التفسير الأثري الجامع - ج ٤

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-05-0
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين

٣

٤

فهرس مواضيع الكتاب

إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ... ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون (١١٩ ـ ١٢٣)... ١٣

«إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا».............................................. ١٥

«ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم».......................... ١٨

«الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به»...................... ١٨

«يتلونه حق تلاوته»......................................................... ٢٠

وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ... ولا تسألون عما كانوا يعملون (١٢٤ ـ ١٤١). ٢٢

الكلمات التي ابتلي بها إبراهيم عليه‌السلام........................................... ٣٣

«ومن ذريتي»............................................................... ٥٠

ملحوظة................................................................. ٥١

«لا ينال عهدي الظالمين»................................................... ٥٢

العهد هي الإمامة........................................................... ٥٢

هل تصلح إمامة الجائر؟...................................................... ٥٥

عدالة ظاهرة وباطنة......................................................... ٥٧

عصمة أم عدالة شاملة؟..................................................... ٦٠

صلاحيّة إمام الجماعة........................................................ ٦١

الصلاة خلف من يشارط..................................................... ٦٤

الولاية من قبل الجائر........................................................ ٦٤

٥

«وإذ جعلنا البيت مثابة للناس»............................................... ٦٦

«واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى»............................................. ٦٨

«أن طهرا بيتي للطائفين».................................................... ٧٦

«وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا»..................................... ٧٨

«وارزق أهله من الثمرات»................................................... ٨٠

«وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت»......................................... ٨١

ربنا واجعلنا مسلمين ومن ذريتنا أمة مسلمة لك................................. ٨٤

«وأرنا مناسكنا»............................................................ ٨٥

«ربنا وابعث فيهم رسولا منهم»............................................... ٩٨

«ويعلمهم الكتاب والحكمة»................................................. ٩٩

«ويزكيهم»............................................................... ١٠٠

«إنك أنت العزيز الحكيم»................................................. ١٠٠

«ومن يرغب عن ملة إبراهيم».............................................. ١٠١

«ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين»........................ ١٠٢

«إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين»............................... ١٠٢

«ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم»...        ١٠٣

«أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي»...... ١٠٤

«تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ...»...................................... ١٠٦

«وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا».................. ١٠٧

«قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق»........... ١٠٨

«لا نفرق بين أحد منهم».................................................. ١٠٩

«فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله»....        ١١٠

«صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون»........................ ١١٢

٦

«قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم»............... ١١٣

«ونحن له مخلصون»....................................................... ١١٤

نكتة دقيقة............................................................ ١١٧

«أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى» ١٢٠

تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون..... ١٢١

سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم ... واشكروا لي ولا تكفرون (١٤٢ ـ ١٥٢) ١٢٢

«سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها»............... ١٢٩

«وكذلك جعلناكم أمة وسطا».............................................. ١٣٦

«لتكونوا شهداء على الناس»............................................... ١٣٧

ملحوظة............................................................... ١٤٣

«وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول»................... ١٥٠

«وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله»................................. ١٥١

«وما كان الله ليضيع إيمانكم».............................................. ١٥٢

«قد نرى تقلب وجهك في السماء»......................................... ١٥٤

«فول وجهك شطر المسجد الحرام».......................................... ١٥٦

«وما بعضهم بتابع قبلة بعض».............................................. ١٥٩

«الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم»........................... ١٥٩

«ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات»................................... ١٥٩

«لئلا يكون للناس عليكم حجة»........................................... ١٦١

«ولاتم نعمتي عليكم»...................................................... ١٦١

«كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا»............................ ١٦٣

«فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون».................................. ١٦٣

٧

«واشكروا لي ولا تكفرون»................................................. ١٨٠

يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (١٥٣)............. ١٩٤

كلام عن الصبر........................................................... ٢٠٣

حقيقة الصبر ومعناه....................................................... ٢٠٥

الصبر نصف الإيمان....................................................... ٢١١

الأسامي الّتي تتجدّد للصبر بالإضافة إلى ما عنه الصبر......................... ٢١٢

