التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

صريحا عن وحدانيّة ربّها في ربوبيّته وينزّهه عن كلّ نقص وشين ، فهي تسبّح الله سبحانه.

وذلك لكونها في أنفسها فقيرة إلى الله ، والحاجة أقوى كاشف عن غناء المحتاج إليه. فكلّ موجود يكشف بذاته المحتاجة عن غناء موجده الكامل التامّ. كما أنّ النظام العامّ المترابط والمنسجم بعضها مع بعض في وحدة جامعة متكاملة ، لممّا يدلّ بوضوح على وحدة موجدها وأنّه الّذي يلجأ إليه جميع الكائنات في فقرها وحاجتها ، فهو الغنيّ الّذي لا فقر لديه والكامل الّذي لا نقص فيه ، فهو ربّ العالمين إذ لا ربّ سواه. فكلّ واحد منها يكشف بحاجته ونقصه ، عن تنزّه ربّه عن الحاجة وبراءته من النقص. وهذا الكشف الذاتي ـ المنبعث من صميم الموجودات ـ قد عبّر عنه بالتسبيح والتحميد.

قال : لعلّك تقول : إنّ مجرّد الكشف الذاتي لا يسمّى تسبيحا حتّى يقارن بالقصد ، والقصد ممّا يتوقّف على الحياة ، وهي عادمة في أكثر الموجودات.

لكن الظاهر من التعبير القرآني أنّ للموجودات بأسرها نحو شعور وإحساس وأنّ لها حظّا من العلم على قدر مالها من مرتبة الوجود ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)(١).

(وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)(٢).

إذن فما من كائن إلّا وهو يشعر بنفسه بعض الشعور أنّ لها ربّا يبتغي رحمته وعطفه عليه ، فهو الغنيّ الكامل الّذي يلجأ إليه المحتاجون.

وهذا هو تسبيح الكائنات تسبيحا حقيقيّا بلسان قالها ـ لا بلسان حالها فحسب ـ غير أنّ لسان القال لا يستلزم كونه بلفظ أو صوت كما نبّهنا.

قال : فالحقّ أنّ التسبيح الّذي تثبته الآية لكلّ شيء هو التسبيح بمعناه الحقيقي ، وقد تكرّر في كلامه تعالى ، وفيها موارد لا تحتمل غير الحقيقة كقوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ)(٣). وقوله : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ)(٤). ويقرب منه قوله : (يا جِبالُ

__________________

(١) النور ٢٤ : ٤١.

(٢) البقرة ٢ : ٧٤.

(٣) الأنبياء ٢١ : ٧٩.

(٤) سورة ص ٣٨ : ١٨.

٤٠١

أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ)(١) فلا معنى لحملها على التسبيح بلسان الحال (٢).

وهذا الّذي ذكره سيّدنا العلّامة ، جيّد لطيف وحقيقة لا محيص عنها : إنّ للموجودات بأسرها حظّا من الشعور بقدر مالها من حظّ الوجود. وهو الظاهر من تعابير القرآن الكريم وكثير من أحاديث الصادقين عليهم‌السلام.

لكن تفسير التسبيح بالتسبيح العبادي ومن نوعه الفعلي (العملي) ـ كما ارتآه الراغب الأصفهاني ـ لعلّه أوجه وأوفق مع تعابير القرآن ، لا سيّما بالنظر إلى توارد تسبيح الكائنات وسجودها في آيات متماثلة ، والقرآن يفسّر بعضه بعضا ، وبعد أن لم يكن في تفسير الراغب ما يستدعي تأويلا في التعبير ، كما ارتكبه سيّدنا الأستاذ ، حيث أوّل القول والكلام ـ من معناهما اللغوي المتعارف المتفاهم عصر النزول ـ إلى مفهوم عام : كلّ أثر أو عمل يكشف عن معنى خبيء ، الأمر الّذي لم يكن مفهوم ذلك العهد ولا في سائر الأزمان وحتّى مع الأبد ، إلّا لمن درس هذا التحقيق!!

وأمّا التعبير بالقول في موارد لم يصحّ النطق اللفظي فيها ، فهو من باب الاستعارة التخييليّة ، وهي من أجود أنواع الاستعارات ، والّتي قد ملئ القرآن العظيم منها : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)(٣). وهذا من أفخم الاستعارات التخييليّة ، المتجلّل بها وجه القرآن المجيد. إنّها تمثيل في ترسيم رائع ، وقد بهر الأدباء في القديم ولا يزال (٤).

هذا مع أنّه قدس‌سره حاول تأويل الكلام أيضا بمثل ما صنعه في القول ، ولكنّه لم يأت له بشاهد من الكتاب (٥).

__________________

(١) سبأ ٣٤ : ١٠.

(٢) الميزان ١٣ : ١١٥ ـ ١١٧ بتلخيص واختزال. وراجع : ٢ : ٣٣٣ ـ ٣٣٤ لبيان حقيقة القول.

(٣) سورة ق ٥٠ : ٣٠.

(٤) راجع ما سجّله الشيخ الطنطاوي بشأن هذه الآية من الإعجاز البلاغي الرفيع ٢٣ : ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٥) راجع ما سجّله الأستاذ الطباطبائي بهذا الصدد في الميزان ٢ : ٣٣٣.

٤٠٢

وأمّا التقديس

فهو : وصفه تعالى بالقداسة وهي الطهارة والنزاهة عن كلّ شائبة سوء ، فهو تعالى سبّوح قدّوس ، المنزّه عن كلّ وصمة شين. (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ)(١). (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ)(٢).

وهكذا كلّ شيء أو شخص انتسب إليه تعالى نسبة قريبة قربا قاب قوسين أو أدنى ، فهو قدّيس ، لأنّه نزل بساحة قدسه تعالى ، فهو مبرّأ عن الأدناس.

قال الراغب : التقديس التطهير الإلهي المراد به في قوله تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣) دون التطهير الّذي هو إزالة النجاسة المحسوسة. وقوله تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)(٤) أي نطهّر الأشياء ارتساما لك (٥).

وقوله : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ)(٦) يعني به جبريل ، من حيث إنّه ينزل بالقدس من الله أي بما يطهّر به نفوسنا ، من القرآن والحكمة والفيض الإلهي.

قال : والبيت المقدّس هو المطهّر من النجاسة أي الشرك. وكذلك الأرض المقدّسة. قال تعالى : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(٧). (٨)

وكذلك (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ)(٩) قال الطبرسيّ : أي المبارك (١٠). لقوله تعالى : (الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها)(١١). (الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ)(١٢). قال : وقيل : المطهّر (١٣). أي من رجس الشرك.

قال الراغب : وحظيرة القدس ، قيل : الجنّة ، وقيل : الشريعة. وكلاهما صحيح ، فالشريعة حظيرة

__________________

(١) الحشر ٥٩ : ٢٣.

