التفسير الأثري الجامع - ج ٣

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-04-3
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٧٦

نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئا» (١).

فقد تبيّن بذلك أنّ الله ـ جل ثناؤه ـ قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم ، وأنّ قوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) إنّما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله ـ عزوجل ـ وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشفاعة والوعد والوعيد ، فنستقصي الحجاج في ذلك ، وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء الله تعالى (٢).

وسوف في نهاية تفسير الآية نتعرّض لمسألة الشفاعة والنظر في أطرافها بما يتناسب وضرورة البحث هنا ، نظرا لشبهات أثيرت حولها من الأجانب وبعض المنتحلين للإسلام بصورة شكليّة ، فيتصوّرون من مسألة الشفاعة ما تعارفته أوساطهم العامّيّة من المحاباة في الدين والمداهنة مع الآثمين.

كلّا ، إنّها ابتغاء الوسيلة إليه ـ سبحانه ـ شفعا لما يقدّمه العبد التائب إلى الله من حسنات وتوبة واستغفار.

قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٣).

هذه هي الشفاعة المقبولة المأذون فيها ، فلا ييأس عبد تائب آئب إلى الله لتشمله رحمة الله الواسعة .. (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ)(٤). وسوف توافيك بقيّة الكلام.

قوله تعالى : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ)

قال أبو جعفر : والعدل في كلام العرب بفتح العين : الفدية. كما :

[٢ / ١٧٠٦] عن أبي العالية في قوله : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) قال : يعني فداء.

[٢ / ١٧٠٧] وعن السدّي قال : أمّا عدل فيعدلها من العدل ، يقول : لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها.

__________________

(١) مسند أحمد ٤ : ٤١٦ ؛ أبو يعلى ٤ : ٢١٥ ، كنز العمّال ١٤ : ٣٩١ / ٣٩٠٤٦ ، كلّهم بتفاوت.

(٢) الطبري ١ : ٣٧٩ ـ ٣٨٣.

(٣) النساء ٤ : ٦٤.

(٤) يوسف ١٢ : ٨٧.

٢١

[٢ / ١٧٠٨] وعن قتادة قال : لو جاءت بكلّ شيء لم يقبل منها.

[٢ / ١٧٠٩] وعن ابن عبّاس قال : بدل ، والبدل : الفدية.

[٢ / ١٧١٠] وعن ابن زيد قال : لو أنّ لها ملء الأرض ذهبا لم يقبل منها فداء. قال : ولو جاءت بكلّ شيء لم يقبل منها.

[٢ / ١٧١١] وعن عمرو بن قيس الملائي ، عن رجل من أهل الشام أحسن عليه الثناء ، قال : قيل يا رسول الله ما العدل؟ قال : «العدل : الفدية».

قال أبو جعفر : وإنّما قيل للفدية من الشيء والبدل منه عدل ، لمعادلته إيّاه ، وهو من غير جنسه ، ومصيره له مثلا من وجه الجزاء ، لا من وجه المشابهة في الصورة والخلقة ، كما قال ـ جلّ ثناؤه ـ : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها)(١) بمعنى : وإن تفد كلّ فدية لا يؤخذ منها ، يقال : هذا عدله وعديله. وأمّا العدل بكسر العين ، فهو مثل الحمل المحمول على الظهر ، يقال : عندي غلام عدل غلامك ، وشاة عدل شاتك بكسر العين ، إذا كان غلام يعدل غلاما ، وشاة تعدل شاة ، وكذلك في كلّ مثل للشيء من جنسه ، فإذا أريد أنّ عنده قيمته من غير جنسه فتحت العين فقيل : عندي عدل شاتك من الدراهم. وقد ذكر عن بعض العرب : أنّه يكسر العين من العدل الذي هو بمعنى الفدية ، لمعادلة ما عادله من جهة الجزاء ، وذلك لتقارب معنى العدل والعدل عندهم ، فأمّا واحد الأعدال فلم يسمع فيه إلّا عدل بكسر العين (٢).

[٢ / ١٧١٢] وروى العيّاشي بإسناده إلى إبراهيم بن فضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «العدل ، في قول أبي جعفر عليه‌السلام : الفداء» (٣).

[٢ / ١٧١٣] وهكذا روي عن أبي محمّد العسكري عليه‌السلام قال : «لا يؤخذ منها عدل ، لا يقبل منها فداء مكانه يمات ويترك هو فداء» (٤).

[٢ / ١٧١٤] وروى الصدوق بإسناده إلى أميّة بن يزيد القرشي قال : «قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما العدل

__________________

(١) الأنعام ٦ : ٧٠.

(٢) الطبري ١ : ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ، بتصرّف وتخليص.

(٣) العيّاشي ١ : ٧٦ / ٨٦ ؛ نور الثقلين ١ : ٧٧ / ١٨٩. البحار ٨ : ٦١ / ٨٤.

(٤) تفسير الإمام : ٢٤١ / ١١٩ ؛ البرهان ١ : ٢١٢ / ٤.

٢٢

يا رسول الله؟ قال : الفدية» (١).

[٢ / ١٧١٥] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) يعني فداء كفعل أهل الدنيا بعضهم من بعض (٢).

قوله تعالى : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)

قال أبو جعفر : وتأويل قوله : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يعني أنّهم يومئذ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية ؛ فقد بطلت هنالك المحاباة واضمحلّت الرّشا والشفاعات ، وارتفع بين القوم التعاون والتناصر ، وصار الحكم إلى العدل الجبّار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيّئة مثلها وبالحسنة أضعافها. وذلك نظير قوله ـ جلّ ثناؤه ـ : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ. ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ. بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)(٣).

[٢ / ١٧١٦] وكان ابن عبّاس يقول في معنى قوله : (لا تَناصَرُونَ)(٤) : ما لكم لا تمانعون منّا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم!

وقد قال بعضهم في معنى قوله : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) : وليس لهم من الله يومئذ نصير ينتصر لهم من الله إذا عاقبهم. وقد قيل : ولا هم ينصرون بالطلب فيهم والشفاعة والفدية.

