التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

أنا هنا يا ربّ (١) ، قال : ألا تخرج؟ قال : أستحيي منك يا ربّ ، قال : ملعونة الأرض الّتي خلقت منها ، لعنة يتحوّل ثمرها شوكا. قال : ولم يكن في الجنّة ولا في الأرض شجرة كان أفضل من الطلح (٢) والسدر ؛ ثمّ قال : يا حوّاء أنت الّتي غررت عبدي ، فإنّك لا تحملين حملا إلّا حملتيه كرها ، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا. وقال للحيّة : أنت الّتي دخل الملعون في جوفك حتّى غرّ عبدي ، ملعونة أنت لعنة تتحوّل قوائمك في بطنك ، ولا يكن لك رزق إلّا التراب ، أنت عدوّة بني آدم وهم أعداؤك حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبة ، وحيث لقيك شدخ رأسك.

قال عمرو : قيل لوهب : وما كانت الملائكة تأكل قال : يفعل الله ما يشاء (٣).

وروي عن ابن عبّاس نحو هذه القصّة.

[٢ / ١٢٥٩] وأخرج ابن جرير عن محمّد بن قيس ، قال : نهى الله آدم وحوّاء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنّة ، ويأكلا منها رغدا حيث شاء. فجاء الشيطان فدخل في جوف الحيّة ، فكلّم حوّاء ، ووسوس إلى آدم ، فقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ. وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٤) قال : فعضّت حوّاء الشجرة ، فدميت الشجرة ، وسقط عنهما رياشهما الّذي كان عليهما (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ)(٥) لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال : يا ربّ أطعمتني حوّاء. قال لحوّاء : لم أطعمته؟ قالت : أمرتني الحيّة. قال للحيّة : لم أمرتها؟ قالت : أمرني إبليس. قال : ملعون مدحور! أمّا أنت يا حوّاء فكما أدميت الشجرة فتدمين في كلّ هلال. وأمّا أنت يا حيّة فأقطع

__________________

(١) إسرائيليّة محضة ؛ إذ كيف يخفى على الله مخبأ آدم وزوجه!؟؟ جاء في سفر التكوين (أصحاح ٣) : وسمعا صوت الربّ ماشيا في الجنّة فاختبأ آدم وحوّاء من وجه الربّ خوف الفضيحة ، حيث وجدا أنفسهما عريانين ، فنادى الربّ الإله آدم وقال : أين أنت ، لعلّك أكلت من شجرة المعرفة ، فعلمت أنّك عريان. كما أنّ قصّة الحيّة وأنّها حملت إبليس إلى الجنّة ـ في ستار من أعين الخزنة ـ قصّة إسرائيليّة دبّت إلى حظيرة الإسلام على يد مردة أهل الكتاب. وقد تكلّمنا عن ذلك بتفصيل في الجزء العاشر من كتابنا «التمهيد» (الجزء الثاني من التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب).

(٢) شجر من شجر العضاه وهو الشجر العظيم ذو الشوك.

(٣) الطبري ١ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ / ٦١٩ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٣ ـ ١٠٤ رقم ٩٣٢٨.

(٤) الأعراف ٧ : ٢٠ ـ ٢١.

(٥) الأعراف ٧ : ٢٢.

٤٦١

قوائمك فتمشين جريا على وجهك ، وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر ؛ اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ (١).

[٢ / ١٢٦٠] وعن ابن زيد قال : وسوس الشيطان إلى حوّاء في الشجرة حتّى أتى بها إليها ، ثمّ حسّنها في عين آدم. قال : فدعاها آدم لحاجته ، قالت : لا ، إلّا أن تأتي هاهنا. فلمّا أتى قالت : لا ، إلّا أن تأكل من هذه الشجرة ، قال : فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما. قال : وذهب آدم هاربا في الجنّة ، فناداه ربّه : يا آدم أمنّي تفرّ؟ قال : لا يا ربّ ، ولكن حياء منك! قال : يا آدم أنّى أتيت؟ قال : من قبل حوّاء أي ربّ! فقال الله : فإنّ لها عليّ أن أدميها في كلّ شهر مرّة كما أدمت هذه الشجرة ، وأن أجعلها سفيهة ، فقد كنت خلقتها حليمة ، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها ، فقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا.

قال ابن زيد : ولو لا البليّة الّتي أصابت حوّاء لكان نساء الدنيا لا يحضن ، ولكنّ حليمات وكنّ يحملن يسرا ويضعن يسرا (٢).

[٢ / ١٢٦١] وأخرج الدارقطني في الأفراد وابن عساكر عن عمر بن الخطّاب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله بعث جبريل إلى حوّاء حين دميت فنادت ربّها : جاء منّي دم لا أعرفه! فناداها : لأدمينّك وذرّيّتك ، ولأجعلنّه لك كفّارة وطهورا» (٣).

[٢ / ١٢٦٢] وأخرج ابن منيع وابن أبي الدنيا في كتاب البكاء وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصحّحه والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عبّاس قال : قال الله لآدم : يا آدم ما حملك على أن أكلت من الشجرة الّتي نهيتك عنها؟ قال : يا ربّ زيّنته لي حوّاء! قال : فإنّي عاقبتها بأن لا تحمل إلّا كرها ولا تضع إلّا كرها ، ودمّيتها في كلّ شهر مرّتين! قال : فرنّت حوّاء عند ذلك ، فقيل لها : عليك الرنّة وعلى بناتك! (٤).

__________________

(١) الطبري ١ : ٣٤٠ / ٦٢٩ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٧٣.

(٢) الطبري ١ : ٣٣٩ / ٦٢٥ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٧٤ ـ ٧٥.

(٣) الدرّ ١ : ١٣٢ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٨ ، رقم ٩٣٢٨ ؛ كنز العمّال ٩ : ٤٠٨ / ٢٦٧٢٢.

(٤) الدرّ ١ : ١٣٢ ؛ كتاب الرقّة والبكاء لابن أبي الدنيا : ٩٤ / ٣١٣ ؛ العظمة ٥ : ١٥٨٣ ـ ١٥٨٤ / ١٠٤٨ ، باب ٤٥ (خلق آدم

٤٦٢

قال القرطبي : وقيل لحوّاء : كما أدميت الشجرة فكذلك يصيبك الدم كلّ شهر وتحملين وتضعين كرها تشرفين به على الموت مرارا. وزاد النقّاش : وتكونين سفيهة وقد كنت حليمة.

قال : وقالت طائفة : إنّ إبليس لم يدخل الجنّة وإنّما أغوى آدم وحوّاء بوساوسه من بعيد.

قال : ولمّا أكل آدم من الشجرة بقي عريانا وطلب ما يستتر به فتباعدت عنه الأشجار وبكّتته بالمعصية فرحمته شجرة التين. فبلي بالعرى.

قال : ويذكر أنّ الحيّة كانت خادم آدم في الجنّة فخانته بأن مكّنت عدوّ الله من نفسها وأظهرت العداوة له هناك ؛ فلمّا أهبطوا تأكّدت العداوة وجعل رزقها التراب.

[٢ / ١٢٦٣] وروى عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خمس يقتلهنّ المحرم» فذكر الحيّة فيهنّ.

[٢ / ١٢٦٤] وروى أنّ إبليس قال لها : أدخليني الجنّة وأنت في ذمّتي. فكان ابن عبّاس يقول : أخفروا ذمّة إبليس ، أي انقضوا عهده وذمامه.

