التفسير الأثري الجامع - ج ٤

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-05-0
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

لَيَقُولُنَّ اللهُ)(١)» (٢).

[٢ / ٤١٧٩] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال : سألت قريش اليهود فقالوا :

حدّثونا عمّا جاءكم به موسى من الآيات ، فحدّثوهم بالعصا ، وبيده البيضاء للناظرين. وسألوا النصارى عمّا جاءهم به عيسى من الآيات ، فأخبروهم أنّه كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله. فقالت قريش عند ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فنزداد به يقينا ونتقوّى به على عدوّنا ، فسأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربّه. فأوحى الله إليه : إنّي معطيكم (٣) ذلك ، ولكن إن كذّبوا بعد عذّبتهم عذابا لم أعذّبه أحدا من العالمين! فقال : ذرني وقومي فأدعوهم يوما بيوم ، فأنزل الله عليه : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية. فخلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار أعظم من أن أجعل الصفا ذهبا» (٤).

[٢ / ٤١٨٠] وأخرج وكيع والفريابي وآدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الضحى قال : لمّا نزلت (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) عجب المشركون ، وقالوا : إنّ محمّدا يقول : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) فليأتنا بآية إن كان من الصادقين! فأنزل الله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية يقول : إنّ في هذه الآيات (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٥).

[٢ / ٤١٨١] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء قال : نزل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) فقال كفّار قريش بمكّة : كيف

__________________

(١) الزخرف ٤٣ : ٨٧.

(٢) البرهان ١ : ٣٧٢ ؛ الكافي ١ : ١١٨ / ١٢ ، كتاب التوحيد ، باب معاني الأسماء واشتقاقها ؛ التوحيد : ٨٣ / ٢ ، باب ٣ ، وفيه : اجتماع الألسن عليه بالتوحيد ؛ البحار ٣ : ٢٠٨ / ٤ ، باب ٦ ، عن التوحيد وبنحوه ، وللعلّامة المجلسي رحمه‌الله ذيل الرواية بيان فراجع! ؛ نور الثقلين ٤ : ٦١٨ / ١٠٣.

(٣) في بعض النسخ : إنّي معطيهم.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٥ ؛ الطبري ٢ : ٨٥ / ١٩٩٠ ، أبو الفتوح ٢ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨.

(٥) الدرّ ١ : ٣٩٥ ؛ سنن سعيد بن منصور ٢ : ٦٣٩ / ٢٣٩ ؛ الطبري ٢ : ٨٤ ـ ٨٥ ؛ العظمة ١ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ / ٣١ ، وفيه : «نقم المشركون» بدل «عجب المشركون» ؛ الشعب ١ : ١٣٠ / ١٠٤ ؛ أسباب النزول للواحدي : ٢٩ ؛ الوسيط ١ : ٢٤٦ ؛ البغوي ١ : ١٩٥.

٣٢١

يسع الناس إله واحد؟! فأنزل الله (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فبهذا يعلمون أنّه إله واحد ، وأنّه إله كلّ شيء ، وخالق كلّ شيء (١).

قوله تعالى : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ)

[٢ / ٤١٨٥] أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) قال : قادر ـ والله ـ ربّنا على ذلك إذا شاء جعلها رحمة ، لواقح للسحاب ، ونشرا بين يدي رحمته ، وإذا شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح ، إنّما هي عذاب على من أرسلت عليه (٢).

[٢ / ٤١٨٦] وأخرج ابن جرير بالإسناد إلى معمر عن قتادة في قوله : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) قال : تصريفها إن شاء جعلها رحمة وإن شاء جعلها عذابا (٣).

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب قال : كلّ شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة ، وكلّ شيء في القرآن من الريح فهو عذاب (٤).

[٢ / ٤١٨٧] وعن ابن عبّاس ـ أيضا ـ قال : الريّاح للرحمة ، والريح للعذاب (٥).

[٢ / ٤١٨٨] وبهذا المعنى ـ أيضا ـ روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا هاجت الريح يقول : «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» (٦).

[٢ / ٤١٨٩] وهكذا أخرج الشافعي وأبو الشيخ والبيهقي في المعرفة عن ابن عبّاس قال : ما هبّت ريح قطّ إلّا جثا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ركبتيه ، وقال : «اللهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ، اللهمّ اجعلها

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩٥ ؛ الطبري ٢ : ٨٤ / ١٩٨٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٧٢ / ١٤٦٢ ؛ العظمة ١ : ٤١٤ ـ ٤١٥ / ١١٦ ـ ٣٦ ، بخلاف يسير.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٦ ؛ الطبري ٢ : ٨٨ / ١٩٩٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٧٥ / ١٤٧٤ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٥٧ ، بلفظ : قيل : تصريفها بأن جعل بعضها يأتي بالرحمة وبعضها يأتي بالعذاب ؛ الوسيط ١ : ٢٤٧.

(٣) الطبري ١٣ : ١٨٣ / ٢٤١١٧ ، في سورة الجاثية ٤٥ : ٥ ؛ التبيان ٢ : ٦٠ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٥٧.

(٤) الثعلبي ٢ : ٣٣ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٧٤ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٥٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٧٥ / ١٤٧٥.

(٥) الثعلبي ٢ : ٣٢ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٧٤ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٥٣.

(٦) الثعلبي ٢ : ٣٣ ؛ الكبير ١١ : ١٧٠ ـ ١٧١ ؛ كنز العمّال ٧ : ٧٥ / ١٨٠٣٣ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٥٣.

٣٢٢

رياحا ولا تجعلها ريحا». قال ابن عبّاس : والله إنّ تفسير ذلك في كتاب الله (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً)(١). (أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ)(٢) وقال : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)(٣)(أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ)(٤)(٥).

قلت : وينقضه قوله تعالى : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(٦). وقوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ)(٧). وقوله : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ)(٨).

[٢ / ٤١٩٠] وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصحّحه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبيّ بن كعب قال : لا تسبّوا الريح فإنّها من نفس الرحمان قوله : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ) ولكن قولوا : اللهمّ إنّا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما أرسلت به (٩).

[٢ / ٤١٩١] وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن شدّاد بن الهاد قال : الريح من روح الله ، فإذا رأيتموها فاسألوا الله من خيرها وتعوّذوا بالله من شرّها (١٠).

[٢ / ٤١٩٢] وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدة عن أبيها قال : إنّ من الرياح رحمة ومنها رياح عذاب ، فإذا سمعتم الرياح فقولوا : اللهمّ اجعلها رياح رحمة ولا تجعلها رياح عذاب (١١).

[٢ / ٤١٩٣] وأخرج الشافعي عن صفوان بن سليم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تسبّوا الريح ،

__________________

(١) فصّلت ٤١ : ١٦.

(٢) الذاريات ٥١ : ٢٨.

(٣) الحجر ١٥ : ٢٢.

(٤) الروم ٣٠ : ٤٦.

(٥) الأمّ ١ : ٢٨٩ ، كتاب الاستسقاء ، باب القول في الإنصاف عن رؤية السحاب والريح ؛ الدرّ ١ : ٣٩٩ ؛ العظمة ٤ : ١٣٥١ ـ ١٣٥٢ / ٨٧١ ـ ٧٥.

