التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

[٢ / ١١٧٨] وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبّان والطبراني والحاكم وصحّحه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي أمامة الباهلي «أنّ رجلا قال : يا رسول الله أنبيّا كان آدم؟ قال : نعم ، مكلّم. قال : كم بينه وبين نوح؟ قال : عشرة قرون. قال : كم بين نوح وبين إبراهيم؟ قال : عشرة قرون. قال : يا رسول الله! كم الأنبياء؟ قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قال : يا رسول الله كم كانت الرسل من ذلك؟ قال : ثلثمائة وخمسة عشر. جمّا غفيرا» (١).

[٢ / ١١٧٩] وأخرج عبد بن حميد والآجريّ في الأربعين عن أبي ذرّ قال : «قلت : يا رسول الله! من كان أوّلهم؟ ـ يعني الرسل ـ قال : آدم. قلت : يا رسول الله أنبيّ مرسل؟ قال : نعم ، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وسوّاه قبلا» (٢).

[٢ / ١١٨٠] وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والبزّار والبيهقي في الشعب عن أبي ذرّ قال : «قلت : يا رسول الله أيّ الأنبياء كان أوّل؟ قال : آدم. قلت : يا رسول الله ونبيّا كان؟ قال : نعم ، نبيّ مكلّم. قلت : كم كان المرسلون يا رسول الله؟ قال : ثلثمائة وخمسة عشر. جمّا غفيرا» (٣).

[٢ / ١١٨١] وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي ذرّ قال : قلت : «يا رسول الله من أوّل الأنبياء؟ قال : آدم. قلت : نبيّا كان؟ قال : نعم ، مكلّم. قلت : ثمّ من؟ قال : نوح وبينهما عشرة آباء» (٤).

[٢ / ١١٨٢] وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أبي ذرّ قال : «قلت : يا

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٦ ؛ ابن حبّان ١٤ : ٦٩ / ٦١٩٠ ، كتاب التاريخ ، باب ١ (بدء الخلق) إلى قوله : وبين نوح؟ قال عشرة قرون ؛ الأوسط ١ : ١٢٨ ، باختلاف واختصار ، الكبير ٨ : ١١٨ ـ ١١٩ باختلاف واختصار ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٢ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثاني : ٣١٩ ، باختلاف في النقل باب : إسماع الربّ كلامه من شاء من ملائكته ورسله وعباده ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٩٦ ، كتاب العلم ، باب التاريخ ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.

(٢) الدرّ ١ : ١٢٦.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٦ ؛ مسند أحمد ٥ : ١٧٨ ؛ التاريخ ١ : ٢٩ / ٣٨ ، بلفظ : «عن أبي ذرّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : آدم نبيّ مكلّم ؛ الشعب ٣ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ / ٣٥٧٦ ، باب : في الصيام ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٦٠.

(٤) الدرّ ١ : ١٢٦ ؛ المصنّف ٨ : ٣٤٨ / ٢٠١ ، كتاب الاوائل ، باب : أوّل ما فعل ومن فعله ، باختلاف ؛ الأوسط ٥ : ٧٧ ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٩٦ / ١٩٧ ، كتاب العلم ، باب التاريخ.

٤٤١

رسول الله أرأيت آدم أنبيّا كان؟ قال : نعم كان نبيّا رسولا كلّمه الله قبلا ، قال له : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١).

قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)

[٢ / ١١٨٣] أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن عطاء قال : لمّا سجدت الملائكة لآدم نفر إبليس نفرة ثمّ ولّى مدبرا وهو يلتفت أحيانا ينظر هل عصى ربّه أحد غيره؟ فعصمهم الله. ثمّ قال الله لآدم : قم يا آدم فسلّم عليهم. فقام فسلّم عليهم وردّوا عليه ، ثمّ عرض الأسماء على الملائكة فقال الله لملائكته : زعمتم أنّكم أعلم منه (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. قالُوا سُبْحانَكَ) إنّ العلم منك ولك ، (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا). فلمّا أقرّوا بذلك (قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) فقال آدم : هذه ناقة ، جمل ، بقرة ، نعجة ، شاة ، فرس ، وهو من خلق ربّي. فكلّ شيء سمّى آدم فهو اسمه إلى يوم القيامة ، وجعل يدعو كلّ شيء باسمه حين يمرّ بين يديه حتّى بقي الحمار وهو آخر شيء مرّ عليه. فجاء الحمار من وراء ظهره فدعا آدم : أقبل يا حمار! فعلمت الملائكة أنّه أكرم على الله وأعلم منهم.

ثمّ قال له ربّه : يا آدم ادخل الجنّة تحيا وتكرم ، فدخل الجنّة فنهاه عن الشجرة قبل أن يخلق حوّاء. فكان آدم لا يستأنس إلى خلق في الجنّة ، ولا يسكن إليه ، ولم يكن في الجنّة شيء يشبهه ، فألقى الله عليه النوم وهو أوّل نوم كان ، فانتزعت من ضلعه الصغرى من جانبه الأيسر فخلقت حوّاء منه ، فلمّا استيقظ آدم فجلس فنظر إلى حوّاء تشبهه من أحسن البشر ، ولكلّ امرأة فضل على الرجل بضلع ، وكان الله علّم آدم اسم كلّ شيء فجاءته الملائكة فهنّوه وسلّموا عليه. فقالوا : يا آدم ما هذه؟ قال : هذه مرأة. قيل له : فما اسمها؟ قال : حوّاء. فقيل له : لم سمّيتها حوّاء؟ قال : لأنّها خلقت من حيّ. فنفخ بينهما من روح الله فما كان من شيء يتراحم الناس به فهو من فضل رحمتهما (٢).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٦ ؛ الأوسط ٤ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ؛ العظمة ٥ : ١٥٥٣ ـ ١٥٥٤ / ١٠١٦ ، باب ٤٥ (خلق آدم وحوّاء) باختلاف ؛ ابن كثير ١ : ٨٢ ، بلفظ : ... عن أبي ذرّ قال : قلت : يا رسول الله أرأيت آدم أنبيّا كان؟ قال : «نعم نبيّا رسولا يكلّمه الله قبيلا» ـ أي عيانا ـ فقال : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ...) ؛ مجمع الزوائد ٨ : ١٩٨ ، كتاب الأنبياء ، باب ذكر نبيّنا آدم ؛ الكامل لابن عديّ ٣ : ٣٤١.

(٢) الدرّ ١ : ١٢٨ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٢ ـ ١٠٣ ، رقم ٩٣٢٥ ، ترجمة حميدة بنت عمرو.

٤٤٢

وبهذه المناسبة أورد أصحاب التفسير الأثري روايات عن خلق حوّاء والسبب في تسميتها حوّاء :

[٢ / ١١٨٤] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدّي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عبّاس وعن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : لمّا سكن آدم الجنّة كان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها ، فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه فسألها ما أنت؟ قالت : امرأة. قال : ولم خلقت؟ قالت : لتسكن إليّ ، قالت له الملائكة ينظرون ما يبلغ علمه : ما اسمها يا آدم؟ قال : حوّاء. قالوا : لم سمّيت حوّاء؟ قال : لأنّها خلقت من حيّ فقال الله : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١).

