التفسير الأثري الجامع - ج ٤

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-05-0
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

ولعلّ راقم الأسطورة حسب من الأرض بسيطة غير كريّة ، وإلّا لكان عليه أن يفترض لإبليس عروشا متتالية إلى ما لا يحصى حسب آنات حركة الأرض الدوريّة!!

ومن ثمّ ورد استنكاره من الناحية المقدّسة :

[٢ / ٤٩٠٧] روى ابن بابويه الصدوق عن محمّد بن أحمد الشيباني ، وعليّ بن أحمد بن محمّد الدقّاق ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب ، وعليّ بن عبد الله الورّاق جميعا ، قالوا : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي قال : كان فيما ورد عليّ من الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري ، في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ :

«أمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ؛ فلئن كان كما يقولون : إنّ الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان ، فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة ، فصلّها وارغم أنف الشيطان!» (١).

ورواه ـ في الفقيه (٢) ـ عن جماعة من مشايخه ـ ممّن عدّدناهم ـ عن أبي الحسين الأسدي الرازي أحد الأبواب ومن المشايخ العظام ، ثقة صحيح الحديث (٣). وكذلك المشايخ ، فقد ارتضاهم الصدوق وترضّى لهم.

هذا فضلا عن اعتلاء محتواه بما يوافق المعقول.

ومن ثمّ اعتبره الصدوق سندا قويّا للردّ على مزعومة الخلاف ، ورجّحه على روايات المنع (٤). وكذلك الشيخ أخذه دليلا معتبرا على الرخصة ، تجاه دلائل المنع (٥).

[٢ / ٤٩٠٨] روى الصدوق بالإسناد إلى عبد الرحمان بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت : صلاتان لم يتركهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سرّا وعلانية : ركعتين بعد العصر وركعتين قبل الفجر.

[٢ / ٤٩٠٩] وبالإسناد إلى عبد الواحد بن أيمن عن أبيه أنّه دخل على عائشة يسألها عن الركعتين بعد العصر؟ قالت : والّذي ذهب بنفسه (تعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ما تركهما حتّى لقى الله عزوجل.

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة ٢ : ٥٢٠ / ٤٩ ، باب ٤٥.

(٢) الفقيه ١ : ٣١٥ / ٤ ، وهكذا رواه الشيخ في التهذيب ٢ : ١٧٥ / ١٥٥ ، واعتبره سندا للرخصة. وأورده الطبرسي في كتاب الاحتجاج ٢ : ٢٩٨ ؛ الوسائل ٤ : ٢٣٦ / ٨.

(٣) معجم رجال الحديث ١٦ : ١٧٦ / ١٠٤١١.

(٤) الخصال ١ : ٧١ ـ ٧٢.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ١٧٥.

٥٤١

[٢ / ٤٩١٠] وعن مسروق عن عائشة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي يصلّي بعد العصر ركعتين.

[٢ / ٤٩١١] وبالإسناد إلى أبي جمرة (١) عن أبي بكر بن عبد الله عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من صلّى البردين دخل الجنّة». (٢) قال الصدوق : يعنى بعد الغداة وبعد العصر (٣).

قال ابن الأثير : البردين والأبردين : الغداة والعشيّ. وقيل : ظلّهما (٤).

ومن ثمّ فسّرهما الصدوق بركعتين بعد الغداة وركعتين بعد العصر.

وفسّرهما بعضهم بفريضتي الفجر والعصر!

[٢ / ٤٩١٢] روى مسلم بالإسناد إلى قيس بن أبي حازم قال : سمعت جرير بن عبد الله وهو يقول : كنّا جلوسا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ قال : «إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» قال جرير : يعني الفجر والغداة. ثمّ قرأ : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)(٥).

لكن ، لا الفجر قبل طلوع الشمس ، ولا العصر قبل الغروب. بل صلاة الفجر عند طلوع الفجر الّذي هو مبدأ الوقت ، لا قبل طلوع الشمس الّذي هو آخر الوقت. في حين نعلم أنّ الصلاة المندوب إليها هي الّتي تقع أوّل الوقت لا آخره. فإنّ الصلاة في أوّل وقتها رضوان الله ، وفي آخر وقتها عفو الله (٦) ، بمعنى أنّها بمثابة التوبة والاستغفار لما فرط منه ، فيعفو عنه ذنبه والله عفوّ غفور.

إذن لا معنى للندب إلى إيقاع الفريضة في آخر وقتها ، إبّان طلوع الشمس.

وكذا فريضة العصر يبدأ وقت فضيلتها بامتداد الظلّ أربعة أقدام ، وينتهي بمقدار أدائها. ثمّ بعد ذلك يمتدّ وقتها إلى سقوط القرص. فوقت فضيلتها المندوب إليها ، قبل الغروب بساعات.

فالصحيح الموافق لظاهر التعبير هو تفسير الصدوق ببعد الغداة وبعد العصر.

قال الصدوق ـ بعد أن أورد الأحاديث الآنفة ـ : كان مرادي بإيراد هذه الأخبار ، الردّ على

__________________

(١) هو نصر بن عمران الضبعي البصري نزيل خراسان. يروي عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري. واسم أبي بكر : عمرو. واسم أبي موسى : عبد الله بن قيس بن سليم.

(٢) مسلم ٢ : ١١٤.

(٣) الخصال ١ : ٧١ / ١٠٨.

(٤) النهاية ١ : ١١٤ ؛ اللسان ٣ : ٨٤.

(٥) سورة ق ٥٠ : ٣٩. وقرأها جرير ـ كما في صحيح مسلم ـ : قبل غروبها.

(٦) كما في الحديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام (دعائم الإسلام ١ : ١٣٧) ؛ البحار ٨٠ : ٢٥ / ٤٧ ؛ و ٧٩ : ٣٥١ / ٢٣.

٥٤٢

المخالف الّذي لا يرى بعد الغداة وبعد العصر صلاة! قال : فأحببت أن أبيّن أنّ أمثال هؤلاء قد خالفوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله وفعله! (١)

* * *

[٢ / ٤٩١٣] وهكذا روى الشيخ بالإسناد إلى محمّد بن الفرج صاحب الرضا عليه‌السلام قال : كتبت إلى العبد الصالح الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام أسأله عن مسائل ، فكتب إليّ : «وصلّ بعد العصر من النوافل ما شئت ، وصلّ بعد الغداة من النوافل ما شئت» (٢).

هذا ، مضافا إلى ما ورد من جواز قضاء النوافل في ذينك الوقتين.

[٢ / ٤٩١٤] روى الشيخ بإسناده إلى عبد الله بن يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قضاء صلاة اللّيل والوتر تفوت الرجل ، أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد العصر؟ قال : «لا بأس بذلك» (٣).

