التفسير الأثري الجامع - ج ٣

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-04-3
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٧٦

على موسى ، وكانت بنو إسرائيل أسفل منه.

[٢ / ٢٢٩٣] وقال ابن جريج : وقال لي عطاء : رفع الجبل على بني إسرائيل فقال : لتؤمننّ به أو ليقعنّ عليكم ، فذلك قوله : (كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ).

[٢ / ٢٢٩٤] وعن الضحّاك ، عن ابن عبّاس قال : الطور من الجبال : ما أنبت ، وما لم ينبت فليس بطور.

***

وقال في تأويل قوله تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ :)

اختلف أهل العربيّة في تأويل ذلك ، فقال بعض نحويّي أهل البصرة : هو ممّا استغني بدلالة الظاهر المذكور عمّا ترك ذكره له ، وذلك أنّ معنى الكلام : ورفعنا فوقكم الطور وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم بقوّة ، وإلّا قذفناه عليكم.

وقال بعض نحويّي أهل الكوفة (١) : أخذ الميثاق قول ، فلا حاجة بالكلام إلى إضمار قول فيه ، فيكون من كلامين ، غير أنّه ينبغي لكلّ ما خالف القول من الكلام الذي هو بمعنى القول أن يكون معه «أن» كما قال الله جلّ ثناؤه : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ)(٢) قال : ويجوز أن تحذف «أن».

والصواب في ذلك عندنا أنّ كلّ كلام نطق به مفهوم به معنى ما أريد ففيه الكفاية من غيره ، ويعني بقوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) : ما أمرناكم به في التوراة ، وأصل الإيتاء : الإعطاء. ويعني بقوله :

(بِقُوَّةٍ) بجدّ في تأدية ما أمركم فيه وافترض عليكم. كما :

[٢ / ٢٢٩٥] روى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) قال : تعملوا بما فيه.

[٢ / ٢٢٩٦] وعن أبي العالية قال : بطاعة.

[٢ / ٢٢٩٧] وعن قتادة قال : القوّة : الجدّ ، وإلّا قذفته عليكم. قال : فأقرّوا بذلك أنّهم يأخذون ما أوتوا بقوّة.

__________________

(١) هو الفرّاء. راجع : التبيان ١ : ٢٨٧ ومجمع البيان ١ : ٢٤٥.

(٢) نوح ٧١ : ١.

٢٤١

[٢ / ٢٢٩٨] وعن السدّي في قوله : (بِقُوَّةٍ) قال : يعني بجدّ واجتهاد.

[٢ / ٢٢٩٩] وعن ابن وهب قال : سألت ابن زيد عن قول الله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) قال : خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحقّ.

فتأويل الآية إذن : خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض فاقبلوه واعملوا باجتهاد منكم في أدائه من غير تقصير ولا توان. وذلك هو معنى أخذهم إيّاه بقوّة بجدّ.

***

وقال في تأويل قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) :

يعني : واذكروا ما فيما آتيناكم من كتابنا من وعد ووعيد شديد وترغيب وترهيب ، فاتلوه واعتبروا به وتدبّروه إذا فعلتم ذلك كي تتّقوا وتخافوا عقابي بإصراركم على ضلالكم فتنتهوا إلى طاعتي وتنزعوا عمّا أنتم عليه من معصيتي. كما :

[٢ / ٢٣٠٠] عن عكرمة عن ابن عبّاس في قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) قال : تنزعون عمّا أنتم عليه.

والذي آتاهم الله هو التوراة : كما :

[٢ / ٢٣٠١] عن أبي العالية في قوله : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) يقول : اذكروا ما في التوراة.

[٢ / ٢٣٠٢] وعن ابن وهب ، قال : سألت ابن زيد عن قول الله : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) قال : اعملوا بما فيه طاعة لله وصدق ، قال : وقال اذكروا ما فيه لا تنسوه ولا تغفلوه.

***

وقال في تأويل قوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) :

يعني بقوله جلّ ثناؤه : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) ثمّ أعرضتم. وإنّما هو «تفعّلتم» من قولهم : ولّاني فلان دبره : إذا استدبر عنه وخلّفه خلف ظهره ، ثمّ يستعمل ذلك في كلّ تارك طاعة أمر بها ـ عزوجل ـ معرض بوجهه ، يقال : قد تولّى فلان عن طاعة فلان ، وتولّى عن مواصلته. ومنه قول الله جلّ ثناؤه : (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(١) يعني بذلك : خالفوا ما كانوا وعدوا الله من قولهم : (لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)(٢) ونبذوا ذلك وراء ظهورهم ، ومن شأن العرب

__________________

(١) التوبة ٩ : ٧٦.

(٢) التوبة ٩ : ٧٥.

٢٤٢

استعارة الكلمة ووضعها مكان نظيرها ، كما قال أبو ذؤيب الهذلي (١) :

فليس كعهد الدار يا أمّ مالك

ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل (٢)

وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل

سوى الحق شيئا واستراح العواذل

يعني بقوله : «أحاطت بالرقاب السلاسل» ؛ أنّ الإسلام صار في منعه إيّانا ما كنّا نأتيه في الجاهليّة ممّا حرّمه الله علينا في الإسلام بمنزلة السلاسل المحيطة برقابنا التي تحول بين من كانت في رقبته مع الغلّ الذي في يده وبين ما حاول أن يتناوله. ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى ، فكذلك قوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) يعني بذلك أنّكم تركتم العمل بما أخذنا ميثاقكم وعهودكم على العمل به بجدّ واجتهاد بعد إعطائكم ربّكم المواثيق على العمل به والقيام بما أمركم به في كتابكم فنبذتموه وراء ظهوركم. وكنى بقوله جلّ ذكره : «ذلك» عن جميع ما قبله في الآية المتقدمة ، أعني قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ).

