التفسير الأثري الجامع - ج ٤

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-05-0
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

وذكر محمّد بن إسحاق في كتاب السيرة أنّ إسافا ونائلة كانا بشرين فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس ، فلمّا طال عهدهما عبدا ، ثمّ حوّلا إلى الصفا والمروة فنصبا هنالك ، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما ، ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة :

وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم

لمفضى السيول من أساف ونائل (١)

[٢ / ٤١١٣] وقال الطبرسي رحمه‌الله : وفي هذه الآية دلالة على أنّ السعي بين الصفا والمروة عبادة ، ولا خلاف في ذلك ، وهو عندنا فرض واجب في الحجّ وفي العمرة ، وبه قال الحسن وعائشة ، وهو مذهب الشافعي وأصحابه (٢).

قال مالك : من نسي السعي بين الصفا والمروة ، في عمرة فلم يذكر حتّى يستبعد من مكّة أنّه يرجع فيسعى ، وإن كان قد أصاب النساء ، فليرجع فليسع بين الصفا والمروة حتّى يتمّ ما بقي عليه من تلك العمرة ، ثمّ عليه عمرة أخرى والهدي. وسئل مالك ، عن الرجل يلقاه الرجل بين الصفا والمروة ، فيقف معه يحدّثه؟ فقال : لا أحبّ له ذلك. قال مالك : ومن نسي من طوافه شيئا ، أو شكّ فيه ، فلم يذكر إلّا وهو يسعى بين الصفا والمروة (٣) فإنّه يقطع سعيه. ثمّ يتمّ طوافه بالبيت ، على ما يستيقن ، ويركع ركعتي الطواف ، ثمّ يبتدئ سعيه بين الصفا والمروة (٤).

[٢ / ٤١١٤] وأخرج مالك في الموطّأ وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن أبي داوود وابن الأنباري في المصاحف معا وابن أبي حاتم والبيهقي في السنن عن عائشة ، أنّ عروة قال لها : أرأيت قول الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فما أرى على أحد جناحا أن لا يطّوّف بهما؟ فقالت عائشة : بئسما قلت يا ابن أختي ، إنّها لو كانت على ما أوّلتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما ، ولكنّها إنّما نزلت أنّ الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلّون لمناة الطاغية الّتي كانوا يعبدونها ، وكان من أهلّ

__________________

(١) ابن كثير ١ : ٢٠٥.

(٢) مجمع البيان ١ : ٤٤٦ ؛ التبيان ٢ : ٤٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٧ ، ما بمعناه عن الشافعي ومالك ؛ البغوي ١ : ١٩١.

(٣) أي تذكّر أنّه نقص من طوافه.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٧٤ ، باب ٤٢.

٣٠١

لها يتحرّج أن يطوف بالصفا والمروة ، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهليّة ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الآية. قالت عائشة : ثمّ قد سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطواف بهما ، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما (١).

[٢ / ٤١١٥] وأخرج عبد بن حميد والبخاري والترمذي وابن جرير وابن أبي داوود في المصاحف وابن أبي حاتم وابن السكن والبيهقي عن أنس ، أنّه سئل عن الصفا والمروة قال : كنّا نرى أنّهما من أمر الجاهليّة ، فلمّا جاء الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(٢).

[٢ / ٤١١٦] وقال مقاتل بن حيّان : إنّ النّاس كانوا قد تركوا الطواف بين الصفا والمروة غير الحمس وهم قريش وكنانة وخزاعة وعامر بن صعصعة سمّوا حمسا لتشدّدهم في دينهم ، والحماسة الشجاعة والصلابة. فسألت الحمس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السعي بين الصفا والمروة أمن شعائر الله أم لا؟ فإنّه لا يطوف بهما غيرنا؟ فنزلت هذه الآية (٣).

[٢ / ٤١١٧] وأخرج الحاكم وصحّحه وابن مردويه عن عائشة قالت : نزلت هذه الآية في الأنصار ، كانوا في الجاهليّة إذا أحرموا لا يحلّ لهم أن يطّوّفوا بين الصفا والمروة ، فلمّا قدمنا ذكروا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(٤).

[٢ / ٤١١٨] وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عبّاس قال : قالت الأنصار : إنّ السعي بين الصفا

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٨٤ ؛ الموطّأ ١ : ٣٧٣ / ١٢٩ ، باب ٤٢ ؛ مسند أحمد ٦ : ١٤٤ ؛ البخاري ٢ : ١٦٩ ؛ مسلم ٤ : ٦٩ ـ ٧٠ ؛ النسائي ٢ : ٤١٠ ـ ٤١١ / ٣٩٦٠ ؛ ابن ماجة ٢ : ٩٩٤ ـ ٩٩٥ / ٢٩٨٦ ؛ الطبري ٢ : ٦٥ ـ ٦٦ / ١٩٤٧ و ٧٠ / ١٩٦١ ؛ أبو داوود ١ : ٤٢٤ / ١٩٠١ ، باب ٥٦ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ / ١٤٣١ ؛ البيهقي ٥ : ٩٦ ـ ٩٧ ؛ الحاكم ٢ : ٢٧٠ ، ثمّ قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٧.

(٢) الدرّ ١ : ٣٨٤ ؛ البخاري ٥ : ١٥٣ ، كتاب التفسير ؛ الترمذي ٤ : ٢٧٧ ـ ٢٧٨ / ٤٠٤٦ ، باب ٣ من أبواب تفسير القرآن ؛ الطبري ٢ : ٦٤ ـ ٦٥ بعد ١٩٤٠ و ١٩٤٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٦٧ / ١٤٣٢ ؛ البيهقي ٥ : ٩٧ ، كتاب الحجّ ، جماع أبواب دخول مكّة ؛ الحاكم ٢ : ٢٧٠ ، كتاب التفسير ؛ الثعلبي ٢ : ٢٦ ؛ الوسيط ١ : ٢٤٢ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٥ ؛ البغوي ١ : ١٩٣ ، بلفظ : قال عاصم : قلت لأنس بن مالك : أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ قال : نعم لأنّها كانت من شعائر الجاهليّة حتّى أنزل الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ...) ؛ القرطبي ٢ : ١٧٩.

(٣) الثعلبي ٢ : ٢٧ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٤) الدرّ ١ : ٣٨٤ ؛ الحاكم ٢ : ٢٧٠.

٣٠٢

والمروة من أمر الجاهليّة ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الآية (١).

[٢ / ٤١١٩] وأخرج ابن جرير عن عمرو بن حبيش قال : سألت ابن عمر عن قوله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) الآية؟ فقال : انطلق إلى ابن عبّاس فاسأله ، فإنّه أعلم من بقي بما أنزل على محمّد. فأتيته فسألته فقال : إنّه كان عندهما أصنام ، فلمّا أسلموا أمسكوا عن الطواف بينهما حتّى أنزلت : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) الآية (٢).

