التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

[٢ / ١٠٩١] وروى الأزهري بإسناده أنّ ابن الكوّا سأل عليّا عليه‌السلام عن «سبحان الله» ، فقال : «كلمة رضيها الله لنفسه فأوصى بها» (١).

[٢ / ١٠٩٢] وفي الحديث : أنّ جبرئيل قال : «لله دون العرش سبعون حجابا لو دنونا من أحدها لأحرقتنا : سبحات وجه ربّنا». قيل : يعني بالسّبحات جلاله وعظمته ونوره. وقال ابن شميل : سبحات وجهه : نور وجهه (٢).

[٢ / ١٠٩٣] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن أبي مليكة عن ابن عبّاس قال : سبحان الله ، تنزيه الله نفسه عن السوء. ثمّ قال : قال عمر لعليّ ـ وأصحابه عنده ـ : لا إله إلّا الله ، قد عرفناه ، فما سبحان الله؟ فقال له عليّ : كلمة أحبّها الله لنفسه ورضيها ، وأحبّ أن تقال (٣).

[٢ / ١٠٩٤] وبإسناده عن النضر بن عديّ قال : سأل رجل ميمون بن مهران عن سبحان الله ، قال : اسم يعظّم الله به ويحاشا به من السوء (٤).

[٢ / ١٠٩٥] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) قال : العليم الّذي قد كمل في علمه والحكيم الّذي قد كمل في حكمه (٥).

***

[٢ / ١٠٩٦] وقال ابن زيد في قصّة الملائكة وآدم : فقال الله للملائكة : كما لم تعلموا هذه الأسماء ، فليس لكم علم. إنّما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها ، هذا عندي قد علمته فكذلك أخفيت عنكم أنّي أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني. قال : وسبق من الله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه. فلمّا رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقرّوا لآدم بالفضل (٦).

قلت : وحاشا حكمة الربّ تعالى أن يجعل من غاية الخلق العصيان إلى جنب الإطاعة اللهمّ إلّا بضرب من التأويل البعيد!!

__________________

(١) لسان العرب ٢ : ٤٧١.

(٢) تهذيب اللغة للأزهري ٤ : ١٩٧.

(٣) ابن أبي حاتم ١ : ٨١ / ٣٤٣ ؛ ابن كثير ١ : ٧٧ ؛ التبيان ١ : ١٤٣.

(٤) ابن أبي حاتم ١ : ٨١ / ٣٤٤ ؛ ابن كثير ١ : ٧٧.

(٥) الدرّ ١ : ١٢٢ ؛ الطبري ١ : ٣١٧ / ٥٦٣ ؛ التبيان ١ : ١٤٢ ؛ مجمع البيان ١ : ١٥٦ ، وفيهما : «حكمته» بدل «حكمه».

(٦) الطبري ١ : ٣١٨ / ٥٦٥ ؛ ابن كثير ١ : ٧٨.

٤٢١

[٢ / ١٠٩٧] وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قال : فكان الّذي أبدوا حين قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) وكان الّذي كتموا بينهم قولهم : لن يخلق ربّنا خلقا إلّا كنّا نحن أعلم منه وأكرم. فعرفوا أنّ الله فضّل عليهم آدم في العلم والكرامة (١).

[٢ / ١٠٩٨] وقال الحسن وقتادة في قوله : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) : يعني قولهم : لن يخلق الله خلقا أفضل ولا أعلم منّا (٢).

[٢ / ١٠٩٩] وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قال : ما أسرّ إبليس من الكفر في السجود (٣).

[٢ / ١١٠٠] وأخرج ابن جرير عن سفيان في قوله : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قال : ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبر أن لا يسجد لآدم (٤).

ممّ خلقت الملائكة والجنّ وسائر الحيوان؟

لا نعلم من ذلك شيئا ، إذ لا سبيل لنا إلى العلم بأصول الخلقة.

وما ورد بهذا الشأن من روايات هي أشبه بأساطير بائدة ، لا مجال لها في عرصات العلم والمعرفة.

وإليك من حكاياتهم في ذلك :

[٢ / ١١٠١] رووا بالإسناد إلى سعيد بن جبير قال : إنّ الجنّ سبط من الملائكة ، خلقوا من نار ، وإبليس منهم. وخلق سائر الملائكة من نور (٥).

[٢ / ١١٠٢] وفي قول بعضهم : الملائكة روحانيّون خلقوا من الريح. وقال الحسن : خلقوا من النور ، لا يتناسلون ولا يطعمون ولا يشربون (٦).

[٢ / ١١٠٣] وأخرج ابن أبي حاتم عن محمّد بن عامر المكّي قال : خلق الله الملائكة من نور ،

__________________

(١) الطبري ١ : ٣١٩ / ٥٧٢ ؛ ابن كثير ١ : ٧٨.

(٢) الوسيط ١ : ١١٩.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٢. وفي بعض النسخ : «من الكبر» بدل «من الكفر».

(٤) الطبري ١ : ٣١٩ / ٥٦٩.

(٥) القرطبي ١ : ٢٩٤.

(٦) مجمع البيان ١ : ١٦٣.

٤٢٢

وخلق الجانّ من نار ، وخلق البهائم من ماء ، وخلق آدم من طين ، فجعل الطاعة في الملائكة ، وجعل المعصية في الجنّ والإنس (١).

[٢ / ١١٠٤] وأخرج ابن جرير بالإسناد إلى وهب بن منبّه : سئل عن الجنّ ما هو وهل يأكلون أو يشربون أو يموتون أو يتناكحون؟ قال : هم أجناس ، فأمّا خالص الجنّ فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون ولا يتوالدون. ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويموتون. وهي هذه الّتي منها السعالى والغول وأشباه ذلك (٢).

[٢ / ١١٠٥] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : السموم الّتي خلق منها الجانّ جزء من سبعين جزءا من نار جهنّم (٣).

[٢ / ١١٠٦] وأخرج عن عمرو بن دينار قال : خلق الجانّ والشياطين من نار الشمس (٤).

[٢ / ١١٠٧] وروى المعلّى بن محمد (٥) عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله خلق الملائكة من النور ، وخلق الجانّ من النار ، وخلق الجنّ ـ صنفا من الجانّ ـ من الريح ، وخلق صنفا من الجنّ من الماء. وخلق آدم من صفحة الطين ، ثمّ أجرى في آدم النور والنار والريح والماء» (٦).

[٢ / ١١٠٨] وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ـ في قوله تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ)(٧) ـ قال : هم أولاده يتوالدون كما يتوالد بنو آدم وهم أكثر عددا (٨).

[٢ / ١١٠٩] وأخرج عن سفيان قال : باض إبليس خمس بيضات ، وذرّيّته من ذلك. قال : وبلغني أنّه يجتمع على مؤمن واحد أكثر من ربيعة ومضر (٩).

__________________

(١) ابن عساكر ٦٧ : ٢٩ ، ترجمة أبي عامر المكي ؛ الدرّ ١ : ١٢٤.