(٢) الجمعة ٦٢ : ١.

(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٤) البقرة ٢ : ٣٠.

(٥) وفي هذا الكلام إشارة لطيفة إلى طهارة الكون وما فيه ، حيث الجميع مظاهر لتجلّي نوره تعالى. (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) الزمر ٣٩ : ٦٩.

(٦) النحل ١٦ : ١٠٢.

(٧) المائدة ٥ : ٢١.

(٨) المفردات : ٣٩٦.

(٩) طه ٢٠ : ١٢.

(١٠) مجمع البيان ٧ : ١٣.

(١١) الأنبياء ٢١ : ٨١.

(١٢) الانبياء ٢١ : ٧١.

(١٣) مجمع البيان ٧ : ١٣.

٤٠٣

منها يستفاد القدس أي الطهارة (١).

قال أبو حامد الغزالي : القدّوس هو المنزّه عن كلّ وصف يدركه حسّ ، أو يتصوّره خيال ، أو يسبق إليه وهم ، أو يختلج به ضمير ، أو يقضي به تفكير.

قال : ولست أقول : منزّه عن العيوب والنقائص ، فإنّ ذكر ذلك يكاد يقرب من ترك الأدب.

فليس من الأدب أن يقول القائل : ملك البلد ليس بحائك ولا حجّام فإنّه نفي الوجود ، يكاد يوهم إمكان الوجود ، وفي ذلك الإيهام نقص.

بل أقول : القدّوس هو المنزّه عن كلّ وصف من أوصاف الكمال الّذي يظنّه أكثر الخلق كمالا. لأنّ الخلق أوّلا نظروا إلى أنفسهم وعرفوا صفاتهم ، وأدركوا انقسامها إلى ما هو كمال ، ولكنّه في حقّهم ، مثل علمهم وقدرتهم وسمعهم وبصرهم وكلامهم وإرادتهم واختيارهم ، ووضعوا هذه الألفاظ بإزاء هذه المعاني ، وقالوا : إنّ هذه هي أسماء الكمال.

وإلى ما هو نقص في حقّهم ، مثل جهلهم وعجزهم وعماهم وصممهم وخرسهم ، فوضعوا بإزاء هذه المعاني هذه الألفاظ.

ثمّ كانت غايتهم في الثناء على الله تعالى ووصفه ، أن وصفوه بما هو أوصاف كمالهم ، من علم وقدرة وسمع وبصر وكلام ، وأن نفوا عنه ما هو أوصاف نقصهم. والله ـ سبحانه وتعالى ـ منزّه عن أوصاف كمالهم ، كما أنّه منزّه عن أوصاف نقصهم ، بل كلّ صفة تتصوّر للخلق ، فهو منزّه ومقدّس عنها وعمّا يشبهها ويماثلها. ولو لا ورود الرخصة والإذن بإطلاقها لم يجز إطلاق أكثرها ـ وقد شرح ذلك شرحا أوفى في المقدّمة الرابعة من مقدّمات الكتاب.

قال : قدس العبد في أن ينزّه إرادته وعلمه. أمّا علمه ، فينزّهه عن المتخيّلات والمحسوسات والموهومات وكلّ ما يشاركه فيه البهائم من الإدراكات ، بل يكون تردّد نظره وتطواف علمه حول الأمور الأزليّة الإلهيّة المنزّهة عن أن تقرب فتدرك بالحسّ ، أو تبعد فتغيب عن الحسّ. بل يصير متجرّدا في نفسه عن المحسوسات والمتخيّلات كلّها ، ويقتني من العلوم ما لو سلب آلة حسّه وتخيّله بقي ريّانا بالعلوم الشريفة ، الكلّيّة ، الإلهيّة ، المتعلّقة بالمعلومات الأزليّة والأبديّة ، دون الشخصيّات المتغيّرة المستحيلة.

__________________

(١) المفردات : ٣٩٧. وهكذا ذكر ابن اسحاق الزجاجي في كتابه «اشتقاق أسماء الله» : ٢١٤.

٤٠٤

وأمّا إرادته ، فينزّهها عن أن تدور حول الحظوظ البشريّة الّتي ترجع إلى لذّة الشهوة والغضب ، ومتعة المطعم والمنكح والملبس والملمس والمنظر ، وما لا يصل إليه من اللذّات إلّا بواسطة الحسّ والقالب ، بل لا يريد إلّا الله ـ عزوجل ـ ولا يبقى له حظّ إلّا فيه ، ولا يكون له شوق إلّا إلى لقائه ، ولا فرح إلّا بالقرب منه. ولو عرضت عليه الجنّة وما فيها من النعيم لم تلتفت همّته إليها ، ولم يقنع من الدارين إلّا بربّ الدارين.

وعلى الجملة ، الإدراكات الحسّيّة والخياليّة يشارك البهائم فيها ، فينبغي أن يترقّى عنها إلى ما هو من خواصّ الإنسانيّة. والحظوظ البشريّة الشهوانيّة يزاحم البهائم أيضا فيها ، فينبغي أن يتنزّه عنها. فجلالة المريد على قدر جلالة مراده.

ومن همّته ما يدخل في بطنه ، فقيمته ما يخرج منه. ومن لم يكن له همّة سوى الله ـ عزوجل ـ فدرجته على قدر همّته. ومن رقّى علمه من درجة المتخيّلات والمحسوسات ، وقدّس إرادته عن مقتضى الشهوات ، فقد نزل بحبوحة حظيرة القدس (١).

رأي المشايخ في اسمه تعالى «القدّوس»

ذكر الإمام الرازي أنّ بعض الشيوخ قال : القدّوس ، من تقدّست عن الحاجات ذاته وتنزّهت عن الآفات صفاته.

وقيل : القدّوس ، من قدّس نفوس الأبرار عن المعاصي ، وأخذ الأشرار بالنواصي.

وقيل : القدّوس ، من تقدّس عن مكان يحويه ، وعن زمان يبليه.

وقيل : القدّوس ، الّذي قدّس قلوب أوليائه عن السكون إلى المألوفات ، وأنّس أرواحهم بفنون المكاشفات (٢).

اشتقاق كلمة «قدّوس»

قال بعضهم : أصل هذه الكلمة سريانيّة ، وهو : قدّيسا. وهم يقولون في أدعيتهم : قدّيس قدّيس.

__________________

(١) المقصد الأسنى ، في شرح أسماء الله الحسنى ، لأبي حامد الغزالي : ٧١ ـ ٧٣.

(٢) شرح أسماء الله الحسنى ، للإمام الرازي : ١٨٦.

٤٠٥

نظير ما تقدّم في كلمة «الرحمان» (١).

ذكر الرازي هناك : أنّ ورود ما يشبه هذه اللفظة في العبرانيّة لا يقدح في كونها عربيّة ، لا سيّما وبين العربيّة والعبرانيّة مشابهات كثيرة في الألفاظ (٢).

