التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

في خطبته : ليدخلنّ أمراء النار ، ويدخلنّ من أطاعهم الجنّة ؛ فيقولون لهم وهم في النار : كيف دخلتم النار وإنّما دخلنا الجنّة بطاعتكم؟ فيقولون لهم : إنّا كنّا نأمركم بأشياء نخالف إلى غيرها (١).

[٢ / ١٥٧٨] وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال : يشرف قوم في الجنّة على قوم في النار فيقولون : ما لكم في النار ؛ وإنّما كنّا نعمل بما تعلّمونا؟! قالوا : كنّا نعلّمكم ولا نعمل به (٢).

[٢ / ١٥٧٩] وأخرج ابن المبارك في الزهد عن الشعبي قال : يطّلع قوم من أهل الجنّة إلى قوم من أهل النار ، فيقولون : ما أدخلكم النار ؛ وإنّما دخلنا الجنّة بفضل تأديبكم وتعليمكم؟ قالوا : إنّا كنّا نأمر بالخير ولا نفعله (٣).

[٢ / ١٥٨٠] وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء والأصبهاني في الترغيب بسند جيّد عن جندب بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مثل العالم الّذي يعلّم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه» (٤).

[٢ / ١٥٨١] وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن جندب البجلي قال : إنّ مثل الّذي يعظ الناس وينسى نفسه كمثل المصباح يضيء لغيره ويحرق نفسه (٥).

[٢ / ١٥٨٢] وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء عن أبي برزة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مثل الّذي يعلّم الناس وينسى نفسه كمثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها» (٦).

[٢ / ١٥٨٣] وأخرج ابن قانع في معجمه والخطيب في الاقتضاء عن سليك قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إذا علّم العالم ولم يعمل ، كان كالمصباح يضيء للناس ويحرق نفسه» (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٥٧.

(٢) الدرّ ١ : ١٥٧ ؛ المصنّف ٨ : ٢٨٠ / ١ ، الزهد ، باب ٧٢ (الشعبي).

(٣) الدرّ ١ : ١٥٧ ؛ الزهد ١ : ٢١ / ٦٤.

(٤) الدرّ ١ : ١٥٧ ؛ الكبير ٢ : ١٦٦ ، ترجمة أبي تميمة الهجيمي عن جندب ؛ ابن كثير ١ : ٨٩ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٥٣ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٨٤ ـ ١٨٥ كتاب العلم ، باب من لم ينتفع بعلمه ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير وله طريق يأتي في قتال أهل البغي ، ورجاله موثّقون ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٨٧ / ٢٨٩٧٦.

(٥) الدرّ ١ : ١٥٧ ؛ المصنّف ٨ : ٢٥٠ / ٥ ، الزهد ، باب ٥٩ (حديث طلق بن حبيب).

(٦) الدرّ ١ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٨٤ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٨٦ / ٢٨٩٧٥.

(٧) الدرّ ١ : ١٥٨ ؛ كنز العمّال ١٠ : ١٨٦ / ٢٨٩٧٤.

٥٤١

[٢ / ١٥٨٤] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ؟) فوضع يده على حلقه ، قال : كالذابح نفسه» (١).

[٢ / ١٥٨٥] وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يجاء بالعالم السوء يوم القيامة فيقذف في جهنّم فيدور بقصبه ـ قلت : وما قصبه؟ قال : أمعاؤه ـ كما يدور الحمار بالرحى ، فيقال : يا ويله ، بم لقيت هذا وإنّما اهتدينا بك؟! قال : كنت أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه» (٢).

[٢ / ١٥٨٦] وأخرج الطبراني عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به ، لم يزل في ظلّ سخط الله حتّى يكفّ أو يعمل ما قال ودعا إليه» (٣).

[٢ / ١٥٨٧] وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن ابن عبّاس أنّه جاءه رجل فقال : يا ابن عبّاس إنّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر! قال : أو بلغت ذلك؟ قال : أرجو. قال : فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل. قال : وما هنّ؟ قال : قوله عزوجل : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أحكمت هذه الآية؟ قال : لا. قال : فالحرف الثاني؟ قال : قوله تعالى : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)(٤) أحكمت هذه الآية؟ قال : لا. قال : فالحرف الثالث؟ قال : قول العبد الصالح شعيب : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ)(٥) أحكمت هذه الآية؟ قال : لا. قال : فابدأ بنفسك (٦).

[٢ / ١٥٨٨] وأخرج ابن المبارك في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان عن الشعبي قال : ما خطب خطيب في الدنيا إلّا سيعرض الله عليه خطبته يوم القيامة : ما أراد بها (٧).

[٢ / ١٥٨٩] وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال : ويل للّذي

__________________

(١) البرهان ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ / ٢ ؛ العيّاشي ١ : ٦١ / ٣٧ ؛ البحار ٩٧ : ٨٤ ـ ٨٥ / ٥٤.

(٢) الدرّ ١ : ١٥٨.

(٣) الدرّ ١ : ١٥٨ ؛ ابن كثير ١ : ٩٠ ؛ كنز العمّال ١٠ : ٢١٠ / ٢٩١٠٨ ؛ مجمع الزوائد ٧ : ٢٧٦.

(٤) الصف ٦١ : ٢ ـ ٣.

(٥) هود ١١ : ٨٨.

(٦) الدرّ ١ : ١٥٨ ؛ الشعب ٦ : ٨٨ ـ ٨٩ / ٧٥٦٩ ، باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ابن عساكر ٢٣ : ٧٣ ، رقم ٢٧٣٧ (شعيب بن أحمد) ؛ ابن كثير ١ : ٩٠.

(٧) الدرّ ١ : ١٥٨ ؛ الزهد ١ : ٤٤ / ١٣٦ ؛ الشعب ٤ : ٢٥٠ / ٤٩٦٨.

٥٤٢

لا يعلم ، مرّة! ولو شاء الله لعلّمه. وويل للّذي يعلم ولا يعمل ، سبع مرّات (١). (٢)

[٢ / ١٥٩٠] وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن مسعود قال : ويل لمن لا يعلم ، ولو شاء الله لعلّمه ، وويل لمن يعلم ثمّ لا يعمل ، سبع مرات (٣).

[٢ / ١٥٩١] وروى الطبرسيّ في مكارم الأخلاق : عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا ابن مسعود ، لا تكوننّ ممّن يهدي الناس إلى الخير ويأمرهم بالخير ، وهو غافل عنه ؛ يقول الله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ»)(٤).

[٢ / ١٥٩٢] وقال الحجّال عن أبي إسحاق عمّن ذكره في قوله : (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) : أي تتركون (٥).

[٢ / ١٥٩٣] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) قال : بالدخول في دين محمّد (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ) يقول : تدرسون الكتاب بذلك (أَفَلا تَعْقِلُونَ) تفهمون ، ينهاهم عن هذا الخلق القبيح (٦).