(٦) يونس ١٠ : ٢٢.

(٧) الأنبياء ٢١ : ٨١.

(٨) سورة ص ٣٨ : ٣٦.

(٩) الدرّ ١ : ٣٩٦ ؛ المصنّف ٧ : ٣١ / ٢ ، كتاب الدعاء ، باب ١٣ (ما يدعى به للريح إذا هبّت» ، بلفظ : عن أبيّ قال : لا تسبّوا الريح فإذا رأيتم منها ما تكرهون فقولوا : اللهمّ إنّا نسألك خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ونعوذ بك من شرّ هذه الريح وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به ؛ الحاكم ٢ : ٢٧٢ ؛ وفيه : «ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشر ما أرسلت به» ؛ الشعب ٤ : ٣١٥ / ٥٢٣٤ ؛ الترمذي ٣ : ٣٥٥ / ٢٣٥٣ ، باب ٥٦ ؛ النسائي ٦ : ٢٣١ / ١٠٧٦٩ ؛ كنز العمّال ٣ : ٦٠١ / ٨١٠٩ ؛ القرطبي ٢ : ١٩٧ ، بلفظ : روي عن النبيّ عليه‌السلام أنّه قال : «لا تسبّوا الريح فإنّها من نفس الرحمان».

(١٠) الدرّ ١ : ٣٩٦.

(١١) الدرّ ١ : ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

٣٢٣

وعوذوا بالله من شرّها» (١).

[٢ / ٤١٩٤] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عبّاس : أنّ رجلا لعن الريح ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تلعن الريح فإنّها مأمورة ، وإنّه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه» (٢).

[٢ / ٤١٩٥] وأخرج الترمذي والنسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تسبّوا الريح فإنّها من روح الله تعالى ، وسلوا الله خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وتعوّذوا بالله من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به» (٣).

[٢ / ٤١٩٦] وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : هاجت ريح فسبّوها. فقال ابن عبّاس : لا تسبّوها فإنّها تجيء بالرحمة وتجيء بالعذاب ، ولكن قولوا : اللهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا (٤).

[٢ / ٤١٩٧] وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تسبّوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح ، فإنّها تبعث عذابا على قوم ورحمة على آخرين» (٥).

[٢ / ٤١٩٨] وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عبّاس قال : الماء والريح جندان من جنود الله ،

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩٩ ؛ الأمّ ١ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ ، كتاب الاستسقاء ، باب القول في الإنصات عن رؤية السحاب والريح.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٩ ؛ الشعب ٤ : ٣١٦ / ٥٢٣٥ ؛ الترمذي ٣ : ٢٣٦ / ٢٠٤٤ ، أبواب البرّ والصلة ، باب ٤٨ (ما جاء في اللعنة) ؛ كنز العمّال ٣ : ٦٠١ / ٨١١١.

(٣) الدرّ ١ : ٣٩٩ ؛ الترمذي ٣ : ٣٥٥ / ٢٣٥٣ ، باب ٥٦ ، أبواب الفتن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، باب ما جاء في النهي عن سبّ الرياح ، بلفظ : عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تسبّوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا : اللهمّ إنّا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها ، وخير ما أمرت به ، ونعوذ بك من شرّ هذه الريح وشرّ ما فيها وشرّ ما أمرت به» ؛ النسائي ٦ : ٢٣١ / ١٠٧٦٩ ؛ كتاب عمل اليوم والليلة ، باب ٢١٩ ؛ كنز العمّال ٣ : ٦٠١ / ٨١١٠.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٩ ؛ المصنّف ٧ : ٣١ / ٣ ، كتاب الدعاء ، باب ١٣ (ما يدعى به للريح إذا هبّت) ؛ مجمع البيان ١ : ٤٥٧ ؛ بلفظ : روي أنّ الريح هاجت على عهد ابن عبّاس ، فجعل بعضهم يسبّ الريح فقال : لا تسبّوا الريح ولكن قولوا : اللهمّ اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ؛ كنز العمّال ٨ : ٤٤١ / ٢٣٥٥٩ ؛ الوسيط ١ : ٢٤٨.

(٥) الدرّ ١ : ٤٠٠ ؛ المصنّف ٦ : ٢١٢ / ١ ، كتاب الأدب ، باب ١٥٢ ، (ما ينهى عنه الرجل أن يسبّه).

٣٢٤

والريح جند الله الأعظم. (١).

[٢ / ٤١٩٩] وأخرج أبو عبيد وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عمرو قال : الرياح ثمان : أربع منها رحمة ، وأربع عذاب ، فأمّا الرحمة فالناشرات والمبشّرات والمرسلات والذاريات. وأمّا العذاب فالعقيم والصرصر وهما في البرّ ، والعاصف والقاصف ، وهما في البحر (٢).

[٢ / ٤٢٠٠] وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عبّاس قال : الريح ثمان : أربع رحمة وأربع عذاب. الرحمة : المنتشرات والمبشّرات والمرسلات والرخاء. والعذاب : العاصف والقاصف ، وهما في البحر ، والعقيم والصرصر وهما في البرّ (٣).

[٢ / ٤٢٠١] وأخرج أبو الشيخ عن عيسى بن أبي عيسى الخيّاط قال : بلغنا أنّ الرياح سبع : الصبا والدبور والجنوب والشمال والخروق والنكباء وريح القائم. فأمّا الصبا فتجيء من المشرق ، وأمّا الدبور فتجيء من المغرب ، وأمّا الجنوب فتجيء عن يسار القبلة ، وأمّا الشمال فتجيء عن يمين القبلة ، وأمّا النكباء فبين الصبا والجنوب ، وأمّا الخروق فبين الشمال والدبور ، وأمّا ريح القائم فأنفاس الخلق (٤).

[٢ / ٤٢٠٢] وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال : جعلت الرياح على الكعبة ، فإذا أردت أن تعلم ذلك فأسند ظهرك إلى باب الكعبة ، فإنّ الشمال عن شمالك وهي ممّا يلي الحجر ، والجنوب عن يمينك وهو ممّا يلي الحجر الأسود ، والصبا مقابلك وهي مستقبل باب الكعبة ، والدبور من دبر الكعبة (٥).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٧٩ ؛ العظمة ٤ : ١٣٣٦ ـ ١٣٣٧ / ٨٤٣ ـ ٤٧ ؛ البغوي ١ : ١٩٦ ، بلفظ : أعظم جنود الله الريح والماء.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٧ ؛ ابن أبي الدنيا ، كتاب الريح : ١٦٣ / ١٧٤ ؛ العظمة ٤ : ١٣٠٥ / ٧٩٨ ـ ٢ ؛ ابن كثير ٣ : ٤٤٦ ، سورة الروم ، الآية ٤٨.

(٣) الدرّ ١ : ٢٩٧ ؛ ابن أبي الدنيا ، كتاب الريح : ١٦٢ / ١٧٢ ؛ العظمة ٤ : ١٣٣٤ / ٨٣٨ ـ ٤٢ ، وفيه : الرحمة المبشرات والمنتشرات.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٧ ؛ العظمة ٤ : ١٣٢٤ ـ ١٣٢٦ / ٨٢٣ ـ ٢٧ ، وفيه : ابن أبي عيسى الحنّاط.

