التفسير الأثري الجامع - ج ٤

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-05-0
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

ورواه العيّاشيّ أيضا في التفسير (١).

[٢ / ٤٦٣٨] لكن روى ابن جريج عن عطاء ، قال : قلت له : من أيّ المرض أفطر؟ قال : من أيّ مرض كان ، كما قال تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ...)(٢). يعني : الإطلاق.

ولعلّ المتصوّر : أيّ نوع من أنواع الأمراض. فلا ينافي ما تقدّم.

* * *

قلت : أمّا تحديد المرض المسوّغ للإفطار ، بالزيادة في العلّة ، فلكونه مفهوما من مناسبة الحكم والموضوع بدلالة الاقتضاء. إذ لا يكون المرض سببا لإيجاب حكم أو سقوطه ، إلّا إذا كان ذلك الأمر مؤثّرا في المرض رفعا أو زيادة وهكذا جاء في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام (٣) وأفتى به أصحابنا الإماميّة رضوان الله عليهم (٤). قال صاحب الجواهر رحمه‌الله : المدار في جواز الإفطار ، على خوف الضرر ، لقوله عليه‌السلام : «كلّما أضرّ به الصوم فالإفطار له واجب» (٥).

وكذا المدار على صدق السفر بطيّ مسافة ثمانية فراسخ ، ولو كان ملفّقا ذهابا وإيابا. حسبما فصّلته الروايات وفتاوى الأصحاب .. وتمام الكلام في محلّه (٦).

قوله تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)

كان الصوم شريعة إلهيّة قديمة ، ولا تجد نحلة من النحل إلّا وفيها شريعة الصيام ، على مختلف أنحائه من الإمساك عن طرف من الجسمانيّات ، لترقية النفس وتصاعدها في المعنويّات ، تناسيا عن عالم الملك ـ بعض الشيء ـ تمهيدا للتعالي إلى عالم القدس والملكوت ، فلم تكن شريعة الصيام ـ أي الإمساك عن بعض مشتهيات النفس لفترة قصيرة ـ جديدة على الأمّة المسلمة ، فلتهن عليهم ولا يستصعبوها!!

__________________

(١) العيّاشيّ ١ : ١٠٠ / ١٩٠ ؛ الكافي ٤ : ١١٨ / ٣ ؛ التهذيب ٤ : ٢٥٦ ؛ الاستبصار ٢ : ١١٤ ؛ البحار ٩٣ : ٣٢٥ / ١٦.

(٢) ابن عساكر ٥٢ : ٨٦ ، باب ٦٠٩٨ ، (محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم) ؛ القرطبي ٢ : ٢٧٧.

(٣) راجع : الوسائل ١٠ : ٢١٧ ـ ٢٢٢ ، كتاب الصوم ، الأبواب : ١٨ و ١٩ و ٢٠.

(٤) راجع : جواهر الكلام ١٦ : ٣٤٥ ـ ٣٤٨.

(٥) الجواهر ١٦ : ٣٤٧ ؛ الوسائل ١٠ : ٢١٩ / ٢.

(٦) راجع : النهاية للشيخ : ١٢٢.

٤٦١

قال ابن عاشور : والمراد من (قَبْلِكُمْ) من كان قبل المسلمين من أهل الشرائع ، وهم أهل الكتاب أعني اليهود ؛ لأنّهم الّذين يعرفهم المخاطبون ويعرفون ظاهر شؤونهم وكانوا على اختلاط بهم في المدينة.

وكان لليهود صوم فرضه الله عليهم وهو صوم اليوم العاشر من الشهر السابع من سنتهم ، وهو الشهر المسمّى عندهم «تسري» يبتدىء الصوم من غروب اليوم التاسع إلى غروب اليوم العاشر ، وهو يوم كفّارة الخطايا ويسمّونه «كبّور».

ثمّ إنّ أحبارهم شرّعوا صوم أربعة أيّام أخرى ، وهي الأيّام الأوّل من الأشهر : الرابع والخامس والسابع والعاشر من سنتهم ، تذكارا لوقائع بيت المقدس. وصوم يوم «بوريم» تذكارا لنجاتهم من غضب ملك الفرس «خشايار شاه» في قصّة «استيرا». وعندهم صوم التطوّع.

[٢ / ٤٦٣٩] وفي الحديث : «أحبّ الصيام إلى الله : صيام داوود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما» (١).

أمّا النصارى فليس في شريعتهم نصّ على تشريع صوم زائد على ما في التوراة ، فكانوا يتّبعون صوم اليهود.

[٢ / ٤٦٤٠] وفي صحيح مسلم عن ابن عبّاس : قالوا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ يوم عاشوراء تعظّمه اليهود والنصارى (٢).

ثمّ إنّ رهبانهم شرّعوا صوم أربعين يوما اقتداء بالمسيح ، إذ صام أربعين يوما قبل بعثته. ويشرع عندهم نذر الصوم عند التوبة وغيرها. إلّا أنّهم يتوسّعون في صفة الصوم ، فهو عندهم : ترك الأقوات القويّة والمشروبات ، أو هو تناول طعام واحد في اليوم ، يجوز أن تلحقه أكلة خفيفة (٣).

* * *

قال الشيخ محمّد عبده : الصوم ، إعداد للنفس وتهيئة لها لتقوى الله بالمراقبة له وتربية الإرادة على كبح جماح الشهوات ليقوى صاحبها على ترك المضارّ والمحرّمات. وقد كتب على أهل الملل السابقة ، فكان ركنا من كلّ دين ، لأنّه من أقوى العبادات وأعظم ذرائع التهذيب. وفي إعلام الله لنا بأنّه فرضه علينا كما فرضه على الّذين من قبلنا ، إشعار بوحدة الدين في أصوله ومقصده ، وتأكيد

__________________

(١) مسلم ٣ : ١٦٦.

(٢) المصدر : ١٥١.

(٣) التحرير والتنوير لابن عاشور ٢ : ١٥٦.

٤٦٢

لأمر هذه الفريضة وترغيب فيها.

قال : أبهم الله هؤلاء الّذين من قبلنا. والمعروف أنّ الصوم مشروع في جميع الملل حتّى الوثنيّة ، فهو معروف عن قدماء المصريّين في أيّام وثنيّتهم ، وانتقل منهم إلى اليونان ، فكانوا يفرضونه لا سيّما على النساء. وكذلك الرومانيّون كانوا يعنون بالصيام. ولا يزال وثنيّو الهند وغيرهم يصومون إلى الآن.

وليس في أسفار التوراة الّتي بين أيدينا ما يدلّ على فريضة الصيام ، وإنّما فيها مدحه ومدح الصائمين. (١) وثبت أنّ موسى عليه‌السلام صام أربعين يوما (٢). وهو يدلّ على أنّ الصوم كان معروفا مشروعا ومعدودا من العبادات. واليهود اليوم يصومون أسبوعا تذكارا لخراب أورشليم وأخذها. ويصومون يوما من شهر آب.