[٢ / ١٥٩٤] وقال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال ـ عزوجل ـ لقوم من مردة اليهود ومنافقيهم المحتجنين (٧) لأموال الفقراء ، الّذين يأمرون بالخير ويتركونه وينهون عن الشرّ ويرتكبونه ، قال : يا معاشر اليهود (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) بالصدقات وأداء الأمانات (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما به تأمرون (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) التوراة الآمرة بالخيرات والناهية عن المنكرات ، المخبرة عن عقاب المتمرّدين ، وعن عظيم الشرف الّذي يتطوّل الله به على الطائعين المجتهدين (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما عليكم من عقاب الله في أمركم بما به لا تأخذون وفي نهيكم عمّا أنتم فيه منهمكون» (٨).

__________________

(١) أي قال الكلام الأوّل مرّة واحدة. أمّا الكلام الأخير فقاله سبع مرّات.

(٢) الدرّ ١ : ١٥٨ ؛ المصنّف ٨ : ٣١٠ / ١٠٢ ، باب ٧٥ ؛ الزهد : ٢٢٠ / ٧٦٣ ، باب زهد أبي الدرداء ؛ كنز العمّال ١٦ : ٢٢١ / ٤٤٢٤٣ ؛ ابن عساكر ٤٧ : ١٤٨.

(٣) الدرّ ١ : ١٥٨ ؛ الزهد : ٢٤٦ / ٨٦٨ ، باب زهد ابن مسعود.

(٤) مستدرك الوسائل ١٢ : ٢٠٢ ؛ مكارم الأخلاق : ٤٥٧ ، الباب الثاني عشر ، الفصل الرابع ؛ البحار ٧٤ : ١٠٩ / ١.

(٥) البرهان ١ : ٢٠٩ / ٣ ؛ العيّاشي ١ : ٦٢ / ٣٨ ؛ البحار ٩٧ : ٨٥ / ٥٥.

(٦) الدرّ ١ : ١٥٦ ؛ الطبري ١ : ٣٦٨ / ٧٠٣ و ٧٠٩ و ٧١٠.

(٧) احتجن المال : احتجزه وضمّه إلى نفسه.

(٨) تفسير الإمام : ٢٣٣ ؛ البحار ٩ : ٣٠٨ ، باب ٢ ؛ البرهان ١ : ٢٠٦ / ١.

٥٤٣

[٢ / ١٥٩٥] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) قال : أولئك أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ولا ينتفعون بما فيه (١).

[٢ / ١٥٩٦] وأخرج الثعلبي والواحدي عن ابن عبّاس قال : نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة ، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينه وبينهم رضاع من المسلمين : اثبت على الدين الّذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل ـ يعنون به محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فإنّ أمره حقّ ، وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه (٢).

[٢ / ١٥٩٧] وأخرج ابن جرير عن السدّي في قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) قال : كانوا يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وهم يعصونه (٣).

[٢ / ١٥٩٨] وعن ابن جريج قال : أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ويدعون العمل بما يأمرون به الناس فعيّرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير فليكن أشدّ الناس فيه مسارعة (٤).

[٢ / ١٥٩٩] وعن ابن زيد قال : هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرجل يسألهم ما ليس فيه حقّ ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحقّ ، فقال الله لهم : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٥).

[٢ / ١٦٠٠] وقال أبو مسلم : كان اليهود يأمرون العرب بالإيمان بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بعث ، فلمّا بعث كفروا به (٦).

[٢ / ١٦٠١] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) : وذلك أنّ اليهود قالوا لبعض أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ محمّدا حقّ فاتّبعوه ترشدوا ، فقال الله ـ عزوجل ـ لليهود : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٥٦ ؛ الطبري ١ : ٣٦٨ / ٧٠٥ ، بلفظ : عن قتادة في قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) قال : كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبرّ ويخالفون فعيّرهم الله ؛ مجمع البيان ١ : ١٩٢ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٥١ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٦٨ / ٤٦.

(٢) الدرّ ١ : ١٥٦ ؛ القرطبي ١ : ٣٦٥ ؛ أسباب نزول الآيات : ١٤.

(٣) المصدر / ٧٠٤.

(٤) الطبري ١ : ٣٦٨ / ٧٠٦.

(٥) المصدر / ٧٠٧.

(٦) التبيان ١ : ١٩٩ ؛ مجمع البيان ١ : ١٩٢.

٥٤٤

بِالْبِرِّ) يعني أصحاب محمّد (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) يقول : وتتركون أنفسكم فلا تتّبعوه (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) يعني التوراة فيها بيان أمر محمّد ونعته (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أنتم فتتّبعونه (١).

قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)

[٢ / ١٦٠٢] قال الرمّاني وغيره : هو خطاب لأهل الكتاب ، ويتناول المؤمنين على وجه التأديب (٢).

[٢ / ١٦٠٣] وقال الجبّانى : إنّه خطاب للمسلمين دون أهل الكتاب (٣).

[٢ / ١٦٠٤] وروى العيّاشي عن عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الصبر هو الصوم» (٤).

[٢ / ١٦٠٥] وقال عليّ بن إبراهيم : الصبر الصوم (٥).

[٢ / ١٦٠٦] وروى الكليني عن شيخه عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سليمان عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قول الله ـ عزوجل ـ : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) قال : يعني بالصبر الصيام. وقال : إذا نزلت بالرجل النازلة والشدّة فليصم ، فإنّ الله عزوجل يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ) يعني الصيام».

ورواه الصدوق مرسلا عن الصادق عليه‌السلام مثله (٦).

[٢ / ١٦٠٧] وقال مجاهد : الصبر في هذه الآية : الصوم ومنه قيل لرمضان : شهر الصبر (٧).

[٢ / ١٦٠٨] وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العزاء وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : الصبر اعتراف العبد الله بما أصاب منه ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلّد لا يرى

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ١٠٢.

(٢) التبيان ١ : ٢٠١ ؛ نقلا عن الرمّاني والطبري ؛ مجمع البيان ١ : ١٩٤.

(٣) التبيان ١ : ٢٠١ ؛ مجمع البيان ١ : ١٩٤.

(٤) العيّاشي ١ : ٦٢ / ٤٠ ؛ البحار ٩٣ : ٢٥٤ / ٢٩.

(٥) القمّي ١ : ٤٦.

(٦) نور الثقلين ١ : ٧٦ ؛ الكافي ٤ : ٦٣ ـ ٦٤ / ٧ ، كتاب الصيام ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ؛ الفقيه ٢ : ٧٦ / ١٧٧٦ و ١٧٧٧ كتاب الصوم ، باب فضل الصيام ؛ العيّاشي ١ : ٦٢ / ٤١ ؛ البحار ٩٣ : ٢٥٤ / ٣٠.

(٧) القرطبي ١ : ٣٧٢ ؛ ابن كثير ١ : ٩٠ ؛ البغوي ١ : ١١٢ ؛ الوسيط ١ : ١٣١.

٥٤٥

منه إلّا الصبر (١).

[٢ / ١٦٠٩] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن الخطّاب قال : الصبر صبران ، صبر عند المصيبة حسن ، وأحسن منه الصبر عن محارم الله! (٢)

[٢ / ١٦١٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : الصبر في بابين ، الصبر لله فيما أحبّ وإن ثقل على الأنفس والأبدان ، والصبر لله عمّا كره وإن نازعت إليه الأهواء ، فمن كان هكذا فهو من الصابرين الّذين يسلّم عليهم إن شاء الله تعالى (٣).