[٢ / ١٢٦٥] وروت ساكنة بنت الجعد عن سرّاء بنت نبهان الغنويّة قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اقتلوا الحيّات صغيرها وكبيرها وأسودها وأبيضها ، فإنّ من قتلها كانت له فداء من النار ، ومن قتلته كان شهيدا».

قال القرطبي : قال علماؤنا : وإنّما كانت له فداء من النار ، لمشاركتها إبليس وإعانته على ضرر آدم وولده. فلذلك كان من قتل حيّة فكأنّما قتل كافرا.

[٢ / ١٢٦٦] وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا». أخرجه مسلم (١) وغيره (٢).

[٢ / ١٢٦٧] وقد أغرب ابن عطيّة هنا كلاما لا مساغ له قال : قال ابن المسيّب : إنّما أكل آدم بعد أن سقته حوّاء الخمر فكان في غير عقله (٣).

__________________

ـ وحوّاء عليهما‌السلام) ؛ الحاكم ٢ : ٣٨١ ، كتاب التفسير ، سورة طه ؛ الشعب ٥ : ٦٤ / ٥٧٩٠ ، باب المطاعم والمشارب ، فصل في طيب المطعم والملبس ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٨ ، رقم ٩٣٢٨ ؛ البغوي ١ : ١٠٦ ؛ الوسيط ١ : ١٢٣.

(١) مسلم ٦ : ٤٠.

(٢) القرطبي ١ : ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٣) المحرّر الوجيز ١ : ١٢٩. وهكذا روى ابن جرير ١ : ٣٣٩ / ٦٢٦. وتاريخ الطبري ١ : ٥٧. والبغوي ١ : ٣٠٦ ، بلفظ : وكان سعيد بن المسيّب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ، ولكن حوّاء سقته الخمر حتّى إذا سكر قادته إليها فأكل. وهكذا روى الثعلبي (١ : ١٨٣) عن طريق محمّد بن إسحاق بالإسناد إلى سعيد بن المسيّب مثله.

٤٦٣

قلت : يا لله والقول بلا تعقّل!

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي ـ بعد نقل الرواية عن سعيد بن المسيّب ـ : «هذا خبر ضعيف. وعند أصحابنا الإماميّة أنّ الخمرة كانت محرّمة في سائر الشرائع» (١).

وهكذا ذكر الشيخ أبو الفتوح الرازي ـ في تفسيره ـ : هذا قول لا يصحّ (٢).

قال ابن كثير : وقد ذكر المفسّرون ـ ممّن اعتمد الأثر وأغفل النظر ـ عن السلف كالسدّي وأبي العالية ووهب بن منبّه وغيرهم ، هنا أخبارا إسرائيليّة عن قصّة الحيّة وإبليس وكيف جرى من دخول إبليس الجنّة ووسوسته. قال : وسنبسّط القول في ذلك إن شاء الله في سورة الأعراف (٣).

[٢ / ١٢٦٨] وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لو لا بنو إسرائيل لم يخنز اللّحم (٤) ، ولو لا حوّاء لم تخن أنثى زوجها» (٥).

[٢ / ١٢٦٩] وأخرج البيهقي في الدلائل والخطيب في التاريخ والديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر عن عبد الله بن عمر مرفوعا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فضّلت على آدم بخصلتين ؛ كان شيطاني كافرا فأعانني الله عليه حتّى أسلم ، وكان أزواجي عونا لي. وكان شيطان آدم كافرا ، وكانت زوجته عونا له على الخطيئة».

وأخرج ابن عساكر في حديث أبي هريرة مرفوعا ، مثله (٦).

[٢ / ١٢٧٠] وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمان بن زيد : أنّ آدم ذكر محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ أفضل ما فضّل به عليّ ابني صاحب البعير أنّ زوجته كانت عونا له على دينه وكانت زوجتي

__________________

(١) التبيان ١ : ١٦٢.

(٢) أبو الفتوح ١ : ٢٢٣.

(٣) ابن كثير ١ : ٨٣.

(٤) خنز اللحم : أنتن.

(٥) الدرّ ١ : ١٣٢ ؛ البخاري ٤ : ١٠٣ ، كتاب الأنبياء باب ١ ؛ الحاكم ٤ : ١٧٥ ، كتاب البرّ والصلة ؛ مسلم ٤ : ١٧٩ ، باب الوصيّة بالنساء ، وفيه : «لم يخبث الطعام ولم يخنز اللّحم ، ولو لا حوّاء لم تخن أنثى زوجها الدهر» ؛ ابن حبّان ٩ : ٤٧٧ / ٤١٦٩ ، كتاب النكاح ، باب ٨ (معاشرة الزوجين) ، وفيه : «لم يخنز الطعام ولم يخنز اللحم» ؛ كنز العمّال ١٦ : ٢٨٦ / ٤٤٥٠٠.

(٦) الدرّ ١ : ١٣٢ ـ ١٣٣ ؛ الدلائل ٥ : ٤٨٨ ، باب : ما جاء في تحدّث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنعمة ربّه ؛ تاريخ بغداد ٤ : ١٠١ / ١٧٥٣ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٨ ، رقم ٩٣٢٨ (حواء أمّ البشر) ؛ كنز العمّال ١١ : ٤١٣ / ٣١٩٣٦ ؛ فردوس الأخبار ٣ : ١٦٩ ـ ١٧٠ / ٤٣٠٨.

٤٦٤

عونا لي على الخطيئة (١).

[٢ / ١٢٧١] وأخرج سفيان بن عيينة وعبد الرزّاق وابن المنذر وابن عساكر في تاريخه عن ابن عبّاس قال : كانت الشجرة الّتي نهى الله عنها آدم وزوجته السنبلة ، فلمّا أكلا منها (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) وكان الّذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) : ورق التين يلزقان بعضه إلى بعض ، فانطلق آدم مولّيا في الجنّة ، فأخذت برأسه شجرة من شجر الجنّة ، فناداه ربّه : يا آدم أمنّي تفرّ؟ قال : لا ، ولكنّي استحيتك يا ربّ! قال : أما كان لك فيما منحتك من الجنّة وأبحتك منها مندوحة عمّا حرّمت عليك؟! قال : بلى يا ربّ ولكن ـ وعزّتك ـ ما حسبت أنّ أحدا يحلف بك كاذبا! قال : فبعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض ، ثمّ لا تنال العيش إلّا كدّا. فاهبطا من الجنّة ، وكانا يأكلان منها رغدا ، فأهبط إلى غير رغد من طعام ولا شراب ، فعلّم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث فحرث وزرع ، ثمّ سقى حتّى إذا بلغ حصد ثمّ داسه ثمّ ذرّاه ثمّ طحنه ثمّ عجنه ثمّ خبزه ثمّ أكله ، فلم يبلغه حتّى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ (٢).

[٢ / ١٢٧٢] وأخرج ابن اسحاق في المبتدا وابن سعد وأحمد وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في التوبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبيّ بن كعب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ آدم كان رجلا طوالا كأنّه نخلة سحوق ، ستّين ذراعا ، كثير شعر الرأس. فلمّا ركب الخطيئة بدت له عورته ، وكان لا يراها قبل ذلك (٣) ، فانطلق هاربا في الجنّة ، فتعلّقت به شجرة فأخذت بناصيته ، فقال لها : أرسليني قالت : لست بمرسلتك وناداه ربّه : يا آدم أمنّي تفرّ؟ قال : يا ربّ إنّي استحييتك! قال : يا آدم اخرج من جواري ، فبعزّتي لا أساكن من عصاني ، ولو خلقت ملء الأرض مثلك خلقا ثمّ عصوني لأسكنتهم دار العاصين. قال آدم : أرأيت إن أنا تبت ورجعت أتتوب عليّ؟ قال : نعم. يا آدم».