قال السيّد رشيد رضا : وينقل أنّ التوراة فرضت عليهم صوم اليوم العاشر من الشهر السابع ، وأنّهم يصومونه بليلته. ولعلّهم كانوا يسمّونه عاشوراء. ولهم أيّام أخر يصومونها نهارا.

قال الشيخ : وأمّا النصارى فليس في أناجيلهم المعروفة نصّ في فريضة الصوم ، وإنّما فيها ذكره ومدحه واعتباره عبادة ، كالنهي عن الرياء وإظهار الكآبة فيه ، بل تأمر الصائم بدهن رأسه وغسل الوجه حتّى لا تظهر عليه أمارة الصيام فيكون مرائيا كالفرّيسيّين (٣). وأشهر صومهم وأقدمه الصوم الكبير الّذي قبل عيد الفصح ، وهو الّذي صامه موسى وكان يصومه عيسى عليهما‌السلام والحواريّون. ثمّ وضع رؤساء الكنيسة ضروبا أخرى من الصيام ، وفيها خلاف بين المذاهب والطوائف. ومنها صوم عن اللحم (٤) ، وصوم عن السمك ، وصوم عن البيض واللبن. وكان الصوم المشروع عند الأوّلين منهم كصوم اليهود ، يأكلون في اليوم والليلة مرّة واحدة ، فغيّروه وصاروا يصومون من نصف الليل إلى نصف النهار ، وفي قصّتي زكريّا ومريم عليهما‌السلام أنّهم كانوا يصومون عن الكلام ، أي مع الصيام

__________________

(١) راجع : قاموس الكتاب المقدّس لجيمز هاكس : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

(٢) راجع : سفر التثنية (أص ٩ : ٩).

(٣) جماعة كان دأبهم التقشّف والتزهّد في الحياة ، إلى حدّ انعزالهم عن الجماعة ، فكانوا يسمّون : المنعزلين. راجع : قاموس الكتاب المقدّس : ٦٥٢. على حدّ الصوفيّة والدراويش عندنا.

(٤) وكان صوما شديد الكراهيّة. قاموس الكتاب المقدس : ٤٢٨.

٤٦٣

عن شهوات الزوجيّة والشراب والطعام. (١) ومن ثمّ كان قوله تعالى : (كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) تشبيها لأصل الفريضة ، من غير نظر إلى الكمّيّة أو الكيفيّة.

[٢ / ٤٦٤١] وهكذا روي عن معاذ بن جبل وعطاء قالا : التشبيه واقع على الصوم لا على الصفة ولا على العدّة ، وإن اختلف الصيامان بالزيادة والنقصان (٢).

ذكر القرطبي وجوها للتشبيه هنا ، أحدها : أنّه راجع إلى أصل الوجوب أو المشروعيّة ..

ثانيها : أنّه واقع على الصفة من منعهم من الأكل والشرب والنكاح. قاله السّدّي وأبو العالية والربيع.

ثالثها : أنّه واقع على الصوم ، لا على الصفة ولا على العدّة. قاله معاذ وعطاء (٣).

وقد ذكر قبل ذلك وجها رابعا ، عن الشعبي وقتادة وغيرهما ، قالوا : التشبيه يرجع إلى وقت الصوم وقدر الصوم. فقد كتب الله على قوم موسى وعيسى صوم رمضان (!) فغيّروا وزاد أحبارهم عشرة أيّام ، وزاد بعض آخر عشرة أخرى ـ لنذر نذره ـ حتّى أصبح صوم النصارى (!) خمسين يوما. فصعب عليهم في الحرّ فنقلوه إلى الربيع. قال : واختار هذا القول النحّاس قال : وهو الأشبه بما في الآية.

[٢ / ٤٦٤٢] قال أبو عبد الله القرطبي : وفيه حديث يدلّ على صحّته أسنده عن دغفل بن حنظلة (٤) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كان على النصارى صوم شهر ، فمرض رجل منهم فنذروا لئن شافاه الله ، لزادوا عشرة. ثمّ كان آخر فأكل لحما فأوجع فاه ، فنذروا لئن شافاه الله ، لزادوا سبعة. ثمّ كان ملك آخر فقالوا : لنتمّنّ هذه السبعة عشرة ، ونجعل صومنا في الربيع (!)» قال النحّاس : فصار خمسين (٥).

__________________

(١) المنار ٢ : ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٢) القرطبي ٢ : ٢٧٥.

(٣) المصدر.

(٤) إسمه حجر ولقّب بدغفل كجعفر بمعنى : ولد الفيل أو ولد الذئب. ومن العيش : الفاره الواسع. ومن الأعوام : المخصب. ومن الريش : الكثير. ولعلّه كان على هذه الصفات. كان نسّابة كثير العلم ، ولكن أخذا من أفواه الرجال أيّا كانوا. وله أقاصيص هي أشبه بالخرافة. ومن ثمّ استنكره أهل الحديث. قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن خمس سنين ، ومن ثمّ لم يسمع سنه ، فحديثه عنه مرسل (ولعلّه اختلاق). بعث إليه معاوية لموضع إعجابه به ـ فسأله عن العربيّة وأنساب الناس والنجوم ، فوجده عالما (!) ومن ثمّ رغب إليه أن يعلّم ابنه يزيد ، ففعل (!) هلك غرقا في يوم دولات في قتال الخوارج سنة سبعين. (الإصابة لابن حجر ١ : ٤٧٥ / ٢٣٩٩).

(٥) وأخرجه الطبراني في الكبير ٤ : ٢٢٧. وابن عساكر ١٧ : ٢٨٧.

٤٦٤

[٢ / ٤٦٤٣] وقال القرطبي : وقال مجاهد : كتب الله صوم رمضان على كلّ أمّة (!). وقيل : أخذوا بالوثيقة (أي الاحتياط في الأمر) فصاموا قبل الثلاثين بيوم ، وبعدها بيوم ، قرنا بعد قرن (١) ، حتّى بلغ خمسين يوما ، فصعب عليهم في الحرّ فنقلوه إلى الفصل الشمسي (أي فصل الربيع). قال النقّاش : وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة ، والحسن البصريّ والسّدّي.

قال القرطبي : ولهذا (!) كره الآن صوم يوم الشكّ ، والستّة من شوّال بإثر الفطر.

[٢ / ٤٦٤٤] وقال الشعبي : لو صمت السنة كلّها لأفطرت يوم الشكّ! ذلك لأنّ النصارى فرض عليهم صوم شهر رمضان ، فحوّلوه إلى الفصل الشمسي. ثمّ جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لأنفسهم ، فصاموا قبل الثلاثين بيوم وبعدها بيوم ، ثمّ لم يزل الآخر يستنّ بسنّة من قبله حتّى انتهوا إلى الخمسين (٢).

قلت : كلّ هذا حديث خرافة يا أمّ عمرو!