[٢ / ١٦١١] وقال عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام : «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين ينادي مناد : أين الصابرون ، ليدخلوا الجنّة بغير حساب؟ قالوا : نعم. قالوا : ومن أنتم؟ قالوا : نحن الصابرون! قالوا : وما صبركم؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله وصبرنا على معصية الله حتّى توفّانا الله! قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنّة ، فنعم أجر العاملين».

قال ابن كثير : ويشهد لهذا قوله تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٤).

[٢ / ١٦١٢] وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وأبو الشيخ في الثواب والديلمي في مسند الفردوس عن عليّ عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصبر ثلاثة ؛ فصبر على المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر على المعصية» (٥).

[٢ / ١٦١٣] وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وحسّنه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وفي الأسماء والصفات عن ابن عبّاس قال : كنت رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «يا غلام ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟ قلت : بلى! قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة ، واعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأنّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأنّ الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يرد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك ، أو أن يصرفوا عنك شيئا أراد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك ، وأن قد جفّ القلم بما هو

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٥٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٠٢ / ٤٨٥ ؛ ابن كثير ١ : ٩٠ و ٢٠٢.

(٢) الدرّ ١ : ١٥٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٠٢ / ٤٨٤ ، وزاد : وروي عن الحسن نحو قول عمر ؛ ابن كثير ١ : ٩٠ ؛ كنز العمّال ٣ : ٧٥١ / ٨٦٥٣.

(٣) الدرّ ١ : ١٦٠ ؛ ابن كثير ١ : ٢٠٢ ، سورة البقرة ، الآية ١٥٣.

(٤) ابن كثير ١ : ٢٠٢ ، والآية من سورة الزمر ٣٩ : ١٠.

(٥) الدرّ ١ : ١٥٩ ؛ كنز العمّال ٣ : ٢٧٣ / ٦٥١٥.

٥٤٦

كائن إلى يوم القيامة (١) ، فإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، وإذا اعتصمت فاعتصم بالله ، واعمل لله بالشكر في اليقين ، واعلم أنّ الصبر على ما تكره خير كثير ، وأنّ النصر مع الصبر ، وأنّ الفرج مع الكرب ، وأنّ مع العسر يسرا» (٢).

[٢ / ١٦١٤] وأخرج الدار قطني في الأفراد وابن مردويه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن سهل بن سعد الساعدي. أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعبد الله بن عبّاس : «ألا أعلّمك كلمات تنتفع بهنّ؟ قال : بلى يا رسول الله! قال : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدّة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، جفّ القلم بما هو كائن ، فلو جهد العباد أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه ، ولو جهد العباد أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، فإن استطعت أن تعمل لله بالصدق في اليقين فافعل ، فإن لم تستطع فإنّ في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا. واعلم أنّ النصر مع الصبر ، وأنّ الفرج مع الكرب ، وأنّ مع العسر يسرا» (٣).

[٢ / ١٦١٥] وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عبّاس قال : كنت ذات يوم رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ألا أعلّمك خصالا ينفعك الله بهنّ؟ قلت : بلى. قال : عليك بالعلم ، فإنّ العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل دليله ، والعمل قيّمه ، والرفق أبوه ، واللين أخوه ، والصبر أمير جنوده» (٤).

__________________

(١) حديث جفّ القلم بما هو كائن ، من الأحاديث المتشابهة وعليه مسحة إسرائيليّة ظاهرة ، علّنا نحاول تأويله إلى تخريج مقبول في مجال يأتي إن شاء الله.

(٢) الدرّ ١ : ١٥٩ ؛ مسند أحمد ١ : ٣٠٧ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد : ٢١٤ / ٦٣٦ ؛ الترمذي ٤ : ٧٦ / ٢٦٣٥ ، أبواب صفة القيامة ؛ الشعب ٢ : ٢٨ / ١٠٧٥ ، باب في الرجاء من الله تعالى ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الأوّل : ١٢٦ ، جماع أبواب ذكر الأسماء الّتي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه ؛ الحاكم ٣ : ٥٤١ ، كتاب معرفة الصحابة ؛ كنز العمّال ١ : ١٣٣ ـ ١٣٤ / ٦٣١.

(٣) الدرّ ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ ؛ شعب الإيمان ٢ : ٢٧ ـ ٢٨ / ١٠٧٤ ، باختلاف يسير ، باب في الرجاء من الله تعالى.

(٤) الدرّ ١ : ١٦٠ ؛ النوادر ١ : ٢١٠ ، الأصل التاسع والثلاثون ، في مراتب الأخلاق وفضل العلم ؛ كنز العمّال ١٥ : ٩٠٣ / ٤٣٥٥٨.

٥٤٧

[٢ / ١٦١٦] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والخرائطي في كتاب الشكر عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإيمان نصفان ، فنصف في الصبر ، ونصف في الشكر» (١).

[٢ / ١٦١٧] وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصبر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كلّه».

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود موقوفا مثله. وقال البيهقي : إنّه المحفوظ (٢).

[٢ / ١٦١٨] وأخرج البيهقي عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «الإيمان على أربع دعائم : على الصبر والعدل واليقين والجهاد» (٣).

[٢ / ١٦١٩] وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال : «قيل : يا رسول الله أيّ الإيمان أفضل؟ قال : الصبر والسماحة! قيل : فأيّ المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال : أحسنهم خلقا» (٤).

[٢ / ١٦٢٠] وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن أبيه عن جدّه قال : «بينا أنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله ما الإيمان؟ قال : الصبر والسماحة! قال : فأيّ الإسلام أفضل؟ قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده! قال : فأيّ الهجرة أفضل؟ قال : من هجر السوء! قال : فأيّ الجهاد أفضل؟ قال : من أهرق دمه وعقر جواده. قال : فأيّ الصدقة أفضل؟ قال : جهد المقلّ. قال : فأيّ الصلاة أفضل؟ قال : طول القنوت» (٥).

[٢ / ١٦٢١] وأخرج أحمد والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : قال رجل : «يا رسول الله أيّ العمل

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦٠ ؛ الشعب ٧ : ١٢٣ / ٩٧١٥ ، باب في الصبر على المصائب ؛ كنز العمّال ١ : ٣٦ / ٦١ ؛ فضيلة الشكر لله للسامري : ٣٩.

(٢) الدرّ ١ : ١٦٠ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٣ / ٩٧١٦ و ٩٧١٧ ؛ الكبير ٩ : ١٠٤ ؛ مجمع الزوائد ١ : ٥٧ ، كتاب الإيمان ، باب في كمال الإيمان ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ؛ كنز العمّال ٣ : ٢٧١ / ٦٤٩٨.

(٣) الدرّ ١ : ١٦٠ ؛ شعب الإيمان ١ : ٧٠ ـ ٧١ / ٣٩ باختلاف ، باب القول في زيادة الإيمان ونقصانه وتفاضل أهل الإيمان في إيمانهم ؛ كنز العمّال ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ / ١٣٨٧ ؛ ابن عساكر ٤٢ : ٥١٥ رقم ٤٩٣٣ ، ترجمة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٤) الدرّ ١ : ١٦٠ ؛ المصنّف ٧ : ٢٢٢ / ٤٢ ، باب ٦ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٢ / ٩٧١١ ؛ كنز العمّال ٣ : ٦٦٥ / ٨٤٠٠.