وقال في تأويل قوله تعالى : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) :

يعني بقوله جلّ ذكره : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) فولا أنّ الله تفضّل عليكم بالتوبة بعد نكثكم الميثاق الذي واثقتموه ، إذ رفع فوقكم الطور ، بأنّكم تجتهدون في طاعته ، وأداء فرائضه ، والقيام بما أمركم به ، والانتهاء عمّا نهاكم عنه في الكتاب الذي آتاكم ، فأنعم عليكم بالإسلام ورحمته التي رحمكم بها ، وتجاوز عنكم خطيئتكم التي ركبتموها بمراجعتكم طاعة ربّكم ، لكنتم من الخاسرين. وهذا وإن كان خطابا لمن كان بين ظهرانيّ مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل الكتاب أيّام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّما هو خبر عن أسلافهم ، فأخرج الخبر مخرج المخبر عنهم على نحو ما قد بيّنّا فيما مضى من أنّ القبيلة من العرب تخاطب القبيلة عند الفخار أو غيره بما مضى من فعل أسلاف المخاطب بأسلاف المخاطب ، فتضيف فعل أسلاف المخاطب إلى نفسها ، فتقول : فعلنا بكم ، وفعلنا بكم.

وقد زعم بعضهم أنّ الخطاب في هذه الآيات إنّما أخرج بإضافة الفعل إلى المخاطبين به

__________________

(١) كذا في الأصل. والصواب أنّ البيتين لأبي خراش الهذلي كما في ديوان الهذليين والأغاني والسيرة لابن هشام وغيرها من الكتب.

(٢) يعني بالدار : مكّة وما يجاورها.

٢٤٣

والفعل لغيرهم ؛ لأنّ المخاطبين بذلك كانوا يتولّون من كان فعل ذلك من أوائل بني إسرائيل ، فصيّرهم الله منهم من أجل ولايتهم لهم.

وقال بعضهم : إنّما قيل ذلك كذلك ، لأنّ سامعيه كانوا عالمين ، وإن كان الخطاب خرج خطابا للأحياء من بني إسرائيل وأهل الكتاب ؛ إذ المعنى في ذلك إنّما هو خبر عمّا قصّ الله من أنباء أسلافهم ، فاستغنى بعلم السامعين بذلك عن ذكر أسلافهم بأعيانهم. ومثّل ذلك بقول الشاعر :

إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

ولم تجدي من أن تقرّي به بدّا

فقال : «إذا ما انتسبنا» ، و «إذا» تقتضي من الفعل مستقبلا. ثمّ قال : «لم تلدني لئيمة» فأخبر عن ماض من الفعل ، وذلك أنّ الولادة قد مضت وتقدّمت. وإنّما فعل ذلك عند المحتجّ به لأنّ السامع قد فهم معناه ، فجعل ما ذكرنا من خطاب الله أهل الكتاب الّذين كانوا بين ظهرانيّ مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإضافة أفعال أسلافهم إليهم نظير ذلك.

والأوّل الذي قلنا هو المستفيض من كلام العرب وخطابها. وكان أبو العالية يقول في قوله : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) فيما ذكر لنا نحو القول الذي قلناه ، كما :

[٢ / ٢٣٠٣] روى الربيع ، عن أبي العالية ، قال : فضل الله : الإسلام ، ورحمته : القرآن.

وقال في تأويل : (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ :)

يعني بقوله : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) : إيّاكم بانقاذه إيّاكم بالتوبة عليكم من خطيئتكم وجرمكم ، لكنتم الباخسين أنفسكم حظوظها دائما ، الهالكين بما اجترمتم من نقض ميثاقكم وخلافكم أمره وطاعته (١).

***

وقال أبو إسحاق الثعلبي : الطور : الجبل بالسّريانية في قول بعضهم. وقالوا : ليس من لغة في الدنيا إلّا وهي في القرآن.

وقال أبو عبيدة والحذّاق من العلماء : لا يجوز أن تكون في القرآن لغة غير لغة العرب ؛ لأنّ الله

__________________

(١) الطبري ١ : ٤٦٢ ـ ٤٦٨ بتلخيص.

٢٤٤

تعالى قال : (قُرْآناً عَرَبِيًّا)(١) وقال : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(٢) وإنّما هذا وأشباهه وفاق بين اللّغتين.

وقد وجدنا الطّور في كلام العرب ، وقال جرير :

فإن ير سليمان الجنّ يستأنسوا بها

وإن ير سليمان أحب الطّور ينزل

وقال المفسّرون : وذلك أنّ الله تعالى أنزل التوراة على موسى وأمر قومه بالعمل بأحكامه فأبوا أن يقبلوها ويعملوا بما فيها للأضرار والأثقال الّتي فيها ، وكانت شريعته ثقيلة فأمر الله تعالى جبرئيل عليه‌السلام يضع جبلا على قدر عسكره وكان فرسخا في فرسخ ورفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرّجل.

[٢ / ٢٣٠٤] روى أبو صالح عن ابن عبّاس قال : أمر الله تعالى جبلا من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتّى قام على رؤوسهم مثل الظلّة.

[٢ / ٢٣٠٥] وروى عطاء عن ابن عبّاس قال : رفع الله فوق رؤوسهم الطّور وبعث نارا من قبل وجوههم وأتاهم البحر الملح من خلفهم وقيل لهم : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) أي أعطيناكم.

(بِقُوَّةٍ) بجدّ ومواظبة. وفيه إضمار ، أي : وقلنا لهم : خذوا.

(وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أي احفظوه واعلموه واعملوا به أي اتّعظوا به (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لكي تنجوا من الهلاك في الدّنيا والعذاب في العقبى فإن قبلتموه وفعلتم ما أمرتم به وإلّا رضختكم بهذا الجبل وأغرقتكم في البحر وأحرقتكم بهذه النّار ، فلمّا رأوا أن لا مهرب لهم قبلوا لك وسجدوا خوفا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود ، فصارت سنّة في اليهود لا يسجدون إلّا على أنصاف وجوههم فلمّا زال الجبل قالوا : يا موسى سمعنا وأطعنا ولو لا الجبل ما أطعناك.

(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أعرضتم وعصيتم.

(مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي من بعد أخذ الميثاق ورفع الجبل.

(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بتأخير العذاب عنكم.

(لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) لصرتم من المغلوبين بالعقوبة وذهاب الدّنيا والآخرة (٣).

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٢ ؛ طه ٢٠ : ١١٣.

(٢) الشعراء ٢٦ : ١٩٥.

(٣) الثعلبي ١ : ٢١١ ـ ٢١٢.

٢٤٥

[٢ / ٢٣٠٦] وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : (مِيثاقَكُمْ) يقول : أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره (١).

[٢ / ٢٣٠٧] وأخرج عن الضحّاك قال : النبط يسمّون الجبل الطور (٢).