وقد تقدّم كلام الراغب (المفردات : ٣٩٧). وكذا الزجاجي (اشتقاق أسماء الله : ٢١٤) في اشتقاق الكلمة وأنّ لها أصلا صحيحا ، كما عن ابن فارس (معجم مقاييس اللغة ٥ : ٦٣). وإن احتمل أنّه من الكلام الشرعيّ الإسلاميّ. أي حقيقة شرعيّة وليست لغويّة ، فيحتمل اقتباسها من اصطلاح ديني قديم!

قوله تعالى : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)

[٢ / ١٠٣٥] أخرج ابن المنذر وابن بطّة في أماليه عن ابن عبّاس قال : إيّاكم والرأي فإنّ الله تعالى ردّ الرأي على الملائكة ، وذلك أنّ الله تعالى قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً). قالت الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ... قالَ : إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣).

[٢ / ١٠٣٦] وروى الصدوق بإسناده إلى الحسين بن بشّار عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : سألته أيعلم الله الشيء الّذي لم يكن ، أن لو كان كيف كان يكون؟ فقال : «إنّ الله هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ، قال ـ عزوجل ـ : (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٤) وقال لأهل النار : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(٥) فقد علم ـ عزوجل ـ أنّه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه ، وقال للملائكة ـ لمّا قالت : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ـ : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) فلم يزل الله ـ عزوجل ـ علمه سابقا للأشياء قديما قبل أن يخلقها ، فتبارك الله ربّنا وتعالى علوّا كبيرا ، خلق الأشياء كما شاء ، وعلمه بها سابق لها كما شاء ، كذلك ربّنا لم يزل عالما سميعا بصيرا» (٦).

__________________

(١) المصدر : ١٨٥.

(٢) المصدر : ١٥٥.

(٣) الدرّ ١ : ١١٣.

(٤) الجاثية ٤٥ : ٢٩.

(٥) الأنعام ٦ : ٢٨.

(٦) نور الثقلين ١ : ٥٣ ـ ٥٤ ؛ عيون الأخبار ١ : ١٠٨ ـ ١٠٩ / ٨ ، باب ١٠ ؛ البحار ٤ : ٧٨ ـ ٧٩ / ١.

٤٠٦

[٢ / ١٠٣٧] وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وعبد الرزّاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) قال. علم من إبليس المعصية ، وخلقه لها (١).

[٢ / ١٠٣٨] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ ...) الآية. قال : إنّ الله قال للملائكة : إنّي خالق بشرا ، وإنّهم متحاسدون فيقتل بعضهم بعضا ويفسدون في الأرض. فلذلك قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) قال : وكان إبليس أميرا على ملائكة سماء الدنيا ، فاستكبر وهمّ بالمعصية وطغى ، فعلم الله ذلك منه. فذلك قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) وأنّ في نفس إبليس بغيا (٢).

قال ابن أبي حاتم : وروي عن السّدّي مثله.

[٢ / ١٠٣٩] وأخرج ابن جرير بالإسناد إلى الضحّاك عن ابن عبّاس في قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) يقول : إنّي قد اطّلعت من قلب إبليس على ما لم تطّلعوا عليه من كبره واغتراره (٣).

[٢ / ١٠٤٠] وأخرج أيضا بالإسناد إلى ابن مسعود وناس من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) قال : يعني من شأن إبليس (٤).

[٢ / ١٠٤١] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) قال : كان في علم الله أنّه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنّة (٥).

[٢ / ١٠٤٢] وأخرج ابن جرير بالإسناد إلى ابن إسحاق في قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) قال : أي فيكم ومنكم ولم يبدها لهم من المعصية والفساد وسفك الدماء (٦).

[٢ / ١٠٤٣] وروى العيّاشي بالإسناد إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام «في قوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) قال : ردّوا على الله فقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) ، وإنّما قالوا ذلك بخلق مضى ، يعني الجانّ أبا الجنّ (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ، فمنّوا على الله بعبادتهم إيّاه ، فأعرض عنهم. ثمّ علّم آدم الأسماء

__________________

(١) الدرّ ١ : ١١٤ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٦٥ / ٣٦ ؛ الطبري ١ : ٣٠٥ / ٥٣١.

(٢) الدرّ ١ : ١١٢ ـ ١١٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٧٧ و ٧٩ / ٣٢٤ و ٣٣٣.

(٣) الطبري ١ : ٣٠٥ / ٥٢٩.

(٤) المصدر / ٥٣٠.

(٥) الدرّ ١ : ١١٤ ؛ الطبري ١ : ٣٠٧ / ٥٣٣.

(٦) الطبري ١ : ٣٠٦ / ٥٣٢.

٤٠٧

كلّها ، ثمّ قال للملائكة : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ ، قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا) قال : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) فأنباهم ، ثمّ قال لهم : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) ، فسجدوا وقالوا في سجودهم في أنفسهم : ما كنّا نظنّ أن يخلق الله خلقا أكرم عليه منّا ، نحن خزّان الله وجيرانه وأقرب الخلق إليه ، فلمّا رفعوا رؤوسهم ، قال الله : أعلم ما تبدون من ردّكم عليّ وما كنتم تكتمون : ظنّنا أن لا يخلق الله خلقا أكرم عليه منّا. فلمّا عرفت الملائكة أنّها وقعت في خطيئة لاذوا بالعرش ، وإنّها كانت عصابة من الملائكة ، وهم الّذين كانوا حول العرش لم يكونوا جميع الملائكة الّذين قالوا ما ظنّنا أن يخلق خلقا أكرم عليه منّا ، وهم الّذين أمروا بالسجود ، فلاذوا بالعرش وقالوا بأيديهم ـ وأشار بإصبعه يديرها ـ فهم يلوذون حول العرش إلى يوم القيامة. فلمّا أصاب آدم الخطيئة ، جعل الله هذا البيت لمن أصاب الخطيئة من ولده فلاذ به من ولد آدم عليه‌السلام كما لاذ أولئك بالعرش ، فلمّا هبط آدم عليه‌السلام إلى الأرض طاف بالبيت ، فلمّا كان عند المستجار ، دنا من البيت ورفع يديه إلى السماء ، فقال : يا ربّ اغفر لي ، فنودي إنّي قد غفرت لك ، قال : يا ربّ ولولدي ، قال : فنودي يا آدم من جاءني من ولدك فتاب من ذنبه بهذا المكان غفرت له» (١).