قال أبو جعفر : والقول الأوّل أولى بتأويل الآية ، لما وصفنا من أنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ إنّما أعلم المخاطبين بهذه الآية أنّ يوم القيامة يوم لا فدية لمن استحقّ من خلقه عقوبته ، ولا شفاعة فيه ، ولا ناصر له. وذلك قد كان لهم في الدنيا ، فأخبر أنّ ذلك يوم القيامة معدوم لا سبيل لهم إليه (٥).

[٢ / ١٧١٧] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يقول : ولا هم يمنعون من العذاب (٦).

[٢ / ١٧١٨] وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) قال : يوم القيامة (٧).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٦٥ / ٢ ؛ البحار ٢٧ : ٦٦.

(٢) تفسير مقاتل ١ : ١٠٣.

(٣) الصافات ٣٧ : ٢٤ ـ ٢٦.

(٤) الصافات ٣٧ : ٢٥.

(٥) الطبري ١ : ٣٨٤.

(٦) تفسير مقاتل ١ : ١٠٣.

(٧) ابن أبي حاتم ١ : ١٠٥ / ٥٠٤.

٢٣

ملحوظة

وهناك وردت أحاديث بشأن الصرف والعدل الواردين في الحديث المعروف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢ / ١٧١٩] قال : «من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل منه عدل ولا صرف يوم القيامة! (١)

فقيل : يا رسول الله ، ما الحدث؟ قال : من قتل نفسا بغير نفس ، أو مثّل مثلة بغير قود ، أو ابتدع بدعة بغير سنّة ، أو انتهب نهبة ذات شرف!

فقيل : ما العدل ، يا رسول الله؟ قال : الفدية .. وقيل : ما الصرف ، يا رسول الله؟ قال : التوبة».

رواه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين ابن بابويه الصدوق عن أبي نصر محمّد بن أحمد بن تميم السرخسي الفقيه بسرخس ، قال : حدّثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي ، قال : حدّثنا إسحاق بن إسرائيل ، قال : حدّثنا سيف بن هارون البرجمي عن عمرو بن قيس الملائي عن أميّة بن يزيد القرشي ، قال : قال رسول الله .. وساق الحديث (٢).

[٢ / ١٧٢٠] وهكذا روى عبد الرزّاق الصنعاني عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «المدينة حرام ما بين عير إلى ثور ، من أحدث فيها أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل منه صرف ولا عدل.

قال : ومن تولّى قوما بغير إذن مواليهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.

قال : وذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم. فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل منه عدل ولا صرف.

قال : الصرف والعدل : التطوّع والفريضة» (٣).

__________________

(١) راجع : البحار ٧٦ : ٢٧٤ ـ ٢٧٦ ، باب ١٠٤ ، من أحدث حدثا.

(٢) معاني الأخبار : ٢٦٥ / ٢ ، باب معنى قول النبيّ : من أحدث حدثا.

(٣) المصنّف لعبد الرزّاق ٩ : ٢٦٣ / ١٧١٥٣ ، باب ١٨ (حرمة المدينة). عير وثور : جبلان في طرفي المدينة.

٢٤

[٢ / ١٧٢١] وروى عن ابن جريج قال : حدّثنا الإمام جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم‌السلام : «من آوى محدثا لم يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل. ومن تولّى غير مواليه فقد كفر بما أنزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال ابن جريج : قلت لجعفر : من آوى محدثا ، الّذي يقتل؟ قال : نعم (١).

[٢ / ١٧٢٢] وروي عن معمر عن قتادة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أحدث حدثا أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

قال معمر : وقال جعفر بن محمّد : قيل : «يا رسول الله : ما المحدث؟ قال : من جلد بغير حدّ أو قتل بغير حقّ» (٢).

[٢ / ١٧٢٣] وروى عن ابن جريج عن عبد الكريم أبي أميّة عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا ، أو تولّى مولى قوم بغير إذنهم ، فعليه لعنة الله ، لا صرف عنها ولا عدل».

قال ابن عوف : وما الحدث يا رسول الله؟ قال : «من انتهب نهبة يرفع لها الناس أبصارهم ، أو مثّل بغير حدّ أو سنّ سنّة لم تكن».

قال ابن جريج : قلت : لعبد الكريم : قوله : من أحدث فيها؟ قال : مكّة الحرام! وزاد آخرون عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أو قتل بغير حقّ (٣).

* * *

[٢ / ١٧٢٤] وهكذا روى العيّاشي بالإسناد إلى أسباط الزطّي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصرف : النافلة والعدل : الفريضة» (٤).

[٢ / ١٧٢٥] وبالإسناد إلى يعقوب الأحمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا قال : العدل : الفريضة (٥).

__________________

(١) المصدر ١٠ : ٢٠٧ / ١٨٨٤٧ ، باب ١٩١ ، (النهبة ومن آوى محدثا).

(٢) المصدر : ٢٠٧ / ١٨٨٤٨ ، باب ١٩١.

(٣) المصدر : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ / ١٨٨٤٦ ، باب ١٩١.

(٤) العيّاشي ١ : ٧٦ / ٨٧ ؛ البحار ٨ : ٦١ / ٨٥ ، باب ٢١.

(٥) نور الثقلين ١ : ٧٧ ؛ العيّاشي ١ : ٧٦ / ٨٥ ؛ البحار ٨ : ٦١ / ٨٣ ، باب ٢١.

٢٥

[٢ / ١٧٢٦] وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : قال أبو مسلم : الصرف : التوبة ، والعدل : الفداء (١).

[٢ / ١٧٢٧] وقال أبو عليّ الطبرسيّ : وأمّا ما جاء في الحديث : لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، فاختلف في معناه ؛ قال الحسن : الصرف : العمل ، والعدل : الفدية. وقال الأصمعي : الصرف : التطوّع ، والعدل : الفريضة. وقال أبو عبيدة : الصرف : الحيلة ، والعدل : الفدية. وقال الكلبي : الصرف : الفدية والعدل : رجل مكانه! (٢).