[٢ / ٢٣٠٨] وروى الصدوق بالإسناد إلى سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عبّاس ، قال : إنّما سمّي الجبل الذي كان عليه موسى عليه‌السلام طور سيناء لأنّه جبل كان عليه شجر الزيتون ، وكلّ جبل يكون عليه ما ينتفع به من النبات والأشجار سمّي طور سيناء وطور سينين وما لم يكن عليه ما ينتفع به من النبات أو الأشجار من الجبال سمّي جبل وطور ، ولا يقال له : طور سيناء وطور سينين (٣).

[٢ / ٢٣٠٩] وروى عليّ بن إبراهيم مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : لمّا أنزل الله التوراة على بني إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء ، فقال لهم موسى عليه‌السلام : إن لم تقبلوه وقع عليكم الجبل ، فقبلوه وطأطأوا رؤوسهم (٤).

[٢ / ٢٣١٠] وقال عليّ بن إبراهيم : فإنّ موسى عليه‌السلام لمّا رجع إلى بني إسرائيل ومعه التوراة لم يقبلوا منه فرفع الله جبل طور سينا عليهم وقال لهم موسى : لئن لم تقبلوا ليقعنّ الجبل عليكم وليقتلنّكم فنكسوا رؤوسهم فقالوا : نقبله (٥).

[٢ / ٢٣١١] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) قال : جبل نزلوا بأصله فرفع فوقهم ، فقال : لتأخذنّ أمري أو لأرمينّكم به (٦).

[٢ / ٢٣١٢] وقال مقاتل بن سليمان : فلمّا قرأوا التوراة وفيها الحدود والأحكام كرهوا أن يقرّوا بما فيها رفع الله ـ عزوجل ـ عليهم الجبل ليرضخ به رؤوسهم ، وذلك قوله ـ سبحانه ـ : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) يعني الجبل فلمّا رأوا ذلك أقرّوا بما فيها. فذلك قوله : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا

__________________

(١) ابن أبي حاتم ١ : ١٢٩ / ٦٤٩.

(٢) الدرّ ١ : ١٨٤.

(٣) المعاني : ٤٩ / ١ ؛ العلل ١ : ٦٧ ـ ٦٨ / ١ ، باب ٥٧ ؛ البحار ١٣ : ٦٤ ـ ٦٥ / ٣.

(٤) القمّي ١ : ٢٤٦ ، سورة الأعراف ٧ : ١٧١ ؛ البحار ١٣ : ٢٤٤ / ٥١.

(٥) القمّي ١ : ٤٨ ـ ٤٩ ؛ البحار ١٣ : ٢٠٨ / ١.

(٦) الدرّ ١ : ١٨٤ ؛ الطبري ١ : ٤٦٣ / ٩٣٣ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٧٣ / ٦٣ ، بلفظ : الطور : الجبل ، اقتلعه الله فرفعه فوقهم.

٢٤٦

أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ)(١). (٢).

***

[٢ / ٢٣١٣] وقال في قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) يقول : ما أعطيناكم من التوراة ، بالجدّ والمواظبة عليه (٣).

[٢ / ٢٣١٤] وروى الصدوق عن الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام «في قوله تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) سئل : قوّة الأبدان أم قوّة القلوب؟ فقال : جميعا. ثمّ قال عليه‌السلام : لا قول إلّا بعمل ، ولا عمل إلّا بنيّة ، ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة» (٤).

[٢ / ٢٣١٥] وهكذا روى العيّاشي بالإسناد إلى الإمام الصادق عليه‌السلام سئل : «أبقوّة في الأبدان أم بقوّة في القلوب؟ فقال : فيهما جميعا» (٥).

[٢ / ٢٣١٦] وروى بالإسناد إلى عبيد الله الحلبي ، قال : قال (الصادق عليه‌السلام) «في قوله : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) واذكروا ما في تركه من العقوبة» (٦).

[٢ / ٢٣١٧] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَاذْكُرُوا) : يقول احفظوا (ما فِيهِ) من أمره ونهيه ولا تضيّعوه (٧).

[٢ / ٢٣١٨] وقال في قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) يقول : لكي تتّقوا المعاصي (٨).

[٢ / ٢٣١٩] وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) قال : لعلّكم تنزعون عمّا أنتم عليه (٩).

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٧١.

(٢) تفسير مقاتل ١ : ١١٢.

(٣) المصدر.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣٧٨ ، باب ١٠٥ ، (النيّات) ؛ البحار ٦٧ : ٢٠٩ / ٣١ ؛ مستدرك الوسائل ١ : ٩٣ / ٦٧ ـ ٨.

(٥) العيّاشي ١ : ٦٤ / ٥٢ و ٢ : ٤٠ / ١٠١.

(٦) العيّاشي ١ : ٦٤ / ٥٣ ؛ البحار ١٣ : ٢٢٦ / ٢٥. البرهان ١ : ٢٣٣ / ٤.

(٧) تفسير مقاتل ١ : ١١٢.

(٨) المصدر.

(٩) الدرّ ١ : ١٨٤ ؛ الطبري ١ : ٤٦٥ / ٩٤٥.

٢٤٧

قال تعالى :

(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦))

تلك كارثة أخرى واجهت حياة بني إسرائيل تنبؤك عن النكث والنكسة ، والتحلّل من العهد الذي تعاهدوا عليه ، وضعف مقدرتهم الإيمانيّة عن احتمال التكليف ورعاية الحدود المضروبة عليهم. ضعفا أمام هوى عاجل وترجيحا للنفع القريب.

وقد فصّل القرآن حكاية اعتدائهم في السبت في سورة الأعراف : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ)(١).

كانوا قد طلبوا أن يكون لهم يوم راحة وقداسة ، يستريحون فيه عن متاعب الحياة الدنيا ومكاسبها المضنية ، ويقبلون فيه إلى عبادة ربّهم لا يشغلهم عنها شيء.

فجعل الله لهم يوم السبت راحة مقدّسة لا يعملون فيه للمعاش لكنّهم اعتدوا وتجاوزوا الحدّ المضروب لهم.

قال ابن عاشور : والاعتداء الواقع منهم هو اعتداء أمر الله تعالى إيّاهم من عهد موسى عليه‌السلام بأن يحافظوا على حكم السبت وعدم الاكتساب فيه ، ليتفرّغوا للعبادة بقلب خالص من الشغل بالدنيا.