[٢ / ٤٩١٥] وعن جميل بن درّاج قال : «سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن قضاء صلاة اللّيل بعد الفجر إلى طلوع الشمس؟ قال : نعم ، وبعد العصر إلى اللّيل ، فهو من سرّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المخزون» (٤).

[٢ / ٤٩١٦] وعن سليمان بن هارون قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قضاء الصلاة بعد العصر؟ قال : «نعم ، إنّما هي النوافل ، فاقضها متى شئت!» (٥).

* * *

والمتحصّل ممّا سلف أنّ دليل المنع ، من حيث اشتماله على تعليل عليل (٦) ، لا يقاوم دليل الجواز ، المتوافق مع الأصل (٧) ، ولظاهر القرآن الكريم (٨). فلا يصلح مستندا في مسرح الفقاهة

__________________

(١) الخصال ١ : ٧١ ـ ٧٢ / ١٠٨ ، باب الاثنين.

(٢) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٨٨ ـ ١٤٦ ؛ الوسائل ٤ : ٢٣٥ / ٥٠٢٠ ـ ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٨٧.

(٤) المصدر / ٦٨٩.

(٥) التهذيب ٢ : ١٧٣ / ٦٩٠.

(٦) حيث لا يقبله عقل سليم ولا شرع حكيم.

(٧) أصل الجواز فيما لا دليل قاطعا على المنع. مضافا إلى الإطلاق والعموم في أدلّة العبادات.

(٨) حيث قوله تعالى : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ). (سورة ق ٥٠ : ٣٩ ـ ٤٠). وقد أسلفنا الآيات بهذا الشأن ، ونبّهنا : أنّهم عبثا حاولوا تأويلها إلى صلاتي الفجر والعصر!؟

٥٤٣

والاستنباط.

وقد أكثر الثقة الجليل أبو جعفر محمّد بن عليّ بن النعمان المعروف بمؤمن الطاق ، في كتابه «إفعل ولا تفعل» من التشنيع على العامّة في روايتهم ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّهم كثيرا ما يخبرون عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتحريم شيء وبعلّة التحريم ، وتلك العلّة خطأ لا يجوز أن ينطق بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يحرّم الله من قبلها شيئا. فمن ذلك ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتين ، عند طلوع الشمس وعند الغروب ، فلو لا أنّ علّة النهي : أنّها تطلع وتغرب بين قرني الشيطان ، لكان ذلك جائزا. لكن ، فإذ كان آخر الحديث موصولا بأوّله ، وكان آخره فاسدا ، كان ذلك موجبا لفساد الجميع. قال : وهذا (١) جهل من قائله ، والأنبياء لا تجهل .. قال : فلمّا بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ، ثبت أنّ التطوّع جائز في الوقتين (٢).

والقول بالتفصيل

كما لا مجال للقول بالتفصيل بين النوافل المبتدأة وغيرها من ذوات الأسباب (٣) ، بعد عموم التعليل ، لو اعتبرناه!

نظرا لأنّ إبليس ، لو كان له أن يعبث بصلاة المصلّين حينذاك ، فإنّه لا يفرّق بين صلاة وصلاة ، وقد ثبت في الأصول : أنّ التعليل يعمّم ويخصّص (٤).

ذكر المحقّق صاحب الشرائع أنّ النوافل المبتدأة تكره عند طلوع الشمس وعند غروبها (٥).

[٢ / ٤٩١٧] واستدلّ له صاحب الجواهر بما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام بشأن الصلاة على الجنائز في كلّ ساعة وأنّها جائزة ، حيث إنّها ليست بصلاة ذات ركوع وسجود ، وإنّما تكره الصلاة

__________________

(١) أي تعليل التحريم بطلوع الشمس وغروبها بين قرني الشيطان.

(٢) نقله المحقّق السيّد العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ١٠٨ ـ ١٠٩ ؛ وكذا الفاضل الهندي في كشف اللثام ٣ : ٩٠ ـ ٩١ ، ولكن ناسبا له إلى المفيد. وهو سهو منه.

(٣) كصلاة التحيّة وصلاة الطواف والزيارة وصلاة يوم الغدير ونحوها.

(٤) كما إذا قيل : لا تأكل الرمّان ، لأنّه حامض. فإنّه يخصّص الحكم بالحامض منه. أو قيل : لا تشرب الخمر ، لأنّه مسكر. فإنّه يعمّم الحكم لكلّ مسكر بالذات.

(٥) شرائع الإسلام ١ : ٦٤ ، المسألة الخامسة.

٥٤٤

عند طلوع الشمس وعند غروبها ، الّتي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنّها تغرب بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان (١).

[٢ / ٤٩١٨] وبمرسل إبراهيم بن هاشم عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ إبليس اتّخذ عرشا بين السماء والأرض ، فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس ، قال إبليس لشياطينه : إنّ بني آدم يصلّون لي!» (٢).

[٢ / ٤٩١٩] وبحديث المناهي : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند قيامها ـ وفي نسخة ـ عند استوائها» (٣).

وغيرها من روايات جاء النهي فيها منوطا بتلبيس إبليس (٤).

وهذا ـ كما ترى ـ لا يخصّ المبتدأة أي المتطوّع بها ، بل يعمّ كلّ صلاة صلّاها المصلّي حينذاك ، فإنّ الشيطان ـ حسب زعمهم ـ يزمّر له ويطبّل ويحسبها سجودا له ، أيّا كانت الصلاة!

فالأولى نبذ تلكم الروايات رأسا ، نظرا للعلّة الموهنة ، كما عرفت.

* * *

قال الشيخ : إنّ أصحابنا لا يختلفون في جواز الصلوات ذوات الأسباب في هذه الأوقات. وإنّما منهم من يزيد على ذلك ويجوّز الصلاة الّتي لا سبب لها ، فيها (٥).

وقال السيّد صاحب العروة ـ بعد أن ذكر الأوقات الّتي قالوا بكراهة التنفّل فيها ـ : «وعندي في ثبوت الكراهة في المذكورات إشكال» (٦).

قال سيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي في الشرح ـ بعد أن ذكر حديث تلبيس إبليس ـ : ما معنى أنّ الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان؟! فهو تعليل بأمر غير معقول في نفسه ، وهو أشبه بمفتعلات المخالفين ، لاستنكارهم الصلاة في الأوقات الثلاثة ، معلّلا له بهذا الوجه العليل! فلا مناص من حمل الحديث على ضرب من التعريض ، ولا مجال للاستدلال به على وجه!

__________________

(١) الوسائل ٣ : ١٠٨ / ٢ ، باب ٢٠.

(٢) المصدر ٤ : ٢٣٥ / ٤ ، باب ٣٨.

(٣) المصدر : ٢٣٦ / ٦ ، باب ٣٨.

(٤) جواهر الكلام ٧ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

(٥) كتاب الخلاف ١ : ٥٢١. م : ٢٦٣.

(٦) العروة الوثقى ١ : ٣٨٢ (ط ١٤١٤ ق) ، أوقات الرواتب م : ١٨.

