التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

ملائكة سماء الدنيا ولم يسجد له ملائكة السماوات (١).

[٢ / ٩٧٣] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال : سمعت أبي يقول إنّ الملائكة الّذين قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) كانوا عشرة آلاف فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم.

قال ابن كثير : وهذا أيضا إسرائيليّ منكر كالّذي قبله. والله اعلم (٢).

وقال أبو جعفر الطبري ـ تعقيبا على رواية الضحّاك عن ابن عبّاس ـ : وقد روي عن ابن عبّاس خلاف هذه الرواية ، وهو :

[٢ / ٩٧٤] ما حدّثني به موسى بن هارون بإسناده عن ابن عبّاس ، وعن مرّة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا فرغ الله من خلق ما أحبّ ، استوى على العرش ، فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا ، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجنّ ؛ وإنّما سمّوا الجنّ لأنّهم خزّان الجنّة. وكان إبليس مع ملكه خازنا ، فوقع في صدره كبر وقال : ما أعطاني الله هذا إلّا لمزيّة لي ـ هكذا قال موسى بن هارون ، وقد حدّثني به غيره ، وقال : لمزيّة لي على الملائكة ـ فلمّا وقع ذلك الكبر في نفسه ، اطّلع الله على ذلك منه ، فقال الله للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) قالوا : ربّنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال : يكون له ذرّيّة يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا (قالُوا) ربّنا (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) يعني من شأن إبليس. فبعث جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : إنّي أعوذ بالله منك أن تنقص منّي أو تشينني! فرجع ولم يأخذ وقال : ربّ إنّها عاذت بك فأعذتها. فبعث الله ميكائيل ، فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل. فبعث ملك الموت ، فعاذت منه فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض وخلط ، فلم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ؛ فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ، فصعد به فبلّ التراب حتّى عاد طينا لازبا ـ واللازب : هو الّذي يلتزق بعضه ببعض ـ ثمّ ترك حتّى أنتن وتغيّر ، وذلك حين

__________________

(١) الدرّ ١ : ١١٩ ؛ العظمة ٥ : ١٥٦٢ / ١٠٣١ ، باب ٤٥ (خلق آدم وحوّاء عليهم‌السلام).

(٢) ابن كثير ١ : ٧٤ ـ ٧٥.

٣٦١

يقول : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) قال : منتن ، ثمّ قال للملائكة : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ)(١) فخلقه الله بيديه لكيلا يتكبّر إبليس عليه ليقول له : تتكبّر عمّا عملت بيديّ ولم أتكبّر أنا عنه؟ فخلقه بشرا ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة. فمرّت به الملائكة ففزعوا منه لمّا رأوه ، وكان أشدّهم منه فزعا إبليس ، فكان يمرّ فيضربه ، فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخار وتكون له صلصلة ، فذلك حين يقول : (مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ)(٢) ويقول لأمر ما خلقت! ودخل فيه فخرج من دبره ، فقال للملائكة : لا ترهبوا من هذا ، فإنّ ربّكم صمد (٣) وهذا أجوف ، لئن سلّطت عليه لأهلكنّه! فلمّا بلغ الحين الّذي يريد الله ـ جلّ ثناؤه ـ أن ينفخ فيه الروح ، قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له! فلمّا نفخ فيه الرّوح ، فدخل الرّوح في رأسه عطس ، فقالت له الملائكة : قل : الحمد لله! فقال : الحمد لله ، فقال له الله : رحمك ربّك! فلمّا دخل الروح في عينيه ، نظر إلى ثمار الجنّة ، فلمّا دخل في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الرّوح رجليه عجلان إلى ثمار الجنّة ، فذلك حين يقول : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٤) فسجد الملائكة كلّهم أجمعون إلّا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ـ أي استكبر وكان من الكافرين ـ قال الله له : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) إذ أمرتك (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) قال أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين ، قال الله له : اخرج منها (فَما يَكُونُ لَكَ) يعني ما ينبغي لك (أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ)(٥) والصغار هو الذلّ. قال : وعلّم آدم الأسماء كلّها ، ثمّ عرض الخلق على الملائكة فقال : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنّ بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، فقالوا له : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ) الله : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قال : قولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) فهذا الّذي أبدوا ، وأعلم ما كنتم تكتمون ، يعني ما أسرّ إبليس في نفسه من الكبر (٦).

__________________

(١) سورة ص ٣٨ : ٧١ ـ ٧٢.

(٢) الرحمان ٥٥ : ١٤.

(٣) الصمد : المصمت الّذي لا جوف له.

(٤) الأنبياء ٢١ : ٣٧.

(٥) الأعراف ٧ : ١٣.

(٦) الطبري ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٤ / ٥١٠.

٣٦٢

اختيار أبي جعفر الطبري

قال أبو جعفر : فهذا الخبر أوّله مخالف معناه معنى الرواية الّتي رويت عن ابن عبّاس من رواية الضحّاك الّتي قد قدّمنا ذكرها قبل ، وموافق معنى آخره معناها ؛ وذلك أنّه ذكر في أوّله أنّ الملائكة سألت ربّها : ما ذاك الخليفة؟ حين قال لها : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فأجابها أنّه تكون له ذرّيّة يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فقالت الملائكة حينئذ : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ؟) فكان قول الملائكة ما قالت من ذلك لربّها بعد إعلام الله إيّاها أنّ ذلك كائن من ذرّيّة الخليفة الّذي يجعله في الأرض ، فذلك معنى خلاف أوّله معنى خبر الضحّاك الّذي ذكرناه.

وأمّا موافقته إيّاه في آخره ، فهو قولهم في تأويل قوله : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنّ بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. وأنّ الملائكة قالت إذ قال لها ربّها ذلك ، تبرّيا من علم الغيب : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). وهذا إذا تدبّره ذو الفهم ، علم أنّ أوّله يفسد آخره ، وأنّ آخره يبطل معنى أوّله ؛ وذلك أنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ إن كان أخبر الملائكة أنّ ذرّيّة الخليفة الّذي يجعله في الأرض تفسد فيها وتسفك الدماء ، فقالت الملائكة لربّها : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) فلا وجه لتوبيخها على أن أخبرت عمّن أخبرها الله عنه أنّه يفسد في الأرض ويسفك الدماء بمثل الّذي أخبرها عنهم ربّها ، فيجوز أن يقال لها فيما طوي عنها من العلوم : إن كنتم صادقين فيما علمتم بخبر الله إيّاكم أنّه كائن من الأمور ، فأخبرتم به ، فأخبرونا بالّذي قد طوى الله عنكم علمه ، كما قد أخبرتمونا بالّذي قد أطلعكم الله عليه.

قال : بل ذلك خلف من التأويل ، ودعوى على الله ما لا يجوز أن يكون له صفة. وأخشى أن يكون بعض نقلة هذا الخبر هو الّذي غلط على من رواه عنه من الصحابة ، وأن يكون التأويل منهم كان على ذلك : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فيما ظننتم أنّكم أدركتموه من العلم بخبري إيّاكم أنّ بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، حتّى استجزتم أن تقولوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). فيكون التوبيخ حينئذ واقعا على ما ظنّوا أنّهم قد أدركوا بقول الله لهم : إنّه يكون له ذرّيّة يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، لا على إخبارهم بما أخبرهم الله به أنّه كائن.

