التفسير الأثري الجامع - ج ٤

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-05-0
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

قال : «أيّها الناس ، إنّه قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، وهو شهر رمضان ، فرض الله صيامه ، وجعل قيام ليلة فيه كمن تطوّع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور ، وجعل لمن تطوّع فيه بخصلة من خصال الخير والبرّ كأجر من أدّى فريضة من فرائض الله عزوجل ، ومن أدّى فريضة من فرائض الله كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور.

وهو شهر الصبر ، وإنّ الصبر ثوابه الجنّة ، وهو شهر المواساة ، وهو شهر يزيد الله فيه رزق المؤمن.

ثمّ ذكر ثواب من فطّر صائما ، وقال : إنّ الله يعطي هذا الثواب منكم لمن لم يقدر إلّا على مذقة من لبن يفطّر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تميرات ، لا يقدر على أكثر من ذلك» (١).

[٢ / ٤٧٠٨] وروى الكليني بالإسناد إلى أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أيضا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا حضر شهر رمضان ، وذلك في ثلاث بقين من شعبان ، قال لبلال : ناد في الناس ، فجمع الناس ، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : «أيّها الناس ، إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به وحضركم ، وهو سيّد الشهور ، فيه ليلة خير من ألف الشهر ، تغلق فيه أبواب النيران ، وتفتح فيه أبواب الجنان ، فمن أدركه فلم يغفر له فأبعده الله» (٢).

[٢ / ٤٧٠٩] وروى ابن بابويه بالإسناد إلى جابر [الجعفي] عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا نظر إلى هلال شهر رمضان ، استقبل القبلة بوجهه ثمّ قال : «اللهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان ، والسلامة والإسلام ، والعافية المجلّلة والرزق الواسع ودفع الأسقام ، وتلاوة القرآن ، والعون على الصلاة والصيام. اللهمّ سلّمنا لشهر رمضان وسلّمه لنا وتسلّمه منّا ، حتّى ينقضي شهر رمضان وقد غفرت لنا».

ثمّ يقبل بوجهه إلى الناس فيقول : «يا معشر الناس ، إذا طلع هلال شهر رمضان غلّت مردة الشياطين ، وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة ، وغلّقت أبواب النار ، واستجيب الدعاء ، وكان لله ـ تبارك وتعالى ـ عند كلّ فطر عتقاء يعتقهم من النار ، وينادي مناد كلّ ليلة : هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ اللهمّ ، أعط كلّ منفق خلفا ، وأعط كلّ ممسك تلفا».

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٨ ، باب ٢٨ / ١ ـ ٢٥٤ ؛ الكافي ٤ : ٦٦ / ٤ ، والمذقة : لبن غير خالص من خليط الماء.

(٢) الكافي ٤ : ٦٧ / ٥ ؛ الفقيه ٢ : ٥٩ / ٢.

٤٨١

قال : حتّى إذا طلع هلال شوّال ، نودي المؤمنون : «أن اغدوا إلى جوائزكم ، فهو يوم الجائزة!».

قال الإمام أبو جعفر عليه‌السلام : أما والّذي نفسي بيده ، ما هي بجائزة الدنانير والدراهم (١).

ورواه الكليني مقتصرا على الشطر الأخير حيث أقبل بوجهه إلى الناس وخاطبهم (٢).

[٢ / ٤٧١٠] وروى ابن بابويه أنّ الإمام أبو جعفر عليه‌السلام قال لجابر : «يا جابر ، من دخل عليه شهر رمضان ، فصام نهاره وقام وردا من ليله وحفظ فرجه ولسانه وغضّ بصره وكفّ أذاه ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه! قال جابر : قلت له : جعلت فداك ، ما أحسن هذا من حديث؟! فقال الإمام : ما أشدّ هذا من شرط!» (٣) ذلك لأنّ ما ذكره الإمام شرطا لغفران الذنوب ، شديد الوطأة ، قلّ من يتحمّلها.

والقيام وردا كلّ ليلة من شهر رمضان ، اختصاص قسط من الليل للقيام بالعبادة تباعا كلّ ليلة. وقد ورد ذلك في أحاديث ، منها :

[٢ / ٤٧١١] روى زرارة عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : لمّا انصرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عرفات وسار إلى منى ، دخل المسجد فسألوه عن ليلة القدر ، فقام خطيبا وقال ـ بعد الثناء على الله عزوجل ـ : «أمّا بعد فإنّكم سألتموني عن ليلة القدر ، ولم أطوها عنكم ، لأنّي لم أكن بها عالما ؛ اعلموا أيّها الناس ، إنّه من ورد عليه شهر رمضان ـ وهو صحيح سويّ ـ فصام نهاره وقام وردا من ليله وواظب على صلاته ، وهجّر إلى جمعته (٤) وغدا إلى عيده ، فقد أدرك ليلة القدر ، وفاز بجائزة الربّ تعالى» (٥).

[٢ / ٤٧١٢] وقال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : «فازوا ـ والله ـ بجوائز ليست كجوائز العباد» (٦).

* * *

[٢ / ٤٧١٣] وأخرج العقيلي وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي والخطيب والأصبهاني في الترغيب عن سلمان الفارسي قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : «يا أيّها الناس قد أظلّكم شهر عظيم شهر مبارك ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوّعا ، من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه ، ومن أدّى

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٩ ـ ٦٠ / ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٦٧ ـ ٦٨ ـ ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٠ / ٦.

(٤) هجّر إلى كذا : بادر.

(٥) الفقيه ٢ : ٦٠ / ٤.

(٦) المصدر / ٥.

٤٨٢

فريضة فيه كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنّة ، وشهر المواساة ، وشهر يزاد في رزق المؤمن ، من فطّر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قلنا : يا رسول الله ليس كلّنا نجد ما يفطّر الصائم؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يعطي الله هذا الثواب من فطّر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء ، ومن أشبع صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتّى يدخل الجنّة ، وهو شهر أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، من خفّف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار ، فاستكثروا فيه من أربع خصال : خصلتان ترضون بهما ربّكم ، وخصلتان لا غنى بكم عنهما. فأمّا الخصلتان اللّتان ترضون بهما ربّكم فشهادة أن لا إله إلّا الله وتستغفرونه ، وأمّا اللّتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنّة وتعوذون به من النار» (١).

[٢ / ٤٧١٤] وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والبيهقي عن عرفجة قال : كنّا عند عتبة بن فرقد وهو يحدّثنا عن رمضان ، إذ دخل رجل من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسكت عتبة بن فرقد قال : يا أبا عبد الله حدّثنا عن رمضان ، كيف سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه؟ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «رمضان شهر مبارك ، تفتح فيه أبواب الجنّة ، وتغلق فيه أبواب السعير ، وتصفّد فيه الشياطين ، وينادي مناد كلّ ليلة : يا باغي الخير هلمّ ، ويا باغي الشرّ أقصر ، حتّى ينقضي رمضان» (٢).