(٢) الطبري ٨ : ٤٢ ذيل الآية ٢٧ من سورة الحجر. السّعالى ، جمع السّعلاء ، أنثى الغول ـ فيما زعمته العرب ـ.

(٣) ابن أبي حاتم ٧ : ٢٢٦٣ ـ ٢٢٦٤ / ١٢٣٨١.

(٤) المصدر / ١٢٣٨٢.

(٥) في نسخة : المعلّى بن محمّد بن جعفر .. رجل مجهول. والرواية مرسلة أو مجهولة لا اعتداد بها.

(٦) كتاب الاختصاص للمفيد : ١٠٩ ، (مصنّفات الشيخ المفيد ١٢) والبحار ١١ : ١٠٢ / ٨.

(٧) الكهف ١٨ : ٥٠.

(٨) ابن أبي حاتم ٧ : ٢٣٦٧ / ١٢٨٥١.

(٩) الدرّ ٥ : ٤٠٤.

٤٢٣

[٢ / ١١١٠] وأخرج عن مجاهد قال : باض إبليس خمس بيضات : زلنبور. داسم. ثبر. مسوط. أعور (١).

[٢ / ١١١١] وأخرج ابن بابويه بإسناده إلى معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الآباء ثلاثة : آدم ، ولد مؤمنا. والجانّ ، ولد مؤمنا وكافرا. وإبليس ، ولد كافرا ، وليس فيهم (٢) نتاج ، إنّما يبيض ويفرخ. وولده ذكور ليس فيهم إناث» (٣).

قال الكفعمي : والأبالسة هم الشياطين وهم ذكور وإناث ، يتوالدون ولا يموتون ويخلدون في الدنيا كما خلد إبليس. وإبليس هو أبو الجنّ ، والجنّ ذكور وإناث ويتوالدون ويموتون. وأمّا الجانّ فهو أبو الجنّ. وقيل : هو إبليس. وقيل : إنّه مسخ الجنّ كما أنّ القردة والخنازير مسخ الإنس (٤).

قلت : لا ندري من أين جاء الكفعميّ رحمه‌الله بهذه التفاسير؟!

قال سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ـ في شرحه على المقاصد ـ : ظاهر الكتاب والسنّة ـ وهو قول أكثر الأمّة ـ أنّ الملائكة أجسام لطيفة نورانيّة ، كاملة في العلم والقدرة ، شأنها الطاعات. والجنّ أجسام لطيفة هوائيّة ، منهم المؤمن والكافر والمطيع والعاصي. والشياطين أجسام ناريّة ، شأنها إلقاء النفس في الفساد والغواية.

قيل : تركيب الأنواع الثلاثة من امتزاج العناصر الأربعة (الماء والتراب والنار والهواء) إلّا أنّ الغالب على الشياطين عنصر النار. وعلى الآخرين عنصر الهواء (٥).

قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ)

تقدم أنّ معنى السجود هنا هو الخضوع والاستسلام لمصالح الإنسان في الحياة ، الأمر الّذي تعهّدته الملائكة بلا كلام ، وعارضه إبليس وقام في مضادّته والمعاداة مع الإنسان ، ولا يزال. ومن ثمّ فالإنسان في حياته هذه الدنيا واقع بين عاملين : عامل الخير والإسعاد وعامل الشرّ والإفساد ، فلا بدّ له من مكافحة عوامل الشرّ في مزاولة دائبة ، ليبلغ مناه سعيدا في نهاية المطاف .. فالدار دار كفاح

__________________

(١) الدرّ ٥ : ٤٠٣ ؛ ابن أبي حاتم ٧ : ٢٣٦٧ / ١٢٨٥٠ بتفصيل.

(٢) أي في ولد إبليس.

(٣) الخصال ، أبواب الثلاثة : ١٥٢ / ١٨٦.

(٤) البحار ٦٠ : ٢٦٧.

(٥) شرح المقاصد ٣ : ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

٤٢٤

ونضال ، وقد خاب من أخذه الكسل والفتور. (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)(١).

[٢ / ١١١٢] قال أبو إسحاق الثعلبي : قال أبيّ بن كعب : معنى «اسجدوا» أقرّوا لآدم إنّه خير وأكرم عليّ منكم ، فأقرّوا بذلك.

[٢ / ١١١٣] وروى عن عبد الله بن مسعود قال : أمرهم الله تعالى أن يأتوا بآدم ، فسجدت الملائكة وآدم لله ربّ العالمين.

قال الثعلبي : والسجود على قول عبد الله وأبيّ بمعنى الخضوع والطاعة والتذلّل ، كقول الشاعر :

بجمع تضلّ البلق في حجراته

ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر (٢)

[٢ / ١١١٤] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) قال : كانت السجدة لآدم ، والطاعة لله (٣).

[٢ / ١١١٥] وأخرج عن الحسن في الآية قال : أمرهم أن يسجدوا لآدم فسجدوا له ، كرامة من الله أكرم بها آدم ، وليعلموا أنّ الله لا يخفى عليه شيء وأنّه يصنع ما أراد (٤).

[٢ / ١١١٦] وقال الشيخ في التبيان : قال قوم : إنّه أمرهم بالسجود له تكرمة وتعظيما لشأنه وهو المرويّ في تفسيرنا وأخبارنا. وهو قول قتادة وجماعة من أهل العلم. واختاره ابن الإخشيد والرمّاني (٥).

[٢ / ١١١٧] وحكى ابن الأنباري عن الفرّاء وجماعة من الأئمّة : أنّ سجود الملائكة لآدم كان تحيّة ولم يكن عبادة ، وكان ذلك سجود تعظيم وتسليم وتحيّة ، لا سجود صلاة وعبادة. وكان ذلك تحيّة الناس وتعظيم بعضهم بعضا. ولم يكن وضع الوجه على الأرض ، فلمّا جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام (٦).

[٢ / ١١١٨] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وَإِذْ

__________________

(١) فاطر ٣٥ : ٦.

(٢) الثعلبي ١ : ١٨٠. البلق ـ بالضمّ ـ : جمع أبلق ، طائر أبلق ـ يضرب بين البياض والسواد ـ يكنّى في بلاد الشام بأبي بليق. والحجرات : النواحى. والأكم : جمع أكمة ، وهو التلّ. أي التلال خاضعة لحوافر الخيل.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٤ / ٣٦٠.

(٤) ابن أبي حاتم ١ : ٨٣ / ٣٥٩ ؛ الدرّ ١ : ١٢٣.

(٥) التبيان ١ : ١٥٠ ؛ مجمع البيان ١ : ١٦١ ـ ١٦٢.

(٦) الوسيط ١ : ١٢٠.

٤٢٥

قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) قال : كانت السجدة لآدم ، والطاعة لله. وحسد عدوّ الله إبليس آدم على ما أعطاه الله من الكرامة ، فقال : أنا ناريّ وهذا طينيّ. فكان بدء الذنوب الكبر ، استكبر عدوّ الله أن يسجد لآدم (١).