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٣٣ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٨ ، رقم ٩٣٢٨.

(٢) الدرّ ١ : ١٣١ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٣ ، رقم ٥٧٨ ؛ الطبري ٥ : ١٨٧ ـ ١٨٨ / ١١١٩٨ ، سورة الأعراف ، الآية ٢٢ ؛ ابن كثير ٢ : ٢١٥ ، سورة الأعراف ، الآية ٢٢.

(٣) هذا من مزعومات أهل الكتاب إذ معناه : أنّه لم يكن يشعر بذلك من ذي قبل! وهكذا ما يأتي في الحديث التالي : «وكان لا يراها».

٤٦٥

وأخرج ابن عساكر من حديث أنس ، مثله (١).

[٢ / ١٢٧٣] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : ابتلى الله آدم فأسكنه الجنّة ليأكل منها رغدا حيث شاء ونهاه عن شجرة واحدة أن يأكل منها ، وقدّم إليه فيها. فما زال به البلاء حتّى وقع بما نهي عنه ، فبدت له سوأته عند ذلك ، وكان لا يراها (٢) فأهبط من الجنّة (٣).

[٢ / ١٢٧٤] وأخرج أبو نعيم وابن عساكر عن مجاهد قال : أوحى الله إلى الملكين : أخرجا آدم وحوّاء من جواري فإنّهما عصياني ، فالتفت آدم إلى حوّاء باكيا وقال : استعدّي للخروج من جوار الله ، هذا أوّل شؤم المعصية ، فنزع جبريل التاج عن رأسه ، وحلّ ميكائيل الإكليل عن جبينه ، وتعلّق به غصن. فظنّ آدم أنّه قد عوجل بالعقوبة ، فنكّس رأسه يقول : العفو العفو! فقال الله : فرارا منّي؟ فقال : بل حياء منك يا سيّدي (٤).

[٢ / ١٢٧٥] وقال شهر بن حوشب : بلغني أنّ آدم لمّا أهبط إلى الأرض مكث ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله تعالى (٥).

كم لبث آدم في الجنّة؟

[٢ / ١٢٧٦] أخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير قال : ما كان آدم عليه‌السلام في الجنّة إلّا مقدار ما بين الظهر والعصر (٦).

[٢ / ١٢٧٧] وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس قال : ما سكن آدم الجنّة إلّا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٣٢ ؛ الطبقات الكبرى ١ : ٣١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٧ ـ ٨٨ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٢ ؛ البعث والنشور : ١٣٩ / ١٧٥ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٤ ؛ ابن كثير ١ : ٨٣ ـ ٨٤ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٢٣.

(٢) هذا كالحديث المتقدّم من مزعومات أهل التوراة.

(٣) الدرّ ١ : ١٣٠ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٠ ، رقم ٥٧٨.

(٤) الدرّ ١ : ١٤١ ؛ الحلية ٥ : ١١٣ ، باب ٣٠٠ (عمرو بن ذرّ) ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٩.

(٥) الثعلبي ١ : ١٨٥ ؛ البغوي ١ : ١٠٨ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٦) الدرّ ١ : ١٢٧ ؛ كتاب الزهد : ٩٥ / ٢٦٠.

(٧) الدرّ ١ : ١٢٧ ؛ الحاكم ٢ : ٥٤٢ ، كتاب تواريخ المتقدّمين ؛ ابن كثير ١ : ٨٤.

٤٦٦

[٢ / ١٢٧٨] وأخرج مسلم والنسائي بالإسناد إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ؛ فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنّة ، وفيه أخرج منها» (١).

[٢ / ١٢٧٩] وروى الصدوق بإسناده إلى أبي لبابة بن عبد المنذر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يوم الجمعة سيّد الأيّام ، ... خلق الله فيه آدم ، وأهبط فيه آدم إلى الأرض» (٢).

[٢ / ١٢٨٠] وأخرج عبد الرزّاق وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن عبّاس قال : خلق الله آدم من أديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر فسمّاه آدم ، ثمّ عهد إليه فنسي فسمّاه الإنسان. قال ابن عبّاس : فتالله ما غابت الشّمس من ذلك اليوم حتّى أهبط من الجنّة إلى الأرض (٣).

[٢ / ١٢٨١] وأخرج الصدوق بإسناده إلى محمّد بن إسحاق عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّما كان لبث آدم وحوّاء في الجنّة حتّى أخرجا منها ، سبع ساعات من أيّام الدنيا ، حتّى أكلا من الشجرة فأهبطهما الله إلى الأرض من يومهما ذلك» (٤).

[٢ / ١٢٨٢] ورواه العيّاشي بنفس الإسناد إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزاد : «فحاجّ آدم ربّه فقال : يا ربّ ، أرأيتك قبل أن تخلقني كنت قدّرت عليّ هذا الذنب وكلّ ما صرت وأنا صائر إليه ، أو هذا شيء فعلته أنا من قبل أن تقدّره عليّ ، غلبت عليّ شقوتى فكان ذلك منّي وفعلي لا منك ولا من فعلك؟

قال الله له : يا آدم ، أنا خلقتك وعلّمتك ، أنا زوّجتك وأسكنتك الجنّة ، وبنعمتي جعلت فيك قوّتي ، وبقوّتي قويت جوارحك على معصيتي ، ولم تغب عن عيني ولم يخل علمي من فعلك ولا ممّا أنت فاعله.

__________________

(١) مسلم ٣ : ٦ ، كتاب الجمعة ، باب فضل يوم الجمعة ؛ النسائي ١ : ٥١٧ / ١٦٦٢ ، باب ٥ ؛ ابن كثير ١ : ٨٤.

(٢) الخصال : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ٩٧ ؛ البحار ٨٦ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ / ٥.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٧ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٦٦ / ٤٠ ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٥٤٤ ، باب : بدء الخلق ، بلفظ : عن ابن عبّاس : قال : إنّ الله ـ عزوجل ـ خلق آدم يوم الجمعة بعد العصر من أديم الأرض فسمّي آدم ، ألا ترى أنّ من ولده الأبيض والأسود والطيّب والخبيث! ثمّ عهد إليه فنسي فسمّي الإنسان. قال : فو الله ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتّى أهبط ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٨٧.

(٤) الخصال : ٣٩٧ / ١٠٣ أبواب السبعة ؛ البحار ١١ : ١٤٢ / ١٠ ؛ البرهان ١ : ١٨٤ / ٨ ؛ نور الثقلين ١ : ٦٤ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٧٠.

٤٦٧

قال آدم : يا ربّ ، الحجّة لك عليّ يا ربّ حين خلقتني وصوّرتني ونفخت فيّ من روحك وأسجدت لي ملائكتك ونوّهت باسمي في سماواتك ... قال الله : لم أفعل ذلك إلّا برضى منّي عليك ، ابتليتك بذلك.

قال آدم : يا ربّ ، الخير منك والشرّ منّي» (١).

والحديث طويل يأتي عند الكلام عن توبة آدم عليه‌السلام.

