمقام. أو الباب والمقام وهو يدعو ويقول : اللهم اغفر لفلان ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا؟ فقال : رجل استودعني أن أدعو له في هذا المقام : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجع ، فقد غفر لصاحبك! (٣)

قوله تعالى : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ)

[٢ / ٣٢٩١] أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد وسعيد بن جبير في قوله : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) قالا : من الأوثان والريب وقول الزور والرجس. (٤)

[٢ / ٣٢٩٢] وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير قال : طهّرا بيتي بلا إله إلّا الله من الشرك (٥).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٩٤.

(٢) الدرّ ١ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

(٣) القرطبي ٢ : ١١٣.

(٤) الدرّ ١ : ٢٩٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٧ / ١٢٠٦ ؛ الطبري ١ : ٧٤٩ ـ ٧٥٠ / ١٦٥٤ ؛ الثعلبي ١ : ٢٧٢ ، عن سعيد بن جبير وعبيد بن عمر وعطاء ومقاتل.

(٥) ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٨ / ١٢٠٧ ، وزاد : «وروي عن عبيد بن عمير وأبي العالية وقتادة ومجاهد وعطاء نحوه» ؛ ابن كثير ١ : ١٧٧.

٧٦

[٢ / ٣٢٩٣] وأخرج الطيالسي عن أسامة بن زيد ، قال : دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكعبة ورأى صورا ، فدعا بدلو من ماء ، فأتيته به فجعل يمحوها ويقول : «قاتل الله قوما يصوّرون ما لا يخلقون». (١)

[٢ / ٣٢٩٤] وروى الشيخ بالإسناد إلى عمران الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟ فقال : نعم ؛ إنّ الله تعالى يقول : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). وينبغي للعبد أن لا يدخل إلّا وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذى وتطهّر. (٢)

[٢ / ٣٢٩٥] وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن أبي موسى قال : سئل ابن عبّاس عن الطواف أفضل أم الصلاة؟ فقال : أمّا أهل مكّة فالصلاة ، وأمّا أهل الأمصار فالطواف! (٣)

[٢ / ٣٢٩٦] وأخرج الأزرقي والجندي وابن عديّ والبيهقي في شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لله في كلّ يوم وليلة عشرين ومائة رحمة ، تنزل على هذا البيت ستّون للطائفين ، وأربعون للمصلّين ، وعشرون للناظرين». (٤)

[٢ / ٣٢٩٧] وروى الكليني بإسناده إلى معاوية بن عمّار عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ لله ـ تبارك وتعالى ـ حول الكعبة عشرين ومائة رحمة ، منها ستّون للطائفين وأربعون للمصلّين ، وعشرون للناظرين» (٥).

أي أنّ هذه المائة والعشرين رحمة ترفرف حول الكعبة بدوام ، فستّون منها للطائف حولها ، وأربعون للمصلّي عندها ، وعشرون للناظر إليها.

[٢ / ٣٢٩٨] وروى القاضي نعمان المصري بإسناده عن الإمام جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، أنّه قال : «لمّا

__________________

(١) مسند أبي داوود الطيالسي : ٨٧ ؛ كنز العمّال ٥ : ٢٩٩ / ١٢٩٣٥ ؛ القرطبي ٢ : ١١٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٥١ / ٨٥٢ ـ ١٢ ؛ العيّاشي ١ : ٧٨ / ٩٥ ؛ الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٣ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤١١ / ١ ، باب ١٥١ ؛ البحار ٩٦ : ٣٦٩ / ٣ ، باب ٦٤.

(٣) الدرّ ١ : ٢٩٥ ؛ المصنّف ٤ : ٤٦٣ / ٢ ، باب ٣٦٥ ؛ القرطبي ٢ : ١١٦ ، عن ابن عبّاس وعطاء ومجاهد ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٤٩ ـ ١٥٠.

(٤) الدرّ ١ : ٣٢٨ ؛ الكامل لابن عدي ٦ : ٢٧٨ و ٧ : ١٦٣ ، بلفظ : ينزل الله ـ عزوجل ـ في كلّ يوم مئة وعشرين رحمة ستّون منها للطائفين وأربعون للمصلّين وعشرون للناظرين ؛ الشعب ٣ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ / ٤٠٥١ ، باب ٢٥ (في المناسك) ؛ ابن عساكر ٣٤ : ٣٨٩ ؛ الثعلبي ١ : ٢٧٢ ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٤٩.

