التفسير الأثري الجامع - ج ٣

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-04-3
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٧٦

الله على من تاب». (١)

قلت : هذا لا يدلّ على أنّه كان قرآنا فلعلّه من سائر الوحي.

[٢ / ٢٩٦٣] وأخرج أبو عبيد وأحمد وأبو يعلى والطبراني عن زيد بن أرقم قال : كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضّة لابتغى الثالث. ولا يملأ بطن ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب». (٢)

[٢ / ٢٩٦٤] وأخرج أبو عبيد وأحمد عن جابر بن عبد الله قال : كنّا نقرأ : لو أنّ لابن آدم ملء واد مالا لأحبّ إليه مثله ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب. (٣)

[٢ / ٢٩٦٥] وأخرج أبو عبيد والبخاري ومسلم عن ابن عبّاس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لو أنّ لابن آدم ملء واد مالا لأحبّ أنّ له إليه مثله ، ولا يملأ عين ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب». قال ابن عبّاس : فلا أدري أمن القرآن هو أم لا. (٤)

قلت : لا شكّ أنّه حديث نبويّ ـ لو صحّ الإسناد ـ!

[٢ / ٢٩٦٦] وأخرج البزّار وابن الضريس عن بريدة قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في الصلاة : «لو أنّ لابن آدم واديا من ذهب لابتغى إليه ثانيا ، ولو أعطي ثانيا لابتغى إليه ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب». (٥)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٥٧ ؛ فضائل القرآن : ١٩٢ / ٨ ـ ٥١ ؛ مسند أحمد ٥ : ٢١٩ ؛ الأوسط ٣ : ٥١ ـ ٥٢ / ٢٤٤٦ ؛ الشعب ٧ : ٢٧١ / ١٠٢٧٧ ؛ مجمع الزوائد ٧ : ١٤٠ ، كتاب التفسير ، سورة البيّنة.

(٢) الدرّ ١ : ٢٥٧ ؛ مسند أحمد ٤ : ٣٦٨ ؛ أبو يعلى ٥ : ٢٣٦ / ٢٨٤٩ ، نقلا عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ الكبير ٥ : ١٨٤ رقم ٥٠٣٢ (ترجمة حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم) ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ٢٤٣ ، كتاب الزهد ، باب لا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ، قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني والبزّار بنحوه ورجالهم ثقات.

(٣) الدرّ ١ : ٢٥٧ ؛ فضائل القرآن : ٣٢٣ ، (ط دار ابن كثير) ؛ مسند أحمد ٣ : ٣٤٠ بلفظ : عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ لابن آدم واديا من مال لتمنّى واديين ، ولو أنّ له واديين لتمنّى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب.

(٤) الدرّ ١ : ٢٥٧ ؛ فضائل القرآن : ١٩٢ ـ ١٩٣ / ١٠ ـ ٥١ ؛ البخاري ٧ : ١٧٥ ، كتاب الرقاق ؛ مسلم ٣ : ١٠٠ ، كتاب الزكاة ؛ أبو يعلى ٤ : ٤٤٧ ـ ٤٤٨ / ٢٥٧٣.

(٥) الدرّ ١ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ؛ مسند البزّار ٦ : ١٨١ / ٢٢٢٢ ، بلفظ : «العباس بن سهل قال : سمعت ابن الزبير يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أنّ ...» ؛ كنز العمّال ٣ : ٤٥٩ / ٧٤٣٢.

٥٢١

[٢ / ٢٩٦٧] وأخرج ابن الأنباري عن زرّ قال : في قراءة أبيّ بن كعب : ابن آدم لو أعطي واديا من مال لالتمس ثانيا ، ولو أعطي واديين من مال لالتمس ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب. (١)

[٢ / ٢٩٦٨] وأخرج عبد الرزّاق وأحمد وابن حبّان عن عمر بن الخطاب قال : إنّ الله بعث محمّدا بالحقّ وأنزل معه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فرجم ورجمنا بعده ، ثمّ قال : قد كنّا نقرأ : «ولا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم». (٢)

[٢ / ٢٩٦٩] وكذا أخرج الطيالسي وأبو عبيد والطبراني عن عمر قال : كنّا نقرأ فيما نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم ، ثمّ قال لزيد بن ثابت : أكذلك يا زيد؟ قال : نعم! (٣)

[٢ / ٢٩٧٠] وأخرج ابن عبد البرّ في التمهيد من طريق عديّ بن عديّ بن عمير بن قزوة عن أبيه عن جدّه عمير بن قزوة ، أنّ عمر بن الخطّاب قال لأبيّ : أو ليس كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : إنّ انتفاءكم من آبائكم كفر بكم؟ فقال : بلى. ثمّ قال : أو ليس كنّا نقرأ : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، فيما فقدنا من كتاب الله؟ فقال أبيّ : بلى. (٤)

[٢ / ٢٩٧١] وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري عن المسوّر بن مخرمة قال : قال عمر لعبد الرحمان بن عوف : ألم تجد فيما أنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة؟ فإنّا لا نجدها! قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن! (٥)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٥٨ ؛ القرطبي ٢٠ : ١٣٩ ، سورة البيّنة.

(٢) الدرّ ١ : ٢٥٨ ؛ المصنّف ٥ : ٤٤١ / ٩٧٥٨ ، بزيادة ؛ مسند أحمد ١ : ٤٧ ، وفيه بعد قوله : «كفر بكم» : أو إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ؛ ابن حبّان ٢ : ١٤٧ / ٤١٣ ، كتاب البرّ والإحسان ، باب ٤.

(٣) الدرّ ١ : ٢٥٨ ؛ مسند الطيالسي : ١٢ ، إلى قوله : كفر بكم ؛ فضائل القرآن : ١٩٣ / ١٢ ـ ٥١ ؛ الكبير ٥ : ١٢١ / ٤٨٠٧ في ترجمة عديّ بن عميرة الكندي عن زيد بن ثابت ، بلفظ : ... فقال عمر لزيد بن ثابت : أما تعلم أنّا كنّا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم فقال زيد : بلى .... ؛ مجمع الزوائد ١ : ٩٧.