[٢ / ٤٧١٥] وأخرج البيهقيّ عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا كان أوّل ليلة من شهر رمضان فتحت أبواب الجنان ، فلم يغلق منها باب الشّهر كلّه ، وغلّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب الشهر كلّه ، وغلّت عتاة الجنّ ، ونادى مناد من السماء كلّ ليلة إلى انفجار الصبح : يا باغي الخير تمّم وأبشر ، ويا باغي الشرّ أقصر وأبصر ، هل من مستغفر نغفر له؟ هل من تائب نتوب عليه؟ هل من داع نستجيب له؟ هل من سائل نعطي سؤله؟ ولله عند كلّ فطر (أي إفطار) من شهر رمضان كلّ ليلة

__________________

(١) ابن خزيمة ٣ : ١٩١ ـ ١٩٢ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ / ٣٦٠٨ ؛ الثعلبي ٢ : ٦٩ ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٧٧ / ٢٣٧١٤ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٥ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) الدرّ ١ : ٤٤٤ ؛ المصنّف ٢ : ٤١٩ / ٢ ، باب ١ ؛ مسند أحمد ٤ : ٣١٢ ؛ النسائي ٢ : ٦٦ ـ ٦٧ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣٠٢ / ٣٦٠١ ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٦٨.

٤٨٣

عتقاء من النار ستّون ألفا ، فإذا كان يوم الفطر أعتق مثل ما أعتق في جميع الشهر ثلاثين مرّة ، ستّين ألفا ، ستّين ألفا» (١).

[٢ / ٤٧١٦] وأخرج البيهقي والأصبهانيّ عن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا كان أوّل ليلة من رمضان فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتّى يكون آخر ليلة من رمضان ، وليس من عبد مؤمن يصلّي في ليلة منها إلّا كتب الله له ألفا وخمسمائة حسنة بكلّ سجدة ، وبنى له بيتا في الجنّة من ياقوتة حمراء لها ستّون ألف باب ، فيها قصر من ذهب موشّح بياقوتة حمراء ، فإذا صام أوّل يوم من رمضان غفر له ما تقدّم من ذنبه إلى مثل ذلك اليوم من شهر رمضان ، واستغفر له كلّ يوم سبعون ألف ملك من صلاة الغداة إلى أن تواري بالحجاب ، وكان له بكلّ سجدة يسجدها في شهر رمضان بليل أو نهار شجرة يسير الراكب في ظلّها خمسمائة عام» (٢).

[٢ / ٤٧١٧] وأخرج الأصبهاني عن عليّ عليه‌السلام قال : لمّا كان أوّل ليلة من رمضان قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأثنى على الله وقال : «أيّها الناس قد كفاكم الله عدوّكم من الجنّ ووعدكم الإجابة ، وقال (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ألا وقد وكّل الله بكلّ شيطان مريد سبعة من الملائكة ، فليس بمحلول حتّى ينقضي شهر رمضان ، ألا وأبواب السماء مفتّحة من أوّل ليلة منه إلى آخر ليلة منه ، ألا والدعاء فيه مقبول». قال : حتّى إذا كان أوّل ليلة من العشر شمّر وشدّ المئزر ، وخرج من بيته واعتكفهنّ وأحيا الليل. قيل : وما شدّ المئزر؟ قال : كان يعتزل النساء فيهن (٣).

[٢ / ٤٧١٨] وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن عبد الرحمان بن عوف قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رمضان فقال : «شهر فرض الله عليكم صيامه وسننت أنا قيامه ، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» (٤).

[٢ / ٤٧١٩] وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الصلوات الخمس ،

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٤٦ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣٠٤ / ٣٦٠٦ ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٦٩ / ٢٣٧٠٥.

(٢) الدرّ ١ : ٤٥٠ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣١٤ / ٣٦٣٥ ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٧٠ ـ ٤٧١ / ٢٣٧٠٦ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٢٧ ـ ٢٨.

(٣) الدرّ ١ : ٤٥٥ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٨٣ / ٢٤٢٧٤.

(٤) الدرّ ١ : ٤٤٧ ؛ المصنّف ٢ : ٢٨٧ / ١٣ ، باب ٢٢٨ ؛ النسائي ٢ : ٨٩ / ٢٥٢٠ ؛ ابن ماجة ١ : ٤٢١ / ١٣٢٨ ، باب ١٧٣ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣٠٧ / ٣٦١٥ ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٦١ / ٢٣٦٥٩.

٤٨٤

والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر» (١).

[٢ / ٤٧٢٠] وأخرج ابن حبّان والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من صام رمضان ، وعرف حدوده ، وتحفّظ ممّا ينبغي أن يتحفّظ منه ، كفّر ما قبله» (٢).

[٢ / ٤٧٢١] وأخرج البزّار عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لله ـ تبارك وتعالى ـ عتقاء في كلّ يوم وليلة من رمضان ، وإنّ لكلّ مسلم في كلّ يوم وليلة دعوة مستجابة» (٣).

[٢ / ٤٧٢٢] وأخرج البزّار والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وضعّفه عن أنس : «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا دخل رجب قال : اللهمّ بارك لنا في رجب وشعبان وبلّغنا رمضان» (٤).

[٢ / ٤٧٢٣] وأخرج البزّار والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سيّد الشهور شهر رمضان ، وأعظمها حرمة ذو الحجّة» (٥).

[٢ / ٤٧٢٤] وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن مسعود قال : سيّد الشهور شهر رمضان ، وسيّد الأيّام الجمعة (٦).

[٢ / ٤٧٢٥] وأخرج حميد بن زنجويه ، والبيهقي عن كعب قال : إنّ الله اختار ساعات الليل والنهار فجعل منهنّ الصلوات المكتوبة ، واختار الأيّام فجعل منهنّ الجمعة ، واختار الشهور فجعل منهنّ

__________________

(١) مسلم ١ : ١٤٤ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤٠٠ و ٥٠٦ ؛ البيهقي ١٠ : ١٨٧ ، كنز العمّال ٧ : ٢٨٤ و ٣١٨ ؛ الحاكم ١ : ١١٩ ـ ١٢٠.

(٢) الدرّ ١ : ٤٤٥ ؛ ابن حبّان ٨ : ٢١٩ ـ ٢٢٠ / ٣٤٣٣ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣١٠ / ٣٦٢٣ ؛ مسند أحمد ٣ : ٥٥.

(٣) الدرّ ١ : ٤٥٣ ؛ مختصر زوائد مسند البزّار ١ : ٤٠٣ / ٦٦٤ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٤٣.

(٤) الدرّ ١ : ٤٤٤ ؛ مختصر زوائد مسند البزّار ١ : ٤٠٢ / ٦٦٢ ؛ الأوسط ٤ : ١٨٩ ؛ الشعب ٣ : ٣٧٥ / ٣٨١٥ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٤٠ ؛ مسند أحمد ١ : ٢٥٩ ، بلفظ : ... عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل رجب قال : «اللهمّ بارك لنا في رجب وشعبان ، وبارك لنا في رمضان» وكان يقول : «ليلة الجمعة غرّاء ويومها أزهر» ؛ كنز العمّال ٧ : ٧٩ / ١٨٤٩ و ١٤ : ١٧٦ / ٣٨٢٨٩.

