التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

يقرأ سورة البقرة؟ هل فيكم من يقرأ سورة آل عمران؟ فإذا قال الرجل : نعم ، دنتا منه بأعناقهما حتّى يتعلق بهما ، فتخطّرا به الجبل (١).

[٢ / ٣٢] وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف وأحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصحّحه والبيهقي في سننه عن حذيفة قال : صلّيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة من رمضان ، فافتتح البقرة ، فقلت : يصلّي بها ركعة. ثمّ افتتح النساء فقرأها ، ثمّ افتتح آل عمران فقرأها مترسلا. إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح ، وإذا مرّ بسؤال سأل ، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ (٢).

[٢ / ٣٣] وأخرج أحمد وابن الضريس والبيهقي عن عائشة قالت : كنت أقوم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الليل فيقرأ بالبقرة ، وآل عمران ، والنساء ، فإذا مرّ بآية فيها استبشار دعا ورغب ، وإذا مرّ بآية فيها تخويف دعا واستعاذ (٣).

[٢ / ٣٤] وأخرج أبو داوود والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قمت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة ، فقام فقرأ سورة البقرة لا يمرّ بآية رحمة إلّا وقف فسأل ، ولا يمرّ بآية عذاب إلّا وقف فتعوّذ ثمّ ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه : سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة. ثمّ سجد بقدر قيامه ثمّ قال في سجوده مثل ذلك ، ثمّ قام فقرأ بآل

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٨ ؛ فضائل القرآن : ١٢٦ / ٣ ـ ٣٥ ؛ الدارمي ٢ : ٤٥١ ؛ ابن كثير ١ : ٣٦.

(٢) الدرّ ١ : ٤٧ ؛ المصنّف ٢ : ١١٥ / ٦ ، بلفظ : «عن حذيفة : قال : صلّيت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح ، وإذا مرّ بسؤال سأل ، وإذا مرّ بتعويذ تعوّذ» ؛ مسند أحمد ٥ : ٣٩٧ ، «حديث حذيفة بن يمان» ؛ مسلم ٢ : ١٨٦ ، باختلاف في اللفظ ؛ أبو داوود ١ : ٢٠٠ / ٨٧١ ، كتاب الصلاة ، باب ١٥١ (ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده) بتفاوت ؛ الترمذي ١ : ١٦٤ / ٢٦١ ، أبواب الصلاة ، باب ١٩٢ (ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود) ، بلفظ : «عن حذيفة أنّه صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان يقول في ركوعه : سبحان ربّي العظيم ، وفي سجوده : سبحان ربّي الأعلى ، وما أتى على آية رحمة إلّا وقف وسأل ، وما أتى على آية عذاب إلّا وقف وتعوّذ». قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ؛ النسائي ١ : ٤٣٣ / ١٣٧٧ ؛ ابن ماجة ١ : ٤٢٩ / ١٣٥١ ، كتاب إقامة الصلاة والسّنة فيها ، باب ١٧٩ (ما جاء في القراءة في صلاة الليل). بلفظ : «عن حذيفة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى فكان إذا مرّ بآية رحمة سأل ، وإذا مرّ بآية عذاب استجار ، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه لله سبّح» ؛ الحاكم ١ : ٣٢١ ، كتاب صلاة التطوع ، بتفاوت في اللفظ ؛ البيهقي ٢ : ٣٠٩ كتاب الصلاة ، باب الوقوف عند آية الرحمة وآية العذاب وآية التسبيح.

(٣) الدرّ : ١ / ٤٧ ؛ مسند أحمد ٦ : ١١٩ ؛ البيهقي ٢ : ٣١٠ ؛ مجمع الزّوائد ٢ : ٢٧٢ ؛ ابن عساكر ٤ : ١٤٦.

٢١

عمران ثمّ قرأ سورة سورة (١).

[٢ / ٣٥] وأخرج الحاكم وصحّحه وأبو ذرّ الهروي والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر قال : تعلّموا سورة البقرة وسورة النساء وسورة الحج وسورة النور ، فإنّ فيهنّ الفرائض (٢).

[٢ / ٣٦] وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب عن عمر بن الخطّاب قال : من قرأ البقرة وآل عمران والنساء ، في ليلة كتب من القانتين (٣).

[٢ / ٣٧] وقال الشيخ أبو الفتوح : وفي حديث آخر : وإنّ أصفر البيوت من الخير بيت لا تقرأ فيه سورة البقرة ، سورة البقرة فسطاط القرآن (٤). والأصفر : الفقير العاري. من الصّفر وهي النقطة لا عدد معها.

[٢ / ٣٨] وأخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «السورة الّتي يذكر فيها البقرة فسطاط القرآن ، فتعلّموها فإنّ تعلّمها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة» (٥).

[٢ / ٣٩] وأخرج الدارمي عن خالد بن معدان قال : سورة البقرة ، تعليمها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة وهي فسطاط القرآن (٦).

