التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(١) فهذا ما فرض الله على اللّسان وهو عمله.

وفرض على السمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم الله ، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى الله ـ عزوجل ـ عنه والإصغاء إلى ما أسخط الله ـ عزوجل ـ فقال في ذلك : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(٢) ثمّ استثنى الله ـ عزوجل ـ موضع النسيان فقال : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٣) وقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ. الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٤) وقال عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ)(٥) وقال : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ)(٦) وقال : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(٧) فهذا ما فرض الله على السمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحلّ له وهو عمله وهو من الإيمان.

وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم الله عليه ، وأن يعرض عمّا نهى الله عنه ممّا لا يحلّ له ، وهو عمله وهو من الإيمان ، فقال تبارك وتعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)(٨) ، فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ويحفظ فرجه أن ينظر إليه وقال : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ)(٩) من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج اختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها. وقال : كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزّنا إلّا هذه الآية ، فإنّها من النظر.

ثمّ نظّم ما فرض على القلب واللّسان والسمع والبصر في آية اخرى فقال : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ)(١٠) يعني بالجلود : الفروج والأفخاذ وقال :

__________________

(١) العنكبوت ٢٩ : ٤٦.

(٢) النساء ٤ : ١٤٠.

(٣) الأنعام ٦ : ٦٨.

(٤) الزمر ٣٩ : ١٨.

(٥) المؤمنون ٢٣ : ١ ـ ٤.

(٦) القصص ٢٨ : ٥٥.

(٧) الفرقان ٢٥ : ٧٢.

(٨) النور ٢٤ : ٣٠.

(٩) النور ٢٤ : ٣١.

(١٠) فصلت ٤١ : ٢٢.

٨١

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(١) فهذا ما فرض الله على العينين من غضّ البصر عمّا حرّم الله ـ عزوجل ـ وهو عملهما ، وهو من الإيمان.

وفرض الله على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم الله ، وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله ـ عزوجل ـ وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصّلاة ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(٢) وقال : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)(٣) فهذا ما فرض الله على اليدين لأنّ الضرب من علاجهما.

وفرض على الرجلين أن لا يمشى بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله ـ عزوجل ـ فقال : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً)(٤) وقال : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(٥) وقال فيما شهدت الأيدي والأرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهما لما أمر الله ـ عزوجل ـ به وفرضه عليهما : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٦) فهذا أيضا ممّا فرض الله على اليدين وعلى الرّجلين وهو عملهما وهو من الإيمان.

وفرض على الوجه السجود له باللّيل والنّهار في مواقيت الصّلاة ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٧) فهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرّجلين. وقال في موضع آخر : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)(٨).

وقال فيما فرض على الجوارح من الطهور والصّلاة بها وذلك أنّ الله ـ عزوجل ـ لمّا صرف نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الكعبة عن البيت المقدّس فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٣٦.

(٢) المائدة ٥ : ٧.

(٣) محمّد ٤٧ : ٤.

(٤) لقمان ٣١ : ١٨.

(٥) لقمان ٣١ : ١٩.

(٦) يس ٣٦ : ٦٥.

(٧) الحجّ ٢٢ : ٧٧.

(٨) الجنّ ٧٢ : ١٨.

٨٢

بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(١) فسمّى الصّلاة إيمانا ، فمن لقي الله ـ عزوجل ـ حافظا لجوارحه ، موفّيا كلّ جارحة من جوارحه ما فرض الله عليها ، لقي الله مستكملا لإيمانه وهو من أهل الجنّة ، ومن خان في شيء منها أو تعدّى ما أمر الله فيها لقي الله ناقص الإيمان.

قلت : قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه ، فمن أين جاءت زيادته؟ فقال : قول الله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ)(٢) وقال : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً)(٣). ولو كان كلّه واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ، ولا ستوت النعم فيه ، ولا ستوى النّاس ، وبطل التفضيل. ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله ، وبالنقصان دخل المفرّطون النّار» (٤).

[٢ / ١٨٩] وبإسناده عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن عبد الله بن الحسن ، عن الحسن بن هارون قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) قال : «يسأل السّمع عمّا سمع ، والبصر عمّا نظر إليه ، والفؤاد عمّا عقد عليه» (٥).

[٢ / ١٩٠] وبإسناده عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الإيمان فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمّدا رسول الله والإقرار بما جاء من عند الله وما استقرّ في القلوب من التصديق بذلك ، قلت : الشّهادة أليست عملا؟ قال : بلى ، قلت : العمل من الإيمان؟ قال : نعم ، الإيمان لا يكون إلّا بعمل والعمل منه ولا يثبت الإيمان إلّا بعمل» (٦).

[٢ / ١٩١] وبإسناده عن عبد الله بن مسكان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما الإسلام؟ فقال : «دين الله اسمه الإسلام وهو دين الله قبل أن تكونوا حيث كنتم وبعد أن تكونوا ،

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٤٣.

(٢) التوبة ٩ : ١٢٦.

(٣) الكهف ١٨ : ١٣.

(٤) الكافي ٢ : ٣٣ ـ ٣٧ / ١.

(٥) المصدر : ٣٧ / ٢ ؛ والآية من سورة الإسراء ١٧ : ٣٦.

(٦) المصدر : ٣٨ / ٣.