(٥) الدرّ ١ : ١٦٠ ـ ١٦١ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٢ ـ ١٢٣ / ٩٧١٢ ؛ كنز العمّال ١ : ٢٨٩ / ١٤٠٠.

٥٤٨

أفضل؟ قال : الصبر والسماحة! قال : أريد أفضل من ذلك ؛ قال : لا تتّهم الله في شيء من قضائه» (١).

[٢ / ١٦٢٢] وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أفضل الإيمان الصبر والسماحة» (٢).

[٢ / ١٦٢٣] وأخرج البيهقي عن الحسن قال : الإيمان الصبر والسماحة ، الصبر عن محارم الله وأداء فرائض الله (٣).

[٢ / ١٦٢٤] وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان والبيهقي عن عليّ عليه‌السلام قال : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، إذا قطع الرأس نتن باقي الجسد ، ولا إيمان لمن لا صبر له» (٤).

[٢ / ١٦٢٥] وأخرج البيهقي عن عسعس «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد رجلا فسأل عنه ، فجاء فقال : يا رسول الله إنّي أردت أن آتي هذا الجبل فأخلو فيه وأتعبّد! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لصبر أحدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الإسلام ، خير من عبادته خاليا ، أربعين سنة» (٥).

[٢ / ١٦٢٦] وأخرج أيضا من طريق عسعس بن سلامة عن أبي حاضر الأسدي «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد رجلا فسأل عنه ، فقيل : إنّه قد تفرّد يتعبّد! فبعث إليه فأتي إليه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إنّ موطنا من مواطن المسلمين أفضل من عبادة الرجل وحده ستّين سنة ، قالها ثلاثا» (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ مسند أحمد ٥ : ٣١٩ ، بلفظ : «... عبادة بن الصامت يقول : إنّ رجلا أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا نبيّ الله أيّ العمل أفضل؟ قال : الإيمان بالله والتصديق به وجهاد في سبيله. قال : أريد أهون من ذلك يا رسول الله ، قال : السماحة والصبر. قال : أريد أهون من ذلك يا رسول الله ، قال : لا تتّهم الله تبارك وتعالى في شيء قضي لك به» ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٣ / ٩٧١٤ ؛ كنز العمّال ٣ : ٧١٢ / ٨٥٤٠.

(٢) الدرّ ١ : ١٦٢ ؛ الزهد : ٣٤ / ٥٢ ؛ شعب الإيمان ٧ : ٤٢٦ / ١٠٨٣٨ ، باب في الجود والسخاء ؛ كنز العمّال ١ : ٢٨٨ / ١٣٩٣.

(٣) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٢ / ٩٧٠٩ ؛ كنز العمّال ١ : ٢٨٨ / ١٣٩٤.

(٤) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ المصنّف ٧ : ٢٢٩ / ٨٨ ، كتاب الإيمان والرؤيا ، باب ٦ ؛ شعب الإيمان ١ : ٧١ / ٤٠ ، باب القول في زيادة الإيمان ونقصانه وبلفظ : قال عليّ عليه‌السلام : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان ؛ القرطبي ١ : ٣٧٢ ، باختصار وتوضيح.

(٥) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٦ / ٩٧٢٧ ؛ كنز العمّال ٤ : ٤٥٤ / ١١٣٥٤ ، باختلاف.

(٦) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٦ ـ ١٢٧ / ٩٧٢٩ ، باختلاف ؛ كنز العمّال ٤ : ٤٥٤ ـ ٤٥٥ / ١١٣٥٥.

٥٤٩

[٢ / ١٦٢٧] وأخرج البخاري في الأدب والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «المؤمن الّذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، خير من المؤمن الّذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (١).

[٢ / ١٦٢٨] وأخرج البيهقي عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيّكم يسرّه أن يقيه الله من فيح جهنّم؟ ثمّ قال : ألا إنّ عمل الجنّة حزن بربوة ، ثلاثا ، ألا إنّ عمل النار سهل لشهوة ، ثلاثا ، والسعيد من وقي الفتن ، ومن ابتلي فصبر ؛ فيالها ثمّ يالها ...!» (٢).

[٢ / ١٦٢٩] وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أدخل نفسك في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر ، وليردّك عن الناس ما تعلم من نفسك» (٣).

[٢ / ١٦٣٠] وأخرج البيهقي عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قضى نهمته في الدنيا ، حيل بينه وبين شهوته في الآخرة ، ومن مدّ عينيه إلى زينة المترفين ، كان مهينا في ملكوت السماء ، ومن صبر على القوت الشديد أسكنه الله الفردوس حيث شاء» (٤).

[٢ / ١٦٣١] وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي ـ واللفظ له ـ عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه قال : «قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافا ، وصبر على ذلك!» (٥)

[٢ / ١٦٣٢] وأخرج البيهقي عن أبي الحويرث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «طوبى لمن رزقه الله

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦١ ـ ١٦٢ ؛ الأدب المفرد : ٨٩ / ٣٨٨ ؛ الترمذي ٤ : ٧٣ / ٢٦٢٥ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٣٣٨ / ٤٠٣٢ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤٣ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٧ / ٩٧٣٠ ؛ كنز العمّال ١ : ١٤٢ / ٦٨٦.

(٢) الدرّ ١ : ١٦٢ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٤٧ ـ ١٤٨ / ٩٧٩٦ ؛ كنز العمّال ١٦ : ١٣٤ ـ ١٣٥ / ٤٤١٥٩.

(٣) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٤ / ٩٧١٩ ؛ كنز العمّال ١٥ : ٨٠٢ / ٤٣١٨٣.

(٤) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٥ / ٩٧٢٢ ؛ كنز العمّال ٣ : ٢٢٧ / ٦٢٧٧.

(٥) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ مسند أحمد ٢ : ١٦٨ ، بلفظ : «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه» ؛ مسلم ٣ : ١٠٢ بنحو ما رواه أحمد ؛ الترمذي ٤ : ٦ / ٢٤٥٢ ، أبواب الزهد ، باب ٢٣ ، بنحو ما رواه أحمد ؛ ابن ماجة ٢ : ١٣٨٦ / ٤١٣٨ ، باب ٩ ، بلفظ : «قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع به» ؛ الكبرى ٤ : ١٩٦ ، بنحو ما رواه أحمد ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٥ / ٩٧٢٣ ؛ الحاكم ٤ : ١٢٣ ، كتاب الأطعمة ، بنحو ما رواه أحمد ؛ كنز العمّال ٣ : ٣٩٣ / ٧١٠٣ ، بنحو ما رواه أحمد.

٥٥٠

الكفاف وصبر عليه» (١)

[٢ / ١٦٣٣] وأخرج أيضا عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما صبر أهل بيت على جهد ثلاثا إلّا أتاهم الله برزق».

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث ابن عمر. مثله (٢).

[٢ / ١٦٣٤] وأخرج البيهقي عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من جاع أو احتاج فكتمه الناس كان حقّا على الله أن يرزقه رزق سنة من حلال» (٣).