ورواه أبو اسحاق الثعلبي وزاد : قالوا (أي الملائكة) : تحبّها يا آدم؟ قال : نعم ، فقالوا لحوّاء : أتحبّينه؟ قالت : لا ، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من حبّه ، قالوا : فلو صدقت امرأة في حبّها لزوجها لصدقت حوّاء (٢).

[٢ / ١١٨٥] وأخرج ابن أبي حاتم عن أشعث الحدّاني قال : كانت حوّاء من نساء الجنّة ، وكان الولد يرى في بطنها إذا حملت ذكر أم أنثى من صفاقها (٣).

[٢ / ١١٨٦] وأخرج ابن عديّ وابن عساكر عن إبراهيم النخعي قال : لمّا خلق الله آدم وخلق له زوجته ، بعث إليه ملكا وأمره بالجماع ففعل ، فلمّا فرغ قالت له حوّاء : يا آدم هذا طيّب زدنا منه! (٤).

قلت : هذه روايات ـ بل حكايات ـ هي أشبه بالهزل منها إلى الجدّ ، ولعلّها من فكاهيّات أصحاب الملح والظرف ، درجت إلى التفسير عفوا ، فياله من تساهل!

[٢ / ١١٨٧] وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عبّاس قال : إنّما سمّيت حوّاء لأنّها أمّ كلّ حيّ (٥).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٧ ؛ الطبري ١ : ٣٢٨ / ٥٩٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٥ / ٣٧٢ ، نقلا عن السدّي ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٥٤٥ ، باب : بدء الخلق ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٢ ، ترجمة آدم نبيّ الله عليه‌السلام.

(٢) الثعلبي ١ : ١٨١ ـ ١٨٢.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٨. والصفاق : الجلد الأسفل الّذي يمسك البطن. وهو إذا شقّ كان منه الفتق.

(٤) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الكامل ٧ : ١٥٠ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٩ ، رقم ٩٣٢٨ ، ترجمة حوّاء أمّ البشر.

(٥) الدرّ ١ : ١٢٨ ؛ الطبقات الكبرى ١ : ٣٩ ـ ٤٠ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٢ ، ترجمة حوّاء.

٤٤٣

[٢ / ١١٨٨] وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر من وجه آخر عن ابن عبّاس قال : إنّما سمّيت المرأة مرأة لأنّها خلقت من المرء ، وسمّيت حوّاء لأنّها أمّ كلّ حيّ (١).

[٢ / ١١٨٩] وأخرج سفيان بن عيينة عن مجاهد قال : نام آدم فخلقت حوّاء من قصيراه ، فاستيقظ فرآها فقال : من أنت؟ فقالت : أنا آثا يعني امرأة بالسّريانيّة ، وفي رواية أخرى : بالنبطيّة (٢).

[٢ / ١١٩٠] وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق ، قال : لمّا فرغ الله من معاتبة إبليس أقبل على آدم وقد علّمه الأسماء كلّها ، فقال : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) إلى قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). قال : ثمّ ألقى السّنة على آدم (٣) ـ فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم عن عبد الله بن عبّاس وغيره ـ ثمّ أخذ ضلعا من أضلاعه من شقّه الأيسر ولأم مكانه لحما وآدم نائم لم يهبّ من نومته حتّى خلق الله من ضلعه تلك زوجته حوّاء ، فسوّاها امرأة ليسكن إليها. فلمّا كشف عنه السّنة وهبّ من نومته رآها إلى جنبه ، فقال ـ فيما يزعمون والله أعلم ـ : لحمي ودمي وزوجتي. فسكن إليها. فلمّا زوّجه الله ـ تبارك وتعالى ـ وجعل له سكنا من نفسه ، قال له : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)(٤).

[٢ / ١١٩١] وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «استوصوا بالنساء فإنّ المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوجّ شيء من الضلع ، فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته تركته وفيه عوج. فاستوصوا بالنساء خيرا» (٥).

قلت : سيأتي ـ في سورة النساء ـ الكلام عن خلق حوّاء من ضلع آدم ، كما وردت في روايات هي أشبه بالإسرائيليات وقد خالفت صريح الكتاب العزيز ، ووافقت أساطير سفر التكوين (أصحاح ٢) : «فأوقع الربّ الإله سباتا على آدم فنام. فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحما. وبنى الربّ الإله الضلع الّتي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم : هذه الآن عظم من عظامي ولحم

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٨ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠٢ ، رقم ٩٣٢٨ ، ترجمة حوّاء.

(٢) الدرّ ١ : ١٢٧ ؛ ابن عساكر ٦٩ : ١٠١ ، رقم ٩٣٢٨.

(٣) السّنة : النعاس.

(٤) الطبري ١ : ٣٢٩ / ٥٩٦ ؛ ابن كثير ١ : ٨٢ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٧٠ ، باب : ذكر خلق الله تعالى أبانا آدم أبا البشر.

(٥) الدرّ ١ : ١٢٨ ؛ البخاري ٤ : ١٠٣ ، كتاب الأنبياء ، باب ١ : مسلم ٤ : ١٧٨ ، كتاب الرضاع ، باب الوصيّة بالنساء ؛ كنز العمّال ١٦ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ / ٤٤٣٠٢.

٤٤٤

من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنّها من امرء أخذت. لذلك يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا!؟».

ما كانت جنّة آدم؟

[٢ / ١١٩٢] قال الشيخ : قال الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وأكثر المعتزلة كأبي علي والرمّاني وأبي بكر بن الإخشيد ، وعليه أكثر المفسّرين : إنّها كانت جنّة الخلد (١).

قال أبو إسحاق الثعلبي : قالت القدريّة : إنّ الجنّة الّتي أسكنها الله آدم وحوّاء لم تكن جنّة الخلد وإنّما كان بستانا من بساتين الدنيا. واحتجّوا بأنّ الجنّة لا يكون فيها ابتلاء وتكليف. والجواب : أنّا قد أجمعنا على أنّ أهل الجنّة مأمورون فيها بالمعرفة ومكلّفون بذلك. وجواب آخر : أنّ الله تعالى قادر على الجمع بين الأضداد ، فأرى آدم المحنة في الجنّة وأرى إبراهيم النّعمة في النّار ، لئلّا يأمن العبد ربّه ولا يقنط من رحمته ، وليعلم أنّ له أن يفعل ما يشاء.

واحتجّوا أيضا بأنّ من دخل الجنّة يستحيل الخروج منها ، قال الله تعالى : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ)(٢). والجواب : أنّ من دخلها للثواب لا يخرج منها أبدا ، وآدم له أن يدخلها للثواب. ألا ترى أنّ رضوان خازن الجنّة يدخلها ثمّ يخرج منها ، وإبليس كان داخل الجنّة وأخرج منها! (٣).

***

قال الإمام الرازي : اختلفوا في الجنّة المذكورة في الآية ، هل كانت في الأرض أو في السماء؟ وبتقدير أنّها كانت في السماء فهل هي الجنّة الّتي هي دار الثواب أو جنّة الخلد أو جنّة أخرى؟

فقال أبو القاسم البلخي وأبو مسلم الأصفهاني : هذه الجنّة كانت في الأرض. وحملا الإهباط على الانتقال من بقعة إلى أخرى ، كما في قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً)(٤).