[٢ / ٤١٢٠] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الآية. وذلك أنّ ناسا تحرّجوا أن يطّوّفوا بين الصفا والمروة ، فأخبر الله أنّهما من شعائره والطواف بينهما أحبّ إليه ، فمضت السنة بالطواف بينهما (٣).

[٢ / ٤١٢١] وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عامر الشعبي قال : كان وثن بالصفا يدعى إسافا ووثن بالمروة يدعى نائلة ، فكان أهل الجاهليّة إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويمسحون الوثنين ، فلمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا : يا رسول الله إنّ الصفا والمروة إنّما كان يطاف بهما من أجل الوثنين وليس الطواف بهما من الشعائر! فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) الآية. فذكّر الصفا من أجل الوثن الّذي كان عليه ، وأنّثت المروة من أجل الوثن الّذي كان عليه مؤنّثا (٤).

[٢ / ٤١٢٢] وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال : قالت الأنصار إنّما السعي بين هذين الحجرين من عمل أهل الجاهليّة ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) قال : من الخير الّذي أخبرتكم عنه فلم يحرّج من لم يطف بهما ومن تطوّع خيرا فهو خير له ، فتطوّع

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٨٥ ؛ الأوسط ٨ : ١٧٨ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ٢٤٨.

(٢) الدرّ ١ : ٣٨٥ ؛ الطبري ٢ : ٦٤ / ١٩٤١ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٦ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٤.

(٣) الدرّ ١ : ٣٨٥ ؛ الطبري ٢ : ٦٤ / ١٩٤٢.

(٤) الدرّ ١ : ٣٨٥ ؛ الطبري ٢ : ٦٣ / ١٩٣٧ و ١٩٣٨ ؛ القرطبي ٢ : ١٧٩ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٥ ، بلفظ : وقال الشعبي : كان إساف على الصفا وكانت نائلة على المروة وكانوا يستلمونهما فتحرّجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما فنزلت هذه الآية ؛ مجمع البيان ١ : ٤٤٥ ؛ الوسيط ١ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣.

٣٠٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانت من السنن (١).

[٢ / ٤١٢٣] وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : كان ناس من أهل تهامة في الجاهليّة لا يطوفون بين الصفا والمروة ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) وكان من سنّة إبراهيم وإسماعيل الطواف بينهما (٢).

[٢ / ٤١٢٤] وأخرج عبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كان رجال من الأنصار ممّن كان يهلّ لمناة في الجاهليّة ـ ومناة صنم بين مكّة والمدينة ـ قالوا : يا نبيّ الله إنّا كنّا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيما لمناة ، فهو علينا من حرج أن نطوف بهما؟ فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الآية. قال عروة : فقلت لعائشة : ما أبالي أن لا أطوف بين الصفا والمروة! ، قال الله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فقالت يا ابن أختي ألا ترى أنّه يقول : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) قال الزهري : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام فقال : هذا العلم. قال أبو بكر : ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : لمّا أنزل الله الطواف بالبيت ولم ينزل الطواف بين الصفا والمروة ، قيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّا كنّا نطوف في الجاهليّة بين الصفا والمروة ، وإنّ الله قد ذكر الطواف بالبيت ولم يذكر الطواف بين الصفا والمروة ، فهل علينا من حرج أن لا نطوف بهما؟ فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ...). قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما ، في من طاف وفي من لم يطف (٣).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٨٥ ؛ الطبري ٢ : ٦١ ـ ٧٢ / ١٩٤٤ وبعده و ١٩٣٥ وبعده بلفظ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ...) قال من الخير الّذي أخبركم عنه ، قال ابن جرير : فكأنّ مجاهدا كان يرى أنّ الشعائر إنّما هو جمع شعيرة من إشعار الله عباده أمر الصفا والمروة وما عليهم في الطواف بهما ، فمعناه إعلامهم ذلك ؛ وذلك تأويل من المفهوم بعيد. و ١٩٥٧ بلفظ ... فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما قال : فلم يحرّج من لم يطف بهما و ١٩٦٢ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٥ و ٢٧ و ٢٨ ؛ البغوي ١ : ١٩٣.

(٢) الدرّ ١ : ٣٨٦ ؛ الطبري ٢ : ٦٥ و ٦٧ / ١٩٤٦ و ١٩٤٩ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٦ ، بلفظ : «كان ناس من تهامة في الجاهليّة لا يسعون بين الصفا والمروة فلمّا جاء الإسلام تحوّبوا السعي بينهما كما كانوا يتحوّبونه في الجاهليّة فأنزل الله تعالى هذه الآية». والتحوّب : التأثمّ ، أي كانوا يرون السعي بينهما إثما.

(٣) الدرّ ١ : ٣٨٦ ؛ مسلم ٤ : ٩٩ ، كتاب الحجّ ؛ الترمذي ٤ : ٢٧٧ / ٤٠٤٥ ، باب ٣ ، أبواب تفسير القرآن ؛ الطبري ٢ : ٦٦ /

٣٠٤

[٢ / ٤١٢٥] وأخرج ابن ماجة عن أمّ ولد لشيبة قالت : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسعى بين الصفا والمروة وهو يقول : «لا يقطع الأبطح إلّا شدّا (أي عدوا)» (١).

[٢ / ٤١٢٦] وأخرج ابن جرير وابن أبي داوود في المصاحف وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس قال : كانت الشياطين في الجاهليّة تعزف الليل أجمع بين الصفا والمروة ، فكانت فيهما آلهة لهم أصنام ، فلمّا جاء الإسلام قال المسلمون : يا رسول الله ألا نطوف بين الصفا والمروة فإنّه شيء كنّا نصنعه في الجاهليّة؟ فأنزل الله : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) يقول : ليس عليه إثم ولكن له أجر (٢).

__________________

ـ ١٩٤٨ ؛ البيهقي ٥ : ٩٧ ، كتاب الحجّ ؛ القرطبي ٢ : ١٧٨ ، ثم قال : «هذا حديث حسن صحيح». أخرجه البخاري بمعناه وفيه ـ بعد قوله : فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) ـ «قالت عائشة : وقد سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الطواف بينهما ، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما. ثمّ أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمان ، فقال : إنّ هذا لعلم ما كنت سمعته ، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أنّ الناس ـ إلّا من ذكرت عائشة ـ ممّن كان يهلّ بمناة ، كانوا يطوفون كلّهم بالصفا والمروة ، فلمّا ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن. قالوا : يا رسول الله كنّا نطوف بالصفا والمروة وإنّ الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا ، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)الآية.

قال أبو بكر : فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما. في الّذين كانوا يتحرّجون أن يطوفوا في الجاهليّة بالصفا والمروة ، والّذين يطوفون ثمّ تحرّجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام ، من أجل أنّ الله أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتّى ذكر ذلك بعد الطواف بالبيت» ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، بلفظ : عن الزهري أنّه قال : فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام فقال : إنّ هذا العلم ما كنت سمعته ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون : إنّ الناس ، إلّا من ذكرت عائشة كانوا يقولون : إنّ طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهليّة ، وقال آخرون من الأنصار : إنّما أمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ ...) قال أبو بكر بن عبد الرحمان : فلعلّها نزلت في هؤلاء وهؤلاء. ورواه البخاري من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بنحو ما تقدّم.