[٢ / ١٠٤٤] وروى الصدوق بإسناده إلى عمرو بن أبي المقدام عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لما أحبّ أن يخلق خلقا بيده ، وذلك بعد مضيّ الجنّ والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة ، قال : ولمّا كان من شأنه أن يخلق آدم عليه‌السلام للّذي أراد من التدبير والتقدير لما هو مكوّنه في السماوات والأرض ، وعلمه لما أراد من ذلك كلّه ، كشط عن أطباق السماوات ثمّ قال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنسناس ، فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحقّ عظم ذلك عليهم ؛ وغضبوا لله وأسفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم أن قالوا : يا ربّ أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشأن ، وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك يتقلّبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام ، لا تأسف ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك ، فلمّا سمع الله ذلك من الملائكة قال : (إِنِّي

__________________

(١) البرهان ١ : ١٦٦ ـ ١٦٧ / ٦ ؛ العيّاشي ١ : ٤٩ / ٧ ؛ البحار ٩٦ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ / ١٩.

٤٠٨

جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) لي عليهم ، فيكون حجّة لي عليهم في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) قالوا : فاجعله منّا فإنّا لا نفسد في الأرض ولا نسفك الدماء ، قال الله ـ جلّ جلاله ـ : يا ملائكتي (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) إنّي أريد أن أخلق خلقا بيدي ، أجعل ذرّيّته أنبياء مرسلين وعبادا صالحين ، وأئمّة مهتدين ، أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ينهونهم عن المعاصي وينذرونهم عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم إلى طريق سبيلي ، وأجعلهم حجّة لي عذرا أو نذرا ، وأبين النسناس من أرضي فاطهّرها منهم ، وأنقل مردة الجنّ العصاة عن بريّتي وخلقي وخيرتي وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض أن لا يجاوروا نسل خلقي ، وأجعل بين الجنّ وبين خلقي حجابا ؛ ولا يرى نسل خلقي الجنّ ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم ولا يجالسونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي ، فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)» (١).

[٢ / ١٠٤٥] وروى عليّ بن إبراهيم بالإسناد إلى جابر بن يزيد عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام قال : «إنّ الله تبارك وتعالى أراد أن يخلق خلقا بيده ، وذلك بعد ما مضى من الجنّ والنسناس (٢) في الأرض سبعة آلاف سنة ، وكان من شأنه خلق آدم فكشط (٣) عن أطباق السماوات وقال للملائكة : انظروا إلى أهل الأرض من خلقي من الجنّ والنسناس ، فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحقّ ، عظم ذلك عليهم وغضبوا وتأسّفوا على أهل الأرض ، ولم يملكوا غضبهم ، قالوا : ربّنا إنّك أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشأن ، وهذا خلقك الضعيف الذليل يتقلّبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك ، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام ، لا تأسف عليهم ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى ، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك ، قال : فلمّا سمع ذلك من

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥١ ـ ٥٢ ؛ علل الشرائع ١ : ١٠٤ ـ ١٠٥ / ١ ، باب ٩٦ (علّة الطبايع والشهوات والمحبّات) ؛ القميّ ١ : ٣٦ ـ ٣٧ ، رواه مطوّلا ؛ البحار ١١ : ١٠٣ ـ ١٠٤ و ٦٠ : ٨٢ ـ ٨٣.

(٢) يقال : إنّه خلق في صورة الناس. قال كراع : والنسناس ـ فيما يقال ـ : دابّة في عداد الوحش تصاد وتؤكل. (لسان العرب مادة نسس).

(٣) كشط الغطاء عن الشيء : نزعه وكشف عنه.

٤٠٩

الملائكة قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يكون حجّة لي في أرضي على خلقي ، فقالت الملائكة : سبحانك (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) كما فسد بنو الجانّ ، ويسفكون الدماء كما سفك بنو الجانّ ، ويتحاسدون ويتباغضون ، فاجعل ذلك الخليفة منّا فإنّا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدماء ، ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك!.

قال ـ عزوجل ـ : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) إنّي أريد أن أخلق خلقا بيدي وأجعل من ذرّيّته أنبياء ومرسلين وعبادا صالحين وأئمّة مهتدين ، وأجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي ينهونهم عن معصيتي ، وينذرونهم من عذابي ، ويهدونهم إلى طاعتي ، ويسلكون بهم طريق سبيلي ، وأجعلهم لي حجّة ، وعليهم عذرا ونذرا ، وأبين النسناس عن أرضي ، وأطهّرها منهم وأنقل مردة الجنّ العصاة عن بريّتي وخلقي وخيرتي ، وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض ولا يجاورون نسل خلقي ، وأجعل بين الجنّ وبين خلقي حجابا ، فلا يرى نسل خلقي الجنّ ولا يجالسونهم ولا يخالطونهم ، فمن عصاني من نسل خلقي الّذين اصطفيتهم أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي. قال : فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ، قال : فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام ، قال : فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع ، فنظر الربّ ـ عزوجل ـ إليهم ونزلت الرحمة ، فوضع لهم البيت المعمور ، فقال : طوفوا بهذا البيت ودعوا العرش ، فإنّه لي رضا ، فطافوا به ، وهو البيت الّذي يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ، فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء ، ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض. فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)(١) ، قال : وكان ذلك من الله تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم ، قال : فاغترف ربّنا ـ عزوجل ـ غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات ، وكلتا يديه يمين ، فصلصلها في كفّه حتّى جمدت ، فقال لها : منك أخلق النبيّين والمرسلين وعبادي الصالحين ، والأئمّة المهتدين والدعاة إلى الجنّة وأتباعهم إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ، ولا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون.

ثمّ اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج ، فصلصلها في كفّه فجمدت ، فقال لها : منك أخلق الجبّارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين ، والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم

__________________

(١) الحجر ١٥ : ٢٨ ـ ٢٩.

٤١٠

ولا أبالي ، ولا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون.