***

وفي الروايات التالية ما ينافي الروايات المتقدمة :

[٢ / ١٢٨٣] أخرج الفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال : لبث آدم في الجنّة ساعة من نهار. تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيّام الدنيا (٢).

[٢ / ١٢٨٤] وأخرج عبد الله في زوائده عن موسى بن عقبة قال : مكث آدم في الجنّة ربع النهار ، وذلك ساعتان ونصف ، وذلك مائتا سنة وخمسون سنة ، فبكى على الجنّة مائة سنة (٣).

[٢ / ١٢٨٥] وأخرج ابن سعد عن ابن عبّاس قال : خروج آدم من الجنّة بين الصلاتين : صلاة الظهر وصلاة العصر. فأنزل إلى الأرض ، وكان مكثه في الجنّة نصف يوم من أيّام الآخرة ، وهو خمسمائة سنة من يوم كان مقداره اثنتي عشرة ساعة ، واليوم ألف سنة ممّا يعدّ أهل الدنيا (٤).

هل كانت خطيئة آدم بتقدير من الله؟

جاء في كثير من الروايات أنّ خطيئة آدم كانت بتقدير من الله ، حيث خلقه ليكون خليفته في الأرض وليعمرها (٥) وفق إرادته تعالى.

نعم ماذا يكون المراد من التقدير؟ وليس سوى علمه تعالى الأزلي بما هو كائن ، ومن غير أن يكون ذلك موجبا لسلب الاختيار عن العباد.

__________________

(١) العيّاشي ١ : ٥٣ ـ ٥٤ / ٢١.

(٢) الدرّ ١ : ١٢٧ ؛ الزهد : ٩٥ / ٢٥٨ ، (زهد آدم عليه‌السلام) ؛ ابن كثير ١ : ٨٤.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٧ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤١٧.

(٤) الدرّ ١ : ١٣٩ ، للرواية ذيل طويل ؛ الطبقات الكبرى ١ : ٣٤.

(٥) قال تعالى : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) (هود ١١ : ٦١).

٤٦٨

فقد كان تعالى خلق آدم ليكون خليفته في الأرض ، وأسكنه جنّته مع علمه تعالى بأنّه سوف لا يدوم فيها بسوء اختياره.

وفي حديث العيّاشي الآنف ما يشير إليه.

فما ورد ما يخالف ذلك لا بدّ من تأويله إلى ما لا ينافي الاختيار ، تلك الميزة الاختصاصيّة المودعة في هذا الكائن العجيب!

وإليك ممّا ورد من هذا النمط :

[٢ / ١٢٨٦] أخرج أبو داوود والآجريّ في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ موسى قال يا ربّ أرنا آدم الّذي أخرجنا ونفسه من الجنّة؟ فأراه الله آدم ، فقال : أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم : نعم. قال : أنت الّذي نفخ الله فيك من روحه وعلّمك الأسماء كلّها وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال : نعم. فقال : فما حملك على أن أخرجتنا من الجنّة؟ فقال له آدم : ومن أنت؟ قال : موسى. قال : أنت نبيّ بني إسرائيل الّذي كلّمك الله من وراء حجاب ، لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال : نعم. قال : فما وجدت أنّ ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال : نعم. قال : فلم تلومني في شيء سبق فيه من الله القضاء قبل؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك : فحجّ آدم موسى فحجّ آدم موسى» (١).

[٢ / ١٢٨٧] وأخرج عبد بن حميد في مسنده وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «احتجّ آدم وموسى ، فقال موسى : أنت خلقك الله بيده وأسكنك جنّته وأسجد لك ملائكته ، فأخرجت ذرّيتك من الجنّة وأشقيتهم؟! فقال آدم : أنت موسى الّذي اصطفاك الله بكلامه ورسالاته ، تلومني في شيء وجدته قد قدّر عليّ قبل أن أخلق؟ فحجّ آدم موسى» (٢).

[٢ / ١٢٨٨] وأخرج البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والآجري في الشريعة والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «تحاجّ آدم وموسى ، فحجّ آدم موسى فقال موسى : أنت آدم الّذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنّة؟ فقال له آدم : أنت موسى الّذي أعطاه الله كلّ شيء واصطفاه برسالته؟! قال : نعم. قال :

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٣٣ ؛ أبو داوود ٢ : ٤١٣ ـ ٤١٤ / ٤٧٠١ ، باب ١٠ (في القدر) ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثاني : ٣٠٥ ؛ كنز العمّال ١ : ١١٧ / ٥٤٩.

(٢) الدرّ ١ : ١٣٣ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد : ٢٩٥ / ٩٤٩.

٤٦٩

فتلومني على أمر قدّر عليّ قبل أن أخلق؟! فحجّ آدم موسى!» (١).

[٢ / ١٢٨٩] والحديث ـ كما في صحيح البخاري بلفظه (٢) ـ : عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «التقى آدم وموسى ، فقال موسى لآدم : آنت الّذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنّة؟ قال آدم : آنت الّذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال : نعم. قال : فوجدته كتب عليّ قبل أن يخلقني؟ قال : نعم. فحجّ آدم موسى».

قوله : آنت أي أأنت. فخفّف بالإدغام المتحوّل إلى المدّ.

[٢ / ١٢٩٠] وأخرج ابن النجّار في تاريخه عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «التقى آدم وموسى عليهما‌السلام فقال له موسى : أنت آدم الّذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته ، وأدخلك جنّته ، ثمّ أخرجتنا منها؟ فقال له آدم : أنت موسى الّذي اصطفاك الله برسالته ، وقرّبك نجيّا ، وأنزل عليك التوراة؟ فأسألك بالذي أعطاك ذلك ، بكم تجده كتب عليّ قبل أن أخلق؟ قال : أجده كتب عليك في التوراة بألفي عام! فحجّ آدم موسى ثلاثا» (٣).

[٢ / ١٢٩١] وأخرج أبو بكر الشافعي في الغيلانيّات عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «احتجّ آدم وموسى فقال موسى : أنت آدم الّذي خلقك الله بيده ، وأسجد لك ملائكته عملت الخطيئة الّتي أخرجتك من الجنّة؟ قال آدم : أنت موسى الّذي اصطفاك الله برسالته ، وأنزل عليك التوراة ، وكلّمك تكليما ، فبكم خطيئتي سبقت خلقي؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فحجّ آدم موسى» (٤).

[٢ / ١٢٩٢] وأخرج النسائي وأبو يعلى والطبراني والآجريّ عن جندب البجليّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «احتجّ آدم وموسى فقال موسى : يا آدم أنت الّذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك جنّته ، وفعلت ما فعلت فأخرجت ولدك من الجنّة؟ فقال آدم :

__________________

(١) البخاري ٤ : ١٣١ ، كتاب الأنبياء ، باب ٣١ ، و ٥ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، كتاب التفسير ، سورة طه ، و ٨ : ٢٠٣ ، كتاب التوحيد ، باب ٣٧ ؛ مسلم ٨ : ٤٩ و ٥٠ ، كتاب القدر ، باب حجاج آدم وموسى ؛ أبو داوود ٢ : ٤١٣ / ٤٧٠١ ، كتاب السنّة ، باب ١٧ (في القدر) ؛ الترمذي ٣ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ / ٢٢١٧ ، باب ٢ ، أبواب القدر ؛ النسائي ٦ : ٣٣٠ / ١١١٣٠ ، كتاب التفسير سورة النساء ؛ ابن ماجة ١ : ٣١ / ٨٠ ، باب ١٠ ، (في القدر).