[٢ / ١٧٢٨] وذكر الحافظ ابن كثير ـ تعقيبا على المرويّ عن عليّ عليه‌السلام في تفسير الصرف والعدل بالتطوّع والفريضة ـ (٣) : وهكذا قال الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة عن عمير بن هانئ (٤).

ثمّ قال : وهذا القول غريب هاهنا. والقول الأوّل (تفسير العدل بالفداء) أظهر في تفسير هذه الآية ، وقد ورد حديث يقويه! وهو ما رواه ابن جرير آنفا عن رجل من أهل الشام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «العدل الفدية» (٥).

كلام في الشفاعة حسب المستفاد من الكتاب والسنّة

الشفاعة مأخوذة من الشفع بمعنى الردف ، أي مواكبة شيء لشيء واجتماعهما معا في سبيل البلوغ إلى الهدف المطلوب.

والاستشفاع في مصطلح أصحاب الشرائع ، هي محاولة إرداف العمل أو الدعاء ، لما يوجب سرعة في الاستجابة والقبول لديه تعالى. وبعبارة : هي ابتغاء الوسيلة إليه تعالى منضمّة إلى العمل الصالح يقدّمه ، أو الدعاء وطلب الحاجة يرجو القبول والاستجابة.

__________________

(١) التبيان ١ : ٢١٧.

(٢) مجمع البيان ١ : ٢٠٢.

(٣) ابن كثير ١ : ٩٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٠٥ / ٥٠٢.

(٤) ابن كثير ١ : ٩٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٠٥ / ٥٠٣ ، بلفظ : «لا فريضة ولا نافلة».

(٥) ابن كثير ١ : ٩٣.

٢٦

فالشفاعة لا تكون إلّا حيث يرى العبد من عمله قاصرا فيرجو إكماله بتلك المقارنة المباركة. الأمر الّذي حثّ عليه الكتاب والسنّة الشريفة ، بتأكيد بالغ.

والسرّ في هذا الحثّ البليغ ، أنّ العبد بما أنّه محدود أرضيّ ، قد يقصر أو يتقاصر في تجميع هممه نحو بلوغ الكمال عبر الآفات ، فكان من مقام لطفه تعالى أن يمدّه بمساعدات تأخذ بيده وتجعله بحيث يتسارع نحو مطلوبه وبلوغ إربه.

فهناك أزمان شريفة ـ كالأسحار ـ تجعل من الدعاء والاستغفار في أوقاتها أسرع إجابة وأقرب للقبول. (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(١).

وهكذا الأمكنة الشريفة تساعد على سرعة الإجابة والقبول ، كالمساجد وفناء الكعبة وكلّ مشعر من مشاعر الله ، جاء الدعاء فيها والإنابة والاستغفار مندوبا إليه في الشريعة المقدّسة. (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ)(٢).

وإذا كانت الأزمنة الشريفة والأمكنة الشريفة ذوات أثر في تسريع الإجابة وبلوغ الآمال في الدعاء والإنابة ، فأين أنت من إنسان شريف ـ وهو أشرف مخلوق ـ أن يكون ردف دعائه لدعاء العبد المستنيب ذا أثر في الإجابة والقبول؟!

قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٣).

وهذه هي الشفاعة تجعل من ردف الدعاء بزمان شريف أو مكان شريف أو إنسان شريف ، أسرع إجابة وأقرب للقبول.

تلك هي الشفاعة في هذه الحياة الدنيا ، وعلى غرارها الشفاعة في الآخرة ، تجعل من شفاعة الرسول وسائر الأولياء المقرّبين ، ما يوجب كمال العبد فيما قدّمه من أعمال وحسنات ، قد تقصر عن درجة القبول لو لا شفاعة الشافعين.

__________________

(١) الذاريات ٥١ : ١٨.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٨.

(٣) النساء ٤ : ٦٤.

٢٧

وقد صحّ عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه خبأ شفاعته للمذنبين من أمّته ، (١) أي شفاعته الكبرى الشاملة. ادّخرها للأمّة لذلك اليوم الرهيب. الأمر الذي وعده الله تعالى في كتابه العزيز بقوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٢). اتّفقت الروايات عن الأئمّة على أنّها الشفاعة (٣).

والروايات بهذا الشأن كثيرة جدّا كثرة تفوق حدّ التواتر ، وقبل أن نخوض البحث ينبغي تحديد مسألة الشفاعة ـ المقبولة شرعيّا ـ فلا يعلوها كدر الأوهام.

تعريف بالشفاعة

الشفاعة ـ كما نبّهنا عليه ـ هي مقارنة عمل أو دعاء بما يوجب كماله المستدعي لسرعة الإجابة أو القبول. فلو لا أنّ المستشفع يقدّم بعمل صالح أو يقوم بابتهال ضارع إلى الله ، ويجعله مقترنا بزمان شريف أو مكان شريف أو بدعاء إنسان شريف ، لم تتصادق هناك شفاعة ولا استشفاع.

فالذي يرجو شفاعة الأولياء في غفران ذنوبه ، من غير أن يمهّد لذلك أسبابه ولا شرائطه المؤاتية له ، لا تصدق بشأنه الشفاعة ولا هو مستشفع البتّة. وإنّما هو يهدف عبثا ولم يرم مرماه.

***

وعليه فلا موضع للإشكال بأنّ مسألة الشفاعة ممّا يبعث أهل الذنوب على التجرّي بارتكاب المزيد من الآثام ، رجاء أن تشملهم الشفاعة الموعود بها .. وما هذا إلّا إغراء بالمعاصي.

غير أنّ هذا الإشكال غير وارد ، بعد اختصاص الشفاعة بالآئبين التائبين والمستغفرين بالأسحار ، وقد ندموا على ما فرط منهم من ذنوب وآثام كانوا ألمّوا بها إلماما ، وعلى خلاف دئوبهم على الطاعة والاستسلام لله تعالى.

(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٤).

__________________

(١) حديث متّفق عليه. قال الطبرسي : تلقّته الأمّة بالقبول. مجمع البيان ١ : ٢٠١. وذكرته عامّة الصحاح. راجع : مسند أحمد ١ : ٢٨١.

(٢) الضحى ٩٣ : ٥.