[٢ / ١١١٩] وقال الجبّائي والبلخي وجماعة : إنّه تعالى جعل آدم قبلة لهم فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم. وفيه ضرب من التعظيم لآدم! (٢).

[٢ / ١١٢٠] وأخرج ابن عساكر عن أبي إبراهيم المزني أنه سئل عن سجود الملائكة لآدم ، فقال : إنّ الله جعل آدم كالكعبة (٣).

[٢ / ١١٢١] وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن محمّد بن عبّاد بن جعفر المخزومي قال : كان سجود الملائكة لآدم إيماء (٤).

[٢ / ١١٢٢] وروى العيّاشي عن بدر بن خليل الأسدي ، عن رجل من أهل الشام ، قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أوّل بقعة عبد الله عليها ظهر الكوفة ، لمّا أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا على ظهر الكوفة (٥).

[٢ / ١١٢٣] وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ضمرة قال : سمعت من يذكر أنّ أوّل الملائكة الّذي خرّ ساجدا لله حين أمرت الملائكة بالسجود لآدم إسرافيل ، فأثابه الله بذلك أن كتب القرآن في جبهته (٦).

[٢ / ١١٢٤] وأخرج ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز قال : لمّا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم ، كان أوّل من سجد له إسرافيل ، فأثابه الله أن كتب القرآن في جبهته (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٣ ؛ الطبري ١ : ٣٢٧ / ٥٩٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٤ / ٣٦٤ ، من قوله : «حسد عدوّ الله ...».

(٢) التبيان ١ : ١٥٠ ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٢.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٣ ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٩٨ ، ترجمة آدم نبيّ الله عليه‌السلام وزاد : فأمر الملائكة أن يسجدوا نحوه تعبّدا كما أمر عباده أن يسجدوا إلى الكعبة.

(٤) الدرّ ١ : ١٢٣ ؛ العظمة ٥ : ١٥٦٢ / ١٠٢٩ ، باب ٤٥ (خلق آدم وحوّاء).

(٥) العيّاشي ١ : ٥٣ / ١٨ ؛ البحار ١١ : ١٤٩ / ٢٤.

(٦) الدرّ ١ : ١٢٣ ؛ العظمة ٥ : ١٥٦٢ / ١٠٣٠ ، باب ٤٥.

(٧) الدرّ ١ : ١٢٣ ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٩٨ ، ترجمة آدم نبيّ الله عليه‌السلام.

٤٢٦

[٢ / ١١٢٥] وروى الصدوق بإسناده إلى محمّد بن الفضل عن أبي حمزة الثمالى عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام في حديث طويل قال ـ بعد أن ذكر وفاة آدم عليه‌السلام ـ : «حتّى إذا بلغ الصلاة عليه ، قال هبة الله : يا جبرئيل تقدّم فصلّ على آدم ، فقال له جبرئيل : يا هبة الله إنّ الله أمرنا أن نسجد لأبيك في الجنّة ، فليس لنا أن نؤمّ أحدا من ولده» (١).

[٢ / ١١٢٦] وروى بإسناده إلى هشام بن سالم عن أبي عبد الله قال : «لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحضرت الصلاة أذّن جبرئيل وأقام الصلاة ، فقال : يا محمّد تقدّم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تقدّم يا جبرئيل فقال له : إنّا لا نتقدّم على الآدميّين منذ أمرنا بالسجود لآدم» (٢).

قوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ)

[٢ / ١١٢٧] أخرج محمد بن نصر عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله أمر آدم بالسجود فسجد ، فقال : لك الجنّة ولمن سجد من ذرّيّتك ، وأمر إبليس بالسجود فأبى أن يسجد. فقال : لك النار ولمن أبى من ولدك أن يسجد» (٣).

[٢ / ١١٢٨] وأخرج أحمد ومسلم ، عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ويقول : يا ويله ، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنّة ، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النّار!» (٤).

[٢ / ١١٢٩] وأخرج ابن جرير عن السدّي قال : كان اسم إبليس الحرث (٥).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥٨ ؛ كمال الدين : ٢١٤ / ٢ باب : ٢٢ (اتّصال الوصيّة من لدن آدم عليه‌السلام) ؛ البحار ١١ : ٤٥. يقال : أمّ القوم أي صار إماما لهم.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٨ ؛ علل الشرائع ١ : ٨ / ٤ ؛ العيّاشي ٢ : ٣٠٠ / ٥ ، سورة الإسراء ؛ البحار ١٨ : ٤٠٤ / ١٠٩ ، و ٢٦ : ٣٣٨ / ٣.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٥.

(٤) البغوي ١ : ١٠٥ / ٤٨ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤٤٣ ؛ مسلم ١ : ٦١ ، كتاب الإيمان ، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ؛ الثعلبي ١ : ١٨١. وفيه : «... يا ويلتى ... فأبيت فلي النّار».

(٥) الدرّ ١ : ١٢٤ ؛ الطبري ١ : ٣٢٥ / ٥٩٠ ، بلفظ : قال : كان اسم إبليس الحارث وإنّما سمّي إبليس حين أبلس متحيّرا ؛ القرطبي ١ : ٢٩٤ ، نقلا عن ابن عبّاس وأنّ «اسمه الحارث».

٤٢٧

[٢ / ١١٣٠] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن عبّاس قال : إنّما سمّي إبليس ، لأن الله أبلسه من الخير كلّه ، آيسه منه (١).

[٢ / ١١٣١] وروى الصدوق بإسناده إلى العباس بن هلال عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنّه ذكر أنّ اسم إبليس الحارث ، وإنّما قول الله ـ عزوجل ـ : يا إبليس ، يا عاصي. وسمّي إبليس لأنّه أبلس من رحمة الله ـ عزوجل ـ (٢).

[٢ / ١١٣٢] وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قال إبليس لربّه تعالى : يا ربّ قد أهبط آدم ، وقد علمت أنّه سيكون كتاب ورسل ، فما كتابهم ورسلهم؟ قال : رسلهم الملائكة والنبيّون منهم ، وكتبهم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان. قال : فما كتابي؟ قال : كتابك الوشم ، وقرآنك الشعر ، ورسلك الكهنة ، وطعامك ما لم يذكر اسم الله عليه ، وشرابك كلّ مسكر ، وصدقك الكذب ، وبيتك الحمّام ، ومصائدك النساء ، ومؤذّنك المزمار ، ومسجدك الأسواق» (٣).

[٢ / ١١٣٣] وأخرج عبد الرزّاق في المصنّف والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة قال : لمّا هبط إبليس ، قال [آدم] : أي ربّ قد لعنته فما عمله؟ قال : السحر. قال : فما قراءته؟ قال : الشعر. قال : فما كتابه؟ قال : الوشم. قال : فما طعامه؟ قال : كلّ ميتة وما لم يذكر اسم الله عليه. قال : فما شرابه؟ قال : كلّ مسكر. قال : فأين مسكنه؟ قال : الحمام. قال : فأين مجلسه؟ قال : الأسواق. قال : فما صوته؟ قال : المزمار. قال : فما مصائده؟ قال : النساء (٤).