(٤) الدرّ ١ : ٢٥٨ ؛ التمهيد لابن عبد البرّ ٤ : ٢٧٦ ؛ كنز العمّال ٦ : ٢٠٨ / ١٥٣٧٢.

(٥) الدرّ ١ : ٢٥٨ ؛ فضائل القرآن : ١٩٣ / ١٣ ـ ٥١. ابن عساكر ٧ : ٢٦٦ رقم ٥٣٦ (إبراهيم بن هشام) بلفظ : قال عمر بن الخطّاب لعبد بن الرحمان بن عوف : ألم تجد فيما أنزل الله : جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة؟ قال : بلى ، قال : فإنّا لا نجدها! قال : اسقطت فيما أسقط من القرآن ....

٥٢٢

[٢ / ٢٩٧٢] وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف عن عبد الله بن عمر قال :

لا يقولنّ أحدكم قد أخذت القرآن كلّه ؛ ما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل : قد أخذت ما ظهر منه. (١)

[٢ / ٢٩٧٣] وأخرج ابن الضريس عن ابن عبّاس قال : كنّا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم ، وإنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم. (٢)

قلت : إسناد ذلك إلى ابن عبّاس غريب!

***

وهناك رواية رواها بعضهم مرفوعا إلى الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام سئل عن الرجم في القرآن ، فقال : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ، لأنّهما قضيا شهوتهما. وزاد : وعلى المحصن والمحصنة الرجم.

[٢ / ٢٩٧٤] روى ثقة الإسلام الكليني بالإسناد إلى عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الرجم في القرآن ، قول الله ـ عزوجل ـ : «إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة ، فإنّهما قضيا الشهوة». (٣)

وهكذا روى أبو جعفر الطوسي بنفس الإسناد عن الامام الصادق عليه‌السلام مثله. (٤)

وكذلك ابن بابويه الصدوق بالإسناد إلى سعد بن عبد الله ، رفعه ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام مثله ، مع تلك الزيادة.

[٢ / ٢٩٧٥] وبإسناد آخر عن إسماعيل بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في القرآن رجم؟ قال : «نعم ، الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ، فإنّهما قد قضيا الشهوة!» (٥)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٥٨ ؛ فضائل القرآن : ١٩٠ / ١ ـ ٥١.

(٢) الدرّ ١ : ٢٥٨ ؛ ابن كثير ١ : ٣٩٤ ، عن أبي بكر ، إلى قوله : «فإنّه كفر» وكذا في مجمع البيان ١ : ٣٣٨ ، عن أبي بكر ، إلى قوله : «فإنّه كفر».

(٣) الكافي ٧ : ١٧٧ / ٣.

(٤) التهذيب ١٠ : ٣ / ٧.

(٥) العلل : ٥٤٠ / ١٣ و ١٤ ، باب ٣٢٦. (ط نجف) ؛ البحار ٧٦ : ٣٧ / ١٢ و ١٣.

٥٢٣

غير أنّ هذه الرواية ساقطة عندنا ، واللفظ لا يصلح أن يكون لفظ الإمام عليه‌السلام وهو العربيّ الصميم العارف بموضع القرآن من اللغة الفصحى الرقيقة ، التي لا تشبه شيئا من لفظ الرواية المتفكّك الركيك ، ولعلّه موضوع عليه .. ولا سيّما بعد ملاحظة الغمز في الإسناد.

أمّا الإسناد إلى عبد الله بن سنان ، فهو مشترك بين ثلاثة ، اثنان منهم مجهولان ، فهلّا يكون هذا أحدهما؟!

ورواية الصدوق الأولى مرفوعة أي مقطوعة الإسناد ـ في مصطلحهم ـ.

وأمّا روايته الأخرى فالإسناد إلى إسماعيل بن خالد ـ وهو مهمل في تراجم الرجال ـ سوى أنّ ابن حجر ذكره في ضعاف الرواة ، واصفا له ـ نقلا عن الذهبي ـ بأنّه رجل كوفيّ من ولد يزيد بن هند القسري يروى عن أبي إسحاق الفزاري ، مجهول (١). قال ابن عقدة : هو شيخ. وقال ابن عديّ :

وليس له كبير حديث.

قال ابن حجر : وذكره الكشّي في رجال الشيعة الرواة عن أبي جعفر الباقر وولده ، قال : وعاش إلى أن أخذ عن موسى بن جعفر. وروى عنه حمّاد بن عيسى. وذكره ابن حبّان في الثقات. وقال : يروي عن معمر. (٢)

روايات العرضة الأخيرة للقرآن

ويلحق بذلك أخبار العرضة الأخيرة للقرآن ، والتي لا موضع لها عند المحقّقين. نعرض منها ما يلى :

[٢ / ٢٩٧٦] أخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن الأنباري والبيهقي في الدلائل عن عبيدة السلماني قال : القراءة التي عرضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العامّ الذي قبض فيه هذه القراءة التي يقرأها الناس ، التي جمع عثمان الناس عليها. (٣)

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٢٢٦ / ٨٦٧.

(٢) لسان الميزان ١ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ / ١٢٦١. وراجع : الكامل لابن عديّ ١ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ / ١٣٥ ـ ١٣٥.

(٣) الدرّ ١ : ٢٥٨ ؛ المصنّف ٧ : ٢٠٤ / ٥ ، باب ٦٩ ، كتاب فضائل القرآن بلفظ : قال : القراءة التي عرضت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العامّ الّذي قبض فيه هي القراءة التي يقرأها الناس اليوم ؛ الدلائل ٧ : ١٥٥ ، باب ما جاء في تأليف القرآن و....