٥٤٥

ثمّ على فرض الاستناد ، فلا وجه للتفصيل بعد عموم التعليل وأنّ المنهيّ هو ما اشتمل على السجود والخشوع ، وهو عام في مطلق الصلوات (١).

تأويلات فارغة

وقد حاول البعض تأويل تلكم التعاليل ، فما أسفّوا منه بشيء :

قال الحافظ أبو زكريّا النووي : قيل : المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه. وقيل : قوّته وغلبته وانتشار فساده. وقيل : القرنان ناحيتا الرأس ، وأنّه على ظاهره. قال : وهذا هو الأقوى. قالوا : ومعناه : أنّه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ، ليكون الساجد لها من الكفّار كالساجدين له في الصورة ، وحينئذ يكون له ولبنيه تسلّط ظاهر وتمكّن من أن يلبّسوا على المصلّين صلاتهم. فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها ، كما كرهت في الأماكن الّتي هي مأوى الشيطان (٢).

وقال ابن الأثير : وفيه : «الشمس تطلع بين قرني الشيطان» أي ناحيتي رأسه وجانبيه. وقيل : القرن : القوّة ، أيّ حين تطلع الشمس يتحرّك الشيطان ويتسلّط ، فيكون كالمعين لها. وقيل : بين قرنيه ، أي أمّتيه الأوّلين والآخرين. قال : وكلّ هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها ، فكأنّ الشيطان سوّل له ذلك ، فإذا سجد لها كان كأنّ الشيطان مقترن بها (٣).

قلت : لم يكن المصلّي حينذاك متّجها إلى الشمس لا مشرّقا ولا مغرّبا ، ليتمّ قياسه بعبدة الشمس. بل يصلّي متّجها إلى الكعبة واضعا قرص الشمس على أحد طرفيه. فهذا قياس مع الفارق!

* * *

وقال الطيّبي في شرح المشكاة : فيه وجوه : أحدها ، أنّه ينتصب قائما في وجه الشمس عند طلوعها ، ليكون طلوعها كالمعين لها بين قرنيه أي فوديه (٤) فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس ، فتصير عبادتهم له. فنهوا عن الصلاة في ذلك الوقت ، مخالفة لعبدة الشيطان.

__________________

(١) التنقيح في شرح العروة ، بقلم الغروي التبريزي ٦ : ٥٣٦ و ٥٣٩ (ج ١ من كتاب الصلاة).

(٢) النووي بشرح مسلم ٦ : ١١٢.

(٣) النهاية ٤ : ٥٢ (مادّة قرن).

(٤) الفود : جانب الرأس ممّا يلي الأذنين إلى الأمام.

٥٤٦

وثانيها : أن يراد بقرنيه حزباه اللّذان يبعثهما لإغواء الناس.

وثالثها : أنّه من باب التمثيل ، شبّه الشيطان فيما يسوّل لعبدة الشّمس ويدعوهم إلى معاندة الحقّ ، بذوات القرون الّتي تعالج الأشياء وتدافعها بقرونها.

ورابعها : أن يراد بالقرن القوّة ، من قولهم : أنا مقرن له أي مطيق. (١) ومعنى التثنية تضعيف القوّة (٢) ، كما يقال : مالي بهذا الأمر يد ولا يدان ، أي لا قدرة ولا طاقة (٣).

وقال السيّد الجواد العاملي : وقد ذكر لهذه العلّة ـ أعني طلوع الشمس وغروبها بين قرني الشيطان ، معاني أربعة. الأوّل : أنّ القرن ، القوّة. والتثنية لتضعيفها. الثاني : أنّ قرنيه ، حزباه اللّذان يبعثهما لإغواء الناس. الثالث : أنّه يقوم في وجه الشمس حتّى تطلع أو تغرب بين قرنيه ، مستقبلا لمن يسجد للشمس. الرابع : تمثيل تسويل الشيطان لعبدة الشمس ودعائهم إلى مدافعة الحقّ ، بمدافعة ذوات القرون ومعالجتها بقرونها (٤).

وقال العراقي في شرح التقريب (٥) : اختلفوا في معنى الحديث ، فقيل : المراد ، مقارنة الشيطان للشمس عند طلوعها وغروبها. وقيل : المراد ، قوّة وسوسة الشيطان للعبد وتسويله له.

وقيل : وقوف الشيطان للشمس عند طلوعها ، فيقابلها بين قرني رأسه ، فينقلب سجود الكفّار للشمس عبادة له.

وقال القاضي عياض : المراد من قرني الشيطان على الحقيقة ، كما ذهب إليه الداوودي. وعند غروبها ، يريد السجود لله تعالى ، فيأتي شيطان فيصدّه ، فتغرب بين قرني رأسه ، وهكذا عند الطلوع.

وقال الخطّابي : قرنه عبارة عن مقارنته لها.

وقيل : المراد ، التمثيل بذوات القرون ، فكما أنّها تدافع عمّا يريدها بقرونها ، كذلك الشيطان يدافع عن وقتها بما يزيّنه للإنسان (٦).

__________________

(١) يقال : أقرن للأمر : أطاقه وقوي عليه. ومنه قوله تعالى : وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (الزخرف ٤٣ : ١٣) أي مطيقين.

(٢) أي مضاعفتها.

(٣) راجع : البحار ٨١ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، وكشف اللثام ٣ : ٩١ ، والجواهر ٧ : ٢٨٩.

(٤) مفتاح الكرامة ٢ : ٥٠ ، مؤسسة آل البيت.

(٥) طرح التثريب في شرح التقريب لزين الدين عبد الرحيم العراقي ٢ : ١٩٥. (هامش التنقيح ٦ : ٥٣٦).

(٦) راجع : هامش التنقيح للغروي ٦ : ٥٣٦ ـ ٥٣٧.

٥٤٧

إلى غيرها من تكلّفات باهتة لا ترجع إلى محصّل معقول. والعجب من بعض الأعلام حيث يمرّ على تلكم السفاسف مرور الكرام ، ويقول غير مكترث بها : والأمر سهل؟! (١)

* * *

كما وأخرج البخاري حديث قرني الشيطان ، في كتاب بدء الخلق ، باب صفة إبليس وجنوده (٢) :

[٢ / ٤٩٢٠] قال : أخبرنا عبدة (يعني : ابن سليمان) (٣) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا طلع حاجب الشمس ، فدعوا الصلاة حتّى تبرز. وإذا غاب حاجب الشمس ، فدعوا الصلاة حتّى تغيب. ولا تحيّنوا (٤) بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، فإنّها تطلع بين قرني شيطان» وفي رواية : «الشيطان» (٥).

قال ابن حجر في الشرح : حاجب الشمس هو طرف قرصها الّذي يبدو عند طلوع الشمس ويبقى عند الغروب. وقرنا الشيطان : جانبا رأسه. يقال : إنّه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس ، حتّى إذا طلعت كانت بين جانبي رأسه ، لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها ، وكذا عند غروبها.