(٥) الدرّ ١ : ٤٥٠ ؛ مختصر زوائد مسند البزّار ١ : ٤٠٢ / ٦٦٣ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣٥٥ / ٣٧٥٥ ؛ ابن عساكر ٢٦ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٤٠ ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٦٣ / ٢٣٦٧٠.

(٦) الدرّ ١ : ٤٥١ ؛ المصنّف ٢ : ٥٧ / ٢ ، باب ٧٠ ، كتاب الصلاة ، باب في فضل الجمعة ويومها ، بلفظ : ... عن عبد الله قال : إنّ سيّد الأيّام يوم الجمعة وسيّد الشهور رمضان ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣١٤ / ٣٦٣٨ ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٨٢ / ٢٣٧٣٥.

٤٨٥

شهر رمضان ، واختار الليالي فجعل منهنّ ليلة القدر ، واختار البقاع فجعل منها المساجد (١).

[٢ / ٤٧٢٦] وأخرج الأصبهاني عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا سلم رمضان سلمت السنة ، وإذا سلمت الجمعة سلمت الأيّام» (٢).

[٢ / ٤٧٢٧] وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أنس قال : قيل : «يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل؟ قال : صدقة في رمضان» (٣).

تعظيم التلفّظ بشهر رمضان (٤)

[٢ / ٤٧٢٨] روى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى غياث بن إبراهيم عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليهما‌السلام قال : قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا تقولوا : رمضان ، ولكن قولوا : شهر رمضان ؛ فإنّكم ما تدرون ما رمضان؟!». هكذا رواه ابن بابويه الصدوق (٥).

[٢ / ٤٧٢٩] وروى بالإسناد إلى محمّد بن أبي نصر عن هشام بن سالم عن سعد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كنّا عنده ثمانية رجال ، فذكرنا رمضان ؛ فقال : «لا تقولوا : هذا رمضان ، ولا ذهب رمضان ، ولا جاء رمضان ، فإنّ رمضان اسم من أسماء الله ـ عزوجل ـ لا يجيء ولا يذهب ، وإنّما يجيء ويذهب الزائل ، ولكن قولوا : شهر رمضان. فالشهر مضاف إلى الاسم ، والاسم اسم الله عزّ ذكره ، وهو الشهر الّذي أنزل فيه القرآن ، جعله مثلا وعيدا» (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٥١ (و ٢ : ٢٢١ ، ط : هجر) ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣١٤ / ٣٦٣٦.

(٢) الدرّ ١ : ٤٥٤ ؛ كنز العمّال ٧ : ٧١٠ / ٢١٠٤٩ ، عن الدارقطني في الإفراد ، بلفظ : إذا سلمت الجمعة سلمت الأيّام ، وإذا سلم رمضان سلمت السنة.

(٣) الدرّ ١ : ٤٤٩ ؛ البيهقي ٤ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٣١١ ـ ٣١٢ / ٣٦٣١ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٥٧ / ٢٤١٤٩ ، بلفظ : أفضل الصوم بعد رمضان شعبان ، لتعظيم رمضان ، وأفضل الصدقة صدقة في رمضان.

(٤) هذا العنوان أخذناه من السيّد رضيّ الدين ابن طاووس في كتابه الشريف : «إقبال الأعمال» : ٢٨.

(٥) الكافي ٤ : ٦٩ ـ ٧٠ / ١ ؛ الفقيه ٢ : ١٧٢ ـ ١٧٣ / ٢٠٥١ ؛ المعاني : ٣١٥ / ٢ ؛ البحار ٩٣ : ٣٧٧ / ٢ ، باب ٤٨.

(٦) الكافي ٤ : ٦٩ ـ ٧٠ / ٢ ، كتاب الصيام ، باب في النهي عن قول رمضان بلا شهر ؛ نور الثقلين ١ : ١٦٦ ـ ١٦٧ ؛ الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٢٠٥٠ ، كتاب الصوم ، باب النوادر ؛ المعاني : ٣١٥ / ١ ، باب معنى رمضان ؛ البحار ٩٣ : ٣٧٦ / ١ ، باب ٤٨ ؛ بصائر الدرجات : ٣٣١ / ١٢ ، باب ١٨.

٤٨٦

[٢ / ٤٧٣٠] وأخرج الثعلبي عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا تقولوا رمضان ، انسبوه كما نسبه الله تعالى في القرآن فقال : شهر رمضان» (١).

[٢ / ٤٧٣١] وأخرج وكيع وابن جرير عن مجاهد قال : لا تقل : رمضان ، فإنّك لا تدري ما رمضان ، لعلّه اسم من أسماء الله ـ عزوجل ـ ولكن قل : شهر رمضان ، كما قال الله عزوجل! (٢)

[٢ / ٤٧٣٢] وروى أبو عليّ محمّد بن محمّد بن الأشعث الكوفي عن أبي الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كان يقول : «لا تقولوا رمضان ، فإنّكم لا تدرون ما رمضان ، فمن قال فليتصدّق وليصم كفّارة لقوله ، ولكن قولوا كما قال الله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ»)(٣).

قال العلّامة المجلسي : لعلّه على الفضل والأولويّة ، فإنّ الّذي يقول : رمضان ، إنّما يريد الشهر ، إمّا بحذف المضاف أو صار بكثرة الاستعمال علما للشهر. والدليل على ذلك أنّه ورد في كثير من الأخبار «رمضان» بلا إضافة «شهر» (٤). قال : إلّا أنّ الأحوط هو العمل وفق هذا الخبر (٥).

* * *

وقال أبو عبد الله القرطبي : واختلف هل يقال : «رمضان» دون أن يضاف إليه شهر؟ فكره ذلك مجاهد وقال : يقال ـ كما قال الله تعالى ـ : (شَهْرُ رَمَضانَ) وفي الخبر : «لا تقولوا رمضان ، بل انسبوه كما نسبه الله في القرآن ، فقال : (شَهْرُ رَمَضانَ)(٦). وكان يقول : بلغني أنّه اسم من أسماء الله ، وكان

__________________

(١) الثعلبي ٢ : ٦٧. قال البستى : أنس هذا هو : أنس بن أبي أنس ، والد مالك بن أنس ، واسم أبي أنس مالك بن أبي عامر من ثقات أهل المدينة ، وكان من أقيال اليمن. (القرطبي ٢ : ٢٩٢).

(٢) الدرّ ١ : ٤٤٣ ؛ الطبري ٢ : ١٩٥ / ٢٣٠٤ ؛ ابن كثير ١ : ٢٢٢ ، وعن محمّد بن كعب ؛ البغوي ١ : ٢١٦ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٢ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٣١٠ / ١٦٤٨ ، نقلا عن محمّد بن كعب القرظي وسعيد بن أبي هريرة وزاد : وروى عن مجاهد نحو ذلك. ورخّص فيه ابن عبّاس وزيد بن ثابت ؛ الفردوس بمأثور الخطاب ٥ : ٥٢ / ٧٤٣٣ ، رواه موقوفا على أبي هريرة ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٨٤ / ٢٣٧٤٣ ؛ البيهقي ٤ : ٢٠١ ، موقوفا على أبي هريرة.