(٣) راجع : تفسير الآلوسي ٣٠ : ١٦٠.

(٤) آل عمران ٣ : ١٣٥.

٢٨

فهؤلاء التائبون النادمون على ما فرط منهم العازمون على أن لا يعودوا لمثله. هؤلاء تنفعهم شفاعة الشافعين. لا الّذين هم صفر اليد ، قد خسروا أنفسهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا ، وكانوا يصرّون على الحنث العظيم. فهؤلاء لا موضع للشفاعة بشأنهم ، إذ لم يمهّدوا لها السبيل.

إنّ مسألة الشفاعة نظير الوعد بقبول التوبة والمغفرة توجب خلق الرجاء في نفوس العباد فلا ييأسوا عن شمول رحمته تعالى ، وليكونوا دائما على رجاء رأفة ربّهم الكريم. ولكن على شرط أن يدنوا منه خطوة فيدنو منهم خطوات وهو أقرب إليهم من حبل الوريد. فلا تجذبهم حبائل الشيطان فينسحبوا خاسرين. (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ)(١). (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٢).

إذن فالوعد بالشفاعة نظير الوعد بالمغفرة الشاملة ، استعطاف بالعباد ، ليردعوا وينتهوا عن جهالات فرطت منهم ، فلا يعودوا لما نهوا عنه. (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(٣). وهذا على عكس ما زعمه المعترض من إيجاب التجرئة والإغراء.

شرائط مشروعيّة الشفاعة

لمشروعيّة الشفاعة شرائط يجب توفّرها في كلّ من الشفيع والمستشفع ومورد الشفاعة.

أمّا الشفيع فيجب أن يكون منصوصا عليه ومأذونا من قبله تعالى. (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ)(٤). (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(٥).

وبذلك تفترق الشفاعة المشروعة من غير المشروعة ، بفقد هذا الأخير دليل اعتبارها.

وفي ذلك ردّ على المشركين في الاستشفاع بما لا حجّة لهم فيه : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٨٧.

(٢) العنكبوت ٢٩ : ٢٣.

(٣) المائدة ٥ : ٩٥.

(٤) يونس ١٠ : ٣.

(٥) مريم ١٩ : ٨٧.

٢٩

الْأَرْضِ)(١). (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ)(٢).

ومن ثمّ كان الاستشفاع بمقام الرسالة مستندا إلى برهان ، كما جاء في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٣). إلى غيرها من آيات وروايات تواترت بشأن الصالحين من عباد الله المكرمين.

وأمّا المستشفع فيجب أن يتوفّر فيه شرائط التائب النصوح ، إذ سبيل الاستشفاع سبيل التوبة والإنابة ، منضمّا إليه ابتغاء الوسيلة الناجعة. فاعتبار الشرائط فيه آكد. ومن ثمّ يجب أن يكون متندّما على ما فرط منه في جنب الله. وقد تدارك ما فرّط فيه أو أفرط ، وأصلح ما أفسد ، ليكون قد مهّد سبيل الإنابة والاستغفار.

وأمّا محلّ الشفاعة ، فهو كلّ عمل خير أريد به وجه الله. فلا شفاعة في باطل. قال تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها)(٤).

وعلى هذا التفصيل جاءت الآيات الكريمة وتواترت الروايات عن النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترته الطيّبين.

***

قال العلّامة ـ قدّس الله روحه ـ في شرحه على التجريد : اتّفقت العلماء على ثبوت الشفاعة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وعليه قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(٥) قيل : إنّه الشفاعة ، واختلفوا فقالت الوعيديّة : إنّها عبارة عن طلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب ، وذهبت التفضّليّة إلى أنّ الشفاعة للفسّاق من هذه الأمّة في إسقاط عقابهم ، وهو الحقّ.

وأبطل المصنّف الأوّل بأنّ الشّفاعة لو كانت في زيادة المنافع لا غير لكنّا شافعين في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث نطلب له من الله تعالى علوّ الدرجات ، والتالي باطل قطعا لأنّ الشافع أعلى من المشفوع فيه ، فالمقدّم مثله.

__________________

(١) يونس ١٠ : ١٨.

(٢) النجم ٥٣ : ٢٣.

(٣) النساء ٤ : ٦٤.

(٤) النساء ٤ : ٨٥.

(٥) الإسراء ١٧ : ٧٩.

٣٠

وقد استدلّوا بوجوه : الأوّل قوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ)(١). نفى الله تعالى قبول الشفاعة عن الظالمين ، والفاسق ظالم. والجواب : أنّه تعالى نفى الشفيع المطاع ، ونحن نقول به ، لأنّه ليس في الآخرة شفيع يطاع ، لأنّ المطاع فوق المطيع ، والله تعالى فوق كلّ موجود ولا أحد فوقه ، ولا يلزم من نفي الشفيع المطاع نفي الشفيع المجاب ، سلّمنا لكن لم لا يجوز أن يكون المراد بالظالمين هنا الكفّار جمعا بين الأدلّة؟

الثاني قوله تعالى : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)(٢) ولو شفع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفاسق لكان ناصرا له.

الثالث قوله تعالى : (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ)(٣)(يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(٤)(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ)(٥).

والجواب عن هذه الآيات كلّها : أنّها مختصّة بالكفّار جمعا بين الأدلّة.

الرابع قوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)(٦) نفى شفاعة الملائكة من غير المرضيّ لله تعالى ، والفاسق غير مرضيّ.

والجواب : لا نسلّم أنّ الفاسق غير مرضيّ ، بل هو مرضيّ لله تعالى في إيمانه.

وقال المحقّق الطوسيّ رحمه‌الله : والحقّ صدق الشفاعة فيهما ، أي لزيادة المنافع ، وإسقاط المضارّ ، وثبوت الثاني له عليه‌السلام بقوله : ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي (٧).

***

وقال النوويّ في شرحه على صحيح مسلم : قال القاضي عياض : مذهب أهل السنّة جواز الشفاعة عقلا ووجوبها سمعا بصريح الآيات ، وبخبر الصادق ، وقد جاءت الآثار الّتي بلغت بمجموعها التواتر بصحّة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف والخلف ومن بعدهم من أهل السنّة عليها ، ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها ، وتعلّقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين

__________________

(١) غافر ٤٠ : ١٨.