(١) ابن ماجة ٢ : ٩٩٥ / ٢٩٨٧ ؛ القرطبي ٢ : ١٨٣ ؛ مسند أحمد ٦ : ٤٠٤ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ٢٤٨.

(٢) الدرّ ١ : ٣٨٥ ؛ الطبري ٢ : ٦٤ / ١٩٤٣ ؛ المصاحف : ٩٩ ـ ١٠٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٦٧ / ١٤٣٥ ؛ الحاكم ٢ : ٢٧١ ، كتاب التفسير ؛ الثعلبي ٢ : ٢٦ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٥ ، بلفظ : «كانت الشياطين تفرق بين الصفا والمروة الليل كلّه وكانت بينهما آلهة فلمّا جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الطواف بينهما فنزلت هذه الآية».

٣٠٥

[٢ / ٤١٢٧] وأخرج ابن جرير عن عاصم ، قال : سمعت أنسا يقول : الطواف بينهما تطوّع (١).

[٢ / ٤١٢٨] وعن عبد الله بن الزبير ، قال : هما (٢) تطوّع (٣).

[٢ / ٤١٢٩] وعن السدّي في قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) يقول : ليس عليه إثم ولكن له أجر (٤).

* * *

[٢ / ٤١٣٠] أخرج أبو عبيد في فضائله وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داوود في المصاحف وابن المنذر وابن الأنباري عن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ : «فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما» (٥).

[٢ / ٤١٣١] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال : في مصحف ابن مسعود «فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما» (٦).

[٢ / ٤١٣٢] وأخرج ابن أبي داوود في المصاحف عن حمّاد قال : وجدت في مصحف أبيّ «فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما» (٧).

[٢ / ٤١٣٣] وأخرج عن مجاهد أنّه كان يقرأ : «فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما» (٨).

[٢ / ٤١٣٤] وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عبّاس أنّه قرأ : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) مثقّلة ، فمن ترك فلا بأس (٩).

قال القرطبي : فإن قيل : فقد روى عطاء عن ابن عبّاس أنّه قرأ : «فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما» وهي قراءة ابن مسعود ، ويروى أنّها في مصحف أبيّ كذلك ، ويروى عن أنس مثل هذا.

__________________

(١) الطبري ٢ : ٦٨ ـ ٦٩ / ١٩٥٥.

(٢) أي السعي إلى كلّ من الصفا والمروة.

(٣) الطبري ٢ : ٦٩ / ١٩٥٨ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٥.

(٤) الطبري ٢ : ٦٣ / ١٩٣٦.

(٥) الدرّ ١ : ٣٨٦ ؛ فضائل القرآن : ١٦٣ / ٣ ، باب ٥٠ ؛ الطبري ٢ : ٦٨ / ١٩٥٤ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٨ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٥ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٤٢.

(٦) الدرّ ١ : ٣٨٧ ؛ الطبري ٢ : ٦٨ / ١٩٥٣ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٥ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٨.

(٧) الدرّ ١ : ٣٨٧ ؛ المصاحف : ٥٣ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٤٢.

(٨) الدرّ ١ : ٣٨٧.

(٩) الدرّ ١ : ٣٨٧ ؛ الأوسط ٥ : ٤٨ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ٢٤٨.

٣٠٦

والجواب : أنّ ذلك خلاف ما في المصحف ، ولا يترك ما قد ثبت في المصحف إلى قراءة لا يدرى أصحّت أم لا ، وكان عطاء يكثر الإرسال عن ابن عبّاس من غير سماع. والرواية في هذا عن أنس قد قيل إنّها ليست بالمضبوطة ، أو تكون «لا» زائدة للتوكيد ، كما قال :

وما ألوم البيض ألا تسخرا

لما رأين الشّمط القفندرا (١)

وقال الشيخ الطوسي رحمه‌الله : وفي الناس من قال ـ وهو الجبّائي وغيره ـ : إنّ التقدير فلا جناح عليه ألّا يطوف بهما كما قال : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)(٢) ومعناه ألّا تضلّوا وكما قال : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٣) ومعناه ألّا تقولوا.

وقال آخرون : إنّ ذلك لا يجوز. وهو اختيار الرمّاني. وهو الصحيح ، لأنّ الحذف يحتاج إلى دليل (٤).

[٢ / ٤١٣٥] وقال مقاتل والكلبي : (فَمَنْ تَطَوَّعَ) أي : زاد في الطواف بعد الواجب (٥).

[٢ / ٤١٣٦] وقال الحسن وغيره : أراد سائر الأعمال ، يعني : فعل غير المفترض عليه من زكاة وصلاة وطواف وغيرها من أنواع الطاعات (٦).

[٢ / ٤١٣٧] وهكذا ذكر الأصم : إنّ معناه من تطوّع بالحجّ والعمرة بعد أداء الحجّ والعمرة المفروضين (٧).

[٢ / ٤١٣٨] وعن ابن عبّاس وغيره : معناه من تبرّع بالطواف والسعي بين الصفا والمروة (٨) بعد ما أدّى الواجب من ذلك (٩).

__________________

(١) القرطبي ٢ : ١٨٢.

(٢) النساء ٤ : ١٧٤.

(٣) الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٤) التبيان ٢ : ٤٤ ـ ٤٥.

(٥) البغوي ١ : ١٩٣ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٨ ، بلفظ : فمن زاد على الواجب في الطواف ؛ الثعلبي ٢ : ٢٩ ، بلفظ : ومن تطوّع زاد في الطواف بعد الواجب.

(٦) الثعلبي ٢ : ٢٩ ؛ البغوي ١ : ١٩٣ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٤٥ ، بلفظ : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) إنّ معناه من تطوّع بالخيرات وأنواع الطاعات ، عن الحسن ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٨ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، بلفظ : وقيل : المراد تطوّع خيرا في سائر العبادات ؛ الوسيط ١ : ٢٤٣.

(٧) مجمع البيان ١ : ٤٤٥ ؛ الثعلبي ٢ : ٢٩ ، مع عدم ذكر الراوي.

(٨) يعني بعمرة أخرى.

(٩) مجمع البيان ١ : ٤٤٥.

٣٠٧

[٢ / ٤١٣٩] وأخرج وكيع وعبد الرزّاق وعبد بن حميد ومسلم وابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت : لعمري ما أتمّ الله حجّ من لم يسع بين الصفا والمروة ولا عمرته ، لأنّ الله قال : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(١).

[٢ / ٤١٤٠] وأخرج ابن جرير عن مالك بن أنس : من نسي السعي بين الصفا والمروة حتّى يستبعد من مكّة فليرجع فليسع ، وإن كان قد أصاب النساء فعليه العمرة والهدي.