كما ومن المستغرب أنّهم أخذوا في نسج أوهامهم عن أمّة (أهل الكتاب) كانوا بين أظهرهم فلم يراجعوهم ولم يسألوهم عن شعائرهم الدينيّة ، وهي تقام على مسمعهم ومنظرهم ، فكيف يا ترى أنّهم غفلوا عن ذلك وراحوا يتخبّطون في فراغات الأوهام!!

* * *

وهكذا أخذ أبو جعفر الطبري يساير تلكم الأوهام ليحشّد بها كتابه في التفسير.

قال : اختلفوا في المعنى الّذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم من قبلنا. فقال قوم : إنّه في الوقت والمقدار. روى ذلك عن الشعبي.

وقال آخرون : إنّ صومهم كان من العتمة إلى العتمة. كانوا يمسكون عن الأكل والشرب والنساء. حكى ذلك عن الربيع.

وقيل : إنّما عنى بمن قبلنا هم الناس أي جميع طوائف الناس ، سواء أهل الكتاب وغيرهم من سائر الأمم جميعا. وكان قد كتب الله على الأمم جميعا صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر.

قال : وأولى هذه الأقوال قول من جعل التشبيه واقعا بين فرضنا وفرض أهل الكتاب ، نظرا

__________________

(١) أي زادوا في كلّ ، يوما في البدء ويوما في الختام ، إضافة على زيادة الأعوام السابقة (!).

(٢) القرطبي ٢ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

٤٦٥

لأنّ الأديان كلّها تبع لدين إبراهيم عليه‌السلام وهو الّذي أمرنا باتّباعه. إذن فقد وقع التشبيه على الوقت ، لأنّ من كان قبلنا كان فرضهم صيام شهر رمضان .. (١).

قلت : إن هذا إلّا رجم بالغيب ومن غير أن يكون له سند تحقيق!؟

وعلى غراره مشى أبو إسحاق الثعلبي (٢) وتبعه البغوي (٣) والخازن (٤) والماوردي (٥) وابن كثير (٦) وغيرهم من أصحاب التفسير بالأثر ، من غير تريّث!

وجاء في رواياتنا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة من أهل بيته عليهم‌السلام أنّ فريضة الصيام ـ ولا سيّما في شهر رمضان ـ فضيلة اختصّ الله بها هذه الأمّة. وقد كان فرضا على الأنبياء أنفسهم دون أممهم. الأمر الّذي لا يتنافى ومشروعيّته لهم إجماليّا والندب إليه في بعض الأحوال ، كما عرفت (٧).

[٢ / ٤٦٤٥] روى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضوان الله عليه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يفرض من صيام شهر رمضان فيما مضى إلّا على الأنبياء دون أممهم ، وإنّما فرض عليكم ما فرض على أنبيائه ورسله قبلي ، إكراما وتفضيلا» (٨).

[٢ / ٤٦٤٦] وروى بإسناده إلى حفص بن غياث النخعي قال : سمعت الإمام أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : «إنّ شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا .. إنّما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ، ففضّل الله به هذه الأمّة ، وجعل صيامه فرضا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أمّته» (٩).

[٢ / ٤٦٤٧] وروى ثقة الإسلام الكليني بالإسناد إلى الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا حضر شهر رمضان ، وذلك في ثلاث بقين من شعبان ، قال لبلال : ناد في الناس ،

__________________

(١) الطبري ٢ : ١٧٤ ـ ١٧٥.

(٢) الثعلبي ٢ : ٦٢ ـ ٦٣.

(٣) البغوي ١ : ٢١٤.

(٤) تفسير الخازن ١ : ١١٠.

(٥) النكت والعيون ١ : ٢٣٦.

(٦) ابن كثير ١ : ٢٢٠.

(٧) راجع : قاموس الكتاب المقدّس ـ جيمز هاكس : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

(٨) مستدرك الوسائل ٧ : ٤٠٠ ، عن كتاب فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق : ١٣٩.

(٩) الفقيه ٢ : ٩٩ ـ ١٠٠ / ١٨٤٤ ؛ فضائل الأشهر الثلاثة : ١٢٤ / ١٣١ ؛ البرهان ١ : ٣٩٤ / ٢.

٤٦٦

فجمع الناس ، ثمّ صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أيّها الناس ، إنّ هذا الشهر قد خصّكم الله به وحضركم ، وهو سيّد الشهور ، ليلة فيه خير من ألف شهر» (١).

[٢ / ٤٦٤٨] وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : روي عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ شهر رمضان كان صومه واجبا على نبيّ دون أمّته» (٢).

[٢ / ٤٦٤٩] وقال عليّ بن إبراهيم القمي : أوّل ما فرض الله الصوم ، لم يفرضه في شهر رمضان على الأنبياء ، ولم يفرضه على الأمم. فلمّا بعث الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّه بفضل شهر رمضان هو وأمّته (٣).

[٢ / ٤٦٥٠] وفي دعاء الإمام زين العابدين عليه‌السلام بشأن وداع شهر رمضان والكرامة الّتي منح الله بها هذه الأمّة في هذا الشهر المبارك : «اللهمّ وأنت جعلت من صفايا تلك الوظائف وخصائص تلك الفروض ، شهر رمضان الّذي اختصصته من سائر الشهور ، وتخيّرته من جميع الأزمنة والدهور ، وآثرته على كلّ أوقات السنة بما أنزلت فيه القرآن والنور. وضاعفت فيه من الإيمان ، وفرضت فيه الصيام ، ورغّبت فيه من القيام ، وأجللت فيه من ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر. ثمّ آثرتنا به على سائر الأمم ، واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل» (٤).

قوله تعالى : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)

قال أبو علي الطبرسي : اختلفوا في هذه الأيّام على قولين : أحدهما : أنّها غير شهر رمضان ، وكانت ثلاثة أيّام من كلّ شهر ثمّ نسخ. قاله معاذ وعطاء وعن ابن عبّاس. وروي ثلاثة أيّام من كلّ شهر وصوم يوم عاشوراء ، عن قتادة. ثمّ قيل : إنّه كان تطوّعا وقيل : بل كان واجبا. واتّفقوا على أنّ ذلك منسوخ بصوم شهر رمضان.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٧ / ٥ ؛ نور الثقلين ١ : ١٦٣ ؛ التهذيب ٤ : ١٩٢ ـ ١٩٣ ؛ البحار ٩٣ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ / ٣ ؛ أمالي الصدوق : ١١٣ ـ ١١٤ ، المجلس ١٤.

(٢) التبيان ٢ : ١١٦.

(٣) القمي ١ : ٦٥.

(٤) الصحيفة السجّادية الكاملة. دعاء رقم ٤٥ ؛ إقبال الأعمال لابن طاووس ١ : ٤٢٥ ، باب ٣٤ ؛ البحار ٩٥ : ١٧٤. وفيه : «دون أهل الأديان» بدل «أهل الملل».