(٥) الكافي ٤ : ٢٤٠ / ٢ ؛ ثواب الأعمال : ٤٩.

٧٧

أوحى الله ـ عزوجل ـ إلى إبراهيم عليه‌السلام (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ، أهبط الله إلى الكعبة مائة وسبعين رحمة ، فجعل منها ستّين للطائفين ، وخمسين للعاكفين ، وأربعين للمصلّين ، وعشرين للناظرين». (١)

[٢ / ٣٢٩٩] وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله : (لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ) قال : إذا كان طائفا بالبيت فهو من الطائفين ، وإذا كان جالسا فهو من العاكفين. (٢)

[٢ / ٣٣٠٠] وأخرج عبد بن حميد عن سويد بن غفلة قال : من قعد في المسجد وهو طاهر فهو عاكف حتّى يخرج منه. (٣)

[٢ / ٣٣٠١] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ثابت قال : قلت لعبد الله بن عبيد بن عمير : ما أراني إلّا مكلّم الأمير أن أمنع الّذين ينامون في المسجد الحرام ، فإنّهم يجنبون ويحدثون. قال : لا تفعل فإنّ ابن عمر سئل عنهم فقال : هم العاكفون. (٤)

[٢ / ٣٣٠٢] وأخرج ابن أبى حاتم عن عطاء في قوله : (وَالْعاكِفِينَ) قال : من انتابه من الأمصار فأقام عنده. وقال لنا ـ ونحن مجاورون ـ : أنتم من العاكفين. (٥)

[٢ / ٣٣٠٣] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : إذا كان قائما فهو من الطائفين ، وإذا كان جالسا فهو من العاكفين ، وإذا كان مصلّيا فهو من الركّع السجود. (٦)

قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً)

[٢ / ٣٣٠٤] أخرج البخاري وابن ماجة عن صفيّة بنت شيبة قالت : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطب عام

__________________

(١) دعائم الإسلام ١ : ٢٩٤ ، كتاب الحجّ ، ذكر الرغائب في الحجّ ؛ البحار ٩٦ : ٥٠ / ٤٨ ، باب ٤ ؛ مستدرك الوسائل ٩ : ٣٧٨.

(٢) الطبري ١ : ٧٥١ / ١٦٥٩ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٨٣ ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٤٩ ؛ الثعلبي ١ : ٢٧٢.

(٣) الدرّ ١ : ٢٩٥.

(٤) الدرّ ١ : ٢٩٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٩ / ١٢١٥ ؛ ابن كثير ١ : ١٧٧. وزاد : «ورواه عبد بن حميد عن سليمان بن حرب عن حمّاد بن سلمة. ثمّ قال : وقد ثبت في الصحيح أنّ ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عزب».

(٥) ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٩ / ١٢١٤.

(٦) الدرّ ١ : ٢٩٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٢٨ ، وروي عن عطاء ومقاتل بن حيان وقتادة نحو ذلك ؛ ابن كثير ١ : ١٧٧.

٧٨

الفتح فقال : «يا أيّها الناس إنّ الله تعالى حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجرها ، ولا ينفّر صيدها ، ولا يأخذ لقطتها إلّا منشد ، فقال العباس : إلّا الإذخر فإنّه للبيوت والقبور. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلّا الإذخر!» (١).

[٢ / ٣٣٠٥] وأخرج مسلم بالإسناد إلى أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «اللهم إنّ إبراهيم حرّم مكّة فجعلها حراما ، وإنّي حرّمت المدينة حراما ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ، ولا يحمل فيها سلاح لقتال ، ولا يخبط فيها شجرة إلّا لعلف. اللهمّ بارك لنا في مدينتنا ، اللهمّ بارك لنا في صاعنا ، اللهمّ بارك لنا في مدّنا ، اللهمّ اجعل مع البركة بركتين». (٢)

[٢ / ٣٣٠٦] وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مكّة حرم حرّمها الله ، لا يحلّ بيع رباعها ولا إجارة بيوتها». (٣)

قلت : يعني : بيع الرقبة ذاتا ، أمّا تبعا لما أحدث فيها من بناء ، فلا منع.