وذلك أن الله ـ جلّ ثناؤه ـ وإن كان أخبرهم عمّا يكون من بعض ذرّيّة خليفته في الأرض ما يكون

٣٦٣

منه فيها من الفساد وسفك الدماء ، فقد كان طوى عنهم الخبر عمّا يكون من كثير منهم ما يكون من طاعتهم ربّهم وإصلاحهم في أرضه وحقن الدماء ورفعه منزلتهم وكرامتهم عليه ، فلم يخبرهم بذلك ، فقالت الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) على ظنّ منها على تأويل هذين الخبرين اللّذين ذكرت ، وظاهرهما أنّ جميع ذرّيّة الخليفة الّذي يجعله في الأرض يفسدون فيها ويسفكون فيها الدماء. فقال الله لهم إذ علّم آدم الأسماء كلّها : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنّكم تعلمون أنّ جميع بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء على ما ظننتم في أنفسكم ، إنكارا منه ـ جلّ ثناؤه ـ لقيلهم ما قالوا من ذلك على الجميع والعموم ، وهو من صفة خاصّ ذرّيّة الخليفة منهم.

وهذا الّذي ذكرناه هو صفة منّا لتأويل الخبر لا القول الّذي نختاره في تأويل الآية (١).

قال أبو جعفر : وممّا يدلّ على ما ذكرنا من توجيه خبر الملائكة عن إفساد ذرّيّة الخليفة وسفكها الدماء على العموم :

[٢ / ٩٧٥] ما حدّثنا به ابن أحمد بن إسحاق الأهوازيّ بالإسناد إلى عبد الرحمان بن سابط في قوله : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) قال : يعنون الناس.

وقال آخرون في ذلك.

[٢ / ٩٧٦] بما حدّثنا به بشر بن معاذ بإسناده عن قتادة قال : قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فاستشار الملائكة (٢) في خلق آدم ، فقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وقد علمت الملائكة من علم الله أنّه لا شيء أكره إلى الله من سفك الدماء والفساد في الأرض.

قال : وذكر لنا أنّ ابن عبّاس كان يقول : إنّ الله لمّا أخذ في خلق آدم ، قالت الملائكة : ما الله خالق خلقا أكرم عليه منّا ولا أعلم منّا. فابتلوا بخلق آدم ، وكلّ خلق مبتلى ، كما ابتليت السماوات والأرض بالطاعة ، فقال الله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(٣).

__________________

(١) الطبري ١ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.

(٢) وفي الطبعة الجديدة : «فاستخار الملائكة» وهو أيضا بمعنى الاستشارة ، أي استشارهم ليرى الخير والصلاح في ذلك!

(٣) فصّلت ٤١ : ١١.

٣٦٤

قال أبو جعفر : وهذا الخبر عن قتادة يدلّ على أنّ قتادة كان يرى أنّ الملائكة قالت ما قالت من قولها : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) على غير يقين علم تقدّم منها بأنّ ذلك كائن ، ولكن على الرأي منها والظنّ ، وأنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ أنكر ذلك من قيلها وردّ عليها ما رأت ، بقوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) من أنّه يكون من ذرّيّة ذلك الخليفة الأنبياء والرسل والمجتهد في طاعة الله (١).

قال : وقد روي عن قتادة خلاف هذا التأويل وهو :

[٢ / ٩٧٧] ما حدّثنا به الحسن بن يحيى بإسناده عن قتادة في قوله : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ...) قال : كان الله أعلمهم إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء.

وبمثل قول قتادة قال جماعة من أهل التأويل منهم الحسن البصري :

[٢ / ٩٧٨] حدّثنا القاسم بإسناده عن الحسن وقتادة قالا : قال الله لملائكته : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) قال لهم : إنّي فاعل ، فعرضوا برأيهم ، فعلّمهم علما وطوى عنهم علما علمه لا يعلمونه ، فقالوا بالعلم الّذي علّمهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وقد كانت الملائكة علمت من علم الله أنّه لا ذنب أعظم عند الله من سفك الدماء. ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك. قال : إنّي أعلم ما لا تعلمون. فلمّا أخذ في خلق آدم ، همست الملائكة فيما بينها ، فقالوا : ليخلق ربّنا ما شاء أن يخلق ، فلن يخلق خلقا إلّا كنّا أعلم منه وأكرم عليه منه. فلمّا خلقه ونفخ فيه من روحه أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا ، ففضّله عليهم ، فعلموا أنّهم ليسوا بخير منه. فقالوا : إن لم نكن خيرا منه فنحن أعلم منه ، لأنّا كنّا قبله وخلقت الأمم قبله ، فلمّا أعجبوا بعلمهم ابتلوا. فعلّم آدم الأسماء كلّها ثمّ عرضهم على الملائكة فقال : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أنّي لا أخلق خلقا إلّا كنتم أعلم منه ، فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.

قال [الحسن] : ففزع القوم إلى التوبة ، وإليها يفزع كلّ مؤمن ، فقالوا : سبحانك لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم. قال : يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلمّا أنبأهم بأسمائهم قال : ألم أقل لكم إنّي أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون. لقولهم : ليخلق ربّنا ما شاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منّا ولا أعلم منّا.

قال : علّمه اسم كلّ شيء ، هذه الجبال وهذه البغال والإبل والجنّ والوحش وجعل يسمّي كلّ

__________________

(١) الطبري ١ : ٢٩٥ ـ ٢٩٦ / ٥١٢.

٣٦٥

شيء باسمه ، وعرضت عليه كلّ أمّة. فقال : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ). قال : أمّا ما أبدوا فقولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. وأمّا ماكتموه فقول بعضهم لبعض : نحن خير منه وأعلم (١).

[٢ / ٩٧٩] وعن ابن عبّاس في قوله : (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) قال : أي بما بعدوا عن أمري (٢).

[٢ / ٩٨٠] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن سابط في قول الله : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) قال : يعنون الحرام (٣).

[٢ / ٩٨١] وأخرج ابن سعد وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله خلق آدم من تراب ، ثمّ جعله طينا ، ثمّ تركه حتّى إذا كان حمأ مسنونا خلقه وصوّره ، ثمّ تركه حتّى إذا كان صلصالا كالفخّار ، وجعل إبليس يمرّ به فيقول : لقد خلقت لأمر عظيم ، ثمّ نفخ الله فيه من روحه ، فكان أوّل شيء جرى فيه الروح بصره وخياشيمه ، فعطس فلقّنه الله حمد ربّه فقال الربّ : يرحمك ربّك. ثمّ قال : يا آدم اذهب إلى أولئك النفر فقل لهم وانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلّم عليهم فقالوا : وعليك السّلام ورحمة الله ، فجاء إلى ربّه فقال : ماذا قالوا لك ، وهو أعلم بما قالوا له؟ قال : يا ربّ سلّمت عليهم فقالوا : وعليك السّلام ورحمة الله قال : يا آدم هذه تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك ، قال : يا ربّ وما ذرّيّتي؟! قال : اختر يدي ، قال : أختار يمين ربّي ، وكلتا يدي ربّي يمين. فبسط الله كفّه فإذا كلّ ما هو كائن من ذرّيّته في كفّ الرحمان عزوجل» (٤).