٤٦٧

والقول الآخر : أنّ المعدودات شهر رمضان. عن ابن عبّاس والحسن. واختاره الجبّائي وأبو مسلم. وعليه أكثر المفسّرين ؛ قالوا : أوجب ـ سبحانه ـ الصوم أوّلا فأجمله ولم يبيّن ، ثمّ ذكر أنّه أيّاما معلومات وأبهم ، ثمّ بيّنه بقوله : شهر رمضان. قال القاضي : هذا أولى ؛ نظرا لأنّه إذا أمكن حمله على معنى من لزوم نسخ كان أولى. ولأنّ ما قالوه زيادة لا دليل عليه (١).

[٢ / ٤٦٥١] أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) يعني أيّام رمضان ثلاثين يوما.

[٢ / ٤٦٥٢] وأخرج عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال : ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، ولم يسمّ الشهر قال : كان هذا صيام الناس قبل ذلك ، ثمّ فرض الله عليهم شهر رمضان (٢).

[٢ / ٤٦٥٣] وأخرج ابن جرير وأحمد وأبو داوود وابن المنذر والبيهقي والحاكم وصحّحه عن معاذ بن جبل قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم المدينة ، فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيّام من كلّ شهر ، ثمّ إنّ الله جلّ وعزّ فرض شهر رمضان ، فأنزل الله تعالى ذكره : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) حتّى بلغ : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه. ثمّ إنّ الله ـ عزوجل ـ أوجب الصيام على الصحيح المقيم. وثبت الإطعام للكبير الّذي لا يستطيع الصوم ، فأنزل الله عزوجل : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٣).

[٢ / ٤٦٥٤] وأخرج أبو محمّد البغوي بالإسناد إلى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهليّة (!) وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصومه في الجاهليّة (!) فلمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه ، فلمّا فرض رمضان كان هو الفريضة ، وترك يوم عاشوراء. فمن شاء صامه ومن شاء تركه (٤).

وأخرجه الشيخان أيضا عن هشام عن أبيه (٥).

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٩.

(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٣٠٦ / ١٦٣١.

(٣) مسند أحمد ٥ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ؛ أبو داوود ١ : ١٢٤ / ٥٠٧ ، باب ٢٨ ، باب كيف الأذان من كتاب الصلاة ؛ سنن البيهقي ٤ : ٢٠٠ ؛ الحاكم ٢ : ٢٧٤ ، كتاب التفسير ؛ الدرّ ١ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

(٤) البغوي ١ : ٢١٤ ـ ٢١٥ / ١٣٦.

(٥) البخاري ٥ : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، كتاب التفسير ، باب ١٤ ؛ مسلم ٣ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، باب صوم عاشوراء.

٤٦٨

[٢ / ٤٦٥٥] وأخرج سعيد بن منصور عن أبي جعفر قال : نسخ شهر رمضان كلّ صوم (١).

[٢ / ٤٦٥٦] وروى أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى معمر بن يحيى أنّه سمع الإمام أبا جعفر الباقر عليه‌السلام يقول : «لا يسأل الله عزوجل عن صلاة بعد الفريضة ، ولا عن صدقة بعد الزكاة. ولا عن صوم بعد شهر رمضان» (٢).

[٢ / ٤٦٥٧] وهكذا روى بالإسناد إلى عبد الله بن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شهر رمضان نسخ كلّ صوم ، والنحر نسخ كلّ ذبيحة ، والزكاة نسخت كلّ صدقة. وغسل الجنابة نسخ كلّ غسل» (٣).

قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ)

الإطاقة : القدرة على الشيء ، لكن قدرة بلغت غايتها بحيث يفعله بمشقّة بالغة.

ومنه قول عامر بن فهيرة :

كلّ امرىء مجاهد بطوقه

كالثّور يحمي أنفه بروقه (٤)

أي أقصى غايته. قال ابن الأثير : وهو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله بمشقّة منه (٥).

وقال الأزهري : أي كلّ امرىء مكلّف ما أطاق (٦).

قال الأستاذ محمّد عبده : الإطاقة : أدنى درجات المكنة والقدرة على الشيء. فلا تقول العرب : أطاق الشيء إلّا إذا كانت قدرته عليه في نهاية الضعف ، بحيث يتحمّل به مشقّة شديدة (٧).

وقال ابن عاشور : والطاقة أقرب درجات القدرة إلى مرتبة العجز ، وفسّرها الفرّاء بالجهد ـ بفتح الجيم ـ وهو المشقّة (٨).

وعليه فالمراد من الّذين يطيقونه : الّذين يبلغون أقصى جهدهم في الصوم. يقال : جهد في الأمر جهدا أي جدّ وأتعب نفسه. فلا يستطيع الصوم إلّا بمشقّة شديدة.

__________________

(١) سنن سعيد ٢ : ٦٧٨ / ٢٦٢ ؛ الدرّ ١ : ٤٢٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٥٣ / ٤٢٤ / ٧ ؛ البحار ٩٣ : ٢٦٨.

(٣) التهذيب ٤ : ١٥٣ / ٤٢٥ / ٨ ؛ البرهان ١ : ٣٩٩.

(٤) الرّوق : القرن.

(٥) النهاية ٣ : ١٤٤ ؛ لسان العرب ١٠ : ٢٣٣.

(٦) تهذيب اللغة ٩ : ١٩٠.

(٧) المنار ٢ : ١٥٦.

(٨) التحرير والتنوير ٢ : ١٦٤.

٤٦٩

إذن فعلى الّذين يشقّ عليهم الصيام لشيخوخة أو ضعف مفرط لا يرجى زواله ، فعليهم التعويض بالفداء : (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) عن كلّ يوم ، من أوسط ما يطعمون أهليهم في العادة الغالبة (١).

[٢ / ٤٦٥٨] أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : كانت الآية في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، يطيقان الصوم وهو شديد عليهما ، فرخّص لهما أن يفطرا ويطعما (٢).

[٢ / ٤٦٥٩] وأخرج أبو إسحاق الثعلبي عن ابن عبّاس في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) قال : يتكلّفونه (٣) ، وهو الشيخ الكبير الهرم والعجوز الكبيرة الهرمة ، يطعمون لكلّ يوم مسكينا ولا يقضون.

[٢ / ٤٦٦٠] وعن أبي زرعة : الشيخ الكبير والحامل والمرضع ، يطعمون لكلّ يوم مدّا من حنطة ولا يقضون (٤).

[٢ / ٤٦٦١] ومن ثمّ نسب إلى ابن عبّاس ، وغيره من السلف أنّهم قرأوا : «وعلى الّذين يطوّقونه» (٥) أي يتكلّفونه مع المشقّة اللاحقة بهم. قال أبو عبد الله القرطبي : وهي قراءة على إرادة التفسير ، فأدخله بعض النّقلة في القرآن (٦). فهي قراءة على التفسير ، كما دأب عليه السلف.

نعم كان الإفطار بشأن هؤلاء رخصة ، فمن تكلّفه منهم فصام ، فلا شيء عليه.