[٢ / ١٦٣٥] وأخرج أيضا عن ابن عبّاس قال : ما من مؤمن تقيّ يحبس الله عنه الدنيا ثلاثة أيّام وهو في ذلك راض عن الله من غير جزع ، إلّا وجبت له الجنّة (٤).

[٢ / ١٦٣٦] وأخرج عن شريح بن الحارث القاضي! قال : إنّي لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرّات : أحمده إذ لم تكن أعظم ممّا هي ، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها ، وأحمده إذ وفّقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب ، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني (٥).

قلت : وليته عند ما واكب الطاغية عبيد الله بن زياد في مآثمه في وقعة الطفّ بكربلاء ، ليته عند ذاك ذكر الله ولم ينجرف مع ركب الضلال!! وقد نفاه المختار بن أبي عبيدة الثقفي إلى قرية «بانقيا» يقضي بين اليهود هناك ، حيث أبغضته الشيعة بالكوفة لموضعه ذاك البغيض (٦).

[٢ / ١٦٣٧] وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصحابه ذات يوم فقال : «هل منكم من يريد أن يؤتيه الله علما بغير تعلّم ، وهدى بغير هداية؟ هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا؟ ألا إنّه من زهد في الدنيا وقصر أمله فيها ، أعطاه الله

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦١ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٢٥ / ٩٧٢٤ ؛ كنز العمّال ٣ : ٣٩٢ / ٧١٠٠ ، نقلا عن عبد الله بن حنطب.

(٢) الدرّ ١ : ١٦٢ ؛ شعب الإيمان ٧ : ٢١٥ / ١٠٠٥٣ ؛ النوادر ١ : ٢٥٣ ، الأصل ٤٧ ؛ كنز العمّال ٦ : ٤٧٢ / ١٦٦٠٦ ؛ أبو يعلى ١٠ : ٧٠ / ٥٧٠٨ ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ٢٥٦ ، قال الهيثمي : رواه أبو يعلى ورجاله وثقوا.

(٣) الدرّ ١ : ١٦٢ ؛ شعب الإيمان ٧ : ٢١٥ ـ ٢١٦ / ١٠٠٥٤.

(٤) الدرّ ١ : ١٦٢ ؛ شعب الإيمان ٧ : ٢٢٩ / ١٠١١٤.

(٥) الدرّ ١ : ١٦٢ ؛ شعب الإيمان ٧ : ١٩٨ / ٩٩٨٠ ؛ ابن عساكر ٢٣ : ٤٢ ، رقم ٢٧٣٣.

(٦) راجع : ابن أبي الحديد ، شرح النهج ٤ : ٩٨. وتاريخ الطبري ٦ : ٣٤ ـ ٣٥. والتستري في القاموس ٥ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.

٥٥١

علما بغير تعلّم ، وهدى بغير هداية ، ألا إنّه سيكون بعدكم أقوام لا يستقيم لهم الملك إلّا بالقتل والتجبّر ، ولا الغنى إلّا بالبخل والفخر ، ولا المحبّة إلّا بالاستجرام في الدين واتّباع الهوى ، ألا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر وهو يقدر على الغنى ، وصبر للبغضاء وهو يقدر على المحبّة ، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العزّ ، لا يريد بذلك إلّا وجه الله ، أعطاه الله ثواب خمسين صدّيقا» (١).

[٢ / ١٦٣٨] وأخرج مالك وأحمد والبخارى ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبى سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّه من يستعفّ يعفّه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ومن يتصبّر يصبّره الله ، ولم تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر!». (٢)

[٢ / ١٦٣٩] وأخرج أحمد في الزهد عن ابن الخطّاب قال : وجدنا خير عيشنا بالصبر! (٣).

[٢ / ١٦٤٠] وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران قال : ما نال رجل من جسيم الخير ـ نبيّ ولا غيره ـ إلّا بالصبر! (٤).

[٢ / ١٦٤١] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قال : إنّهما معونتان من الله فاستعينوا بهما (٥).

[٢ / ١٦٤٢] وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قال : إنّهما معونتان على رحمة الله (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦٢ ؛ شعب الإيمان ٧ : ٣٦٠ / ١٠٥٨٢ ، باب في الزهد وقصر الأمل ؛ كنز العمّال ٣ : ٢٠٩ / ٢١٠ / ٦١٩٥.

(٢) الدرّ ١ : ١٦٢ ـ ١٦٣ ؛ الموطّأ ٢ : ٩٩٧ / ٧ ، كتاب الصدقة ؛ مسند أحمد ٣ : ١٢ ، باختلاف ؛ البخاري ٢ : ١٢٩ ، كتاب الزكاة ، باب ٥٠ : (الاستعفاف عن المسألة) و ٧ : ١٨٣ ، كتاب الرقاق ، باب ٢٠ (باب الصبر عن محارم الله) ؛ مسلم ٣ : ١٠٢ ، كتاب الزكاة ، باب فضل التعفّف والصبر ؛ أبو داوود ١ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ / ١٦٤٤ ، كتاب الزكاة ، باب ٢٩ (في الاستعفاف) ؛ الترمذي ٣ : ٢٥٢ / ٢٠٩٣ ، أبواب البرّ والصلة ، باب ٧٦ (ما جاء في الصبر) ؛ النسائي ٢ : ٥٠ ـ ٥١ / ٢٣٦٩ ، كتاب الزكاة ، باب ٨٧ (الاستعفاف عن المسألة) ؛ شعب الإيمان ٣ : ٢٦٧ / ٣٥٠٣ ، باختلاف ، باب في الزكاة ، فصل في الاستعفاف عن المسألة ؛ كنز العمّال ٦ : ٥٠٠ / ١٦٧١٤ ، باختلاف.

(٣) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ الزهد : ١٨٨ / ٦١١ ؛ البخاري ٧ : ١٨٣ ، كتاب الرقاق ، باب ٢٠ (باب الصبر عن محارم الله) ؛ كنز العمّال ٣ : ٧٤٤ / ٨٦٣٣.

(٤) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ الحلية ٤ : ٩٠ ، باب ٢٥١ (ميمون بن مهران).

(٥) الدرّ ١ : ١٥٩.

(٦) الطبري ١ : ٣٧٢ / ٧١٤ ؛ ابن كثير ١ : ٩١.

٥٥٢

[٢ / ١٦٤٣] وأخرج عن أبي العالية في قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) قال : يقول : استعينوا بالصبر والصلاة على مرضاة الله ؛ واعلموا أنّهما من طاعة الله (١).

[٢ / ١٦٤٤] وروى العيّاشي عن مسمع ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا أن يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما ، أما سمعت الله يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ؟)(٢).

[٢ / ١٦٤٥] وروى الكليني بالإسناد إلى أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان عليّ عليه‌السلام إذا هاله شيء فزع إلى الصلاة» ثمّ تلا هذه الآية : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(٣).

[٢ / ١٦٤٦] وأخرج أحمد وأبو داوود وابن جرير عن حذيقة قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» (٤).

قال ابن الأثير : وفي الحديث : «كان إذا حزبه أمر صلّى» أي إذا نزل به مهمّ أو أصابه غمّ (٥).