قال : فكانت طائفة من سكّان أيلة (٢) على البحر رأوا تكاثر الحيتان يوم السبت بالشاطىء ، لأنّها إذا لم تر سفن الصيّادين وشباكهم أمنت فتقدّمت إلى الشاطىء تفتح أفواهها في الماء لابتلاع ما يكون على الشواطىء من آثار الطعام ومن صغير الحيتان وغيرها فقالوا : لو حفرنا لها حياضا

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٦٣.

(٢) أيلة ، بفتح الهمزة وبتاء تأنيث في آخره ، بلدة على خليج صغير من البحر الأحمر في أطراف مشارف الشام وتعرف اليوم بالعقبة. وهي غير إيلياء ، بكسر الهمزة وبياءين ممدوتين ، هو اسم بيت المقدس.

٢٤٨

وشرّعنا إليها جداول يوم السبت ، فتمسك الحياض الحوت إلى يوم الأحد فنصطادها ، وفعلوا ذلك فغضب الله عليهم لهذا الحرص [الخليع] على الرزق. أو لأنّهم يشغلون بالهمّ يوم السبت بالفكر فيما تحصّل لهم أو لأنّهم تحيّلوا على اعتياض العمل في السبت.

وهذا هو الذي أحسبه ؛ لما اقترن به من الاستخفاف واعتقادهم أنّهم عملوا ما لم تهتد إليه شريعتهم ، فعاقبهم الله بما ذكره هنا.

قال : ولعلّ تحريم الصيد في يوم السبت ليكون أمنا للدوابّ.

وقوله : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ،) كونوا أمر تكوين ، وتكوينهم قردة يحتمل أن يكون بتصيير أجسامهم أجسام قردة مع بقاء الإدراك الإنساني وهذا قول الجمهور.

ويحتمل أن يكون بتصيير عقولهم كعقول القردة ، مع بقاء الهيكل الإنساني ، وهذا قول مجاهد.

قال : والثاني أقرب للتاريخ ، إذ لم ينقل مسخ في كتب تاريخ العبرانيّين ، ولذلك قال الفخر الرازي : ليس قول مجاهد ببعيد جدّا (١) لكنّه خلاف الظاهر ، وليست الآية صريحة في المسخ.

ومعنى كونهم قردة أنّهم لمّا لم يتلقّوا الشريعة بفهم مقاصدها ومعانيها وأخذوا بصورة الألفاظ ، فقد أشبهوا العجماوات في وقوفها عند المحسوسات ، فلم يتميّزوا عن البهائم إلّا بالشكل ، وهذه القردة تشاركهم في هذا الشّبه. وهذا معنى قول مجاهد : هو مسخ قلوب لا مسخ ذوات (٢).

وقال سيّد قطب : «وليس من الضروري أن يستحيلوا قردة بأجسامهم ، فقد استحالوا إليها بأرواحهم وأفكارهم ، وانطباعات الشعور والتفكير تعكس على الوجوه والملامح سمات تؤثّر في السّحنة وتلقي ظلّها العميق» (٣).

وعلى أيّة حال فإنّ هذه الحادثة الكارثة مضت عبرة رادعة في وقتها وبعد حين ، وبقيت موعظة نافعة لأهل التقوى واليقين ، تتمثّل لهم العبر فيما يأتي من عصور.

***

وبعد فإليك ما ورد من الروايات بهذا الشأن.

__________________

(١) التفسير الكبير ٣ : ١١١.

(٢) راجع : التحرير والتنوير لابن عاشور ١ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

(٣) في ظلال القرآن ١ : ٩٩ ـ ١٠٠.

٢٤٩

قال أبو جعفر : هذه الآية وآيات بعدها ممّا عدّد ـ جلّ ثناؤه ـ فيها على بني إسرائيل الّذين كانوا بين خلال دور الأنصار زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذين ابتدأ بذكرهم في أوّل هذه السورة ، من نكث أسلافهم عهد الله وميثاقه ما كانوا يبرمون من العقود ، وحذّر المخاطبين بها أن يحلّ بهم ـ بإصرارهم على كفرهم ومقامهم على جحود نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركهم اتّباعه والتصديق بما جاءهم به من عند ربّه ـ مثل الذي حلّ بأوائلهم من المسخ والرّجف والصّعق ، وما لا قبل لهم به من غضب الله وسخطه.

[٢ / ٢٣٢٠] فعن أبي روق ، عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) يقول : ولقد عرفتم ، وهذا تحذير لهم من المعصية ، يقول : احذروا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت إذ عصوني ، (اعْتَدَوْا) يقول اجترأوا في السبت. قال : لم يبعث الله نبيّا إلّا أمره بالجمعة وأخبره بفضلها وعظّمها في السماوات وعند الملائكة ، وأنّ الساعة تقوم فيها ، فمن اتّبع الأنبياء فيما مضى كما اتّبعت أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محمّدا قبل الجمعة وسمع وأطاع وعرف فضلها وثبت عليها بما أمره الله تعالى به ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن لم يفعل ذلك كان بمنزلة الّذين ذكر الله في كتابه ، فقال :

(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ). وذلك أنّ اليهود قالت لموسى حين أمرهم بالجمعة وأخبرهم بفضلها : يا موسى كيف تأمرنا بالجمعة وتفضّلها على الأيّام كلّها ، والسبت أفضل الأيّام كلّها لأنّ الله خلق السماوات والأرض والأقوات في ستّة أيّام وسبت (١) له كلّ شيء مطيعا يوم السبت ، وكان آخر الستّة؟ قال : وكذلك قالت النصارى لعيسى بن مريم حين أمرهم بالجمعة ، قالوا له : كيف تأمرنا بالجمعة ، وأوّل الأيّام (٢) أفضلها وسيّدها ، والأوّل أفضل ، والله واحد ، والواحد الأوّل أفضل؟ فأوحى الله إلى عيسى أن دعهم والأحد ، ولكن ليفعلوا فيه كذا وكذا ممّا أمرهم به. فلم يفعلوا ، فقصّ الله تعالى قصصهم في الكتاب بمعصيتهم. قال : وكذلك قال الله لموسى حين قالت له اليهود ما قالوا في أمر السبت : أن دعهم والسبت فلا يصيدوا فيه سمكا ولا غيره ، ولا يعملون شيئا كما قالوا. قال : فكان إذا كان السبت ظهرت الحيتان على الماء فهو قوله : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً)(٣) يقول : ظاهرة على الماء ، ذلك لمعصيتهم موسى. وإذا كان غير

__________________

(١) سبت : سكن.