مراتب الصبر............................................................. ٢١٤

مظانّ الحاجة إلى الصبر.................................................... ٢١٧

دواء الصبر............................................................... ٢٢٩

ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون (١٥٤).......... ٢٥٢

هل البقاء خاصّ بالشهداء؟................................................. ٢٥٤

السواد المخترم............................................................. ٢٦٣

أبدان مثاليّة أم حواصل طيور؟.............................................. ٢٦٦

ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال ... وأولئك هم المهتدون (١٥٥ ـ ١٥٧)               ٢٧٩

تعزية على مصاب للإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ........................ ٢٨٢

إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما (١٥٨)              ٢٩٧

إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات ... لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (١٥٩ ـ ١٦٢) ٣٠٩

«ويلعنهم اللاعنون»....................................................... ٣١٤

٨

وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ... لآيات لقوم يعقلون (١٦٣ ـ ١٦٤). ٣١٧

«وتصريف الرياح»........................................................ ٣٢٢

ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم ... وما هم بخارجين من النار (١٦٥ ـ ١٦٧) ٣٢٩

يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ... صم بكم عمي فهم لا يعقلون (١٦٨ ـ ١٧١)                ٣٣٥

ملحوظة ..............................................................  ٣٣٦

«إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون»................ ٣٤٢

ملحوظة............................................................... ٣٤٢

«وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ...»........... ٣٤٦

«ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء»............... ٣٤٧

موضع العقل من الشريعة الغرّاء.............................................. ٣٥٢

يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله ... إن الله غفور رحيم (١٧٢ ـ ١٧٣)             ٣٦٦

وقفة قصيرة ............................................................... ٣٧٣

ملحوظة.................................................................. ٣٧٦

إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ... لفي شقاق بعيد (١٧٤ ـ ١٧٦)          ٣٧٩

ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر (١٧٧) ٣٨٣

«وآتى المال على حبه»..................................................... ٣٩١

«ذوي القربى»............................................................ ٣٩٨

ملحوظة............................................................... ٣٩٩

«وابن السبيل»........................................................... ٤٠٠

٩

«والسائلين».............................................................. ٤٠٠

«والموفون بعهدهم إذا عاهدوا».............................................. ٤٠٢

«والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس»................................. ٤٠٢

«أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون».................................... ٤٠٤

يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر ... لعلكم تتقون (١٧٨ ـ ١٧٩)     ٤٠٥

كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية ... إن الله غفور رحيم (١٨٠ ـ ١٨٢)   ٤٢٩

«الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف»........................................ ٤٣١

نظرة في حديث «لا وصيّة لوارث».......................................... ٤٣٣

«فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم».. ٤٤٧

يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ... ولعلكم تشكرون (١٨٣ ـ ١٨٥)........ ٤٤٨

«كما كتب على الذين من قبلكم».......................................... ٤٦١

«أياما معدودات»......................................................... ٤٦٧

«وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين»................................... ٤٦٩

«فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون»............ ٤٧٢

«شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن»........................................ ٤٧٨

تعظيم التلفّظ بشهر رمضان................................................. ٤٨٦

في اشتقاق رمضان......................................................... ٤٩٠

«الذي أنزل فيه القرآن»................................................... ٤٩٣

«هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان».................................... ٤٩٧

الفرقان في القرآن.......................................................... ٤٩٩

١٠

«فمن شهد منكم الشهر فليصمه».......................................... ٥٠٢

وقفة عند قوله تعالى : «فمن شهد منكم الشهر»............................. ٥٠٦

ملحوظة............................................................... ٥٠٩

«فعدة من أيام أخر»...................................................... ٥١٧

«يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»................................... ٥١٨

باب القصد في العبادة..................................................... ٥٢٣

ملحوظة............................................................... ٥٣٤

تعليل عليل............................................................ ٥٤٠

والقول بالتفصيل........................................................ ٥٤٤

تأويلات فارغة......................................................... ٥٤٦

«ولتكملوا العدة»......................................................... ٥٤٨

مقالة الشيخ المفيد......................................................... ٥٥٥

«ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون»............................... ٥٥٧