٥٢٤

[٢ / ٢٩٧٧] وأخرج ابن الأنباري وابن أشتة في المصاحف عن ابن سيرين قال : كان جبريل يعارض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ سنة في شهر رمضان ، فلمّا كان العامّ الذي قبض فيه عارضه مرّتين ، فيرون أن تكون قراءتنا هذه على العرضة الأخيرة. (١)

[٢ / ٢٩٧٨] وأخرج ابن الأنباري عن أبي ظبيان قال : قال لنا ابن عبّاس : أيّ القراءتين تعدّون أوّل؟ قلنا : قراءة عبد الله ، وقراءتنا هي الأخيرة. فقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرض عليه جبريل القرآن كلّ سنة مرّة في شهر رمضان ، وأنّه عرضه عليه في آخر سنة مرّتين ، فشهد منه عبد الله ما نسخ وما بدّل. (٢)

[٢ / ٢٩٧٩] وأخرج عن مجاهد قال : قال لنا ابن عبّاس : أيّ القراءتين تعدّون أوّل؟ قلنا : قراءة عبد الله! قال : فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرض القرآن على جبريل مرّة ، وأنّه عرضه عليه في آخر سنة مرّتين ، فقراءة عبد الله آخرهنّ. (٣)

[٢ / ٢٩٨٠] وأخرج عن ابن مسعود قال : كان جبريل يعارض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن في كلّ سنة مرّة ، وأنّه عارضه بالقرآن في آخر سنة مرّتين ، فأخذته من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك العام. (٤)

[٢ / ٢٩٨١] وأخرج أيضا عنه قال : لو أعلم أحدا أحدث بالعرضة الأخيرة منّي لرحلت إليه! (٥).

[٢ / ٢٩٨٢] وأخرج الحاكم وصحّحه عن سمرة قال : عرض القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث عرضات ، فيقولون : إنّ قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة. (٦)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٥٩.

(٢) الدرّ ١ : ٢٥٩ ؛ أبو يعلى ٤ : ٤٣٥ / ٢٥٦٢ ؛ كنز العمّال ٢ : ٦٠٩ / ٤٨٧٧ ؛ الطبقات ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ؛ مسند أحمد ١ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، بلفظ : عن أبي ظبيان عن ابن عبّاس قال : أيّ القراءتين تعدّون أوّل؟ قالوا : قراءة عبد الله! قال : لا ، بل هي الآخرة ، كان يعرض القرآن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ عام مرّة ، فلمّا كان العام الذي قبض فيه عرض عليه مرّتين ، فشهد عبد الله ، فعلم ما نسخ منه وما بدّل.

(٣) الدرّ ١ : ٢٥٩.

(٤) المصدر.

(٥) المصدر.

(٦) الدرّ ١ : ٢٥٩ ؛ الحاكم ٢ : ٢٣٠ ، كتاب التفسير ، وليس فيه كلمة «ثلاث». قال الحاكم : صحيح على شرط البخاري بعضه وبعضه على شرط مسلم ولم يخرجاه ؛ مجمع الزوائد ٧ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، باب القراءات. قال الهيثمي : رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح.

٥٢٥

قال تعالى :

(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٠٨) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠))

قلنا : إنّ الخطاب هنا يحمل رائحة التحذير والتذكير ، فلا ينخدعوا بأضاليل اليهود أو يستسلموا لوساوسهم ، ممّا يبلبل أفكارهم ويشوّش عليهم أذهانهم. ومنها الجري على منوالهم في اللجج والجدل مع الرسول وتوجيه أسئلة له لا تنفق. وما هي إلّا تعنّتات وتملّصات للفرار عن التكليف والعمل الجادّ. يدلّ على ذلك ما جاء في الآية من صريح التحذير والاستنكار. استنكار لتشبّه بعض المؤمنين بقوم موسى في تعنّتهم ، وطلب الخوارق منه ، واحدة تلو أخرى لا تنتهي على أيّ حال وإنّما حالة اللجاج والعناد تشتدّ وتتغلّظ كلّما تداوموا عليه واستمرّوا في اللجاج.

وهذا لا ينتهي إلّا إلى حيث مهوى الضلال والكفر والجحود.

كما أنّه في النهاية أيضا ينتهي إلى الاستسلام لقيادة اليهود :

(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ).

والحسد هو ذلك الانفعال النفسي الخسيس الذي فاضت به نفوس اليهود حقدا على المسلمين ، وما زالت تفيض ، وهو الذي انبعثت منه دسائسهم ومكائدهم ولا تزال.

وهنا ـ في اللحظة التي تتجلّى فيها هذه الحقيقة ، وتنكشف تلك النيّة السيّئة. هنا يدعو القرآن المؤمنين بالاصطبار والأخذ بشيمة الوقار فلا يقابلوا الشرّ بالشرّ ، بل الصفح هي شيمة الكريم :

(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

٥٢٦

وكذلك فامضوا في طريقكم حيث اختار الله لكم واعبدوه وأخلصوا له العمل يكون لكم ذخرا .. (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فلا يضيع عند الله شيء.

وإليك من روايات السلف بهذا الشأن :

قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ)

[٢ / ٢٩٨٣] أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : «قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا محمّد ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرأه ، أو فجّر لنا أنهارا نتّبعك ونصدّقك ، فأنزل الله في ذلك : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) إلى قوله (سَواءَ السَّبِيلِ). وكان حييّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشدّ اليهود حسدا للعرب إذ خصّهم الله برسوله ، وكانا جاهدين في ردّ الناس عن الإسلام ما استطاعا ، فأنزل الله فيهما : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...) الآية». (١)

[٢ / ٢٩٨٤] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : قال رجل يا رسول الله : لو كانت كفّاراتنا ككفّارات بني إسرائيل؟! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أعطيتم خير ، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفّارتها ، فإن كفّرها كانت له خزيا في الدنيا ، وإن لم يكفّرها كانت له خزيا في الآخرة ، وقد أعطاكم الله خيرا من ذلك ، قال تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً)(٢) ، والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة كفّارات لما بينهنّ ، فأنزل الله : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ ...) الآية». (٣)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٦٠ ؛ الطبري ١ : ٦٧٦ و ٦٨٢ / ١٤٧٣ و ١٤٨١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٢ / ١٠٧٤ ، إلى قوله : سَواءَ السَّبِيلِ والباقي في : ٢٠٤ / ١٠٨١.

(٢) النساء ٤ : ١١٠.