[٢ / ٩٨٢] وأخرج ابن حبّان عن أنس : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لمّا نفخ الله في آدم الروح فبلغ الروح رأسه عطس فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فقال له تبارك وتعالى : يرحمك الله» (٥).

__________________

(١) المصدر / ٥١٤.

(٢) المصدر : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ / ٤٧٥.

(٣) ابن أبي حاتم ١ : ٧٧ / ٣٢٠.

(٤) الدرّ ١ : ١١٨ ؛ الطبقات ١ : ٣٠ ـ ٣١ ، باختصار ؛ أبو يعلى ١١ : ٤٥٣ ـ ٤٥٤ / ٦٥٨٠ ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٤٧٤ باختلاف واختصار ؛ مجمع الزوائد ٨ : ١٩٧ ، كتاب الأنبياء ، باب ذكر نبيّنا آدم أبي البشر عليه‌السلام قال الهيثمي : رواه أبو يعلى وفيه إسماعيل بن رافع. قال البخاري : ثقة مقارب الحديث. وضعّفه الجمهور وبقيّة رجاله رجال الصحيح ؛ كنز العمّال ٦ : ١٦٣ / ١٥٢٢٨.

(٥) الدرّ ١ : ١١٨ ؛ ابن حبّان ١٤ : ٣٧ / ٦١٦٥ ، كتاب التاريخ ، باب ١ (بدء الخلق).

٣٦٦

[٢ / ٩٨٣] وأخرج ابن حبّان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمّا خلق الله آدم عطس ، فألهمه الله ربّه أن قال : الحمد لله. قال له ربّه : يرحمك الله. فلذلك سبقت رحمته غضبه» (١).

[٢ / ٩٨٤] وأخرج الحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس قال : لمّا فرغ الله من خلق آدم وجرى فيه الروح عطس فقال : الحمد لله. فقال له ربّه : يرحمك ربّك (٢).

[٢ / ٩٨٥] وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «خلق الله آدم وطوله ستّون ذراعا. قال : اذهب فسلّم على أولئك النفر من الملائكة فاسمع ما يحيّونك ، فإنّها تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك. فذهب فقال : السّلام عليكم ، فقالوا : السّلام عليك ورحمة الله ، فزادوه : ورحمة الله. فكلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم طوله ستّون ذراعا ، فلم تزل الخلق تنقص حتّى الآن» (٣).

[٢ / ٩٨٦] وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي الدنيا في صفة الجنّة والطبراني في الكبير عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يدخل أهل الجنّة الجنّة جردا مردا بيضا جعادا مكحّلين ، أبناء ثلاث وثلاثين ، وهم على خلق آدم طوله ستّون ذراعا في عرض سبعة أذرع» (٤).

[٢ / ٩٨٧] وأخرج مسلم وأبو داوود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة. فيه خلق الله آدم ، وفيه أدخل الجنّة ، وفيه أهبط منها ، وفيه مات ، وفيه تيب عليه ، وفيه تقوم الساعة» (٥).

[٢ / ٩٨٨] وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : خلقت

__________________

(١) الدرّ ١ : ١١٨ ؛ ابن حبّان ١٤ : ٣٦ / ٦١٦٤.

(٢) الدرّ ١ : ١١٨ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦١ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة.

(٣) الدرّ ١ : ١١٨ ؛ مسند أحمد ٢ : ٣١٥ ؛ البخاري ٤ : ١٠٢ ، كتاب الأنبياء ، باب ١ ؛ مسلم ٨ : ١٤٩ ، كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها ، باب : يدخل الجنّة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير.

(٤) الدرّ ١ : ١١٨ ؛ المصنّف ٨ : ٧٥ / ٥٣ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤١٥ ، وفيه : «على خلق آدم سبعين ذراعا ...» ؛ كتاب صفة الجنّة لابن أبي الدنيا : ١٧ / ١٥ ؛ الأوسط ٥ : ٣١٨ ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ٣٩٩ ، باب كيف يدخل أهل الجنّة الجنّة ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الصغير والأوسط وإسناده حسن.

(٥) الدرّ ١ : ١١٩ ؛ مسلم ٣ : ٦ ، كتاب الجمعة ، باب فضل يوم الجمعة ، باختلاف ؛ أبو داوود ١ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ١٠٤٦ ، كتاب الصلاة ، باب ٢٠٦ (من صلّى لغير القبلة ثمّ علم) ؛ الترمذي ١ : ٣٠٥ / ٤٨٦ ، أبواب الجمعة ، باب ٣٥٠ (باب فضل صلاة الجمعة).

٣٦٧

الكعبة قبل الأرض بألفي سنة. قالوا : كيف خلقت قبل وهي من الأرض؟ قال : كانت حشفة (١) على الماء عليها ملكان يسبّحان الليل والنهار ألفي سنة ، فلمّا أراد الله أن يخلق الأرض دحاها منها فجعلها في وسط الأرض ، فلمّا أراد الله أن يخلق آدم بعث ملكا من حملة العرش يأتي بتراب من الأرض ، فلمّا هوى ليأخذ ، قالت الأرض : أسألك بالّذي أرسلك أن لا تأخذ منّي اليوم شيئا يكون منه للنار نصيب غدا ، فتركها. فلمّا رجع إلى ربّه قال : ما منعك أن تأتي بما أمرتك؟ قال : سألتني بك فعظّمت أن أراد شيئا سألني بك. فأرسل ملكا آخر فقال : مثل ذلك حتّى أرسلهم كلّهم ، فأرسل ملك الموت فقالت له مثل ذلك ، قال : إنّ الّذي أرسلني أحقّ بالطاعة منك. فأخذ من وجه الأرض كلّها من طيبها وخبيثها ، حتّى كانت قبضة عند موضع الكعبة ، فجاء به إلى ربّه فصبّ عليه من ماء الجنّة ، فجاء حمأ مسنونا ، فخلق منه آدم بيده ، ثمّ مسح على ظهره فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، فتركه أربعين ليلة لا ينفخ فيه الروح ، ثمّ نفخ فيه الروح ، فجرى فيه الروح من رأسه إلى صدره ، فأراد أن يثب. فتلا أبو هريرة : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٢).

فلمّا جرى فيه الروح قعد جالسا فعطس ، فقال الله : قل : الحمد لله. فقال : الحمد لله. فقال : رحمك ربّك ، ثمّ قال : انطلق إلى هؤلاء الملائكة فسلّم عليهم ، فقال : السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقالوا : وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته ، فقال : هذه تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك يا آدم!.

أيّ مكان أحبّ إليك أن أريك ذرّيّتك فيه؟ فقال : بيمين ربّي وكلتا يديّ ربّي يمين. فبسط يمينه فأراه فيها ذرّيّته كلّهم وما هو خالق إلى يوم القيامة. الصحيح على هيئته ، والمبتلى على هيئته ، والأنبياء كلّهم على هيئتهم. فقال : أي ربّ ، ألا عافيتهم كلّهم؟ فقال : إنّي أحببت أن أشكر. فرأى فيها رجلا ساطعا نوره فقال : أي ربّ من هذا؟ فقال : هذا ابنك داوود ، فقال : كم عمره؟ قال : ستّون سنة ، قال : كم عمرى؟ قال : ألف سنة ، قال : انقص من عمري أربعين سنة فزدها في عمره ، ثمّ رأى آخر ساطعا نوره ليس مع أحد من الأنبياء مثل ما معه ، فقال : أي ربّ من هذا؟ قال : هذا ابنك محمّد ، وهو أوّل من يدخل الجنّة ، فقال آدم : الحمد لله الّذي جعل من ذرّيّتي من يسبقني إلى الجنّة ولا أحسده.