(٢) البخاري ٥ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، من كتاب التفسير ، سورة طه.

(٣) الدرّ ١ : ١٣٤ ؛ ذيل تاريخ بغداد ١ : ٢٠٣ / رقم ٢٠٨ ؛ كنز العمّال ١ : ٣٥٩ / ١٥٩١.

(٤) الدرّ ١ : ١٣٤ ؛ ابن عساكر ٥ : ٤٥٨ ، رقم ٢٢٣ ترجمة أحمد بن محمّد بن المؤمّل.

٤٧٠

أنت موسى الّذي بعثك الله برسالته ، وكلّمك ، وآتاك التوراة ، وقرّبك نجيّا؟ أنا أقدم أم الذكر؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فحجّ آدم موسى» (١).

[٢ / ١٢٩٣] وأخرج الثعلبي عن همّام بن منبّه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «تحاجّ آدم وموسى ، فقال له موسى : أنت آدم الّذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنّة إلى الأرض؟ فقال له آدم : أنت موسى الّذي أعطاك الله علم كلّ شيء واصطفاك على النّاس برسالته؟ قال : نعم. قال : أتلومني على أمر كان قد كتب عليّ أن أفعله من قبل أن أخلق. قال : فحجّ آدم موسى» (٢).

[٢ / ١٢٩٤] وقال الحسن البصري : لم يخلق الله آدم إلّا للأرض ، ولو لم يعص لأخرجه إلى الأرض على غير تلك الحال (٣)!

[٢ / ١٢٩٥] وروى العيّاشي بالإسناد إلى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام رفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ موسى سأل ربّه أن يجمع بينه وبين أبيه آدم. ففعل. فقال له موسى : يا آدم ، أنت الّذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأباح لك جنّته ، وأسكنك جواره ، وكلّمك قبلا! ثمّ نهاك عن شجرة واحدة فلم تصبر عنها ، حتّى أهبطت إلى الأرض بسببها ، فلم تستطع أن تضبط نفسك عنها حتّى أغراك إبليس فأطعته. فأنت الّذي أخرجتنا من الجنّة بمعصيتك!

فقال له آدم : ارفق بأبيك ـ أي بنيّ ـ فيما لقي في أمر هذه الشجرة ، أي بنيّ إنّ عدوّي أتاني من وجه المكر والخديعة فحلف لي بالله إنّه في مشورته عليّ إنّه لمن الناصحين ... ولم أظنّ ـ يا موسى ـ أنّ أحدا يحلف بالله كاذبا فوثقت بيمينه ، فهذا عذري.

ثمّ قال : أخبرني يا بنيّ هل تجد فيما أنزل إليك أنّ خطيئتى كائنة ، من قبل أن أخلق؟ قال موسى : بدهر طويل!!

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فحجّ آدم موسى! قال ذلك ثلاثا» (٤).

[٢ / ١٢٩٦] وهكذا روى عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن أبي

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٣٣ ـ ١٣٤ ؛ النسائي ٦ : ٣٩٤ / ١١٣١٨ ، كتاب التفسير ، سورة مريم ؛ أبو يعلى ٣ : ٩٨ / ١٥٢٨ ، باختلاف.

(٢) الثعلبي ١ : ١٨٤ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ١١ / ١١٣ / ٢٠٠٦٨.

(٣) مجمع البيان ١ : ١٧٦ ؛ التبيان ١ : ١٧٢ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٣٣.

(٤) البحار ١١ : ١٨٨ / ٤٤ ؛ العيّاشي ١ : ١٠ / ١٠ ذيل الآية : ٢٠ ـ ٢١ من سورة الأعراف.

٤٧١

عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ موسى سأل ربّه أن يجمع بينه وبين آدم ، فجمع بينهما ، فقال له موسى : يا أبه ، ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ، وأمرك أن لا تأكل من الشجرة ، فلم عصيته؟ قال آدم : يا موسى ، بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التوراة؟ قال : بثلاثين ألف عام! قال آدم : فهو ذلك!!

قال الصادق : فحجّ آدم موسى عليهما‌السلام» (١).

[٢ / ١٢٩٧] وأيضا روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لمّا أخرج آدم من الجنّة نزل جبرئيل فقال : يا آدم ، أليس الله خلقك بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وزوّجك حوّاء أمته وأسكنك الجنّة وأباحها لك ، ونهاك مشافهة أن لا تأكل من هذه الشجرة فأكلت منها وعصيت الله؟!

فقال آدم يا جبرئيل ، إنّ إبليس حلف لي بالله إنّه لي ناصح ، فما ظننت أنّ أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا!». (٢)

ملحوظة

قال المجلسي رحمه‌الله : من أصحابنا من حمل هذه الأخبار على إرادة المجاراة مع الشائع في الأوساط العامّيّة ، ولعلّه لبيان فضح مزاعمهم في مسألة القضاء والقدر ، حيث رووا أمثال هذه الحكايات تأييدا لمذهبهم في القدر ، على ما ذكره السيّد ابن طاووس في كتاب «الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف».

وقد أنكر السيّد صدور مثل هذا الكلام المتناقض صدره مع ذيله ، من رسول البيان الصادع بالحقّ الصراح ؛ إذ لو كان الفعل الصادر من العبد فعلا لله وواقعا بإرادته الغالبة ، لم يكن مجال لمعاتبة آدم في بادرة بدرت منه لا عن إرادته واختياره بالذات ، وإنّما هو بتقدير أزليّ قديم!!

فقد كانت مطالبة موسى ربّه أن يجمع بينه وبين أبيه آدم ، لغرض معاتبته على ارتكاب الخطيئة ، كانت هذه المطالبة منبعثة عن عقيدة تحمّل العبد مسؤوليّة فعاله. الأمر الّذي يتناقض مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فحجّ آدم موسى» أي غلبه في المحاجّة. وإنّما يكون غلبه إذا كانت التقادير الأزليّة هي

__________________

(١) البحار ١١ : ١٦٣ / ٦ ؛ القمي ١ : ٤٤. وراجع البحار ٥ : ٨٩ / ٨ ، باب القضاء والقدر.

(٢) البحار ٥ : ٨٩ / ٧ ؛ القمي ١ : ٢٢٥ و ٤٣ ـ ٤٤.

٤٧٢

الموثّرة عبر الوجود ، لا إرادة الفاعلين.

إن هذا إلّا تناقض فاضح!! أللهمّ إلّا أن نقول : إنّ موسى رجع عن عقيدته في مسألة «الاستطاعة والاختيار» وعاد إلى مذهب أبيه آدم في الجبر وسلب مسؤوليّة العباد فيما يجتاحون. وهذا أفضح!

الأمر الذي يوهن نسبته إلى النبيّ الكريم وحاشاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

إرادة تشريع وإرادة تكوين

هناك روايات وردت بشأن خطيئة آدم عليه‌السلام جعلت من إرادة الله ـ تعالى ـ نوعين : إرادة حتم ، هي تشريعيّة : وإرادة عزم ، هي تكوينيّة! الأمر الّذي دار البحث حوله منذ عهد قديم.