(٣) الجعفريّات (الأشعثيّات) : ٥٩ ؛ البحار ٩٣ : ٣٧٧ ؛ مستدرك الوسائل ٧ : ٤٣٨. قال السيّد ابن طاووس ـ في كتاب إقبال الأعمال ١ : ٢٩ ـ : هذا الحديث وقف على مولانا عليّ ـ صلوات الله عليه ـ وقد روينا : أن كلّما روي عن مولانا عليّ فهو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٤) سنذكرها تباعا.

(٥) مرآت العقول ١٦ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٦) سبق في حديث أنس عن تفسير الثعلبي ٢ : ٦٧.

٤٨٧

يكره أن يجمع لفظه ، لهذا المعنى!

ويحتجّ بما روي : رمضان اسم من أسماء الله تعالى!

قال : وهذا ليس بصحيح ، فإنّه من حديث أبي معشر نجيح ، وهو ضعيف (١).

قال : والصحيح جواز إطلاق «رمضان» من غير إضافة ، كما ثبت في الصحاح وغيرها. فذكر حديث مسلّم : «إذا جاء رمضان ...» (٢).

[٢ / ٤٧٣٣] وفي صحيح أبي حاتم البستيّ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلّقت أبواب جهنّم وسلسلت الشياطين». ورواه النسائي بلفظ : «إذا دخل رمضان ...» وبلفظ : «إذا جاء رمضان». وفي لفظ آخر : «هذا رمضان قد جاءكم» (٣).

[٢ / ٤٧٣٤] وروى النسائي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتاكم رمضان شهر مبارك ...» (٤).

[٢ / ٤٧٣٥] وروى عن ابن عبّاس أيضا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامرأة من الأنصار : «إذا كان رمضان فاعتمري ، فإنّ عمرة فيه تعدل حجّة» (٥).

[٢ / ٤٧٣٦] وروي عن عبد الرحمان بن عوف قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تعالى فرض صيام رمضان عليكم ، وسننت لكم قيامه. فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه» (٦).

قال : والآثار في هذا كثيرة ، كلّها بإسقاط «شهر».

قال : وربما أسقطت العرب ذكر الشهر مع رمضان ، قال الشاعر :

جارية في درعها الفضفاض

أبيض من أخت بني إباض

__________________

(١) ذكره ابن عديّ في الضعاف ، وجاء بهذا الحديث عنه. الكامل (دار الكتب العلمية) ٨ : ٣١٣. وقال البيهقي : أبو معشر هو نجيح السندي ضعّفه يحيى بن معين وكان يحيى القطّان لا يحدّث عنه. ثمّ روى عن مجاهد والحسن ، وعقّبه بقوله : والطريق إليهما ضعيف. (النسائي ٤ : ٢٠١ ـ ٢٠٢).

(٢) مسلم ٣ : ١٢١.

(٣) النسائي ٤ : ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٤) المصدر : ١٠٤.

(٥) المصدر.

(٦) مسند أحمد ١ : ١٩١.

٤٨٨

جارية في رمضان الماضي

تقطّع الحديث بالإيماض (١)

وهكذا ناقش ابن كثير أحاديث المنع ، ورجّح الجواز ، استنادا إلى صحّة ما ورد من التعبير برمضان مجرّدا عن إضافة شهر (٢).

قلت : وممّا جاء التعبير برمضان مجرّدا عن إضافة شهر :

[٢ / ٤٧٣٧] ما رواه العيّاشيّ بالإسناد إلى زرارة عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال ـ في قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) : قال : «ما أبينها لمن عقلها ؛ قال : من شهد رمضان فليصمه ، ومن سافر فليفطر» (٣).

[٢ / ٤٧٣٨] وعن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «الشيخ الكبير والّذي به العطاش ، لا حرج عليهما أن يفطرا في رمضان ، وتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ، ولا قضاء عليهما. وإن لم يقدرا فلا شيء عليهما» (٤).

[٢ / ٤٧٣٩] وعن أبي بصير قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل مرض من رمضان إلى رمضان قابل ، ولم يصحّ بينهما ولم يطق الصوم؟ قال : «تصدّق مكان كلّ يوم أفطر ، على مسكين مدّا من طعام. قال : فإن استطاع أن يصوم رمضان الّذي يستقبل ، وإلّا يتربّص إلى رمضان قابل ، فيقضيه. فإن لم يصحّ حتّى جاء رمضان قابل فليتصدّق كما تصدّق ؛ مكان كلّ يوم أفطر مدّا. وإن صحّ في ما بين رمضانين فتوانى أن يقضيه حتّى جاء رمضان الآخر ، فإنّ عليه الصوم والصدقة جميعا ؛ يقضي الصوم ويتصدّق ، من أجل أنّه ضيّع ذلك الصيام» (٥).

[٢ / ٤٧٤٠] وكذا روى أحمد بن محمّد بن عيسى بالإسناد إلى أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أيّما رجل كان كبيرا لا يستطيع الصيام ، أو مرض من رمضان إلى رمضان ، ثمّ صحّ ، فإنّما عليه لكلّ يوم أفطر فدية إطعام ، وهو مدّ لكلّ مسكين» (٦).

__________________

(١) القرطبي ٢ : ٢٩١ ـ ٢٩٣. قوله : تقطّع الحديث بالإيماض أي إذا تبسّمت قطع الناس حديثهم وبهرهم ابتسامها والإيماض : ابتسامة مليحة ذات غمز ودلال.

(٢) ابن كثير ١ : ٢٢٢.

(٣) العيّاشيّ ١ : ٨١ / ١٨٧.

(٤) المصدر : ٧٩ / ١٨١.

(٥) المصدر / ١٧٨.

(٦) النوادر ٧٠ / ١٤٦ ؛ الوسائل ١٠ : ٢١٣ / ١٢.

٤٨٩

وعقد البخاري بابا ترجمه بقوله : هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ ومن رأى كلّه واسعا. وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من صام رمضان». وقال : «لا تقدّموا رمضان».

[٢ / ٤٧٤١] أخرج بالإسناد إلى أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا جاء رمضان ، فتحت أبواب الجنّة» (١).

[٢ / ٤٧٤٢] ورواه مسلّم : «إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلّقت أبواب جهنّم وسلسلت الشياطين» (٢).

[٢ / ٤٧٤٣] وأخرج عن ابن عبّاس قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجود الناس بالخير ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه كلّ ليلة في رمضان (٣).

[٢ / ٤٧٤٤] وأخرج عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يتقدّ منّ أحدكم رمضان بصوم يوم ولا يومين» (٤).

[٢ / ٤٧٤٥] وأخرج عنه أيضا قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» (٥).

في اشتقاق رمضان

قال الزمخشري : رمضان : مصدر رمض إذا احترق ـ من الرمضاء ـ فأضيف إليه الشهر وجعل علما. ومنع الصرف للتعريف والألف والنون.