قال : وشرط في ذلك البداء فيهم ، ولم يشترط في أصحاب اليمين البداء ، ثمّ خلط المائين جميعا في كفّه فصلصلهما ، ثمّ كفأهما قدّام عرشه ، وهما سلالة من الطين ، ثمّ أمر الله الملائكة الأربعة ، الشمال والجنوب والصبا والدبور ، أن يجولوا على هذه السلالة من الطين فأبرأوها وأنشأوها ثمّ جزّأوها وفصّلوها وأجروا فيها الطبائع الأربعة : الريح والدم والمرّة والبلغم ، فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور ، وأجروا فيها الطبائع الأربعة ، الريح في الطبائع الأربعة من البدن من ناحية الشمال ، والبلغم في الطبائع الأربعة من ناحية الصبا ، والمرّة في الطبائع الأربعة من ناحية الدبور ، والدم في الطبائع الأربعة من ناحية الجنوب. قال : فاستقلّت النسمة وكمل البدن ، فلزمه من ناحية الريح حبّ النساء وطول الأمل والحرص ، ولزمه من ناحية البلغم حبّ الطعام والشراب والبرّ والحلم والرفق ، ولزمه من ناحية المرّة الغضب والسفه والشيطنة والتجبّر والتمرّد والعجلة ، ولزمه من ناحية الدم حبّ الفساد واللذّات وركوب المحارم والشهوات. قال : فخلق الله آدم ، فبقي أربعين سنة مصوّرا ، فكان يمرّ به إبليس اللعين فيقول : لأمر مّا خلقت! قال : فقال إبليس : لئن أمرني الله بالسجود لهذا لأعصينّه ، قال : ثمّ نفخ فيه ، فلمّا بلغت الروح فيه إلى دماغه عطس ، فقال : الحمد لله ، فقال الله له : يرحمك الله ، فسبقت له من الله الرحمة ، ثمّ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ للملائكة : (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا)(١) ، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد ، فأبى أن يسجد ، فقال الله ـ عزوجل ـ : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(٢). قال الصادق عليه‌السلام : أوّل من قاس إبليس واستكبر ، والاستكبار هو أوّل معصية عصي الله بها ، قال : فقال إبليس : يا ربّ أعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ، فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : لا حاجة لي إلى عبادتك أنا أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد ، فأبى أن يسجد ، فقال الله : (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ)(٣) ، فقال إبليس : يا ربّ وكيف وأنت العدل الّذي لا يجور ولا يظلم ، فثواب عملي بطل؟ قال : لا ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك فأعطيك ، فأوّل ما سأل ، البقاء إلى يوم الدين!

__________________

(١) البقرة ٢ : ٣٤.

(٢) الأعراف ٧ : ١٢.

(٣) الحجر ١٥ : ٣٤ ـ ٣٥.

٤١١

فقال الله : قد أعطيتك ، قال : سلّطني على ولد آدم ، فقال : قد سلّطتك ، قال : أجرني فيهم كجري الدم في العروق ، فقال : قد أجريتك ، قال : لا يولد لهم ولد إلّا ولد لي اثنان ، وأراهم ولا يروني ، وأتصوّر لهم في كلّ صورة شئت ، فقال : قد أعطيتك ، قال : يا ربّ زدني ، قال : قد جعلت لك ولذرّيّتك صدورهم أوطانا ، قال : ربّ حسبي ، فقال إبليس عند ذلك : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(١) ، (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ)» (٢)(٣).

[٢ / ١٠٤٦] وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في الأمل عن الحسن قال : لمّا خلق الله آدم وذرّيّته قالت الملائكة : ربّنا إنّ الأرض لا تسعهم! قال : إنّي جاعل موتا. قالوا : إذا لا يهنأ لهم العيش! قال : إنّي جاعل أملا (٤).

[٢ / ١٠٤٧] وروى العيّاشي بإسناده إلى محمد بن مروان ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : «إنّي لأطوف بالبيت مع أبي إذ أقبل رجل طوال جعشم (٥) متعمّم بعمامة ، فقال : السّلام عليك يا ابن رسول الله ، قال : فردّ عليه أبي ، فقال : أشياء أردت أن أسألك عنها ما بقي أحد يعلمها إلّا رجل أو رجلان ، قال : فلمّا قضى أبي الطواف ، دخل الحجر فصلّى ركعتين ثمّ قال : هاهنا يا جعفر ، ثمّ أقبل على الرجل فقال له أبي : كأنّك غريب؟ فقال : أجل ، فأخبرني عن هذا الطواف كيف كان ولم كان؟ قال : إنّ الله لمّا قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) إلى آخر الآية ، كان ذلك [جرأة] من يعصي منهم فاحتجب عنهم سبع سنين ، فلاذوا بالعرش يلوذون يقولون : لبيّك ذا المعارج لبيّك ، حتّى تاب عليهم ، فلمّا أصاب آدم الذنب ، طاف بالبيت حتّى قبل الله منه ، قال : فقال : صدقت ، فتعجّب أبي من قوله : صدقت» (٦).

__________________

(١) سورة ص ٣٨ : ٨٢ ـ ٨٣.

(٢) الأعراف ٧ : ١٧.

(٣) البرهان ١ : ١٧٠ ـ ١٧٤ / ٥ ؛ القميّ ١ : ٣٦ ـ ٤٢ ؛ البحار ١١ : ١٠٣ ـ ١٠٥ / ١٠ ، إلى قوله : «وركوب المحارم والشهوات» ؛ علل الشرائع ١ : ١٠٤ ـ ١٠٦ / ١ باب ٩٦ (علّة الطبايع والشهوات والمحبّات).

(٤) الدرّ ١ : ١١٤ ؛ المصنّف ٨ : ٢٥٨ / ٣٦ ، كتاب الزهد ، كلام الحسن البصري.

(٥) الجعشم : القصير الغليظ الشديد. وأيضا : الطويل الجسيم. فهو ضدّ.

(٦) البرهان ١ : ١٦٥ / ٤ ؛ العيّاشي ١ : ٤٧ / ٥ ؛ البحار ٩٦ : ٢٠٤ / ١٧.

٤١٢

[٢ / ١٠٤٨] وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ أوّل من لبّى الملائكة ، قال الله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) قال : فرادّوه فأعرض عنهم ، فطافوا بالعرش ستّ سنين يقولون : لبّيك لبّيك اعتذارا إليك ، لبّيك لبّيك نستغفرك ونتوب إليك» (١).

[٢ / ١٠٤٩] وروى عليّ بن إبراهيم بالإسناد إلى محمّد بن مروان قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كنت مع أبي في الحجر فبينما هو قائم يصلّي إذ أتاه رجل فجلس إليه فلمّا انصرف سلّم عليه ثمّ قال : إنّي أسألك عن ثلاثة أشياء لا يعلمها إلّا أنت ورجل آخر ، قال : ما هي؟ قال : أخبرني أيّ شيء كان سبب الطواف بهذا البيت؟ فقال : إنّ الله تعالى لمّا أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم فردّوا عليه فقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) ، فغضب عليهم ثمّ سألوه التوبة فأمرهم أن يطوفوا بالضراح وهو البيت المعمور ومكثوا يطوفون به سبع سنين ويستغفرون الله تعالى ممّا قالوا ثمّ تاب عليهم من بعد ذلك ورضي عنهم. فهذا كان أصل الطواف ثمّ جعل الله البيت الحرام حذو الضراح توبة لمن أذنب من بني آدم وطهورا لهم ، فقال صدقت» (٢).