[٢ / ١٦٤٧] وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن أبي الدرداء قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كانت ليلة ريح ، كان مفزعه إلى المسجد حتّى يسكن ، وإذا حدث في السماء حدث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى المصلّى حتّى تنجلي» (٦).

[٢ / ١٦٤٨] وأخرج أحمد والنسائي وابن حبّان عن صهيب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كانوا ـ يعني الأنبياء ـ يفزعون إذا فزّعوا إلى الصلاة» (٧).

[٢ / ١٦٤٩] وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ الطبري ١ : ٣٧١ / ٧١٣ بلفظ : قال يقول : استعينوا بالصبر والصلاة على مرضاة الله ، و ٢ : ٥٣ / ١٩٢٠ ؛ ابن كثير ١ : ٩٠.

(٢) البرهان ١ : ٢١٠ / ٤ ؛ العيّاشي ١ : ٦٢ / ٣٩ ؛ البحار ٨٨ : ٣٤٨ / ١٠ ؛ مجمع البيان ١ : ١٩٤.

(٣) البرهان ١ : ٢١٠ / ٢ ؛ الكافي ٣ : ٤٨٠ / ١ ، كتاب الصلاة ، باب صلاة من خاف مكروها ؛ الصافي ١ : ١٨٤.

(٤) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ مسند أحمد ٥ : ٣٨٨ ؛ أبو داوود ١ : ٢٩٧ / ١٣١٩ ؛ الطبري ١ : ٣٧١ / ٧١١ ؛ ابن كثير ١ : ٩١ ، بطرق.

(٥) النهاية ١ : ٣٧٧.

(٦) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ كنز العمّال ٨ : ٣٠٨ / ٢٣٠٥٦ ؛ ابن عساكر ١٩ : ١٥٢ ، رقم ٢٣٠٢ (زياد بن صخر).

(٧) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ مسند أحمد ٤ : ٣٣٣ ؛ النسائي ٦ : ١٥٧ / ١٠٤٥٠ ؛ ابن حبّان ٥ : ٣١٢ / ١٩٧٥ ؛ كنز العمّال ٧ : ٢١٨ / ١٨٦٩٨.

٥٥٣

عبّاس : أنّه كان في مسير له فنعي إليه ابن له ، فنزل فصلّى ركعتين ثمّ استرجع وقال : فعلنا كما أمرنا الله فقال : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)(١).

[٢ / ١٦٥٠] وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عبّاس : أنّه نعي إليه أخوه قثم وهو في مسير فاسترجع ، ثمّ تنحّى عن الطريق فصلّى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثمّ قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)(٢).

[٢ / ١٦٥١] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبادة بن محمّد بن عبادة بن الصامت قال : لمّا حضرت عبادة الوفاة قال : أحرج على إنسان منكم يبكي ، فإذا خرجت نفسي فتوضّؤوا وأحسنوا الوضوء ، ثمّ ليدخل كلّ إنسان منكم مسجدا فيصلّي ، ثمّ يستغفر الله لعبادة ولنفسه ، فإنّ الله تبارك وتعالى قال : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ثمّ أسرعوا بي إلى حفرتي (٣).

[٢ / ١٦٥٢] وأخرج البيهقي في الشعب عن مقاتل بن حيّان في قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) يقول : استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة ، فحافظوا عليها وعلى مواقيتها وتلاوة القرآن فيها ، وركوعها وسجودها وتكبيرها والتشهّد فيها والصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإكمال طهورها فذلك إقامتها وإتمامها (٤).

[٢ / ١٦٥٣] وأخرج عبد الرزّاق في المصنّف والبيهقي من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمان بن عوف عن أمّه أمّ كلثوم بنت عقبة ـ وكانت من المهاجرات الأول ـ أنّ عبد الرحمان ابن عوف غشي عليه غشية ظنّوا أنّه أفاض نفسه فيها. فخرجت امرأته أمّ كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة! فلمّا أفاق قال : أغشي عليّ آنفا؟ قالوا : نعم. قال : صدقتم ، إنّه أتاني ملكان في غشيتي هذه فقالا لي : انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين! فقال ملك آخر : أرجعاه

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة بلفظ : عن ابن عبّاس قال : جاءه نعي بعض أهله وهو في سفر فصلّى ركعتين ثمّ قال : فعلنا ما أمر الله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ؛ الشعب ٧ : ١١٤ / ٩٦٨١.

(٢) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ الطبري ١ : ٣٧١ / ٧١٢ ؛ الشعب ٧ : ١١٤ / ٩٦٨٢ ، باب : الصبر على المصائب ؛ البحار ٨٨ : ٣٨٣ / ١٠.

(٣) الدرّ ١ : ١٦٣ ؛ الشعب ٧ : ١١٤ / ٩٦٨٣ ؛ كنز العمّال ١٣ : ٥٥٥ / ٣٧٤٤٣.

(٤) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الشعب ٧ : ١١٥ / ٩٦٨٥.

٥٥٤

فإنّ هذا ممّن كتبت له السعادة وهم في بطون أمّهاتهم ، وسيمتّع الله به بنيه ما شاء الله .. قال : فعاش بعد ذلك شهرا ثمّ مات (١).

قلت : ولعلّها السعادة العاجلة الدنيّة الّتي عاشها أمثاله ؛ إذ لا سعادة عليا باقية لمن مات عن كره لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢)! كيف وقد وصفه عمر بن الخطّاب ـ وهو أعرف الناس به ـ بفرعون هذه الأمّة ، حينما اعتذر إليه عن عدم استخلافه ، قائلا : «وأمّا أنت يا عبد الرحمان فما يمنعني منك إلّا أنّك فرعون هذه الأمة» (٣).

قال المحقّق التستري : بل وقارونها ، حيث تضخّم ثروته الطائلة! قال ابن قتيبة : قسّم ميراثه على ستّة عشر سهما فبلغ نصيب كلّ امرأة له ثمانين ألف درهم (٤).

مات سنة ٣٢ عن شحناء بينه وبين آل عثمان من جهة ، وبينه وبين آل عليّ من جهة. إذ قد استجيبت عليه دعوة العبد الصالح الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام حينما أدار الخلافة لصهره ، قال له عليّ : «دقّ الله بينكما ، عطر منشم! (٥)» (٦). قال أبو الهلال العسكري في كتابه «الأوائل» : استجيبت دعوة عليّ عليه‌السلام فيهما ، فماتا متهاجرين متعاديين (٧).

قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)

[٢ / ١٦٥٤] أخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) قال : قال المشركون : والله يا محمّد إنّك لتدعونا إلى أمر كبير! قال : إلى الصلاة والإيمان بالله! (٨).

__________________

(١) المصنّف لعبد الرزّاق ١١ : ١١٢ / ٢٠٠٦٥ ، باب ١٣٤ (القدر) ؛ شعب الإيمان ٧ : ١١٥ / ٩٦٨٤ ؛ الدرّ ١ : ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٢) روى الثعلبي بإسناد اعتمده عن جرير بن عبد الله البجلّي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة» (الثعلبي ٨ : ٣١٤). ورواه صاحب الكشّاف (٤ : ٢٢٠ ـ ٢٢١) ؛ وفي ينابيع المودّة (٣ : ١٤٠) ؛ وراجع : البحار (٢٧ : ١١٢ / ٨٤).