٨٣

فمن أقرّ بدين الله فهو مسلم ومن عمل بما أمر الله به فهو مؤمن» (١).

[٢ / ١٩٢] وبإسناده عن أبي بصير قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فقال له سلّام : «إنّ خيثمة يحدّثنا عنك أنّه سألك عن الإسلام ، فقلت له : إنّ الإسلام ، من استقبل قبلتنا وشهد شهادتنا ونسك نسكنا ووالى وليّنا وعادى عدوّنا ، فهو مسلم. فقال : صدق خيثمة. قلت : وسألك عن الإيمان فقلت : الإيمان بالله والتصديق بكتاب الله وأن لا يعصي الله ، فقال : صدق خيثمة» (٢).

[٢ / ١٩٣] وبإسناده عن جميل بن درّاج ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإيمان ، فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله ، قلت : أليس هذا عمل؟ قال : بلى. قلت : فالعمل من الإيمان؟ قال : لا يثبت له الإيمان إلّا بالعمل والعمل منه» (٣).

[٢ / ١٩٤] وبإسناده عن محمّد بن حفص بن خارجة قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ـ وسأله رجل عن قول المرجئة في الكفر والإيمان وقال : إنّهم يحتجّون علينا ويقولون : كما أنّ الكافر عندنا هو الكافر عند الله ، فكذلك نجد المؤمن إذا أقرّ بإيمانه ، أنّه عند الله مؤمن! فقال ـ : سبحان الله ، وكيف يستوي هذان ، والكفر إقرار من العبد فلا يكلّف بعد إقراره ببيّنة ، والإيمان دعوى لا يجوز إلّا ببيّنة ، وبيّنته عمله ونيّته ، فإذا اتّفقا فالعبد عند الله مؤمن. والكفر موجود بكلّ جهة من هذه الجهات الثلاث ، من نيّة أو قول أو عمل ، والأحكام تجري على القول والعمل ، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ويجري عليه أحكام المؤمنين وهو عند الله كافر ، وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله» (٤).

السبق إلى الإيمان

[٢ / ١٩٥] وبإسناده عن القاسم بن بريد قال : حدّثنا أبو عمرو الزّبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : إنّ للإيمان درجات ومنازل ، يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال : نعم ، قلت : صفه لي ـ رحمك الله ـ حتّى أفهمه ، قال : إنّ الله سبّق بين المؤمنين كما يسبّق بين الخيل يوم الرّهان ، ثمّ فضّلهم على درجاتهم في السبق إليه ، فجعل كلّ امرئ منهم على درجة سبقه ، لا ينقصه فيها من حقّه ،

__________________

(١) المصدر / ٤.

(٢) المصدر / ٥.

(٣) المصدر / ٦.

(٤) المصدر : ٣٩ ـ ٤٠ / ٨.

٨٤

ولا يتقدّم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا ، تفاضل بذلك أوائل هذه الامّة وأواخرها ، ولو لم يكن للسابق إلى الإيمان فضل على المسبوق ، للحق آخر هذه الامّة بأوّلها ، نعم ولتقدّموهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الإيمان الفضل على من أبطأ عنه ، ولكن بدرجات الإيمان قدّم الله السابقين ، وبالإبطاء عن الإيمان أخّر الله المقصّرين ، لأنّا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الأوّلين وأكثرهم صلاة وصوما وحجّا وزكاة وجهادا وإنفاقا ، ولو لم يكن سوابق يفضّل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله ، لكان الآخرون بكثرة العمل مقدّمين على الأوّلين ، ولكن أبى الله أن يدرك آخر درجات الإيمان أوّلها ، ويقدّم فيها من أخّر الله أو يؤخّر فيها من قدّم الله. قلت : أخبرني عمّا ندب الله المؤمنين إليه من الاستباق إلى الإيمان ، فقال : قول الله ـ عزوجل ـ : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ)(١) وقال : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(٢) وقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(٣) فبدأ بالمهاجرين الأوّلين على درجة سبقهم ، ثمّ ثنّى بالأنصار ثمّ ثلّث بالتابعين لهم بإحسان ، فوضع كلّ قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده ، ثمّ ذكر ما فضّل الله به أولياءه بعضهم على بعض ، فقال ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) إلى آخر الآية (٤) وقال : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ)(٥) وقال : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)(٦) وقال : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ)(٧) وقال : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)(٨) وقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ)(٩) وقال : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً. دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً)(١٠) وقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ

__________________

(١) الحديد ٥٧ : ٢١.

(٢) الواقعة ٥٦ : ١٠ و ١١.

(٣) التوبة ٩ : ١٠٠.

(٤) البقرة ٢ : ٢٥٣.

(٥) الإسراء ١٧ : ٥٥.

(٦) الإسراء ١٧ : ٢١.

(٧) آل عمران ٣ : ١٦٣.

(٨) هود ١١ : ٣.

(٩) التوبة ٩ : ٢٠.

(١٠) النساء ٤ : ٩٦.

٨٥

أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا)(١) وقال : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ)(٢) وقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ)(٣) وقال : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ)(٤). وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) فهذا ذكر درجات الإيمان ومنازله عند الله عزوجل» (٥).

خصال المؤمن

[٢ / ١٩٦] وبإسناده عن عبد الملك بن غالب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال : وقورا عند الهزاهز ، صبورا عند البلاء ، شكورا عند الرّخاء ، قانعا بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب والنّاس منه في راحة ، إنّ العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل أمير جنوده ، والرّفق أخوه ، والبرّ والده» (٦).