[٢ / ١١٣٤] وروى الكليني بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٤ / ٣٦٢ ؛ الطبري ١ : ٣٢٥ / ٥٨٩ ، بلفظ : عن ابن عبّاس قال : إبليس أبلسه الله من الخير كلّه وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٩ ؛ معاني الأخبار : ١٣٨ / ١ ، باب معنى إبليس ؛ البحار ٦٠ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ / ٨٩.

(٣) الدرّ ١ : ١٥٣ ؛ حلية الأولياء ٣ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ باب ٢٤٢ (عبيد بن عمير) ؛ الكبير ، ١١ : ٨٥ ، (عبيد بن عمير عن ابن عبّاس) ؛ مجمع الزوائد ١ : ١١٤ ، كتاب الإيمان ، باب في إبليس وجنوده. قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير وفيه يحيى بن صالح الأيلى ، ضعّفه العقيلي. كنز العمّال ١٦ : ٩٨ / ٤٤٠٥٦.

(٤) الدرّ ١ : ١٥٢ ؛ المصنّف ١١ : ٢٦٨ / ٢٠٥١١ ؛ الشعب ٤ : ٢٧٧ / ٥٠٩١ ، باب : في حفظ اللسان ، فصل : في حفظ اللسان عن الشعر الكاذب.

٤٢٨

منهم ، وكان في علم الله أنّه ليس منهم ، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة والغضب ، فقال : خلقتني من نار وخلقته من طين» (١).

[٢ / ١١٣٥] وقال عليّ بن إبراهيم حدّثني أبي عن ابن أبي عمير عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عمّا ندب الله الخلق إليه ، أدخل فيه الضلّال؟ قال : نعم والكافرون دخلوا فيه ، لأنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أمر الملائكة بالسجود لآدم ، فدخل في أمره الملائكة وإبليس ، فإنّ إبليس كان مع الملائكة في السماء يعبد الله ، وكانت الملائكة تظنّ أنّه منهم ولم يكن منهم ، فلمّا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد ، فعلمت الملائكة عند ذلك أنّ إبليس لم يكن منهم. فقيل له عليه‌السلام : فكيف وقع الأمر على إبليس ، وإنّما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال : كان إبليس منهم بالولاء ولم يكن من جنس الملائكة ، وذلك أنّ الله خلق خلقا قبل آدم وكان إبليس منهم حاكما في الأرض ، فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدماء ، فبعث الله الملائكة فقتلوهم وأسروا إبليس ورفعوه إلى السماء ، فكان مع الملائكة يعبد الله إلى أن خلق الله آدم» (٢).

[٢ / ١١٣٦] وروى الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمّد بن عبد الجبّار عن عليّ بن حديد عن جميل بن درّاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إبليس : أكان من الملائكة ، أم كان يلي شيئا من أمر السماء؟ فقال : لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء ولا كرامة.

قال : فأتيت الطيّار فأخبرته بما سمعت ، فأنكره وقال : كيف لا يكون من الملائكة والله ـ عزوجل ـ يقول : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) ودخل عليه الطيّار وسأله ، وأنا عنده ، فقال له : جعلت فداك ، أرأيت قوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في غير مكان من مخاطبة المؤمنين ، أيدخل في هذا المنافقون؟ قال : نعم يدخل في هذا المنافقون والضلّال وكلّ من أقرّ بالدعوة الظاهرة» (٣).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥٧ ؛ الكافي ٢ : ٣٠٨ / ٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب العصبية ؛ البحار ٦٠ : ٢٢٠ / ٥٩ ؛ العيّاشي ١ : ١٢ ـ ١٣ / ٥ ، سورة الأعراف ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٥٤.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٥ ـ ٥٦ ؛ القمي ١ : ٣٥ ؛ البحار ٦٠ : ٢٧٣ / ١٦٠ ؛ البرهان ١ : ١٧٠ / ٤.

(٣) نور الثقلين ١ : ٥٦ ؛ الكافي ٨ : ٢٧٤ / ٤١٣ ؛ العيّاشي ١ : ٥١ / ١٥ ؛ البحار ١١ : ١٤٨ / ٢٢ ، و ٦٠ : ٢١٧ ـ ٢١٨ / ٥٤ ؛ البرهان ١ : ١٧٧ / ١٣.

٤٢٩

[٢ / ١١٣٧] وروى الحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن فضالة بن أيّوب عن داوود بن فرقد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إيّاك والغضب فإنّه مفتاح كلّ شرّ ، وقال : إنّ إبليس كان مع الملائكة وكانت الملائكة تحسب أنّه منهم ، وكان في علم الله أنّه ليس منهم ، فلمّا أمر بالسجود لآدم حمي وغضب ، فأخرج الله ما كان فى نفسه بالحميّة والغضب» (١).

[٢ / ١١٣٨] وروى عليّ بن إبراهيم في حديث طويل عن العالم عليه‌السلام وفيه : «فخلق الله آدم فبقي أربعين سنة مصوّرا ، وكان يمرّ به إبليس فيقول : لأمر ما خلقت : لإن أمرني الله بالسجود لهذا لعصيته! ثمّ نفخ فيه فلمّا بلغت فيه الروح إلى دماغه عطس عطسة فقال : الحمد لله ، فقال الله : يرحمك الله ، قال الصادق عليه‌السلام فسبقت له من الله الرحمة ، ثمّ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ للملائكة اسجدوا لآدم ، فسجدوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد» (٢).

[٢ / ١١٣٩] وروى العيّاشي عن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن إبليس أكان من الملائكة ، أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء؟ قال : لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء ، وكان من الجنّ وكان مع الملائكة ، وكانت الملائكة ترى أنّه منهم وكان الله يعلم أنّه ليس منهم ، فلمّا أمر بالسجود كان منه الّذي كان» (٣).

[٢ / ١١٤٠] وأخرج ابن جرير بإسناده عن سعد بن مسعود قال : كانت الملائكة تقاتل الجنّ ، فسبي إبليس وكان صغيرا ، فكان مع الملائكة فتعبّد معها. فلمّا أمروا بالسجود لآدم سجدوا فأبى إبليس ؛ فلذلك قال الله : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ)(٤).

__________________

(١) البرهان ١ : ١٧٥ / ٨ ؛ كتاب الزهد ، الحسين بن سعيد الكوفي : ٢٦ ـ ٢٧ / ٦١ ؛ البحار ٧٠ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / ١٧.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٦ ؛ القمي ١ : ٤١ ـ ٤٢ ، وفيه : «لأعصينّه» بدل قوله «لعصيته» ـ وأيضا فيه : عطس عطسة جلس منها ؛ البحار ١١ : ١٠٦ / ١١ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ، بلفظ : قال أبو جعفر عليه‌السلام وجدناه في كتاب عليّ عليه‌السلام فخلق الله آدم ... إلى قوله : سبقت له من الله الرحمة ؛ البرهان ١ : ١٧٣ ـ ١٧٤ / ٥ رواه مطولا.