قال : أمّا وجه تسمية هذا الشهر بهذا الاسم ، فلأنّ الصوم فيه كانت عبادة قديمة ، فكأنّهم سمّوه بذلك لارتماضهم فيه من حرّ الجوع ومقاساة شدّته. كما سمّوه «ناتقا» لأنّه كان ينتقهم أي يزعجهم إضجارا بشدّته عليهم.

وقيل : لمّا نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة ، سمّوها بالأزمنة الّتي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيّام رمض الحرّ.

__________________

(١) البخاري ٣ : ٣٢.

(٢) مسلم ٣ : ١٢١.

(٣) البخاري ٣ : ٣٣ ؛ النسائي ٤ : ١٠١.

(٤) البخاري ٣ : ٣٥ ؛ مسلم ٣ : ١٢٥.

(٥) البخاري ٣ : ٣٣.

٤٩٠

فإن قلت : فإذا كانت التسمية واقعة مع المضاف والمضاف إليه جميعا ، فما وجه ما جاء في الأحاديث من نحو قوله عليه‌السلام : «من صام رمضان إيمانا واحتسابا» و «من أدرك رمضان فلم يغفر له»؟

قلت : هو من باب الحذف لا من الإلباس ، كما قال :

فهل لكم فيما إليّ ، فإنّني

بصير بما أعيى النّطاسيّ حذيما

أراد : ابن حذيم (١).

وقال الفيروز آبادي : شهر رمضان ، معروف. وجمعه رمضانات ورمضانون وأرمضة. وزيد : أرمضاء (٢). سمّي به ، لأنّهم لمّا نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سمّوها بالأزمنة الّتي وقعت فيها ، فوافق «ناتق» ـ اسمه القديم ـ زمن الحرّ والرّمض (٣). أو هو مشتقّ من «رمض الصائم» إذا اشتدّ حرّ جوفه ، من شدّة العطش ، وهو قول فرّاء. أو لأنّه يحرق الذنوب. ـ من رمضه الحرّ يرمضه إذا أحرقه ـ.

قال : ورمضان ، إن صحّ أنّه من أسماء الله تعالى ، فغير مشتقّ. أو راجع إلى معنى «الغافر» أي يمحو الذنوب ويمحقها (٤).

[٢ / ٤٧٤٦] وذكر الإمام الرازي : أنّه قد روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّما سمّي رمضان ، لأنّه

__________________

(١) الكشّاف ١ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧. وابن حذيم : طبيب ماهر حاذق. والنطاسيّ ـ لغة روميّة معرّبة ـ بمعنى الماهر الحاذق في الطبّ. يقول الشاعر : فإن كانت رغبة فيما يعود إليّ من «إصابة الرأي والحذقة في حلّ مشكلات الأمور». فإنّي جدير بذلك وبصير بحلّ المعضلات. وكنّى عن ذلك بقوله : بما أعيى حذيم النطاسيّ الماهر. أراد : ابن حذيم ، لأنّه كنيته ، فحذف جزء الاسم تخفيفا ، ولم يكن عن التباس عليه في الاسم!

(٢) قال مطرّز : كان مجاهد يكره أن يجمع رمضان ، ويقول : بلغني أنّه اسم من أسماء الله تعالى. (لسان العرب ٧ : ١٦١).

(٣) كما سمّي شعبان لتشعّبهم حينذاك أي تفرّقهم في طلب المياه. وقيل في الغارات. (لسان العرب ١ : ٥٠٢). كما سمّي رجب ، لأخذهم بحرمته وكفّهم عن القتال. (المصدر ١ : ٤١١). وسمّي شوّال ، لشولان الناقة ذنبها لاشتداد الحرّ وانقطاع الرّطب. (المصدر ١١ : ٣٧٧). وسمّي صفر ، لأنّهم كانوا يمتارون الطعام فيه من المواضع فكانت مكّة تصفر من أهلها أي تخلو. (المصدر ٤ : ٤٦٢). والربيعان ، لأنّهما فصل الخصب وفيهما تأتي الكمأة والنّور. (المصدر ٨ : ١٠٣). والجماديّان ، لجمود الماء فيهما عند تسمية الشهور يومذاك. (المصدر ٣ : ١٣٠).

(٤) القاموس المحيط ٢ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣. مع مزج شيء من شرح الزبيدي ٥ : ٣٧.

٤٩١

يرمض ذنوب عباد الله». (١) قال : وهذا الشهر إنّما سمّي بهذا الاسم ، لأنّ الذنوب تتلاشى في جنب رحمة الله ، حتّى كأنّها احترقت. فالذنوب تحترق في جنب بركة هذا الشهر (٢).

[٢ / ٤٧٤٧] وأخرج ابن مردويه والأصبهانيّ عن عائشة قالت : قيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا رسول الله ما رمضان؟ قال : أرمض الله فيه ذنوب المؤمنين وغفرها لهم. قيل : فشوّال؟ قال : شالت فيه ذنوبهم فلم يبق فيه ذنب إلّا غفره» (٣).

[٢ / ٤٧٤٨] وأخرج أبو الشيخ في الثواب والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تدرون لم سمّي شعبان شعبان؟ لأنّه يتشعّب فيه لرمضان خير كثير. تدرون لم سمّي رمضان رمضان؟ لأنّه يرمض الذنوب ، وإنّ في رمضان ثلاث ليال من فاتته فاته خير كثير : ليلة سبع عشرة وليلة إحدى وعشرين وآخرها ليلة! فقيل : يا رسول الله هي سوى ليلة القدر؟ قال : نعم ، ومن لم يغفر له في شهر رمضان فأيّ شهر يغفر له» (٤).

[٢ / ٤٧٤٩] وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر قال : إنّما سمّي رمضان ، لأنّ الذنوب ترمض فيه ، وإنّما سمّي شوّال ، لأنّه يشول الذنوب كما تشول الناقة ذنبها (٥).

[٢ / ٤٧٥٠] وأخرج ابن مردويه والأصبهانيّ في الترغيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما سمّي رمضان ، لأنّ رمضان يرمض الذنوب» (٦).

__________________

(١) سيأتي الحديث.

(٢) التفسير الكبير ٥ : ٨٣.

(٣) الدرّ ١ : ٤٤٤ ؛ ذيل تاريخ بغداد ٥ : ٧٥ ـ ٧٦ / ١٢١١ ، بلفظ : ... عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما معنى رمضان؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا حميراء لا تقولي رمضان فإنّه اسم من أسماء الله تعالى ، ولكن قولي : شهر رمضان. يعني رمضان : أرمض فيه ذنوب عباده فغفرها. قالت عائشة : فقلنا : يا رسول الله ، شوّال؟ فقالت : شالت لهم ذنوبهم فذهبت.

(٤) كنز العمّال ٨ : ٥٩١ / ٢٤٢٩٣.

(٥) الدرّ ١ : ٤٤٤ ؛ ابن عساكر ٤٧ : ٣٣٥ ، باب ٥٥١٠ ، وفيه : ... عن مالك بن أنس عن الزّهري عن سالم عن أبيه قال : إنّما سمّي ... ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٨٨ ـ ٥٨٩ / ٢٤٢٨٤.