[٢ / ١٠٥٠] وروى الصدوق بإسناده إلى يحيى بن أبي العلا الرازي «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل يقول فيه : وقد سأله رجل فقال : أخبرني عن هذا البيت كيف صار فريضة على الخلق أن يأتوه؟ قال : فالتفت أبو عبد الله عليه‌السلام إليه وقال : ما سألني عن مسألتك قطّ أحد قبلك ، إنّ الله ـ عزوجل ـ لمّا قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ضجّت الملائكة من ذلك وقالوا : يا ربّ إن كنت لا بدّ جاعلا في أرضك خليفة فاجعله منّا من يعمل في خلقك بطاعتك ، فردّ عليهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) فظنّت الملائكة أنّ ذلك سخط من الله ـ عزوجل ـ عليهم. فلاذوا بالعرش يطوفون به ، فأمر الله ـ عزوجل ـ لهم ببيت من مرمر سقفه ياقوتة حمراء وأساطينه الزبرجدة يدخله كلّ يوم

__________________

(١) الدرّ ١ : ١١٣.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٠ ـ ٥١ ؛ الكافي ٤ : ١٨٨ / ٢ ، كتاب الحجّ ، باب بدء البيت والطواف ؛ العيّاشي ١ : ٤٨ / ٦ ، وزاد : ثمّ ذكر المسألتين نحو الحديث الأوّل ثمّ قام الرجل فقلت : من هذا الرجل يا أبه؟ فقال : يا بنيّ هذا الخضر عليه‌السلام ؛ البحار ٩٦ : ٢٠٥ / ١٨ ؛ البرهان ١ : ١٦٦ / ٥.

٤١٣

سبعون ألف ملك لا يدخلونه بعد ذلك إلى يوم الوقت المعلوم» (١).

[٢ / ١٠٥١] وبإسناده إلى علىّ بن حديد عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهم‌السلام أنّه سئل عن ابتداء الطواف؟ فقال : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا أراد خلق آدم عليه‌السلام قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فقال ملكان من الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فوقعت الحجب فيما بينهما وبين الله ـ عزوجل ـ وكان تبارك وتعالى نوره ظاهرا للملائكة ، فلمّا وقعت الحجب بينه وبينهما علما أنّه قد سخط قولهما ، فقالا للملائكة : ما حيلتنا وما وجه توبتنا؟ فقالوا : ما نعرف لكما من التوبة إلّا أن تلوذا بالعرش ، قال : فلاذا بالعرش حتّى أنزل الله ـ عزوجل ـ توبتهما ، ورفعت الحجب فيما بينه وبينهما ، وأحبّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يعبد بتلك العبادة ، فخلق الله البيت في الأرض وجعل على العباد الطواف حوله ، وخلق البيت المعمور في السماء يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة» (٢).

[٢ / ١٠٥٢] وبإسناده إلى أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين عليهم‌السلام قال : «قلت لأبي : لم صار الطواف سبعة أشواط؟ قال : لأنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فردّوا على الله ـ تبارك وتعالى ـ : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) قال الله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) وكان لا يحجبهم عن نوره ، فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام ، فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة فرحمهم وتاب عليهم وجعل لهم البيت المعمور الّذي في السماء الرابعة ، وجعله مثابة ، ووضع البيت الحرام تحت البيت المعمور ، فجعله مثابة للناس وأمنا ، فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد ، لكلّ ألف سنة شوطا واحدا» (٣).

[٢ / ١٠٥٣] وبإسناده إلى أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سأل أبي عليه‌السلام رجل وقال : حدّثني عن الملائكة حين ردّوا على الربّ حيث غضب عليهم وكيف رضي عنهم؟ فقال : إنّ الملائكة طافوا

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥٢ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤٠٢ / ٢ ، باب ١٤٢ (علّة وجوب الحجّ والطواف بالبيت وجميع المناسك) ؛ البحار : ١١ : ١٠٨ / ١٧.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٢ ـ ٥٣ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ / ٣ ، باب ١٤٢ (علّة وجوب الحجّ والطواف بالبيت وجميع المناسك) ؛ البحار ١١ : ١٠٩ ـ ١١٠ / ٢٣.

(٣) نور الثقلين ١ : ٥٣ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ / ١ ؛ البحار ١١ : ١١٠ ـ ١١١ / ٢٥.

٤١٤

بالعرش سبع سنين يدعونه ويستغفرونه ويسألونه أن يرضى عنهم فرضي عنهم بعد سبع سنين فقال : صدقت ومضى ، فقال أبي عليه‌السلام : هذا جبرئيل عليه‌السلام : أتاكم يعلّمكم معالم دينكم ...». (١)

قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ)

[٢ / ١٠٥٤] أخرج ابن جرير عن قتادة والحسن قالا : لمّا أخذ الله في خلق آدم همست الملائكة فيما بينها فقالوا : لن يخلق الله خلقا إلّا كنّا أعلم منه وأكرم عليه منه. فلمّا خلقه أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا ... ففضّله عليهم ، فعلموا أنّهم ليسوا بخير منه ، فقالوا : إن لم نكن خيرا منه فنحن أعلم منه ، لأنّا كنّا قبله (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) فعلّمه اسم كلّ شيء ، وجعل يسمّي كلّ شيء باسمه ، وعرضت عليه أمّة أمّة (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، ففزعوا إلى التوبة فقالوا : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا ...) الآية (٢).

[٢ / ١٠٥٥] وأخرج عن مجاهد عن ابن عبّاس قال : إنّ الله لمّا أخذ في خلق آدم قالت الملائكة : ما الله خالق خلقا أكرم عليه منّا ، ولا أعلم منّا فابتلوا بخلق آدم (٣).

[٢ / ١٠٥٦] وأخرج عن ابن عبّاس في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ) قال : علّم الله آدم الأسماء كلّها ، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ودابّة وأرض وبحر وسهل وجبل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) يعني عرض أسماء جميع الأشياء التي علّمها آدم من أصناف الخلق (فَقالَ أَنْبِئُونِي) يقول : أخبروني (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إن كنتم تعلمون أنّي لم أجعل في الأرض خليفة. (قالُوا سُبْحانَكَ) تنزيها لله من أن يكون يعلم الغيب أحد غيره ، تبنا إليك (لا عِلْمَ لَنا) تبريّا منهم من علم الغيب (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) كما علّمت آدم (٤).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥٤ ؛ علل الشرائع ٢ : ٤٠٧ / ٢ ، باب ١٤٣ (العلّة الّتي من أجلها صار الطواف سبعة أشواط) ؛ البحار ١١ : ١٦٩ ـ ١٧٠ / ١٧.

(٢) الدرّ ١ : ١٢٢ ؛ الطبري ١ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ و ٣١٣ / ٥٦١.

(٣) الدرّ ١ : ١٢٢ ؛ الطبري ١ : ٢٩٦ / ٥١٢.

(٤) الدرّ ١ : ١٢١ ؛ الطبري ١ : ٣٠٩ / ٥٣٩.

٤١٥

[٢ / ١٠٥٧] وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : عرض عليه أسماء ولده إنسانا إنسانا ، والدّوابّ ، فقيل : هذا الجمل ، هذا الحمار. هذا الفرس. (١)

[٢ / ١٠٥٨] وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : ما خلق الله كلّه (٢).

[٢ / ١٠٥٩] وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : علّم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم تعلم الملائكة ، فسمّى كلّ شيء باسمه ، وألجأ كلّ شيء إلى جنسه (٣).