(٣) الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ٢٩.

(٤) المعارف لابن قتيبة : ١٠٤. وراجع : قاموس الرجال للتستري ٦ : ١٣٤ / ٤٠٥٧.

(٥) شرح النهج لابن أبي الحديد ٩ : ٥٥.

(٦) منشم : امرأة عطّارة من خزاعة ؛ فتحالف قوم فأدخلوا أيديهم في عطرها على أن يقاتلوا حتّى يموتوا ؛ فضرب مثلا لكلّ من تحالف مع غيره واشتدّ التحالف بينهما.

(٧) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ : ١٩٦.

(٨) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الطبري ١ : ٣٧٢ / ٧١٥.

٥٥٥

[٢ / ١٦٥٥] وأخرج عن الضحّاك في قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) قال : لثقيلة (١).

[٢ / ١٦٥٦] وأخرج البيهقي في الشعب عن مقاتل بن حيّان في قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) يقول : صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة كبر ذلك على المنافقين واليهود (٢).

[٢ / ١٦٥٧] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَاسْتَعِينُوا) على طلب الآخرة (بِالصَّبْرِ) على الفرائض (وَالصَّلاةِ) الخمس حافظوا عليها في مواقيتها (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) يعني حين صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة فكبر ذلك على اليهود ، منهم جديّ بن أخطب ، وسعيد بن عمرو الشاعر ، وغيرهم ثمّ استثنى فقال : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) يعني إلّا على المتواضعين من المؤمنين لم يكبر عليهم تحويل القبلة (٣).

[٢ / ١٦٥٨] وأخرج البيهقي في الشعب عن مقاتل بن حيّان في قوله : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) يعني المتواضعين (٤).

[٢ / ١٦٥٩] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) قال : المصدّقين بما أنزل الله (٥).

[٢ / ١٦٦٠] وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) قال : المؤمنين حقّا (٦).

[٢ / ١٦٦١] وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) قال : الخائفين (٧).

[٢ / ١٦٦٢] وقال الورّاق : يعني العابدين المطيعين (٨).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الطبري ١ : ٣٧٢ / ٧١٦ ؛ ابن كثير ١ : ٩١ ؛ التبيان ١ : ٢٠٣ ، نقلا عن الحسن والضحّاك ؛ مجمع البيان ١ : ١٩٦ ؛ الوسيط ١ : ١٣١ ، وعن الحسن.

(٢) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الشعب ٧ : ١١٥ / ٩٦٨٥.

(٣) تفسير مقاتل ١ : ١٠٢.

(٤) الشعب ٧ : ١١٥ / ٩٦٨٥ ؛ الثعلبي ١ : ١٨٩ ؛ البغوي ١ : ١١٢.

(٥) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الطبري ١ : ٣٧٢ / ٧١٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٠٣ / ٤٨٩ ؛ البيهقي ٢ : ١٣.

(٦) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الطبري ١ : ٣٧٢ / ٧١٩ ؛ البخاري ٥ : ١٤٧ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة.

(٧) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الطبري ١ : ٣٧٢ / ٧١٨ ؛ التبيان ١ : ٢٠٤ ، نقلا عن الربيع بن أنس ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٥٧ ، نقلا عن الربيع بن أنس ؛ الثعلبي ١ : ١٨٩ ، نقلا عن الحسن ؛ البغوي ١ : ١١٢ ، نقلا عن الحسن.

(٨) الثعلبي ١ : ١٨٩.

٥٥٦

[٢ / ١٦٦٣] وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : الخشوع : الخوف والخشية لله. وقرأ قول الله : (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ)(١) قال : قد أذلّهم الخوف الّذي نزل بهم وخشعوا له (٢).

[٢ / ١٦٦٤] وقال قتادة : الخشوع في القلب ، وهو الخوف وغضّ البصر في الصلاة (٣).

[٢ / ١٦٦٥] وقال سفيان الثوري : سألت الأعمش عن الخشوع؟ فقال : يا ثوري أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع! سألت إبراهيم النخعي عن الخشوع فقال : أعيمش! تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع! ليس الخشوع بأكل الجشب ولبس الخشن وتطأطؤ الرأس! لكنّ الخشوع أن ترى الشريف والدنيّ في الحقّ سواء ، وتخشع لله في كلّ فرض افترض عليك! (٤)

[٢ / ١٦٦٦] وروى الحاكم بالإسناد إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)(٥) قال : «الخشوع في القلب. وأن تليّن كفّيك للمرء المسلم ، وأن لا تلتفت في صلاتك!». (٦)

[٢ / ١٦٦٧] وروى ابن شهرآشوب بالإسناد إلى الباقر عليه‌السلام وابن عبّاس في قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) قالا : «الخاشع ، الذليل في صلاته المقبل عليها ، كما كان رسول الله وأمير المؤمنين عليهما صلوات المصلّين» (٧).

***

قال الطبرسي : وفي مرجع الضمير من قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) وجوه وأقوال :

أحدها : أنّه عائد إلى الصلاة وحدها. وهو قول أكثر المفسرين.

__________________

(١) الشورى ٤٢ : ٤٥.

(٢) الطبري ١ : ٣٧٣ / ٧٢٠.

(٣) القرطبي ١ : ٣٧٤.

(٤) القرطبي ١ : ٣٧٥.

(٥) المؤمنون ٢٣ : ٢.

(٦) الحاكم ٢ : ٣٩٣ ، كتاب التفسير ، سورة المؤمنون ؛ القرطبي ١ : ٣٧٥. قوله : «تليّن كفّيك ...» يقال : ليّن الشيء وألانه : جعله ليّنا. يقال : ألان للقوم جناحه أي أخذهم بالملاطفة. وتليين الكفّ كناية عن البذل لهم لما آتاه الله من المكنة.

(٧) البرهان ١ : ٢١١ / ٧ ؛ المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٣٠٢ ؛ البحار ٣٥ : ٣٤٨ / ٢٧ ، عن ابن عبّاس ؛ تفسير فرات الكوفي : ٥٩ ـ ٦٠ / ٢١ / ١٢ عن ابن عبّاس ؛ شواهد التنزيل ١ : ١١٥.

٥٥٧

[٢ / ١٦٦٨] قال عليّ بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ ...). يعني الصلاة (١).

ثانيها : أنّه عائد إلى الصبر والصلاة معا. وعود ضمير الفرد إلى الاثنين ، باعتبار أنّ كلّا منهما أصل برأسه ، شائع. نظير قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ)(٢). وقوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)(٣). وقوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٤). قال : ونحو ذلك في الشعر وسائر الكلام كثير.

ثالثها : أنّه عائد إلى الاستعانة بهما.

رابعها : أنّه عائد إلى محذوف (مقدّر معلوم) وهو : الإجابة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره الأصمّ. أو مؤاخذة النفس بهما. أو تأدية ما تقدّم. أو تأدية الصلاة وضروب الصبر عن المعاصي. أو هذه الخطيئة (وعظ بلا اتّعاظ وزجر بلا انزجار). قاله أبو مسلم.

وضعّف الطبرسي هذا الوجه الأخير باعتبار عدم سبق ذكر ولا إشارة لمرجع الضمير في الآية (٥).