(٣) العيّاشي ١ : ٥١ ـ ٥٢ / ١٦ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٥٢ ـ ٣٥٣ ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٣ ؛ البحار ١١ : ١١٩ / ٥١ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢١٣.

(٤) الطبري ١ : ٣٢٤ / ٥٨٥ ؛ التبيان ١ : ١٥٣ ، نقلا عن ابن عبّاس. قال الشيخ : إنّه خبر واحد لا يصحّ ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٤ ، نقلا عن ابن عبّاس ؛ الدرّ ٥ : ٤٠٣ ، سورة الكهف ـ الآية ٥٠ ، نقلا عن سعيد بن منصور.

٤٣٠

[٢ / ١١٤١] وأخرج عن شهر بن حوشب قوله : (مِنَ الْجِنِ)(١) قال : كان إبليس من الجنّ الّذين طردتهم الملائكة ، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء (٢).

[٢ / ١١٤٢] وأخرج عن الحسن ، قال : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قطّ ، وإنّه لأصل الجنّ كما أنّ آدم أصل الإنس (٣).

[٢ / ١١٤٣] وأخرج عن ابن زيد : إبليس أبو الجنّ ، كما آدم أبو الإنس (٤).

[٢ / ١١٤٤] وأخرج عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول في قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ)(٥) إلجاء إلى نسبه (٦) ، فقال الله : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي)(٧) وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم (٨).

[٢ / ١١٤٥] وروى أبو جعفر الكليني عن شيخه عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل قال : كان الطيّار يقول لي : إبليس ليس من الملائكة وإنّما أمرت الملائكة بالسجود لآدم ، فقال إبليس : لا أسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد ، وليس هو من الملائكة؟!

قال : فدخلت أنا وهو على أبي عبد الله عليه‌السلام فأحسن والله في المسألة ، «وقال : جعلت فداك ، أرأيت ما ندب الله ـ عزوجل ـ إليه المؤمنين من قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أدخل في ذلك المنافقون معهم؟ قال : نعم والضلّال وكلّ من أقرّ بالدعوة الظاهرة. وكان إبليس ممّن أقرّ بالدعوة الظاهرة

__________________

(١) الكهف ١٨ : ٥٠.

(٢) الطبري ١ : ٣٢٤ / ٥٨٤ ؛ ابن كثير ١ : ٨١ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢١٢ ؛ الدرّ ٥ : ٤٠٣.

(٣) الطبري ١ : ٣٢٣ / ٥٨٢ ؛ ابن كثير ١ : ٨٠ ـ ٨١ ، ونقلا عن زيد بن أسلم ؛ البغوي ١ : ١٠٤ ؛ التبيان ١ : ١٥١ ، بلفظ : قال الحسن البصري وقتادة في رواية ابن زيد والبلخي والرمّاني وغيره من المتأخرين : إنّه لم يكن من الملائكة ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٢ ، بنحو ما رواه الشيخ في التبيان ؛ أبو الفتوح ١ : ٢١١ ، بنحو ما رواه الشيخ ؛ الدرّ ٥ : ٤٠٢ ، سورة الكهف ـ الآية ٥٠.

(٤) الطبري ١ : ٣٢٤ / ٥٨٧ ؛ القرطبي ١ : ٢٩٤ ، بلفظ : قال ابن زيد والحسن وقتادة أيضا : إبليس أبو الجنّ كما أنّ آدم أبو البشر ولم يكن ملكا ـ وروى نحوه عن ابن عبّاس وقال : اسمه الحارث ؛ التبيان ١ : ١٥٢ ، نقلا عن الحسن ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٣.

(٥) الكهف ١٨ : ٥٠.

(٦) يقال : ألجأ أمره إلى الله : أسنده.

(٧) الكهف ١٨ : ٥٠.

(٨) الطبري ١ : ٣٢٣ ـ ٣٢٤ / ٥٨٣.

٤٣١

معهم» (١).

[٢ / ١١٤٦] وروى عليّ بن إبراهيم القمّي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لمّا أعطى الله ـ تبارك وتعالى ـ إبليس ما أعطاه من القوّة ، قال آدم : يا ربّ سلّطت إبليس على ولدي وأجريته فيهم مجرى الدم في العروق وأعطيته ما أعطيته ، فما لي ولولدي؟ فقال : لك ولولدك ، السيّئة بواحدة والحسنة بعشر أمثالها ، قال : ربّ زدني ، قال : التوبة مبسوطة إلى حين تبلغ النفس الحلقوم ، قال : يا ربّ زدني ، قال : أغفر ولا أبالي ، قال : حسبي. قال زرارة : قلت له : ـ جعلت فداك ـ بماذا استوجب إبليس من الله أن أعطاه؟ فقال : بشيء كان منه ، شكره الله عليه. قلت : وما كان منه جعلت فداك؟ قال : ركعتان ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة» (٢).

[٢ / ١١٤٧] وقال القرطبي : قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ) نصب على الاستثناء المتّصل ؛ لأنّه كان من الملائكة على قول الجمهور : ابن عبّاس وابن مسعود وابن جريج وابن المسيّب وقتادة وغيرهم ... وهو اختيار الشيخ أبي الحسن ، ورجّحه الطبري ؛ وهو ظاهر الآية (٣).

[٢ / ١١٤٨] وأخرج ابن جرير عن محمّد بن إسحاق ، قال : أمّا العرب فيقولون : ما الجنّ إلّا كلّ من اجتنّ فلم ير. وأمّا قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ)(٤) أي كان من الملائكة ، وذلك أنّ الملائكة اجتنّوا فلم يروا ، وقد قال الله ـ جل ثناؤه ـ : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ)(٥) وذلك لقول قريش : إنّ الملائكة بنات الله. فيقول الله : إن تكن الملائكة بناتي فإبليس منها ، وقد جعلوا بيني وبين إبليس وذرّيته نسبا. قال : وقد قال الأعشى ، أعشى بني قيس بن ثعلبة

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥٦ ـ ٥٧ ؛ الكافي ٢ : ٤١٢ / ١ ، كتاب : الإيمان والكفر ، باب : في ذكر المنافقين والضلّال وإبليس ؛ البحار : ٦٠ : ٢٦٢ / ١٤٢ ؛ البرهان ١ : ١٧٥ / ٧.

(٢) البرهان ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ / ٦ ؛ القمي ١ : ٤٢ ؛ البحار ١١ : ١٤٢ / ٨.

(٣) القرطبي ١ : ٢٩٤ ؛ البغوي ١ : ١٠٤ ، بلفظ : فقال ابن عبّاس وأكثر المفسرين : كان إبليس من الملائكة ؛ التبيان ١ : ١٥٠ ، بلفظ : فقال ابن عبّاس وابن مسعود وابن المسيّب وقتادة وابن جريج والطبريّ : إنّه كان منهم ، بدلالة استثنائه من جملتهم هاهنا في قوله : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ) ... قال : وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٢ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢١١.

(٤) الكهف ١٨ : ٥٠.