قال : وعلى هذا فقوله : تطلع بين قرني الشيطان ، أي بالنسبة إلى من يشاهد الشمس عند طلوعها ، فلو شاهد الشيطان لرآه منتصبا عندها! (٦)

وهذا أيضا تأويل لا يرجع إلى محصّل.

قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)

فقد جعل الله الصوم للمسافر والمريض في أيّام أخر ، لكي يتمكّن المعذور من صوم رمضان ، أن يكمله أي يتدارك عدّة ما تعذّره فيصوم بقدرها في أيّام أخر.

[٢ / ٤٩٢١] وهكذا أخرج ابن جرير عن الضحّاك قال : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) أي عدّة ما أفطر المريض والمسافر (٧).

__________________

(١) راجع : جواهر الكلام ٧ : ٢٩٢.

(٢) البخاري ٤ : ٩٢.

(٣) فتح الباري ٢ : ٤٩.

(٤) تحيّن لكذا : ترصّد له.

(٥) البخاري ٤ : ٩٢.

(٦) فتح الباري ٦ : ٢٤٠.

(٧) الطبري ٢ : ٢١٣ / ٢٣٧٦.

٥٤٨

[٢ / ٤٩٢٢] وأخرج أيضا عن ابن زيد قال : إكمال العدّة ، أن يصوم ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض ، إلى أن يتمّه ، فإذا أتمّه فقد أكمل العدّة (١).

[٢ / ٤٩٢٣] وكذا قال الفرّاء : معنى الآية : ولتكملوا العدّة في قضاء ما أفطرتم (٢).

وهناك روايات فسّرت الآية باكتمال شهر رمضان ثلاثين يوما أبدا.

[٢ / ٤٩٢٤] روى أبو النضر محمّد بن مسعود العيّاشيّ بالإسناد إلى ابن أبي عمير عن رجل قال :

قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، ما يتحدّث به عندنا : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صام تسعة وعشرين أكثر ممّا صام ثلاثين ، أحقّ هذا؟ قال : «ما خلق الله من هذا حرفا ، ما صامه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا ثلاثين ، لأنّ الله ـ تعالى ـ يقول : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) أفكان النبيّ ينقصه؟!» (٣)

[٢ / ٤٩٢٥] وأخرج البخاري بالإسناد إلى خالد الحذّاء عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «شهران لا ينقصان ، شهرا عيد : رمضان وذو الحجّة» (٤).

[٢ / ٤٩٢٦] وهكذا رواه مسلم في الصحيح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «شهرا عيد لا ينقصان : رمضان وذو الحجّة» (٥).

[٢ / ٤٩٢٧] وأخرج أحمد بالإسناد أيضا إلى خالد الحذّاء عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه ، قال : أحسبه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «شهران لا ينقصان ، شهرا عيد : رمضان وذو الحجّة» (٦).

وأخرجه أبو داوود عن خالد عن ابن أبي بكرة عن أبيه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك (٧).

وهكذا ابن ماجة بنفس الإسناد (٨).

[٢ / ٤٩٢٨] وأخرج الترمذي أيضا بنفس الإسناد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «شهرا عيد لا ينقصان : رمضان وذو الحجّة» (٩).

__________________

(١) المصدر / ٢٣٧٧.

(٢) الوسيط ١ : ٢٨٢ ؛ معاني القرآن ١ : ١١٣.

(٣) العيّاشيّ ١ : ١٠١ / ١٩٥ ؛ البحار ٩٣ : ٢٩٩ / ١١ ، باب ٣٧ ؛ البرهان ١ : ٤٠٣ / ٧ ؛ نور الثقلين ١ : ١٧٠.

(٤) البخاري ٢ : ٢٣٠ ، باب ١٢ (شهرا عيد لا ينقصان).

(٥) مسلم ٣ : ١٢٧ ، باب معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (شهرا عيد لا ينقصان).

(٦) مسند أحمد ٥ : ٣٨ و ٤٧ ـ ٤٨ و ٥١.

(٧) أبو داوود ٢ : ٢٩٧ / ٢٣٢٣.

(٨) ابن ماجة ١ : ٥٠٩ ، باب ٤٨١.

(٩) الترمذي ٣ : ٧٥ / ٦٩٢ ، باب ٨ ، من كتاب الصوم.

٥٤٩

قلت : ومن غريب الاتّفاق أنّ روايات كمال الشهرين ينحصر طريق أسانيدها برواية خالد بن مهران الحذّاء عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه.

كما أنّ ما ورد في رواياتنا ينتهي إسنادها ـ حسبما ذكره الشيخ في التهذيب (١) ـ في الحسن بن حذيفة بن منصور عن أبيه عن معاذ بن كثير. وسنذكرها.

الأمر الّذي يجب التريّث لديه :

أمّا خالد بن مهران الحذّاء ، فقد توقّف فيه أئمّة النقد والتمحيص ، قال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتجّ به. وكان زياد قد استعمله على عشور البصرة. قال يحيى بن معين : قلت لحمّاد بن زيد : فخالد الحذّاء؟ قال : قدم علينا قدمة من الشام فكأنّا أنكرنا حفظه.

ومن طريق أحمد بن حنبل : قيل لابن عليّة في حديث كان خالد يرويه؟ فلم يلتفت إليه ابن عليّة وضعّف أمر خالد. قال ابن حجر : والظاهر أنّ كلام هؤلاء فيه من أجل ما أشار إليه حمّاد بن زيد من تغيير حفظه بآخره أو من أجل دخوله في عمل السلطان (٢).

وأمّا حذيفة بن منصور ، فسيأتي نقل كلام ابن داوود فيه : حديثه غير نقيّ يروي الصحيح والسقيم ، ولذلك ذكرناه في الضعفاء. قال ابن الغضائري بشأنه : حديثه غير نقيّ يروي الصحيح والسقيم وأمره ملتبس ، ونقل عنه أنّه ولّي من قبل بني أمية (٣).

* * *

هذا ، فضلا عن أنّ الحديث في ظاهر تعبيره لا يستقيم على أساس ، وقد حاول بعضهم تأويله ، وذكروا له وجوها :

والبخاري بنفسه عند ما عقد الباب ، نقل عن إسحاق بن راهويه : أنّ هذين الشهرين حتّى لو كانا ناقصين عددا ، فإنّهما تامّان فضلا ومثوبة. قال : وإن كان ناقصا فهو تمام.

قال البخاري : وقال محمّد ـ يعني نفسه ـ : لا يجتمعان كلاهما ناقص (٤). أي لا يقعان كلاهما في سنة واحدة ناقصين.

قال ابن حجر في الشرح : اختلف العلماء في معنى هذا الحديث ، فمنهم من حمله على ظاهره ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٧ ـ ١٦٩.

(٢) تهذيب التهذيب ٣ : ١٢١ ـ ١٢٢ / ٢٢٤.