(٢) يريدون الأحد.

(٣) الأعراف ٧ : ١٦٣. وحيتان شرّع أي شارعات من غمرة الماء إلى الجدّ ، لسان العرب ٨ : ١٧٨.

٢٥٠

يوم السبت صارت صيدا كسائر الأيّام ، فهو قوله : (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ)(١). ففعلت الحيتان ذلك ما شاء الله ؛ فلمّا رأوها كذلك طمعوا في أخذها وخافوا العقوبة ، فتناول بعضهم منها فلم تمتنع عليه ، وحذر العقوبة التي حذّرهم موسى من الله تعالى. فلمّا رأوا أنّ العقوبة لا تحلّ بهم عادوا وأخبر بعضهم بعضا بأنّهم قد أخذوا السمك ولم يصبهم شيء ، فكثروا في ذلك وظنّوا أنّ ما قال لهم موسى كان باطلا ، وهو قول الله جل ثناؤه : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) يقول لهؤلاء الّذين صادوا السمك ، فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ، يقول : إذا لم يحيوا في الأرض إلّا ثلاثة أيّام ، ولم تأكل ، ولم تشرب ، ولم تنسل ، وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستّة الأيّام التي ذكر الله في كتابه ، فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة ، وكذلك يفعل بمن شاء كما يشاء ، ويحوّله كما يشاء.

[٢ / ٢٣٢١] وروى ابن حميد بالإسناد إلى ابن عبّاس ، قال : إنّ الله إنّما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم يوم الجمعة ، فخالفوا إلى السبت فعظّموه وتركوا ما أمروا به ، فلمّا أبوا إلّا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه ، فحرّم عليهم ما أحلّ لهم في غيره. وكانوا في قرية بين أيلة والطور يقال لها «مدين» ، فحرّم الله عليهم في السبت الحيتان صيدها وأكلها ، وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرّعا إلى ساحل بحرهم ، حتّى إذا ذهب السبت ذهبن ، فلم يروا حوتا صغيرا ولا كبيرا. حتّى إذا كان يوم السبت أتين إليهم شرّعا ، حتّى إذا ذهب السبت ذهبن. فكانوا كذلك ، حتّى إذا طال عليهم الأمد وقرموا (٢) إلى الحيتان ، عمد رجل منه فأخذ حوتا سرّا يوم السبت فخزمه بخيط (٣) ، ثمّ أرسله في الماء ، وأوتد له وتدا في الساحل ، فأوثقه ثمّ تركه. حتّى إذا كان الغد جاء فأخذه ؛ أي إنّي لم آخذه في يوم السبت! ثمّ انطلق به فأكله. حتّى إذا كان يوم السبت الآخر عاد لمثل ذلك. ووجد الناس ريح الحيتان. فقال أهل القرية : والله لقد وجدنا ريح الحيتان. ثمّ عثروا على ما صنع ذلك الرجل (٤). قال : ففعلوا كما فعل ، وأكلوا سرّا زمانا طويلا لم يعجل الله عليهم بعقوبة حتّى

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٦٣.

(٢) القرم : شدة الشهوة إلى اللحم.

(٣) خزمه : شكّه وثقبه.

(٤) عثروا عليه : أطلعوا عليه.

٢٥١

صادوها علانية وباعوها بالأسواق ، وقالت طائفة منهم من أهل البقية (١) : ويحكم اتّقوا الله! ونهوهم عمّا كانوا يصنعون. وقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ولم تنه القوم عمّا صنعوا : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) لسخطنا أعمالهم (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٢).

قال ابن عبّاس : فبينما هم على ذلك أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم ، وفقدوا الناس فلا يرونهم ، فقال بعضهم لبعض : إنّ للناس لشأنا فانظروا ما هو! فذهبوا ينظرون في دورهم ، فوجدوها مغلقة عليهم ، قد دخلوا ليلا فغلقوها على أنفسهم كما تغلق الناس على أنفسهم ، فأصبحوا فيها قردة ، إنّهم ليعرفون الرجل بعينه وإنّه لقرد ، والمرأة بعينها وإنّها لقردة ، والصبي بعينه وإنّه لقرد.

قال ابن عبّاس : فلو لا ما ذكر الله أنّه أنجى الّذين نهوا عن السوء لقلنا أهلك الجميع منهم. قالوا : وهي القرية التي قال الله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ)(٣) الآية.

[٢ / ٢٣٢٢] وعن قتادة في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال : أحلّت لهم الحيتان وحرّمت عليهم يوم السبت بلاء من الله ليعلم من يطيعه ممّن يعصيه. فصار القوم ثلاثة أصناف : فأمّا صنف فأمسك ونهى عن المعصية ، وأمّا صنف فأمسك عن حرمة الله ، وأمّا صنف فانتهك حرمة الله ومرد على المعصية ، (٤) فلمّا أبوا إلّا الاعتداء إلى ما نهوا عنه ، قال الله لهم : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) فصاروا قردة لها أذناب ، تعاوى ، بعد ما كانوا رجالا ونساء.

[٢ / ٢٣٢٣] وروى عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) قال : نهوا عن صيد الحيتان يوم السبت ، فكانت تشرّع إليهم يوم السبت ، وبلوا بذلك فاعتدوا فاصطادوها ، فجعلهم الله قردة خاسئين.

[٢ / ٢٣٢٤] وروى أسباط ، عن السدّي : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال : فهم أهل أيلة ، وهي القرية التي كانت حاضرة البحر. فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت ـ وقد حرّم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئا ـ لم يبق في البحر حوت إلّا خرج حتّى

__________________

(١) أهل البقية : أهل التمييز والفهم.

(٢) الأعراف ٧ : ١٦٤.

(٣) الأعراف ٧ : ١٦٣.

(٤) مرد : طغا وجاوز حدّه.