١١
١٢

قال تعالى :

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (١١٩) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣))

وبعد أن انتهت مقولاتهم وفضحت أباطيلهم ، يتوجّه الخطاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبيّن له وظيفته ، ويحدّد له تبعاته ، ويكشف له عن حقيقة المعركة بينه وبين العرب المشركين من جهة ، وبينه وبين أهل الكتاب ولا سيّما اليهود من جهة أخرى وأنّ طبيعة الخلاف ، الذي لا حلّ له. فإنّه لا يملك مقابلته ولا التعامل عليه إلّا بثمن باهظ قد يحطّ من قدره ومنزلته عند الله وحاشاه من نبيّ كريم؟!

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) لا مرية فيه ولا موضع للشكّ فيه ، بعد وضوح الدلائل والبيّنات. (بَشِيراً وَنَذِيراً). كانت وظيفتك البلاغ والأداء ، تبشّر أهل الطاعة المستسلمين للحقّ الصّراح .. وتنذر العصاة العتاة ، ممّن لمسوا الحقّ فنبذوه. (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) فلا مسؤوليّة عليك وراء الإنذار والتبليغ ، إذ ليس عليك هداهم. ولست عليهم بمصيطر .. فإن صاروا إلى الجحيم فبظلم منهم ، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

أمّا العصاة المردة من أهل الكتاب ، فإنّهم على درجة بالغة من العصبيّة العمياء ، فلن ترضخ نفوسهم العاتية لتستسلم للحقّ مهما وضح سبيله وتبيّنت معالمه. لأنّهم على غلواء من العتوّ والاستكبار فلا يرضون منك بأقلّ من الاستسلام لهم هم واتّباع سبيلهم في الغيّ والضلال.

(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ) العنود (وَلَا النَّصارى) الجحود (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) : تجاريهم على طريقتهم الملتوية .. فتلك هي العلّة الوحيدة ، ولم يكن يعوزهم البرهان.

١٣

(قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) لا معدل عنه أبدا. (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) وهذا من باب «إيّاك أعني واسمعي يا جاره». فمن تابع سبيل الغيّ والضلال بعد وضوح الهدى والصلاح ، فقد خرج عن ذمّة الله ، ودخل في ذمّة الشيطان .. فما له في مهاوي الضلال والدمار من وليّ يحنّ له ولا نصير يخرجه من الهلكة.

* * *

نعم ، الّذين يتجرّدون عن الهوى ويتراودون كتاب الله ليل نهار ، فهم على وشك من الاهتداء إلى سبيل الرشاد.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) فاحتضنوه عن جدّ وأخذوه بقوّة (يَتْلُونَهُ) يتراودونه (حَقَّ تِلاوَتِهِ) بجدّ وحزم (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالهدى الّذي أتاهم ، حيث كان منشودهم منذ عهد بعيد.

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) يكفر بالحقّ الّذي لمسه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا أنفسهم وأضاعوها هباء ، حيث مصيرهم إلى الهلاك والدمار.

وبعد هذا التقرير الحاسم الجازم ينتقل السياق بالخطاب إلى بني إسرائيل ، كأنّما ليهتف بهم الهتاف الأخير ، بعد تلك المجابهة وذلك الجدل الطويل ، وبعد استعراض تاريخهم ـ المسجّل على صفحات سوداء ـ هنا يجيء الالتفات إليهم كأنّها الدعوة الأخيرة ، وهم على أبواب الإهمال والإغفال ، والتجريد النهائي من شرف الأمانة أمانة العقيدة .. التي نيطت بهم من قديم. وهنا يكرّر لهم الدعوة ذاتها التي وجّهها إليهم من بداية التجوال.

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) طول حياتكم البذيئة (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) رغم توالي تمرّداتكم وإصراركم على العناد والفساد؟!

ولكن حيث لم تنغلق أبواب الرحمة ، وكانت الفرصة باقية ومتاحة على يد خاتم النبيّين ـ نبيّ الرحمة والفضيلة ـ وعليكم فاغتنمونها.