(٥) الدرّ ١ : ٣٩٧ ؛ العظمة ٤ : ١٣٢٦ / ٨٢٤ ـ ٢٨.

٣٢٥

[٢ / ٤٢٠٣] وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين بن عليّ الجعفي قال : سألت إسرائيل بن يونس عن أيّ شيء سمّيت الريح؟ قال : على القبلة ؛ شماله الشمال ، وجنوبه الجنوب ، والصبا : ما جاء من قبل وجهها ، والدبور : ما جاء من خلفها (١).

[٢ / ٤٢٠٤] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ضمرة بن حبيب قال : الدّبور : الريح الغربيّة ، والقبول الشرقيّة ، والشمال الجنوبيّة ، واليمان القبليّة ، والنكباء تأتي من الجوانب الأربع (٢).

[٢ / ٤٢٠٥] وأخرج أبو الشيخ عن ابن عبّاس قال : الشمال ما بين الجدي ومطلع الشمس ، والجنوب : ما بين مطلع الشمس وسهيل ، والصبا : ما بين مغرب الشمس إلى الجدي ، والدبور ما بين مغرب الشمس إلى سهيل (٣).

[٢ / ٤٢٠٦] وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الجنوب من ريح الجنّة» (٤).

[٢ / ٤٢٠٧] وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب ، وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ريح الجنوب من الجنّة وهي من اللواقح وفيها منافع للناس ، والشمال من النار تخرج فتمرّ بالجنّة ، فتصيبها نفحة من الجنّة فبردها من ذلك» (٥).

[٢ / ٤٢٠٨] وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنديهما والبخاري في تاريخه والبزّار وأبو الشيخ عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله خلق في الجنّة ريحا بعد الريح بسبع سنين من دونها باب مغلق ، وإنّما يأتيكم الروح من خلل ذلك الباب ، ولو فتح ذلك الباب لأذرت ما بين

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩٧.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٧ ؛ العظمة ٤ : ١٣٣٢ / ٨٣٥ ـ ٣٩ ، وفيه : الدبور الريح الغربيّة ... الريح الشرقيّة ... الريح الجنوبيّة ... الريح القبليّة.

(٣) الدرّ ١ : ٣٩٨ ؛ العظمة ٤ : ١٣٣٦ / ٨٤٢ ـ ٤٦.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٨ ؛ العظمة ٤ : ١٣٠٥ / ٧٩٩ ـ ٣.

(٥) الدرّ ١ : ٣٩٨ ؛ الطبري ٨ : ٣٠ / ١٥٩٥٤ ، سورة الحجر الآية ٢٢ ؛ العظمة ٤ : ١٣٠٥ ـ ١٣٠٦ / ٨٠٠ ـ ٤ ، بلفظ : عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الريح الجنوب من الجنّة ، وهي من الرياح اللواقح ، وهي الّتي ذكر الله عزوجل في كتابه : (وفيها مَنافِعُ لِلنَّاسِ) والشمال من النار ، تخرج فتمرّ بالجنّة فيصيبها نفحة من الجنّة فبردها من ذلك» ؛ كنز العمّال ٣ : ٦٠٢ / ٨١١٧.

٣٢٦

السماء والأرض ، وهي عند الله الأزيب وعندكم الجنوب» (١).

[٢ / ٤٢٠٩] وأخرج أبو الشيخ عن ابن عبّاس قال : الجنوب سيّدة الأرواح واسمها عند الله الأزيب ، ومن دونها سبعة أبواب ، وإنّما يأتيكم منها ما يأتيكم من خللها ، ولو فتح منها باب واحد لأذرت ما بين السماء والأرض (٢).

[٢ / ٤٢١٠] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال : إنّ في الجنّة شجرة تثمر السحاب ، فالسوداء منها الثمرة الّتي قد نضجت الّتي تحمل المطر ، والبيضاء الثمرة الّتي لم تنضج لا تحمل المطر (٣).

[٢ / ٤٢١١] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن معاذ بن عبد الله بن حبيب الجهنيّ قال : رأيت ابن عبّاس سأل تبيع ابن امرأة كعب : هل سمعت كعبا يقول في السحاب شيئا؟ قال : نعم ، سمعته يقول : إنّ السحاب غربال المطر ، لو لا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض. قال : وسمعت كعبا يذكر أنّ الأرض تنبت العام نباتا وتنبت عاما قابلا غيره. وسمعته يقول : إنّ البذر ينزل من السماء مع المطر فيخرج في الأرض. قال ابن عبّاس : صدقت ، وأنا قد سمعت ذلك من كعب (٤).

قلت : هذا حديث مكذوب على ابن عبّاس يالله ما شأن كعب وكذا ابن امرأته؟!

[٢ / ٤٢١٢] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء قال : السحاب تخرج من الأرض (٥).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩٨ ؛ التاريخ الكبير ٥ : ٣٤٧ / ١١٠٢ ، باختصار ؛ مسند البزّار ٩ : ٤٥١ ـ ٤٥٢ / ٤٠٦٣ ؛ العظمة ٤ : ١٣٣٨ / ٨٤٥ ـ ٤٩ ؛ البيهقي ٣ : ٣٦٤ ، كتاب صلاة الاستسقاء ، باب أيّ ريح يكون بها المطر ؛ كنز العمّال ٦ : ١٥٥ / ١٥٢٠٦ ؛ ابن كثير ٢ : ٥٦٩ ، سورة الحجر ، الآية : ٢٢.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٨ ؛ العظمة ٤ : ١٣٣٩ / ٨٤٧ ـ ٥١ ، وفيه : «وإنّما يأتيكم من خللها ولو فتح» بدل قوله : «إنّما يأتيكم منها ما يأتيكم من خللها ولو فتح» ؛ عبد الرزّاق ٢ : ٢٥٤ / ١٤٣٨ ، سورة الحجر الآية : ٢٢ ، وزاد : وهو ريح الجنّة.

(٣) الدرّ ١ : ٤٠٠ ؛ العظمة ٤ : ١٢٣٩ / ٧١٤ ـ ٧.

(٤) الدرّ ١ : ٤٠٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٧٥ / ١٤٧٦ ؛ العظمة ٤ : ١٢٣٨ / ٧١٣ ـ ٦ ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٥٤٩ ؛ ابن عساكر ١١ : ٣١ ، باب ٩٨٨ ، (تبيع بن عامر) ؛ القرطبي ٢ : ٢٠١.

(٥) الدرّ ١ : ٤٠٠ ؛ العظمة ٤ : ١٢٣٥ / ٧٠١ ـ ١ ، باب ٢٣.

٣٢٧

[٢ / ٤٢١٣] وأخرج أبو الشيخ عن ابن عبّاس قال : الشمال ملح الأرض ، ولو لا الشمال لأنتنت الأرض (١).