فلمّا مضى لآدم ألف سنة إلّا أربعين جاءته الملائكة تتوفّاه عيانا ، قال : ما تريدون؟ قالوا : أردنا

__________________

(١) الحشفة : الجزيرة في البحر إذا كانت صغيرة ومستديرة.

(٢) الأنبياء ٢١ : ٣٧.

٣٦٨

أن نتوفّاك ، قال : بقي من أجلي أربعون! قالوا : أليس قد أعطيتها ابنك داوود؟ قال : ما أعطيت أحدا شيئا. قال أبو هريرة : جحد آدم وجحدت ذرّيّته ، ونسي ونسيت ذرّيّته (١).

[٢ / ٩٨٩] وأخرج أبو الشيخ بسند صحيح عن ابن زيد يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله لمّا أراد أن يخلق آدم بعث ملكا والأرض يومئذ وافرة ، فقال : اقبض لي منها قبضة ائتني بها أخلق منها خلقا. قالت : فإنّي أعوذ بأسماء الله أن تقبض اليوم منّي قبضة يخلق خلقا يكون لجهنّم منه نصيب ، فعرج الملك ولم يقبض منها شيئا. فقال له : مالك؟ قال : عاذت بأسمائك أن أقبض منها خلقا يكون لجهنّم منه نصيب فلم أجد عليها مجازا ، فبعث ملكا آخر ، فلمّا أتاها قالت له مثل ما قالت للأوّل فعرج ولم يقبض منها شيئا ، فقال له الربّ مثل ما قال لأوّل ، ثمّ بعث الثالث فقالت له مثل ما قالت لهما ، فعرج ولم يقبض منها شيئا ، فقال له الربّ تعالى مثل ما قال للّذين قبله.

ثمّ دعا إبليس ـ واسمه يومئذ في الملائكة حباب ـ فقال له : اذهب فاقبض لي من الأرض قبضة ، فذهب حتّى أتاها ، فقالت له مثل ما قالت للّذين من قبله من الملائكة ، فقبض منها قبضة ولم يسمع لحرجها ، فلمّا أتاه قال الله تعالى : ما أعاذتك بأسمائي منك؟ قال : بلى. قال : فما كان من أسمائي ما يعيذها منك؟ قال : بلى. ولكن أمرتني فأطعتك. فقال الله : لأخلقنّ منها خلقا يسوء منه وجهك! فألقى الله تلك القبضة في نهر من أنهار الجنّة حتّى صارت طينا ، فكان أوّل طين ، ثمّ تركها حتّى صارت حمأ مسنونا منتن الريح ، ثمّ خلق منها آدم ، ثمّ تركه في الجنّة أربعين سنة حتّى صار صلصالا كالفخّار ، يبس حتّى كان كالفخّار. ثمّ نفخ فيه الروح بعد ذلك ، وأوحى الله إلى ملائكته : إذا نفخت فيه من الروح فقعوا له ساجدين ، وكان آدم مستلقيا في الجنّة فجلس حين وجد مسّ الروح فعطس ، فقال الله له : احمد ربّك فقال : الحمد لله ، فقال : يرحمك ربّك. فمن هنالك يقال : سبقت رحمته غضبه. وسجدت الملائكة إلّا هو ، قام. فقال : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)(٢)(أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ)(٣) فأخبر الله أنّه لا يستطيع أن يعلن على الله ما يكيد على صاحبه ، فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) إلى قوله : (وَلا تَجِدُ

__________________

(١) الدرّ ١ : ١١٥ ـ ١١٦.

(٢) الأعراف ٧ : ١٢.

(٣) سورة ص ٣٨ : ٧٥.

٣٦٩

أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ)(١) وقال الله : إنّ إبليس قد صدّق عليهم ظنّه ، وإنّما كان ظنّه أن لا يجد أكثرهم شاكرين» (٢).

[٢ / ٩٩٠] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن أبي العالية قال : إنّ الله خلق الملائكة يوم الأربعاء ، وخلق الجنّ يوم الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة ، فكفر قوم من الجنّ. فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ببغيهم ، فكانت الدماء وكان الفساد في الأرض. فمن ثمّ قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) ، كما أفسدت الجنّ (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كما سفكوا (٣).

[٢ / ٩٩١] وروى عيسى بن حمزة قال : قال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : «جعلت فداك ، إنّ الناس يزعمون أنّ الدنيا عمرها سبعة آلاف سنة؟ فقال : ليس كما يقولون إنّ الله خلق لها خمسين ألف عام فتركها قاعا قفراء خاوية عشرة آلاف عام ، ثمّ بدا لله بداء فخلق فيها خلقا ليس من الجنّ ولا من الملائكة ولا من الإنس ، وقدّر لهم عشرة آلاف عام ، فلمّا قربت آجالهم أفسدوا فيها ، فدمّر الله عليهم تدميرا ، ثمّ تركها قاعا قفراء خاوية عشرة آلاف عام ، ثمّ خلق فيها الجنّ ، وقدّر لهم عشرة آلاف عام ، فلمّا قربت آجالهم أفسدوا فيها وسفكوا الدماء وهو قول الملائكة : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كما سفكت بنو الجان ، فأهلكهم الله ثمّ بدا لله فخلق آدم وقدّر له عشرة آلاف عام ، وقد مضى من ذلك سبعة آلاف عام ومائتان وأنتم في آخر الزمان» (٤).

[٢ / ٩٩٢] وروى العيّاشي ، بإسناده إلى هشام بن سالم : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما علم الملائكة بقولهم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) لو لا أنّهم قد كانوا رأوا من يفسد فيها ويسفك الدماء» (٥).

[٢ / ٩٩٣] وأخرج الحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس قال : لقد أخرج الله آدم من الجنّة قبل أن

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٢ ـ ١٧.

(٢) الدرّ ١ : ١١٩ ـ ١٢٠ ؛ العظمة ٥ : ١٥٦٣ ـ ١٥٦٤ / ١٠٣٢ ، باختلاف ، باب ٤٥ (خلق آدم وحوّاء عليهما‌السلام).

(٣) الدرّ ١ : ١١٢ ؛ الطبري ١ : ٢٨٨ و ٢٩٧ / ٥٠٥ و ٥١٥ ، نقلا عن الربيع بن أنس ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٧٧ / ٣٢٢ ؛ العظمة ٤ : ١٣٦٤ ـ ١٣٦٥ / ٨٨٠ ، باب ٢٨ (صفة ابتداء الخلق) ، نقلا عن الربيع بن أنس ؛ ابن كثير ١ : ٧٤.

(٤) البرهان ١ : ١٦٧ / ٧ ؛ العيّاشي ١ : ٤٩ / ٨ ؛ البحار ٥٤ : ٨٦ ـ ٨٧ / ٧٢ ، باب ١.