[٢ / ١٩٧] وبإسناده عن السكونيّ ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : الإيمان له أركان أربعة : التوكّل على الله ، وتفويض الأمر إلى الله ، والرّضا بقضاء الله ، والتسليم لأمر الله عزوجل» (٧).

[٢ / ١٩٨] وبإسناده عن عبد الرّحمان بن أبي ليلى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ، ولا تعرفون حتّى تصدّقوا ، ولا تصدّقون حتّى تسلّموا أبوابا أربعة لا يصلح أوّلها إلّا بآخرها ، ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لا يقبل إلّا العمل الصالح ، ولا يتقبّل الله إلّا بالوفاء بالشروط والعهود ، ومن وفى الله بشروطه واستكمل ما وصف في عهده ، نال ما عنده واستكمل وعده ، إنّ الله ـ عزوجل ـ أخبر العباد بطريق الهدى ، وشرع لهم فيها المنار ، وأخبرهم كيف يسلكون ، فقال : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(٨) وقال :

__________________

(١) الحديد ٥٧ : ١٠.

(٢) المجادلة ٥٨ : ١١.

(٣) التوبة ٩ : ١٢٠.

(٤) البقرة ٢ : ١١٠.

(٥) الكافي ٢ : ٤٠ ـ ٤٢ / ١.

(٦) المصدر : ٤٧ / ١.

(٧) المصدر / ٢.

(٨) طه ٢٠ : ٨٢.

٨٦

(إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(١) فمن اتّقى الله فيما أمره لقي الله مؤمنا بما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنّوا أنّهم آمنوا ، وأشركوا من حيث لا يعلمون ، إنّه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ، ومن أخذ في غيرها سلك طريق الرّدى ، وصل الله طاعة وليّ أمره بطاعة رسوله ، وطاعة رسوله بطاعته ، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله ، وهو الإقرار بما نزل من عند الله : خذوا زينتكم عند كلّ مسجد ، والتمسوا البيوت الّتي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، فإنّه قد خبّركم أنّهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة ، يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار ، إنّ الله قد استخلص الرسل لأمره ، ثمّ استخلصهم مصدّقين لذلك في نذره ، فقال : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ)(٢). تاه من جهل ، واهتدى من أبصر وعقل ، إنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(٣) وكيف يهتدي من لم يبصر؟ وكيف يبصر من لم ينذر؟ اتّبعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقرّوا بما نزل من عند الله وابتغوا آثار الهدى ، فإنّهم علامات الأمانة والتقى واعلموا أنّه لو أنكر رجل عيسى بن مريم عليه‌السلام وأقرّ بمن سواه من الرسل لم يؤمن ، اقتصّوا الطريق بالتماس المنار ، والتمسوا من وراء الحجب الآثار ، تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا بالله ربّكم» (٤).

[٢ / ١٩٩] وبإسناده عن سليمان الجعفري ، عن أبي الحسن الرّضا ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : رفع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوم في بعض غزواته ، فقال : «من القوم؟ فقالوا : مؤمنون يا رسول الله! قال : وما بلغ من إيمانكم؟ قالوا : الصبر عند البلاء والشكر عند الرّخاء والرّضا بالقضاء. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلماء (٥) علماء كادوا من الفقه أن يكونوا أنبياء ، إن كنتم كما تصفون ، فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتّقوا الله الّذي إليه ترجعون» (٦).

* * *

[٢ / ٢٠٠] وبإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وبأسانيد مختلفة ، عن الأصبغ بن نباتة قال : خطبنا أمير المؤمنين عليه‌السلام في القصر ونحن مجتمعون ، ثمّ أمر فكتب في كتاب وقرئ على الناس.

__________________

(١) المائدة ٥ : ٢٧.

(٢) الفاطر ٣٥ : ٢٤.

(٣) الحجّ ٢٢ : ٤٦.

(٤) الكافي ٢ : ٤٧ ـ ٤٨ / ٣.

(٥) في بعض النسخ «حكماء».

(٦) الكافي ٢ : ٤٨ / ٤.