(وَاتَّقُوا يَوْماً) هو يوم الحسرة والندامة ، يوما (لا تَجْزِي) لا تغني (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى). (١)

(وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ) فداء. والعدل : ما يعادل الشيء. كقوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً)(٢).

__________________

(١) فاطر ٣٥ : ١٨.

(٢) المائدة : ٥ : ٩٥.

١٤

(وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) إذا لم تستعدّ لنيلها ولم تمهّد أرضيّة الاستفاضة من وابل فيضها الغزير. (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً). (١)

قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً)

[٢ / ٣١٣٥] قال مقاتل بن سليمان ـ في قوله تعالى ـ : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) يقول : لم نرسلك عبثا لغير شيء (بَشِيراً وَنَذِيراً) بشيرا بالجنّة ونذيرا من النار (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) فإنّ الله قد أحصاها عليهم. (٢)

[٢ / ٣١٣٦] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا بني عبد المطّلب يا بني فهر يا بني فلان ، أرأيتم لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدّقي؟ قالوا : نعم. قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد». (٣)

[٢ / ٣١٣٧] وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : الجحيم ما عظم من النار. (٤)

وذكر أبو جعفر الطبري أنّ الجحيم هي النار بعينها إذا شبّت وقودها. ومنه قول أميّة بن الصلت :

إذا شبّت جهنّم ثمّ دارت

وأعرض عن قوابسها الجحيم (٥).

* * *

هذا على قراءة (تُسْئَلُ) مرفوعا مبنيّا للمفعول وهي قراءة عامّة القرّاء .. وقرأ نافع : «ولا تسأل» بفتح المضارعة والجزم على النهي وهي قراءة مرفوضة عند المحقّقين. وفنّدها أبو جعفر الطبري نظرا لمخالفتها للسياق ، ولوجوه ذكرها. وأيّد قراءة الرفع بموافقتها لقراءة أبيّ : «وما تسأل» ، وكذا قراءة ابن مسعود : «ولن تسأل» .. الأمر الذي يؤيّد كون «لا» نفيا لا نهيا.

وكذا رفض الخبرين بشأن تمنّيه لو يعلم من حالة أبوية : «أين أبواي؟» ـ كما في رواية داوود بن أبي عاصم ـ و «ليت شعري ما فعل أبواي» ـ كما في رواية محمّد بن كعب القرظي ـ!!

__________________

(١) طه ٢٠ ـ ١٠٩.

(٢) تفسير مقاتل ١ : ١٣٤ ـ ١٣٥.

(٣) ابن أبي حاتم ١ : ٢١٦ ـ ٢١٧ / ١١٥٠ ، و ١٠ : ٣٤٧٣ / ١٩٥٢٣ ، سورة المسدّ. وفي ذيله : فقال أبو لهب : تبّا لك ، إنّما جمعتنا لهذا؟! فنزلت سورة المسدّ.

(٤) الدرّ ١ : ٢٧١.

(٥) الطبري ١ : ٧٢٠. وشبّث النار : اتّقدت.

١٥

وذلك لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو كان يعلم أنّ أبويه ماتا كافرين فلا يتردّد في كونهما من أصحاب الجحيم وإن كان علم إيمانهما ـ كما هو أصحّ القولين ـ فلا شكّ أنّهما من أصحاب النعيم فلا موضع للشكّ بعد اليقين.

قال : واستحالة الشكّ من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد معرفة حالة أبويه إن شركا أو إيمانا ، ما يدفع صحّة ما قاله محمّد بن كعب القرظي ـ إن كان الخبر عنه صحيحا ـ (١).

* * *

وهكذا ذكر جلال الدين السيوطي الخبرين وضعّفهما. قال ـ بعد أن ذكر خبر القرظي ـ : هذا مرسل ضعيف الإسناد. قال : والآخر ـ يعني به خبر داود بن أبي عاصم ـ معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به ولا بالذي قبله حجّة.