(٥) الصافّات ٣٧ : ١٥٨.

٤٣٢

البكري ، وهو يذكر سليمان بن داوود وما أعطاه الله :

ولو كان شيء خالدا أو معمّرا

لكان سليمان البريّ من الدّهر (١)

براه إلهي واصطفاه عباده

وملّكه ما بين ثريا إلى مصر (٢)

وسخّر من جنّ الملائك تسعة

قياما لديه يعملون بلا أجر

قال : فأبت العرب في لغتها إلّا أنّ «الجنّ» كلّ ما اجتنّ. يقول : ما سمّى الله الجنّ إلّا لأنّهم اجتنّوا فلم يروا ، وما سمّى بني آدم الإنس إلّا لأنّهم ظهروا فلم يجتنّوا ، فما ظهر فهو إنس ، وما اجتنّ فلم ير فهو جنّ (٣).

[٢ / ١١٤٩] وعن قتادة في قوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) قال : كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجنّ. وكان ابن عبّاس يقول : لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود ، وكان على خزانة سماء الدنيا. قال : وكان قتادة يقول : جنّ عن طاعة ربّه (٤).

[٢ / ١١٥٠] وعن ابن عبّاس ، قال : إنّ من الملائكة قبيلا يقال لهم الجنّ ، فكان إبليس منهم ، وكان إبليس يسوس ما بين السماء والأرض فعصى ، فمسخه الله شيطانا رجيما (٥).

[٢ / ١١٥١] وعنه أيضا قال : إنّ من الملائكة قبيلة من الجنّ ، وكان إبليس منها ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض (٦).

[٢ / ١١٥٢] وروى سمّاك بن حرب عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : كان إبليس من الملائكة فلمّا عصى الله غضب عليه فلعنه فصار شيطانا (٧).

[٢ / ١١٥٣] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيّب قال : كان إبليس رئيس ملائكة السماء الدنيا (٨).

[٢ / ١١٥٤] وذكر القرطبي عن الماوردي أنّه روى عن قتادة : أنّه كان من أفضل صنف من الملائكة

__________________

(١) البريّ بالنصب خبر كان أي بريئا ومنعزلا عن الزمان.

(٢) ثريا مخفّف ثريّا : بئر كانت بمكّة لبني تميم بن مرّة.

(٣) الطبري ١ : ٣٢٣ / ٥٨١.

(٤) الطبري ١ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ / ٥٨٠ ؛ الدرّ ٥ : ٤٠٢ ، سورة الكهف ١٨ ـ الآية ٥٠.

(٥) الطبري ١ : ٣٢٤ / ٥٨٦ ؛ ابن كثير ١ : ٨٠.

(٦) الطبري ١ : ٣٢٢ / ٥٧٨ ؛ الدرّ ٥ : ٤٠١.

(٧) الدرّ ٥ : ٤٠١ ؛ القرطبي ١ : ٢٩٤.

(٨) الدرّ ١ : ١٢٤ ؛ الطبري ١ : ٣٢٢ / ٥٧٩ ؛ ابن كثير ١ : ٨٠.

٤٣٣

يقال لهم الجنّة (١).

والّذي جاء في تفسير الماوردي نقلا عن ابن عبّاس : أنّهم حيّ من الملائكة يسمّون جنّا كانوا من أشدّ الملائكة اجتهادا (٢).

[٢ / ١١٥٥] وأخرج وكيع وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عبّاس قال : كان إبليس من خزّان الجنّة ، وكان يدبّر أمر السماء الدنيا (٣).

[٢ / ١١٥٦] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال : كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، وكان خازنا على الجنان ، وكان له سلطان السماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض. قال : قال ابن عبّاس : وقوله : (كانَ مِنَ الْجِنِّ) ، إنّما يسمّى بالجنان (٤) لأنّه كان خازنا عليها ، كما يقال للرجل : مكّي ومدنيّ وكوفيّ وبصري. قال ابن جريج : وقال آخرون : هم سبط من الملائكة قبيلة ، فكان اسم قبيلته الجنّ (٥).

[٢ / ١١٥٧] وعن الضحّاك بن مزاحم ، في قوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) قال : كان ابن عبّاس يقول : إنّ إبليس كان من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة ، ثمّ ذكر مثل حديث ابن جريج الأوّل سواء (٦).

[٢ / ١١٥٨] وعن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جعل إبليس على ملك السماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجنّ ، وإنّما سمّوا الجنّ لأنّهم خزّان الجنّة ، وكان إبليس مع ملكه خازنا (٧).

[٢ / ١١٥٩] وقال سعيد بن جبير : كان من الّذين يعملون في الجنّة (٨).

[٢ / ١١٦٠] وأخرج ابن أبي الدنيا في «مكايد الشيطان» وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب «الأضداد» والبيهقي في «الشعب» عن ابن عبّاس قال : كان إبليس اسمه عزازيل ، وكان من أشرف

__________________

(١) القرطبي ١ : ٢٩٤.

(٢) النكث والعيون ، الماوردي ١ : ١٠٣.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٤ ؛ الشعب ١ : ١٧٠ / ١٤٧ ، باب : في الإيمان بالملائكة ، فصل : في معرفة الملائكة.

(٤) أي التسمية بالجنّ جاءته من قبل أنّه كانت له صلة بالجنان.

(٥) الطبري ١ : ٣٢٢ / ٥٧٧.

(٦) المصدر / ٥٧٨.

(٧) المصدر / ٥٧٦.

(٨) البغوي ١ : ١٠٤.

٤٣٤

الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة ، ثمّ أبلس بعد (١).

[٢ / ١١٦١] وأخرج ابن اسحاق في المبتدأ وابن جرير وابن الأنباري عن ابن عبّاس قال : كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل ، وكان من سكّان الأرض ، وكان من أشدّ الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، فذلك دعاه إلى الكبر ، وكان من حي يسمّون جنّا (٢).

[٢ / ١١٦٢] وقال مجاهد وطاووس عن ابن عبّاس : كان إبليس قبل أن يركب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزازيل ، وكان من سكّان الأرض ، وكان سكّان الأرض من الملائكة يسمّون الجنّ ، ولم يكن من الملائكة أشدّ اجتهادا ولا أكثر علما منه ، فلمّا تكبّر على الله وأبى السجود لآدم وعصاه ، طرده الله ولعنه ، وجعله شيطانا وسمّاه «إبليس». وهذا قول ابن مسعود وابن جريج وقتادة وأكثر المفسّرين (٣).

[٢ / ١١٦٣] وأخرج ابن المنذر عن ابن عبّاس قال : كان إبليس من أشرف الملائكة من أكبرهم قبيلة ، وكان خازن الجنان ، وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض. فرأى أنّ لذلك له عظمة وسلطانا على أهل السماوات ، فأضمر في قلبه من ذلك كبرا لم يعلمه إلّا الله ، فلمّا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم خرج كبره الّذي كان يسرّ (٤).