[٢ / ٤٢١٤] وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد وأبو الشيخ في العظمة عن كعب قال : لو احتبست الريح عن الناس ثلاثة أيّام لأنتن ما بين السماء والأرض (٢).

[٢ / ٤٢١٥] وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنّه كان إذا نظر إلى السحاب قال : فيه والله رزقكم ولكنّكم تحرمونه بذنوبكم (٣).

[٢ / ٤٢١٦] وروى مسلم بالإسناد إلى عطاء بن أبي رباح عن عائشة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها قالت : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا عصفت الريح قال : «اللهمّ إنّي أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به». قالت : وإذا تخيّلت السماء (٤) تغيّر لونه وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سرى عنه ، فعرفت ذلك في وجهه. قالت عائشة : فسألته؟ فقال : «لعلّه ـ يا عائشة ـ كما قال قوم عاد ، فلمّا رأوه عارضا مستقبل أوديتهم ، قالوا : هذا عارض ممطرنا!» (٥)

[٢ / ٤٢١٧] وفي رواية أخرى عن عطاء بن أبي رباح أنّه سمع عائشة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان يوم الريح والغيم ، عرف ذلك في وجهه وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سرّ به وذهب عنه ذلك. قالت عائشة : فسألته؟ فقال : «إنّي خشيت أن يكون عذابا سلّط على أمّتي ، ويقول ـ إذا رأى المطر ـ : رحمة!» (٦)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩٨ ؛ العظمة ٤ : ١٣٣٧ / ٨٤٤ ـ ٤٨.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٨ ؛ العظمة ٤ : ١٣١٨ / ٨١٧ ـ ٢١ ، بلفظ : قال كعب : لو احتبست الريح ثلاثة أيّام لأنتنت الأرض.

(٣) الدرّ ١ : ٤٠١ ؛ العظمة ٤ : ١٢٥٦ ـ ١٢٥٧ / ٧٣٣ ـ ٦ ، وفيه : ولكنّكم تحرمونه بخطاياكم وأعمالكم.

(٤) تخيّلت السحابة : ظهرت وفيها دلائل المطر.

(٥) مسلم ٣ : ٢٦ ؛ القرطبي ٢ : ٢٠٢.

(٦) مسلم ٣ : ٢٦ ؛ القرطبي ٢ : ٢٠٢ ، أشار إليه.

٣٢٨

قال تعالى :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (١٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (١٦٦) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (١٦٧))

كانت الآية السابقة تستلفت النظر إلى جانب الإيمان المنبعث من العقل الرشيد ، فلو كان الإنسان ألقى عن عقله بلادة الألفة والغفلة ، واستقبل مشاهد الكون بحسّ متجدّد ونظرة مستطلعة ، وقلب نوّره الإيمان الصادق ، وزيّنه العمل الصالح .. فلو سار في هذا الكون كالرائد الّذي يهبط إليه أوّل مرّة ، تلفّت عينه كلّ ومضة (١) ، وتلفّت سمعه كلّ نأمة (٢) ، وتلفّت حسّه كلّ حركة ، وتهزّ كيانه تلك الأعاجيب الّتي ما تنى (٣) تتوالى على الأبصار والقلوب والمشاعر.

نعم ، هذا ما يصنعه الإيمان ، هذا التفتّح ، هذه الحسّاسيّة ، هذا التقدير للجمال والتناسق والكمال. إنّ الإيمان رؤية جديدة للكون ، وإدراك جديد للجمال ، وحياة على الأرض في مهرجان من صنع الله ، آناء الليل وأطراف النهار.

ولكن ، مع هذا فإنّ هناك من لا ينظر بنور بصيرة ، ولا يتعقّل بقلب حكيم ، فيحيد عن الفطرة ، وعن التوحيد الّذي يوحي به تصميم الوجود ، والتعمّق في وحدة الناموس الكوني العجيب :

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) نظراء في مثل الحجر والشجر ، أو الكواكب والنجوم ، أو ملائكة وشياطين ، وما هي في عهد الجاهليّة سوى أشياء أو أشخاص أو شارات أو اعتبارات واهية.

__________________

(١) تلفّت : التفت وتوجّه إليه. والومضة : لمعة خفيفة

(٢) النأمة : أنّة خفيفة.

(٣) ما تنى : ما لبث.

٣٢٩

وكلّها شرك ، خفيّ أو ظاهر ، إذا ذكرت إلى جنب اسم الله ، وإذا أشركها المرء في قلبه مع حبّ الله ، فكيف إذا نزع حبّ الله من قلبه وأفرد هذه الأنداد بالحبّ الّذي لا يكون إلّا لله.

نعم ، إنّ المؤمنين لا يحبّون شيئا حبّهم لله ، لا أنفسهم ولا سواهم ، لا أشخاصا ولا اعتبارات ولا شارات ، ولا قيما من قيم هذه الأرض الّتي يجري وراءها غوغاء الناس :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) حيث نشأته من صميم الوجود ، وعن تعمّق في التفكير الصحيح ، وليس عن تقليد أعمى ، لا أساس له ولا جذور.

والتعبير هنا بالحبّ تعبير جدّ جميل ، فوق أنّه تعبير صادق. فإنّ الصلة بين المؤمن وبين الله هي صلة الحبّ ، صلة الوشيحة القلبيّة ، والتجاذب الروحي العميق. ألا وهي صلة الوجدان المشدود بعاطفة الحبّ والولاء الوثيق.

* * *

هذا من جانب ، وأمّا جانب أولئك الّذين حادوا عن الطريقة المثلى وتاهوا في غياهب الضلالة والردى ، فإنّهم في تفتّت وانهيار وحسرة دائمة.

(وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) الحقّ وظلموا أنفسهم بالحياد عن الفطرة (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ) القاهرة (لِلَّهِ جَمِيعاً) لا شركاء ولا أنداد ، (وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) بالقهر عليهم وإبعادهم عن ساحة رحمته وعن شمول مغفرته.

وتلك الفضاحة والّتي تعقبها فضاعة أوجبت تبرّأ الأتباع والمتبوعين لسوء المشهد ووعورة الموقف : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) وسقط ما بأيديهم.

نعم حينذاك لا خلّة ولا شفاعة ولا إمكان التخلّص بالحيل والمعاذير وغيرها من الأسباب الّتي كانوا يتداولونها قبل ذلك. (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) عودة (١) إلى الدنيا وإلى عيشة مشابهة لعيشتهم الأولى (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا!) وبذلك تبدّى الحنق والغيظ من التابعين الأغبياء ، وتمنّوا لو كان بإمكانهم تدارك ما فات ، وهيهات! (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ).

__________________

(١) أخرج ابن جرير عن قتادة قال : رجعة إلى الدنيا. الطبري ٢ : ١٠١ / ٢٠١٢.

٣٣٠

[٢ / ٤٢١٨] أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) قال : مباهاة ومضاهاة للحقّ بالأنداد (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) قال : من الكفّار لأوثانهم (١).

[٢ / ٤٢١٩] وأخرج ابن جرير عن السدّي في الآية قال : الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله ، إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله (٢).