وإليك الخبرين :

[٢ / ٣١٣٨] أخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمّد بن كعب القرظي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليت شعري ما فعل أبواي ، فنزل : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) فما ذكرهما حتّى توفّاه الله». قال السيوطي : هذا مرسل ضعيف الإسناد. (٢)

[٢ / ٣١٣٩] وأخرج ابن جرير عن داوود بن أبي عاصم ، أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذات يوم : أين أبواي؟ فنزلت. قال السيوطي : والآخر معضل الإسناد ضعيف لا تقوم به ولا بالذي قبله حجّة. (٣)

قلت : ولقد أنصف كلّ من الطبري والسيوطي في رفض الخبرين وتفنيد قراءة نافع تفنيدا فنّيّا أوّلا لضعف الإسناد وإعضاله ، ثانيا لمخالفته للسياق ولدليل العقل الحاكم بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتمنّى العلم بشيء كان يعلمه حقّا.

هذا مضافا لما ثبت من طهارة آباء النبيّ وطهارة أرحام الأمّهات .. حسبما ورد من روايات

__________________

(١) المصدر.

(٢) الدرّ ١ : ٢٧١ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ / ١٢٦ ؛ الطبري ١ / ٧٢٠ / ١٥٥٨ و ١٥٥٧. ابن أبي حاتم ١ : ٢١٧ / ١١٥١ ، بلفظ : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسأل عن أبيه فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ).

(٣) الدرّ ١ : ٢٧١ ؛ الطبري ١ : ٧١٩ ـ ٧٢٠ / ١٥٥٩ ؛ ابن كثير ١ : ١٦٨. وزاد : «وهذا مرسل كالذي قبله».

١٦

بشأن تأويل الآية : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(١) : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يزل ينقل من أصلاب طاهرة فإلى أرحام مطهّرة.

[٢ / ٣١٤٠] فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عبّاس قال : ما زال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتقلّب في أصلاب الأنبياء حتّى ولدته أمّه (٢).

[٢ / ٣١٤١] وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزّار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال : «من نبيّ إلى نبيّ حتّى أخرجت نبيّا» (٣).

[٢ / ٣١٤٢] وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : من نبيّ إلى نبيّ حتّى أخرجك نبيّا. (٤)

[٢ / ٣١٤٣] وروى عليّ بن إبراهيم بالإسناد إلى محمّد بن الفرات عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) قال : «في أصلاب النبيّين». (٥)

[٢ / ٣١٤٤] وروى أبو القاسم فرات بن إبراهيم الكوفي بالإسناد إلى الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام قال : «وتقلّبك في أصلاب الأنبياء نبيّ بعد نبيّ». (٦)

[٢ / ٣١٤٥] وروى السيّد شرف الدين الإسترابادى عن محمّد بن العبّاس مسندا عن أبي الجارود قال : سألت الإمام أبا جعفر الباقر عليه‌السلام عن هذه الآية ، فقال : «يرى تقلّبه في أصلاب النبيّين من نبيّ إلى نبيّ ، حتّى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم عليه‌السلام» (٧).

والأحاديث بشأن طهارة أصلاب آباء النبيّ وطهارة الأرحام التي حملته كثيرة (٨) ، وسوف نستوفي البحث عنها ذيل الآية تفسيرا وتأويلا إن شاء الله.

وذكر أبو عبد الله القرطبي ـ تأييدا لاختيار أبي جعفر الطبري ـ : أنّ الله تعالى أحيى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباه عبد الله وأمّه آمنة ، فآمنا به. (٩)

__________________

(١) الشعراء ٢٦ : ٢١٩.

(٢) الدرّ ٦ : ٣٣٢.

(٣) المصدر : ٣٣١.

(٤) ابن أبي حاتم ٩ : ٢٨٢٨ / ١٦٠٢٨.

(٥) القمي ٢ : ١٢٥.

(٦) تفسير فرات : ٣٠٤ / ٤٠٩ / ٢.

(٧) تأويل الآيات ١ : ٣٩٦ / ٢٥.

(٨) راجع : تفسير البرهان للسيّد البحراني ٥ : ٥١٤ ـ ٥١٨.