[٢ / ١٠٦٠] وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله الله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : علّمه الغراب والحمامة واسم كلّ شيء (٤).

[٢ / ١٠٦١] وعن الربيع : قال : اسم كلّ شيء (٥).

[٢ / ١٠٦٢] وأخرج وكيع وابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : علّمه اسم كلّ شيء. حتّى البعير والبقرة والشاة (٦).

[٢ / ١٠٦٣] وأخرجا عن ابن عبّاس في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : علّمه اسم كلّ شيء ، حتّى علّمه القصعة والقصيعة (٧).

[٢ / ١٠٦٤] وروى العيّاشي عن داوود بن سرحان العطّار قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدعا بالخوان فتغدّينا ، ثمّ جاءوا بالطست والدست سنانه ، فقلت : جعلت فداك ، قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٦٤ ، ط : مركز هجر.

(٢) المصدر.

(٣) الدرّ ١ : ١٢١ ؛ القرطبي ١ : ٢٨٢ ، بلفظ : روى شيبان عن قتادة قال : علّم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم يعلم الملائكة وسمّى كلّ شيء باسمه وأنحى منفعة كلّ شيء إلى جنسه ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٩٩ ، ترجمة آدم عليه‌السلام.

(٤) الطبري ١ : ٣٠٩ / ٥٤١.

(٥) المصدر : ٣١٠ / ٥٤٧.

(٦) الدرّ ١ : ١٢١ ؛ الطبري ١ : ٣٠٩ / ٥٤٢.

(٧) الدرّ ١ : ١٢٠ ؛ الطبري ١ : ٣١٠ / ٥٤٣ ؛ البغوي ١ : ١٠٣ ؛ الثعلبي ١ : ١٧٧. عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة والضحّاك بلفظ : «علّمه الله اسم كلّ شيء حتّى القصعة والقصيعة» ؛ الوسيط ١ : ١١٦ ، بلفظ : «علّمه اسم كلّ شيء ، حتّى القصعة والمغرفة ، عن ابن عبّاس وقتادة ومجاهد».

٤١٦

كُلَّها) الطست والدست سنانه منه؟ فقال : الفجاج والأودية ، وأهوى بيده كذا وكذي» (١).

[٢ / ١٠٦٥] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : علّمه اسم الصحفة والقدر وكلّ شيء (٢).

[٢ / ١٠٦٦] وقال السّدّي عمّن حدّثه عن ابن عبّاس في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : علّمه أسماء ولده إنسانا إنسانا والدوابّ فقيل : هذا الحمار ، هذا الجمل ، هذا الفرس (٣).

[٢ / ١٠٦٧] وقال الطبرسي : روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه «سئل عن هذه الآية فقال : الأرضين والجبال والشعاب والأودية ، ثمّ نظر إلى بساط تحته فقال : وهذا البساط ممّا علّمه» (٤).

[٢ / ١٠٦٨] وروى العيّاشي عن الفضل أبي العبّاس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سألته عن قول الله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ما هي؟ قال : أسماء الأودية والنبات والشجر والجبال» (٥).

[٢ / ١٠٦٩] وروى عليّ بن إبراهيم القمي في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : أسماء الجبال والبحار والأودية والنبات والحيوان (٦).

[٢ / ١٠٧٠] وأخرج الحاكم في تاريخه وابن عساكر والديلمي عن عطيّة بن يسر مرفوعا ، في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : علّمه الله في تلك الأسماء ألف حرفة من الحرف وقال له : قل لولدك وذرّيّتك : إن لم تصبروا فاطلبوا الدنيا بهذه الحرف ، ولا تطلبوها بالدين ، فإنّ الدين لي وحدي خالصا. ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له (٧).

ولعلّ في هذا الحديث ما يكشف السرّ عن الأسماء الّتي علّمها آدم ... وهو ما نبّهنا عليه ـ مسبقا

__________________

(١) البرهان ١ : ١٦٨ / ١٢ ؛ العيّاشي ١ : ٥١ / ١٣ ؛ البحار ١١ : ١٤٧ / ٢٠. والطست إناء من نحاس لغسل الأيدي. ومعه إبريق يكون الغسل بصبّ الماء منه. ولعلّه المراد من الدست شويه. وقد صحّف إلى الدست سنانه كما في المتن.

(٢) الدرّ ١ : ١٢٠ ؛ الطبري ١ : ٣٠٩ / ٥٤٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٨٠ / ٣٣٧.

(٣) ابن كثير ١ : ٧٦.

(٤) مجمع البيان ١ : ١٥٢ ؛ العيّاشي ١ : ٥١ / ١١ ؛ البحار ١١ : ١٤٦ ـ ١٤٧.

(٥) العيّاشي ١ : ٥١ / ١٢ ؛ البحار ١١ : ١٤٧ / ١٩.

(٦) القمي ١ : ٤٥.

(٧) ابن عساكر ٥٧ : ٥ ، رقم ٧١٩٥ ، ترجمة مأمون بن أحمد ؛ الدرّ ١ : ١٢١ ؛ فردوس الأخبار ، الديلمي ٣ : ٧١ / ٣٩٢٣ ؛ كنز العمّال ١٠ : ٢٠٦ / ٢٩٠٩١.

٤١٧

أنّها المعرفة بحقائق الأشياء والعلم بخواصّها وآثارها ، والّتي منها تتشعّب جميع العلوم الّتي لا يزال الإنسان يتوصّل إليها عبر الحياة ... فبذلك ازدهرت حياته وتسيطر على عالم الوجود كلّه بفضل نبوغه واستعداده لاستخراج كوامن الأمور ... الأمر الّذي تحقّقت به عمارة الأرض على يد هذا الإنسان الّذي هو خليفة الله فيها (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها)(١).

وإلى ذلك أيضا ينظر ما ذكره أبو علي الطبرسي عن ابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير وعن أكثر المتأخّرين : إنّه ـ سبحانه ـ علّم آدم جميع الأسماء والصناعات وعمارة الأرضين (٢).

***

[٢ / ١٠٧١] وعن أبي علي الجبّائي ، وعلي بن عيسى الرمّاني وغيرهما : إنّه علّمه أسماء الأشياء كلّها ، ما خلق وما لم يخلق ، بجميع اللّغات التي يتكلّم بها ولده بعده ، قالوا : فأخذ عنه ولده اللّغات ، فلمّا تفرّقوا تكلّم كلّ قوم بلسان ألفوه واعتادوه ، وتطاول الزّمان على ما خالف ذلك ، فنسوه (٣).

[٢ / ١٠٧٢] وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : أسماء الذرّيّة (٤).

[٢ / ١٠٧٣] وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) قال : أسماء الملائكة (٥).

قوله تعالى : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ)

[٢ / ١٠٧٤] قال القرطبي : في حرف أبيّ «عرضها» (٦).