(٣) الدرّ ١ : ٢٦٠ ؛ الطبري ١ : ٦٧٧ / ١٤٧٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٣ / ١٠٧٦ ؛ ابن كثير ١ : ١٥٧ ، وفيه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ لا نبغيها ـ ثلاثا ـ ما أعطاكم الله خير ممّا أعطى بني إسرائيل ... والصلوات الخمس من الجمعة إلى الجمعة كفّارة لما بينهنّ ، ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة ، وإن عملها كتبت له عشر أمثالها. ولا يهلك على الله إلّا هالك ، فأنزل الله : (أَمْ تُرِيدُونَ ...) الآية.

٥٢٧

[٢ / ٢٩٨٥] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدّي قال : سألت العرب محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيهم بالله فيروه جهرة ، فنزلت هذه الآية. (١)

[٢ / ٢٩٨٦] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : سألت قريش محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا! فقال : «نعم ، وهو كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم ، فأبوا ورجعوا. فأنزل الله : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) أن يريهم الله جهرة». (٢)

[٢ / ٢٩٨٧] وأخرج مسلم في الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ذروني ما تركتكم ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه». (٣)

[٢ / ٢٩٨٨] وروى الطوسي عن الحسن في قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا ...) قال : عنى بذلك المشركين من العرب ، لمّا سألوه فقالوا : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً)(٤) وقالوا : (أَوْ نَرى رَبَّنا)(٥). (٦).

[٢ / ٢٩٨٩] وقال مقاتل بن سليمان : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) يعني يقول تريدون أن تسألوا محمّدا أن يريكم ربّكم جهرة (كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) كما قالت بنو إسرائيل لموسى أرنا الله جهرة (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ) يعني من يشتر (الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) يعني اليهود (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) يعني قد أخطأ قصد طريق الهدى كقوله ـ سبحانه ـ في القصص : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ)(٧)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٦١ ؛ الطبري ١ : ٦٧٦ / ١٤٧٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٣ / ١٠٧٧ ، وزاد : «وروي عن قتادة نحو ذلك».

(٢) الدرّ ١ : ٢٦١ ؛ الطبري ١ : ٦٧٧ / ١٤٧٦ ، بطرق ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٣ / ١٠٧٥ ؛ القرطبي ٢ : ٧٠ ، عن ابن عبّاس ومجاهد ، بلفظ : «سألوا أن يجعل لهم الصّفا ذهبا» ؛ ابن كثير ١ : ١٥٧ ، وزاد : وعن السدّي وقتادة نحو هذا. التبيان ١ : ٤٠٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٤٥.

(٣) مسلم ٤ : ١٠٢ ، كتاب الحجّ ، باب فرض الحج مرّة في العمر.

(٤) الإسراء ١٧ : ٩٢.

(٥) الفرقان ٢٥ : ٢١.

(٦) التبيان ١ : ٤٠٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٤٤.

(٧) القصص ٢٨ : ٢٢.

٥٢٨

يعني قصد الطريق. (١)

قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)

[٢ / ٢٩٩٠] وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) يقول : يتبدّل الشدّة بالرخاء. (٢)

[٢ / ٢٩٩١] وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) قال : عدل عن السبيل. (٣)

[٢ / ٢٩٩٢] وعن الفرّاء في قوله تعالى : (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) قال : أي ذهب عن قصد الطريق وسمته ، أي طريق طاعة الله عزوجل. (٤)

[٢ / ٢٩٩٣] وروي عن الحسن في قوله : (سَواءَ السَّبِيلِ) قال : معناه قصد الطريق. (٥)

قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً)

[٢ / ٢٩٩٤] قال مقاتل بن سليمان : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) وذلك أنّ نفرا من اليهود منهم فنحاص ، وزيد بن قيس ـ بعد قتال أحد ـ دعوا حذيفة ، وعمّارا إلى دينهم وقالوا لهما : إنّكما لن تصيبا خيرا للذي أصابهم يوم أحد من البلاء. وقالوا لهما : ديننا أفضل من دينكم ونحن أهدى منكم سبيلا. قال لهم عمّار : كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا : شديد. قال عمّار : فإنّي عاهدت ربّي أن لا أكفر بمحمّد أبدا ، ولا أتّبع دينا غير دينه. فقالت اليهود : أمّا عمّار فقد ضلّ وصبأ عن الهدى بعد إذ بصّره الله ، فكيف أنت يا حذيفة ، ألا تبايعنا؟ قال حذيفة : الله ربّي ومحمّد نبيّي والقرآن إمامي أطيع ربّي ، وأقتدي برسولي ، وأعمل بكتاب الله ربّي ، حتّى يأتيني اليقين على الإسلام والله السّلام ومنه السّلام.

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ١٣٠.

(٢) الدرّ ١ : ٢٦١ ؛ الطبري ١ : ٦٧٩ / ١٤٧٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٤ / ١٠٧٨ و ١٠٧٩.

(٣) الدرّ ١ : ٢٦١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٤ / ١٠٨٠.

(٤) القرطبي ٢ : ٧٠.

(٥) التبيان ١ : ٤٠٤.

٥٢٩

فقالوا : وإله موسى ، لقد أشربت قلوبكم حبّ محمّد.

فقال عمّار : ربّي أحمده ، وربّي أكرم محمّدا ، ومنه اشتق الجلالة ، إنّ محمّدا أحمد هو محمّد. ثمّ أتيا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبراه ، فقال : ما رددتما عليهما؟ فقالا : قلنا : الله ربّنا ، ومحمّد رسولنا ، والقرآن إمامنا ، الله نطيع ، وبمحمّد نقتدي ، وبكتاب الله نعمل! فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبتما أخا الخير ، وأفلحتما فأنزل الله ـ عزوجل ـ يحذر المؤمنين : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) في التوراة أنّ محمّدا نبيّ ودينه الإسلام. ثمّ قال سبحانه : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) يقول اتركوهم واصفحوا. يقول وأعرضوا عن اليهود (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) فأتى الله ـ عزوجل ـ بأمره في أهل قريظة : القتل والسبي وفي أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجنّاتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من القتل والجلاء (قَدِيرٌ). (١)

[٢ / ٢٩٩٥] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) قال : من بعد ما تبيّن لهم أنّ محمّدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل نعته وأمره ونبوّته ، ومن بعد ما تبيّن لهم أنّ الإسلام دين الله الذي جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) قال : أمر الله نبيّه أن يعفو عنهم ويصفح (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) فأنزل الله في براءة وأمره فقال : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(٢) الآية. فنسختها هذه الآية ، وأمره الله فيها بقتال أهل الكتاب حتّى يسلموا أو يقرّوا بالجزية. (٣)

[٢ / ٢٩٩٦] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عبّاس في قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) وقوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(٤) ونحو هذا في العفو عن المشركين قال : نسخ ذلك كلّه بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(٥) وقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ١٣٠ ـ ١٣١.