قال الشيخ محمّد عبده : ظاهر الآية يقتضي لزوم الفدية أفطر أم لم يفطر. لكن أجمعوا على أنّه لا يلزم إلّا مع الإفطار (٧).

لكن ظاهر لحن الخطاب ، وملؤه الحنان والإرفاق ، أنّه ترخيص وليس عزيمة. وعليه فمعنى الآية : ومن شقّ عليه الصيام فأفطر ـ أخذا بالرخصة ـ فعليه إطعام مسكين.

[٢ / ٤٦٦٢] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال : أمّا الّذين يطيقونه فالرجل كان يطيقه ، وقد صام قبل ذلك ثمّ يعرض له الوجع أو العطش أو

__________________

(١) مقتبس من الآية ٨٩ من سورة المائدة.

(٢) عبد الرزّاق ١ : ٣٠٨ / ١٧٩.

(٣) وفي رواية الطبري ٢ : ١٨٧ / ٢٢٨٠ قال : يتحشّمونه : يتكلّفونه.

(٤) الثعلبي ١ : ٣٠٧ / ١٦٣٤ ، ١٦٣٦.

(٥) عبد الرزّاق ١ : ٣٠٩ / ١٨٠.

(٦) القرطبي ٢ : ٢٨٨.

(٧) المنار ٢ : ١٥٦.

٤٧٠

المرض الطويل ، أو المرأة المرضع لا تستطيع أن تصوم ؛ فإنّ أولئك عليهم مكان كلّ يوم إطعام مسكين ، فإن أطعم مسكينا فهو خير له ، ومتى تكلّف الصيام فصامه فهو خير له (١).

[٢ / ٤٦٦٣] وقال القاضي النعمان المصري : وقد روينا عن الإمام جعفر بن محمّد عليه‌السلام قال. حدّ المرض الّذي يجب على صاحبه فيه الإفطار ، أن يكون العليل لا يستطيع أن يصوم أو يكون إن استطاع الصوم زاد في علّته وخاف منه على نفسه. وهو مؤتمن على ذلك ومفوّض إليه فيه. فإن أحسّ ضعفا فليفطر ، وإن وجد قوّة على الصوم فليصم ، كان المرض ما كان.

[٢ / ٤٦٦٤] وقال : وعن عليّ عليه‌السلام قال : «أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيخ كبير متوكّئا بين رجلين ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا شهر مفروض وأنا لا أطيق الصيام؟ فقال : اذهب فكل وأطعم عن كلّ يوم نصف صاع. وإن قدرت أن تصوم اليوم واليومين وما قدرت ، فصم».

[٢ / ٤٦٦٥] وكذلك أتته امرأة حبلى وقالت : أخاف على ما في بطني إن صمت؟ فقال لها : «انطلقي فأفطري ، وإذا أطقت فصومي». وهكذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامرأة أتته كانت ترضع. وكذا صاحب عطش كان لا يتحمّل الصبر على العطش ساعة!

قال : فصار الشيخ الفاني بمنزلة العليل بالعلّة المزمنة الّتي لا يرجى برؤها ، فلا يقضى ما أفطر وعليه أن يطعم (٢).

[٢ / ٤٦٦٦] وروى الصدوق عن ابن بكير عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : «ما حدّ المرض الّذي يفطر فيه الصائم ويدع الصلاة من قيام؟ فقال : بل الإنسان على نفسه بصيرة ، هو أعلم بما يطيقه!» (٣)

[٢ / ٤٦٦٧] وعن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصائم إذا خاف على عينه من الرمد أفطر» (٤).

[٢ / ٤٦٦٨] وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن المنذر والدار قطني والبيهقي عن أنس بن مالك ، أنّه ضعف عن الصوم عاما قبل موته ، فصنع جفنة من ثريد ، فدعا ثلاثين مسكينا

__________________

(١) الطبري ٢ : ١٨٥ ؛ أبو الفتوح ٣ : ١٨.

(٢) دعائم الإسلام ١ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٣٢ / ١٩٤١ ؛ الكافي ٤ : ١١٨ / ٢ ؛ التهذيب ٤ : ٢٥٦.

(٤) الفقيه ٢ : ١٣٢ ـ ١٣٣ / ١٩٤٥ ؛ الكافي ٤ : ١١٨ / ٤.

٤٧١

فأطعمهم (١).

[٢ / ٤٦٦٩] وأخرج ابن جرير عن الحسن وإبراهيم النخعي قالا : إذا لم يستطع المريض أن يصلّي قائما أفطر (٢).

[٢ / ٤٦٧٠] وأخرج مالك وأحمد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ عمل ابن آدم يضاعف ؛ الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، قال الله عزوجل : إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي! للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربّه» (٣).

قوله تعالى : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

وفي أوّل الأمر كان تكليف الصوم شاقّا على المسلمين وقد فرض في السنة الثانية للهجرة قبيل فرض الجهاد ، ومن ثمّ حبّب الله إليهم التطوّع في الخيرات ، أي الإتيان بها عن رغبة ذاتيّة حبّا للخير ذاته .. كما حبّب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم (٤). فحبّبهم التطوّع بالصوم على مشاقّه ، فإنّه الخير محضا ، والعبادة الّتي أريد بها وجه الله خالصة. فضلا عن أنّ فيه عنصر تربية الإرادة ، وتقوية الاحتمال ، وإيثار العبادة على الراحة. كلّ ذلك خير تعود فوائده على النفس في سبيل تهذيبها وترقيتها ، إلى جنب التقرّب إلى الله والإخلاص له في العبوديّة.

[٢ / ٤٦٧١] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يقول الله ـ جلّ ثناؤه ـ : الصوم لي وأنا أجزي به. وللصائم فرحتان : إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربّه فجازاه فرح».

__________________

(١) المصنّف ٣ : ٤٧٥ / ٥ ، باب ٧ ؛ أبو يعلى ٧ : ٢٠٤ / ٤١٩٤ ؛ الدارقطني ٢ : ٢٠٧ / ١٦ ؛ البيهقي ٤ : ٢٧١ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٦٤ ؛ كنز العمّال ٨ : ٥٩٩ / ٢٤٣٢٥.

(٢) الدرّ ١ : ٤٥٩ ؛ الطبري ٢ : ٢٠٣ ؛ البغوي ١ : ٢١٨ ؛ الثعلبي ٢ : ٧١ ؛ أبو الفتوح ٣ : ٣٤.

(٣) الموطّأ ١ : ٣١٠ / ٥٨ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤٤٣ و ٤٧٧ ؛ المصنّف ٢ : ٤٢٣ / ٤ ، باب ٣ ؛ البخاري ٨ : ١٩٧ ، كتاب التوحيد ، باب ٣٥ ؛ مسلم ٣ : ١٥٨ ؛ النسائي ٢ : ٩٠ ـ ٩١ / ٢٥٢٥ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٢٥ / ١٦٣٨ ؛ ابن خزيمة ٣ : ١٩٧ ؛ الشعب ٣ : ٢٨٠ ؛ البيهقي ٤ : ٢٧٣.