[٢ / ١٠٧٥] وقال : وفي حرف ابن مسعود : «عرضهنّ» (٧).

__________________

(١) هود ١١ : ٦١.

(٢) مجمع البيان ١ : ١٥٢.

(٣) مجمع البيان ١ : ١٥٢ ؛ التبيان ١ : ١٣٨.

(٤) الدرّ ١ : ١٢١ ؛ الطبري ١ : ٣١٠ / ٥٤٩ ؛ البغوي ١ : ١٠٣ ؛ الثعلبي ١ : ١٧٧.

(٥) الدرّ ١ : ١٢١ ؛ الطبري ١ : ٣١٠ / ٥٤٨ ؛ الثعلبي ١ : ١٧٧ وفيه : عن الربيع وابن أنس.

(٦) القرطبي ١ : ٢٨٣ ؛ ابن كثير ١ : ٧٦ ، وزاد : «أي السماوات» ؛ التبيان ١ : ١٤١ ؛ مجمع البيان ١ : ١٥٣ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٠٣ ؛ الطبري ١ : ٣١١.

(٧) المصادر.

٤١٨

[٢ / ١٠٧٦] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس ، وعن مرّة عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) قال : ثمّ عرض الخلق على الملائكة (١).

[٢ / ١٠٧٧] وأخرج الثعلبي عن مقاتل قال : خلق الله كلّ شيء من الحيوان والجماد ، ثمّ عرض تلك الشخوص على الملائكة (٢).

[٢ / ١٠٧٨] وأخرج عبد الرزّاق عن معمر وعن قتادة قال : علّمه اسم كلّ شيء هذا جبل ، وهذا بحر ، وهذا كذا وهذا كذا ، لكلّ شيء. ثمّ عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣).

[٢ / ١٠٧٩] وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) قال : عرض أصحاب الأسماء على الملائكة (٤).

[٢ / ١٠٨٠] وأخرج عن ابن عبّاس قال : يعني عرض أسماء جميع الأشياء الّتي علّمها آدم من أصناف الخلق (٥).

[٢ / ١٠٨١] وعن قتادة قال : علّمه اسم كلّ شيء ثمّ عرض تلك الأسماء على الملائكة (٦).

[٢ / ١٠٨٢] وروى الصدوق بإسناده إلى محمّد بن زياد عن أيمن بن محرز عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام قال : «إنّ الله تبارك وتعالى علّم آدم أسماء حجج الله كلّها ثمّ عرضهم ـ وهم أرواح ـ على الملائكة» (٧).

[٢ / ١٠٨٣] وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) قال : أسماء ذرّيّته كلّها ، أخذهم من ظهره. قال : ثمّ عرضهم على الملائكة (٨).

__________________

(١) الطبري ١ : ٣١٢ / ٥٥١.

(٢) الثعلبي ١ : ١٧٨ ؛ البغوي ١ : ١٠٣ ؛ الوسيط ١ : ١١٧.

(٣) عبد الرزّاق ١ : ٢٦٥ / ٣٨ ؛ الطبري ١ : ٣١٠ / ٥٤٥.

(٤) الدرّ ١ : ١٢١ ـ ١٢٢ ؛ الطبري ١ : ٣١٢ / ٥٥٤.

(٥) الدرّ ١ : ١٢١ ؛ الطبري ١ : ٣١٢ / ٥٥٠ ؛ أبو الفتوح ١ : ٢٠٣ ؛ الثعلبي ١ : ١٧٨. بلفظ : «علّم الله آدم أسماء الخلق والقرى والمدن والجبال والسباع وأسماء الطير والشجر وأسماء ما كان وما يكون وكلّ نسمة الله ـ عزوجل ـ بارئها إلى يوم القيامة ، وعرض تلك الأسماء على الملائكة.

(٦) الطبري ١ : ٣١٢ / ٥٥٣.

(٧) كمال الدين : ١٣ ؛ البحار ٢٦ : ٢٨٣ / ٣٨.

(٨) الطبري ١ : ٣١٢ / ٥٥٢.

٤١٩

قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)

[٢ / ١٠٨٤] أخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (أَنْبِئُونِي) يقول : أخبروني بأسماء هؤلاء (١).

[٢ / ١٠٨٥] وعن مجاهد في قول الله : (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) قال : بأسماء هذه الّتي حدّثت بها آدم (٢).

[٢ / ١٠٨٦] وقال زيد بن أسلم : قال [آدم] : أنت جبرائيل. أنت ميكائيل ، أنت إسرافيل حتّى عدّد الأسماء كلّها حتّى بلغ الغراب (٣).

[٢ / ١٠٨٧] وقال قتادة والحسن في قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : أنّني لا أخلق خلقا إلّا كنتم أعلم منه وأفضل منه (٤).

[٢ / ١٠٨٨] وأخرج الديلمي عن أبي رافع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مثّلت لي أمّتي في الماء والطين ، وعلّمت الأسماء كما علّم آدم الأسماء كلّها» (٥).

[٢ / ١٠٨٩] وروى الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ويعقوب بن يزيد عن الحسن بن عليّ بن فضّال عن أبي جميلة عن محمّد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله مثّل لي أمّتي في الطين وعلّمني أسمائهم كما علّم آدم الأسماء كلّها» (٦).

قوله تعالى : (سُبْحانَكَ)

[٢ / ١٠٩٠] قال الطبرسيّ في قوله : (سُبْحانَكَ) : أي تنزيها لك وتعظيما عن أن يعلم الغيب أحد سواك. عن ابن عبّاس (٧).

قلت : «سبحان» مصدر نحو غفران وكفران ، كلمة تنزيه. وقولك : «سبحانك اللهمّ» أي أنزّهك يا ربّ من كلّ سوء وأبرّئك.

__________________

(١) المصدر / ٥٥٧.

(٢) المصدر : ٣١٣ / ٥٥٨.

(٣) ابن كثير ١ : ٧٨.

(٤) الوسيط ١ : ١١٧.

(٥) الدرّ ١ : ١٢١ ؛ كنز العمّال ١٢ : ١٨٥ / ٣٤٥٨٨.

(٦) نور الثقلين ١ : ٥٥ ؛ بصائر الدرجات : ١٠٣ / ١ ، باب ١٤ (إنّ رسول الله عرف ما رأى في الأظلّة والذرّ) ؛ الكافي ١ : ٤٤٣ ـ ٤٤٤ / ١٥ ، كتاب الحجة ، باب مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفاته ؛ البحار ١٧ : ١٥٤ / ٦١ ؛ كنز الدقائق ١ : ٣٤٣.

(٧) مجمع البيان ١ : ١٥٥ ؛ الوسيط ١ : ١١٧ ؛ الطبري ١ : ٣١٦ / ٥٦٢ ، بلفظ : تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره.

٤٢٠