٨٧

وروى غيره أنّ ابن الكوّاء (١) سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن صفة الإسلام والإيمان والكفر والنفاق؟ فقال : «أمّا بعد ، فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ شرّع الإسلام وسهّل شرائعه لمن ورده ، وأعزّ أركانه لمن حاربه ، وجعله عزّا لمن تولّاه ، وسلما لمن دخله ، وهدى لمن ائتمّ به ، وزينة لمن تجلّله ، وعذرا لمن انتحله ، وعروة لمن اعتصم به ، وحبلا لمن استمسك به ، وبرهانا لمن تكلّم به ، ونورا لمن استضاء به ، وعونا لمن استغاث به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاجّ به ، وعلما لمن وعاه ، وحديثا لمن روى ، وحكما لمن قضا ، وحلما لمن جرّب ، ولباسا لمن تدبّر ، وفهما لمن تفطّن ، ويقينا لمن عقل ، وبصيرة لمن عزم ، وآية لمن توسّم ، وعبرة لمن اتّعظ ، ونجاة لمن صدّق ، وتؤدة (٢) لمن أصلح ، وزلفى لمن اقترب ، وثقة لمن توكّل ، ورجاء لمن فوّض ، وسبقة لمن أحسن ، وخيرا لمن سارع ، وجنّة لمن صبر ، ولباسا لمن اتّقى ، وظهيرا لمن رشد ، وكهفا لمن آمن ، وأمنة لمن أسلم ، وروحا لمن صدّق ، وغنى لمن قنع ، فذلك الحقّ ، سبيله الهدى ومأثرته المجد ، وصفته الحسنى. فهو أبلج المنهاج ، مشرق المنار ، ذاكي المصباح ، رفيع الغاية ، يسير المضمار ، جامع الحلبة ، سريع السبقة ، أليم النقمة ، كامل العدّة ، كريم الفرسان ، فالإيمان منهاجه ، والصالحات مناره ، والفقه مصابيحه ، والدّنيا مضماره ، والموت غايته ، والقيامة حلبته ، والجنّة سبقته ، والنار نقمته ، والتقوى عدّته ، والمحسنون فرسانه. فبالإيمان يستدلّ على الصالحات ، وبالصالحات يعمر الفقه ، وبالفقه يرهب الموت ، وبالموت تختم الدنيا ، وبالدّنيا تحوز القيامة ، وبالقيامة تزلف الجنّة. والجنّة حسرة أهل النار ، والنّار موعظة المتّقين والتقوى سنخ الإيمان» (٣).

نسبة الإسلام

[٢ / ٢٠١] وبإسناده عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لأنسبنّ الإسلام نسبة لا ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي إلّا بمثل ذلك : إنّ الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التّصديق ، والتّصديق هو الإقرار ، والإقرار هو العمل ، والعمل هو الأداء ، إنّ المؤمن لم يأخذ دينه عن رأيه ، ولكن أتاه من ربّه فأخذه ، إنّ المؤمن

__________________

(١) عبد الله بن الكوّاء كان في أصحاب علي عليه‌السلام وكان من المتعنّتين.

(٢) التؤدة : بفتح الهمزة وسكونها : الرزانة والتأني.

(٣) الكافي ٢ : ٤٩ ـ ٥٠ / ١.

٨٨

يرى يقينه في عمله. والكافر يرى إنكاره في عمله ، فاعتبروا إنكار الكافرين والمنافقين بأعمالهم الخبيثة» (١).

[٢ / ٢٠٢] وبإسناده عن مدرك بن عبد الرّحمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوقار ، ومروءته العمل الصّالح وعماده الورع. ولكلّ شيء أساس ؛ وأساس الإسلام حبّنا أهل البيت» (٢).

[٢ / ٢٠٣] وبإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جدّه صلوات الله عليهم قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله خلق الإسلام فجعل له عرصة (٣) وجعل له نورا ، وجعل له حصنا ، وجعل له ناصرا. فأمّا عرصته فالقرآن ، وأمّا نوره فالحكمة ، وأمّا حصنه فالمعروف ، وأمّا أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا» (٤).

إنّ الصبغة هي الإسلام

[٢ / ٢٠٤] وبإسناده عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قول الله ـ عزوجل ـ : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً)(٥) قال : الإسلام ، وقال في قوله : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى)(٦) قال : هي الإيمان بالله وحده لا شريك له» (٧).

[٢ / ٢٠٥] وبإسناده عن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قول الله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) قال : الصبغة هي الإسلام» (٨).

[٢ / ٢٠٦] وبإسناده عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام «في قول الله : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) قال : هي الإيمان» (٩).

__________________

(١) المصدر : ٤٥ ـ ٤٦ / ١.

(٢) المصدر : ٤٦ / ٢.

(٣) العرصة : ساحة الدار.

(٤) الكافي ٢ : ٤٦ / ٣.

(٥) البقرة ٢ : ١٣٨.

(٦) البقرة ٢ : ٢٥٦.

(٧) الكافي ٢ : ١٤ / ١.

(٨) المصدر / ٢.

(٩) المصدر / ٣.

٨٩

دعائم الإسلام

[٢ / ٢٠٧] وبإسناده عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : «بني الإسلام على خمس : على الصّلاة والزّكاة والصيام والحجّ والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية» (١).

[٢ / ٢٠٨] وبإسناده عن عجلان أبي صالح قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أوقفني على حدود الإيمان ، فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله والإقرار بما جاء به من عند الله والصلوات الخمس وأداء الزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت وولاية وليّنا وعداوة عدوّنا والدخول مع الصّادقين» (٢).

[٢ / ٢٠٩] وبإسناده عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بني الإسلام على خمس : على الصّلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ النّاس بأربع وتركوا هذه ـ يعني الولاية ـ» (٣).

[٢ / ٢١٠] وبإسناده عن ابن العرزميّ ، عن أبيه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قال : «أثافي الإسلام (٤) ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ، لا تصحّ واحدة منهنّ إلّا بصاحبتيها» (٥).

[٢ / ٢١١] وبإسناده عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصّلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية ، قال زرارة : فقلت : وأيّ شيء من ذلك أفضل؟ فقال : الولاية أفضل ، لأنّها مفتاحهنّ والوالي هو الدّليل عليهنّ ، قلت : ثمّ الّذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال : الصلاة. إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الصلاة عمود دينكم ، قلت : ثمّ الّذي يليها في الفضل؟ قال : الزكاة لأنّه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الزكاة تذهب الذنوب. قلت : والّذي يليها في الفضل؟ قال : الحجّ قال الله عزوجل : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٦) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة ، ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر الله له ، قلت : وما بال الصوم؟ قال : قال

__________________

(١) المصدر : ١٨ / ١.