(٢) البقرة ٢ : ٢٧٠ ، آل عمران ٣ : ١٩٢ ، المائدة ٥ : ٧٢.

(٣) البقرة ٢ : ١٢٣.

(٤) البقرة ٢ : ١٢٣.

(٥) المدّثر ٧٤ : ٤٨.

(٦) الأنبياء ٢١ : ٢٨.

(٧) شرح التجريد ، المسألة العاشرة : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ (ط : بمباى).

٣١

في النار ، واحتجّوا بقوله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ)(١) وأمثاله وهي في الكفّار ، وأمّا تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل ، وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم ، وإخراج من استوجب النار.

لكنّ الشفاعة خمسة أقسام : أوّلها مختصّة بنبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الإراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب.

الثانية : في إدخال قوم الجنّة بغير حساب ، وهذه أيضا وردت لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثالثة : الشفاعة لقوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن يشاء الله.

الرابعة : فيمن دخل النّار من المؤمنين ، وقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والملائكة وإخوانهم من المؤمنين ، ثمّ يخرج الله تعالى كلّ من قال : لا إله إلّا الله كما جاء في الحديث : لا يبقى فيها إلّا الكافرون.

الخامسة : الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنّة لأهلها ، وهذه لا ينكرها المعتزلة ولا ينكرون أيضا شفاعة الحشر الأولى (٢).

آيات الشفاعة

منها المصرّحة بلفظ الشفاعة ـ على مختلف تصاريفها ـ وهي الأكثر. ومنها ما نوّهت عنها محضا.

ومن هذا الأخير قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(٣). والمقام المحمود الموعود بها هو مقام الشفاعة تشرّف به نبيّنا العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك اليوم الرهيب.

__________________

(١) المدّثر ٧٤ : ٤٨.

(٢) شرح صحيح مسلم ، النووي ٣ : ٣٥ ـ ٣٦. وراجع صحيح مسلم أيضا ١ : ١١٧ ، باب إثبات الشفاعة ، وكتاب الشفا ، القاضي عياض ١ : ١٧٦ ـ ١٨٤. (ط : تركيا سنة ١٣٢٤ ه‍ ق) وشرحه لملّا علي القاري ١ : ٢٦٢ ـ ٢٧١. (ط : تركيا ـ المطبعة العامرة ١٢٨٥ ه‍. ق) سنه.

(٣) الإسراء ١٧ : ٧٩.

٣٢

وقوله تعالى : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ. يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١).

أي لا تغني شفاعتهم شيئا كما في قوله تعالى : (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)(٢).

وقوله تعالى بشأن استغفار الرسول للتائبين المستغفرين : (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)(٣). وكذا استغفار الملائكة للمؤمنين : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)(٤). (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ)(٥). واستغفار النبيّ للمؤمنين عامّة : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)(٦). (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ)(٧). وكذلك استغفار يعقوب لبنيه : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ. قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(٨). كلّ ذلك من الشفاعة المقبولة.

وهكذا قوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً)(٩). ترجو الشفاعة كما في الحديث عن الباقر عليه‌السلام (١٠).

أمّا المصرّحة بلفظ الشفاعة ، فمنها النافية وأن لا شفاعة هناك :

كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ)(١١).

وقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ)(١٢).

وقوله : (يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ)(١٣).

وقوله : (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ)(١٤).

وقوله : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ)(١٥). (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ)(١٦). (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ

__________________

(١) الدخان ٤٤ : ٤٠ ـ ٤٢. (٢) البقرة ٢ : ١٢٣.

(٣) النساء ٤ : ٦٤. (٤) غافر ٤٠ : ٧.

(٥) الشورى ٤٢ : ٥. (٦) آل عمران : ١٥٩.

(٧) النور ٢٤ : ٦٢. (٨) يوسف ١٢ : ٩٧ ـ ٩٨.

(٩) الجاثية ٤٥ : ٢٨.

(١٠) مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ١٤.

(١١) البقرة ٢ : ٤٨.

(١٢) البقرة ٢ : ١٢٣.

(١٣) البقرة ٢ : ٢٥٤.

(١٤) الأنعام ٦ : ٩٤.

(١٥) الشعراء ٢٦ : ١٠٠.

(١٦) الروم ٣٠ : ١٣.

٣٣

وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ)(١). (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ)(٢). (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا)(٣).

(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ)(٤).

ومنها النافية لشفاعة من سواه تعالى ، كقوله : (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ)(٥). (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ)(٦). (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ. قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً)(٧).

ومنها المشترطة بإذنه تعالى ورضاه ، كقوله : (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(٨). (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)(٩). (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)(١٠). (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ)(١١). (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى)(١٢). (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(١٣). (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)(١٤). (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ)(١٥). (ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ)(١٦).

***

أمّا الروايات فقد استفاضت وربما بلغت حدّ التواتر ، نذكر منها :

[٢ / ١٧٢٩] ما رواه الصدوق بإسناده إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكلّ نبيّ دعوة قد دعا بها وقد سأل سؤلا ، وقد أخبأت دعوتي لشفاعتي لامّتي يوم القيامة» (١٧).

__________________

(١) غافر ٤٠ : ١٨. (٢) المدثّر ٧٤ : ٤٨.

(٣) الأعراف ٧ : ٥٣. (٤) يس ٣٦ : ٢٣.

(٥) الأنعام ٦ : ٥١.

(٦) الأنعام ٦ : ٧٠.

(٧) الزمر ٣٩ : ٤٣ ـ ٤٤.

(٨) مريم ١٩ : ٨٧.

(٩) طه ٢٠ : ١٠٩.

(١٠) سبأ ٣٤ : ٢٣.

(١١) الزخرف ٤٣ : ٨٦.

(١٢) النجم ٥٣ : ٢٦.

(١٣) البقرة ٢ : ٢٥٥.

(١٤) الأنبياء ٢١ : ٢٨.

(١٥) يونس ١٠ : ٣.

(١٦) السجدة ٣٢ : ٤.