[٢ / ٣٣٠٧] وأخرج ابن سعد والأزرقي عن ابن عبّاس قال : أوّل من نصب أنصاب الحرم إبراهيم عليه‌السلام يريه ذلك جبريل عليه‌السلام فلمّا كان يوم الفتح بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجدّد ما رثّ منها. (٤)

[٢ / ٣٣٠٨] وأخرج الأزرقي عن مجاهد قال : من أخرج مسلما من ظلّه في حرم الله من غير ضرورة ، أخرجه الله من ظلّ عرشه يوم القيامة. (٥)

[٢ / ٣٣٠٩] وأخرج الأزرقي عن ابن جريج قال : بلغني أنّ الخطيئة بمكّة مائة خطيئة ، والحسنة على نحو ذلك. (٦)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٩٧ ؛ البخاري ٢ : ٩٥ ، كتاب الجنائز ، باب ٧٦ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، باب ١٠٣ ؛ كنز العمّال ١٢ : ٢٠٧ / ٣٤٦٨٢ ؛ ابن كثير ١ : ١٧٩.

(٢) مسلم ٤ : ١١٧ ، كتاب الحجّ ، باب الترغيب في سكنى المدينة ؛ ابن كثير ١ : ١٧٩.

(٣) الدرّ ١ : ٢٩٨ ؛ المصنّف ٤ : ٤١٧ / ١ ، باب ٣١٠.

(٤) الدرّ ١ : ٢٩٩ ؛ الطبقات ٤ : ٢٩٥ ، ترجمة تميم بن أسد بن عبد العزّى بلفظ : عن ابن عبّاس : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عام الفتح تميم بن أسد الخزاعي فجدّد أنصاب الحرم.

(٥) الدرّ ١ : ٣٠٠.

(٦) المصدر : ٣٠٣.

٧٩

[٢ / ٣٣١٠] وأخرج الجندي عن مجاهد قال : تضعّف بمكّة السيّئات كما تضعّف الحسنات. (١)

[٢ / ٣٣١١] وأخرج الأزرقي والجندي عن عمر بن الخطّاب قال : لأن أخطىء سبعين خطيئة مزكيّة (٢) أحبّ إليّ من أن أخطىء خطيئة واحدة بمكّة. (٣)

[٢ / ٣٣١٢] وأخرج الأزرقي والجندي وابن خزيمة عن عمر بن الخطّاب ، أنّه قال لقريش : إنّه كان ولاة هذا البيت قبلكم طسم (٤) ، فاستخفّوا بحقّه واستحلّوا حرمته فأهلكهم الله ، ثمّ ولّي بعدهم جرهم فاستخفّوا بحقّه واستحلّوا حرمته فأهلكهم الله ، فلا تهاونوا به وعظّموا حرمته! (٥)

[٢ / ٣٣١٣] وأخرج أبو بكر الواسطي في فضائل بيت المقدس عن عائشة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ مكّة بلد عظّمه الله وعظّم حرمته ، خلق مكّة وحفّها بالملائكة قبل أن يخلق شيئا من الأرض يومئذ كلّها بألف عام ووصلها بالمدينة ، ووصل المدينة ببيت المقدس ، ثمّ خلق الأرض كلّها بعد ألف عام خلقا واحدا». (٦)

[٢ / ٣٣١٤] وأخرج الجندي عن طاووس قال : إنّ أهل الجاهليّة لم يكونوا يصيبون في الحرم شيئا إلّا عجّل لهم ، ويوشك أن يرجع الأمر إلى ذلك. (٧)

قوله تعالى : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ)

[٢ / ٣٣١٥] روى عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن هشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه : «من ثمرات القلوب أيّ حبّبهم إلى الناس لينتابوا ويعودوا إليهم». (٨)

__________________

(١) المصدر.

(٢) أي كثيرة ومتوفّرة.

(٣) المصدر : ٣٠٢.

(٤) جاء في حديث مكّة : «وسكّانها طسم وجديس». قال ابن الأثير : هما قوم من أهل الزمان الأوّل. وقيل : طسم حيّ من عاد.

(٥) الدرّ ١ : ٣٠٢ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٥ : ١١١ ، ذيل رقم ٩٠١٧ ؛ كنز العمّال ١٤ : ١٠٣ / ٣٨٠٦٣.

(٦) الدرّ ١ : ٣٠٣.

(٧) المصدر : ٣٠٢.

(٨) نور الثقلين ١ : ١٢٤ / ٣٥٩ ؛ القمي ١ : ٦٢ ، وفيه : لينتابوا إليهم ؛ البحار ١٢ : ١٠٠ / ٦ ، باب ٥ ، وفيه : لينتابوا إليهم ويعودوا إليه.

٨٠