(٢) المصدر / ٢.

(٣) المصدر / ٣.

(٤) الأثافي جمع الأثفيّة بالضم والكسر وهي الأحجار الّتي توضع عليها القدر وأقلّها ثلاثة.

(٥) الكافي ٢ : ١٨ / ٤.

(٦) آل عمران ٣ : ٩٧.

٩٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصوم جنّة من النّار ، ثمّ قال : ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرّحمان ، الطّاعة للإمام بعد معرفته ، إنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(١) أما لو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان. ثمّ قال : أولئك المحسن منهم يدخله الله الجنّة بفضل رحمته» (٢).

[٢ / ٢١٢] وبإسناده عن أبان عن فضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بني الإسلام على خمس : الصّلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير» (٣).

[٢ / ٢١٣] وبإسناده عن حمّاد بن عثمان ، عن عيسى بن السريّ قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى عملي ولم يضرّني جهل ما جهلت بعده ، فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإقرار بما جاء به من عند الله وحقّ في الأموال من الزكاة ؛ والولاية الّتي أمر الله ـ عزوجل ـ بها ولاية آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة ، قال الله عزوجل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٤) فكان عليّ عليه‌السلام ، ثمّ صار من بعده حسن ثمّ من بعده حسين ثمّ من بعده عليّ بن الحسين ، ثمّ من بعده محمّد بن عليّ ، ثمّ هكذا يكون الأمر ، إنّ الأرض لا تصلح إلّا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة ، وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا ـ وأهوى بيده إلى صدره ـ يقول حينئذ : لقد كنت على أمر حسن» (٥).

[٢ / ٢١٤] وبإسناده ، عن أبي الجارود قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يا ابن رسول الله هل تعرف مودّتي لكم وانقطاعى إليكم وموالاتي إيّاكم؟ قال : نعم ، فقلت : فإنّي أسألك مسألة تجيبني فيها؟ فإنّي مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين. قال : هات حاجتك ، قلت : أخبرني بدينك الّذي تدين الله ـ عزوجل ـ به أنت وأهل بيتك لأدين الله به. قال : إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة ، والله لاعطينّك ديني ودين آبائي الّذي ندين الله عزوجل به : شهادة أن لا إله إلّا الله ،

__________________

(١) النساء ٤ : ٨٠.

(٢) الكافي ٢ : ١٨ ـ ١٩ / ٥.

(٣) المصدر : ٢١ / ٨.

(٤) النساء ٤ : ٥٩.

(٥) الكافي ٢ : ٢١ / ٩.

٩١

وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، والولاية لوليّنا ، والبراءة من عدوّنا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا والاجتهاد والورع» (١).

[٢ / ٢١٥] وبإسناده عن أبي بصير قال : «سمعته يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : جعلت فداك أخبرني عن الدّين الّذي افترض الله على العباد ، ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره ، ما هو؟ فقال : أعد عليّ ، فأعاد عليه ، فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا وصوم شهر رمضان ، ثمّ سكت قليلا ، ثمّ قال : والولاية ـ مرّتين ـ ثمّ قال : هذا الّذي فرض الله على العباد ولا يسأل الربّ العباد يوم القيامة فيقول ألّا زدتني على ما افترضت عليك ولكن من زاد زاده الله ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّ سننا حسنة جميلة ينبغي للنّاس الأخذ بها» (٢).

[٢ / ٢١٦] وبإسناده عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي قال : «دخل رجل على أبي جعفر عليه‌السلام ومعه (٣) صحيفة ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدّين الّذي يقبل فيه العمل. فقال الرجل : رحمك الله هذا الّذي اريد ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله. وتقرّ بما جاء من عند الله ، والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدوّنا والتسليم لأمرنا ، والورع والتّواضع ، وانتظار قائمنا فإنّ لنا دولة إذا شاء الله جاء بها» (٤).

[٢ / ٢١٧] وبإسناده عن عمرو بن حريث قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو في منزل أخيه عبد الله بن محمّد فقلت له : جعلت فداك ما حوّلك إلى هذا المنزل؟ قال : طلب النزهة (٥) فقلت : جعلت فداك ألا أقصّ عليك ديني؟ فقال : بلى ، قلت : أدين الله بشهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحجّ البيت والولاية لعليّ أمير المؤمنين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والولاية للحسن والحسين والولاية لعليّ بن الحسين والولاية لمحمّد بن عليّ ولك من بعده وأنّكم أئمّتي ، عليه أحيى وعليه أموت وأدين الله به ، فقال : يا عمرو ، هذا والله دين الله ودين آبائي الّذي

__________________

(١) المصدر : ٢١ ـ ٢٢ / ١٠.

(٢) المصدر : ٢٢ / ١١.

(٣) أي مع أبي جعفر.

(٤) الكافي ٢ : ٢٢ ـ ٢٣ / ١٣.

(٥) النزهة : البعد عن الخلق وفي القاموس ، التنزّه : التباعد والاسم النزهة بالضم.