(٩) قال : ذكرنا ذلك في كتاب «التذكرة». القرطبي ٢ : ٩٣. وراجع : التذكرة : ١٩ ـ ٢٠ (ط ٦).

١٧

ذكر ذلك ردّا على ما روي من قوله : «إنّ أبي وأباك في النار!» (١).

قوله تعالى : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)

[٢ / ٣١٤٦] أخرج الثعلبي عن ابن عبّاس «قال : هذا في القبلة وذلك إنّ يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلّي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى قبلتهم ، فلمّا صرف الله القبلة إلى الكعبة شقّ ذلك عليهم وأيسوا منه أن يوافقهم على دينهم ، فأنزل الله : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى ...) الآية». (٢)

[٢ / ٣١٤٧] وقال ابن عبّاس ـ في قوله : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) ـ : أي قل يا محمّد لهم : إنّ دين الله الذي يرضاه هو الهدى ، أي : الدين الذي أنت عليه. (٣)

[٢ / ٣١٤٨] وعنه في قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) قال : معناه إن صلّيت إلى قبلتهم. (٤)

[٢ / ٣١٤٩] وقال مقاتل بن سليمان : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ) من أهل المدينة (وَلَا النَّصارى) من أهل نجران (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) وذلك أنّهم دعوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى دينهم وزعموا أنّهم على الهدى فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (قُلْ) لهم : (إِنَّ هُدَى اللهِ) يعني الإسلام (هُوَ الْهُدى) ثمّ حذّر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) يعني أهل الكتاب على دينهم (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) علم البيان (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يعني من قريب فينفعك (وَلا نَصِيرٍ) يعني ولا مانع. (٥)

[٢ / ٣١٥٠] وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمّد بن إسحاق في قوله : (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) قال : فيما قصصت عليك من الخبر. (٦)

قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ)

[٢ / ٣١٥١] أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَ

__________________

(١) راجع : ابن كثير ١ : ١٦٧.

(٢) الثعلبي ١ : ٢٦٦. البغوي ١ : ٢٧٢.

(٣) مجمع البيان ١ : ٣٦٩ ؛ الوسيط ١ : ٢٠٠. بلفظ «يريد أنّ الذي أنت عليه هو دين الله الذي رضيه».

(٤) مجمع البيان ١ : ٣٧٠ ؛ الوسيط ١ : ٢٠٠.

(٥) تفسير مقاتل ١ : ١٣٥.

(٦) ابن أبي حاتم ١ : ٢١٧ / ١١٥٥.

١٨

تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) قال : منهم أصحاب محمّد الّذين آمنوا بآيات الله وصدّقوا بها. قال : وذكر لنا أنّ ابن مسعود كان يقول : والله إنّ حقّ تلاوته أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ، ويقرأه كما أنزله الله ، ولا يحرّف عن مواضعه. (١)

[٢ / ٣١٥٢] وأخرج عبد الرزّاق وابن جرير من طرق عن ابن مسعود قال : في قوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) قال : أن يحلّ حلاله ويحرّم حرامه ، ويقرأه كما أنزل الله ولا يحرّف الكلم عن مواضعه ، ولا يتأوّل منه شيئا غير تأويله. (٢)

[٢ / ٣١٥٣] وأخرج عبد الرزّاق عن قتادة في قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) قال : هم اليهود والنصارى. (٣)

[٢ / ٣١٥٤] وقال ابن زيد : هم من أسلم من بني إسرائيل. (٤)

[٢ / ٣١٥٥] وعن ابن عبّاس قال : نزلت في أهل السفينة الّذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة ، وكانوا أربعين رجلا ، اثنان وثلاثون من الحبشه ، وثمانية من رهبان الشام ، منهم بحيرا. (٥)

[٢ / ٣١٥٦] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ ذكر مؤمني أهل التوراة ؛ عبد الله بن سلام وأصحابه فقال ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني أعطيناهم التوراة (يَتْلُونَهُ) يعني نعت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التوراة (حَقَّ تِلاوَتِهِ) في التوراة ولا يحرّفون نعته (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) يقول : أولئك يصدّقون بمحمّد يعني عبد الله بن سلام وأصحابه. ثمّ قال : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) يعني بمحمّد من أهل التوراة (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) في العقوبة. (٦)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٧٣ ؛ الطبري ١ : ٧٢٣ / ١٥٦٠ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٨٨ / ١١٣ ؛ القرطبي ٢ : ٩٥ ، في قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) قال قتادة : هم أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ زاد : «والكتاب على هذا التأويل : القرآن» ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢١٨ / ١١٦١.