(٣) كتاب الرجال لابن داوود : ٧١ / ٣٨٩ و ٢٣٧ / ١١١.

(٤) البخاري ٢ : ٢٣٠.

٥٥٠

فقال : لا يكون رمضان ولا ذو الحجّة أبدا إلّا ثلاثين يوما! قال ابن حجر : وهذا قول مردود ، معاند للموجود المشاهد. ويكفي في ردّه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صوموا للرؤية وأفطروا للرؤية ، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة». (١) فإنّه لو كان رمضان أبدا ثلاثين لم يحتج إلى هذا.

قال : ومنهم من تأوّل له معنى لائقا ، وقال أبو الحسن : كان إسحاق بن راهويه يقول : لا ينقصان في الفضيلة ، إن كانا تسعة وعشرين أو ثلاثين.

وقيل : لا ينقصان معا ، إن جاء أحدهما تسعا وعشرين ، جاء الآخر ثلاثين ولا بدّ.

وقيل : لا ينقصان في ثواب العمل فيهما. قال : وهذان القولان مشهوران عن السلف.

قال : ووقع عند الترمذي نقل القولين عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل (٢) ، وكأنّ البخاري اختار مقالة أحمد فجزم بها ، أو تواردا عليه.

[٢ / ٤٩٢٩] وروى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح : أنّ إسحاق بن إبراهيم سئل عن ذلك؟ فقال : إنّكم ترون العدد ثلاثين ، فإن كان تسعا وعشرين ، ترونه نقصانا ، وليس ذلك بنقصان.

وذكر ابن حبّان لهذا الحديث معنيين : أحدهما ما قاله إسحاق ، والآخر : أنّ المراد أنّهما في الفضل سواء ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث الآخر : «ما من أيّام ، العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجّة» (٣).

وذكر القرطبي أنّ فيه خمسة أقوال ، فذكر نحو ما تقدّم وزاد : أنّ معناه : لا ينقصان في عام بعينه ، وهو العام الّذي قال فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك المقالة. وهذا حكاه ابن بزيزة ، ومن قبله أبو الوليد بن رشد ، ونقله المحبّ الطبري عن أبي بكر بن فورك.

وقيل : المعنى : لا ينقصان في الأحكام. وبهذا جزم البيهقي وقبله الطحاوي ، فقال : معنى لا ينقصان ، أنّ الأحكام فيهما ، وإن كانا تسعة وعشرين ، متكاملة غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين.

__________________

(١) المصدر : ٢٢٩.

(٢) الترمذي ٣ : ٧٦. وفيه : قال أحمد : لا ينقصان معا في سنة واحدة ، إن نقص أحدهما تمّ الآخر. وقال إسحاق : إن كان تسعا وعشرين فهو تام غير نقصان. قال الترمذي : وعليه فيجوز اجتماعهما في النقصان عددا.

(٣) انظر : فتح الباري ٤ : ١٠٧.

٥٥١

وقيل : معناه : لا ينقصان في نفس الأمر ، لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانع. وهذا أشار إليه ابن حبّان أيضا. قال ابن حجر : ولا يخفى بعده!

وقيل : معناه : لا ينقصان معا في سنة واحدة ، على طريق الأكثر الأغلب ، وإن ندر وقوع ذلك. قال ابن حجر : وهذا أعدل ممّا تقدّم ، لأنّه ربما وجد وقوعهما ووقوع كلّ منهما تسعة وعشرين.

قال الطحاوي : الأخذ بظاهر الحديث أو حمله على نقص أحدهما ، يدفعه العيان ، لأنّا قد وجدناهما ينقصان معا في أعوام.

قال الزين بن المنير : لا يخلو شيء من هذه الأقوال عن الاعتراض ، وأقربها أنّ المراد : أنّ النقص الحسّيّ باعتبار العدد ، ينجبر بأنّ كلّا منهما شهر عيد عظيم (١) ، فلا ينبغي وصفهما بالنقصان ، بخلاف غيرهما من الشهور. قال ابن حجر : وحاصله يرجع إلى تأييد قول إسحاق.

وقال البيهقي ـ في المعرفة ـ : إنّما خصّهما بالذكر ، لتعلّق حكم الصوم والحجّ بهما. قال ابن حجر : وبه جزم النووي وقال : إنّه الصواب المعتمد (٢) ، والمعنى : أنّ كلّ ما ورد عنهما من الفضائل والأحكام حاصل ، سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعا وعشرين ، سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره. ولا يخفى أنّ محلّ ذلك ما إذا لم يحصل تقصير في ابتغاء الهلال ، وفائدة الحديث رفع ما يقع في القلوب من شكّ لمن صام تسعا وعشرين أو وقف في غير يوم عرفة ، وقد استشكل بعض العلماء إمكان الوقوف في الثامن ، اجتهادا! وليس مشكلا ، لأنّه ربما ثبتت الرؤية بشاهدين أنّ أوّل ذي الحجّة الخميس مثلا ، فوقفوا يوم الجمعة ، ثمّ تبيّن أنّهما شهدا زورا!

وقال الطيّبي : ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص الشهرين بمزيّة ليست في غيرهما من

__________________

(١) غير خفيّ أنّ عيد الفطر من شوّال لا رمضان! قال ابن حجر : أطلق على رمضان أنّه شهر عيد ، لقربه من العيد ، أو لكون هلال العيد ربّما رؤي في اليوم الأخير من رمضان. قاله الأثرم. والأوّل أولى. ونظيره قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المغرب وتر النهار» أخرجه الترمذي (٢ : ٣٢ ومسند أحمد ٢ : ٣٠). وصلاة المغرب ليليّة جهريّة ، وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه. وفيه إشارة إلى أنّ وقتها يقع أوّل ما تغرب الشمس. (فتح الباري ٤ : ١٠٨). ولا يخفى تكلّفه في هذا التأويل!

(٢) ذكر النووي ثلاثة أقوال وضعف الثالث ، ثمّ قال : والأوّل هو الصواب المعتمد. ومعناه : أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدّم من ذنبه. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قام رمضان إيمانا واحتسابا ، وغير ذلك ، فكلّ هذه الفضائل تحصل ، سواء تمّ العدد أم نقص. (النووي بشرح مسلم ٧ : ١٩٩).

٥٥٢

الشهور ، وليس المراد أنّ ثواب الطاعة في غيرهما ينقص ، وإنّما المراد رفع الحرج عمّا عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم ، لاختصاصهما بالعيدين ، وجواز احتمال وقوع الخطاء فيهما ، ومن ثمّ قال : شهرا عيد ، بعد قوله : شهران لا ينقصان. ولم يقتصر على قوله : رمضان وذو الحجّة.