واحتجّا بوجوه : أحدها : أنّ هذه الجنّة لو كانت هي دار الثواب لكانت جنّة الخلد. ولو كان آدم في جنّة الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(٥). ولما

__________________

(١) التبيان ١ : ١٥٦ ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٨.

(٢) الحجر ١٥ : ٤٨.

(٣) الثعلبي ١ : ١٨٢.

(٤) البقرة ٢ : ٦١.

(٥) طه ٢٠ : ١٢٠.

٤٤٥

صحّ قوله : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)(١).

ثانيها : أنّ من دخل هذه الجنّة لا يخرج منها ، لقوله تعالى : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ)(٢).

ثالثها : أنّ إبليس لمّا امتنع من السجود لعن ، فما كان يقدر مع غضب الله عليه أن يصل إلى جنّة الخلد.

رابعها : أنّ الجنّة الّتي هي دار الثواب لا يفنى نعيمها ، لقوله تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها)(٣).

ولقوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(٤) أي غير مقطوع.

فهذه الجنّة لو كانت هي التي دخلها آدم لما فنيت ، لكنّها تفنى لقوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)(٥). ولما خرج منها آدم ، لكنّه خرج منها وانقطعت تلك الراحات.

خامسها : أنّه لا يجوز في حكمته تعالى أن يبتدئ الخلق في جنّة يخلدهم فيها ولا تكليف.

سادسها : لا نزاع في أنّ الله خلق آدم في الأرض ، ولم يذكر في هذه القصّة أنّه تعالى نقله إلى السماء ، ولو كان لكان أولى بالذكر.

قال الرازي : والقول الثاني قول أبى عليّ الجبّائي : إنّ تلك الجنّة كانت في السماء السابعة ، بدليل قوله تعالى : (اهْبِطُوا مِنْها)(٦).

والقول الثالث ـ وهو قول جمهور أصحابنا الأشعرين ـ : إنّ هذه الجنّة هي تلك الجنّة المعهودة ، والّتي هي دار الثواب. إذ يجب صرف اللفظ إليها لأنّها المعهودة لا غيرها.

قال الرازي : والأدلّة النقلية هنا ضعيفة ومتعارضة فوجب التوقّف وترك القطع (٧).

وإليك من سائر الروايات :

[٢ / ١١٩٣] أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : خلق الله آدم يوم الجمعة ، وأدخله الجنّة يوم الجمعة ، فجعله في جنّات الفردوس (٨).

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٢٠.

(٢) الحجر ١٥ : ٤٨.

(٣) الرعد ١٣ : ٣٥.

(٤) هود ١١ : ١٠٨.

(٥) الرحمان ٥٥ : ٤٨.

(٦) البقرة ٢ : ٣٨.

(٧) تفسير الكبير ٣ : ٣ ـ ٤.

(٨) الدرّ ١ : ١٢٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٥ / ٣٧١.

٤٤٦

[٢ / ١١٩٤] وقال أبو مسلم محمّد بن بحر : هي في الأرض ، لأنّه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهاهما عنها دون غيرها من الثمار. (١) أي فذلك دليل على أنّها جنّة الدنيا حيث التكليف ولا تكليف في جنّة الخلد.

[٢ / ١١٩٥] وعنه أيضا قال : هي جنّة من جنان الدنيا في الأرض. وقال إنّ قوله : (اهْبِطُوا مِنْها) لا يقتضي كونها في السماء ، لأنّه مثل قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً)(٢).

[٢ / ١١٩٦] وقال عليّ بن إبراهيم : حدّثني أبي رفعه قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن جنّة آدم أمن جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة؟ فقال : كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الآخرة ما أخرج منها أبدا ، قال : فلمّا أسكنه الله الجنّة وأتى جهالة إلى الشجرة ، أخرجه ، لأنّ الله خلق خلقة لا تبقى إلّا بالأمر والنهي والغذاء واللباس والإسكان والنكاح ، ولا يدرك ما ينفعه مما يضرّه إلّا بالتوقيف ، فجاءه إبليس ، فقال له : إنّكما إذا أكلتما من هذه الشجرة الّتي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنّة أبدا ، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنّة وحلف لهما أنّه لهما ناصح كما قال الله ـ عزوجل ـ حكاية عنه : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ. وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) فقبل آدم قوله ، فأكلا من الشجرة ، فكان كما حكى الله : (بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) وسقط عنهما ما ألبسهما الله من لباس الجنّة وأقبلا يستتران بورق الجنّة (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، فقالا كما حكى الله عنهما : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فقال الله لهما : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) ، قال : إلى يوم القيامة. قال : فهبط آدم على الصفا ، وإنّما سمّيت الصفا لأنّ صفوة الله نزل عليها ، ونزلت حواء على المروة ، وإنّما سمّيت المروة لأنّ المرأة نزلت عليها ، فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنّة ، فنزل عليه جبرائيل عليه‌السلام ، فقال : يا آدم ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته؟ قال : بلى ، قال : وأمرك الله أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته؟ قال : يا جبرائيل إنّ إبليس حلف لي بالله إنّه لي ناصح ، وما ظننت أنّ خلقا يخلقه الله يحلف به كاذبا» (٣).

__________________

(١) التبيان ١ : ١٥٩.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٦٨ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢١٨.

(٣) البرهان ١ : ١٨١ ـ ١٨٢ / ٤ ؛ القمي ١ : ٤٣ ـ ٤٤ ؛ البحار ١١ : ١٦١ ـ ١٦٢ / ٥ ؛ نور الثقلين ٢ : ١٣ / ٣٦ ، سورة الأعراف.

٤٤٧

[٢ / ١١٩٧] وروى الصدوق عن محمّد بن الحسن قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن عثمان عن الحسن بن بشّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن جنّة آدم؟ فقال : جنّة من جنان الدنيا ، يطلع عليها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا» (١).

[٢ / ١١٩٨] وروى الكليني عن شيخه عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الحسين بن ميسر قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن جنّة آدم ، فقال جنّة من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا» (٢).

***

[٢ / ١١٩٩] وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال : الرغد : الهنيّ (٣).

[٢ / ١٢٠٠] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : الرغد : سعة المعيشة (٤).

[٢ / ١٢٠١] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) قال : لا حساب عليكم (٥).

آدم شكر ربّه

[٢ / ١٢٠٢] أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب «الشكر» والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» والبيهقي في «الشعب» وابن عساكر في تاريخه عن الحسن قال : قال موسى يا ربّ كيف يستطيع آدم أن يؤدّي شكر ما صنعته إليه ، خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنّتك ، وأمرت

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٦٢ ؛ علل الشرائع ٢ : ٦٠٠ / ٥٥ ، باب ٣٨٥ (نوادر العلل) ؛ البحار ٦ : ٢٨٤ / ٢ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٦٤ ـ ٣٦٥ ؛ البرهان ١ : ١٨٠ / ٢.