(٤) الحجرات ٤٩ : ٧.

٤٧٢

أخرجه ابن أبي شيبه ومسلم والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد. وزاد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والّذي نفس محمّد بيده ، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (١).

[٢ / ٤٦٧٢] وأخرج أحمد والبيهقي عن جابر ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «قال ربّنا : الصيام جنّة يستجنّ بها العبد من النار ، وهو لي وأنا أجزي به». قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الصيام جنّة حصينة من النار» (٢).

[٢ / ٤٦٧٣] وأخرج البيهقي عن أيّوب بن حسّان الواسطي عن أبيه قال : سمعت رجلا سأل سفيان بن عيينة فقال : يا أبا محمّد فيما يرويه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ربّه عزوجل : «كلّ عمل ابن آدم له ، إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به»؟ فقال ابن عيينة : هذا من أجود الأحاديث وأحكمها ، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدّي ما عليه من المظالم من سائر عمله ؛ حتّى لا يبقى إلّا الصوم ، فيتحمّل الله ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنّة (٣).

[٢ / ٤٦٧٤] وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قال الله عزوجل : كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنّة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، وإن سابّه أو شاتمه أحد فليقل : إنّي امرؤ صائم ، والّذي نفس محمّد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرح بهما : إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربّه فرح بصومه» (٤).

[٢ / ٤٦٧٥] وأخرج الترمذي والبيهقي عن رجل من بني سليم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيده فقال : «سبحان الله نصف الميزان ، والحمد لله تملأ الميزان ، والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض ،

__________________

(١) المصنّف ٢ : ٤٢٣ / ٣ ، باب ٣ ؛ مسلم ٣ : ١٥٨ ؛ سنن النسائي ٢ : ٩٠ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢٩٤ / ٣٥٨١.

(٢) الدرّ ١ : ٤٣٦ ؛ مسند أحمد ٣ : ٣٩٦ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢٨٩ / ٣٥٧٠ ، وفيه : الصيام جنّة يجتنّ بها العبد ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٥١ و ٤٤٣.

(٣) الدرّ ١ : ٤٣٦ ؛ البيهقي ٤ : ٢٧٤ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢٩٥ / ٣٥٨٢.

(٤) الدرّ ١ : ٤٣٦ ؛ الموطّأ ١ : ٣١٠ / ٥٧ ، باب ٢٢ ؛ المصنّف ٢ : ٤٢١ / ٢ ، باب ٢ (ما يؤمر به الصيام) ؛ مسند أحمد ٢ : ٢٧٣ ؛ البخاري ٢ : ٢٢٨ ؛ مسلم ٣ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ؛ النسائي ٢ : ٩١ / ٢٥٢٦ ، باب ٤١ ، وفيه : «فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل ...».

٤٧٣

والوضوء نصف الإيمان ، والصيام نصف الصبر» (١).

[٢ / ٤٦٧٦] وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن بريدة قال : دخل بلال على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتغذّى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تغذّ يا بلال» قال : إنّي صائم يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نأكل رزقنا وفضل رزق بلال في الجنّة ، أشعرت يا بلال أنّ الصائم تسبّح عظامه ، وتستغفر له الملائكة ما أكل عنده؟!» (٢).

[٢ / ٤٦٧٧] وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الصيام نصف الصبر ، وإنّ لكلّ شيء زكاة وزكاة الجسد الصيام» (٣).

[٢ / ٤٦٧٨] وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اغزوا تغنموا ، وصوموا تصحّوا ، وسافروا تستغنوا» (٤).

[٢ / ٤٦٧٩] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي مالك الأشعريّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ في الجنّة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها ، أعدّها الله لمن ألان الكلام ، وأطعم الطعام ، وتابع الصيام ، وصلّى بالليل والناس نيام» (٥).

[٢ / ٤٦٨٠] وأخرج أبو يعلى والطبراني عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو أنّ رجلا صام يوما تطوّعا ثمّ أعطي ملء الأرض ذهبا لم يستوف أجره دون يوم الحساب» (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٣٨ ؛ الترمذي ٥ : ١٩٧ / ٣٥٨٥ ، باب ٩٢ ، أبواب الدعوات ، بلفظ : ... عن رجل من بني سليم قال : عدّهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يدي أو في يده : التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملأه والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض ، والصوم نصف الصبر ، والطهور نصف الإيمان. وقال : هذا حديث حسن ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢٩١ / ٣٥٧٥ ، كنز العمّال ١ : ٤٦٤ ؛ مسند أحمد ٤ : ٢٦٠.

(٢) الدرّ ١ : ٤٣٩ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٥٦ / ١٧٤٩ ، باب ٤٦ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢٩٧ / ٣٥٨٦.

(٣) الدرّ ١ : ٤٣٨ ؛ المصنّف ٢ : ٤٢٥ / ٥ ، باب ٤ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٥٥ / ١٧٤٥ ، باب ٤٤ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢٩٢ / ٣٥٧٧ ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٤٤ / ٢٣٥٧١.

(٤) الدرّ ١ : ٤٤٠ ؛ الأوسط ٨ : ١٧٤ ؛ مجمع الزوائد ٥ : ٣٢٤ ؛ ضعفاء العقيلي ٢ : ٩٢ / ٥٤٩.

(٥) الدرّ ١ : ٤٤٢ ؛ الشعب ٣ : ٤٠٤ / ٣٨٩٢ ؛ البيهقي ٤ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ؛ مسند أحمد ٥ : ٣٤٣ ؛ كنز العمّال ١٥ : ٨٦٧ / ٤٣٤٤٩ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٩٢ ، قال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله ثقات.

(٦) الدرّ ١ : ٤٤١ ؛ أبو يعلى ١٠ : ٥١٢ / ٦١٣٠ ؛ الأوسط ٥ : ١٣١ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ١٨٢.

٤٧٤

[٢ / ٤٦٨١] روى أبو جعفر الكليني بالإسناد إلى الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصوم جنّة من النار» (١).

[٢ / ٤٦٨٢] وكذا رواه الشيخ بالإسناد إلى الصادق عليه‌السلام عن رسول الله قال : «الصوم جنّة من النار». (٢) ورواه الصدوق مرسلا (٣).

[٢ / ٤٦٨٣] وعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأصحابه : «ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا : بلى. قال : الصوم يسوّد وجهه. والصدقه تكسر ظهره. والحبّ في الله والموارزة على العمل الصالح ، يقطع دابره. والاستغفار يقطع وتينه. ولكلّ شيء زكاة ، وزكاة الأبدان الصيام» (٤).

ورواه الشيخ مسندا والصدوق مرسلا وبأسناد (٥).

[٢ / ٤٦٨٤] وعن الإمام الصادق عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين». وقال : أخبرني جبرئيل عن ربّه أنّه قال : «ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلّا استجبت لهم فيه» (٦).

[٢ / ٤٦٨٥] وروى بالإسناد إلى مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح» (٧).