[٢ / ١١٦٤] وأخرج من طريق مجاهد عن جنادة بن أبي أميّة قال : أوّل خطيئة كانت الحسد ، حسد إبليس آدم أن يسجد له حين أمر ، فحمله الحسد على المعصية (٥).

[٢ / ١١٦٥] وأخرج عن أنس قال : إنّ نوحا لمّا ركب السفينة أتاه إبليس فقال له نوح : من أنت؟ قال : أنا إبليس. قال : فما جاء بك؟ قال : جئت تسأل لي ربّي هل لي من توبة؟ فأوحى الله إليه : إنّ توبته أن يأتي قبر آدم فيسجد له! قال : أما أنا لم أسجد له حيّا ، أسجد له ميّتا! قال : فاستكبر وكان من الكافرين (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٤ / ٣٦١ ؛ الشعب ١ : ١٧٠ / ١٤٦ ؛ القرطبي ١ : ٢٩٤ ؛ ابن كثير ١ : ٨٠ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢١٢ ، رواه عن طاووس عن ابن عبّاس. وزاد : وهذا المعنى وارد في رواياتنا.

(٢) الدرّ ١ : ١٢٤ ؛ الطبري ١ : ٣٢١ / ٥٧٤ ؛ ابن كثير ١ : ٨٠ ؛ مجمع البيان ١ : ١٦٥ ، روى ما بمعناه بما روى عنه مجاهد وطاووس.

(٣) الوسيط ١ : ١٢٠.

(٤) الدرّ ١ : ١٢٤ ؛ ابن كثير ١ : ٨٠.

(٥) الدرّ ١ : ١٢٥ ؛ ابن عساكر ١١ : ٢٩٨ ، ترجمة جنادة بن كبير.

(٦) الدرّ ١ : ١٢٥.

٤٣٥

[٢ / ١١٦٦] وروى الثعلبي عن زياد بن الحصين عن أبي العالية قال : لمّا ركب نوح السفينة إذا هو بإبليس على كوثلها (١) فقال له : ويحك قد شقّ أناس من أجلك ، قال : فما تأمرني؟ قال : تب ، قال : سل ربّك هل لي من توبة؟ قال : فقيل له أنّ توبته أن يسجد لقبر آدم ، قال : تركته حيّا وأسجد له ميّتا!؟ (٢).

[٢ / ١١٦٧] وأخرج ابن أبي الدنيا في «مكايد الشيطان» عن عبد الله بن عمر قال : لقي إبليس موسى فقال : يا موسى أنت الّذي اصطفاك الله برسالاته وكلّمك تكليما إذ تبت! وأنا أريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربّي أن يتوب عليّ! قال موسى : نعم. فدعا موسى ربّه ، فقيل : «يا موسى قد قضيت حاجتك» فلقي موسى إبليس وقال : قد أمرت أن تسجد لقبر آدم ويتاب عليك! فاستكبر وغضب وقال : لم أسجد له حيّا أسجد له ميّتا! ثمّ قال إبليس : يا موسى إنّ لك عليّ حقّا بما شفعت لي إلى ربّك فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهنّ ، اذكرني حين تغضب ، فإنّي أجري منك مجرى الدم. واذكرني حين تلقى الزحف ، فإنّي آتي ابن آدم حين يلقى الزحف ، فأذكّره ولده وزوجته حتّى يولّي. وإيّاك أن تجالس امرأة ليست بذات محرم ، فإنّي رسولها إليك ورسولك إليها! (٣). قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)

[٢ / ١١٦٨] أخرج ابن أبي حاتم عن محمّد بن كعب القرظي قال : ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة ، وعمل بعمل الملائكة ، فصيّره إلى ما أدّى إليه خلقه من الكفر. قال الله (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٤).

قوله : فصيّره إلى ما أدّت إليه خلقه. يعني : ما أدّت إليه خلقته واقتضته فطرته التي فطره الله عليها ، وهو الكفر والجحود.

وهكذا جاء في الحديث التالي :

__________________

(١) الكوثل : مؤخّر السفينة.

(٢) الثعلبي ١ : ١٨١.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٥.

(٤) ابن أبي حاتم ١ : ٨٥ / ٣٦٨ ؛ الدرّ ١ : ١٢٥ ؛ ابن كثير ١ : ٨١.

٤٣٦

[٢ / ١١٦٩] أخرج ابن المنذر عن ابن عبّاس في قوله : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قال : جعله الله كافرا لا يستطيع أن يؤمن (١).

***

قلت : وحاشا الصانع الحكيم أن يفطر مخلوقا له على الكفر والجحود ، ممّا يتنافى وقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٢) وقد تقدّم أنّه الخضوع والاستسلام لله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٣). فكلّ موجود مذعن في واقع ذاته وفي صميم فطرته إذعانا صادقا تجاه بارئه الخالق والمدبّر لكلّ شيء.

نعم كان الّذي من إبليس هو كفران نعمه تعالى فلم يشكر آلاءه تعالى عليه وعلى سائر الخلق ، وكان من تبعة هذا الكفران هو العصيان والتمرّد عن امتثال أوامره تعالى الحكيمة ، استكبارا واغترارا بهوى النفس.

[٢ / ١١٧٠] فقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قال : يعني العاصين (٤).

وأمّا التعبير ب «كان» ـ فعلا ماضيا ـ فغير خفيّ أنّه فعل ناقص وليس مساغه مساغ الأفعال التامّة. فلم يكن إخبارا عن ماض غابر ، وإنّما هو إخبار عن حالة كائنة. قال الزمخشري : معناه : كان من جنس كفرة الجنّ وشياطينهم فكذلك أبى واستكبر ، كما في آية أخرى : (كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)(٥). أي حيث كونه من مردة الجنّ بدرت منه بادرة التمرّد والاستكبار!

ومن تتبّع موارد استعمال «كان» في القرآن بل وفي كلام العرب ، يجد الأمر كما ذكرنا. قال تعالى : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)(٦). أي حال كونه غنيّا أو فقيرا ، لا فيما سبق!

(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ). أي كان له ولد حينذاك.

(فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ).

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٢٥.

(٢) الإسراء ١٧ : ٤٤.

(٣) الرعد ١٣ : ١٥.

(٤) الطبري ١ : ٣٢٧ / ٥٩١ ؛ ابن كثير ١ : ٨١.

(٥) الكشّاف ١ : ١٢٧. والآية من سورة الكهف ١٨ : ٥٠.

(٦) النساء ٤ : ٦.

٤٣٧

(فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ).

(فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ)(١).

إلى غيرها من آيات تنمّ عن كينونة قائمة ، لا عن حالة غابرة.

فقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)(٢) ليس إخبارا عن حالة سابقة وإنّما هي صفته قائمة ، كما في قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)(٣) صفتان قائمتان بذاته تعالى عبر الوجود. فقوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) كلام مستأنف دفعا لدخل توهّم ، فلا يتوهّم أحد أنّه كان من الملائكة ـ وهم معصومون ـ فتمرّد وكفر بأنعم الله ، بل كان من قبيل الجنّ ، حيث يجوز عليهم الفسق والعصيان كما في الإنس.