(٢) نور الثقلين ١ : ٦٢ ؛ الكافي ٣ : ٢٤٧ / ٢ ؛ البحار ٦ : ٢٨٤ / ٢ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٦٥ ؛ البرهان ١ : ١٨١ / ٣.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الطبري ١ : ٣٢٩ / ٥٩٧ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٢ ، رقم ٥٧٨.

(٤) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الطبري ١ : ٣٣٠ / ٥٩٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٥ / ٣٧٣.

(٥) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الطبري ١ : ٣٣٠ / ٥٩٨ ، وفيه «عليهم» بدل «عليكم» ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٦ / ٣٧٤.

٤٤٨

الملائكة فسجدوا له؟ فقال : يا موسى علم أنّ ذلك منّي فحمدني عليه ، فكان ذلك شكرا لما صنعت إليه (١).

النهي من اقتراب الشجرة

[٢ / ١٢٠٣] روى العيّاشيّ ، عن سلّام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام «في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : يعني لا تأكلا منها» (٢).

[٢ / ١٢٠٤] وقال ابن بابويه الصدوق : روي عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال : «جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أنّه قال : لأيّ شيء فرض الله الصوم على أمّتك بالنهار ثلاثين يوما ، وفرض الله على الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبيّ : إنّ آدم لمّا أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ، ففرض الله على ذرّيّته ثلاثين يوما الجوع والعطش ، والّذي يأكلونه بالليل تفضّل من الله عليهم ، وكذلك على آدم» (٣).

***

[٢ / ١٢٠٥] وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : ابتلى الله آدم كما ابتلى الملائكة قبله ، وكلّ شيء خلق مبتلى ، ولم يدع الله شيئا من خلقه إلّا ابتلاه بالطاعة ، فما زال البلاء بآدم حتّى وقع فيما نهي عنه (٤).

[٢ / ١٢٠٦] وأخرجه ابن جرير بلفظ : عن قتادة قال : ثمّ إنّ البلاء الّذي كتب على الخلق كتب على آدم ، كما ابتلي الخلق قبله. إنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ أحلّ له ما في الجنّة أن يأكل منها رغدا حيث شاء ، غير شجرة واحدة نهى عنها ، وقدّم إليه فيها ، فما زال به البلاء حتّى وقع بالذي نهي عنه (٥).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٦ ؛ الشكر لله ، لابن أبي الدنيا : ٦٩ ـ ٧٠ / ١٢ ؛ الشعب ٤ : ١٠٣ / ٤٤٢٧ ، باب تعديد نعم الله ـ عزوجل ـ وشكرها ، باختلاف ؛ العظمة ١ : ١٥٠.

(٢) البرهان ١ : ١٨٨ / ١٤ ؛ العيّاشي ١ : ٥٣ / ٢٠ ؛ البحار ١١ : ١٨٧ / ٤١ ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٨ ؛ الصافي ١ : ١٧٠.

(٣) نور الثقلين ١ : ٦١ ـ ٦٢ ؛ الفقيه ٢ : ٧٣ ـ ٧٤ / ١٧٦٩ ، كتاب الصوم ، باب علّة فرض الصيام ؛ علل الشرائع ٢ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ / ١ ؛ الخصال : ٥٣٠ ـ ٥٣١ / ٦ ؛ البحار ٩٣ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩ / ٤٩ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٦٧.

(٤) الدرّ ١ : ١٣٠.

(٥) الطبري ١ : ٣٣٠ / ٦٠٠.

٤٤٩

ماذا كانت الشجرة المنهيّة؟

[٢ / ١٢٠٧] ذكر الشيخ أبو جعفر الطوسي نقلا عن الكلبي : أنّها شجرة العلم ، أي معرفة الخير من الشرّ (١).

[٢ / ١٢٠٨] وعن قتادة : إنّها شجرة العلم وفيها من كلّ شيء (٢).

قلت : هذا مأخوذ من التوراة حرفيّا : «وأمّا شجرة معرفة الخير والشرّ فلا تأكل منها ، لأنّك يوم تأكل منها تموت موتا» (٣).

[٢ / ١٢٠٩] وبهذا المعنى أيضا ما أخرجه ابن جرير عن ابن حميد قال : حدّثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة أنّه حدّث : أنّها الشجرة الّتي تحتكّ بها الملائكة للخلد (٤).

قوله : «تحتكّ بها» أي تحكّ بها ملامس أبدانها لتجعلها صالحة للخلود. وقد يراد : احتكاك الأسنان بها ، كناية عن مضغها للأكل. كما في الحديث التالى :

[٢ / ١٢١٠] وأخرج عن عبد الرزّاق عن عمرو بن عبد الرحمان بن مهرب قال : سمعت وهب بن منبّه يقول : لما أسكن الله آدم وزوجه ونهاه عن الشجرة ، وكانت شجرة غصونها متشعّب بعضها في بعض ، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم ، وهي الثمرة الّتي نهى الله آدم عنها وزوجه (٥).

قلت : تلك أحاديث تبدو عليها شائبة إسرائيليّة لا مساغ لها.

[٢ / ١٢١١] وروى الصدوق بإسناده إلى عبد السّلام بن صالح الهروي قال : «قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن الشجرة الّتي أكل منها آدم وحوّا ، ما كانت؟ فقد اختلف الناس فيها ، فمنهم من يروي أنّها الحنطة ومنهم من يروي أنّها العنب ومنهم من يروي أنّها شجرة الحسد؟ فقال : كلّ ذلك حقّ! قلت : فما معنى هذه الوجوه على اختلافها؟ فقال : يا أبا الصلت إنّ شجرة الجنّة تحمل أنواعا ،

__________________

(١) التبيان ١ : ١٥٨ ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٩ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٢٠.

(٢) الثعلبي ١ : ١٨٢ ؛ البغوي ١ : ١٠٥.

(٣) سفر التكوين الأصحاح الثاني : ١٧. وجاء في الأصحاح الثالث عن قول إبليس : «لن تموتا. بل الله عالم أنّه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشرّ» فعلى ما جاء في سفر التكوين كان الله قد كذب ـ والعياذ ـ بالله ـ وصدق إبليس .. فما أقبح بمسلم أن يأخذ من سلعة كاسدة تفسيرا للقرآن العظيم!!

(٤) الطبري ١ : ٣٣٢ / ٦٠٧.

(٥) المصدر : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ / ٦١٩ ؛ وابن كثير ١ : ٨٣.

٤٥٠

وكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا» (١).

[٢ / ١٢١٢] وروى بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم ـ في حديث طويل ـ عن الرضا عليه‌السلام «في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : وأشار لهما إلى شجرة الحنطة» (٢).