لكن الإمام الرازي وجّه هذا الرأي ـ فيما ذكره من ثالث الوجوه ـ قال :

ثالثها : أنّه عائد إلى جميع هذه الأمور التي أمر بها بنو إسرائيل ونهوا عنها ، من قوله : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي ...) إلى قوله : (وَاسْتَعِينُوا). والعرب قد تضمر الشيء اختصارا أو تقتصر فيه على الإيماء ، إذا وثقت بعلم المخاطب ، فيقول القائل : ما عليها أفضل من فلان ، يعني الأرض. ويقولون : ما بين لابتيها أكرم من فلان ، يعنون المدينة.

وقال تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ)(٦). ولم يسبق ذكر للأرض (٧).

__________________

(١) القمي ١ : ٤٦.

(٢) التوبة ٩ : ٣٤.

(٣) الجمعة ٦٢ : ١١.

(٤) التوبة ٩ : ٦٢.

(٥) مجمع البيان ١ : ١٠٠ ، (ط إسلاميّة).

(٦) النحل ١٦ : ٦١.

(٧) التفسير الكبير ٣ : ٤٩.

٥٥٨

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ)

[٢ / ١٦٦٩] قال عليّ بن إبراهيم : الظنّ في كتاب الله على وجهين ، فمنه ظنّ يقين ومنه ظنّ شكّ ، ففي هذا الموضع الظنّ يقين ، وإنّما الشك قوله تعالى : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ)(١) ، (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ)(٢). (٣)

قلت : تقدّم كلام ابن سيده : الظنّ ، شكّ ويقين ، إلّا أنّه ليس بيقين عيان ، وإنّما هو يقين تدبّر. فأمّا يقين العيان فلا يقال فيه إلّا العلم (٤).

[٢ / ١٦٧٠] وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) قال : لأنّهم لم يعاينوا فكان ظنّهم يقينا ، وليس ظنّا في شك ، وقرأ (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)(٥). (٦)

[٢ / ١٦٧١] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كلّ ظنّ في القرآن فهو يقين. وفي موضع آخر : كلّ ظنّ في القرآن فهو علم (٧).

[٢ / ١٦٧٢] وذكر القرطبي الحديث ناسبا له إلى الضحّاك قال : كلّ ظنّ في القرآن من المؤمن فهو يقين ، ومن الكافر فهو شكّ (٨).

[٢ / ١٦٧٣] وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : ما كان من ظنّ الآخرة فهو علم (٩).

[٢ / ١٦٧٤] وعن أبي العالية في قوله : (يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) قال : إنّ الظنّ هاهنا اليقين (١٠).

[٢ / ١٦٧٥] وعن السدّي : قال : أمّا يظنّون فيستيقنون (١١).

__________________

(١) الجاثية ٤٥ : ٣٢.

(٢) الفتح ٤٨ : ١٢.

(٣) البرهان ١ : ٢١١ / ١١ ؛ القمي ١ : ٤٦ ؛ البحار ٧ : ٤٤ / ٢٣.

(٤) المحكم لابن سيده ١٠ : ٨ ؛ لسان العرب ١٣ : ٢٧٢.

(٥) الحاقّة ٦٩ : ٢٠.

(٦) الطبري ١ : ٣٧٤ / ٧٢٥.

(٧) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الطبري ١ : ٣٧٤ / ٧٢٢ ؛ ابن كثير ١ : ٩٢.

(٨) القرطبي ١٨ : ٢٧٠.

(٩) الدرّ ١ : ١٦٤ ؛ الطبري ١٤ : ٧٥ / ٢٦٩٨٢ ، سورة الحاقة ، الآية ٢٠.

(١٠) الطبري ١ : ٣٧٤ / ٧٢١ ؛ ابن كثير ١ : ٩٢ ، وزاد ابن كثير بقوله : قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد والسدّي والربيع بن أنس وقتادة نحو قول أبي العالية ؛ التبيان ١ : ٢٠٥ ؛ بلفظ : قال الحسن وأبو العالية ومجاهد وابن جريج : «يظنّون» أي «يوقنون» ؛ مجمع البيان ١ : ١٩٧ ، نقلا عن الحسن ومجاهد.

(١١) الطبري ١ : ٣٧٤ / ٧٢٣.

٥٥٩

[٢ / ١٦٧٦] وعن ابن جريج قال : علموا أنّهم ملاقو ربّهم هي كقوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)(١) يقول علمت (٢).

[٢ / ١٦٧٧] وروى العيّاشي عن أبي معمر ، عن عليّ عليه‌السلام «في قوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) ، يقول : يوقنون أنّهم مبعوثون. والظنّ منهم يقين» (٣).

[٢ / ١٦٧٨] وقال ابن عبّاس : يريد الّذين يستيقنون أنّهم مبعوثون ، وأنّهم محاسبون وأنّهم راجعون إلى الله تعالى (٤).

[٢ / ١٦٧٩] وروى الصدوق في حديث طويل ، عن عليّ عليه‌السلام يقول فيه ـ وقد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات ـ : «فأمّا قوله : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) يعني البعث ، فسمّاه الله ـ عزوجل ـ لقاءه.

وكذلك ذكر المؤمنين : (يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) يعني أنّهم يوقنون أنّهم يبعثون ويحشرون ويحاسبون ، ويجزون بالثواب والعقاب. والظنّ هاهنا اليقين» (٥).

[٢ / ١٦٨٠] وروي عن ابن عبّاس ، في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) قال : نزلت في عليّ وعثمان بن مظعون وعمّار بن ياسر وأصحاب لهم (٦).

[٢ / ١٦٨١] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ نعت الخاشعين فقال : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) يعني يعلمون يقينا (أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) يعني في الآخرة (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) فيجزيهم بأعمالهم (٧).

[٢ / ١٦٨٢] وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) قال : يستيقنون أنّهم راجعون إليه يوم القيامة (٨).

__________________

(١) الحاقة ٦٩ : ٢٠.

(٢) الطبري ١ : ٣٧٤ / ٧٢٤ ؛ ابن كثير ١ : ٩٢ ، وزاد : وكذا قال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم.

(٣) العيّاشي ١ : ٦٢ / ٤٢ ؛ البرهان ١ : ٢١١ / ١٠ ؛ البحار ٧ : ٤٢ / ١٦.

(٤) الوسيط ١ : ١٣٢.

(٥) التوحيد : ٢٦٧ ، باب الردّ على الثنوية والزنادقة ؛ نور الثقلين ١ : ٧٦ ـ ٧٧ ؛ البرهان ١ : ٢١١ / ٩ ؛ البحار ٩٠ : ١٣٩ / ٢.

(٦) مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٩٣ ؛ البحار ٣٨ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ؛ البرهان ١ : ٢١١ / ٨ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١١٥.

(٧) تفسير مقاتل ١ : ١٠٢.

(٨) الدرّ ١ : ١٦٥ ؛ الطبري ١ : ٣٧٧ / ٧٢٦ ؛ التبيان ١ : ٢٠٧ ، بلفظ : قيل : راجعون بالإعادة في الآخرة ، في قول أبي العالية ؛ مجمع البيان ١ : ١٩٨.

٥٦٠