(٢) التوبة ٩ : ٢٩.

(٣) الدرّ ١ : ٢٦٢ ؛ الطبري ١ : ٦٨٤ / ١٤٨٣ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٨٦ / ١٠٨ ، مختصرا.

(٤) الأنعام ٦ : ١٠٦.

(٥) التوبة ٩ : ٢٩.

٥٣٠

وَجَدْتُمُوهُمْ)(١). (٢)

[٢ / ٢٩٩٧] وروي عن عطاء في قوله تعالى : (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) قال : يريد إجلاء النضير وقتل قريظة ، وفتح خيبر وفدك. (٣)

[٢ / ٢٩٩٨] روى أبو الفتوح قال : جاء رجل إلى النبيّ وقال : يا رسول الله! ما بالنا نكره الموت؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قدّم مالك فإنّ قلب كلّ امرء عند ماله. (٤)

[٢ / ٢٩٩٩] وروي في قوله : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) : إنّ العبد إذا مات ، قال الناس : ما خلّف ، وقالت الملائكة ما قدّم. (٥)

[٢ / ٣٠٠٠] وأخرج الثعلبي عن أنس بن مالك قال : دخل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام المقابر فقال : السّلام عليكم يا أهل القبور ، أموالكم قسّمت ، ودوركم سكنت ، وأزواجكم نكحت! فهذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم؟ فهتف هاتف : وعليكم السّلام ما أكلنا ربحنا ، وما قدّمنا وجدنا ، وما خلّفنا خسرنا. (٦)

__________________

(١) التوبة ٩ : ٥.

(٢) الدرّ ١ : ٢٦٢ ؛ الطبري ١ : ٦٨٥ / ١٤٨٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٦ / ١٠٨٩ ؛ القرطبي ٢ : ٧١ ، قال في قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) : هذه الآية منسوخة بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) إلى قوله : (صاغِرُونَ) ؛ ابن كثير ١ : ١٥٨ ، وكذا عن السدّيّ. وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدّيّ : أنّها منسوخة بآية السيف ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٠٩ ، بأنّها منسوخة بآية : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) عن ابن عبّاس برواية ابن أبي طلحة ؛ الدلائل ٢ : ٥٨٢ ، باب مبتدأ الإذعان بالقتال.

(٣) الوسيط ١ : ١٩١.

(٤) أبو الفتوح ٢ : ١١٢ ؛ الأمالي للسيّد المرتضى ١ : ١٩٨.

(٥) القرطبي ٢ : ٧٣ ؛ أبو الفتوح ٢ : ١١٢ ـ ١١٣ ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ الثعلبي ١ : ٢٥٩.

(٦) الثعلبي ١ : ٢٥٩ ؛ ابن عساكر ٢٧ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥ ، الترجمة ٣٢٤٦ في رواية سعيد بن مسيّب.

٥٣١

قال تعالى :

(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١١١) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣))

وهكذا يمضى السياق في تفنيد دعاوي أهل الكتاب : أنّهم لوحدهم على الهدى! في حين أنّ بعضهم ينفي البعض في وقاحة عارمة.

تزعم اليهود أنّهم على الحقّ ، يتبوّؤون من الجنّة حيثما شاؤوا. وهكذا تزعم النصارى أنّ الجنّة اختصّت بهم. نعم ، تلك أمانيّهم الخادعة. فإن زعموا أنّهم صادقون في ذلك فليأتوا ببرهان على دعواهم ، ولكن أنّى لهم بذلك وهم لا يملكون سوى دعاو فارغة.

(بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) : أخلص ذاته كلّها لله ووجّه مشاعره كلّها إليه (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في فعاله وصادق في نيّته (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عن هول المطّلع.

وقال كلّ من اليهود والنصارى : إنّ الفريق الآخر ليس على شيء : لا برهان له في دينه. وهذا الترامي والتقاذف من الفريقين ، ينبؤك عن جهلهما الموقع ، وكأنّهم ليسوا أهل دراسة وكتاب؟!

ومن ثمّ فإنّ قولتهم هذه تشبه قولة أمّة أمّيّة جاهلة لا يعلمون شيئا. نعم ، سوف يحاكمهم الله على هذا التحارش والتجاهل الشنيع. (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

***

[٢ / ٣٠٠١] أخرج ابن جرير عن الربيع في قوله : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) قال : أمانيّ تمنّوا على الله بغير

٥٣٢

الحقّ. (١)

[٢ / ٣٠٠٢] وأخرج عن قتادة في قوله : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) قال : أمانيّ يتمنّونها على الله كاذبة. (٢)

[٢ / ٣٠٠٣] وأخرج عن السدّي في قوله : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) قال : هاتوا حجّتكم. (٣)

[٢ / ٣٠٠٤] وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) قال : هاتوا بيّنتكم على ذلك. (٤)

[٢ / ٣٠٠٥] وقال مقاتل بن سليمان : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ) على ديننا (هُوداً أَوْ نَصارى) يقول الله ـ سبحانه ـ : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) يقول تمنّوا على الله فقال الله ـ عزوجل ـ لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) يعني حجّتكم من التوراة والإنجيل (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بما تقولون! فأكذبهم الله فقال : (بَلى) لكن يدخلها (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) يعني أخلص دينه لله (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عند الموت. (٥)

[٢ / ٣٠٠٦] وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) قال : قالت اليهود : لن يدخل الجنّة إلّا من كان يهوديّا. وقالت النصارى : لن يدخل الجنّة إلّا من كان نصرانيّا (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) قال : أمانيّ يتمنّونها على الله بغير حقّ (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) يعني حجّتكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بما تقولون أنّها كما تقولون (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) يقول : أخلص لله. (٦)

[٢ / ٣٠٠٧] وعن مجاهد في قوله : (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) قال : أخلص دينه. وكذا عن سعيد بن

__________________

(١) الطبري ١ : ٦٨٨ / ١٤٩٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٧ / ١٠٩٥ ، وعن أبي العالية ؛ ابن كثير ١ : ١٥٩ ؛ التبيان ١ : ٤١١ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٥٠.