(٢) الدرّ ١ : ٢٧٢ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٨٨ / ١١٣ ؛ الطبري ١ : ٧٢٤ / ١٥٦٥ ، بتفاوت.

(٣) الدرّ ١ : ٢٧٢ ؛ عبد الرزّاق ٢ : ٤٦ / ٧٨٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢١٨ / ١١٥٦.

(٤) القرطبي ٢ : ٩٥. وزاد : «والكتاب على هذا التأويل : التوراة» ؛ التبيان ١ : ٤٤١ وزاد : «والكتاب على قوله : التوراة».

(٥) مجمع البيان ١ : ٣٧٠ ؛ الثعلبي ١ : ٢٦٦ ؛ البغوي ١ : ١٦١ ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٦) تفسير مقاتل ١ : ١٣٥.

١٩

قوله تعالى : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ)

[٢ / ٣١٥٧] قال الطبرسي : في قوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) اختلف في معناه على وجوه إلى قوله : وثالثها ما روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ حقّ تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنّة والنار ، يسأل في الأولى ، ويستعيذ من الأخرى». (١)

[٢ / ٣١٥٨] وروى الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، بالإسناد إلى جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ،) قال : «يرتّلون آياته ويتفقّهون به ، ويعملون بأحكامه ، ويرجون وعده ويخافون وعيده ، ويعتبرون بقصصه ، ويأتمرون بأوامره ، وينتهون بنواهيه. ما هو والله حفظ آياته ودرس حروفه وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه ، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ، وإنّما هو تدبّر آياته والعمل بأحكامه ؛ قال الله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ»)(٢). (٣)

[٢ / ٣١٥٩] وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) قال : يتّبعونه حقّ اتّباعه. (٤)

[٢ / ٣١٦٠] وأخرج عن عكرمة قال : يتّبعونه حقّ اتّباعه ، أما سمعت قول الله ـ عزوجل ـ : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها)(٥) قال : إذا تبعها. (٦)

[٢ / ٣١٦١] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. والحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس في قوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) قال : يحلّون حلاله ويحرّمون حرامه ، ولا يحرّفونه عن مواضعه. (٧)

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ١٢٠ / ٣٣٧ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٧١ ؛ التبيان ١ : ٤٤٢ ؛ البرهان ١ : ٣١٧ / ٣ ، بلفظ : «الوقوف عند الجنّة والنّار» ؛ العيّاشي ١ : ٧٦ / ٨٤.

(٢) سوره ص ٣٨ : ٢٩.

(٣) البرهان ١ : ٣١٧ / ٤ ؛ إرشاد القلوب ١ : ١٦١ ، الباب العشرون في قراءة القرآن المجيد.

(٤) الطبري ١ : ٧٢٥ / ١٥٧١ ؛ ابن كثير ١ : ١٦٩ ، وكذا عن ابن عبّاس وعكرمة وعطاء وأبي رزين وإبراهيم النخعي ؛ التبيان ١ : ٤٤١ ؛ الثعلبي ١ : ٢٦٧ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٧٠ ـ ٣٧١ ، عن مجاهد وقتادة وابن مسعود.

(٥) الشمس ٩١ : ٢.

(٦) الطبري ١ : ٧٢٤ / ١٥٧٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢١٨ / ١١٥٩.

(٧) الدرّ ١ : ٢٧٢ ؛ الطبري ١ : ٧٢٤ / ١٥٦٣ ، بطريقين ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢١٨ / ١١٥٧ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٦.

٢٠