٢٥٢

يخرجن خراطيمهنّ من الماء ، فإذا كان يوم الأحد لزمن سفل البحر فلم ير منهنّ شيء حتّى يكون يوم السبت. فذلك قوله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ)(١). فاشتهى بعضهم السمك ، فجعل الرجل يحفر الحفيرة ويجعل لها نهرا إلى البحر ، فإذا كان يوم السبت فتح النهر ، فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتّى يلقيها في الحفيرة ، ويريد الحوت أن يخرج فلا يطيق من أجل قلّة ماء النهر ، فيمكث ، فإذا كان يوم الأحد جاء فأخذه. فجعل الرجل يشوي السمك ، فيجد جاره ريحه ، فيسأله فيخبره فيصنع مثل ما صنع جاره. حتّى إذا فشا فيهم أكل السمك قال لهم علماؤهم : ويحكم إنّما تصطادون السمك يوم السبت ، وهو لا يحلّ لكم! فقالوا : إنّما صدناه يوم الأحد حين أخذناه ، فقال الفقهاء : لا ، ولكنّكم صدتموه يوم فتحتم له الماء فدخل ؛ فقالوا : لا. وعتوا أن ينتهوا ، فقال بعض الّذين نهوهم لبعض : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً)(٢) يقول : لم تعظونهم وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم؟ فقال بعضهم : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٣). فلمّا أبوا قال المسلمون : والله لا نساكنكم في قرية واحدة! فقسّموا القرية بجدار ، ففتح المسلمون بابا والمعتدون في السبت بابا ، ولعنهم داوود. فجعل المسلمون يخرجون من بابهم والكفار من بابهم ؛ فخرج المسلمون ذات يوم ولم يفتح الكفار بابهم ، فلمّا أبطأوا عليهم تسوّر المسلمون عليهم الحائط ، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ، ففتحوا عنهم فذهبوا في الأرض. فذلك قول الله عزوجل : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(٤) فذلك حين يقول : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)(٥) فهم القردة.

***

[٢ / ٢٣٢٥] وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : (الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال : لم يمسخوا إنّما هو مثل ضربه الله لهم مثل ما ضرب مثل الحمار يحمل

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٦٣.

(٢) الأعراف ٧ : ١٦٤.

(٣) الأعراف ٧ : ١٦٤.

(٤) الأعراف ٧ : ١٦٦.

(٥) المائدة ٥ : ٧٨.

٢٥٣

أسفارا (١).

[٢ / ٢٣٢٦] وعنه أيضا قال : مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة ، وإنّما هو مثل ضربه الله لهم كمثل الحمار يحمل أسفارا.

قال أبو جعفر : وهذا الذي قاله مجاهد مخالف لظاهر ما دلّ عليه كتاب الله ، وذلك أنّ الله أخبر في كتابه أنّه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ، كما أخبر عنهم أنّهم قالوا لنبيّهم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٢) وأنّ الله تعالى أصعقهم عند مسألتهم ذلك وأنّهم عبدوا العجل ، فجعل توبتهم قتل أنفسهم ، وأنّهم أمروا بدخول الأرض المقدّسة ، فقالوا لنبيّهم : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)(٣) فابتلاهم بالتيه. فسواء قال قائل : هم لم يمسخهم قردة ، وقد أخبر ـ جلّ ذكره ـ أنّه جعل منهم قردة وخنازير ، وآخر قال : لم يكن شيء ممّا أخبر الله عن بني إسرائيل أنّه كان منهم من الخلاف على أنبيائهم والعقوبات والأنكال التي أحلّها الله بهم. ومن أنكر شيئا من ذلك وأقرّ بآخر منه ، سئل البرهان على قوله وعورض فيما أنكر من ذلك بما أقرّ به ، ثمّ يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح. هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجّة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه ، وكفى دليلا على فساد قول إجماعها على تخطئته.

وقوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أي صيروا كذلك. والخاسىء : المبعد المطرود كما يخسأ الكلب ، يقال منه : خسأته أخسؤه خسأ وخسوءا ، وهو يخسأ خسوءا ، ويقال خسأته فخسأ وانخسأ ، ومنه قول الراجز :

كالكلب إن قلت له اخسأ انخسأ (٤)

يعني إن طردته انطرد ذليلا صاغرا. فكذلك معنى قوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) أي مبعدين من الخير أذلّاء صغراء.

[٢ / ٢٣٢٧] روى ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال : صاغرين.

[٢ / ٢٣٢٨] وروى عبد الرزّاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : صاغرين.

__________________

(١) تضمين للآية ٥ : من سورة الجمعة.

(٢) النساء ٤ : ١٥٣.

(٣) المائدة ٥ : ٢٤.

(٤) روايته في اللسان (مادة خسأ): «إن قيل له».

٢٥٤

[٢ / ٢٣٢٩] وعن الربيع قال : أي أذلّة صاغرين.

[٢ / ٢٣٣٠] وروى الضحّاك ، عن ابن عبّاس : خاسئا : يعني ذليلا.

***

وقال أبو جعفر في قوله تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) : اختلف أهل التأويل في تأويل الهاء والألف في قوله : (فَجَعَلْناها) علام هي عائدة؟ فروي عن ابن عبّاس فيها قولان : أحدهما ما :

[٢ / ٢٣٣١] رواه أبو روق عن الضحّاك ، عن ابن عبّاس في قوله : (فَجَعَلْناها) قال : فجعلنا تلك العقوبة وهي المسخة نكالا. فالهاء والألف من قوله : (فَجَعَلْناها) على قول ابن عبّاس هذا كناية عن المسخة ، وهي «فعلة» من مسخهم الله مسخة. فمعنى الكلام على هذا التأويل : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) فصاروا قردة ممسوخين (فَجَعَلْناها) فجعلنا عقوبتنا ومسخنا إيّاهم (نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).

والقول الآخر من قولي ابن عبّاس ما روي عنه :

[٢ / ٢٣٣٢] أنّه قال في قوله : (فَجَعَلْناها) : يعني الحيتان. والهاء والألف على هذا القول من ذكر الحيتان ، ولم يجر لها ذكر. ولكن لمّا كان في الخبر دلالة كنّي عن ذكرها ، والدلالة على ذلك قوله :

(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ).

وقال آخرون : فجعلنا القرية التي اعتدى أهلها في السبت. فالهاء والألف في قول هؤلاء كناية عن قرية القوم الّذين مسخوا.

وقال آخرون : معنى ذلك : فجعلنا القردة الّذين مسخوا نكالا لما بين يديها وما خلفها ، فجعلوا الهاء والألف كناية عن القردة.

وقال آخرون : (فَجَعَلْناها) يعني به : فجعلنا الأمّة التي اعتدت في السبت نكالا.

قال : والنكال مصدر من قول القائل : نكّل فلان بفلان تنكيلا ونكالا ، وأصل النكال : العقوبة ، كما قال عديّ بن زيد العبادي :

لا يحطّ الضليل ما صنع ال

عبد ولا في نكاله تنكير

٢٥٥

وبمثل الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عبّاس :

[٢ / ٢٣٣٣] إنّه قال في قوله : (نَكالاً) يقول : عقوبة.