وكان الشافعي يقول على من ترك السعي بين الصفا والمروة حتّى رجع إلى بلده : العود إلى مكّة حتّى يطوف بينهما لا يجزيه غير ذلك. حدّثنا بذلك عنه الربيع (٢).

قال القرطبي : اختلف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة :

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشعبي ليس بواجب ، فإن تركه أحد من الحاجّ حتّى يرجع إلى بلاده جبره بالدم ، لأنّه سنّة من سنن الحجّ. وهو قول مالك في العتبيّة (٣).

[٢ / ٤١٤١] وأخرج ابن جرير عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمّد : إن عاد تارك الطواف بينهما لقضائه فحسن ، وإن لم يعد فعليه دم (٤).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٨٦ ؛ مسلم ٤ : ٦٨ ؛ ابن ماجة ٢ : ٩٩٤ ـ ٩٩٥ / ٢٩٨٦ ؛ الطبري ٢ : ٦٧ / ١٩٥٠ وفيه : «لعمري ما حجّ من لم يسع ...».

(٢) الطبري ٢ : ٦٨ / ١٩٥١.

(٣) القرطبي ٢ : ١٨٣.

(٤) الطبري ٢ : ٦٨ / ١٩٥٢.

٣٠٨

قال تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢))

ولقد كان أهل الكتاب يعرفون مدى ما في رسالة الإسلام من حقّ ، وقد بيّنه الله فيما بأيديهم من كتاب. فهم وأمثالهم في أيّ فترة من زمان وفي أيّ بقعة من مكان ، ممّن يكتمون الحقّ الصراح ، أو يسكتون عن الحقّ وهم يعرفونه (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فإنّهم خبثاء جبناء ، يرون مصالحهم في إخفاء الحقّ وإخماد الحقيقة ، ومن ثمّ فهم بعداء عن جادّة الشريعة البيضاء ، محايدون عن صريح الفطرة ونداء العقل الرشيد. بل أعداء الإنسانيّة في شتّى مجالاتها ، ومن ثمّ فهم ملعونون منبوذون ، يلفظهم الحقّ وتطردهم الحقيقة في واقعها الصريح.

نعم ، الساكت عن الحقّ شيطان أخرس ، فقد تحوّلوا إلى ملعنة ينصبّ عليهم اللعنة من كلّ صوب ويشملهم لعن كلّ لاعن.

واللعن : الطرد في غضب وزجر. وأولئك يلعنهم الله فيطردهم من رحمته ، ويطاردهم اللاعنون من كلّ جهة. فهم هكذا مطاردون من الله ومن عباده في كلّ دور وكور.

(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) رجعوا عن غيّهم (وَأَصْلَحُوا) ما كانوا أفسدوه (وَبَيَّنُوا) ما كانوا كتموه (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ،) إنّها نافذة لهم مضيئة يفتحها الله لهم ، فتنسم نسمة الأمل في الصدور وتقود القلوب إلى مصدر النور ، فلا تيأس من روح الله ولا تقنط من رحمة الله. فمن شاء فليرجع إلى الحمى الآمن. وآية الصدق : التوبة والإصلاح في العمل والتبيين في القول ، وإعلان الحقّ والاعتراف به والعمل بمقتضاه. ثمّ ليثق برحمة الله وقبوله للتوبة وهو يقول : (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وهو أصدق القائلين.

فأمّا الّذين يصرّون على باطلهم ولا يؤبون إلى الحقّ ، حتّى تفلت الفرصة وتنتهي المهلة ،

٣٠٩

فأولئك ملاقون ما أوعد الله من قبل به ، بزيادة وتفصيل وتوكيد :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ).

ذلك أنّهم أغلقوا على أنفسهم باب الرحمة ، وعافوا الفرصة حتّى انقضت المهلة ، وأصرّوا على الكتمان والكفر والضلال ، فجاءتهم اللعنة مطبقة لا ملجأ منها ولا راحم .. وهذا هو العذاب الأليم المهين.

[٢ / ٤١٤٢] أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة ، وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل ، وخارجة بن زيد أخو الحرث بن الخزرج ، نفرا من أحبار يهود عن بعض ما في التوراة ، فكتموهم إيّاه وأبوا أن يخبروهم عنه. فأنزل الله فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) الآية (١).

[٢ / ٤١٤٣] وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى) الآية. قال : أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهو دين الله ، وكتموا محمّدا ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال : من ملائكة الله ومن المؤمنين (٢).

[٢ / ٤١٤٤] وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال : هم أهل الكتاب كتموا محمّدا ونعته ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم حسدا وبغيا ، وكتموا ما أنزل الله من أمره وصنعته (٣).

[٢ / ٤١٤٥] وأخرج ابن جرير عن السديّ في الآية قال : زعموا أنّ رجلا من اليهود كان له صديق من الأنصار يقال له ثعلبة بن غنمة ، قال له : هل تجدون محمّدا عندكم؟ قال : لا. قال : محمّد البيّنات (٤).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩٠ ؛ الطبري ٢ : ٧٢ ـ ٧٣ / ١٩٦٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٦٨ / ١٤٣٩ ؛ التبيان ٢ : ٤٦ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٥٩.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٠ ؛ الطبري ٢ : ٧٣ / ١٩٦٧ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٤٦ ، نقلا عن ابن عبّاس ومجاهد والحسن وقتادة وأكثر أهل العلم بنحو ما رواه التبيان ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦١ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٠٠ / ١٥٢.

(٣) الدرّ ١ : ٣٩٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٦٨ / ١٤٤١ ؛ الطبري ٢ : ٧٣ / ١٩٦٦ ، نقلا عن الربيع.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٠ ؛ الطبري ٢ : ٧٣ / ١٩٦٨.

٣١٠

[٢ / ٤١٤٦] وروي عن الإمام العسكري عليه‌السلام : قال : «قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله في ردّهم نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : (١)(وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) على كفرهم (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) يوجب الله تعالى لهم البعد من الرحمة ، والسحق من الثواب (٢)(وَالْمَلائِكَةِ) وعليهم لعنة الملائكة يلعنونهم (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ولعنة الناس أجمعين كلّ يلعنهم ، لأنّ كلّ المأمورين المنهيين (٣) يلعنون الكافرين ، والكافرون أيضا يقولون : لعن الله الكافرين ، فهم في لعن أنفسهم أيضا (خالِدِينَ فِيها) في اللعنة ، في نار جهنم (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) يوما ولا ساعة (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) لا يؤخّرون ساعة إلّا يحلّ بهم العذاب» (٤)

[٢ / ٤١٤٧] وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي هريرة ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من سئل عن علم عنده فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» (٥).

قال القرطبي ـ في تفسير الآية ـ : أخبر الله تعالى أنّ الّذي يكتم ما أنزل الله من البيّنات والهدى ملعون. واختلفوا من المراد بذلك؟ فقيل : أحبار اليهود ورهبان النصارى ، الّذين كتموا أمر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كتم اليهود أمر الرجم.