[٢ / ٤٢٢٠] وأخرج عن الربيع في قوله : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) قال : ولو ترى يا محمّد الّذين ظلموا أنفسهم ، فاتّخذوا من دوني أندادا يحبّونهم كحبّكم إيّاي ، حين يعاينون عذابي يوم القيامة الّذي أعددت لهم ، لعلمتم أنّ القوّة كلّها لي دون الأنداد والآلهة ، وأنّ الأنداد والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئا ولا تدفع عنهم عذابا أحللت بهم ، وأيقنتهم أنّي شديد عذابي لمن كفر بي وادّعى معي إلها غيري (٣).

[٢ / ٤٢٢١] وروي عن ابن مسعود قال : قلت : «يا رسول الله أيّ الذنب أعظم؟ قال : أن تجعل لله ندّا وهو خلقك!» (٤)

[٢ / ٤٢٢٢] وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلمة وأنا أقول أخرى ، قال : «من مات وهو يجعل لله تعالى ندّا دخل النار». وأنا أقول : من مات وهو لا يجعل لله ندّا دخل الجنّة! (٥)

[٢ / ٤٢٢٣] وقال ابن عبّاس والحسن في قوله : (كَحُبِّ اللهِ) : أي كحبّكم لله ، أي كحبّ المؤمنين لله (٦).

[٢ / ٤٢٢٤] وقال ابن عبّاس في قوله : (أَشَدُّ حُبًّا :) أي أثبت وأدوم ، لأنّ المشرك ينتقل من صنم إلى صنم (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٠١ ؛ الطبري ٢ : ٩١ / ١٩٩٤.

(٢) الدرّ ١ : ٤٠١ ؛ الطبري ٢ : ٩٢ / ١٩٩٧ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٣ ، بلفظ : ساداتهم وقادتهم الّذين كانوا يطيعونهم في معصية الله فيحبّونهم.

(٣) الدرّ ١ : ٤٠٢ ؛ الطبري ٢ : ٩٦ / ١٩٩٨.

(٤) مسند أحمد ١ : ٤٣٤ ؛ البخاري ٥ : ١٤٨ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة ؛ و ٧ : ٧٥ كتاب الأدب ، باب ٢٠ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٨.

(٥) الوسيط ١ : ٢٥٠.

(٦) مجمع البيان ١ : ٤٦٢ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٧٦ ، عن الأصمّ.

(٧) مجمع البيان ١ : ٤٦٢ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٧٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٣.

٣٣١

[٢ / ٤٢٢٥] وقال قتادة : إنّ الكافر يعرض عن معبوده في وقت البلاء ، ويقبل على الله تعالى ، كما أخبر الله ـ عزوجل ـ عنهم فقال : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(١) والمؤمن لا يعرض عن الله [كما أخبر الله عنهم] في السرّاء والضرّاء والشدّة والرخاء (٢).

[٢ / ٤٢٢٦] وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الإمام جعفر بن محمّد عليه‌السلام قال : «كان في نقش خاتم أبي : (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً)» (٣).

[٢ / ٤٢٢٧] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) قال : هم الجبابرة والقادة والرؤوس في الشرّ والشرك (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) وهم الأتباع والضعفاء (٤).

[٢ / ٤٢٢٨] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) قال : هم الشياطين تبرّأوا من الإنس (٥).

قلت : وكلا القولين صحيح ، نظرا لقوله تعالى ـ حكاية عن مشهد القيامة وبرزوا لله جميعا ـ : (فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٦).

__________________

(١) العنكبوت ٢٩ : ٦٥.

(٢) البغوي ١ : ١٩٦ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٧٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٤ ؛ الوسيط ١ : ٢٤٩.

(٣) الدرّ ١ : ٤٠٢ ؛ الحلية ٣ : ١٤٠ و ١٨٦ ؛ ابن عساكر ٥٤ : ٢٧٧ ، باب ٦٧٨١ ، (باب محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام).

(٤) الدرّ ٢ : ٤٠٢ ؛ الطبري ٢ : ٩٦ / ١٩٩٩ ؛ القرطبي ٢ : ٢٠٦ ، نقلا عن قتادة والربيع وعطاء ، بلفظ : قوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) يعني السادة والرؤساء ، تبرأوا ممّن اتّبعهم على الكفر ؛ مجمع البيان ١ : ٤٦٤ ـ ٤٦٥ ، بلفظ : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) وهم القادة والرؤساء من مشركي الإنس ، نقلا عن الربيع وعطاء ايضا.

(٥) الدرّ ١ : ٤٠٢ ؛ الطبري ٢ : ٩٧ / ٢٠٠٢ ؛ البغوي ١ : ١٩٧ ؛ القرطبي ٢ : ٢٠٦ ، نقلا عن قتادة والسدّي ؛ مجمع البيان ١ : ٤٦٥ ، بلفظ : هم الشياطين الّذين اتبعوا بالوسوسة من الجنّ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٨٢ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٦.

(٦) إبراهيم ١٤ : ٢١ ـ ٢٢.

٣٣٢

[٢ / ٤٢٢٩] وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد في قوله : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) قال : الأوصال الّتي كانت بينهم في الدنيا والمودّة (١).

[٢ / ٤٢٣٠] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) قال : هي الأسباب المواصلة الّتي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابّون بها ، فصارت عداوة يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا (٢).

[٢ / ٤٢٣١] وعن ابن عبّاس قال : هي العهود الّتي كانت بينهم يتوادّون عليها (٣).

[٢ / ٤٢٣٢] وعن الجبّائي قال : هي أسباب النجاة (٤).

* * *

[٢ / ٤٢٣٣] وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) قال : أو ليس أعمالهم الخبيثة الّتي أدخلهم الله بها النار حسرات عليهم؟ قال : وجعل أعمال أهل الجنّة لهم ، وقرأ قول الله : (بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ)(٥)(٦).

[٢ / ٤٢٣٤] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) زعم أنّه يرفع لهم الجنّة فينظرون إليها وإلى صفحة بيوتهم فيها ، لو أنّهم أطاعوا الله ، فيقال لهم : تلك مساكنكم لو أطعتم الله ، ثمّ تقسم بين المؤمنين ، فيرثونهم ، فذلك حين يندمون ويتحسّرون (٧).

[٢ / ٤٢٣٥] وأخرج ابن جرير عن عبد الله في قصّة ذكرها فقال : فليس نفس إلّا وهي تنظر إلى

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٠٢ ؛ الطبري ٢ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٢٠٠٣ ؛ الحلية ٣ : ٢٨٥ ، وليس فيه قوله «والمودّة» ؛ البخاري ٧ : ١٩٦ ، بلفظ : قال ابن عبّاس : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) قال : الوصلات في الدنيا ، ابن عساكر ٤٨ : ٤٣٥ ، باب ٥٦٣٠ ، بلفظ : قال : الأوصال الّتي كانت بينهم في الدنيا ؛ التبيان ٢ : ٦٦ ، نقلا عن قتادة والربيع وابن عبّاس أيضا ، بلفظ : هي الوصلات الّتي كانوا يتواصلون عليها ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٨٣ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٦.