قال ابن حجر : وفي الحديث حجّة لمن قال : إنّ الثواب ليس مرتّبا على وجود المشقّة دائما ، بل لله أن يتفضّل بإلحاق الناقص بالتامّ في الثواب. واستدلّ بعضهم لمالك في اكتفائه لرمضان بنيّة واحدة ، قال : لأنّه جعل الشهر بجملته عبادة واحدة ، فاكتفي له بالنيّة. وهذا الحديث يقتضي أنّ التسوية في الثواب بين الشهر الناقص والشهر التامّ إنّما هو بالنظر إلى جعل الثواب متعلّقا بالشهر من حيث الجملة ، لا من حيث تفضيل الأيّام (١).

* * *

تلك كلّ محاولات القوم في توجيه وتأويل حديث تمام رمضان ، علّه يتوافق مع المعقول من كلام صادر عن منبع حكيم! ولكن هيهات ، وقد قيل قديما : إذا كثر الجواب خفي الصواب ، الأمر الّذي يشي بغمز في أصل الصدور.

فلقد كان تركه على عواهنه أولى من ركوب صعاب بلا جدوى ؛ الأمر الّذي تنبّه له علماؤنا الأعلام ، فتركوا التكلّف فيما لا طائل تحته. وسنتعرّض لذلك.

هذا وقد صحّ الحديث بأنّ شهر رمضان ينقص ويتمّ كسائر الشهور ، الأمر الّذي يوافق المعقول المشهود ، ويتقدّم ـ بطبيعة الحال ـ على حديث مريب.

[٢ / ٤٩٣٠] روى أصحاب السنن جميعا بالإسناد إلى جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الشهر ـ شهر رمضان ـ يكون تسعا وعشرين». وكذا بالإسناد إلى أمّ سلمة ، وعائشة وسعد بن أبي وقّاص وغيرهم ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأطبقوا على ذلك من غير خلاف. وقد عقد مسلم بابا في صحيحه ، ترجمه بباب الشهر يكون تسعا وعشرين (٢). وكذا غيره من كتب الصحاح.

* * *

وهكذا جاء في روايات أصحابنا عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، أنّ شهر رمضان ، شهر من الشهور ،

__________________

(١) فتح الباري ٤ : ١٠٦ ـ ١٠٨.

(٢) مسلم ٣ : ١٢٥ ـ ١٢٦.

٥٥٣

يصيبه ما يصيب الشهور من التمام والنقصان :

[٢ / ٤٩٣١] روى الشيخ أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى حمّاد بن عثمان عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «شهر رمضان ، شهر من الشهور ، يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان» (١).

[٢ / ٤٩٣٢] وبالإسناد إلى رفاعة عنه عليه‌السلام قال : «صيام شهر رمضان بالرؤية ، وليس بالظنّ ، وقد يكون شهر رمضان تسعة وعشرين ، وقد يكون ثلاثين ، يصيبه ما يصيب الشهور من التمام والنقصان» (٢).

[٢ / ٤٩٣٣] وبالإسناد إلى محمّد بن مسلم عن أحدهما (الباقر أو الصادق عليهما‌السلام) قال : «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان ، فإذا صمت تسعة وعشرين يوما ، ثمّ تغيّمت السماء فأتمّ العدّة ثلاثين يوما» (٣).

إلى غيرها من روايات هي صريحة المفاد ، وافية المراد ، لاغبار عليها.

* * *

ثمّ أورد الشيخ الأخبار بكون شهر رمضان ثلاثين يوما أبدا ، كلّها برواية حذيفة بن منصور (٤) ، تارة ينسبه إلى الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام بلا واسطة ، وأخرى مع واسطة معاذ بن كثير ، وثالثة ينسبه إلى معاذ نفسه ، وهكذا تراه يختلط في نسبة ذلك إلى قائله.

ومن ثمّ عقّبه الشيخ بقوله : وهذا الخبر ، لا يصحّ العمل به من وجوه :

أحدها : أنّ متن هذا الحديث لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار.

ثانيها : أنّ كتاب حذيفة بن منصور رحمه‌الله عري منه ، والكتاب معروف مشهور. ولو كان هذا

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥٢ ؛ الوسائل ١٠ : ٢٦٢ / ٣.

(٢) الاستبصار ٢ : ٦٣ / ٤ ؛ الوسائل ١٠ : ٢٦٣ / ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٥ / ١ ؛ الوسائل ١٠ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ / ١.

(٤) هي ستّ روايات بأرقام : ٤٩ ـ ٥٤. التهذيب ٤ : ١٦٧ ـ ١٦٨. هذا وقد قال ابن الغضائري بشأنه : حديثه غير نقيّ ؛ يروي الصحيح والسقيم ، وأمره ملتبس. قال تقيّ الدين ابن داوود الحلّي : ولذلك ذكرته في الضعفاء. (رجال ابن داوود : ٧١ برقم ٣٨٩ و : ٢٣٧ برقم ١١١). كما وأنّ طريق الشيخ إليه ضعيف. قال سيّدنا الأستاذ : وللشيخ إليه طريقان كلاهما ضعيف. (معجم رجال الحديث ٥ : ٢٢٥).

٥٥٤

الحديث صحيحا عنه لضمّنه كتابه.

ثالثها : أنّ هذا الخبر مختلف الألفاظ ، مضطرب المعاني : ألا ترى أنّ حذيفة تارة يرويه عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١). وتارة يرويه عن أبي عبد الله عليه‌السلام بلا واسطة (٢) وتارة يفتي به معاذ من قبل نفسه ، فلا يسنده إلى أحد (٣).

قال : وهذا الضرب من الاختلاف ممّا يضعف الاعتراض به والتعلّق بمثله (٤).

مقالة الشيخ المفيد

وللشيخ أبي عبد الله المفيد رسالة في الردّ على أصحاب القول بالعدد ، أجاب فيها عن مسائل بعض الإخوان من أهل الموصل ، سألوا : هل يصحّ قول من قال بالعدد وأنكر أن ينقص شهر رمضان! وعن قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)(٥) ، هل هو في قضاء مافات من الشهر ، أم هو راجع إلى الشهر نفسه؟

فأجاب رحمه‌الله بأنّ الشهر ما اشتهر بالهلال ، فكان مرتبطا به ، وهذا يكون لتسعة وعشرين يوما ولثلاثين. حسب المشهود وقد قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)(٦) ، فأنيط الشهر بالهلال محضا.

قال : وأمّا ما تعلّق به أصحاب العدد وأنّ شهر رمضان لا يكون أقلّ من ثلاثين يوما ، فهي أحاديث شاذّة قد طعن فيها نقّاد الآثار من الشيعة في سندها ، وهي مثبتة في كتب الصيام ، في أبواب النوادر ، والنوادر هي الّتي لا عمل عليها.