[٢ / ١٢١٣] وروى بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم قال : «حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليه‌السلام فقال له المأمون : يا ابن رسول الله أليس من قولك أنّ الأنبياء معصومون؟ قال ، بلى ، قال ، فما معنى قول الله ـ عزوجل ـ : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى)(٣)؟ فقال عليه‌السلام : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قال لآدم عليه‌السلام : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ). ولم يقل لهما : ولا تأكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها ، فلم يقربا تلك الشجرة ، وإنّما أكلا من غيرها ، لمّا أن وسوس الشيطان إليهما (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) وإنّما نهاكما أن تقربا غيرها ، ولم ينهكما عن الأكل منها (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ. وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٤) ولم يكن آدم وحوّاء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله. وكان ذلك من آدم قبل النبوّة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النار ، وإنّما كان من الصغاير الموهوبة الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم ، فلمّا اجتباه الله تعالى وجعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، قال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى. ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى)(٥) وقال ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ»)(٦).

قلت : لعلّ في هذا الحديث بيان مندوحة لآدم حين تناول الشجرة ، حيث لم يقترب عين الشجرة الّتي وقع النهي عليها ، وإنّما تناول من غيرها نظيرتها في الجنس. وهذا نوع من التأويل ذي

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٦٠ ؛ عيون الأخبار ١ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ / ٦٧ ، باب ٢٨ (فيما جاء عن الإمام عليّ بن موسى عليه‌السلام من الأخبار المتفرّقة) ؛ معاني الأخبار : ١٢٤ ـ ١٢٥ / ١ ، باب معنى الشجرة الّتي أكل منها آدم وحواء ؛ البحار ١١ : ١٦٤ ـ ١٦٥ / ٩ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٦٠ ـ ٣٦٢ ؛ البرهان ١ : ١٨٧ ـ ١٨٨ / ١٣ ؛ الصافي ١ : ١٧١ ـ ١٧٢.

(٢) عيون الأخبار ١ : ١٧٤ / ١ ، باب ١٥ (في عصمة الأنبياء) ؛ البحار ١١ : ٧٨ / ٨.

(٣) طه ٢٠ : ١٢١.

(٤) الأعراف ٧ : ١٩ ـ ٢١.

(٥) طه ٢٠ : ١٢١ ـ ١٢٢.

(٦) آل عمران ٣ : ٣٣.

٤٥١

خطر جسيم ، وقد تورّط فيه آدم بإغراء إبليس ـ إن صحّ السند ـ والله العالم (١).

[٢ / ١٢١٤] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس أنّه كان يقول : الشجرة الّتي نهي عنها آدم : البرّ (٢).

[٢ / ١٢١٥] وأخرج أحمد في «الزهد» عن شعيب الحيائي قال : كانت الشجرة الّتي نهى الله عنها آدم وزوجته شبه البرّ ، تسمّى الدّعة ، وكان لباسهما النور (٣).

والدعة من ودع وداعة : الرفاهية في العيش. وكذلك الثوب الوديع : الثمين المصون من الردانة. ولعلّ نوعا من البرّ الجيّد أو حبّا آخر يشبه البرّ شهيّ المأكل كان يسمّى عندهم الدّعة لذلك. كما في الحديث التالي :

[٢ / ١٢١٦] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبّه قال : الشجرة الّتي نهى الله عنها آدم البرّ ، ولكنّ الحبّة منها في الجنّة ككلى البقر (٤) ألين من الزبد وأحلى من العسل (٥).

[٢ / ١٢١٧] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر من طرق عن ابن عبّاس قال : الشجرة الّتي نهى الله عنها آدم السنبلة. وفي لفظ البرّ (٦).

[٢ / ١٢١٨] وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : الشجرة الّتي نهي عنها آدم هي السنبلة (٧).

[٢ / ١٢١٩] وعن الحسن ، قال : هي السنبلة الّتي جعلها الله رزقا لولده في الدنيا (٨).

[٢ / ١٢٢٠] وعن جابر بن يزيد بن رفاعة عن محارب بن دثار قال : هي السنبلة (٩).

__________________

(١) عيون الأخبار ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ / ١ ، باب ١٥ (ذكر مجلس آخر للرضا عليه‌السلام مع المأمون في عصمة الأنبياء) ؛ نور الثقلين ١ : ٥٩ ـ ٦٠ ؛ البحار ١١ : ٧٨ / ٨ ؛ البرهان ١ : ١٨٦ ـ ١٨٧ / ١٢ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٩٠ ـ ٣٩١ ؛ الصافي ١ : ١٧٨.

(٢) الطبري ١ : ٣٣١ / ١ ـ ٦٠٥ ؛ ابن كثير ١ : ٨٣.

(٣) الزهد : ٩٥ / ٢٦٢ ، باب زهد آدم عليه‌السلام ؛ الدرّ ١ : ١٣٠.

(٤) جمع كلية.

(٥) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الطبري ١ : ٣٣١ ـ ٣٣٢ / ٦٠٦ ، وزاد : وأهل التوراة يقولون : هي البرّ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٦ / ٣٧٨ ؛ ابن كثير ١ : ٨٣.

(٦) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الطبري ١ : ٣٣٠ ـ ٣٣١ / ٦٠١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٦ / ٣٧٧ ؛ وزاد : وكذلك فسّره الحسن البصري ووهب بن منبّه وعطيّة العوفي وأبو مالك ومحارب بن دثار وعبد الرحمان بن أبي ليلى ؛ العظمة ٥ : ١٥٨٢ ـ ١٥٨٣ / ١٠٤٧ ، باب ٤٥ (خلق آدم وحوّاء عليهما‌السلام) ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠٣ ؛ البغوي ١ : ١٠٥ ، بلفظ : فقال ابن عبّاس ومحمّد بن كعب ومقاتل : هي السنبلة ؛ التبيان ١ : ١٥٨ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٢٠ ، نقلا عن محمّد بن كعب ومقاتل وأكثر المفسّرين ؛ الوسيط ١ : ١٢١.

(٧) الطبري ١ : ٣٣١ / ٦٠٤ ؛ الوسيط ١ : ١٢١.

(٨) الطبري ١ : ٣٣٢ / ٦٠٩.

(٩) المصدر / ٦٠٨.

٤٥٢

[٢ / ١٢٢١] وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : هي السنبلة (١).

[٢ / ١٢٢٢] وأخرج ابن جرير عن ابن إدريس ، قال : سمعت أبي عن عطيّة في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : السنبلة (٢).

[٢ / ١٢٢٣] وأخرج عن رجل من بني تميم أنّ ابن عبّاس كتب إلى أبي الجلد يسأله عن الشجرة الّتي أكل منها آدم ، والشجرة الّتي تاب عندها؟ فكتب إليه أبو الجلد : سألتني عن الشجرة الّتي نهي عنها آدم وهي السنبلة. وسألتني عن الشجرة الّتي تاب عندها آدم وهي الزيتونة (٣).

قلت : قد أسبقنا الكلام عن مثل هذه السفاسف الواهية ، كيف يسأل مثل ابن عبّاس ـ ترجمان القرآن والتلميذ الملازم للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ مثل أبا الجلد جيلان بن فروة الأزدي ، الرجل المجهول الحال والّذي حيكت حوله خرافات والّتي منها هذه الخرافة (٤).

***

[٢ / ١٢٢٤] وأخرج وكيع وابن سعد وابن جرير وأبو الشيخ عن جعدة بن هبيرة قال : الشجرة الّتي افتتن بها آدم الكرم ، وجعلت فتنة لولده من بعده (٥).