(١٧) الخصال : ٢٩ / ١٠٣ ؛ البحار ٨ : ٣٤ / ١ ، باب ٢١.

٣٤

[٢ / ١٧٣٠] وبالإسناد إلى جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ثلاثة يشفعون إلى الله ـ عزوجل ـ فيشفّعون : الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء» (١).

[٢ / ١٧٣١] وبالإسناد إلى الحسين بن خالد ، عن الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي. ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل». قال الحسين بن خالد : «فقلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله فما معنى قول الله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى؟) قال : لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه» (٢).

[٢ / ١٧٣٢] وبالإسناد إلى جابر بن عبد الله الأنصاريّ ، عن عليّ بن أبي طالب قال : «قالت فاطمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف الأعظم ويوم الأهوال ويوم الفزع الأكبر؟ قال : يا فاطمة عند باب الجنّة ومعي لواء الحمد وأنا الشفيع لأمّتي إلى ربيّ ؛ قالت : يا أبتاه فإن لم ألقك هناك؟ قال : القيني على الحوض وأنا أسقي أمّتي ؛ قالت : يا أبتاه إن لم ألقك هناك؟ قال : القيني على الصراط وأنا قائم أقول : ربّ سلّم أمّتي ؛ قالت : فإن لم ألقك هناك؟ قال : القيني وأنا عند الميزان أقول : ربّ سلّم أمّتي ؛ قالت : فإن لم ألقك هناك؟ قال : القيني على شفير جهنّم أمنع شررها ولهبها عن أمّتي ؛ فاستبشرت فاطمة بذلك ؛ صلوات الله عليها» (٣).

[٢ / ١٧٣٣] وبالإسناد إلى القلانسيّ ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا قمت المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من أمّتي فيشفّعني الله فيهم ، والله لا تشفّعت فيمن آذى ذرّيّتي» (٤).

[٢ / ١٧٣٤] وروى الطوسي في خبر أبي ذرّ وسلمان قالا : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله أعطاني مسألة فأخّرت مسألتي لشفاعة المؤمنين من أمّتي يوم القيامة ففعل ذلك» ؛ الخبر (٥).

__________________

(١) الخصال : ١٥٦ / ١٩٧ ؛ البحار ٨ : ٣٤ / ٢ ، باب ٢١.

(٢) العيون ٢ : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ٣٥ ، باب ٩ ؛ الأمالي للصدوق : ٥٦ / ١١ ـ ٤ ، المجلس الثاني ؛ البحار ٨ : ٣٤ / ٤ ، باب ٢١.

(٣) الأمالي للصدوق : ٣٤٩ ـ ٣٥٠ / ٤٢٢ ـ ١٤ ، المجلس ٤٦ ؛ البحار ٨ : ٣٥ / ٦ ، باب ٢١.

(٤) الأمالي للصدوق : ٣٧٠ / ٤٦٢ ـ ٣ ، المجلس ٤٩ ؛ البحار ٨ : ٣٧ / ١٢ ، باب ٢١.

(٥) الأمالي للطوسي : ٥٦ ـ ٥٧ / ٨١ ـ ٥٠ المجلس ٢ ؛ البحار ٨ : ٣٧ / ١٤ ، باب ٢١.

٣٥

[٢ / ١٧٣٥] وروى الصدوق بإسناده عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب ، وأحلّ لي المغنم ، وأعطيت جوامع الكلم ، وأعطيت الشفاعة» (١).

[٢ / ١٧٣٦] وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي العبّاس المكبّر قال : دخل مولى لامرأة عليّ بن الحسين ـ صلوات الله عليهما ـ على أبي جعفر عليه‌السلام يقال له : أبو أيمن ، فقال : يا أبا جعفر تغرّون الناس وتقولون : شفاعة محمّد شفاعة محمّد! فغضب أبو جعفر عليه‌السلام حتّى تربّد وجهه (٢) ، ثمّ قال : «ويحك يا أبا أيمن أغرّك أن عفّ بطنك وفرجك؟ أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويلك فهل يشفع إلّا لمن وجبت (٣) له النار؟ ثمّ قال : ما أحد من الأوّلين والآخرين إلّا وهو محتاج إلى شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة. ثمّ قال : وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر ، وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه ، ويقول : يا ربّ حقّ خدمتي كان يقيني الحرّ والبرد» (٤).

[٢ / ١٧٣٧] وروى الصدوق بإسناده إلى أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ عليهم‌السلام قال : «إنّ للجنّة ثمانية أبواب : باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا ، فلا أزال واقفا على الصراط أدعو وأقول : ربّ سلّم شيعتي ومحبّي وأنصاري ومن توالاني في دار الدنيا ، فإذا النداء من بطنان العرش : قد أجيبت دعوتك ، وشفّعت في شيعتك. ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولّاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه ؛ وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلّا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت» (٥) أي لم يكن معاندا للحقّ ومعاديا لرسول الله في ذرّيّته.

[٢ / ١٧٣٨] وروى الطوسي عن محمّد بن إبراهيم بن كثير قال : دخلنا على أبي نواس الحسن بن

__________________

(١) الخصال : ٢٩٢ / ٥٦ ؛ البحار ٨ : ٣٨ / ١٧ ، باب ٢١.

(٢) أي تغيّر لونه.

(٣) ثبتت له النار لسوء عمله.

(٤) القميّ ٢ : ٢٠٢ ؛ البحار ٨ : ٣٨ / ١٦ ، باب ٢١.

(٥) الخصال : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ / ٦ ؛ البحار ٨ : ٣٩ / ١٩ ، باب ٢١.

٣٦

هاني نعوده في مرضه الّذي مات فيه فقال له عيسى بن موسى الهاشميّ : يا أبا عليّ أنت في آخر يوم من أيّام الدنيا ، وأوّل يوم من الآخرة ، وبينك وبين الله هنات فتب إلى الله عزوجل : قال أبو نواس : سنّدوني ؛ فلمّا استوى جالسا قال : إيّايّ تخوّفني بالله؟ وقد حدّثني حمّاد بن سلمة ، عن ثابت البنانيّ ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكلّ نبيّ شفاعة وأنا خبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة ، أفترى لا أكون منهم؟!» (١).