(٥) البرهان ١ : ١٦٥ / ٣ ؛ العيّاشي ١ : ٤٧ / ٤ ؛ البحار ١١ : ١١٧ / ٤٧.

٣٧٠

يدخلها أجد ، قال الله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). وقد كان فيها ـ قبل أن يخلق بألفي عام ـ الجنّ بنو الجانّ ، ففسدوا في الأرض ، وسفكوا الدماء. فلمّا أفسدوا في الأرض بعث الله عليهم جنودا من الملائكة ، فضربوهم حتّى ألحقوهم بجزائر البحور ، فلمّا قال الله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) كما فعل أولئك الجانّ. فقال الله (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(١).

[٢ / ٩٩٤] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : كان الجنّ بنو الجانّ في الأرض قبل أن يخلق آدم بألفي سنة فأفسدوا في الأرض ، سفكوا الدماء. فبعث جندا من الملائكة فضربوهم حتّى ألحقوهم بجزائر البحور. فقال الله للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). قال : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢).

[٢ / ٩٩٥] وأخرج ابن جرير عن عليّ عليه‌السلام قال : «إنّ آدم خلق من أديم الأرض ، فيه الطيّب والصالح والرديّ ، فكلّ ذلك أنت راء في ولده الصالح والرديّ» (٣).

[٢ / ٩٩٦] وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي ذرّ قال : سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّ آدم خلق من ثلاث تربات : سوداء وبيضاء وحمراء» (٤).

[٢ / ٩٩٧] وأخرج ابن سعد في الطبقات وعبد بن حميد وأبو بكر الشافعيّ في الغيلانيّات وابن عساكر عن سعيد بن جبير قال : خلق الله آدم من أرض يقال لها دحناء (٥).

[٢ / ٩٩٨] وأخرج الديلميّ عن أبي هريرة مرفوعا قال : «الهوى والبلاء والشهوة معجونة بطينة آدم عليه‌السلام» (٦).

[٢ / ٩٩٩] وأخرج ابن سعد في طبقاته وأحمد وعبد بن حميد وأبو داوود والترمذي وصحّحه

__________________

(١) الدرّ ١ : ١١١ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦١ ؛ التبيان ١ : ١٣١ ، بلفظ : قال ابن عبّاس : إنّه كان في الأرض الجنّ فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، فأهلكوا فجعل الله آدم وذرّيّته بدلهم.

(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٧٧ / ٣٢١ ؛ ابن كثير ١ : ٧٤.

(٣) الطبري ١ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨ / ٥٣٥ ؛ كنز العمّال ٦ : ١٦٢ / ١٥٢٢٧ ؛ الدرّ ١ : ١١٧.

(٤) الدرّ ١ : ١١٧ ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٧٩ ، الفصل ٥٧٨ (آدم نبيّ الله) ؛ الطبقات ١ : ٣٤ ، وفيه : «وخضراء» بدل «وحمراء».

(٥) الدرّ ١ : ١١٧ ؛ الطبقات ١ : ٢٥ ـ ٢٦ ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٨٠ و ٣٨١ ، (آدم نبيّ الله).

(٦) الدرّ ١ : ١١٧ ؛ فردوس الأخبار للديلمي ٥ : ٨٣ / ٧٢٥١ ؛ الكامل لابن عديّ ١ : ١٩٧.

٣٧١

والحكيم في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصحّحه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قدر الأرض. جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك. والسهل والحزن والخبيث والطيّب» (١).

[٢ / ١٠٠٠] وأخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا : بعث الله جبريل إلى الأرض ليأتيه بطين منها فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص منّي ، فرجع ولم يأخذ شيئا وقال : يا ربّ إنّها أعاذت بك فأعذتها. فبعث الله ميكائيل كذلك. فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره ، فأخذ من وجه الأرض وخلط ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ـ فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ـ فصعد به ، فبلّ التراب حتّى صار طينا لازبا واللازب هو : الّذي يلزق بعضه ببعض. ثمّ قال للملائكة : إنّي خالق بشرا من طين ، فخلقه الله بيده لئلا يتكبّر عليه إبليس ، فخلقه بشرا سويّا ، فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرّت به الملائكة ففزعوا منه لمّا رأوه ، وكان أشدّهم منه فزعا إبليس ، فكان يمرّ به فيضربه فيصوّت الجسد كما يصوّت الفخّار ، يكون له صلصلة. فيقول : لأمر مّا خلقت! ويدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول للملائكة : لا ترهبوا منه ، فإنّ ربّكم صمد وهذا أجوف ، لئن سلّطت عليه لأهلكنّه.

فلمّا بلغ الحين الّذي يريد الله أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلمّا نفخ فيه الروح فدخل في رأسه عطس فقالت الملائكة : الحمد لله. فقال : الحمد لله ، فقال الله له : يرحمك ربّك. فلمّا دخلت الروح في عنقه نظر إلى ثمار الجنّة ، فلمّا دخلت إلى جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلا إلى ثمار الجنّة. وذلك قوله تعالى : (خُلِقَ

__________________

(١) الدرّ ١ : ١١٥ ؛ الطبقات ١ : ٢٦ ؛ مسند أحمد ٤ : ٤٠٠ و ٤٠٦ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد : ١٩٣ / ٥٤٩ ؛ أبو داوود ٢ : ٤١٠ / ٤٦٩٣ ؛ الترمذي ٤ : ٢٧٣ / ٣٠٣١ ؛ نوادر الأصول ١ : ٣٣٢ ، الأصل ٦٧ ؛ الطبري ١ : ٣٠٨ / ٥٣٨ ؛ العظمة ٥ : ١٥٤٤ / ١٠٠٢ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، كتاب التفسير ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٥٤٣ ؛ البيهقي ٩ : ٣ ؛ كنز العمّال ٦ : ١٢٨ / ١٥١٢٦.

٣٧٢

الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(١)(٢).

[٢ / ١٠٠١] وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر في تاريخه عن ابن عبّاس قال : بعث ربّ العزّة إبليس ، فأخذ من أديم الأرض : من عذبها ومالحها ، فخلق منها آدم. فكلّ شيء خلقه من عذبها فهو صائر إلى السعادة وإن كان ابن كافرين ، وكلّ شيء خلقه من مالحها فهو صائر إلى الشقاء وإن كان ابن نبيّين. قال : ومن ثمّ قال إبليس : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً؟) إنّ هذه الطينة أنا جئت بها. ومن ثمّ سمّي آدم ، لأنّه أخذ من أديم الأرض (٣).

[٢ / ١٠٠٢] وأخرج الفريابي وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عبّاس قال : إنّما سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض ، الحمرة ، والبياض ، والسواد ، وكذلك ألوان الناس مختلفة فيها الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، والطيّب ، والخبيث (٤). وروي عن الضحّاك : أنّ الأدمة هي السمرة (٥).

[٢ / ١٠٠٣] وروى أبو إسحاق الثعلبي عن السدّي عمّن حدّثه عن ابن عبّاس قال : إنّما سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض. ومنهم من قال : سمّي بذلك لأنّه خلق من التراب ، والتراب بلسان العبرانيّة آدم. ومنهم من قال : سمّي بذلك لأدمته ، لأنّه كان آدم اللّون. وكنيته أبو محمّد وأبو البشر (٦).