(٢) الدرّ ١ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ؛ الطبري ٢ : ٩٨ / ٢٠٠٥ ، بلفظ : وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ : قال هو الوصل الّذي كان بينهم في الدنيا ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٠٠ / ١٥٣ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٦٥ ؛ التبيان ٢ : ٦٦ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٨٣. الثعلبي ٢ : ٣٦ ؛ الوسيط ١ : ٢٥١.

(٣) مجمع البيان ١ : ٤٦٥.

(٤) التبيان ٢ : ٦٦ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٦٥.

(٥) الحاقّة ٦٩ : ٢٤.

(٦) الطبري ٢ : ١٠٣ / ٢٠١٧.

(٧) الطبري ٢ : ١٠٢ ـ ١٠٣ / ٢٠١٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٧ ؛ البغوي ١ : ١٩٧ ـ ١٩٨ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٨٤.

٣٣٣

بيت في الجنّة وبيت في النار ، وهو يوم الحسرة. قال فيرى أهل النار الّذين في الجنّة ، فيقال لهم : لو عملتم ، فتأخذهم الحسرة. قال : فيرى أهل الجنّة البيت الّذي في النار ، فيقال : لو لا أن منّ الله عليكم (١).

[٢ / ٤٢٣٦] وقال الطبرسي في قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ :) أي يخلدون فيها. بيّن سبحانه في الآية أنّهم يتحسّرون في وقت لا تنفعهم فيه الحسرة وذلك ترغيب في التحسّر في وقت تنفع فيه الحسرة. وأكثر المفسّرين على أنّ الآية واردة في الكفّار ، كابن عبّاس وغيره. (٢) وذلك لما ثبت أنّ الخلود في النار إنّما يخصّ من لم يمت عن إيمان.

[٢ / ٤٢٣٧] وعن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالا في غير طاعة الله ، فورّثه رجلا فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنّة ودخل به الأوّل النار» (٣).

وهكذا روي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام (٤).

[٢ / ٤٢٣٨] وروى الكليني بإسناده إلى عثمان بن عيسى عمّن حدّثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) قال : «هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله بخلا ، ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو في معصية الله ، فإن عمل به في طاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرة وقد كان المال له ، وإن كان عمل به في معصية الله قوّاه بذلك المال حتّى عمل به في معصية الله ـ عزوجل ـ» (٥).

__________________

(١) الطبري ٢ : ١٠٣ / ٢٠١٥ و ٩ : ١١٠ / ١٧٨٨٦ ، سورة مريم ؛ الحاكم ٤ : ٤٩٧ ـ ٤٩٨ ، الرواية مطوّلة ، وكذا جاءت في تفسير ابن كثير ٣ : ١٢٩.

(٢) مجمع البيان ١ : ٤٦٥.

(٣) نور الثقلين ١ : ١٥٢ ؛ نهج البلاغة ٤ : ١٠٠ ، الحكمة ٤٢٩ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٢١٥ ؛ البحار ١٠٠ : ١٢ / ٥٧.

(٤) مجمع البيان ١ : ٤٦٥ ؛ التبيان ٢ : ٦٩ ؛ أمالي المفيد : ٢٠٥ / ٣٥ ، المجلس ٢٣ ؛ البحار ٧٠ : ١٤٣ / ٢٥ ، باب ١٢٣.

(٥) نور الثقلين ١ : ١٥١ ـ ١٥٢ ؛ الكافي ٤ : ٤٢ ـ ٤٣ / ٢ ، أبواب الصدقة ، باب الإنفاق ؛ الفقيه ٢ : ٦٢ / ١٧١٣ ، كتاب الخمس ، باب ١٦ (فضل السخاء والجود) ؛ العيّاشيّ ١ : ٩١ ـ ٩٢ / ١٤٥ ؛ البحار ٧٠ : ١٤٢ / ٢٠ ، باب ١٢٢.

٣٣٤

قال تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٧٠) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٧١))

وهنا يمضي السياق لترسيم منهج الحياة الكريمة ، التمتّع بالحياة في شتّى أنحائها ، لكن على قيد أن يكون على الوجه الطيّب الحلال ، لا الوجهة الخبيثة الممنوعة في شريعة العقل الرشيد.

ففي هذه الآيات الكريمة بيان عام : أنّ ما خلقه الله على هذه البسيطة وجعله في متناول الإنسان ، فهو من الحلال الذاتي في أصله ، الأمر الّذي يدلّنا على أصالة الحلّيّة وأصل إباحة الأشياء ، ما لم ينه عنه ، وقد بحثنا عن هذا الأصل فيما سبق (ذيل الآية ٢٢) واستوفينا الكلام فيه حسب مباني علم الأصول.

[٢ / ٤٢٣٩] أخرج أحمد والنسائي عن عياض بن حمّاد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله تعالى : «إنّ كلّ مال منحته عبادي فهو لهم حلال» (١).

أمّا القيد ، فهو الانتهاج على المنهج السويّ ، من غير حياد عن جادّة الحقّ والعدل والإنصاف .. فليكن الانتهاج وفق ما ترسمه شريعة الله ، لا ما يرسمه الشيطان وهوى النفس ، والنفس أمّارة بالسوء ، وباعثة على التعدّي والتجاوز بحقوق الآخرين ، وربما في تلوّ خبيث يرفقه التجديف على الله والافتراء عليه ، تبريرا لمواقفه السوء.

(وَ) من ثمّ (إِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) أي ما رسمته شريعة الله (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي نتّبع طريقة أسلافنا باعتبارهم قدوة للأخلاف ، وهذا من التقليد الأعمى ، بل محاولة

__________________

(١) مسند أحمد ٤ : ١٦٢ ؛ النسائي ٥ : ٢٦ / ٨٠٧٠.

٣٣٥

لاستعذار غير وجيه ، بعد أن عرفوا أنّ آباءهم كانوا على طريقة جهلاء : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)؟! إن هذا إلّا جمود فكريّ ورفض لشريعة العقل.

ومن ثمّ يمضى السياق ليرسم لهم صورة رزيّة تليق بهذا التقليد وهذا الجمود ، صورة البهيمة السارحة الّتي لا تفقه شيئا ، بل حتّى إذا صاح بها راعيها إنّما سمعت مجرّد صوت ولا تفقه ماذا يعني؟! بل هم أضلّ من هذه البهيمة ، فالبهيمة ترى وتسمع وتصيح ، وهم صمّ بكم عمي :

(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ).

نعم لهم آذان وألسنة وعيون ، ولكن حيث لا ينتفعون بها فكأنّها لا تؤدّي وظيفتها الّتي خلقت لأجلها ، وكأنّهم لم توهب لهم آذان وأسماع وأبصار ، وهذا منتهى الزراية بمن يعطّل مشاعره ويغلق منافذ تفكيره ، ويتلقّى طريقته في الحياة من غير منابعها الأصل الرويّ ، فيترك المنبع الصافي الزلال ، ويلجأ إلى عفن المياه الراكدة من غير وعي ولا شعور. فيالها من تعاسة وسوء الحال في العاجل والمآل.