(٢) الطبري ١ : ٦٨٨ / ١٤٩٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٧ / ١٠٩٥ ، كذا عن أبي العالية ، والربيع ؛ التبيان ١ : ٤١٠ ـ ٤١١ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٥٠.

(٣) الطبري ١ : ٦٨٩ / ١٤٩٥ ، وعن مجاهد والربيع ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٧ / ١٠٩٦ ، وعن أبي العالية.

(٤) ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٧ / ١٠٩٧ ؛ الطبري ١ : ٦٨٩ / ١٤٩٤.

(٥) تفسير مقاتل ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

(٦) الدرّ ١ : ٢٦٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٧ ـ ٢٠٨ / ١٠٩٤ ، ١٠٩٥ ، ١٠٩٦ ، ١٠٩٨ و ١٠٩٩ ، على الترتيب.

٥٣٣

جبير. (١)

[٢ / ٣٠٠٨] وأخرج الثعلبي عن مقاتل قال : أخلص دينه وعمله لله (٢). وهكذا قال الحسن. (٣)

[٢ / ٣٠٠٩] وروي عن ابن عبّاس في قوله : (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) قال : أخلص عمله لله (٤). وكذا عن الربيع. (٥)

[٢ / ٣٠١٠] وعن ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) قال : مؤمن موحّد مصدّق لما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (٦)

[٢ / ٣٠١١] وأخرج مسلم من حديث عائشة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا ، فهو ردّ». (٧)

[٢ / ٣٠١٢] وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : لمّا قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال رافع بن حريملة : ما أنتم على شيء وكفر بعيسى والإنجيل. فقال رجل من أهل نجران لليهود : ما أنتم على شيء وجحد نبوّة موسى وكفر بالتوراة ، فأنزل الله في ذلك : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) أي كلّ يتلو في كتابه تصديق من كفر به. (٨)

[٢ / ٣٠١٣] وقال مقاتل بن سليمان : (وَقالَتِ الْيَهُودُ) يعني ابن صوريا وأصحابه (لَيْسَتِ النَّصارى

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٦٣ ؛ ابن كثير ١ : ١٥٩ ؛ التبيان ١ : ٤١٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٨ / ١١٠٠.

(٢) الثعلبي ١ : ٢٥٩.

(٣) التبيان ١ : ٤١٣.

(٤) التبيان ١ : ٤١٣ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٥٢ ، بلفظ : «معناه من أخلص نفسه لله».

(٥) الطبري ١ : ٦٩٠ / ١٤٩٩.

(٦) الوسيط ١ : ١٩٣.

(٧) مسلم ٥ : ١٣٢ كتاب الأقضية ، باب نقض الأحكام الباطلة وردّ محدثات الأمور ؛ ابن كثير ١ : ١٥٩.

(٨) الدرّ ١ : ٢٦٣ ؛ الطبري ١ : ٦٩٢ ـ ٦٩٣ / ١٥٠٠ و ١٥٠٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٨ و ٢٠٩ / ١١٠٣ و ١١٠٦ ؛ القرطبي ٢ : ٧٦ ، رواه مختصرا ؛ التبيان ١ : ٤١٤ ؛ أبو الفتوح ٢ : ١١٩ ؛ الوسيط ١ : ١٩٣.

٥٣٤

عَلى شَيْءٍ) من الدين. فما لك يا محمّد؟ والنصارى اتّبعوا ديننا! (وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) من الدين فما لك يا محمّد؟ واليهود اتّبعوا ديننا! (وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ) يقول وهم يقرأون التوراة والإنجيل يعني يهود المدينة ونصارى نجران (كَذلِكَ) يعني هكذا (قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) بتوحيد ربّهم يعني مشركي العرب أنّ محمّدا وأصحابه ليسوا على شيء من الدّين. (١)

[٢ / ٣٠١٤] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) قال : هم العرب ، قالوا : ليس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شيء. (٢)

[٢ / ٣٠١٥] وأخرج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : من هؤلاء الّذين لا يعلمون؟ قال : أمم كانت قبل اليهود والنصارى. (٣)

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ١٣٢.

(٢) الطبري ١ : ٦٩٤ / ١٥٠٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٩ / ١١٠٧.

(٣) الطبري ١ : ٦٩٤ / ١٥٠٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٩ / ١١٠٨ ؛ الثعلبي ١ : ٢٦٠ ، وزاد : «مثل قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ونحوهم ، قالوا في نبيّهم إنّه ليس على شيء وأنّ الدّين ديننا».

٥٣٥

قال تعالى :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤))

والآية ترذيل لأيّ محاولة كانت للتهريج بين المسلمين والتفرقة في صفوفهم التراصّة ، وتبديد التفاهم حول محوريّة العقيدة الإسلاميّة العريقة.

فمن محاولاتهم الفاشلة ـ سواء أكانت من اليهود وسائر أهل الكتاب ، أم من رؤساء الشرك والنفاق من العرب ـ كان من محاولاتهم بثّ روح النفرة عن الدين ، والرغبة عن ركائز الفطرة والعقيدة الثابتة في نفوس المسلمين ، ليحولوا دون حضورهم الكاظّ من المساجد للعبادة .. سعيا وراء خرابها : إخلائها عن المصلّين وإجلاء المتعبّدين منها.