[٢ / ١٠٠٤] وعن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال : ليس في الجنّة أحد يكنّى إلّا آدم فإنّه يكنّى أبا محمّد! (٧).

__________________

(١) الأنبياء ٢١ : ٣٧.

(٢) الدرّ ١ : ١١٦ ـ ١١٧ ؛ الطبري ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٤ / ٥١٠ ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٥١٥ ـ ٥١٦ ، باب ما جاء في تفسير الروح ، باختلاف يسير ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(٣) الدرّ ١ : ١١٧ ؛ الطبقات ١ : ٢٦ ، باختلاف يسير ؛ الطبري ١ : ٣٠٧ / ٥٣٤ ، بلفظ : عن ابن عبّاس قال : بعث ربّ العزّة ملك الموت فأخذ من أديم الأرض من عذبها ومالحها فخلق منه آدم ومن ثمّ سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٨٠ ، باختلاف يسير.

(٤) الدرّ ١ : ١٢٠ ؛ الطبقات ١ : ٢٦ ، قريبا لما رواه البيهقي نقلا عن سعيد بن جبير ؛ الحاكم ٢ : ٣٨١ ، كتاب التفسير ، سورة طه ؛ الأسماء والصفات ، الجزء الثالث : ٥٤٢ ـ ٥٤٤ ، باب بدء الخلق ؛ الثعلبي ١ : ١٨٠.

(٥) القرطبي ١ : ٢٧٩.

(٦) الثعلبي ١ : ١٨٠ ـ ١٨١.

(٧) المصدر. وذكر جيمس هاكس : أنّ آدم : الطين الأحمر ، (قاموس الكتاب المقدّس : ٢٥).

٣٧٣

تلك كانت روايات أهل الحديث ولعلّ بعضها أقاصيص ، والآن فاستمع إلى روايات اخرى قد تحتمل التأويل إلى وجه مقبول :

[٢ / ١٠٠٥] روى قطب الدين الراوندي بالإسناد إلى الإمام الصادق عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أهل الجنّة ليست لهم كنى إلّا آدم عليه‌السلام فإنّه يكنّى بأبي محمّد توقيرا وتعظيما» (١).

[٢ / ١٠٠٦] وروى أبو جعفر الكليني عن شيخه عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعيّ بن عبد الله عن رجل ، عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ خلق النبيّين من طينة علّيّين : قلوبهم وأبدانهم ، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة وخلق أبدان المؤمنين من دون ذلك ، وخلق الكفّار من طينة سجّين ، قلوبهم وأبدانهم ، فخلط بين الطينتين ، فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن ، ومن هاهنا يصيب المؤمن السيّئة ، ومن هاهنا يصيب الكافر الحسنة ، فقلوب المؤمنين تحنّ إلى ما خلقوا منه وقلوب الكافرين تحنّ إلى ما خلقوا منه».

[٢ / ١٠٠٧] وبإسناده عن عبد الغفّار الجازيّ (٢) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ خلق المؤمن من طينة الجنّة وخلق الكافر من طينة النّار ؛ وقال : إذا أراد الله ـ عزوجل ـ بعبد خيرا طيّب روحه وجسده ، فلا يسمع شيئا من الخير إلّا عرفه ، ولا يسمع شيئا من المنكر إلّا أنكره ؛ قال : وسمعته يقول : الطينات ثلاث : طينة الأنبياء ، والمؤمن من تلك الطينة إلّا أنّ الأنبياء هم من صفوتها ، هم الأصل ولهم فضلهم ، والمؤمنون الفرع من طين لازب ، كذلك لا يفرّق الله ـ عزوجل ـ بينهم وبين شيعتهم ؛ وقال : طينة النّاصب من حمأ مسنون. وأمّا المستضعفون فمن تراب ، لا يتحوّل مؤمن عن إيمانه ولا ناصب عن نصبه ، ولله المشيئة فيهم».

[٢ / ١٠٠٨] وبإسناده عن صالح بن سهل قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك من أيّ شيء خلق الله ـ عزوجل ـ طينة المؤمن؟ فقال : من طينة الأنبياء. فلم تنجس أبدا».

[٢ / ١٠٠٩] وبإسناده عن أبي حمزة الثماليّ قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ الله ـ عزوجل ـ خلقنا من أعلى علّيّين وخلق قلوب شيعتنا ممّا خلقنا منه ، وخلق أبدانهم من دون ذلك ، وقلوبهم

__________________

(١) البحار ١١ : ١٠٧ / ١٤ عن النوادر : ٩.

(٢) هو عبد الغفّار بن حبيب الجازيّ ، نسبة إلى الجازيّة ، قرية بالنهرين.

٣٧٤

تهوي إلينا لأنّها خلقت ممّا خلقنا منه ، ثمّ تلا هذه الآية : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ. وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ. كِتابٌ مَرْقُومٌ. يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)(١). وخلق عدوّنا من سجّين وخلق قلوب شيعتهم ممّا خلقهم منه وأبدانهم من دون ذلك ، فقلوبهم تهوي إليهم ، لأنّها خلقت ممّا خلقوا منه ، ثمّ تلا هذه الآية : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ»)(٢).

[٢ / ١٠١٠] وبإسناده عن عثمان بن يوسف قال : أخبرني عبد الله بن كيسان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : جعلت فداك أنا مولاك ، عبد الله بن كيسان ، قال : أمّا النسب فأعرفه وأمّا أنت ، فلست أعرفك ، قال : قلت له : إنّي ولدت بالجبل ونشأت في أرض فارس وإنّني اخالط النّاس في التجارات وغير ذلك ، فاخالط الرّجل ، فأرى له حسن السّمت (٣) وحسن الخلق و [كثرة] أمانة ، ثمّ أفتّشه فأتبيّنه عن عداوتكم واخالط الرجل فأرى منه سوء الخلق وقلّة أمانة وزعارة (٤) ثمّ افتّشه فأتبيّنه عن ولايتكم ، فكيف يكون ذلك؟ فقال لي : أما علمت يا ابن كيسان أنّ الله ـ عزوجل ـ أخذ طينة من الجنّة وطينة من النّار ، فخلطهما جميعا ، ثمّ نزع هذه من هذه ؛ وهذه من هذه فما رأيت من أولئك من الأمانة وحسن الخلق وحسن السّمت فممّا مسّتهم من طينة الجنّة وهم يعودون إلى ما خلقوا منه ، وما رأيت من هؤلاء من قلّة الأمانة وسوء الخلق والزعارة ، فممّا مسّتهم من طينه النّار وهم يعودون إلى ما خلقوا منه».

[٢ / ١٠١١] وبإسناده عن صالح بن سهل قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المؤمنون من طينة الأنبياء؟ قال : نعم».

[٢ / ١٠١٢] وبإسناده عن إبراهيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ لمّا أراد أن يخلق آدم عليه‌السلام بعث جبرئيل عليه‌السلام في أوّل ساعة من يوم الجمعة ، فقبض بيمينه قبضة ، بلغت قبضته من السّماء السّابعة إلى السّماء الدنيا ، وأخذ من كلّ سماء تربة ، وقبض قبضة اخرى من الأرض السّابعة العليا إلى الأرض السّابعة القصوى ، فأمر الله ـ عزوجل ـ كلمته فأمسك القبضة الاولى بيمينه والقبضة

__________________

(١) المطّفّفين ٨٣ : ١٩ ـ ٢١.