[٢ / ١٢٢٥] وأخرج ابن جرير عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : الكرم (٦).

[٢ / ١٢٢٦] وعن السدّي ، قال : الشجرة هي الكرم (٧).

[٢ / ١٢٢٧] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عبّاس قال : الشجرة الّتي نهي عنها آدم ، الكرمة.

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود. مثله (٨).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الطبري ١ : ٣٣١ / ٦٠٢ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٠١.

(٢) الطبري ١ : ٣٣١ / ٦٠٣ ؛ الوسيط ١ : ١٢١.

(٣) الطبري ١ : ٣٣١ / ٦٠٥ ؛ ابن كثير ١ : ٨٣.

(٤) راجع ما كتبناه بهذا الشأن : التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب (الجزء التاسع من التمهيد : ٢٢٨ ـ ٢٢٩).

(٥) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الطبقات الكبرى ١ : ٣٤ ، باب ولد رسول الله ؛ الطبري ١ : ٣٣٢ / ٦١٣.

(٦) الطبري ١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ / ٦١٥.

(٧) الطبري ١ : ٣٣٢ / ٦١٢ ؛ الوسيط ١ : ١٢٢. وعن ابن مسعود.

(٨) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ الطبري ١ : ٣٣٢ / ٦١٠ و ٦١١ ، وفي ح ٦١١ نقلا عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع

٤٥٣

[٢ / ١٢٢٨] وأخرج ابن جرير عن الشعبي عن جعدة بن هبيرة ، قال : الشجرة الّتي نهي عنها آدم : شجرة الخمر (١).

[٢ / ١٢٢٩] وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : بلغني أنّها التينة (٢).

[٢ / ١٢٣٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : هي التين (٣).

[٢ / ١٢٣١] وأخرج ابن جرير عن بعض الصحابة قال : هي تينة (٤).

[٢ / ١٢٣٢] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك في قوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : هي النخلة (٥).

[٢ / ١٢٣٣] وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال : هي الأترج (٦).

[٢ / ١٢٣٤] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال : كانت شجرة من أكل منها أحدث. قال : ولا ينبغي أن يكون في الجنّة حدث (٧)!

[٢ / ١٢٣٥] وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال : أتى الشيطان حوّاء فبدأ بها فقال : أنهيتما عن شيء؟ قالت : نعم ، عن هذه الشجرة. فقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)(٨). قال : فبدأت حوّاء فأكلت منها ثمّ أمرت آدم فأكل منها. قال : وكانت شجرة من أكل منها أحدث. قال : ولا ينبغي أن يكون في الجنّة حدث. قال : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها

__________________

ـ زيادة قوله : وتزعم اليهود أنّها الحنطة ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٦ / ٣٧٦ ، وزاد : وكذلك فسّره سعيد بن جبير والشعبي وجعدة بن هبيرة والسدّي ومحمّد بن قيس.

(١) الطبري ١ : ٣٣٢ / ٦١٤.

(٢) الدرّ ١ : ١٢٩ ؛ ابن كثير ١ : ٨٣.

(٣) الدرّ ١ : ١٣٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٦ / ٣٧٩ ، بلفظ : عن مجاهد : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) قال : تينة. وكذلك فسّره قتادة وابن جريج ؛ ابن كثير ١ : ٨٣ ؛ الثعلبي ١ : ١٨٢ ، عن الضحّاك بلفظ : «إنّها شجرة التين» ؛ الوسيط ١ : ١٢٢ ، عن ابن جريج بلفظ : «إنّها التين».

(٤) الطبري ١ : ٣٣٣ / ٦١٧ ؛ الدرّ ١ : ١٣٠.

(٥) الدرّ ١ : ١٣٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٦ / ٣٨٠ ؛ ابن كثير ١ : ٨٣.

(٦) الدرّ ١ : ١٣٠.

(٧) الدرّ ١ : ١٣٠ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٧ / ٣٨١ ؛ ابن كثير ١ : ٨٣ ؛ الطبري ١ : ٣٣٨ / ٦٢٢.

(٨) الأعراف ٧ : ٢٠.

٤٥٤

فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) قال : فأخرج آدم من الجنّة (١).

***

قال أبو إسحاق الثعلبي : قال بعض العلماء : وقع النهي على جنس الشجر. وقال آخرون : بل وقع على شجرة مخصوصة واختلفوا فيها :

[٢ / ١٢٣٦] فقال علي بن أبي طالب [عليه‌السلام] : «هي شجرة الكافور».

[٢ / ١٢٣٧] وقال قتادة : شجرة العلم وفيها كلّ شيء.

[٢ / ١٢٣٨] وقال محمّد بن كعب ومقاتل : هي السنبلة.

[٢ / ١٢٣٩] وقيل : هي الحبلة ، وهي الأصلة من أصول الكرم.

[٢ / ١٢٤٠] وقال أبو روق عن الضحّاك : إنّها شجرة التين (٢).

***

قال أبو جعفر الطبري : والقول في ذلك عندنا : أنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ أخبر عباده أنّ آدم وزوجه أكلا من الشجرة الّتي نهاهما ربّهما ، فأتيا الخطيئة الّتي حذّرهما عن إتيانها بعد أن بيّن لهما عين الشجرة وأشار إليها بقوله : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ).

قال : ولم يضع الله لعباده المخاطبين بالقرآن دلالة على أنّ أيّ أشجار الجنّة وقع النهي عليها ، ولم يذكر اسمها ولا دلّ عليها بدلالة أخرى.

ولو كان لله في العلم بذلك رضى ، لم يخل عباده من نصب دلالة لهم عليها يصلون بها إلى معرفة عينها ليطيعوه بعلمهم بها ، كما فعل في كلّ ما بالعلم به له رضى.

قال : فالصواب في ذلك أن يقال : إنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ نهى آدم وزوجه عن أكل شجرة بعينها فخالفا إلى ما نهاهما عنه. ولا علم لنا بأيّ شجرة كانت على التعيين ، حيث لم يضع الله لعباده دليلا عليه. لا في القرآن ولا في السنّة الصحيحة ، فأنّى يأتي ذلك من أتى؟!

وقد اختلفت الأقوال وكلّ واحد محتمل ، غير أنّه إن علمه عالم لم ينفع العالم به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضرّه جهله به (٣).

__________________

(١) الطبري ١ : ٣٣٨ / ٦٢٢.

(٢) الثعلبي ١ : ١٨٢.

(٣) الطبري ١ : ٣٣٣ ، ذيل الحديث رقم ٦١٧.

٤٥٥

قلت : والمذهب الصحيح هو ما ذهب إليه أبو جعفر الطبري ، في كلّ ما أهمل القرآن ذكره حيث لم تعد في معرفته فائدة على المخاطبين ولا كانت ذات أثر في هدف القصّة ، وإلّا لم يكن الله ليهمله. إذن فكلّ محاولة لفهم هكذا مجهولات أو حلّ هكذا معضلات ـ إن صحّ التعبير عنها بالمعضلات ـ محاولة عقيمة لا ترسو على معتمد ولا تعود بفائدة.

وكلّ ما ورد بهذا الشأن من آثار ، ضعيفة الإسناد وضيعة الدلالات ولا ترجع إلى محصّل.