ملحوظة

قال الزمخشرى : لا بدّ ـ هنا في الآية ـ من مضاف محذوف تقديره : ومثل داعي الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع ، أو ومثل الّذين كفروا كبهائم الّذي ينعق ، والمعنى : ومثل داعيهم إلى الإيمان ـ في أنّهم لا يسمعون من الدعاء إلّا جرس النغمة ودويّ الصوت ، من غير إلقاء أذهان ولا استبصار ـ كمثل الناعق بالبهائم ، الّتي لا تسمع إلّا دعاء الناعق ونداءه الّذي هو تصويت بها وزجر لها ، ولا تفقه شيئا آخر ولا تعي ، كما يفهم العقلاء ويعون.

قال : ويجوز أن يراد بما لا يسمع : الأصمّ الأصلخ (١) ، الّذي لا يسمع من كلام الرافع صوته بكلامه إلّا النداء والتصويت لا غير ، من غير فهم للحروف.

وقيل : معناه : ومثلهم في اتّباع آبائهم وتقليدهم لهم ، كمثل البهائم الّتي لا تسمع إلّا ظاهر الصوت ولا تفهم ما تحته ، فكذلك هؤلاء يتّبعونهم على ظاهر حالهم ولا يفقهون أهم على حقّ أم باطل؟!

__________________

(١) الأصمّ : الّذي انسدّت منافذ أذنه وثقل عليه السماع. أمّا الأصلخ فهو الّذي ذهب سمعه نهائيا.

٣٣٦

وقيل : معناه : ومثلهم في دعائهم الأصنام كمثل الناعق بما لا يسمع. قال : إلّا أنّ قوله : (إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) لا يساعد عليه ، لأنّ الأصنام لا تسمع شيئا.

قال : والنعيق : التصويت. يقال : نعق الراعي بالضأن. قال الأخطل :

فانعق بضأنك يا جرير فإنّما

منّتك نفسك في الخلاء ضلالا (١).

[٢ / ٤٢٤٠] قال الطبرسي : قد اختلف في تقدير الكلام وتأويله على وجوه :

أوّلها : أنّ المعنى : مثل الّذين كفروا في دعائك إيّاهم ، أي مثل الداعي لهم إلى الإيمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم ، وإنّما تسمع الصوت ، فكما أنّ الأنعام لا يحصل لهم من دعاء الداعي إلّا السماع دون تفهّم المعنى ، فكذلك الكفّار لا يحصل لهم من دعائك إيّاهم إلى الإيمان إلّا السماع ، دون تفهّم المعنى ؛ لأنّهم يعرضون عن قبول قولك وينصرفون عن تأمّله ، فيكونون بمنزلة من لم يعقله ولم يفهمه.

وهذا كما تقول العرب : فلان يخافك كخوف الأسد ، والمعنى كخوفه من الأسد ، فأضاف الخوف إلى الأسد وهو في المعنى مضاف إلى الرجل كما قال الشاعر :

فلست مسلما ما دمت حيّا

على زيد بتسليم الأمير

أراد بتسليمي على الأمير ، وهذا معنى قول ابن عبّاس والحسن ومجاهد وقتادة (٢).

[٢ / ٤٢٤١] وروى أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى أبي خالد الكوفي رفعه عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «العبادة سبعون جزءا ، أفضلها طلب الحلال» (٣).

[٢ / ٤٢٤٢] وأخرج مسلم بالإسناد إلى قتادة عن مطرّف عن عياض المجاشعي : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذات يوم في خطبته : «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني ، يومي هذا : كلّ مال نحلته عبدا حلال. وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم ، وإنّهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم

__________________

(١) الكشّاف ١ : ٢١٤.

(٢) نور الثقلين ١ : ١٥٢ ـ ١٥٣ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٧١ ؛ التبيان ٢ : ٧٧ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٢١٨ ؛ البحار ٩ : ٦ ، باب ١.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٢٤ / ٨٩١ ـ ١٢ ، كتاب المكاسب ، باب ٩٣ ؛ الكافي ٥ : ٧٨ / ٦ ؛ ثواب الأعمال : ١٨٠ ؛ معاني الأخبار : ٣٦٥ باب ١ (معنى أفضل أجزاء العبادة) ؛ البحار ١٠٠ : ٢٥ و ٢٩ ؛ نور الثقلين ١ : ٤٠ / ٤٧ ؛ البرهان ١ : ٣٧٥ / ١.

٣٣٧

عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم» (١).

[٢ / ٤٢٤٣] وأخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال : «تليت هذه الآية عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) فقام سعد وقال : يا رسول الله ، أدع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ؛ فقال : يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ؛ والّذي نفس محمّد بيده إنّ الرجل ليقذف اللّقمة الحرام في جوفه ، فما يتقبّل منه أربعين يوما ، وأيّما عبد نبت لحمة من السحت والربا فالنار أولى به» (٢).

[٢ / ٤٢٤٤] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) قال : نزغات الشيطان (٣).

[٢ / ٤٢٤٥] وعن سعيد بن جبير قال : تزيين الشيطان (٤).

[٢ / ٤٢٤٦] وروى الثعلبي بالإسناد إلى عطاء عن ابن عبّاس قال : زلّاته وشهواته (٥).

[٢ / ٤٢٤٧] وعنه قال : ما خالف القرآن فهو من خطوات الشيطان (٦).

[٢ / ٤٢٤٨] وعن قتادة قال : كلّ معصية لله فهي من خطوات الشيطان (٧).

[٢ / ٤٢٤٩] وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز في قوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) قال : النذور في المعاصي (٨).

[٢ / ٤٢٥٠] وروى الطبرسي بالإسناد إلى أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : «إنّ من خطوات الشيطان

__________________

(١) مسلم ٨ : ١٥٩ ، باب الصفات الّتي يعرف بها في الدنيا أهل الجنّة وأهل النار. قوله : كلّ مال نحلته ... : هذا كلامه تعالى الّذي أمر نبيّه بتبليغه. ونحلته : أي منحته له. قوله : حنفاء : أي أطياب مطهّرون عن الآثام. قوله : اجتالتهم : أي استخفّت بهم الشياطين. يقال : اجتال القوم أي حوّل بهم عن قصدهم ، كمن يسوق البهائم الّتي لا قصد لها.

(٢) الدرّ ١ : ٤٠٣ ؛ الأوسط ٦ : ٣١٠ ـ ٣١١ ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ٢٩١ ؛ إبن كثير ١ : ٢٠٩.

(٣) الدرّ ١ : ٤٠٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٨٠ / ١٥٠٦ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٩.

(٤) الدرّ ١ : ٤٠٤.

(٥) الثعلبي ٢ : ٣٨.

(٦) الدرّ ١ : ٤٠٣.

(٧) ابن أبي حاتم ١ : ٢٨١ / ١٥٠٨ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٩ و ٣ : ٢٨٦ ، نقلا عن قتادة والسدّي.

(٨) الدرّ ١ : ٤٠٤ ؛ الطبري ٢ : ١٠٦ / ٢٠٢٣ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٩ ، و ٣ : ٢٨٦ ؛ القرطبي ٢ : ٢٠٨ ؛ التبيان ٢ : ٧٢ ، بلفظ : قال قوم : هي النذور في المعاصي.