(٢) المطّففين ٨٣ : ٧ ـ ١٠.

(٣) السمت : هيئة أهل الخير.

(٤) الزعارة : سوء الخلق ، لا يصرف منه فعل ويقال للسيء الخلق الزعرور وفي بعض النسخ «الدعارة» وهو الفساد والفسوق والخبث.

٣٧٥

الاخرى بشماله ، ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا (١) ومن السّماوات ذروا فقال للّذي بيمينه : منك الرّسل والأنبياء والأوصياء والصدّيقون والمؤمنون والسعداء ومن اريد كرامته ، فوجب لهم ما قال كما قال. وقال للّذي بشماله : منك الجبّارون والمشركون والكافرون والطواغيت ومن اريد هوانه وشقوته ، فوجب لهم ما قال كما قال ، ثمّ إنّ الطينتين خلطتا جميعا ، وذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى)(٢) فالحبّ طينة المؤمنين الّتي ألقى الله عليها محبّته والنوى طينة الكافرين الّذين نأوا عن كلّ خير وإنّما سمّي النوى من أجل أنّه نأى عن كلّ خير وتباعد عنه وقال الله عزوجل : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) فالحيّ : المؤمن الّذي تخرج طينته من طينة الكافر والميّت الّذي يخرج من الحيّ : هو الكافر الّذي يخرج من طينة المؤمن ، فالحيّ : المؤمن ، والميّت : الكافر وذلك قوله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٣) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر وكان حياته حين فرّق الله ـ عزوجل ـ بينهما بكلمته كذلك يخرج الله ـ عزوجل ـ المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ويخرج الكافر من النّور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النّور وذلك قوله ـ عزوجل ـ : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ»)(٤).

[٢ / ١٠١٣] وبإسناده عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لو علم الناس كيف ابتداء الخلق ما اختلف اثنان ، إنّ الله ـ عزوجل ـ قبل أن يخلق الخلق قال : كن ماء عذبا أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي وكن ملحا اجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ثمّ أمرهما فامتزجا ، فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر والكافر المؤمن ثمّ أخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا فإذا هم كالذرّ يدبّون. فقال لأصحاب اليمين : إلى الجنّة بسلام وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا ابالي ، ثمّ أمر نارا فاسعرت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها ، فهابوها ، فقال لأصحاب اليمين : ادخلوها فدخلوها ، فقال : كوني بردا وسلاما فكانت بردا وسلاما ، فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا. فقال : قد أقلتكم فادخلوها ، فذهبوا فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية فلا يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ؛ ولا هؤلاء من هؤلاء».

__________________

(١) الفلق : الشقّ والفصل. والذرو : الإذهاب والتفريق.

(٢) الأنعام ٦ : ٩٥.

(٣) الأنعام ٦ : ١٢٢.

(٤) يس ٣٦ : ٧٠.

٣٧٦

[٢ / ١٠١٤] وبإسناده عن ابن اذينة ، عن زرارة أنّ رجلا سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله ـ جلّ وعزّ ـ : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) فقال : «حدّثني أبي أنّ الله ـ عزوجل ـ قبض قبضة من تراب التربة الّتي خلق منها آدم عليه‌السلام فصبّ عليها الماء العذب الفرات ثمّ تركها أربعين صباحا ، ثمّ صبّ عليها الماء المالح الاجاج فتركها أربعين صباحا ، فلمّا اختمرت الطينة أخذها فعركها عركا شديدا فخرجوا كالذرّ من يمينه وشماله وأمرهم جميعا أن يقعوا في النار ، فدخل أصحاب اليمين ، فصارت عليهم بردا وسلاما وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها».

[٢ / ١٠١٥] وبإسناده عن أبان بن عثمان عن محمّد بن عليّ الحلبيّ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ لمّا أراد أن يخلق آدم عليه‌السلام أرسل الماء على الطين ، ثمّ قبض قبضة فعركها ثمّ فرّقها فرقتين بيده ثمّ ذرأهم فإذا هم يدبّون ، ثمّ رفع لهم نارا فأمر أهل الشمال أن يدخلوها فذهبوا إليها فهابوها فلم يدخلوها ثمّ أمر أهل اليمين أن يدخلوها فذهبوا فدخلوها فأمر الله ـ جلّ وعزّ ـ النار فكانت عليهم بردا وسلاما ، فلمّا رأى ذلك أهل الشمال قالوا : ربّنا أقلنا ، فأقالهم ، ثمّ قال لهم : ادخلوها فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها ، فأعادهم طينا وخلق منها آدم عليه‌السلام وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فلن يستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء. قال : فيرون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّل من دخل تلك النار فلذلك قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ)» (١).

[٢ / ١٠١٦] وبإسناده عن زرارة ، عن حمران ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ حيث خلق الخلق ، خلق ماء عذبا وماء مالحا اجاجا ، فامتزج الماءان ، فأخذ طينا من أديم الأرض فعركه عركا شديدا ، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذرّ يدبّون : إلى الجنّة بسلام وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا ابالي ، ثمّ قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ)(٢) ، ثمّ أخذ الميثاق على النبيّين ، فقال : ألست بربّكم وأنّ هذا محمّد رسولي ، وأنّ هذا عليّ أمير المؤمنين؟ قالوا : بلى فثبتت لهم النبوّة وأخذ الميثاق على اولي العزم أنّني ربّكم ومحمّد رسولي وعليّ أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي عليهم‌السلام ، وأنّ المهديّ أنتصر به لديني

__________________

(١) الزخرف ٤٣ : ٨١.

(٢) الأعراف ٧ : ١٧٢.

٣٧٧

وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي واعبد به طوعا وكرها قالوا : أقررنا يا ربّ وشهدنا ، ولم يجحد آدم ولم يقرّ فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهديّ ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله عزوجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) قال : إنّما هو : فترك. ثمّ أمر نارا فاجّجت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها فهابوها ، وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها فدخلوها فكانت عليهم بردا وسلاما ، فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا ، فقال : قد أقلتكم اذهبوا فادخلوها ، فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والولاية والمعصية».