[٢ / ١٢٩٨] روى أبو جعفر الصدوق بإسناده إلى الفتح بن يزيد الجرجاني قال : لقيت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام عند منصرفه من مكّة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق ، فسمعته يقول : «من اتّقى الله يتّقى ومن أطاع الله يطاع».

فتلطّفت في الوصول إليه فسلّمت ... وكان بينهما مسائل منها مسألة إرادة الله في الخلق والتكليف ، فقال : «يا فتح ، إنّ لله إرادتين ومشيئتين ، إرادة حتم وإرادة عزم : ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء. أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجه أن يأكلا من الشجرة ، وهو شاء ذلك ، ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا (أي مع عدم مشيئته تعالى) لغلبت مشيّتهما مشيّة الله. وأمر إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل ، وشاء أن لا يذبحه ، ولو لم يشأ أن لا يذبحه لغلبت مشيّة إبراهيم مشيّة الله» (٢).

[٢ / ١٢٩٩] ورواه الكليني عن شيخه عليّ بن إبراهيم عن المختار بن محمّد الهمداني ومحمّد بن الحسن عن عبد الله بن الحسن العلوي جميعا عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «إنّ لله إرادتين ومشيّتين ، إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء ، أو ما رأيت أنّه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ، ولو لم يشأ أن يأكلا لما غلبت مشيّتهما مشيّة الله ،

__________________

(١) راجع : الطرائف لرضيّ الدين أبي القاسم ابن طاووس : ٣٢٤ ـ ٣٢٦ والبحار ٥ : ٨٩ / ٨.

(٢) التوحيد : ٦٤ / ١٨ والحديث طويل ؛ البحار ٤ : ١٣٩ / ٥.

٤٧٣

وأمر إبراهيم أن يذبح إسماعيل ولم يشأ أن يذبحه ، ولو شاء لما غلبت مشيّة إبراهيم مشيّة الله» (١).

[٢ / ١٣٠٠] وأيضا عنه عن أبيه عن عليّ بن معبد عن واصل بن سليمان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «أمر الله ولم يشأ وشاء ولم يأمر ، أمر إبليس أن يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد ، ولو شاء لسجد ، ونهى آدم عن أكل الشجرة وشاء أن يأكل منها ، ولو لم يشأ لم يأكل» (٢).

***

قال سيّدنا العلّامة الطباطبائي : في هذه الروايات تقسيم للإرادة إلى تشريعيّة وتكوينيّة (٣). فالتشريعيّة هي أوامره تعالى ونواهيه لعباده لغرض الطاعة. وأمّا التكوينيّة فهو إذنه تعالى في التحقّق والوجود. فقد يأمر ولا يأذن ، فهذا لا يتحقّق وجودا ، وإن كان العبد مأمورا بإتيانه ، كما في قصّة الذبيح ، أمر الله نبيّه إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل ، لكنّه تعالى لم يأذن في تحقّقه فلم يقع.

وهذا غالبا مّا يكون في الأوامر الامتحانيّة ، حيث المصلحة ملحوظة في إنشاء الطلب محضا لا في تحقّق المطلوب عينا.

وهكذا الأمر بشأن خطيئة آدم ، نهاه عن تناول الشجرة ـ امتحانا لعزيمته في الإيفاء بالعهد ـ مع علمه تعالى بأنّه سوف يزلّ وينسى عهده ، ومن ثمّ سرّح جانبه بأن أطلق يده في تناول الشجرة. فقد أذن في وقوع الخطيئة ولم يمنع من تحقّقها ، حيث المجال كان مجال الاختبار ، ولا يمكن إلّا بإطلاق السراح.

فهناك لله إرادتان : إرادة حتم ، هي تكاليفه. وإرادة عزم ، هي مشيئته في التكوين. قال تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٤) أي وما تشاؤون فعل شيء إلّا أن يأذن الله ... (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٥).

__________________

(١) الكافي ١ : ١٥١ / ٤ ، كتاب التوحيد ، باب المشيّة والإرادة ؛ نور الثقلين ١ : ٦٢ ؛ البرهان ١ : ١٨٤ / ١٠.

(٢) الكافي ١ : ١٥٠ ـ ١٥١ / ٣.

(٣) هامش البحار ٤ : ١٤٠ / ١. وراجع تعليقه على الكافي (١ : ١٥١) عبّر عن الإرادة التشريعيّة بالاعتباريّة ، وعن التكوينيّة بالحقيقيّة. حيث التشريع جعل اعتباري أي فرض اعتبار محض. أمّا التكوين فهو إيجاده في العين أي الحقيقة العينيّة الخارجيّة.

(٤) الإنسان ٧٦ : ٣٠.

(٥) البقرة ٢ : ١٠٢.

٤٧٤

قال أبو جعفر الصدوق : إنّ الله نهى آدم وزوجه عن تناول الشجرة وقد علم أنّهما يتناولانها ، وشاء أن لا يحول بينهما وبين تناولها بالإجبار وسلب الاختيار. لكنّه تعالى منعهما منع زجر وتحذير لغرض الاختبار (١).

قال العلّامة المجلسي : إنّه تعالى لمّا لم يصرف آدم وحوّاء عن تناول الشجرة ، فقد وكلهما إلى اختيارها ، لمصالح في الخلق والتدبير. وقد عبّر عن هذا الإيكال بالمشيئة ، فكأنّه تعالى شاء أن تقع الخطيئة أي أذن في تحقّقها (٢).

وللسيّد عبد الله شبّر ـ هنا ـ بيان مستوف بجوانب البحث جاء فيه : تفسير المشيئة بالعلم. وبذلك فسّر قوله عليه‌السلام (٣) : «أمر الله ولم يشأ ، وشاء ولم يأمر. أمر إبليس أن يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد». أي علم أنّه لا يسجد.

وكذا قوله : «ونهى آدم عن تناول الشجرة وشاء أن يأكل منها». أي علم أنّه يتناولها.

وأيّد ذلك :

[٢ / ١٣٠١] بما رواه ابن بابويه والد الصدوق في الفقه الرضوي ، حيث قوله عليه‌السلام : «قد شاء الله من عباده المعصية وما أراد. وشاء الطاعة وأراد منهم». أي علم منهم المعصية وما أرادها (٤). والطاعة علمها وأرادها.

فهو تعالى يعلم أزلا طاعات عباده أبدا وهو يريدها منهم. ويعلم معاصيهم وهو لا يريدها أي لا يرضاها : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ)(٥).

وقد أجاد رحمه‌الله في هذا المجال بما يدفع شبهة الجبر والقول بالقدر (٦).

غير أنّ تفسيرنا للمشيئة ـ هنا ـ بالإذن كان أوفق بتعبير النصّ ، فتدبّر!

قوله تعالى : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)

من المخاطب بخطاب الجمع؟

__________________

(١) هامش البحار ٤ : ١٣٩ / ٣.

(٢) البحار ٤ : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٣) في الحديث المتقدم عن الكافي ١ : ١٥٠ ـ ١٥١.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٤١٠ ، باب ١١٩.

(٥) الزمر ٣٩ : ٧.

(٦) راجع : مصابيح أنواره ١ : ٨٨ ـ ٩٣.

٤٧٥

المخاطب ـ هنا ـ آدم وحوّاء وذرّيّتهما ، باعتبارهما رأسا للجميع. حيث المخاطب في الحقيقة هم بنو الإنسان وقد خلقوا للأرض وفي الأرض وليعمروا الأرض. ويدلّ على ذلك تفريعات جاءت في ذيل الآية :

(وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)(١)(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)(٢).