وقيل : المراد كلّ من كتم الحقّ ، فهي عامّة في كلّ من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثّه ، وذلك مفسّر في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سئل عن علم يعلمه فكتمه .... رواه أبو هريرة وعمرو بن العاص. أخرجه إبن ماجه.

ويعارضه قول عبد الله بن مسعود : «ما أنت بمحدّث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم ، إلّا كان لبعضهم فتنة». وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حدّث الناس بما يفهمون أتحبّون أن يكذّب الله ورسوله؟»

وهذا محمول على بعض العلوم كعلم الكلام أو ما لا يستوى في فهمه جميع العوامّ ، فحكم

__________________

(١) إذ ولاية عليّ عليه‌السلام امتداد لولاية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنصّ حديث الغدير.

(٢) السحق ، المحق والإبادة.

(٣) أي كلّ متعبّد بأوامر الله ونواهيه.

(٤) البرهان ١ : ٣٧٠ ؛ تفسير الإمام : ٥٧٢ / ٣٣٤ ؛ البحار ٦ : ١٨٩ ـ ١٩٠ / ٣٣.

(٥) الدرّ ١ : ٣٩٢ ؛ الترمذي ٤ : ١٣٨ / ٢٧٨٧ ؛ ابن ماجة ١ : ٩٨ / ٢٦٦ ؛ الحاكم ١ : ١٠١ ، كتاب العلم ؛ أبو داوود ٢ : ١٧٩ / ٣٦٥٨ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٩٠ ـ ١٩١ / ٢٩٠٠١ ؛ مسند أحمد ٢ : ٣٠٥ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦٠ عبد الرزّاق ١ : ٢٩٩ / ١٥١ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٦.

٣١١

العالم أن يحدّث بما يفهم عنه ، وينزل كلّ إنسان منزلته ، والله تعالى أعلم (١).

وسيأتي حديث سلمان بهذا الشأن. وللعلّامة المجلسي بيان في ذلك يأتي.

[٢ / ٤١٤٨] وقال الطبرسيّ : وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه قال : «من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» (٢).

[٢ / ٤١٤٩] وأخرجه ابن ماجة عن أنس بن مالك : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» (٣).

[٢ / ٤١٥٠] وأخرج ابن ماجة والمرهبيّ في فضل العلم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتم علما ممّا ينفع الله به الناس في أمر الدين ، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (٤).

[٢ / ٤١٥١] وروى الإمام أبو محمّد العسكري عن آبائه عن الإمام أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من سئل عن علم فكتمه حيث يجب إظهاره ، وتزول عنه التقيّة ، جاء يوم القيامة ملجما بلجام من النار» (٥).

[٢ / ٤١٥٢] قال الإمام أمير المؤمنين : «إذا كتم العالم العلم من أهله ، وزها الجاهل في تعلّم ما لا بدّ منه (٦) وبخل الغنيّ بمعروفه ، وباع الفقير دينه بدنيا غيره ، جلّ البلاء وعظم العقاب» (٧).

قال العلّامة المجلسي : هذا إذا توفّرت الشرائط لإظهار غوامض العلوم ، أمّا إذا لم يكن المستمع على استعداد للاستفاضة بنور العلم ، إمّا لضعف في العقل أو الفهم ، فعندئذ يجب مراعاة

__________________

(١) القرطبي ٢ : ١٨٤ ـ ١٨٥.

(٢) نور الثقلين ١ : ١٤٩ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٤٧ ؛ البرهان ١ : ٣٦٩ / ٨ ؛ الصافي ١ : ٣١١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٢٠٨ الأمالي للطوسي : ٣٧٧ / ٨٠٨ ـ ٥٩ ، المجلس ١٣ ، بإسناده إلى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيّما رجل آتاه الله علما فكتمه وهو يعلمه ، لقى الله (عزوجل) يوم القيامة ملجما بلجام من نار» ؛ التبيان ٢ : ٤٦ ؛ البحار ٢ : ٦٨ / ١٩ ، باب ١٣. (عن الأمالي وبلفظه).

(٣) الدرّ ١ : ٣٩٢ ؛ ابن ماجة ١ : ٩٧ / ٢٦٤ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦٠.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٢ ؛ ابن ماجة ١ : ٩٧ / ٢٦٥ ، باب ٢٤ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٩٦ / ٢٩٠٣١.

(٥) تفسير الإمام : ٤٠٢ / ٢٧٣.

(٦) زها : تبختر وأعجب بنفسه وتاه في غياهب جهله.

(٧) تفسير الإمام : ٤٠٢ / ٢٧٣.

٣١٢

الظروف ، إذ يجب حمل الناس على ما تطيقه عقولهم وتقبله أحلامهم (١).

[٢ / ٤١٥٣] وروى الكليني مرفوعا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا ظهرت البدع في أمّتي ، فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله» (٢).

[٢ / ٤١٥٤] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى زيد الشحّام ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن عذاب القبر ، فقال : «إنّ أبا جعفر عليه‌السلام حدّثنا أنّ رجلا أتى سلمان الفارسي فقال : حدّثني ، فسكت عنه ، ثمّ عاد فسكت ، فأدبر الرجل وهو يقول ويتلو هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) ، فقال له : أقبل ، إنّا لو وجدنا أمينا لحدّثناه ، ولكن أعدّ لمنكر ونكير إذا أتياك في القبر فسألاك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن شككت أو التويت ، ضرباك على رأسك بمطرقة معهما تصير منها رمادا! فقال له : ثمّ مه ، قال : تعود ثمّ تعذّب ، قال : وما منكر ونكير؟ قال : هما قعيدا (٣) القبر ، قال : أملكان يعذّبان الناس في قبورهم؟ فقال : نعم» (٤).

[٢ / ٤١٥٥] وروى الطبرسي صاحب الاحتجاج بإسناد رفعه إلى الإمام أبي محمّد العسكري عليه‌السلام في حديث طويل وفيه : «قيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : من خير خلق الله بعد أئمّة الهدى؟ قال : العلماء إذا صلحوا. قيل ، فمن شرّ خلق الله بعد إبليس؟ قال : العلماء إذا فسدوا ؛ هم المظهرون للأباطيل ، الكاتمون للحقائق ، وفيهم قال الله عزوجل : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) نقلا بتلخيص (٥).

[٢ / ٤١٥٦] وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «علماء هذه الأمّة رجلان ، رجل آتاه الله علما ، فطلب به وجه الله والدار الآخرة وبذله للناس ، ولم يأخذ عليه طعما ، ولم يشتر به ثمنا قليلا. فذلك يستغفر له من في البحور ودوابّ البرّ والبحر والطير في جوّ السماء ، ويقدم على الله سيّدا شريفا. ورجل

__________________

(١) البحار ٢ : ٧٢ ـ ٧٣ / ٣٧. نقلا بالمضمون.