[٢ / ١٠١٧] وبإسناده عن حبيب السجستاني قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ الله ـ عزوجل ـ لمّا أخرج ذرّيّة آدم عليه‌السلام من ظهره ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبيّة له وبالنبوّة لكلّ نبيّ فكان أوّل من أخذ له عليهم الميثاق بنبوّته محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال الله ـ عزوجل ـ لآدم : انظر ماذا ترى ، قال : فنظر آدم عليه‌السلام إلى ذرّيّته وهم ذرّ قد ملأوا السماء ، قال آدم عليه‌السلام : يا ربّ ما أكثر ذرّيّتي ولأمر مّا خلقتهم؟ فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟ قال الله ـ عزوجل ـ : يعبدونني لا يشركون بي شيئا ويؤمنون برسلي ويتّبعونهم ، قال آدم عليه‌السلام : يا ربّ فمالي أرى بعض الذرّ أعظم من بعض وبعضهم له نور كثير وبعضهم له نور قليل وبعضهم ليس له نور؟ فقال الله ـ عزوجل ـ : كذلك خلقتهم لأبلوهم في كلّ حالاتهم ، قال آدم عليه‌السلام : يا ربّ فتأذن لي في الكلام فأتكلّم؟ قال الله ـ عزوجل ـ : تكلّم فإنّ روحك من روحي وطبيعتك خلاف كينونتي : قال آدم : يا ربّ فلو كنت خلقتهم على مثال واحد وقدر واحد وطبيعة واحدة وجبلّة واحدة وألوان واحدة وأعمار واحدة وأرزاق سواء ، لم يبغ بعضهم على بعض ولم يكن بينهم تحاسد ولا تباغض ولا اختلاف في شيء من الأشياء ، قال الله ـ عزوجل ـ يا آدم بروحي نطقت وبضعف طبيعتك تكلّفت ما لا علم لك به وأنا الخالق العالم (١) ، بعلمي خالقت بين خلقهم وبمشيئتي يمضي فيهم أمري وإلى تدبيري وتقديري صائرون ، لا تبديل لخلقي ، إنّما خلقت الجنّ والإنس ليعبدون وخلقت الجنّة لمن أطاعني وعبدني منهم واتّبع رسلي ولا ابالي وخلقت النّار لمن كفر بي وعصاني ولم يتّبع رسلي ولا ابالي ؛ وخلقتك وخلقت ذرّيّتك من غير فاقة بي إليك وإليهم وإنّما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم أيّكم (٢) أحسن عملا في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم فلذلك خلقت الدنيا والآخرة والحياة والموت والطاعة والمعصية والجنّة والنّار وكذلك

__________________

(١) في بعض النسخ : «العليم».

(٢) في بعض النسخ : «أيّهم».

٣٧٨

أردت في تقديري وتدبيري ، وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم ، فجعلت منهم الشقيّ والسعيد والبصير والأعمى والقصير والطويل والجميل والدميم والعالم والجاهل والغنيّ والفقير والمطيع والعاصي والصحيح والسقيم ومن به الزّمانة ومن لا عاهة به ، فينظر الصحيح إلى الّذي به العاهة فيحمدني على عافيته ، وينظر الّذي به العاهة إلى الصحيح فيدعوني ويسألني أن اعافيه ويصبر على بلائي فاثيبه جزيل عطائي ، وينظر الغنيّ إلى الفقير فيحمدني ويشكرني ، وينظر الفقير إلى الغنيّ فيدعوني ويسألني ، وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني على ما هديته فلذلك خلقتهم (١) لأبلوهم في السرّاء والضرّاء ، وفيما اعافيهم وفيما أبتليهم وفيما اعطيهم وفيما أمنعهم وأنا الله الملك القادر ، ولي أن أمضي جميع ما قدّرت على ما دبّرت ولي أن اغيّر من ذلك ما شئت إلى ما شئت واقدّم من ذلك ما أخّرت وأؤخّر من ذلك ما قدّمت وأنا الله الفعّال لما اريد لا اسأل عمّا أفعل وأنا أسأل خلقي عمّا هم فاعلون».

[٢ / ١٠١٨] وبإسناده عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمّد الجعفي وعقبة جميعا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ خلق الخلق فخلق من أحبّ ممّا أحبّ وكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة وخلق من أبغض ممّا أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النّار ، ثمّ بعثهم في الظلال فقلت : وأيّ شيء الظلال؟ فقال : ألم تر إلى ظلّك في الشمس شيئا وليس بشيء ، ثمّ بعث منهم النبيّين فدعوهم إلى الإقرار بالله ـ عزوجل ـ وهو قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٢) ثمّ دعوهم إلى الإقرار بالنبيّين فأقرّ بعضهم وأنكر بعض ، ثمّ دعوهم إلى ولايتنا فأقرّ بها والله من أحبّ وأنكرها من أبغض وهو قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ)(٣) ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : كان التكذيب ثمّ».

[٢ / ١٠١٩] وبإسناده عن عبد الله بن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إنّي لأرى بعض أصحابنا يعتريه النزق والحدّة والطيش (٤) فأغتمّ لذلك غمّا شديدا وأرى من خالفنا فأراه حسن السمت. قال : لا تقل حسن السمت فإنّ السمت سمت الطريق ولكن قل حسن السيماء ، فإنّ

__________________

(١) في بعض النسخ : «ما هديتهم فلذلك كلّفتهم».

(٢) لقمان ٣١ : ٢٥.

(٣) الأعراف ٧ : ١٠١.

(٤) عراه واعتراه أي غشيه وأتاه. والنزق بالفتح والتحريك : الخفّة عند الغضب. والحدّة والطيش قريبان منه.

٣٧٩

الله ـ عزوجل ـ يقول : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)(١) قال : قلت : فأراه حسن السيماء وله وقار فأغتمّ لذلك ، قال : لا تغتمّ لما رأيت من نزق أصحابك ولما رأيت من حسن سيماء من خالفك ، إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لمّا أراد أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين ، ثمّ فرّقهما فرقتين ، فقال لأصحاب اليمين كونوا خلقا بإذني. فكانوا خلقا بمنزلة الذرّ يسعى ، وقال لأهل الشمال : كونوا خلقا بإذني ، فكانوا خلقا بمنزلة الذرّ ، يدرج ، ثمّ رفع لهم نارا فقال : ادخلوها بإذني ، فكان أوّل من دخلها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ اتّبعه اولو العزم من الرّسل وأوصياؤهم وأتباعهم ، ثمّ قال لأصحاب الشمال : ادخلوها بإذني ، فقالوا : ربّنا خلقتنا لتحرقنا؟ فعصوا ، فقال لأصحاب اليمين اخرجوا بإذني من النّار ، لم تكلم النّار منهم كلما (٢) ، ولم تؤثّر فيهم أثرا ، فلمّا رآهم أصحاب الشّمال ، قالوا : ربّنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدّخول ، قال : قد أقلتكم فادخلوها ، فلمّا دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا : يا ربّنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا ، فأمرهم بالدخول ثلاثا ، كلّ ذلك يعصون ويرجعون وأمر أولئك ثلاثا ، كلّ ذلك يطيعون ويخرجون ، فقال لهم [جميعا] : كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم ، قال : فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء ومن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء وما رأيت من نزق أصحابك وخلقهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب الشّمال وما رأيت من حسن سيماء من خالفكم ووقارهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب اليمين» (٣).

نظرة في أخبار الطينة

اعلم أنّ مذهبنا في الخلق والتكليف هو البناء على الفطرة السليمة فطرة التوحيد الّتي فطر الناس عليها. ليكون الحياد عنها عارضا رغم صميم الذات.

قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٤).

نعم كان الناس جميعا ـ على مختلف شعبهم وألوانهم وتنوّع بيئاتهم ـ مفطورين على التوحيد والإقرار بربوبيّته تعالى ، منذ أن فطموا ولم يزالوا.

__________________

(١) الفتح ٤٨ : ٢٩.

(٢) الكلم : الجرح.

(٣) الأحاديث مستخرجة من الكافي الشريف ٢ : ٢ ـ ١١.

(٤) الروم ٣٠ : ٣٠.

٣٨٠