(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٣).

وقد تكلّمنا عن موارد من لغة العرب والقرآن جاء فيها الجمع مرادا به الاثنان ، باعتباره جمعا بينهما ، أو الاثنان فما فوق ، عرفا شائعا (٤).

وفي الأخبار بيان من وجوه اخر :

[٢ / ١٣٠٢] أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) قال : آدم وحوّاء وإبليس والحيّة! (٥)

[٢ / ١٣٠٣] وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) قال : آدم والحيّة والشيطان (٦).

[٢ / ١٣٠٤] وأخرج ابن جرير بالإسناد إلى مجاهد قال : آدم وذرّيّته ، وإبليس وذرّيّته (٧).

[٢ / ١٣٠٥] وأخرج ابن جرير عن السّدّي في قوله : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) قال : فلعن الحيّة وقطع قوائمها وتركها تمشي على بطنها ، وجعل رزقها من التراب. وأهبط إلى الأرض آدم وحوّاء

__________________

(١) ولعلّه من حيث افتتن آدم بحوّاء فغرّته بتسويلها ، حسبما جاءت في الروايات. وهكذا سائر بني آدم بعضهم لبعض عدوّ.

(٢) إنّما كانت الأرض مستقرّ بني الإنسان لا الملك ولا الجنّ.

(٣) هذا التبشير والإنذار إنّما توجّه إلى بنى الإنسان وحدهم لا إبليس وذرّيّته.

(٤) راجع كتابنا : «شبهات وردود» (الجزء السابع من التمهيد : ٤٢٧ ـ ٤٣٢).

(٥) الدرّ ١ : ١٣٤ ؛ الطبري ١ : ٣٤٤ / ٦٣٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٩ و ٩٠ / ٣٩٨ و ٣٩٩ و ٤٠٣ ؛ القرطبي ١ : ٣١٩.

(٦) الدرّ ١ : ١٣٤ ؛ الطبري ١ : ٣٤٣ / ٦٣٣ ، بلفظ : «قال : آدم وإبليس والحيّة. وفي رواية بلفظ : آدم وإبليس والحيّة ذرّيّة بعضهم أعداء بعض» ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٤ ، رقم ٥٧٨.

(٧) الطبري ١ : ٣٤٣ / بعد حديث ٦٣٣.

٤٧٦

وإبليس والحيّة (١).

[٢ / ١٣٠٦] وأخرج أبو الشيخ عن قتادة عن أبي صالح في قوله : (اهْبِطُوا) قال : آدم ، وحوّاء ، وإبليس والحيّة (٢).

[٢ / ١٣٠٧] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال : يعني آدم ، وحوّاء ، وإبليس (٣).

[٢ / ١٣٠٨] وقال الحسن : آدم وحوّاء والوسوسة (٤).

[٢ / ١٣٠٩] وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : يعني إبليس وآدم (٥).

[٢ / ١٣١٠] وعن عبد الرحمان بن زيد قال : ذلك خطاب لهما ولذرّيّتهما (٦).

[٢ / ١٣١١] وقال مجاهد والحسن : بنو آدم وبنو إبليس (٧).

***

[٢ / ١٣١٢] وأخرج ابن عساكر عن عبد العزيز بن عميرة قال : قال الله لآدم : اخرج من جواري ، وعزّتي لا يجاورني في داري من عصاني ، يا جبريل أخرجه إخراجا غير عنيف ، فأخذ بيده يخرجه (٨).

[٢ / ١٣١٣] وأخرج عن قتادة قال : لمّا أهبط الله آدم إلى الأرض قيل له : لن تأكل الخبز بالزيت حتّى تعمل عملا مثل الموت (٩). أي في مشقّة دائبة.

[٢ / ١٣١٤] وأخرج عن مجاهد قال : إنّ الله لمّا أهبط آدم وحوّاء قال : اهبطوا إلى الأرض ، فلدوا للموت وابنوا للخراب (١٠).

[٢ / ١٣١٥] وأخرج ابن المبارك في الزهد عن مجاهد قال : لمّا أهبط آدم إلى الأرض قال له ربّه ـ عزوجل ـ : ابن للخراب ولد للفناء (١١).

__________________

(١) الطبري ١ : ٣٤٣ / ٦٣٢ و ٥ : ١٩٠ / ١١٢٠٩.

(٢) الدرّ ١ : ١٣٤ ؛ الطبري ١ : ٣٤٣ / ٦٣١.

(٣) الدرّ ١ : ١٣٤.

(٤) القرطبي ١ : ٣١٩ ؛ التبيان ١ : ١٦٤ ؛ مجمع البيان ١ : ١٧٢.

(٥) الطبري ١ : ٣٤٣ / ٦٣٤.

(٦) المصدر : ٣٤٤ / ٦٣٦.

(٧) القرطبي ١ : ٣١٩ ؛ التبيان ١ : ١٦٥ ؛ مجمع البيان ١ : ١٧٣ ، كلاهما عن الحسن.

(٨) الدرّ ١ : ١٣٢ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٦.

(٩) الدرّ ١ : ١٤١ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤١١ ، رقم ٥٧٨.

(١٠) الدرّ ١ : ١٤٢ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٣٧ ، رقم ٥٧٨.

(١١) الدرّ ١ : ١٤٢ ؛ الزهد ١ : ٨٧ / ٢٥٨.

٤٧٧

أين أهبطا

[٢ / ١٣١٦] أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : أهبط آدم إلى أرض يقال لها دجناء (١) بين مكّة والطائف (٢).

[٢ / ١٣١٧] وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر قال : أهبط آدم بالصفا وحوّاء بالمروة (٣).

[٢ / ١٣١٨] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس. إنّ أوّل ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند. وفي لفظ بدجناء أرض بالهند (٤).

[٢ / ١٣١٩] وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن الحسن قال : أهبط آدم بالهند ، وهبطت حوّاء بجدّة ، وهبط إبليس بدست ميسان (٥) من البصرة على أميال ، وهبطت الحيّة بأصبهان! (٦)

[٢ / ١٣٢٠] وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عبّاس قال : أهبط آدم بالهند وحوّاء بجدّة ، فجاء في طلبها حتّى أتى جمعا ، فازدلفت إليه حوّاء. فلذلك سمّيت «المزدلفة» واجتمعا بجمع فلذلك سمّيت «جمعا» (٧).

[٢ / ١٣٢١] وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نزل آدم عليه‌السلام بالهند فاستوحش ، فنزل جبريل فنادى بالأذان : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، ـ مرّتين ـ أشهد أنّ محمّدا رسول الله ـ مرّتين ـ. فقال : ومن محمّد هذا؟ قال : هذا آخر ولدك من الأنبياء» (٨).

__________________

(١) قال ابن الأثير : وفي الحديث عن ابن عبّاس : «إنّ الله مسح ظهر آدم بدجناء». هو بالمدّ والقصر : اسم موضع. ويروى بالحاء المهملة. والدجناء : ترعة تربّى فيها الدواجن جمع داجن : وهي الشاة تعلف وتسقى في حظيرتها. وهذا قريب من الحديث الآتي «دست ميسان» معرّب «دشت ميشان». دشت : الترعة. ميشان ـ جمع ميش ـ المعز من الغنم.

(٢) الدرّ ١ : ١٣٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٩ / ٣٩٤. ابن كثير ١ : ٨٤.