قال الزمخشري ـ عند تفسير الآية (٥٠) من سورة الكهف ـ : قوله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِ) كلام مستأنف جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين. كأنّ قائلا قال : ما له لم يسجد؟

فقيل : كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه. والفاء للتسبيب أيضا ، جعل كونه من الجنّ سببا في فسقه ، لأنّه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر الله ، لأنّ الملائكة معصومون البتّة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجنّ والإنس ، كما قال تعالى : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)(٤). وهذا الكلام المعترض (الجملة المعترضة أثناء الكلام) تعمّد من الله تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم.

فما أبعد البون بين ما تعمّده الله وبين قول من ضادّه وزعم أنّه كان ملكا ورئيسا على الملائكة فعصى ، فلعن ومسخ شيطانا. ثمّ ورّكه على ابن عبّاس (٥).

ووافقه ابن المنير الإسكندري في الهامش قال : الحقّ معه في هذا الفصل.

***

وبعد فإليك من سائر الروايات :

__________________

(١) النساء ٤ : ١١ ـ ١٢.

(٢) النساء ٤ : ١.

(٣) النساء ٤ : ٢٤.

(٤) الأنبياء ٢١ : ٢٧.

(٥) الكشّاف ٢ : ٧٢٧. قوله : ثمّ ورّكه على ابن عبّاس ، أي اتّهمه به.

٤٣٨

[٢ / ١١٧١] أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن بريدة في قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) قال : أي من الّذين أبوا فأحرقتهم النار (١).

[٢ / ١١٧٢] وروى الكليني بإسناده إلى موسى بن بكير قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الكفر والشرك أيّهما أقدم؟ فقال لي : ما عهدي بك تخاصم الناس! قلت : أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك ، فقال لي : الكفر أقدم وهو الجحود ، قال الله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)» (٢).

[٢ / ١١٧٣] وبإسناده عن مسعدة بن صدقة ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، وقد سئل عن الكفر والشرك أيّهما أقدم؟ فقال : الكفر أقدم ، وذلك أنّ إبليس أوّل من كفر ، وكان كفره غير شرك ، لأنّه لم يدع إلى عبادة غير الله ، وإنّما دعا إلى ذلك بعد فأشرك» (٣).

[٢ / ١١٧٤] وروى الصدوق بالإسناد إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل وفيه : «وسأله عن إسم إبليس ما كان في السماء؟ فقال : كان إسمه الحارث. وسأله عن أوّل من كفر وأنشأ الكفر؟ فقال : إبليس لعنه الله» (٤).

[٢ / ١١٧٥] وروى العيّاشيّ بالإسناد إلى أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ أوّل كفر كفر بالله حيث خلق الله آدم ، كفر إبليس ، حيث ردّ على الله أمره ، وأوّل حسد حسد ابن آدم أخاه ، وأوّل حرص حرص آدم ، نهي عن الشجرة فأكل منها ، فأخرجه حرصه من الجنّة» (٥).

__________________

(١) ابن كثير ١ : ٨١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٤ / ٣٦٦.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٧ ؛ الكافي ٢ : ٣٨٥ / ٦ ؛ العيّاشي ١ : ٥٣ / ١٩ ؛ البحار ٦٩ : ٩٧ / ١٤ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٥٧ ؛ البرهان ١ : ١٦٩ ـ ١٧٠ / ٢ و ١٧٨ / ١٧.

(٣) الكافي ٢ : ٣٨٦ / ٨ ؛ البرهان ١ : ١٧٠ / ٣ ؛ البحار ٦٠ : ١٩٨ / ٩.

(٤) عيون الأخبار ١ : ٢١٩ و ٢٢١ ، باب ٢٤ ؛ علل الشرايع ٢ : ٥٩٤ و ٥٩٥ ، باب ٣٨٥ ، نوادر العمل.

(٥) البرهان ١ : ١٧٨ / ١٥ ؛ العيّاشي ١ : ٥٢ / ١٧ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٦٥ ؛ البحار ١١ : ١٤٩ / ٢٣ ؛ الصافي ١ : ١٦٩ ، روى ما بمعناه باختصار.

٤٣٩

قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ)

هذا هو المشهد الثالث من قصّة البشريّة الأولى ، أبيح للإنسان أن يتمتّع بكافّة أنحاء المتع في الحياة ، لكنّها المتع المسموحة ـ والتي فيها الخير والصلاح والموجبة لتداوم سعادته في الحياة ـ لا الممنوعة الّتي تتعقّبها المحروميّة.

لقد أبيحت لهما (آدم وزوجه حوّاء) كلّ ثمار الجنّة ، إلّا شجرة واحدة. وربما كانت ترمز للمحظور الّذي قد يعرقل الحياة في الأرض بل ولو لا الممنوعيّة إلى جنب الممنوحيّة لما كانت تنبت الإرادة في هذا الكائن المختار. ولما كاد يتميّز من الحيوان المسوق ، ولا يمتحن بالصبر على الوفاء بالعهد والتقيّد بالشرط ... فالإرادة هي مفرق الطريق .. فالذين يستمتعون بلا اختيار الأفضل الأصلح ، تمتّعا بلا هوادة هم من عالم البهيمة بل هم أضلّ ، حتّى ولو بدوا في شكل الآدميّين!!

والروايات بشأن آدم عليه‌السلام في هذه المرحلة متنوّعة باحثة عن مختلف شؤونه ، فمن كونه نبيّا فإلى زلّته وقبول توبته ، ثمّ توالد النسل البشري.

فممّا ورد بشأن نبوّته :

[٢ / ١١٧٦] ما رواه الصدوق بإسناده إلى عليّ بن محمّد بن الجهم في مسائلة مأمون للإمام الرضا عليه‌السلام جاء فيها : «كانت خطيئة آدم قبل نبوّته ، ثمّ تاب عليه واجتباه نبيّا». (١) ويأتي تمام الحديث.

[٢ / ١١٧٧] وأخرج أحمد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة «أنّ أبا ذرّ قال : يا نبيّ الله أيّ الأنبياء كان أوّل؟ قال : آدم. قال : أو نبيّا كان آدم؟ قال : نعم. نبيّ مكلّم ، خلقه الله بيده ثمّ نفخ فيه من روحه ثمّ قال له : يا آدم قبلا (٢). قلت : يا رسول الله كم وفى عدّة الأنبياء؟ قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. الرسل من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر. جمّا غفيرا» (٣).

__________________

(١) تلخيص ممّا رواه الصدوق في الباب ١٥ من عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، والبحار ١١ : ٧٨ / ٨.

(٢) أي مشافهة بلا واسطة.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٦ ؛ مسند أحمد ٥ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ؛ الكبير ٨ : ٢١٨ ، في ترجمة : معان بن رفاعة السلامي ؛ مجمع الزوائد ١ : ١٥٩ ؛ كنز العمّال ١١ : ٤٨٢ / ٣٢٢٧٧ ، باختصار.

٤٤٠