٩٢

أدين الله به في السرّ والعلانية ، فاتّق الله وكفّ لسانك إلّا من خير ، ولا تقل إنّي هديت نفسي ، بل الله هداك ، فأدّ شكر ما أنعم الله به عليك ، ولا تكن ممّن إذا أقبل طعن في عينه وإذا أدبر طعن في قفاه (١) ولا تحمل الناس على كاهلك (٢) فإنّك أوشك إن حملت النّاس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك» (٣)(٤).

[٢ / ٢١٨] وبإسناده عن سليمان بن خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : «ألا أخبرك بالإسلام أصله وفرعه وذروة سنامه؟ قلت : بلى جعلت فداك ، قال : أمّا أصله فالصلاة ، وفرعه الزكاة ، وذروة سنامه الجهاد ، ثمّ قال : إن شئت أخبرتك بأبواب الخير؟ قلت : نعم جعلت فداك ، قال : الصوم جنّة من النار ، والصدقة تذهب بالخطيئة ، وقيام الرّجل في جوف اللّيل بذكر الله ، ثمّ قرأ عليه‌السلام : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ»)(٥).

الإسلام يحقن به الدّم [وتؤدّى به الأمانة] وإنّ الثواب على الإيمان

[٢ / ٢١٩] وبإسناده عن القاسم الصير في شريك المفضّل قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «الإسلام يحقن به الدّم ، وتؤدّى به الأمانة ، وتستحلّ به الفروج ؛ والثواب على الإيمان». (٦)

[٢ / ٢٢٠] وبإسناده عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلا عمل» (٧).

[٢ / ٢٢١] وبإسناده عن جميل بن درّاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ)(٨) فقال لي : ألا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام» (٩).

__________________

(١) أي كن من الأخيار ليمدحك الناس في وجهك وقفاك ولا تكن من الأشرار الّذين يذمّهم الناس في حضورهم وغيبتهم.

(٢) أي لا تسلّط الناس على نفسك.

(٣) الشعب : بعد ما بين المنكبين.

(٤) الكافي ٢ : ٢٣ / ١٤.

(٥) المصدر : ٢٣ ـ ٢٤ / ١٥.

(٦) المصدر : ٢٤ / ١.

(٧) المصدر / ٢. أي الإيمان إقرار وعمل توأمان ، أمّا الإسلام فمحض الإقرار وإن لم يقارنه العمل.

(٨) الحجرات ٤٩ : ١٤.

(٩) الكافي ٢ : ٢٤ / ٣.

٩٣

[٢ / ٢٢٢] وبإسناده عن سفيان بن السمط قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإسلام والإيمان ، ما الفرق بينهما؟ فلم يجبه. ثمّ سأله فلم يجبه ثمّ التقيا في الطريق وقد أزف (١) من الرجل الرحيل ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : كأنّه قد أزف منك رحيل؟ فقال : نعم. فقال : فالقني في البيت ، فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟ فقال : الإسلام هو الظاهر الّذي عليه النّاس : شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان فهذا الإسلام ، وقال : الإيمان معرفة هذا الأمر ، مع هذا. فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلما وكان ضالّا» (٢).

[٢ / ٢٢٣] وبإسناده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : («قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا)(٣) فمن زعم أنّهم آمنوا فقد كذب ومن زعم أنّهم لم يسلموا فقد كذب» (٤).

الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان

[٢ / ٢٢٤] وبإسناده عن سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان؟ فقال : إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان ، فقلت : فصفهما لي ، فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله والتصديق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، به حقنت الدّماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة النّاس. والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ، إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة» (٥).

[٢ / ٢٢٥] وبإسناده عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام ، إنّ الإيمان ما وقر في القلوب ، والإسلام ما عليه المناكح والمواريث

__________________

(١) أي قرب وفي القاموس : أزف الترحل كفرح أزوفا وأزفا : دنا.

(٢) الكافي ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ / ٤.

(٣) الحجرات ٤٩ : ١٤.

(٤) الكافي ٢ : ٢٥ / ٥.

(٥) المصدر / ١.

٩٤

وحقن الدّماء ؛ والإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان» (١).

[٢ / ٢٢٦] وبإسناده عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «الإيمان ما استقرّ في القلب وأفضى به إلى الله عزوجل ، وصدّقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره ، والإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الّذي عليه جماعة النّاس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدّماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ ، فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا إلى الإيمان ؛ والإسلام لا يشرك الإيمان والإيمان يشرك الإسلام وهما في القول والفعل يجتمعان ، كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان وقد قال الله عزوجل : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ)(٢) فقول الله عزوجل أصدق القول. قلت : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ فقال : لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقرّبان به إلى الله عزوجل ، قلت : أليس الله عزوجل يقول : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٣)؟ ـ وزعمت أنّهم مجتمعون على الصلاة والزّكاة والصّوم والحجّ مع المؤمن ـ قال : أليس قد قال الله عزوجل : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً)(٤) فالمؤمنون هم الّذين يضاعف الله لهم حسناتهم لكلّ حسنة سبعون ضعفا ، فهذا فضل المؤمن ، ويزيده الله في حسناته على قدر صحّة إيمانه أضعافا كثيرة ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير ، قلت : أرأيت من دخل في الإسلام أليس هو داخلا في الإيمان؟ فقال : لا ولكنّه قد اضيف إلى الإيمان وخرج من الكفر وسأضرب لك مثلا تعقل به فضل الإيمان على الإسلام ، أرأيت لو بصرت رجلا في المسجد أكنت تشهد أنّك رأيته في الكعبة؟ قلت : لا يجوز لي ذلك ، قال : فلو بصرت رجلا في الكعبة أكنت شاهدا أنّه قد دخل المسجد الحرام؟ قلت : نعم ، قال : وكيف ذلك؟ قلت : إنّه لا يصل إلى دخول الكعبة حتّى يدخل المسجد ، فقال : قد أصبت وأحسنت ، ثمّ قال : كذلك الإيمان والإسلام» (٥).