ثمّ جعل يذكر الأحاديث المرويّة بهذا الشأن ، وينقدها نقدا فنّيّا ، واحدة تلو أخرى ، حسب الأصول ، وعقّبها بالأحاديث الصحاح ذوات الاعتبار ، روتها الفقهاء الأعلام من أصحاب الأئمّة من لدن عهد الإمام الباقر فإلى عهد الإمام العسكري عليهم‌السلام وهم الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٧ / ٤٩ و ١٦٨ / ٥٠ و ٥٢.

(٢) المصدر : ١٦٨ / ٥١ و ٥٣.

(٣) المصدر : ١٦٩ / ٥٤. وقد ضعّف المولى المجلسي أسناد الأحاديث كلّها سوى هذا الخبر الأخير الّذي نسبه إلى معاذ نفسه. (ملاذ الأخيار ٦ : ٤٦٩ ـ ٤٧١).

(٤) التهذيب ٤ : ١٦٩.

(٥) البقرة ٢ : ١٨٥.

(٦) البقرة ٢ : ١٨٩.

٥٥٥

والحرام والفتيا والأحكام ، الّذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم ، وهم أصحاب الأصول المدوّنة ، والمصنّفات المشهورة ، كلّهم قد أجمعوا نقلا وعملا على أنّ شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوما ؛ نقلوا ذلك عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام وعرفوه في عقيدتهم ، واعتمدوه في ديانتهم (١).

* * *

وللشريف المرتضى أيضا رسالة في الردّ على دلائل أصحاب القول بالعدد ، يذكر أدلّتهم ويناقشها واحدة بعد أخرى. ويجعل الرجحان في كفّة القائلين بالرؤية. وفقا للمتواتر من أحاديث الرسول والأئمّة من ذرّيّته الأطيبين ، صلوات الله عليهم أجمعين (٢).

ومن المعاصرين العلّامة المولى أبو الحسن الشعراني ، في تعليقه على كتاب الوافي للمولى محسن الفيض الكاشاني ، علّق على قول المصنّف : «إنّ المسألة ممّا تعارضت فيه الأخبار» قال : العجب من المصنّف كيف اعتنى بهذه الأخبار ، وكيف يتعارض المتواتر المشهور مع الشاذّ النادر؟! فالاستهلال والشهادة على رؤية الهلال ، عمل جميع المسلمين ، يعلم ذلك جميع أهل العالم ، وملأت الكتب من أحكامها في الفقه والحديث والتواريخ والسّير من نقل الوقائع فيها ، فكيف تقاس الأحاديث الّتي شهد بصحّتها آلاف ألوف من الناس ، بأحاديث لم يطّلع عليها أحد إلّا نادرا ، ومن اطّلع عليها ردّها إلّا نادرا! ومن يرى التعارض بينهما ، فمثله كمثل من يرى التعارض بين اللائح المشهور والخامل المغمور.

وهل هناك تعارض بين المتواتر المعلوم والشاذّ النادر المهجور؟! إذن لا ينبغي الاعتناء بخبر الواحد المناقض للمتواتر المستفيض (٣).

وممّا يجدر التنبّه له أنّ المولى الفيض الكاشاني ، بعد كلامه ذلك نبّه إلى نكتة دقيقة ، قال : والصواب أن يقال : هنا روايتان ، إحداهما موافقة للقواعد والأصول المعتمدة ومطابقة للظواهر والعمومات القرآنيّة والأخرى مخالفة لها ، فضلا عن اشتمالها على تعليلات عليلة تنبو عنها العقول

__________________

(١) رسالة «جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية» وهي المعروفة بالرسالة العدديّة. (المجلد التاسع من مصنّفات الشيخ المفيد).

(٢) المجموعة الثانية من رسائل الشريف المرتضى ، برقم ١٠ (١٧ ـ ٦٣).

(٣) الوافي ١١ : ١٤٥ ، الهامش ، بتصرّف يسير.

٥٥٦

السليمة والطباع المستقيمة ، ويبعد صدورها عن أئمّة الهدى ، بل هي ممّا يستشمّ منه رائحه الوضع والاختلاق.

على أنّ الروايات الأولى أكثر رواة وأوثق رجالا وأسدّ مقالا ، وأشبه بكلام أئمّة الهدى ، صلوات الله عليهم أجمعين (١).

قال الفقيه البحراني ـ بعد أن نقل كلام الفيض ـ : من تمحّل في محاولة الجمع والأخذ بالتأويل ، فقد أتى بتكلّف سحيق سخيف بعيد وظاهر القصور ، والأظهر هو رجحان القول المشهور لرجحان أخباره ـ على ما ذكره المحقّق الفيض ـ ويزيده اعتبارا اعتضادها بإجماع الطائفة سلفا وخلفا على الأخذ بمضمونها ، وهو مؤذن بكون ذلك هو مذهب أهل البيت عليهم‌السلام (٢).

قوله تعالى : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

نعم كان الصوم للمقيم السليم ، والرخصة للمسافر والمريض ، نعمة من الله ، نعمة الهداية إلى سبل السّلام والصلاح ، فكانت تستحقّ الشكر والتكبير لعظيم آلائه تعالى على العباد. وما هذه إلّا غاية عليا من غايات الفرائض ، أن يشعر المؤمن بقيمة الهدى الّذي يسّره الله له ، وهذا الإحساس والشعور هو بذاته شكر على النعماء.

وهو أمر فطريّ يجده الإنسان في صميم ذاته ، عند ما يواجه إفضال ربّه تعالى عليه ، فينبعث من ذات وجوده ليبدي هذا الشكر في صورة خضوع وخشوع وإعظام وإكبار تجاه هذا التوفيق العظيم ومن ثمّ قالوا : شكر النعم واجب في شريعة العقول.

[٢ / ٤٩٣٤] وفي الحديث : «الشكر ، المعرفة» (٣).

هذا ، وقد ورد الأثر بأداء هذا التكبير شكرا لله ، عند إكمال الصوم ، ليلة الفطر ، بعد صلاة المغرب وبعد صلاة العشاء وبعد الفجر وبعد صلاة العيد.

[٢ / ٤٩٣٥] روى المشايخ الثلاثة بالإسناد إلى سعيد النقّاش ، عن الإمام أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أما إنّ في الفطر تكبيرا ، ولكنّه مسنون. قلت : وأين هو؟ قال : في ليلة الفطر في المغرب والعشاء الآخرة

__________________

(١) المصدر : ١٤٦ ، بتصرّف واختزال.

(٢) الحدائق الناضرة ١٣ : ٢٧٨ ، بتصرّف واختزال.

(٣) المحاسن ١ : ١٤٩ / ٦٥ ، كتاب الصفوة ، باب المعرفة ١٩ ؛ البحار ٢٤ : ٦٠ / ٣٨ ، باب ٢٩.

٥٥٧

وفي صلاة الفجر وصلاة العيد ، ثمّ يقطع. قلت : كيف أقول : قال : تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، ولله الحمد. الحمد لله على ما هدانا ، وله الشكر على ما أولانا. قال : وهو قول الله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) يعني الصيام ، (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ)(١).