[٢ / ١٧٣٩] وروى الصدوق في خبر الأعمش ، عن الصادق عليه‌السلام : «أصحاب الحدود مسلمون لا مؤمنون ولا كافرون ، فإنّ الله تبارك وتعالى لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنّة ، ولا يخرج من النار كافرا وقد أوعده النار والخلود فيها ، ويغفر مادون ذلك لمن يشاء. فأصحاب الحدود فسّاق لا مؤمنون ولا كافرون ، ولا يخلّدون في النار ويخرجون منها يوما ، والشفاعة جائزة لهم وللمستضعفين إذا ارتضى الله عزوجل دينهم ؛ الخبر» (٢).

[٢ / ١٧٤٠] وفيما كتب الرضا عليه‌السلام للمأمون من محض الإيمان : «ومذنبوا أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها ، والشفاعة جائزة لهم» (٣).

[٢ / ١٧٤١] وروى البرقي بإسناده عن عليّ بن أبي حمزة قال : قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ لنا جارا من الخوارج يقول : إنّ محمّدا يوم القيامة همّه نفسه فكيف يشفع؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما أحد من الأوّلين والآخرين إلّا وهو يحتاج إلى شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة» (٤).

[٢ / ١٧٤٢] وعن مفضّل أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قول الله : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) قال : الشافعون الأئمّة ، والصديق من المؤمنين» (٥).

[٢ / ١٧٤٣] وعن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفاعة في أمّته» (٦).

__________________

(١) الأمالي للطوسي : ٣٨٠ / ٨١٥ ـ ٦٦ ، المجلس ١٣ ؛ البحار ٨ : ٤٠ / ٢١ ، باب ٢١.

(٢) الخصال : ٦٠٨ ـ ٦٠٩ / ٩ ؛ البحار ٨ : ٤٠ / ٢٢ ، باب ٢١.

(٣) العيون ٢ : ١٣٣ / ١ ، باب ٣٥ ؛ البحار ٨ : ٤٠ / ٢٣ ، باب ٢١.

(٤) المحاسن ١ : ١٨٤ / ١٨٦ ، باب ٤٤ ؛ البحار ٨ : ٤٢ / ٣١ ، باب ٢١.

(٥) المصدر ١ : ١٨٤ / ١٨٧ ، باب ٤٥ ؛ البحار ٨ : ٤٢ / ٣٢ ، باب ٢١.

(٦) المصدر ١ : ١٨٤ / ١٨٨ ، باب ٤٥ ؛ البحار ٨ : ٤٢ / ٣٣ ، باب ٢١.

٣٧

[٢ / ١٧٤٤] وعن عليّ الخدمي قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الجار ليشفع لجاره والحميم لحميمه ، ولو أنّ الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين شفعوا في ناصب ما شفّعوا» (١).

[٢ / ١٧٤٥] وروى ابن شهر آشوب في المناقب بالإسناد إلى فردوس الديلمي عن أبي هريرة قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الشفعاء خمسة : القرآن والرحم ، والأمانة ، ونبيّكم ، وأهل بيت نبيّكم» (٢).

[٢ / ١٧٤٦] وفي تفسير وكيع : قال ابن عبّاس في قوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) يعني : ولسوف يشفّعك يا محمّد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلّهم الجنّة ترضى بذلك عن ربّك (٣).

[٢ / ١٧٤٧] وعن الباقر عليه‌السلام «في قوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) الآية ، قال : ذاك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّ ، ويقوم على كوم قد علا الخلائق فيشفع ثمّ يقول : يا عليّ اشفع ؛ فيشفع الرجل في القبيلة ، ويشفع الرجل لأهل البيت ، ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله فذلك المقام المحمود» (٤).

[٢ / ١٧٤٨] وعن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال : شفاعة النبيّ (الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) شفاعة عليّ عليه‌السلام (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) شفاعة الأئمّة عليهم‌السلام» (٥).

[٢ / ١٧٤٩] وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّي لأشفع يوم القيامة فاشفّع ، ويشفع عليّ فيشفّع ، ويشفع أهل بيتي فيشفّعون» (٦).

[٢ / ١٧٥٠] وروى العيّاشي عن عبيد بن زرارة قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المؤمن : هل له شفاعة؟ قال : نعم ، فقال له رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ؟ قال : «نعم ، إنّ للمؤمنين خطايا وذنوبا ، وما من أحد إلّا يحتاج إلى شفاعة محمّد يومئذ. قال : وسأله رجل عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» قال : نعم. قال : يأخذ حلقة باب الجنّة فيفتحها فيخرّ ساجدا ، فيقول الله : ارفع رأسك اشفع تشفّع ، اطلب تعط ، فيرفع رأسه ثمّ يخرّ ساجدا فيقول الله :

__________________

(١) المصدر ١ : ١٨٤ / ١٩٠ ، باب ٤٥ ؛ البحار ٨ : ٤٢ / ٣٥ ، باب ٢١.

(٢) المناقب ٢ : ١٤ ؛ البحار ٨ : ٤٣ / ٣٩ ، باب ٢١.

(٣) المصدر ؛ البحار ٨ : ٤٣ / ٤٠ ، باب ٢١.

(٤) المصدر ؛ البحار ٨ : ٤٣ / ٤١ ، باب ٢١.

(٥) المصدر : ١٥ ؛ البحار ٨ : ٤٣ / ٤٢ ، باب ٢١.

(٦) المصدر ؛ البحار ٨ : ٤٣ / ٤٣ ؛ باب ٢١.

٣٨

ارفع رأسك اشفع تشفّع واطلب تعط ، ثمّ يرفع رأسه فيشفع فيشفّع ويطلب فيعطى» (١).

[٢ / ١٧٥١] وروى الكليني بإسناده عن حفص المؤذّن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رسالته إلى أصحابه قال : «واعلموا أنّه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا من دون ذلك ، فمن سرّه أن ينفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه» (٢).