(٦) الدرّ ١ : ٤٤٤ ؛ مجمع البيان ٢ : ١٢ ، مع عدم ذكر الراوي ، بلفظ : قيل : إنّما سمّي رمضان لأنّه يرمض الذنوب ؛ القرطبي ٢ : ٢٩١.

٤٩٢

قوله تعالى : (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)

أي كان بدء نزول القرآن فيه ، باعتباره كتاب الإسلام المعجز. الأمر الّذي لا يتنافى ونزول آيات من قبل ، لا بهذا الاعتبار ، بل لاعتبارات أخرى للتبشير والإنذار والتشمير بجدّ الأمر ، في مثل الآيات الخمس الأول من سورة العلق. وآية إنذار الأقربين. وآيتا المدّثّر والمزّمّل ، وما شاكل ، فإنّها كانت نزلت بشأن أمر التبليغ ، لا بعنوان أنّه من الكتاب ، نعم وأصبحت بعد من الكتاب بإشارة من جبريل ونصّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسبما فصّلنا الكلام فيه في التمهيد. (١)

* * *

والإخبار بنزول القرآن في هذا الشهر ، إعلام بتشريف وتفخيم شأنه ، كما هو تحبيب لطيف للقيام بوظيفة الصيام فيه. وهي عبادة خالصة لله تعالى ، تناسب اختصاص هذا الشهر بهكذا تشريف!

[٢ / ٤٧٥١] روى أبو النّضر محمّد بن مسعود العيّاشيّ السمرقندي بالإسناد إلى الحارث النصري عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال ـ في أخريات شهر شعبان ـ : «إنّ هذا الشهر المبارك الّذي أنزلت فيه القرآن وجعلته هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان ، قد حضر ، فسلّمنا فيه وسلّمه لنا في يسر منك وعافية».

[٢ / ٤٧٥٢] وبالإسناد إلى أبي بصير عنه عليه‌السلام قال : إذا حضر شهر رمضان فقل : «اللهمّ قد حضر شهر رمضان وقد افترضت علينا صيامه ، وأنزلت فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان. اللهمّ أعنّا على صيامه ، وتقبّله منّا وسلّمنا فيه وسلّمه منّا وسلّمنا له في يسر منك وعافية ، إنّك على كلّ شيء قدير ، يا أرحم الراحمين» (٢).

[٢ / ٤٧٥٣] وبالإسناد إلى إبراهيم بن عمر الصنعاني عنه عليه‌السلام قال : سألته عن قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) كيف أنزل فيه القرآن ، وإنّما أنزل في طول عشرين سنة (٣)؟

فقال : «نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثمّ أنزل من البيت

__________________

(١) التمهيد ١ : ١٣٣ وما بعد.

(٢) العيّاشيّ ١ : ٩٩ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ؛ البحار ٩٣ : ٣٨٣ ، باب ٥٠ / ١ و ٢.

(٣) حيث بدء النزول كان بعد فترة ثلاث سنوات من البعثة ... راجع التمهيد ١ : ١٣٥ وما بعد.

٤٩٣

المعمور في طول عشرين سنة.

ثمّ قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لستّ من شهر رمضان. وأنزل الإنجيل لثلاث عشر ليلة خلت من شهر رمضان. وأنزل الزبور لثماني عشرة من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان» (١).

قلت : هذا الحديث فيه كلام تعرّضنا له في التمهيد.

[٢ / ٤٧٥٤] وبالإسناد إلى ابن سنان عمّن ذكره قال : سألت أبا عبد الله عن القرآن والفرقان ، أهما شيئان أو شيء واحد؟ فقال : «القرآن ، جملة الكتاب ، والفرقان المحكم الواجب العمل به» (٢).

[٢ / ٤٧٥٥] وروى ابن بابويه والكليني والشيخ بالإسناد إلى عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن المغيرة عن عمرو الشامي عن الإمام أبي عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ، يوم خلق السماوات والأرض ، فغرّة الشهور شهر الله ـ عزوجل ـ وهو شهر رمضان. وقلب شهر رمضان ليلة القدر ، ونزل القرآن في أوّل ليلة من شهر رمضان ، فاستقبل الشهر بالقرآن!» (٣)

[٢ / ٤٧٥٦] وروى عليّ بن إبراهيم القمّي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : سئل عن قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) كيف كان ، وإنّما أنزل القرآن في طول عشرين سنة أوّله وآخره؟ فقال : «أنزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ، ثمّ نزل من البيت المعمور إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طول عشرين سنة» (٤).

وهكذا رواه الصدوق بالإسناد إلى حفص بن غياث عنه عليه‌السلام (٥).

[٢ / ٤٧٥٧] وروى ابن بابويه والكليني والشيخ بالإسناد إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «نزلت التوراة في ستّ مضين من شهر رمضان ونزل الإنجيل في اثنتي عشرة مضت من شهر

__________________

(١) العيّاشيّ ١ : ٩٩ / ١٨٤.

(٢) المصدر / ١٨٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٩٩ / ١٨٤٣ ؛ الأمالي : ١١٨ ـ ١١٩ / ١٠٥ ـ ٤ ، المجلس ١٥ ؛ الكافي ٤ : ٦٥ ـ ٦٦ / ١ ؛ التهذيب ٤ : ١٩٢ / ٥٤٦ ـ ١ ؛ البحار ٩٤ : ١١ / ١٣ ؛ البرهان ١ : ٣٩٨ / ١ ؛ نور الثقلين ١ : ١٦٦.

(٤) القمي ١ : ٦٦.

(٥) الأمالي : ٥٦ / ٥ ، المجلس ١٥.

٤٩٤

رمضان ، ونزل الزبور في ثماني عشرة مضت من شهر رمضان ، ونزل القرآن في ليلة القدر» (١).

[٢ / ٤٧٥٨] وأخرج الثعلبي (٢) بإسناده عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «أنزلت صحف إبراهيم لثلاث مضين من شهر رمضان ـ وفي رواية الواحدي (٣) في أوّل ليلة منه ـ وأنزلت توراة موسى لستّ مضين من رمضان ، وأنزل إنجيل عيسى لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل زبور داوود لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان ، وأنزل الفرقان على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأربع وعشرين من شهر رمضان». قال أبو عليّ : وهذا بعينه ما رواه العيّاشيّ (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

[٢ / ٤٧٥٩] أخرج أحمد وابن جرير ومحمّد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان والأصبهاني في الترغيب عن واثلة بن الأسقع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أنزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لستّ مضين من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان» (٦).

[٢ / ٤٧٦٠] وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : أنزل الله صحف إبراهيم أوّل ليلة من رمضان ، وأنزل التوراة على موسى لستّ خلون من رمضان ، وأنزل الزبور على داوود في إحدى عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الإنجيل على عيسى لثماني عشرة خلت من رمضان ، وأنزل القرآن على محمّد لأربع وعشرين خلت من رمضان (٧).