(٣) الدرّ ١ : ١٣٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٨ / ٣٩٢ ؛ ابن كثير ١ : ٨٤.

(٤) الدرّ ١ : ١٣٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٨ / ٣٩٣ ؛ الحاكم ٢ : ٥٤٢ ، كتاب تواريخ المتقدّمين ؛ ابن كثير ١ : ٨٤.

(٥) دست ميسان : كورة جليلة بين واسط والبصرة والأهواز. وهو معرّب دشت ميشان. وقد سبق أنّه متوافق مع الدجناء :

ترعة تربّى فيها الأغنام.

(٦) الدرّ ١ : ١٣٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٩ / ٣٩٥. ابن كثير ١ : ٨٤.

(٧) الدرّ ١ : ١٣٥ ؛ الطبقات الكبرى ١ : ٤٠ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٩.

(٨) الدرّ ١ : ١٣٥ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٣٧ ؛ كنز العمّال ١١ : ٤٥٥ / ٣٢١٣٩.

٤٧٨

[٢ / ١٣٢٢] وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال : قال الله (اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) فهبطوا ، فنزل آدم بالهند وأنزل معه الحجر الأسود وقبضة من ورق الجنّة ، فبثّه بالهند فنبتت شجرة الطيب ، فإنّما أصل ما يجاء به من الطيب من الهند من قبضة الورق الّتي هبط بها آدم ، وإنّما قبضها آدم حين أخرج من الجنّة أسفا على الجنّة حين أخرج منها (١).

[٢ / ١٣٢٣] وأخرج سعيد بن منصور عن عطاء بن أبي رباح قال : هبط آدم بأرض الهند ومعه أعواد أربعة من أعواد الجنّة ، وهي هذه الّتي تتطيّب بها الناس ، وإنّه حجّ هذا البيت على بقرة (٢).

[٢ / ١٣٢٤] وأخرج ابن جرير والحاكم وصحّحه والبيهقي في البعث وابن عساكر عن ابن عبّاس : أطيب أرض في الأرض ريحا أرض الهند ، أهبط بها آدم فعلق شجرها من ريح الجنّة (٣).

[٢ / ١٣٢٥] وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن المنذر وابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : إنّ آدم لمّا أهبط إلى الأرض هبط بالهند ، وإنّ رأسه كان ينال السماء ، وإنّ الأرض شكت إلى ربّها ثقل آدم ، فوضع الجبّار تعالى يده على رأسه ، فانحطّ منه سبعون ذراعا ، وهبط معه بالعجوة والأترنج والموز. فلمّا أهبط قال : ربّ هذا الّذي جعلت بيني وبينه عداوة ، إن لم تعنّي عليه لا أقوى عليه! قال : لا يولد لك ولد إلّا وكّلت به ملكا قال : ربّ زدني! قال : أجازي بالسيّئة السيّئة ، وبالحسنة عشر أمثالها إلى ما أزيد! قال : ربّ زدني! قال : باب التوبة له مفتوح مادام الروح في الجسد. قال إبليس : يا ربّ هذا الّذي أكرمته إن لم تعنّي عليه لا أقوى عليه ، قال : لا يولد له ولد إلّا ولد لك ولد ، قال : يا ربّ زدني ، قال : تجري منه مجرى الدم ، وتتّخذ في صدورهم بيوتا ، قال : ربّ زدني قال : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ)(٤). (٥)

[٢ / ١٣٢٦] وروى الصدوق بإسناده إلى أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ آدم أنزل ، فنزل

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٣٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٩ / ٣٩٧ ؛ ابن كثير ١ : ٨٤.

(٢) الدرّ ١ : ١٣٦.

(٣) الدرّ ١ : ١٣٥ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٨١ ؛ الحاكم ٢ : ٥٤٢ ، كتاب تواريخ المتقدّمين ؛ البعث والنشور : ١٤١ / ١٧٩ عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٣٨ ؛ كنز العمّال ٦ : ٦٩٣ / ١٧٤٤٤.

(٤) الإسراء ١٧ : ٦٤.

(٥) الدرّ ١ : ١٣٥ ـ ١٣٦ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩ ، رقم ٥٧٨ ، وليس فيه قوله : «وهبط معه بالعجوة والأترنج والموز».

٤٧٩

في الهند» (١).

[٢ / ١٣٢٧] وجاء في مفروض مسائل الشاميّ للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه سأله عن أكرم واد على وجه الأرض؟ فقال ـ حسب زعم الراوي ـ : واد يقال له : «سرنديب» (٢) فيه سقط آدم من السماء (٣).

[٢ / ١٣٢٨] وروى الصدوق عن أبيه عن عليّ بن سليمان الزراريّ عن محمّد بن الحسين عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته : كيف كان أوّل الطيب؟ فقال : ما يقول من قبلكم فيه؟ قلت : يقولون : إنّ آدم لمّا هبط إلى أرض الهند فبكى على الجنّة فسالت دموعه فصارت عروقا في الأرض ، فصارت طيبا ، فقال : ليس كما يقولون ، ولكن حوّاء كانت تغلّفت قرونها من أطراف شجر الجنّة ، فلمّا هبطت إلى الأرض وبليت بالمعصية رأت الحيض ، فأمرت بالغسل ، فنفضت قرونها فبعث الله ريحا طارت به ، وخفضته فذرّت حيث شاء الله ، فمن ذلك الطيب!». (٤)

[٢ / ١٣٢٩] وروى بإسناده إلى عليّ بن حسّان الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أهبط الله آدم من الجنّة على الصفا وحوّاء على المروة ، وقد كانت امتشطت في الجنّة ، فلمّا صارت في الأرض قالت : ما أرجو من المشط وأنا مسخوط عليّ فحلّت مشطتها فانتشر من مشطها العطر الّذي كانت امتشطت به في الجنّة ، فطارت به الريح فألقت أثره في الهند ، فلذلك صار العطر بالهند!».

وفي حديث آخر : إنّها حلّت عقيصتها فأرسل الله على ما كان فيها من ذلك الطيب ريحا فهبّت به في المشرق والمغرب! (٥).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٦٥ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤٠٧ / ٢ باب ١٤٣ ؛ البحار ١١ : ١٧٠ / ١٧ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٧١.

(٢) هي جزيرة «سيلان» تقع جنوب شرقيّ الهند. وسمّاها العرب «سرنديب». عاصمتها «كولمبو». مساحتها (٦٠٧ / ٦٥ كم). فهي ليست بواد وإنّما هي جزيرة! الأمر الّذي أغفله جاعل الحديث.

(٣) عيون الأخبار ١ : ٢٢١ / ١ ؛ علل الشرايع ٢ : ٥٩٥ / ٤٤ ؛ البحار ١١ : ٢١٠ / ١٢.

(٤) نور الثقلين ١ : ٦٥ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤٩٢ / ٢ ، باب ٢٤١ (علّة الطيب وسببه) ؛ عيون الأخبار ١ : ٢٥٩ / ٣٤ ؛ البحار ١١ : ٢٠٥ / ٥.

(٥) علل الشرائع ٢ : ٤٩١ ـ ٤٩٢ / ١ ، باب ٢٤١ (علّة الطيب وسببه) ؛ الكافي ٦ : ٥١٣ / ١ ، كتاب الزيّ والتجمّل والمروءة ، باب أصل الطيب ؛ البحار ١١ : ٢٠٧ / ٨.

٤٨٠