[٢ / ١٧٥٢] وروى الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد فإذا وقفا بين يدي الله عزوجل قيل للعابد : انطلق إلى الجنّة ، وقيل للعالم : قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم» (٣).

[٢ / ١٧٥٣] وروي عن بشر بن شريح البصري قال : «قلت لمحمّد بن عليّ عليه‌السلام : أيّة آية في كتاب الله أرجى؟ قال : ما يقول فيها قومك؟ قال : قلت : يقولون (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) قال : لكنّا أهل البيت لا نقول ذلك ، قال : قلت : فأيّ شيء تقولون فيها؟ قال : نقول (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) الشفاعة ، والله الشفاعة والله الشفاعة» (٤).

***

[٢ / ١٧٥٤] وأخرج ابن ماجة بإسناده عن ابن عفّان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشهداء» (٥).

[٢ / ١٧٥٥] وأخرج البخاري بإسناده عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لكلّ نبيّ دعوة يدعو بها ، وأريد أن أختبئ دعوتي : شفاعة لأمّتي في الآخرة» (٦).

__________________

(١) العيّاشي ٢ : ٣٣٧ / ١٥٠ ؛ البحار ٨ : ٤٨ / ٥١ ، باب ٢١.

(٢) الكافي ٨ : ١١ / ١ ؛ البحار ٨ : ٥٣ / ٦١ ، باب ٢١.

(٣) العلل ٢ : ٣٩٤ / ١١ ، باب ١٣١ ؛ البحار ٨ : ٥٦ / ٦٦ ، باب ٢١.

(٤) تفسير فرات الكوفي : ٥٧٠ ـ ٥٧١ / ٧٣٤ ـ ٦ ؛ البحار ٨ : ٥٧ / ٧٢ ، باب ٢١.

(٥) ابن ماجة ٢ : ١٤٤٣ / ٤٣١٣ ؛ كنز العمّال ١٤ : ٤٠١ / ٣٩٠٧٢.

(٦) البخاري ٧ : ١٤٥ و ٨ : ١٩٢ ـ ١٩٣ ؛ مسند أحمد ٢ : ٢٧٥ ، وفيه : «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة وإنّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة» ؛ الدارمي ٢ : ٣٢٨ ، باختلاف يسير ؛ مسلم ١ : ١٣٠ و ١٣١ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٤٤٠ / ٤٣٠٧ ، باب ٣٧ (ذكر الشفاعة) وزاد : «فهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئا» ؛ الترمذي ٥ : ٢٣٨ / ٣٦٧٢ ، باب ١٢ ، قال : هذا حديث حسن صحيح ؛ كنز العمّال ١٤ : ٣٩١ / ٣٩٠٤٧ و ٣٩٠٤٨ و ٣٩٠٤٩.

٣٩

[٢ / ١٧٥٦] وأخرج عن معتمر قال : سمعت أبي عن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كلّ نبيّ سأل سؤالا أو قال لكلّ نبيّ دعوة قد دعا بها فاستجيب ، فجعلت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة» (١).

[٢ / ١٧٥٧] وأخرج أحمد عن محمّد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يحدّث أنّ نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لكلّ نبي دعوة دعا بها في أمّته فيستجاب له ، وإنّي أريد إن شاء الله أن أؤخّر دعوتي : شفاعة لأمّتي يوم القيامة» (٢).

[٢ / ١٧٥٨] وأخرج مسلم عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا أوّل الناس يشفع في الجنّة وأنا أكثر الأنبياء تبعا» (٣).

[٢ / ١٧٥٩] وأخرج عن عبد الله بن فروّخ قال : حدّثني أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ، وأوّل من ينشقّ عنه القبر ، وأوّل شافع وأوّل مشفّع» (٤).

[٢ / ١٧٦٠] وأخرج أحمد عن داوود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «في قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(٥) قال : هو المقام الذي أشفع لأمّتي فيه» (٦).

[٢ / ١٧٦١] وأخرج أبو داوود عن أنس بن مالك ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» (٧).

__________________

(١) البخاري ٧ : ١٤٥ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٣٤ و ٢١٨ ؛ مسلم ١ : ١٣٢ ؛ كنز العمّال ١٤ : ٣٩٩ / ٣٩٠٦١.

(٢) مسند أحمد ٢ : ٤٠٩ ؛ البخاري ٧ : ١٤٥ ، كتاب الدعوات ، و ٨ : ١٩٣ ، كتاب التوحيد ؛ مسلم ١ : ١٣٠ و ١٣١ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٤٤٠ / ٤٣٠٧ ، باب ٣٧ ، بلفظ : «عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لكلّ نبيّ دعوة مستجابة فتعجل كلّ نبيّ دعوته ، وانّي اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي فهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئا» ؛ الترمذي ٥ : ٢٣٨ / ٣٦٧٢ ، باب ١٢ ، وقال : هذا حديث حسن صحيح.

(٣) مسلم ١ : ١٣٠ ؛ أبو يعلى ٧ : ٤٦ ـ ٤٧ / ٣٩٥٩ ؛ كنز العمّال ١١ : ٤١٩ / ٣١٩٦٧.

(٤) مسلم ٧ : ٥٩ ؛ مسند أحمد ٢ : ٥٤٠ ، وفيه : «وأوّل من تنشقّ عنه الأرض» ؛ أبو داوود ٢ : ٤٠٧ / ٤٦٧٣ ، باب ١٤ ، بنحو ما رواه أحمد ؛ كنز العمّال ١١ : ٤٠٤ / ٣١٨٨١.

(٥) الإسراء ١٧ : ٧٩.

(٦) مسند أحمد ٢ : ٤٤١ ؛ الطبري ٩ : ١٨٢ / ١٧٠٧٠.

(٧) أبو داوود ٢ : ٤٢١ / ٤٧٣٩ ؛ مسند أحمد ٣ : ٢١٣ ؛ الحاكم ١ : ٦٩ عن أنس بطرق وعن جابر أيضا بطرق ؛ أبو يعلى ٦ : ٤٠ / ٣٢٨٤ ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ٣٧٨.

٤٠