(٢) الكافي ١ : ٥٤ / ٢ ، كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقائيس ؛ دعائم الإسلام ١ : ٢ ؛ البحار ٥٤ : ٢٣٤ و ٢ : ٧٢ / ٣٥ عوالي اللئالي ٤ : ٧٠ ـ ٧١ / ٣٩ ؛ المحاسن ١ : ٢٣١ / ١٧٦ ، باب ١٧ ، وفيه : (البدعة) بدل (البدع).

(٣) القعيد : الذي يصاحبك في قعودك.

(٤) العيّاشيّ ١ : ٩٠ / ١٣٩ ؛ الصافي ١ : ٣١١ ـ ٣١٢ ، إلى قوله : لحدّثناه.

(٥) الاحتجاج ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ نقلا بتلخيص ؛ نور الثقلين ١ : ١٤٩ / ٤٧٩ ؛ تفسير الإمام : ٣٠٢ / ١٤٤ ؛ البحار ٢ : ٨٩ / ١٢ ؛ البرهان ١ : ٣٦٩ / ٧ ؛ الصافي ١ : ٣١١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٣١٣

آتاه الله علما فبخل به على عباد الله وأخذ عليه طعما ، واشترى به ثمنا قليلا ، فذلك يلجم يوم القيامة بلجام من نار ، وينادي ملك من الملائكة على رؤوس الأشهاد : هذا فلان ابن فلان ، آتاه الله علما في دار الدنيا فبخل به على عباده حتّى يفرغ من الحساب!» (١)

[٢ / ٤١٥٧] وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «مثل الّذي يتعلّم العلم ثمّ لا يحدّث به كمثل الّذي يكنز الكنز فلا ينفق منه» (٢).

[٢ / ٤١٥٨] وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سلمان قال : علم لا يقال به ككنز لا ينفق منه (٣).

قوله تعالى : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [٢ / ٤١٥٩] أخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال : الجنّ والإنس ، وكلّ دابّة (٤).

[٢ / ٤١٦٠] وعن الربيع بن أنس قال : اللّاعنون هم ملائكة الله والمؤمنون (٥).

[٢ / ٤١٦١] وقال ابن عبّاس : جميع الخلائق إلّا الجنّ والإنس (٦).

__________________

(١) روضة الواعظين : ١١ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦٠ ؛ البحار ٢ : ٥٤ ـ ٥٥ / ٢٥ ، باب ١١ ؛ كنز العمّال ١٠ : ٢٠٤ / ٢٩٠٨٢ ؛ جاء في النسخ : طمعا. غير أنّ الصحيح : طعما. والطّعمة : المأكلة ، أي لم يستأكل بعلمه ، كما في سائر الأحاديث. قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «المستأكل بدينه حظّه من دينه ما يأكله». (البحار ٧٥ : ٦٣ / ١٥٢) وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : «من استأكل بعلمه افتقر». (البحار ٢ : ١١٦ ـ ١١٧ / ١٤) (معاني الأخبار : ١٧٥).

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٢ ؛ الأوسط ١ : ٢١٣ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٦٤ ، كتاب العلم ، باب فيمن كتم علما ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٩٠ / ٢٨٩٩٥.

(٣) الدرّ ١ : ٣٩٢ ؛ المصنّف ٨ : ١٧٩ / ١١ ، كتاب الزهد ، باب كلام سلمان ؛ الدارمي ١ : ١٣٨ ، باب البلاغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعليم السنن ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٨٩ / ٢٨٩٩٣.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٠ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠ ، البغوي ١ : ١٩٤ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦١.

(٥) الطبري ٢ : ٧٧ / ١٩٧٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠ ، نقلا عن قتادة.

(٦) البغوي ١ : ١٩٤ ؛ القرطبي ٢ : ١٨٧ ، عن البراء بن عازب وابن عبّاس ؛ قال القرطبي : وذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الكافر إذا ضرب في قبره فصاح ، سمعه الكلّ إلّا الثقلين ، ولعنه كلّ سامع».

٣١٤

[٢ / ٤١٦٢] وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال : الكافر إذا وضع في حفرته ضرب ضربة بمطرق ، فيصيح صيحة يسمع صوته كلّ شيء إلّا الثقلين الجنّ والإنس ، فلا يسمع صيحته شيء إلّا لعنه (١).

[٢ / ٤١٦٣] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال : قال البراء بن عازب : إنّ الكافر إذا وضع في قبره أتته دابّة كأنّ عينيها قدران من نحاس ، معها عمود من حديد ، فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح ، لا يسمع أحد صوته إلّا لعنه ، ولا يبقى شيء إلّا سمع صوته إلّا الثقلين الجنّ والإنس (٢).

[٢ / ٤١٦٤] وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال :

إنّ البهائم إذا اشتدّت عليهم السنة قالت : هذا من أجل عصاة بني آدم ، لعن الله عصاة بني آدم (٣).

[٢ / ٤١٦٥] وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) قال : إذا أجدبت البهائم دعت على فجّار بني آدم ، فقالت : تحبس عنّا الغيث بذنوبهم (٤).

[٢ / ٤١٦٦] وقال الطبرسيّ : فإن قيل : كيف قال : (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) وفي الناس من لا يلعن الكافر؟ فالجواب من وجوه : أحدها أنّ كلّ أحد من الناس يلعن الكافر ، إمّا في الدنيا ، وإمّا في الآخرة ، أو فيهما جميعا ، كما قال : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)(٥) ، عن أبي العالية (٦).

[٢ / ٤١٦٧] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق محمّد بن مروان ، أخبرني الكلبيّ عن أبي

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩١ ؛ الطبري ٢ : ٧٧ / ١٩٧٨ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦١ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩١ ؛ الطبري ٢ : ٧٧ / ١٩٧٧ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠ ؛ القرطبي ٢ : ١٨٧ ، بلفظ : وقال البراء بن عازب وابن عبّاس : (اللاعنون) كلّ المخلوقات ما عدا الثقلين ، الجنّ والإنس ؛ وذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الكافر إذا ضرب في قبره فصاح ، سمعه الكلّ إلّا الثقلين ولعنه كلّ سامع».

(٣) الدرّ ١ : ٣٩١ ؛ الطبري ٢ : ٧٥ ـ ٧٦ / ١٩٧١ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦٢.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٠ ـ ٣٩١ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٨٩ / ١١٧ ، بلفظ : قال : البهائم. إذا اشتدّت الأرض ، قالت البهائم : هذا من أجل عصاة بني آدم ، لعن الله عصاتهم ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠ ، بلفظ : وقال مجاهد : اللاعنون : البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدّت السنة وأمسك المطر ، وقالت : هذا من شؤم ذنوب بني آدم ؛ البغوي ١ : ١٩٤.

(٥) العنكبوت ٢٩ : ٢٥.

(٦) مجمع البيان ١ : ٤٥٠.