ولكن هيهات ، من حفر بئرا لأخيه ، وقع فيه. أولئك هم يستحقّون الإبعاد والمطاردة والحرمان من الأمن ، فلن يدخلوها إلّا خائفين ـ كالذي حدث عام الفتح ، حيث نادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ، فلجأ إليه المستأمنون من جبابرة قريش ، وكانوا قبل ذلك هم يصدّون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن معه ويمنعونهم زيارة بيت الله الحرام. وبذلك شملهم الخزي عاجلا قبل خزي الآخرة الشديد العظيم.

[٢ / ٣٠١٦] أخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : هؤلاء المشركون حين صدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن البيت يوم الحديبيّة. (١)

[٢ / ٣٠١٧] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) قال : هم النصارى ، كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس أن يصلّوا فيه. (٢)

__________________

(١) الطبري ١ : ٦٩٧ / ١٥١٣.

(٢) الدرّ ١ : ٢٦٤ ؛ الطبري ١ : ٦٩٦ / ١٥١٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢١٠ / ١١١٢ ؛ ابن كثير ١ : ١٦١.

٥٣٦

[٢ / ٣٠١٨] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : أولئك أعداء الله الروم ، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بخت نصّر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس! (١)

[٢ / ٣٠١٩] وقال مقاتل بن سليمان : (وَمَنْ أَظْلَمُ) نزلت في انطياخوس بن ببليس الرومي ومن معه من أهل الروم يقول : فلا أحد أظلم (مِمَّنْ مَنَعَ) يعني نصارى الروم (مَساجِدَ اللهِ) يعني بيت المقدس أن يصلّى فيه (أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) يعني التوحيد (وَسَعى فِي خَرابِها) وذلك أنّ الروم ظهروا على اليهود فقتلوهم وسبوهم وخرّبوا بيت المقدس وألقوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير. ثمّ كان على عهد الروم الثانية ططسر بن سناباتوس ويقال اصطفانوس ، فقتلهم وخرّب بيت المقدس فلم يعمر حتّى بناه المسلمون في زمان عمر بن الخطّاب؟! (٢)

[٢ / ٣٠٢٠] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ ...) الآية.

قال : هم الروم ، كانوا ظاهروا بخت نصّر على بيت المقدس. وفي قوله : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) قال : فليس في الأرض روميّ يدخله اليوم إلّا وهو خائف أن تضرب عنقه ، وقد أخيف بأداء الجزية فهو يؤدّيها. وفي قوله : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) قال : أمّا خزيهم في الدنيا ، فإنّه إذا قام المهديّ (!؟) وفتحت القسطنطينيّة (!؟) قتلهم. فذلك الخزي! (٣)

[٢ / ٣٠٢١] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ أخبر عن أهل الروم فقال : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) يعني الهوان إن لم تقتل مقاتلتهم وتسب ذراريهم بأيدي المسلمين في ثلاث مدائن : قسطنطينيّة والروميّة ومدينة أخرى وهي عموريّة فهذا خزيهم في الدنيا (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) من النار. (٤)

***

[٢ / ٣٠٢٢] وعن ابن عبّاس في قوله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) قال : هذا

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٦٥ ؛ الطبري ١ : ٦٩٦ / ١٥١١ ؛ الثعلبي ١ : ٢٦١.

(٢) تفسير مقاتل ١ : ١٣٢.

(٣) الدرّ ١ : ٢٦٤ ؛ الطبري ١ : ٦٩٧ / ١٥١٢ و ١٥١٥ و ١٥١٨ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٨٦ / ١٠٩ عن قتادة ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢١١ / ١١١٦ و ١١١٨ ؛ القرطبي ٢ : ٧٩ ، بلفظ : «الخزي لهم في الدنيا قيام المهديّ وفتح عمّوريّة وروميّة وقسطنطنيّة وغير ذلك من مدنهم» ؛ الثعلبي ١ : ٢٦١ ، عن قتادة والسدّي وزاد : من أجل أنّهم قتلوا يحيى بن زكريّا.

(٤) تفسير مقاتل ١ : ١٣٣.

٥٣٧

وعد من الله لنبيّه والمهاجرين ، يقول لهم : أفتح لكم مكّة حتّى تدخلوها آمنين ، وتكونوا أولى بها منهم. (١)

[٢ / ٣٠٢٣] وعن ابن زيد قال : نادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحجّنّ بعد العام مشرك ، ولا يطوفنّ بالبيت عريان ومن كان له أجل فأجله إلى مدّته» قال : فجعل المشركون يقولون : اللهمّ إنّا منعنا أن ننزل! (٢)

[٢ / ٣٠٢٤] وأخرج عبد الرزّاق وابن جرير عن قتادة في قوله : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. (٣)

[٢ / ٣٠٢٥] وروى العيّاشي عن محمّد بن يحيى في قوله : (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) يعني لا يقبلون الإيمان لا يقبلونه إلّا والسيف على رؤوسهم. (٤)

[٢ / ٣٠٢٦] وروى عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام : إنّه أراد جميع الأرض لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا». (٥)

[٢ / ٣٠٢٧] وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه عن بسر بن أرطاة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو : «اللهمّ أحسن عاقبتنا في الأمور كلّها ، وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة». (٦)

__________________

(١) الوسيط ١ : ١٩٣.

(٢) الطبري ١ : ٦٩٩ / ١٥١٦ ؛ القرطبي ٢ : ٧٩ ؛ ابن كثير ١ : ١٦١ ؛ التبيان ١ : ٤١٩ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٥٦ ؛ البغوي ١ : ١٥٧ / ٧٥ ، بلفظ : وأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديا ينادى : ألا لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك ، فهذا خوفهم ؛ أبو الفتوح ٢ : ١٢٢.

(٣) الدرّ ١ : ٢٦٥ ؛ الطبري ١ : ٦٩٩ / ١٥١٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢١١ / ١١١٩ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٨٦ ، ر ١٠٩ ؛ التبيان ١ : ٤٢٠ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٥٦.

(٤) العيّاشي ١ : ٧٥ / ٧٩ ؛ الصافي ١ : ٢٦٩ ، عن العيّاشي ؛ البحار ٩٧ : ٢٦ / ٢٩ ، باب ٢.