__________________

(١) المصدر : ٢٦ / ٣.

(٢) الحجرات ٤٩ : ١٤.

(٣) الأنعام ٦ : ١٦٠.

(٤) البقرة ٢ : ٢٤٥.

(٥) الكافي ٢ : ٢٦ ـ ٢٧ / ٥.

٩٥

الإسلام قبل الإيمان

[٢ / ٢٢٧] وبإسناده عن عبد الرحيم القصير قال : كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن الإيمان ما هو؟ فكتب إليّ مع عبد الملك : «سألت ـ رحمك الله ـ عن الإيمان ، والإيمان هو الإقرار باللّسان ، وعقد في القلب ، وعمل بالأركان. والإيمان بعضه من بعض وهو دار ، وكذلك الإسلام دار والكفر دار ، فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتّى يكون مسلما ، فالإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان ، فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي الّتي نهى الله عنها كان خارجا من الإيمان ، ساقطا عنه اسم الإيمان وثابتا عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان ولا يخرجه إلى الكفر إلّا الجحود والاستحلال : أن يقول للحلال هذا حرام ، وللحرام هذا حلال ودان بذلك ، فعندها يكون خارجا من الإسلام والإيمان ، داخلا في الكفر ، وكان بمنزلة من دخل الحرم ثمّ دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار» (١).

[٢ / ٢٢٨] وبإسناده عن سماعة بن مهران قال : «سألته عن الإيمان والإسلام قلت له : أفرق بين الإسلام والإيمان قال : فأضرب لك مثلا : مثل الإيمان والإسلام مثل الكعبة من الحرم قد يكون في الحرم ولا يكون في الكعبة ولا يكون في الكعبة حتّى يكون في الحرم ، وقد يكون مسلما ولا يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتّى يكون مسلما» (٢).

***

[٢ / ٢٢٩] وبإسناده عن محمّد بن سالم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ ناسا تكلّموا في هذا القرآن بغير علم ، وذلك أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ يقول : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ)(٣) فالمنسوخات من المتشابهات ؛ والمحكمات من الناسخات.

إنّ الله ـ عزوجل ـ بعث نوحا إلى قومه : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ)(٤) ثمّ دعاهم إلى الله

__________________

(١) المصدر : ٢٧ ـ ٢٨ / ١.

(٢) المصدر : ٢٨ / ٢.

(٣) آل عمران ٣ : ٧.

(٤) نوح ٧١ : ٣.

٩٦

وحده وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثمّ بعث الأنبياء عليهم‌السلام على ذلك إلى أن بلغ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعاهم (الناس جميعا) إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وقال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)(١). فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلّا الله والإقرار بما جاء من عند الله ، فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الله الجنّة بذلك ، وذلك أنّ الله ليس بظلّام للعبيد ، وذلك أنّ الله لم يكن يعذّب عبدا حتّى يغلّظ عليه (٢) في القتل والمعاصي الّتي أوجب الله عليها النّار لمن عمل بها ، فلمّا استجاب لكلّ نبيّ ؛ من استجاب له من قومه من المؤمنين ، جعل لكلّ نبيّ منهم شرعة ومنهاجا. والشرعة والمنهاج سبيل وسنّة ، وقال الله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)(٣).

وأمر كلّ نبيّ بالأخذ بالسبيل والسنّة. وكان من السنّة والسبيل الّتي أمر الله ـ عزوجل ـ بها موسى عليه‌السلام أن جعل الله عليهم السبت ، وكان من أعظم السبت ولم يستحلّ أن يفعل ذلك من خشية الله ، أدخله الله الجنّة ، ومن استخفّ بحقّه واستحلّ ما حرّم الله ، أدخله الله النار ، وذلك حيث استحلّوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت ، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرّحمان ولا شكّوا في شيء ممّا جاء به موسى عليه‌السلام ، قال الله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)(٤).

ثمّ بعث الله عيسى عليه‌السلام بشهادة أن لا إله إلّا الله والإقرار بما جاء به من عند الله وجعل لهم شرعة ومنهاجا فهدمت السبت الّذي امروا أن يعظّموه قبل ذلك ، فمن لم يتّبع سبيل عيسى أدخله الله النار ، وإن كان الّذي جاء به النبيّون جميعا أن لا يشركوا بالله شيئا.

ثمّ بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمكّة عشر سنين (٥) فلم يمت بمكّة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله إلّا أدخله الله الجنّة بإقراره وهو إيمان التصديق ،

__________________

(١) الشورى ٤٢ : ١٣.

(٢) أي يؤكّد عليه المنع والتحريم.

(٣) النساء ٤ : ١٦٣.