[٢ / ٤٠] وأخرج أبو يعلى وابن حبّان والطبراني والبيهقي في الشعب عن سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لكلّ شيء سناما ، وسنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته نهارا لم يقرب بيته الشيطان ثلاثة أيّام ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله الشيطان ثلاث ليال» (٧).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٧ ؛ أبو داوود ١ : ٢٠٠ / ٨٧٣ ؛ النسائي ١ : ٢٤٠ / ٧١٨ ؛ البيهقي ٢ : ٣١٠ ؛ مسند أحمد ٦ : ٢٤ ، «حديث عوف بن مالك الأشجعي».

(٢) الدرّ ١ : ٥٣ ؛ الحاكم ٢ : ٣٩٥ ؛ الشعب ٢ : ٤٧٧ / ٢٤٥١ ؛ كنز العمّال ٢ : ٣١٣ / ٤٠٩٥.

(٣) الدرّ ١ : ٤٩ ؛ فضائل القرآن : ١٢٧ / ٦ ـ ٣٥ ؛ سنن سعيد بن منصور ٣ : ١٠٢٣ / ٤٨٥ ؛ الشعب ٢ : ٤٦٨ / ٢٤٢٤. بنحو ما رواه سعيد بن منصور في سننه ؛ كنز العمّال ٢ : ٣٠٥ / ٤٠٦٧.

(٤) أبو الفتوح ١ : ٩٢.

(٥) الدرّ ١ : ٥١ ؛ فردوس الأخبار للديلمي ٢ : ٤٨٩ / ٣٣٧٦ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦٦ / ٢٥٥٢.

(٦) الدارمي ٢ : ٤٤٦.

(٧) الدرّ ١ : ٥٠ ؛ أبو يعلى ١٣ : ٥٤٧ / ٧٥٥٤ ؛ ابن حبّان ٣ : ٥٩ / ٧٨٠ ؛ الكبير ٦ : ١٦٣ / ٥٨٦٤ ؛ الشعب ٢ : ٤٥٣ / ٢٣٧٨ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١١ ـ ٣١٢ ؛ أبو الفتوح ١ : ٩١ ؛ الثعلبي ١ : ١٣٥.

٢٢

[٢ / ٤١] وأخرج الدارمي ومحمّد بن نصر وابن الضريس والطبراني والحاكم وصححّه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال : إنّ لكلّ شيء سناما ، وسنام القرآن البقرة. وإنّ لكلّ شيء لبابا ، ولباب القرآن المفصّل. وإنّ الشيطان إذا سمع سورة البقرة نفر من البيت الّذي يقرأ فيه ، وله ضريط (١).

[٢ / ٤٢] وأخرج البخاري في تاريخه عن السائب بن خبّاب. ويقال : له صحبة. قال : البقرة سنام القرآن (٢).

[٢ / ٤٣] وأخرج أبو عبيد والنسائي وابن الضريس ومحمّد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «صلّوا في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا ، وزيّنوا أصواتكم بالقرآن ، فإنّ الشيطان ينفر من البيت الّذي يقرأ فيه سورة البقرة» (٣).

[٢ / ٤٤] وأخرج أبو عبيد عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الشيطان يخرج من البيت إذا سمع سورة البقرة تقرأ فيه» (٤).

[٢ / ٤٥] وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في تاريخه عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «تعلّموا القرآن فو الّذي نفسي بيده إنّ الشيطان ليخرج من البيت الّذي يقرأ فيه سورة البقرة» (٥).

[٢ / ٤٦] وأخرج ابن الضريس والنسائي وابن الأنباري في المصاحف والطبرانى في الأوسط والصغير وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ألفينّ أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى ، ثمّ يتغنّى ويدع أن يقرأ سورة البقرة فإنّ الشيطان ينفر من البيت الّذي يقرأ فيه سورة البقرة ، وإنّ أصفر البيوت الجوف الصفر من كتاب الله عزوجل» (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥٠ ؛ الدارمي ٢ : ٤٤٧ ؛ الكبير ٩ : ١٢٩ / ٨٦٤٤ ؛ الحاكم ١ : ٥٦١ ؛ الشعب ٢ : ٤٥٢ / ٢٣٧٦ ؛ مجمع الزّوائد ٧ : ١٥٩.

(٢) الدرّ ١ : ٥١ ؛ التاريخ ٤ : ١٥١ ـ ١٥٢.

(٣) الدرّ ١ : ٥٠ ؛ فضائل القرآن : ١٢١ / ٨ ـ ٣٤ ؛ النسائي ٥ : ١٣ / ٨٠١٥.

(٤) الدرّ ١ : ٥٠ ؛ فضائل القرآن : ١٢١ / ٩ ـ ٣٤.

(٥) الدرّ ١ : ٥٠ ؛ الكامل ٦ : ٢٠٦ ؛ ابن عساكر ٦٦ : ٢٥٣ / ٨٥٣٥.