٣٣٨

الحلف بالطلاق ، والنذور في المعاصي ، وكلّ يمين بغير الله» (١).

[٢ / ٤٢٥١] وروى العيّاشي بالإسناد إلى محمّد بن مسلم قال : سمعت الإمام أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كلّ يمين بغير الله تعالى فهي من خطوات الشيطان» (٢).

[٢ / ٤٢٥٢] وأخرج عبد بن حميد عن ابن عبّاس قال : ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من خطوات الشيطان ، وكفّارته كفّارة يمين (٣).

[٢ / ٤٢٥٣] وقال الشعبي : نذر رجل أن ينحر ابنه ، فأفتاه مسروق بذبح كبش ، وقال : هذا من خطوات الشيطان (٤).

[٢ / ٤٢٥٤] وروى أبو جعفر الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد وفضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله ، قال : «سألت الإمام أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حلف أن ينحر ولده ، قال : ذلك من خطوات الشيطان» (٥).

[٢ / ٤٢٥٥] وروى ثقة الإسلام الكليني بإسناده إلى الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام قال : «إذا حلف الرجل على شيء (٦) ، والّذي حلف عليه إتيانه خير من تركه ، فليأت الّذي هو خير ، ولا كفّارة عليه. وإنّما ذلك من خطوات الشيطان» (٧).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ١٥٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٦٨ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٢١٦ ؛ البحار ٦٢ : ٩٩ ، فيه : «إنّ خطوات» بدل «إنّ من خطوات». وقال العلّامة ذيل الرواية : «يحتمل أن يكون المراد الحلف والنذر على تحريم المحلّلات بقرينة صدر الآية».

(٢) العيّاشيّ ١ : ٩٣ / ١٥١ ؛ نور الثقلين ١ : ١٥٢ ؛ البرهان ١ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ / ١٠ ؛ الصافي ١ : ٣١٨ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٢١٦ ؛ البحار ١٠١ : ٢٢٣ / ٣٣.

(٣) الدرّ ١ : ٤٠٤ ؛ ابن كثير ١ : ٢١٠ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٨٧ ، إلى قوله : من خطوات الشيطان.

(٤) ابن كثير ١ : ٢٠٩ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٣ : ٥٠٢ / ١ ، كتاب الأيمان والنذور ، باب ٦٨.

(٥) البرهان ١ : ٣٧٥ / ٢ ؛ التهذيب ٨ : ٢٨٨ / ١٠٦٣ ـ ٥٥ ؛ و ٣١٧ ـ ١٨ / ١١٨٢ ـ ٥٩ ، كتاب الأيمان والنذور والكفارات باب ٤ و ٥ ؛ الاستبصار ٤ : ٤٨ / ١٦٤ ـ ٢ ، باب ٢٩ ؛ العيّاشيّ ١ : ٩٣ / ١٥٠ ؛ البحار ١٠١ : ٢٢٣ و ٢٣٥.

(٦) أي على ترك شيء أي حلف إن أتي به فعليه كذا وكان الّذي حلف عليه ، كان فعله خيرا من تركه ، فإنّ يمينه تلك تنحلّ ويجوز له إتيانه ، من غير كفّارة. وذلك لأنّ حلفه ذاك كان من إغواء الشيطان.

(٧) الكافي ٧ : ٤٤٣ / ١. و ٤٤٦ / ٦ ؛ التهذيب ٨ : ٢٨٤ ؛ البحار ١٠١ : ٢٣٦ ؛ النوادر : ٣٦ / ٤٤ ، باب ٣ عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ نور الثقلين ١ : ٢٠٦ / ٧٧٤ ؛ البرهان ١ : ٣٧٦ / ٤.

٣٣٩

[٢ / ٤٢٥٦] وروى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «أنّه سئل عن امرأة جعلت مالها هديا وكلّ مملوك لها حرّا ، إن كلّمت أختها أبدا؟ قال : تكلّمها ، وليس هذا بشيء ، إنّما هذا وشبهه من خطوات الشيطان» (١).

[٢ / ٤٢٥٧] وعن الصادق عليه‌السلام : «من حلف على يمين فرأى ما هو خير منها فليأت الّذي هو خير منها وله زيادة حسنة» (٢).

[٢ / ٤٢٥٨] وقال عليه‌السلام «في رجل حلف إن كلّم أباه أو أمّه فهو يحرم بحجّة؟ قال : ليس بشيء» (٣).

[٢ / ٤٢٥٩] «وسئل عن الرجل يقول : عليّ ألف بدنة وهو محرم بألف حجّة؟ قال : تلك خطوات الشيطان» (٤).

[٢ / ٤٢٦٠] وقال : «وأمّا الّتي لا كفّارة عليه ولا أجر له ، فهو أن يحلف الرجل على شيء ثمّ يجد ما هو خير من اليمين ، فيترك اليمين ويرجع إلى الّذي هو خير» (٥).

[٢ / ٤٢٦١] وقال العالم عليه‌السلام : «لا كفّارة عليه ، وذلك من خطوات الشيطان» (٦).

[٢ / ٤٢٦٢] وروى أبو جعفر الطوسي بالإسناد إلى منصور بن حازم قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «أما سمعت بطارق ـ وكان نخّاسا بالمدينة ـ فأتى أبا جعفر عليه‌السلام وقال : يا أبا جعفر ، إنّي هالك ؛ إنّي حلفت بالطلاق والعتاق والنذور؟! فقال له أبو جعفر : يا طارق ، إنّ هذه من خطوات الشيطان» (٧).

[٢ / ٤٢٦٣] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى محمّد بن مسلم أنّ امرأة من آل المختار حلفت على أختها أو ذات قرابة لها ، قالت : ادني يا فلانة فكلي معي ، فقالت : لا ، فحلفت عليها بالمشي إلى بيت الله وعتق ما تملك إن لم تدني فتأكلي معي ، أن لا يظلّني وإيّاك سقف بيت أو أكلت معك على خواني أبدا؟ قال : فقالت الأخرى مثل ذلك ، فحمل عمر بن حنظلة إلى أبي جعفر عليه‌السلام مقالتهما ، فقال : «أنا

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٦٠ / ٤٢٧٤ ، باب الأيمان والنذور والكفّارات.

(٢) المصدر / ٤٢٧٥.

(٣) المصدر : ٣٦١ / ٤٢٧٧.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٦٦ / ٤٢٩٥ ؛ الكافي ٧ : ٤٤١ / ١٢ ؛ التهذيب ٨ : ٣١٣ ؛ البحار ١٠١ : ٢٣٧ / ١١٨.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٦٧ / ٤٢٩٦.

(٦) فقه الرضا : ٢٧٣ ؛ البحار ١٠١ : ٢٢١ / ٢٤ و ٢٥.

(٧) التهذيب ٨ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ / ١٠٥٨ ـ ٥٠ ؛ النوادر : ٣١ / ٢٧ باب ٣ ؛ البحار ١٠١ ؛ ٢٣٤ / ٨٨ ؛ العيّاشيّ ١ : ٩٢ / ١٤٩ ؛ البرهان ١ : ٣٧٥ و ٣٧٦.

٣٤٠