(٤) البقرة ٢ : ٦٢.

(٥) عشر سنين بعد إظهار الدعوة وقد مضت على البعثة ثلاث سنين.

٩٧

ولم يعذّب الله أحدا ممّن مات وهو متّبع لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك إلّا من أشرك بالرّحمان.

وتصديق ذلك أنّ الله أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكّة : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ـ إلى قوله ـ (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)(١) أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شيء ممّا نهى عنه وأنزل نهيا عن أشياء حذّر عليها ولم يغلّظ فيها ولم يتواعد عليها. وقال : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً. وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً. وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً. وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً. وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً. وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً. وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً. كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً. ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً)(٢).

وأنزل في (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى : فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى. لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى. الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)(٣) فهذا مشرك.

وأنزل في (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ : وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً. وَيَصْلى سَعِيراً. إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً. إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلى)(٤) فهذا مشرك.

وأنزل في تبارك : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ)(٥) فهؤلاء مشركون.

وأنزل في الواقعة : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ. فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ. وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ)(٦) فهولاء مشركون.

وأنزل في الحاقّة : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ. يا

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٢٣.

(٢) الإسراء ١٧ : ٣١ ـ ٣٩.

(٣) الليل ٩٢ : ١٤ ـ ١٦.

(٤) الانشقاق ٨٤ : ١٠ ـ ١٤.

(٥) الملك ٦٧ : ٨ ـ ٩.

(٦) الواقعة ٥٦ : ٩٢ ـ ٩٤.

٩٨

لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ. ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) ـ إلى قوله ـ : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ)(١) فهذا مشرك.

وأنزل في طسم : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ. وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ. فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) جنود إبليس ذريّتّه من الشّياطين. وقوله : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ)(٢) يعني المشركين الّذين اقتدى بهم هؤلاء فاتّبعوهم على شركهم ، وهم قوم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس فيهم من اليهود والنّصارى أحد.

وتصديق ذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ)(٣). (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ)(٤)(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ)(٥) ليس فيهم اليهود الّذين قالوا : عزير ابن الله ، ولا النصارى الّذين قالوا : المسيح ابن الله ، سيدخل الله اليهود والنّصارى النّار ، ويدخل كلّ قوم بأعمالهم.

وقولهم : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ)(٦) إذ دعونا إلى سبيلهم. ذلك قول الله ـ عزوجل ـ فيهم حين جمعهم إلى النّار : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ)(٧) برئ بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا ، يريد بعضهم أن يحجّ بعضا رجاء الفلج فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم ، وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولات حين نجاة!

والآيات وأشباههنّ ممّا نزل بمكّة ، ولا يدخل الله النّار إلّا مشركا ، فلمّا أذن الله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخروج من مكّة إلى المدينة بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزّكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان ، وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض ، وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها النّار لمن عمل بها.

وأنزل في بيان القاتل : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً)(٨) ، ولا يلعن الله مؤمنا. قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ

__________________

(١) الحاقة ٦٩ : ٢٥ ـ ٣٣.

(٢) الشعراء ٢٦ : ٩١ ـ ٩٩.

(٣) سورة ص ٣٨ : ١٢.

(٤) الشعراء ٢٦ : ١٧٦.

(٥) الشعراء ٢٦ : ١٦٠.

(٦) الشعراء ٢٦ : ٩٩.

(٧) الأعراف ٧ : ٣٦.

(٨) النساء ٤ : ٩٣.

٩٩

سَعِيراً. خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)(١) وكيف يكون في المشيئة ، وقد ألحق به ـ حين جزاه جهنّم ـ الغضب واللّعنة ، وقد بيّن ذلك من الملعونون في كتابه.

وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(٢) وذلك أنّ آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنّار تلتهب في بطنه حتّى يخرج لهب النّار من فيه حتّى يعرفه كلّ أهل الجمع أنّ آكل مال اليتيم. وأنزل في الكيل : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(٣) ولم يجعل الويل لأحد حتّى يسمّيه كافرا ، قال الله ـ عزوجل ـ : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(٤).

وأنزل في العهد : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٥) والخلاق : النصيب ، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأيّ شيء يدخل الجنّة.

وأنزل بالمدينة : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٦) فلم يسمّ الله الزّاني مؤمنا ولا الزّانية مؤمنة. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ـ ليس يمتري فيه أهل العلم أنّه قال ـ : لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، فإنّه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص.

ونزل بالمدينة : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٧) فبرأه الله ما كان مقيما على الفرية من أن يسمّى بالإيمان ، قال الله عزوجل : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ)(٨) وجعله الله منافقا ، قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٩). وجعله ـ عزوجل ـ من أولياء إبليس ، قال : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)(١٠). وجعله ملعونا فقال :

__________________

(١) الأحزاب ٣٣ : ٦٤ ـ ٦٥.

(٢) النساء ٤ : ١٠.

(٣) المطففين ٨٣ : ٢. والتطفيف : نقص المكيال.

(٤) مريم ١٩ : ٣٨.

(٥) آل عمران ٣ : ٧١.

(٦) النور ٢٤ : ٤.

(٧) النور ٢٤ : ٥.

(٨) السجدة ٣٢ : ١٨.

(٩) التوبة ٩ : ٦٧.

(١٠) الكهف ١٨ : ٤٨.

١٠٠