[٢ / ٢٣٣٤] وعن الربيع في قوله : (فَجَعَلْناها نَكالاً) قال : أي عقوبة (١).

***

[٢ / ٢٣٣٥] وقال أبو إسحاق الثعلبي في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) : وذلك أنّهم كانوا زمن داوود عليه‌السلام بأرض يقال لها : أيلة ، حرّم الله عليهم صيد السمّك يوم السبت ، فكان إذا دخل يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلّا اجتمع هناك حتّى يخرجن خراطيمهنّ من الماء لأمنها ، فإذا مضى السبت تفرّقن ولزمن البحر ، فذلك قوله تعالى : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) فعمد رجال فحفروا الحياض حول البحر وشرعوا منه إليها الأنهار ، فإذا كانت عشيّة الجمعة فتحوا تلك الأنهار فأقبل الموج بالحيتان إلى الحياض فلا تطيق الخروج لبعد عمقها وقلّة الماء ، فإذا كان يوم الأحد أخذوها.

وقيل : كانوا ينصبون الحبائل والشّصوص (٢) يوم الجمعة ويخرجونها يوم الأحد ، ففعلوا ذلك زمانا فكثرت أموالهم ولم تنزل عليهم عقوبة ، فقست قلوبهم وأصرّوا على الذّنب ، وقالوا : ما نرى السّبت إلّا قد أحلّ لنا ، فلمّا فعلوا ذلك صار أهل القرية ـ وكانوا سبعين ألفا ـ ثلاثة أصناف : صنف أمسك ونهى ، وصنف أمسك ولم ينه ، وصنف انتهك الحرمة ، وكان الّذين نهوا اثنا عشر ألفا ، فلمّا أبى المجرمون قبول نصحهم قال الناهون : والله لا نساكنكم في قرية واحدة ، فقسّموا القرية بجدار وغبروا بذلك سنتين ، فلعنهم داوود وغضب الله ـ عزوجل ـ عليهم لإصرارهم على المعصية ، فخرج الناهون ذات يوم من بابهم والمجرمون لم يفتحوا أبوابهم ولا خرج منهم أحد ، فلمّا أبطأوا تسوّروا عليهم الحائط فإذا هم جميعا قردة ، فمكثوا ثلاثة أيّام ثمّ هلكوا ، ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيّام ولم يتوالدوا فذلك قوله عزوجل : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) أمر تحويل (٣).

__________________

(١) الطبري ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٥ ، بحذف وتلخيص.

(٢) الشصوص جمع الشّصّ : حديدة عقفاء يصاد بها السمك وتسمّى السنّارة.

(٣) كان الأمر بكونوا أمر تحويل وتبديل إلى صورة القرود.

٢٥٦

(خاسِئِينَ) مطرودين صاغرين بلغة كنانة ، قاله مجاهد وقتادة والربيع.

قال أبو روق : يعني خرسا لا يتكلّمون ، دليله قوله ـ عزوجل ـ : (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)(١). وقيل : مبعدون من كلّ خير.

(فَجَعَلْناها) أي القردة ، وقيل : القرية ، وقيل : العقوبة.

(نَكالاً) عقوبة وعبرة وفضيحة شاهرة ، وأصله من النكل وهو القيد ، وجمعه أنكال ، ويقال للّجام نكل (٢).

[٢ / ٢٣٣٦] وفي قوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها) قال أبو العالية والرّبيع : معناه عقوبة لما مضى من ذنوبهم وعبرة لما بعدهم.

[٢ / ٢٣٣٧] وقال قتادة : جعلنا تلك العقوبة جزاء لما تقدّم من ذنوبهم قبل نهيهم عن الصّيد وما خلفها من العصيان بأخذ الحيتان بعد النّهي.

وقيل : لما بين يديها من عقوبة الآخرة وما خلفها من نصيحتهم في دنياهم فيذكّرون بها إلى يوم قيام السّاعة.

وقيل : في الآية تقديم وتأخير ؛ وتقديرها : فجعلناها وما خلفها ممّا أعدّ لهم من العذاب في الآخرة نكالا وجزاءا لما بين يديها : أي لما تقدّم من ذنوبهم في اعتدائهم يوم السّبت.

(وَمَوْعِظَةً) : عظة وعبرة. (لِلْمُتَّقِينَ) للمؤمنين من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يفعلون مثل فعلهم (٣).

***

[٢ / ٢٣٣٨] وأخرج ابن أبي حاتم عن طريق عبد الرزاق عن قتادة في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) قال : نهوا عن صيد الحيتان في السبت فكانت تشرع إليهم يوم السبت فبلوا بذلك ، فاعتدوا فاصطادوها ؛ فجعلهم الله قردة خاسئين (٤).

[٢ / ٢٣٣٩] وعن عثمان بن عطاء عن أبيه قال : افترقوا ثلاث فرق : فرقة أكلت ، وفرقة اعتزلت ولم تنه ، وفرقة نهت ولم تعتزل ، فنودي الّذين اعتدوا في السبت ثلاثة أصواب نودوا يا أهل القرية

__________________

(١) المؤمنون ٢٣ : ١٠٨.

(٢) النّكل : حديدة اللجام وكلّ قيد شديد.

(٣) الثعلبي ١ : ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٤) عبد الرزّاق ١ : ٢٣٧ / ٦٤.

٢٥٧

فانتبهت طائفة ، ثمّ نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة أكثر من الأولى. ثمّ نودوا يا أهل القرية فانتبهت الرجال والنساء والصبيان. فقال الله لهم : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) فجعل الّذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون : يا فلان ، ألم أنهكم؟ فيقولون برؤوسهم. أي بلى.

[٢ / ٢٣٤٠] وعن أسباط عن السدّي قال : هم أهل إيلياء فكانت الحيتان إذا كانت يوم السبت ـ وقد حرّم الله على اليهود أن يعملوا في السبت ـ لم يبق حوت في البحر إلّا خرج حتّى يخرجن خراطيمهنّ من الماء ، فإذا كان يوم الأحد لزمن مقل (١) البحر فلم ير منهنّ شيء حتّى يكون يوم السبت. وروي عن قتادة نحو ذلك.