نعم ، كان النهي عن اقتراب الشجرة ـ كما تقدّم الحديث عنه ـ ابتلاء لآدم واختبارا له في الحياة ، كيف يجعل إرادته بالذات دليلا على انتهاج سبيل الهدى فلا ينزلق إلى الردى. وقد كانت التجربة عنيفة ، لم يطق آدم ـ وهو أبو البشر ـ أن يحمل عبئه بسلام ، (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(١). وعليه فالتجربة المرّة لا تتكرّر في حياة أرباب العقول الناضجة وذوي والأحلام الراجحة.

[٢ / ١٢٤١] روى الكليني بإسناده إلى محمّد بن مسلم بن شهاب قال : سئل عليّ بن الحسين عليه‌السلام أيّ الأعمال أفضل عند الله؟ فقال : «ما من عمل بعد معرفة الله ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا ، وإنّ لذلك لشعبا كثيرة ، وللمعاصي شعبا. فأوّل ما عصي الله به الكبر ، وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين ، ثمّ الحرص وهي معصية آدم وحوّاء حين قال الله ـ عزوجل ـ لهما : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) فأخذا ما لا حاجة بهما إليه ، فدخل ذلك على ذرّيّتهما إلى يوم القيامة ، وذلك أنّ أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه» (٢).

[٢ / ١٢٤٢] وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : بلغني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ آدم قبل أن يصيب الذنب كان أجله بين عينيه وأمله خلفه ، فلمّا أصاب الذنب جعل الله أمله بين عينيه وأجله خلفه ، فلا يزال يؤمّل حتّى يموت» (٣).

[٢ / ١٢٤٣] وأخرج وكيع وأحمد في الزهد عن الحسن قال : كان آدم قبل أن يصيب الخطيئة أجله

__________________

(١) طه ٢٠ : ١١٥.

(٢) نور الثقلين ١ : ٦٠ ؛ الكافي ٢ : ١٣٠ ـ ١٣١ / ١١ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب ذمّ الدنيا والزهد فيها ، و ٣١٦ ـ ٣١٧ / ٨ ، باب حبّ الدنيا والحرص عليها ؛ البحار ٧٠ : ٥٩ / ٢٩ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٦٣ ؛ البرهان ١ : ١٨٣ / ٧.

(٣) الدرّ ١ : ١٤١ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٤٢ ، رقم ٥٧٨ ؛ كنز العمّال ٣ : ٤٩٠ / ٧٥٥٤.

٤٥٦

بين عينيه وأمله وراء ظهره ، فلمّا أصاب الخطيئة حوّل أمله بين عينيه وأجله وراء ظهره (١).

[٢ / ١٢٤٤] وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده (٢).

قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ)

[٢ / ١٢٤٥] أخرج ابن أبي داوود في المصاحف عن الأعمش قال : في قراءتنا في البقرة مكان (فَأَزَلَّهُمَا) : فوسوس (٣).

[٢ / ١٢٤٦] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (فَأَزَلَّهُمَا) قال : فأغواهما (٤).

[٢ / ١٢٤٧] وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم بن بهدلة في قوله : (فَأَزَلَّهُمَا) قال : فنحّاهما (٥).

قال ابن جرير : وقرأه آخرون : «فأزالهما» بمعنى إزالة الشيء عن الشيء وذلك تنحيته عنه ... وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ : (فَأَزَلَّهُمَا) لأنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ قد أخبر في الحرف الّذي يتلوه بأنّ إبليس أخرجهما ممّا كانا فيه ، وذلك هو معنى قوله فأزالهما ، فلا وجه ـ إذ كان معنى الإزالة معنى التنحية والإخراج ـ أن يقال : «فأزالهما الشّيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه» (٦).

[٢ / ١٢٤٨] وقال أبو عبد الله القرطبي : واختلف في الكيفيّة ، فقال ابن مسعود وابن عبّاس وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة ؛ ـ ودليل ذلك قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) والمقاسمة ظاهرها المشافهة (٧).

[٢ / ١٢٤٩] وقال الحسن : إنّما رآهما على باب الجنّة ، لأنّهما كانا يخرجان منها ، وقد كان آدم حين دخل الجنّة ورأى ما فيها من النعيم قال : لو أن أخلد! فاغتنم ذلك منه الشيطان فأتاه من قبل الخلد ،

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٤١ ؛ الزهد ٩٥ : ٢٦١ ، باختلاف ، باب زهد آدم عليه‌السلام ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٤٢ ، رقم ٥٧٨.

(٢) الدرّ ١ : ١٤١ ؛ ابن عساكر ٧ : ٤٤٤.

(٣) الدرّ ١ : ١٣٠.

(٤) الدرّ ١ : ١٣٠ ؛ الطبري ١ : ٣٣٦ / ٦١٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٧ / ٣٨٦.

(٥) ابن أبي حاتم ١ : ٨٧ / ٣٨٣ ؛ الدرّ ١ : ١٣٠.

(٦) الطبري ١ : ٣٣٦.

(٧) القرطبي ١ : ٣١٢.

٤٥٧

فلمّا دخل الجنّة وقف بين يدي آدم وحوّاء ، وهما لا يعلمان أنّه إبليس ، فبكى وناح نياحة أحزنتهما ، وهو أوّل من ناح ، فقالا له : ما يبكيك؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة ، فوقع ذلك في أنفسهما فاغتمّا ومضى إبليس عنهما ثمّ أتاهما بعد ذلك فقال : يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد ، فأبى أن يقبل منه ، وقاسمهما بالله إنّه لهما لمن الناصحين ، فاغترّا ، وما ظنّا أنّ أحدا يحلف بالله كاذبا. فبادرت حوّاء إلى الأكل من الشجرة ثمّ ناولت آدم حتّى أكل منها (١).

[٢ / ١٢٥٠] وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم : أنّ آدم حين دخل الجنّة ورأى ما فيها من الكرامة وما أعطاه الله منها ، قال : لو أن خلدا كان! فاغتنمها منه الشيطان لمّا سمعها منه ، فأتاه من قبل الخلد (٢).

[٢ / ١٢٥١] وعنه أيضا قال : حدّثت أنّ أوّل ما ابتدأهما به من كيده إيّاهما أنّه ناح عليهما نياحة أحزنتهما حين سمعاها ، فقالا له : ما يبكيك؟ قال : أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة والكرامة. فوقع ذلك في أنفسهما. ثمّ أتاهما فوسوس إليهما ، فقال : (يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(٣) وقال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ. وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٤) أي تكونا ملكين أو تخلدا ، إن لم تكونا ملكين ، في نعمة الجنّة فلا تموتان. يقول الله جلّ ثناؤه : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ)(٥). (٦)

[٢ / ١٢٥٢] وعن سلمة ، قال : قال ابن إسحاق في ذلك ، والله أعلم ، كما قال ابن عبّاس وأهل التوراة : إنّه خلص إلى آدم وزوجته (٧) بسلطانه الّذي جعل الله له ليبتلي به آدم وذرّيّته ، وأنّه يأتي ابن آدم في نومته وفي يقظته وفي كلّ حال من أحواله ، حتّى يخلص إلى ما أراد منه ، حتّى يدعوه إلى المعصية ، ويوقع في نفسه الشهوة وهو لا يراه ، وقد قال الله : فوسوس لهما الشيطان فأخرجهما ممّا

__________________

(١) البغوي ١ : ١٠٦ ؛ الوسيط ١ : ١٢٢ ، بلفظ : «إنّما رآهما على باب الجنّة ، لأنّهما كانا يخرجان من الجنّة».