[٢ / ٤٧٦١] وأخرج ابن جرير ومحمّد بن نصر في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم والطبراني وابن

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٥٧ / ٥ ، كتاب الصيام ، باب في ليلة القدر ؛ التهذيب ٤ : ١٩٣ ـ ١٩٤ / ٥٥٢ ـ ٧ ؛ الفقيه ٢ : ١٥٩ / ٢٠٢٦ ، كتاب الصوم ، باب ليلة القدر ؛ البرهان ١ : ٣٩٩ / ٥ ؛ نور الثقلين ١ : ٣١١ / ١٠.

(٢) الثعلبي ٢ : ٦٨.

(٣) الوسيط ١ : ٢٨٠ ، عن واثلة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال .... ؛

(٤) العيّاشيّ ١ : ٩٩ / ١٨٥ ، (بخلاف).

(٥) مجمع البيان ٢ : ١٤. راجع : البرهان ١ : ٤٠٠ / ١٢.

(٦) الدرّ ١ : ٤٥٦ ؛ مسند أحمد ٤ : ١٠٧ ؛ الطبري ٢ : ١٩٦ / ٢٣٠٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٠ / ١٦٤٩ ؛ الكبير ٢٢ : ٧٥ ؛ الشعب ٢ : ٤١٤ / ٢٢٤٨ ؛ البيهقي ٩ : ١٨٨ ؛ الوسيط ١ : ٢٨٠ ؛ الثعلبي ٢ : ٦٨ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٩٧ ؛ البغوي ١ : ٢١٧ ، نقلا عن أبي ذرّ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٠ ، نقلا عن أبي ذرّ.

(٧) أبو يعلى ٤ : ١٣٥ ـ ١٣٦ / ٢١٩٠ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٩٧ ؛ الدرّ ١ : ٤٥٦.

٤٩٥

مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن مقسم قال : سأل عطيّة بن الأسود ، ابن عبّاس فقال : إنّه قد وقع في قلبي الشكّ قول الله : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) وقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(١) وقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ)(٢) وقد أنزل في شوّال ، وذي القعدة ، وذي الحجّة ، والمحرّم ، وشهر ربيع الأوّل ، فقال ابن عبّاس : إنّه أنزل في رمضان ، وفي ليلة القدر ، وفي ليلة مباركة جملة واحدة ، ثمّ أنزل بعد ذلك على مواقع النجم رسلا في الشهور والأيّام (٣).

[٢ / ٤٧٦٢] وأخرج الفريابي وابن جرير ومحمّد بن نصر والطبراني وابن مردويه والحاكم وصحّحه والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عبّاس قال : نزل القرآن جملة ـ وفي لفظ : فصل القرآن من الذكر ـ لأربعة وعشرين من رمضان ، فوضع في بيت العزّة في السماء الدنيا ، فجعل جبريل ينزّله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرتّله ترتيلا (٤).

[٢ / ٤٧٦٣] وأخرج ابن الضريس والنسائي ومحمّد بن نصر وابن جرير والطبراني والحاكم وصحّحه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عبّاس قال : أنزل القرآن كلّه جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتّى جمعه (٥).

[٢ / ٤٧٦٤] وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال : بلغني أنّه كان ينزل فيه من القرآن حتّى انقطع الوحي وحتّى مات محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان ينزل من القرآن في ليلة القدر كلّ شيء ينزل من القرآن في تلك السنة ، فينزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا ، فلا ينزل جبريل من ذلك على محمّد إلّا بما أمره ربّه (٦).

__________________

(١) القدر ٩٧ : ١.

(٢) الدخان ٤٤ : ٣.

(٣) الدرّ ١ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧ ؛ الطبري ٢ : ١٩٨ / ٢٣١٥ ؛ الكبير ١١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١٠ ـ ٣١١ / ١٦٥٠ ؛ الأسماء والصفات (الجزء الثاني) : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٦٨ ؛ الوسيط ١ : ٢٨١ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٠ ، باختصار.

(٤) الدرّ ١ : ٤٥٧ ؛ الطبري ٢ : ١٩٦ / ٢٣٠٥ ؛ الكبير ١٢ : ٢٦ ؛ الحاكم ٢ : ٢٢٣ ؛ الأسماء والصفات (الجزء الثاني) : ٣٦٣ ؛ مجمع الزوائد ٧ : ١٤٠ و ١٥٧ ؛ البغوي ١ : ٢١٦ ـ ٢١٧ ؛ التبيان ٢ : ١٢١ نقلا عن ابن عبّاس وسعيد بن جبير والحسن.

(٥) الدرّ ١ : ٤٥٧ ؛ النسائي ٥ : ٦ / ٧٩٩٠ ، باب ٦ ؛ الطبري ٢ : ١٩٧ / ٢٣١١ ؛ الكبير ١٢ : ٣٥ ؛ الحاكم ٢ : ٢٢٢ ، كتاب التفسير ؛ الأسماء والصفات (الجزء الثاني) : ٣٦٣.

(٦) الدرّ ١ : ٤٥٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١١ / ١٦٥٣ ؛ الطبري ٢ : ١٩٧ ـ ١٩٨ / ٢٣١٤.

٤٩٦

[٢ / ٤٧٦٥] وأخرج عبد بن حميد وابن الضريس عن داوود بن أبي هند قال : قلت لعامر الشعبي : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ،) فهل كان نزل عليه في سائر الشهور إلّا ما في رمضان؟ قال : بلى ، ولكنّ جبريل كان يعارض محمّدا ما أنزل في السنة في رمضان ، فيحكم الله ما يشاء ، ويثبت ما يشاء ، وينسخ ما ينسخ ، وينسيه ما يشاء (١).

[٢ / ٤٧٦٦] وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحّاك : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) يقول : الّذي أنزل صومه في القرآن (٢).

[٢ / ٤٧٦٧] وقال مقاتل في قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) أي أنزل من اللّوح المحفوظ كلّ عام في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ثمّ نزل إلى السّفرة من اللّوح المحفوظ في عشرين شهرا ، ونزل به جبريل في عشرين سنة (٣).

قوله تعالى : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ)

حالان من القرآن ؛ فناسب نزوله في هذا الشهر المبارك ، حيث إنّه بذاته ذو بركة على الناس من جهتين : جهة هدايته العامّة في صياغته الموجّهة إلى العموم ، وجهة هدايته الخاصّة لمن تدبّره وأمعن النظر فيه ، إذ فيه من البيّنات اللائحات ، يستشفّها أرباب العقول. وعلاوة على ذلك ، فإنّ فيه من المعايير ما يفرّق به بين كلّ حقّ وباطل ، ويتبيّن الطريق السويّ عن مسالك السوء ، بوجه عامّ.

فهناك ـ في القرآن ـ هداية عامّه هي عنايته تعالى الشاملة لجميع الخلائق (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ). وهداية خاصّة هي عنايته تعالى بشأن أهل التقوى واليقين (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)(٤).

وإضافة إلى ذلك ، فإنّه النور اللامع والضياء الساطع ، والبرهان القاطع للتمييز بين الحقّ والباطل والخيرات عن الشرور ، على مدى الأيّام وكرّ الدهور. فيه منار الهدى ومصابيح الدجى وشفاء لما في الصدور.