[٢ / ٤٦٨٦] وعن أبي الصباح الكناني عن الصادق عليه‌السلام قال : «للصائم فرحتان : فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء ربّه» (٨).

[٢ / ٤٦٨٧] وبهذا الإسناد عنه عليه‌السلام قال : «إنّ الله تعالى يقول : الصوم لي وأنا أجزي عليه» (٩).

[٢ / ٤٦٨٨] وفي حديث آخر عن الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله ـ عزوجل ـ : «الصوم

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٢ / ١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٩١ / ٥٤٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٦.

(٤) الكافي ٤ : ٦٢ / ٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٤٥ / ١٩٩ ؛ الأمالي : ٥٩ / ١ ؛ فضائل الأشهر الثلاثة : ٧٥ / ٥٧.

(٦) الكافي ٤ : ٦٤ / ١١ ؛ المحاسن : ٧٢ / ١٤٩ ؛ الفقيه ٢ : ٤٥ / ٢٠٢ ؛ المقنعة : ٤٩.

(٧) الكافي ٤ : ٦٤ / ١٢ ؛ المقنعة : ٤٩ ؛ المحاسن : ٧٢ / ١٤٨ ؛ قرب الإسناد : ٤٦.

(٨) الكافي ٤ : ٦٤ / ١٥ ؛ الفقيه ٢ : ٤٥ / ٢٠٤.

(٩) الكافي ٤ : ٦٣ / ٦.

٤٧٥

لي وأنا أجزي به».

ورواه الصدوق مرسلا. وزاد : وللصائم فرحتان : حين يفطر وحين يلقى ربّه. والّذي نفس محمّد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك (١).

[٢ / ٤٦٨٩] وقال الصادق عليه‌السلام في حديث له مع عليّ بن عبد العزيز : «ألا أخبرك بأبواب الخير؟ إنّ الصوم جنّة!» (٢).

[٢ / ٤٦٩٠] وفي حديث : «لكلّ شيء زكاة وزكاة الأجساد الصوم». (٣) ورواه المفيد عن الصادق عليه‌السلام مرسلا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

[٢ / ٤٦٩١] وروي بالإسناد إلى إسماعيل بن بشّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال أبي : «إنّ الرجل ليصوم يوما تطوّعا يريد ما عند الله ، فيدخله الله به الجنّة» (٥).

[٢ / ٤٦٩٢] وبالإسناد إلى عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ، ما لم يغتب مسلما» (٦). ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا ، وفي غيره مسندا (٧)

[٢ / ٤٦٩٣] وقال الصدوق : قال الصادق عليه‌السلام : «نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبّل ، ودعاؤه مستجاب». ورواه في ثواب الاعمال مسندا (٨).

[٢ / ٤٦٩٤] وقال : وقال عليّ عليه‌السلام ـ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «من صام يوما متطوّعا أدخله الله ـ عزوجل ـ الجنّة» (٩).

[٢ / ٤٦٩٥] وفي حديث آخر : «من صام يوما تطوّعا ابتغاء ثواب الله وجبت له المغفرة» (١٠).

[٢ / ٤٦٩٦] وقال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من صام يوما في سبيل الله تعالى ، كان له كعدل سنة

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٢ / ٤٢٠ ؛ الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٨.

(٢) الكافي ٤ : ٦٢ / ٣ ؛ الفقيه ٢ : ٤٥ / ٢٠٠.

(٣) الكافي ٤ : ٦٣ / ٤ ؛ التهذيب ٤ : ١٩٠ / ٥٣٧.

(٤) المقنعة : ٤٩.

(٥) الكافي ٤ : ٦٣ / ٥ ؛ التهذيب ٤ : ١٩١ / ٥٤٣.

(٦) الكافي ٤ : ٦٤ / ٩ ؛ التهذيب ٤ : ١٩٠ / ٥٣٨.

(٧) الفقيه ٢ : ٤٤ / ١٩٧ ؛ الأمالي : ٤٤٢ / ١ ؛ ثواب الأعمال : ٧٥ / ١.

(٨) الفقيه ٢ : ٤٦ / ٢٠٧ ؛ ثواب الأعمال : ٧٥ / ٣.

(٩) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٥ ؛ ثواب الأعمال : ٧٧ / ١.

(١٠) أمالي الصدوق : ٤٤٢ / ٢.

٤٧٦

يصومها». (١) ورواه بالإسناد إلى سعيد بن جبير عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

[٢ / ٤٦٩٧] وبإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «من ختم له بصيام يوم دخل الجنّة» (٣).

[٢ / ٤٦٩٨] وبإسناده إلى أنس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ للجنّة بابا يدعى «الريّان» لا يدخل منه إلّا الصائمون» (٤).

[٢ / ٤٦٩٩] وأيضا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من صام يوما تطوّعا ، فلو أعطي ملء الأرض ذهبا ما وفّي أجره دون يوم الحساب» (٥).

[٢ / ٤٧٠٠] وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قال الله ـ عزوجل ـ : كلّ أعمال ابن آدم بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف ، إلّا الصبر ، فإنّه لي وأنا أجزي به. فثواب الصبر مخزون في علم الله. قال : والصبر الصوم» (٦).

[٢ / ٤٧٠١] وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثلاثة لا تردّ دعوتهم : الصائم والإمام العادل والمظلوم ، يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبواب السماء» (٧).

[٢ / ٤٧٠٢] وقال : «إنّ للصائم عند فطره لدعوة ما تردّ» (٨).

[٢ / ٤٧٠٣] وقال : «للصائم عنده إفطاره دعوة مستجابة» (٩).

[٢ / ٤٧٠٤] وقال : «نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله مضاعف ، ودعاؤه مستجاب ، وذنبه مغفور» (١٠).

[٢ / ٤٧٠٥] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصوم فوه لا يتكلّم إلّا بالخير» (١١).

إلى غيرها من جلائل أحاديث وردت بشأن فخامة الصوم ورفيع منزلته عند الله!

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٧.

(٢) ثواب الأعمال : ٧٦ / ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٥٢ / ٢٢٦ ؛ ثواب الأعمال : ٧٧ / ١.

(٤) معاني الأخبار : ٤٠٩ / ٩٠.

(٥) المصدر / ٩١.

(٦) المصدر / ذيل رقم ٩١.

(٧) مسند أحمد ٢ : ٤٤٥ ؛ الترمذي ٤ : ٧٩ ؛ ابن ماجة ١ : ٥٥٧ ؛ ابن خزيمة ٣ : ١٩٩.

(٨) ابن ماجة ١ : ٥٥٧ ؛ الحاكم ١ : ٤٢٢.

(٩) مسند أبي داوود الطيالسي : ٢٩٩ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٤٠٨.

(١٠) الثعلبي ٢ : ٧٠ ؛ شعب الإيمان ٣ : ٤١٥.