٣١٥

صالح عن ابن مسعود في هذه الآية قال : هو الرجل يلعن صاحبه في أمر يرى أنّه قد أتى إليه ، فترتفع اللعنة في السماء سريعا ، فلا تجد صاحبها الّتي قيلت له أهلا ، فترجع إلى الّذي تكلّم بها فلا تجده لها أهلا ، فتنطلق فتقع على اليهود فهو قوله : (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) فمن تاب منهم ارتفعت عنه اللعنة ، فكانت في من بقي من اليهود وهو قوله : إن الذين تابوا ... الآية (١).

[٢ / ٤١٦٨] وروي عن الإمام أبي محمّد العسكرى عليه‌السلام : ثمّ قال الله عزوجل : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) من كتمانه (وَأَصْلَحُوا) أعمالهم ، وأصلحوا ما كانوا أفسدوه بسوء التأويل ، فجحدوا به فضل الفاضل واستحقاق المحقّ ، (وَبَيَّنُوا) ما ذكره الله تعالى من نعت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفته ، ومن ذكر علي عليه‌السلام وحليته ، وما ذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أقبل توبتهم (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(٢).

[٢ / ٤١٦٩] وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن أبي زرعة بن عمرو ابن جرير قال : إنّ أوّل شيء كتب بالقلم : أنا التوّاب أتوب على من تاب (٣).

[٢ / ٤١٧٠] وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (خالِدِينَ فِيها) يقول : خالدين في جهنّم في اللعنة. وفي قوله : (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ويقول : لا ينظرون فيعتذرون (٤).

[٢ / ٤١٧١] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) قال : لا يؤخّرون (٥).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩١ ـ ٣٩٢ ؛ الشعب ٤ : ٣٠٣ / ٥١٩٢ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٠ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ؛ القرطبي ٢ : ١٨٧ ، نقلا عن ابن مسعود والسدّي.

(٢) البرهان ١ : ٣٦٩ ـ ٣٧٠ / ١ ؛ تفسير الإمام : ٥٧١ ـ ٥٧٢ / ضمن رقم ٣٣٣ ؛ البحار ٣٦ : ١٠٨ ـ ١٠٩.

(٣) الدرّ ١ : ٣٩٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٧٠ / ١٤٥٣ ؛ الحلية ٩ : ١٩ ، بلفظ : أوّل ما كتب بالقلم : إنّي أنا التوّاب أتوب على من تاب.

(٤) الدرّ ١ : ٣٩٤ ؛ الطبري ٢ : ٨١ ـ ٨٢ / ١٩٨٥ ، و ١٩٨٦ وزاد بعد قوله «فيعتذرون» : كقوله : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ. وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) المرسلات ٧٧ : ٣٥ / ٣٦ ؛ الثعلبي ٢ : ٣١ ؛ البغوي ١ : ١٩٤ ؛ التبيان ٢ : ٥١ ، بلفظ : «والهاء في قوله «فيها» عائدة على اللعنة في قول الزجاج وقال أبو العالية : هي عائدة إلى النار ومعنى قوله (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) على قول أبي العالية : رفع لإيهام الاعتذار ، كما قال : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) لئلّا يتوهّم أنّ التوبة والإنابة هناك تنفع» ؛ مجمع البيان ١ : ٤٥٠ ، وفيه : في تفسير قوله : وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ : أي لا يمهلون للاعتذار كما قال سبحانه : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) قطعا لطمعهم في التوبة.

(٥) الدرّ ١ : ٣٩٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٧٢ / ١٤٥٩ ؛ الوسيط ١ : ٢٤٥ ، بلفظ : لا يمهلون للرجعة ولا للتوبة ولا للمعذرة.

٣١٦

قال تعالى :

(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٦٤))

وهنا يمضي السياق لإراءة التصوّر الإيماني ، المبتني على قاعدته الكبيرة ، قاعدة التوحيد ، ذلك التوحيد الربوبيّ المتجسّد في توحيد الصنع والتدبير. وبعد ملاحظة ذلك الإنسجام في الخلق والتقدير. ومن ثمّ فلا إله يشركه في التدبير والتقدير. فلا موضع لاتّخاذ آلهة أخرى سوى الله الواحد الصانع المتعالي والجامع لصفات الخير كلّه ، المتجمّعة في الرحمانيّة العامّة ، إلى جنب الرحيميّة الخاصّة بذوي الإيمان القويم.

وبعد (وَإِلهُكُمْ) خطاب لعامّة الناس (إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا شريك له ولا نظير (هُوَ الرَّحْمنُ) بجميع خلقه (الرَّحِيمُ) بالمؤمنين. كما قال سبحانه : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وهي الرحمة العامّة (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)(١) وهي الرحمة الخاصة.

والشاهد على تلك الرحمة الواسعة ، هي مشاهد هذا الكون الفسيح ، بما فيه من آيات وبيّنات ، ودلائل وشواهد لائحة.

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في ذلك النظم البديع (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) تعاقب النور والظلمة ، توالي الإشراق والعتمة ، ذلك الفجر والغروب (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) بتلك السهولة ، والّتي تقطع بها مسافات شاسعة بما لا يمكن بغيرها حينذاك. وقد أضيف إليها المراكب الهوائية السابحة في الفضاء في يسر وطمأنينة.

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٥٦.

٣١٧

(وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) في أدوار متعاقبة وفي رتيب جميل (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) من نافعة وضارّة ، كلّ لمصلحة يراها اللبيب الحكيم جليلة (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) دون هدوئها فتفسد (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) تحمل بركاتها إلى الخلائق أجمعين ، كلّ ذلك (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

فهذا الكون بجملته شاهد بالوحدانيّة وبالرحمة في كلّ مجالاته وفي كلّ مجاليه.

إنّ السرّ الأعمق هو سرّ هذه الأسباب ، سرّ خلقة الكون بهذه الطبيعة المنسجمة ، وبهذه النسب المتوائمة ، وبهذه الأوضاع البديعة ، الّتي تسمح بنشأة الحياة ونموّها وتوفير الأسباب الملائمة لها ، من رياح وسحب وأمطار وتراب. سرّ هذه الموافقات التي يعدّ المعروف منها بالآلاف ، والّتي لو اختلّت واحدة منها ، ما نشأت الحياة أو ما سارت هذه السيرة المنتظمة. كما هو سرّ التدبير الدقيق الذي يشي بالعلم والإرادة والحكمة ، كما يشي بوحدة التصميم والتقدير.

* * *

[٢ / ٤١٧٢] أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وأبو داوود والترمذي وصحّحه وابن ماجة وأبو مسلم الكجّيّ في السنن وابن الضريس وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) و (الم. اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)(١)» (٢).

[٢ / ٤١٧٣] وأخرج الديلمي عن أنس : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ليس شيء أشدّ على مردة الجنّ من هؤلاء الآيات الّتي في سورة البقرة : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ...) الآيتين» (٣).