قال إمام المفسّرين الشيخ أبو علي الطبرسيّ : (هُدىً لِلنَّاسِ) أي هاديا للنّاس ودالّا لهم على ما كلّفوا من العلوم. (وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) أي ودلالات من الهدى.

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٥٨ ؛ الثعلبي ٢ : ٦٨ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٠.

(٢) الدرّ ١ : ٤٥٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١١ / ١٦٥١.

(٣) القرطبي ٢ : ٢٩٧.

(٤) الأعراف ٧ : ١٥٦.

٤٩٧

[٢ / ٤٧٦٨] وقيل : المراد بالهدى الأوّل ، الهدى من الضلالة. وبالثاني ، بيان الحلال والحرام. عن ابن عبّاس.

وقيل : أراد بالأوّل ما كلّف من العلم. وبالثاني ، ما يشتمل عليه من ذكر الأنبياء وشرائعهم وأخبارهم ، لأنّها لا تدرك إلّا عن طريق القرآن. عن الأصمّ والقاضي.

وقوله : (وَالْفُرْقانِ) أي وممّا يفرّق بين الحقّ والباطل.

[٢ / ٤٧٦٩] قال : وروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «القرآن جملة الكتاب ، والفرقان المحكم الواجب العمل به» (١).

[٢ / ٤٧٧٠] وروى الحسن بن محبوب عن أبي أيّوب عن أبي الورد عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس في آخر جمعة من شعبان ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أيّها الناس : إنّه قد أظلّكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، وهو شهر رمضان ، فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوّع صلاة كمن تطوّع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور. وجعل لمن تطوّع فيه بخصلة من خصال الخير والبرّ كأجر من أدّى فريضة من فرائض الله فيما سواه. ومن أدّى فيه فريضة من فرائض الله كان كمن أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور. وهو شهر الصبر ، وإنّ الصبر ثوابه الجنّة. وهو شهر المواساة ، وهو شهر يزيد الله فيه من رزق المؤمنين. ومن فطّر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ، ومغفرة لذنوبه فيما مضى.

قيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس كلّنا نقدر على أن نفطّر صائما؟ قال : إنّ الله كريم يعطي هذا الثواب من لم يقدر منكم إلّا على مذقة من لبن يفطّر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك ...».

وقال : «وهو شهر أوّله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره إجابة والعتق من النار».

وقال : «ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال ؛ خصلتين ترضون الله بهما ، وخصلتين لا غنى لكم عنهما. فأمّا اللّتان ترضون الله بهما ، فشهادة أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله. وأمّا اللّتان لا غنى لكم عنهما ، فتسألون الله فيه حوائجكم والجنّة ، وتسألون الله فيه العافية ، وتتعوّذون به من النار» (٢).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٣٠ / ١١ ، باب النوادر.

(٢) أمالي الصدوق : ٩٧ / ٧٤ ، المجلس ١١.

٤٩٨

[٢ / ٤٧٧١] وقال : «نوم الصائم فيه عبادة ، وصمته تسبيح ، ودعاؤه مستجاب ، وعمله مضاعف» (١).

الفرقان في القرآن

١ ـ قال تعالى بشأن التوراة : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(٢).

٢ ـ وقال أيضا : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ)(٣)

٣ ـ وقال بشأن القرآن : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ)(٤).

٤ ـ وقال : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً)(٥).

٥ ـ وقال : (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ. مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ)(٦).

٦ ـ وقال : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ)(٧).

٧ ـ وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً)(٨).

١ ـ أمّا الفرقان في الآية : (٥٣ ـ البقرة) فمن المحتمل القريب أن يراد به البيّنات (الآيات المعجزات) ، كما جاء في قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ)(٩) ، وقال موسى خطابا مع فرعون : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(١٠).

وإنّما أطلق الفرقان على الآية البيّنة (المعجزة) ، لأنّه الفارق الصارم بين الحقّ والضلال. فيكون كشاهد صدق لا مجال للريب فيه.

ويحتمل أن يراد به الدلائل على الأحكام الفارقة بين الحلال والحرام والطيّب من الخبيث.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ؛ انظر : الدعوات ، الراوندي : ٢٦ / ٤٥ ؛ البحار ٩٠ : ٣٦٠.

(٢) البقرة ٢ : ٥٣.

(٣) الأنبياء ٢١ : ٤٨.

(٤) البقرة ٢ : ١٨٥.

(٥) الفرقان ٢٥ : ١.

(٦) آل عمران ٣ : ٤.

(٧) الأنفال ٨ : ٤١.

(٨) الأنفال ٨ : ٢٩.

(٩) البقرة ٢ : ٩٢.

(١٠) الأعراف ٧ : ١٠٥.

٤٩٩

واحتمال ثالث أن يكون عطفا على الكتاب عطف ترادف وتفسير. كما في قول الشاعر ـ وهو عديّ بن زيد ـ :

فقدّدت الأديم لراهشيه

وألقى قولها كذبا ومينا

والمين : الكذب بخداع

[٢ / ٤٧٧٢] قال عليّ عليه‌السلام في ذمّ الدنيا : «فهي الجامحة الحرون والمائنة الخؤون» (١). وفلان متماين الودّ إذا كان غير صادق الخلّة. وكقول الأفوة الأوديّ :

وفينا للقرى نار يرى عندها للضّيف رحب وسعة

والرّحب والسّعة واحد ، غير أنّ السّعة أوضح.

ومثله في القرآن : : (عَبَسَ وَبَسَرَ)(٢). (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)(٣). (فِجاجاً سُبُلاً)(٤). (وَغَرابِيبُ سُودٌ)(٥). (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً)(٦). (٧).

فإنّ العبوس هو تقطيب الوجه وتكشّره. يقال : عبّس الوجه : كلح.

والبسور أيضا تقطيب الوجه ، لكن مع زيادة تغيير اللون من شدّة الغيظ. يقال : بسر أي كلح وجهه وتغيّر.

وقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً. فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً. لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) أي ينسف الجبال ويذرّها هباء. فيدع الأرض قاعا صفصفا : مستوية الأرجاء ملساء ، لا عوج فيها أي لا تعرّج فيها ، ولا أمتا أي نشوزا في أيّ جانب من جوانبها.

والفجّ ـ جمع فجاج ـ : الطريق الواسع الواضح بين جبلين. والسبيل ـ جمع سبل ـ الطريق أو ما وضح منها.

والغربيب : الأسود الحالك. وأكثر ما يجيىء تأكيدا فيقال : أسود غربيب.

__________________

(١) نهج البلاغة ٢ : ١٣٣ ، الخطبة ١٩١. الجامحة : المستعصية. والحرون ـ بالراء المهملة ـ الناقة المستعصية إذا وقفت عن السير مهما حاول راكبها.

(٢) المدّثّر ٧٤ : ٢٢.

(٣) طه ٢٠ : ١٠٧.

(٤) الأنبياء ٢١ : ٣١.

(٥) فاطر ٣٥ : ٢٧.

(٦) طه ٢٠ : ١١٢.

(٧) اللسان ١٣ : ٤٢٦.

٥٠٠