(٢) الطبري ١ : ٣٣٨ / ٦٢٣ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٧٤ ، وفيه : قال : لو أنّا خلدنا ، فاغتمز فيها منه الشيطان. يقال : اغتمز عليه الكلمة : استضعفها ووجد فيها الغميزة في نفس آدم أي نقطة ضعف يمكنه التسرّب منها إليه.

(٣) طه ٢٠ : ١٢٠.

(٤) الأعراف ٧ : ٢٠ ـ ٢١.

(٥) الأعراف ٧ : ٢٢.

(٦) الطبري ١ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ / ٦٢٤ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٧٤.

(٧) يقال : خلص إليه أي أتاه خفية ومن حيث لا يشعر.

٤٥٨

كانا فيه (١). وقال : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(٢) وقد قال الله لنبيّه عليه الصلاة والسّلام : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) إلى آخر السورة (٣). ثمّ ذكر الأخبار التي رويت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ الشّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدّم» (٤).

قال ابن اسحاق : وإنّما أمر ابن آدم فيما بينه وبين عدوّ الله كأمره فيما بينه وبين آدم ، فقال الله : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) ثمّ خلص إلى آدم وزوجته حتّى كلّمهما ، كما قصّ الله علينا من خبرهما قال : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(٥) فخلص إليهما بما خلص إلى ذرّيّته من حيث لا يريانه (٦).

[٢ / ١٢٥٣] وأخرج عبد الرزّاق وابن جرير عن ابن عبّاس قال : إنّ عدوّ الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أنّها تحمله حتّى يدخل الجنّة معها ويكلّم آدم. فكلّ الدوابّ أبى ذلك عليه حتّى كلّم الحيّة فقال لها : أمنعك من ابن آدم فإنّك في ذمّتي إن أنت أدخلتني الجنّة ، فحملته بين نابين من أنيابها حتّى دخلت به ، فكلّمه من فيها وكانت كاسية (٧) تمشي على أربع قوائم فأعراها الله وجعلها تمشي على بطنها. يقول ابن عبّاس : فاقتلوها حيث وجدتموها ، أخفروا ذمّة عدوّ الله فيها (٨). (٩)

[٢ / ١٢٥٤] وأخرج ابن جرير عن سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : وأهل التوراة يدرسون : إنّما كلّم آدم الحيّة ، ولم يفسّروا كتفسير ابن عبّاس (١٠).

[٢ / ١٢٥٥] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : لمّا قال الله لآدم : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنّة فأتى الحيّة ، وهي دابّة لها أربع قوائم كأنّها البعير ، وهي كأحسن الدوابّ فكلّمها أن تدخله في فمها حتّى تدخل به إلى آدم ،

__________________

(١) هذا ليس نصّ آية. ويريد آية البقرة : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ).

(٢) الأعراف ٧ : ٢٧.

(٣) سورة الناس.

(٤) البخاري ٢ : ٢٥٨ و ٤ : ٩٣ و ٨ : ١١٤ ؛ أحمد ٣ : ١٥٦ و ٢٨٥ و ٣٠٩ و ٦ : ٣٣٧ ؛ مسلم ٧ : ٨.

(٥) طه ٢٠ : ١٢٠.

(٦) الطبري ١ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ٦٣٠.

(٧) الكاسي : ذو الكسوة. صاحب المجد والشرف.

(٨) يقال : أخفره أي نقض عهده وغدر به.

(٩) الدرّ ١ : ١٣١ ؛ الطبري ١ : ٣٣٩ / ٦٢٧ ؛.

(١٠) الطبري ١ : ٣٣٩ / ٦٢٨.

٤٥٩

فأدخلته في فمها فمرّت الحيّة على الخزنة فدخلت ولا يعلمون ؛ لما أراد الله من الأمر ، فكلّمه من فمها فلم يبال بكلامه ، فخرج إليه فقال : (يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(١) وحلف لهما بالله : (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(٢) فأبى آدم أن يأكل منها ، فقعدت حوّاء فأكلت ثمّ قالت : يا آدم كل فإنّي قد أكلت فلم يضرّبي. فلمّا أكل (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)(٣). (٤)

[٢ / ١٢٥٦] وأخرج ابن جرير عن الربيع ، قال : حدّثني محدّث أنّ الشيطان دخل الجنّة في صورة دابّة ذات قوائم ، فكان يرى أنّه البعير. قال : فلعن فسقطت قوائمه فصار حيّة (٥).

[٢ / ١٢٥٧] وروي عن صالح بن حيّان قال : رأيت عبد الله بن عمر يعالج حيّة صغيرة يريد أن يقتلها فقلت : ما تصنع؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما سالمناهنّ منذ عاديننا فاقتلوهنّ حيث وجدتموهنّ» (٦).

[٢ / ١٢٥٨] وأخرج ابن جرير بالإسناد إلى عمرو بن عبد الرحمان بن مهرب قال : سمعت وهب بن منبّه يقول : لمّا أسكن الله آدم وذرّيّته أو زوجته ـ الشكّ من أبي جعفر ، وهو في أصل كتابه : وذرّيّته ـ نهاه عن الشجرة وكانت شجرة غصونها متشعّب بعضها في بعض ، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم ، وهي الثمرة الّتي نهى الله آدم عنها وزوجته. فلمّا أراد إبليس أن يستزلّهما دخل في جوف الحيّة ، وكانت للحيّة أربع قوائم كأنّها بختيّة (٧) من أحسن دابّة خلقها الله. فلمّا دخلت الحيّة الجنّة خرج إبليس من جوفها ، فأخذ من الشجرة الّتي نهى الله عنها آدم وزوجته ، فجاء بها إلى حوّاء ، فقال : انظري إلى هذه الشجرة ، ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأخذت حوّاء فأكلت منها ، ثمّ ذهبت بها إلى آدم فقالت : انظر إلى هذه الشجرة ، ما أطيب ريحها ، وأطيب طعمها وأحسن لونها! فأكل منها آدم فبدت لهما سوآتهما ، فدخل آدم في جوف الشجرة ، فناداه ربّه : يا آدم أين أنت؟ قال :

__________________

(١) طه ٢٠ : ١٢٠.

(٢) الأعراف ٧ : ٢١.

(٣) طه ٢٠ : ١٢١.

(٤) الدرّ ١ : ١٣٠ ـ ١٣١ ؛ الطبري ١ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٦٢٠.

(٥) الطبري ١ : ٣٣٨ / ٦٢١ ؛ تاريخ الطبري ١ : ٧٣.

(٦) الوسيط ١ : ١٢٣.

(٧) البختيّ : جمل كبير الجثّة طويل العنق.

٤٦٠