[٢ / ٤١٧٤] وروى الطبرسي مرفوعا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزلت هذه الآية ، قال : «ويل لمن لا كهابين

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١ ـ ٢.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩٤ ؛ المصنّف ٨ : ٣٠٨ / ٨٥ ؛ مسند أحمد ٦ : ٤٦١ ؛ الدارمي ٢ : ٤٥٠ ؛ أبو داوود ١ : ٣٣٥ / ١٤٩٦ ، باب ٣٥٨ ؛ الترمذي ٥ : ١٧٨ ـ ١٧٩ / ٣٥٤٣ ، باب ٦٥ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٢٦٧ / ٣٨٥٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٧٢ / ١٤٦٠ ؛ الشعب ٢ : ٤٥٥ / ٢٣٨٣ ؛ كنز العمّال ١ : ٤٥١ / ١٩٤١ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٧ ؛ البغوي ١ : ١٩٤ ـ ١٩٥ / ١١٩ ؛ الوسيط ١ : ٢٤٦ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٦٥ ؛ القرطبي ٤ : ٣.

(٣) الدرّ ١ : ٣٩٤ ؛ الفردوس بمأثور الخطاب ٣ : ٣٨٥ / ٥١٧٧ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦٧ / ٢٥٥٦.

٣١٨

فكّية ولم يتأمّل ما فيها» (١).

[٢ / ٤١٧٥] وكذا روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «ويل لمن قرأ هذه الآية فمجّ بها» أي لم يتفكّر فيها ولم يعتبرها (٢).

[٢ / ٤١٧٦] وروى الكليني بالإسناد إلى هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : «يا هشام إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أكمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبيين بالبيان ، ودلّهم على ربوبيّته بالأدّلة ، فقال : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)» (٣).

[٢ / ٤١٧٧] وروى ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى الإمام الرضا عليه‌السلام في حديث طويل يقول فيه : «إنّي لمّا نظرت إلى جسدى فلم يمكنّي فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ، ودفع المكاره عنه ، وجرّ المنفعة إليه ، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا فأقررت به ، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته ، وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ، ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات ، علمت أنّ لهذا مقدّرا ومنشئا» (٤).

[٢ / ٤١٧٨] وروى بالإسناد إلى هشام قال : «فكان من سؤال الزنديق ـ في مسألة التوحيد ـ أن قال : فما الدليل عليه؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وجود الأفاعيل الّتي دلّت على أنّ صانعا صنعها ، ألا

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٥٥٤.

(٢) القرطبي ٢ : ٢٠١ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٢٧٥ ؛ الثعلبي ٢ : ٣٣ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٧٠ / ٢٥٧٦ ، بلفظ : ويل لمن قرأ هذه الآية ثمّ لم يتفكّر فيها ، يعني إنّ في خلق السماوات ... ؛ الفردوس بمأثور الخطاب ٤ : ٤٠٠ / ٧١٥٨ ، بنحو ما رواه الهندي.

(٣) الكافي ١ : ١٣ / ١٢ ، كتاب العقل والجهل ، لها صدر وذيل ؛ نور الثقلين ١ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ؛ البرهان ١ : ٣٧١ / ١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٢١١ ؛ تحف العقول : ٣٨٤. ما روي عن أبي إبراهيم الإمام الكاظم عليه‌السلام ، وصيّته عليه‌السلام لهشام وصفته للعقل ؛ البحار ١ : ١٣٢ / ٣٠ ، كتاب العقل والعلم والجهل ، باب ٤. وللعلّامة المجلسي هنا بيان واف بشرح الحديث وتوضيح مشكله.

(٤) نور الثقلين ١ : ١٥٠ ؛ العيون ١ : ١٢٠ ـ ١٢١ / ٢٨ ، باب ١١ ؛ التوحيد : ٢٥١ / ٣ ، باب ٣٦ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٢١٣ ؛ الكافي ١ : ٧٨ ـ ٧٩ / ٣ ؛ البحار ٣ : ٣٧ / ١٢ باب ٣ ؛ الاحتجاج ٢ : ١٧١ ـ ١٧٢.

٣١٩

ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبنيّ ، علمت أنّ له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده» (١).

[٢ / ٤١٧٩] وروى بالإسناد إلى المقدام بن شريح بن هاني ، عن أبيه ، قال : «إنّ أعرابيّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين أتقول إنّ الله واحد؟! قال : فحمل الناس عليه ، وقالوا : يا أعرابيّ أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب؟! فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : دعوه فإنّ الّذي يريده الأعرابيّ هو الّذي نريده من القوم ، ثمّ قال : يا أعرابيّ إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام ، فوجهان منها لا يجوزان على الله ـ عزوجل ـ ووجهان يثبتان فيه ؛ فأمّا اللّذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : ثالث ثلاثة!

وقول القائل : هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، جلّ ربّنا عن ذلك وتعالى.

وأمّا الوجهان اللّذان يثبتان فيه ، فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه. كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه ربّنا أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ، ولا عقل ، ولا وهم. وكذلك ربّنا عزوجل» (٢).

[٢ / ٤١٨٠] وروى بالإسناد إلى أبي هاشم الجعفري ، قال : «سألت أبا جعفر محمّد بن علي الثاني عليه‌السلام ما معنى الواحد؟ فقال : المجتمع عليه جميع الألسن بالوحدانيّة» (٣).

[٢ / ٤١٨١] وهكذا روى الكليني بالإسناد إلى أبي هاشم الجعفري ، قال : «سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام ما معنى الواحد؟ فقال : إجماع الألسن عليه بالوحدانيّة ، كقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ١٥٠ ؛ التوحيد : ٢٤٤ / ١ ، باب ٣٦. الكافي ١ : ٨١ / ٥ ؛ الاحتجاج ٢ : ٦٩ ـ ٧٠ ؛ البحار ٣ : ٢٩ / ٣ ، باب ٣ ؛ و ١٠ : ١٩٥ / ٣ ، باب ١٣.

(٢) البرهان ١ : ٣٧٢ ؛ التوحيد : ٨٣ ـ ٨٤ / ٣ ، باب ٣ ؛ الخصال : ٢ / ١ ، باب الواحد ؛ معاني الأخبار : ٥ ـ ٦ / ٢ ، باب معنى الواحد ؛ البحار ٣ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ / ١ ، باب ٦ ، وللعلامة المجلسي رحمه‌الله ذيل الرواية بيان ؛ نور الثقلين ٤ : ٤٧٥ ـ ٤٧٦ / ٥ و ٥ : ٧٠٩ / ٦٠.

(٣) البرهان ١ : ٣٧١ ؛ معاني الأخبار : ٥ / ١ ، باب معنى الواحد ؛ التوحيد : ٨٢ / ١ ، باب ٣ ، فيه : «بجميع» بدل «جميع» ؛ المحاسن ٢ : ٣٢٨ / ٨٣ ، كتاب العلل ؛ البحار ٣ : ٢٠٨ / ٢ باب ٦.

٣٢٠