[٢ / ٤٩٣٦] وروى الصدوق بالإسناد إلى الأعمش عن الصادق عليه‌السلام في حديث شرائع الدين ، قال : والتكبير في العيدين واجب (أي ثابت) أمّا في الفطر ففي خمس صلوات ، يبتدأ به من صلاة المغرب ليلة الفطر ، إلى صلاة العصر من يوم الفطر (٢). وهو أن يقال : «الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا» (٣). لقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ).

وفي الأضحى بالأمصار في دبر عشر صلوات ، يبتدأ به من صلاة الظهر يوم النحر ، إلى صلاة الغداة من اليوم الثالث (أي الثاني عشر من ذي الحجّة). وبمنى ، في دبر خمس عشرة صلاة ، يبتدأ به من صلاة الظهر يوم النحر ، إلى صلاة الغداة من اليوم الرابع. ويزاد قال : ويزاد في هذا التكبير (في الأضحى) : «والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام» (٤).

[٢ / ٤٩٣٧] وروى بالإسناد إلى الفضل بن شاذان أنّه سمع الرضا عليه‌السلام يقول : «فإن قيل : فلم جعل يوم الفطر العيد؟ قيل : لأن يكون للمسلمين مجمعا يجتمعون فيه ويبرزون لله تعالى ، فيحمدونه على ما منّ عليهم ، فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرّع ، ولأنّه أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب (٥) ، لأنّ أوّل شهور السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان ، فأحبّ الله تعالى أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدّسونه.

فإن قيل : فلم جعل التكبير فيها (في صلاة العيد) أكثر منه في غيرها من الصلوات؟ قيل : لأنّ التكبير إنّما هو تعظيم لله وتحميد على ما هدى الله وعافى ، كما قال الله ـ عزوجل ـ (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٦٦ ـ ١٦٧ / ١ ؛ التهذيب ٣ : ١٣٨ ـ ١٣٩ / ٤٣ ؛ الفقيه ٢ : ١٠٨ / ٤٦٤ ـ ١. مصباح المتهجّد ، للطوسي : ٥٩٢ ؛ مصباح الكفعمي : ٦٤٧. والتكبيرات صحّحناها على المصباحين ؛ العيّاشيّ ١ : ١٠١ / ١٩٤.

(٢) لعلّه لمن لم يصلّ صلاة العيد.

(٣) وفي النسخة : على ما أبلانا.

(٤) الخصال ٢ : ٦٠٩ / ٩.

(٥) أي أوّل يوم منذ ابتدأت السنة.

٥٥٨

عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»)(١).

[٢ / ٤٩٣٨] ورواه في الفقيه بتلخيص ، جاء فيه :

«إنّما جعل يوم الفطر عيدا ، ليكون للمسلمين مجتمعا يجتمعون فيه ويبرزون لله ـ عزوجل ـ ويمجّدونه على ما منّ عليهم ، فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرّع ، ولأنّه أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب ، لأنّ أوّل شهور السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان ، فأحبّ الله ـ عزوجل ـ أن يكون لهم في ذلك مجمع يحمدونه فيه ويقدّسونه. وإنّما جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلاة ، لأنّ التكبير هو التعظيم لله وتمجيد على ما هدى الله وعافى» (٢).

[٢ / ٤٩٣٩] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال : حقّ على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوّال أن يكبّروا الله حتّى يفرغوا من عيدهم ، لأنّ الله يقول : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ)(٣).

[٢ / ٤٩٤٠] وعن ابن عبّاس في قوله : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) قال : لتعظّموا الله على ما أرشدكم له من شرائع الدين (٤).

[٢ / ٤٩٤١] وأخرج الطبراني في المعجم الصغير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «زيّنوا أعيادكم بالتكبير» (٥).

[٢ / ٤٩٤٢] وأخرج المروزي والدارقطني والبيهقي في السنن عن أبي عبد الرحمان السّلمي قال : كانوا في الفطر أشدّ منهم في الأضحى يعني في التكبير (٦).

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ٢٦٩ / ٩ ، باب ١٨٢ ؛ عيون الأخبار ٢ : ١٢٢ / ١ ، باب ٣٤.

(٢) الفقيه ١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ / ١٤٨٨ ـ ٣٢ ؛ البحار ٦ : ٧٩ و ٨٧ : ٣٦٢.

(٣) الدرّ ١ : ٤٦٨ ؛ الطبري ٢ : ٢١٤ / ٢٣٨٠ ؛ الثعلبي ٢ : ٧٤ ، باختلاف يسير ، ونقلا عن زيد بن أسلم أيضا ؛ القرطبي ٢ ؛ ٣٠٦ ، إلى قوله : «يكبّروا». وزاد : روي عنه : يكبّر من رؤية الهلال إلى انقضاء الخطبة ويمسك وقت خروج الإمام ويكبّر بتكبيره.

(٤) الوسيط ١ : ٢٨٣.

(٥) الدرّ ١ : ٤٦٨ ؛ الصغير ١ : ٢١٥ ؛ الأوسط ٤ : ٣٣٩ ؛ مجمع الزوائد ٢ : ١٩٧ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٤٦ / ٢٤٠٩٤ ، عن أنس.

(٦) الدرّ ١ : ٤٦٨ ؛ الدارقطني ٢ : ٤٤ / ٥ ؛ البيهقي ٣ : ٢٧٩ ؛ الحاكم ١ : ٢٩٨ ؛ القرطبي ٢ : ٣٠٧.

٥٥٩

[٢ / ٤٩٤٣] وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف عن الزهري ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخرج يوم الفطر فيكبّر حتّى يأتي المصلّى وحتّى تقضى الصلاة ، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير (١).

[٢ / ٤٩٤٤] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق نافع عن عبد الله بن مسعود ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يخرج إلى العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير (٢).

[٢ / ٤٩٤٥] وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والمروزي عن ابن مسعود أنّه كان يكبّر : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، ولله الحمد (٣).

[٢ / ٤٩٤٦] وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي والبيهقي في سننه عن ابن عبّاس ، أنّه كان يكبّر : الله أكبر كبيرا ، الله أكبر كبيرا ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر وأجلّ على ما هدانا (٤).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٦٨ ؛ المصنّف ٢ : ٧١ / ٣ ، باب ٥ ؛ البيهقي ٣ : ٢٧٩.

(٢) الدرّ ١ : ٤٦٨ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣٤٢ / ٣٧١٤ ؛ كنز العمّال ٧ : ٨٨ / ١٨١٠١.

(٣) الدرّ ١ : ٤٦٨ ؛ المصنّف ٢ : ٧٣ ـ ٧٤ / ٢ و ٦ ، باب ٧.

(٤) الدرّ ١ : ٤٦٨ ؛ المصنّف ٢ : ٧٤ / ٦ ، باب ٧ ؛ البيهقي ٣ : ٣١٥.

٥٦٠