(١١) العيّاشيّ ١ : ١٠٠ / ١٨٩ ؛ البحار ٩٣ : ٣٢٥ / ١٥ ؛ البرهان ١ : ٤٠٢ / ٦.

٤٧٧

قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)

وهذا تحبيب آخر في أداء هذه الفريضة للصحيح والمقيم ؛ إنّها صوم رمضان ، الشهر الّذي أنزل فيه القرآن ـ بمعنى بدء نزوله كان في رمضان ليلة القدر ـ والقرآن كتاب هذه الأمّة الخالد ، والّذي أخرجهم من الظلمات إلى النور ، وجعلهم على محجّة من الهدى والبيّنات ، ومنحهم الضياء والفرقان ، فأنشأهم هذه النشأة ، وأبدل من خوفهم أمنا ، ومكّن لهم في الأرض ووهبهم المقوّمات الّتي صاروا بها أمّة ، ولم تكن من قبل شيئا. وهي بدون هذه المقوّمات ليست أمّة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء.

فلا أقلّ من الشكر إزاء هذه النعم الجسام ، بالاستجابة إلى صوم الشهر الّذي نزل فيه القرآن.

(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) أي من حضر منكم الشهر غير مسافر ، وشاهد الهلال أو أيقن به بأيّ وسيلة أخرى كانت موجبة للقطع برؤية الهلال.

وتأكيدا على وضع الصوم عن المسافر والمريض ، عاد مكرّرا قوله : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى) متن (سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ). ذلك لأنّه تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) في جميع تشريعاته (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.) إذ لا حرج في الدين ، هذه هي القاعدة الكبرى لأسس التشريع في شريعة السماء فهي ميسّرة لا عسر فيها ، الأمر الّذي يوحي بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلّها ، وتطبع نفس المسلم بطابع خاصّ من السماحة الّتي لا تكلّف فيها ولا تعقيد ، سماحة تؤدّى معها كلّ التكاليف وكلّ الفرائض وكلّ نشاط في الحياة الجادّة ، وكأنّما هي مسيل الماء الجاري ، ونموّ الشجرة الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء ، هذا ، مع الشعور الدائم برحمة الله وإرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين.

وقد جعل الصوم للمسافر والمريض في أيّام أخر ، لكي يتمكّن المضطّر من إكمال عدّة أيّام الشهر الّتي فاتته ، فلا يضيع عليه أجرها : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ؛) فلا تفوتكم ميزاتها ومثوباتها.

والصوم على هذا نعمة تستحقّ التكبير المستعقب للشكر والتقدير : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

فهذه غاية من غايات الفريضة ، أن يشعر المؤمن بقيمة الهدى الّذي يسّره الله له ، ووفّقه الله على القيام به وأدائه بيسر وعافية ، الأمر الّذي يجده المؤمن في نفسه في فترة الصيام أكثر من كلّ فترة. حيث كفّ قلبه عن التفكير في معصية ، وكفّ جوارحه عن إتيانها ، وهو شاعر بالهدى ملموسا

٤٧٨

ومحسوسا. فليكبّر الله على هذه الهداية وليشكره على هذه العناية ، وليتروّض قلبه على الطاعة ، كما نبّه عليه مطلع الحديث : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

وهكذا تبدو منّة الله في هذا التكليف الّذي يبدو شاقّا على الأبدان والنفوس. وتتجلّى الغاية التربويّة منه ، والإعداد من ورائه للدور العظيم الّذي أخرجت هذه الأمّة لتؤدّية ، أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحسّاسيّة الضمير!

* * *

ومن ثمّ فإنّ فضل هذا الشهر (شهر رمضان) كبير ، وعائده على العباد المؤمنين كثير. وقد ازدحمت الروايات في عظيم فضله ووفرة بركاته ما يثير العجب ، ولنذكر جانبا منها :

ناهيك من ذلك خطبة سيّد المرسلين وإمام المتّقين في آخر جمعة من شهر شعبان عند ما أطلّ شهر رمضان :

[٢ / ٤٧٠٦] روى الشيخ عماد الدين أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري بإسناده إلى الحسن بن عليّ بن فضّال عن عليّ بن موسى الرضا عن آبائه عليهم‌السلام عن عليّ عليه‌السلام قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «أيّها الناس ، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور ، وأيّامه أفضل الأيّام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات. وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله.

أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مستجاب. فاسألوا الله ربّكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة ، أن يوفّقكم لصيامه [وقيامه] وتلاوة كتابه. فإنّ الشّقيّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم!»

ثمّ أخذ في بيان ما ينبغي العمل والاهتمام به في هذا الشهر وقال :

«اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه.

وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم.

ووقّروا كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم.

واحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم ، وعمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم.

٤٧٩

وتحنّنوا على أيتام الناس ، يتحنّن على أيتامكم.

وتوبوا إلى الله من ذنوبكم ، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم ، فإنّها أفضل الساعات ، ينظر الله ـ عزوجل ـ فيها بالرحمة إلى عباده ، ويجيبهم إذا ناجوه ، ويلبّيهم إذا نادوه ، ويستجيب لهم إذا دعوه». ثمّ قال :

«أيّها الناس ، إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ، ففكّوها باستغفاركم. وظهوركم ثقيلة من أوزاركم ، فخفّفوا عنها بطول سجودكم. واعلموا أنّ الله عزوجل أقسم بعزّته أن لا يعذّب المصلّين والساجدين ، وأن لا يروّعهم بالنار ، يوم يقوم الناس لربّ العالمين!

أيّها الناس ، من فطّر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر ، كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه. فقيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس كلّنا نقدر على ذلك! فقال : اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة ، اتّقوا النار ولو بشربة من ماء!

أيّها الناس ، من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه ، كان له جواز على الصراط ، يوم تزلّ فيه الأقدام. ومن خفّف منكم في هذا الشهر عمّا ملكت يمينه ، خفّف الله عليه حسابه. ومن كفّ فيه شرّه ، كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه». إلى أن قال :

«أيّها الناس ، إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة ، فاسألوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم. وأبواب النيران مغلقة ، فاسألوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم. والشياطين مغلولة ، فاسألوا ربّكم أن لا يسلّطها عليكم».

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فقمت وقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال : «يا أبا الحسن ، أفضل الأعمال في هذا الشهر ، الورع عن محارم الله». (١)

ورواه ابن بابويه الصدوق بإسناده إلى ابن فضّال عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفق ما رواه محمد بن أبي القاسم الطبري (٢)

[٢ / ٤٧٠٧] وروى بالإسناد إلى الحسن بن محبوب عن أبي أيّوب عن أبي الورد عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس في آخر جمعة من شعبان ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ

__________________

(١) الإقبال لابن طاووس ١ : ٢٥ ـ ٢٧.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٦٦ ، باب ٥٣ ؛ الأمالي : ١٥٥ المجلس ٢٠ ؛ فضائل الأشهر الثلاثة : ٧٧ ـ ٧٩ / ٦١.

٤٨٠