(٥) نور الثقلين ١ : ١١٧ / ٣١٧ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٥٥ / ٣٥٦ ؛ التبيان ١ : ٤١٧ ـ ٤١٨ ؛ الصافي ١ : ٢٦٨. وزاد : «أقول وهو عامّ لكلّ مسجد وكلّ مانع ، وإن نزل خاصّا» ؛ كنز الدقائق ٢ : ١٢٣ ؛ البحار ٨٠ : ٣٤٠ ، باب ٨ ، قال المجلسي : اللفظ يقتضي العموم في كلّ من المسجد والمانع والذكر.

(٦) الدرّ ١ : ٢٦٥ ؛ مسند أحمد ٤ : ١٨١ ؛ التاريخ ١ : ٣٠ / ٤٢ ؛ الحاكم ٣ : ٥٩١ ، كتاب معرفة الصحابة ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ١٧٨ ، قال الهيثمي : رواه أحمد والطبراني ... ورجال أحمد وأحد أسانيد الطبراني ثقات ؛ ابن كثير ١ : ١٦٢.

٥٣٨

[٢ / ١٣٠٢٨] وروي عن الإمام العسكري عليه‌السلام قال : «قال الحسن بن عليّ عليه‌السلام : لمّا بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة وأظهر بها دعوته ، ونشر بها كلمته ، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام ، واجدوه وأساؤوا معاشرته وسعوا في خراب المساجد المبنية ، كانت لقوم من خيار أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون ، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها وإيذاء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر أصحابه وألجأوه إلى الخروج من مكّة نحو المدينة.

فلمّا خرج التفت خلفه وقال : «الله يعلم أنّي أحبّك ، ولو لا أنّ أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا ولا ابتغيت عنك بدلا ، وإنّي لمغتمّ على مفارقتك» ، فأوحى الله إليه : يا محمّد إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السّلام ويقول : سأردّك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما قادرا قاهرا ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ)(١) يعني إلى مكّة غانما ظافرا ، فأخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه ، فاتّصل بأهل مكّة ، فسخروا منه ، فقال تعالى لرسوله : سوف أظفرك بمكّة وأجري عليهم حكمي وسوف أمنع من دخولها المشركين حتّى لا يدخلها أحد منهم إلّا خائفا إن دخلها مستخفيا من أنّه إن عثر عليه قتل.

فلمّا حتم قضاء الله بفتح مكّة واستوسقت (٢) له ، أمّر عليهم عتّاب بن أسيد (٣) ، فلمّا اتّصل بهم خبره قالوا : إنّ محمّدا لا يزال يستخفّ بنا حتّى ولّى علينا غلاما حدث السن ، ابن ثماني عشرة سنة ، ونحن مشايخ ذوو الأسنان وخدّام بيت الله الحرام ، وجيران حرمه الآمن ، خير بقعة على وجه الأرض. وكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعتّاب بن أسيد عهدا على أهل مكّة وكتب في أوّله : بسم الله الرحمان الرحيم ، من محمّد رسول الله إلى جيران بيت الله وسكّان حرم الله ، أمّا بعد ، وذكر العهد ، وقرأه عتّاب على أهل مكّة.

__________________

(١) القصص ٢٨ : ٨٥.

(٢) استوسق الأمر : انتظم وأمكن. «المعجم الوسيط ـ مادة وسق».

(٣) عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، القرشيّ الأموي ، يكنّى أبا عبد الرحمان ، وقيل : أبو محمّد. أسلم يوم فتح مكّة ، واستعمله النبيّ عليها لمّا سار إلى حنين وبقي على مكة إلى أن توفّي رسول الله فأقرّه أبو بكر عليها ، فاستمرّ فيها إلى أن مات يوم مات أبو بكر في ١٣ ه‍ ، وقيل في ٢٣ ه‍ ؛ الكامل في التاريخ : ٢ : ٢٦٢ ؛ الإصابة ٤ : ٢١١ / ٥٣٨٣ ؛ أسد الغابة ٣ : ٤٥١ (٣٥٣٢).

٥٣٩

ثمّ قال الإمام عليه‌السلام بعد ذلك : ثمّ بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعشر آيات من سورة براءة مع أبي بكر ، وفيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين وتحريم قرب مكّة على المشركين ، وأمّر أبا بكر على الحجّ ليحجّ بمن ضمّه الموسم ويقرأ الآيات عليهم ، فلمّا صدر عنه أبو بكر جاءه جبرائيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمّد إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السّلام ويقول : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك ، فابعث عليّا ليتناول الآيات ، فيكون هو الذي ينبذ العهود ويقرأ الآيات ... ولقي أبو بكر بعد ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : بأبي أنت وأمّي يا رسول الله ، أنت أمّرت عليّا أن يأخذ الآيات؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ولكنّ العليّ العظيم أمرني ألّا ينوب عنّي إلّا من هو منّي ... فسرّي (١) بذلك عن أبي بكر.

قال : فمضى عليّ عليه‌السلام لأمر الله ونبذ العهود إلى أعداء الله وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله ، وكانوا عددا كثيرا وجمّا غفيرا غشّاه الله نوره وكساه فيهم هيبة وجلالا ، لم يجسروا معها على إظهار خلاف ولا قصد بسوء ، قال : وذلك قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) وهي مساجد خيار المؤمنين بمكّة لمّا منعوهم من التعبّد فيها بأن ألجأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الخروج من مكّة (وَسَعى فِي خَرابِها) خراب تلك المساجد لئلّا تعمر بطاعة الله ، قال الله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) أن يدخلوا بقاع تلك المساجد في الحرم إلّا خائفين من عذابه وحكمه النافذ عليهم إن يدخلوها كافرين بسيوفه وسياطه (لَهُمْ) لهؤلاء المشركين (فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) ، وهو طرده إيّاهم عن الحرم ومنعهم أن يعودوا إليه (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)». (٢)

__________________

(١) سرّي عنه : انكشف عنه الهمّ. «القاموس المحيط ـ مادة سرو».

(٢) تفسير الإمام : ٥٥٤ ـ ٥٦٠ ؛ البحار ٢١ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، و ٣٥ : ٢٩٧ ـ ٢٩٨.

٥٤٠