[٢ / ٢٣٤١] وأخرج في قوله : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عبّاس قال : إذا كان الّذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فواقا ثمّ هلكوا ما كان للمسخ نسلا (٢).

[٢ / ٢٣٤٢] وعن قتادة قال : فصار القوم قرودا تعاوى ، لها أذناب ، بعد ما كانوا رجالا ونساء.

[٢ / ٢٣٤٣] وعن مجاهد قال : مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة وخنازير ، وإنّما هو مثل ضربه الله لهم مثل الحمار يحمل أسفارا.

[٢ / ٢٣٤٤] وعن ابن عبّاس قال : فجعل الله منهم القردة والخنازير ، فزعموا أنّ شباب القوم صاروا قردة والمشيخة صاروا خنازير.

[٢ / ٢٣٤٥] وعن الربيع عن أبي العالية في قوله : (قِرَدَةً خاسِئِينَ) قال : يعني أذلّة صاغرين. وروي عن مجاهد وقتادة والربيع بن أنس وأبي مالك نحو ذلك.

[٢ / ٢٣٤٦] وأخرج في قوله : (فَجَعَلْناها نَكالاً). عن أبي العالية قال : أي عقوبة.

[٢ / ٢٣٤٧] وأخرج في قوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْها) عن عكرمة عن ابن عبّاس : قال الله تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها) من القرى.

[٢ / ٢٣٤٨] وعن أبي العالية قال : أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم. وروي عن الربيع بن أنس نحو ذلك. وروي عن مجاهد والسدّي وقتادة في رواية معمر والحسن وعكرمة نحو ذلك.

__________________

(١) المقل : أسفل البئر.

(٢) الفواق : النفثة ينفثها المحتضر عند الموت.

٢٥٨

[٢ / ٢٣٤٩] وعن إسماعيل بن أبي خالد في قوله : (لِما بَيْنَ يَدَيْها) قال : ما كان قبلها من الماضين في شأن السبت. وروي عن قتادة وعطيّة نحو ذلك.

[٢ / ٢٣٥٠] وعن سعيد بن جبير قال من بين يديها : من بحضرتها يومئذ من الناس.

[٢ / ٢٣٥١] وأخرج في قوله : (وَما خَلْفَها) عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : وما خلفها من القرى.

[٢ / ٢٣٥٢] وعن الربيع عن أبي العالية في قوله : (وَما خَلْفَها) قال : أي عبرة لمن بقي بعدهم من الناس. وروي عن الربيع بن أنس نحو ذلك.

[٢ / ٢٣٥٣] وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : (وَما خَلْفَها) قال : التي قد أهلكوا بها. يعني خطاياهم. وروي عن قتادة نحو ذلك.

[٢ / ٢٣٥٤] وعن مطرف عن عطيّة في قوله : (وَما خَلْفَها) لما كان من بعدهم من بني إسرائيل ، أن لا يعملوا فيها بمثل أعمالهم.

[٢ / ٢٣٥٥] وأخرج في قوله : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : الّذين من بعدهم إلى يوم القيامة.

[٢ / ٢٣٥٦] وعن الربيع عن أبي العالية : قال : موعظة للمتّقين خاصّة.

[٢ / ٢٣٥٧] وعن عباد بن منصور عن الحسن قال : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) بعدهم ؛ فيتّقوا نقمة الله ويحذروها. وروي عن قتادة نحو قول الحسن.

[٢ / ٢٣٥٨] وعن مطرف عن عطيّة في قوله : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) قال : لأمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يلحدوا في حرم الله.

[٢ / ٢٣٥٩] وعن أسباط عن السدّي ، قال : فهم أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

***

[٢ / ٢٣٦٠] وقال مقاتل بن سليمان في قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) يعني اليهود (الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) فصادوا فيه السمك وكان محرّما عليهم صيد السمك يوم السبت فأمهلهم الله ـ سبحانه ـ

__________________

(١) ابن أبي حاتم ١ : ١٣٢ ـ ١٣٥ ، بتصرّف.

٢٥٩

بعد صيد السمك سنين ثمّ مسخهم الله قردة فذلك قوله : (فَقُلْنا لَهُمْ) بوحي (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) يعني صاغرين (١).

[٢ / ٢٣٦١] وأخرج ابن المنذر عن ابن عبّاس قال : القردة والخنازير من نسل الّذين مسخوا (٢).

[٢ / ٢٣٦٢] وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن الحسن قال : انقطع ذلك النسل (٣).

[٢ / ٢٣٦٣] وروى الصدوق بإسناده إلى عليّ بن عقبة عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ اليهود أمروا بالإمساك يوم الجمعة ، فتركوا يوم الجمعة وأمسكوا يوم السبت فحرّم عليهم الصيد يوم السبت» (٤).

[٢ / ٢٣٦٤] وفي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عزوجل : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) لمّا اصطادوا السمك فيه (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) مبعدين عن كلّ خير (فَجَعَلْناها) أي جعلنا تلك المسخة التي أخزيناهم ولعنّاهم بها (نَكالاً) عقابا وردعا (لِما بَيْنَ يَدَيْها) بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقّوا بها العقوبات (وَما خَلْفَها) للقوم الّذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لمّا شاهدوا ما حلّ بهم من عقابنا (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) يتّعظون بها فيفارقون المحرمات ويعظون بها الناس ويحذّرونهم المرديات.

قال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطىء البحر ، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت ، فتوصّلوا إلى حيلة ليحلّوا بها إلى أنفسهم ما حرّم الله ، فخدّوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدّي إلى حياض يتهيّأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ولا يتهيّأ لها الخروج إذا همّت بالرجوع منها إلى اللّجج (٥) ، فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها ، فدخلت الأخاديد وحصلت (٦) في الحياض والغدران فلمّا كانت عشية اليوم همّت بالرجوع منها إلى اللّجج

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ١١٣.

(٢) الدرّ ١ : ١٨٥.

(٣) المصدر.

(٤) العلل ١ : ٦٩ / ١ ، باب ٥٩ ؛ العيّاشي ٢ : ٣٧ / ٩٤ ، سورة الأعراف ؛ وليس فيه : «فحرم عليهم الصيد يوم السبت». البحار ١٤ : ٥٠ / ١ ؛ كنز الدقائق ٢ : ٣٧.

(٥) اللّجج جمع اللّجّة وهي معظم الماء.

(٦) أي تجمّعت وثبتت.

٢٦٠