(٦) الدرّ ١ : ٥٠ ؛ النسائي ٦ : ٢٤٠ / ١٠٧٩٩ ؛ الأوسط ٢ : ٣٦٦ / ٢٢٤٨ ؛ الصغير ١ : ٥٣ ـ ٥٤ / ١٤١ ، باختلاف يسير ؛ الشعب ٢ : ٤٥٣ / ٢٣٧٩ ؛ مجمع الزّوائد ٦ : ٣١٢ ، باختلاف يسير.

٢٣

[٢ / ٤٧] وأخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن ابن مسعود قال : خرج رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لقيه الشيطان ، فاتّخذا فاصطرعا ، فصرعه الّذي من أصحاب محمّد. فقال الشيطان : أرسلني أحدّثك حديثا ، فأرسله فقال : حدّثني! قال : لا. فاتّخذا الثانية فاصطرعا ، فصرعه الّذي من أصحاب محمّد فقال : أرسلني فلأحدثنّك حديثا يعجبك ، فأرسله فقال : حدّثني! قال : لا. فاتّخذا الثالثة فصرعه الّذي من أصحاب محمّد ، ثمّ جلس على صدره وأخذ بإبهامه يلوكها. فقال : أرسلني. فقال : لا أرسلك حتّى تحدّثني! قال : سورة البقرة ، فإنّه ليس من آية منها تقرأ في وسط شياطين إلّا تفرّقوا ، ولا تقرأ في بيت فيدخل ذلك البيت شيطان. قالوا : يا أبا عبد الرحمان فمن ذلك الرجل؟ قال : فمن ترونه إلّا عمر بن الخطاب؟ (١).

[٢ / ٤٨] وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا تجعلوا بيوتكم مقابر ؛ الشيطان ينفر من البيت الّذي يقرأ فيه سورة البقرة. ولفظ الترمذي : وإنّ البيت الّذي يقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان» (٢).

[٢ / ٤٩] وأخرج الطبراني عن عبد الله بن مغفّل قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البيت الّذي يقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان تلك الليلة» (٣).

[٢ / ٥٠] وأخرج أبو عبيد وأحمد والبخاري في صحيحة تعليقا ومسلم والنسائي والحاكم وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوّة من طرق عن أسيد بن حضير قال : بينما هو ليلة يقرأ سورة البقرة في مربده إذ جالت فرسه فسكت. فسكنت ، ثمّ قرأ فجالت الفرس فسكت. فسكنت ، ثمّ قرأ فجالت فسكت ، فسكنت. فقال أسيد : فخشيت أن تطأ يحيى ، يعني ابنه وكان قريبا منها ، فأشفقت أن تصيبه فلمّا أخذته رفعت رأسي إلى السماء ، وإذا مثل الظلّة فوق رأسي فيها أمثال السرج (المصابيح) عرجت في الجوّ إلى السّماء ، حتّى ما أراها ، فلمّا أصبحت حدّثت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتدري ما ذاك؟ قلت : لا يا رسول الله! قال : تلك الملائكة دنت لصوتك تستمع لقرائتك ، ولو قرأت [اى تداومت في القراءة حتى الصباح] لأصبحت تنظر النّاس إليها ، لا تتوارى

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥٢ ؛ ابن عساكر ٤٤ : ٨٧ رواه ابن عساكر في فضائل عمر بن الخطاب.

(٢) الدرّ ١ : ٥٠ ؛ مسند أحمد ٢ : ٢٨٤ ؛ مسلم ٢ : ١٨٨ ؛ الترمذي ٤ : ٢٣٢ / ٣٠٣٧ ؛ كنز العمّال ١٥ : ٣٩١ / ٤١٥١١.

(٣) الدرّ ١ : ٥٠ ؛ مجمع الزّوائد ٦ : ٣١٢.

٢٤

منهم» (١).

[٢ / ٥١] وأخرج ابن حبّان والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب عن أسيد بن حضير أنّه قال : «يا رسول الله بينما أقرأ الليلة سورة البقرة إذ سمعت وجبة من خلفي ، فظننت أنّ فرسي انطلق؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إقرأ أبا عتيك. فالتفتّ فإذا أمثال المصابيح مدلاة بين السماء والأرض ، فما استطعت أن أمضي. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تلك الملائكة نزلت لقراءتك سورة البقرة ، أما أنّك لو مضيت لرأيت العجائب» (٢).

والوجبة : صوت سقوط الشيء.

[٢ / ٥٢] وأخرج الطبراني عن أسيد بن حضير قال : كنت أصلّي في ليلة مقمرة وقد أوثقت فرسي ، فجالت جولة ففزعت ، ثمّ جالت أخرى فرفعت رأسي ، وإذا ظلّة قد غشيتني ، وإذا هي قد حالت بيني وبين القمر ، ففزعت فدخلت البيت. فلمّا أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «تلك الملائكة ، جاءت تسمع قراءتك من آخر الليل سورة البقرة» (٣).

[٢ / ٥٣] وأخرج الدارقطني والبيهقي في السنن عن ابن مسعود قال : «إنّ امرأة أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله رأيي في رأيك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للّذي خطبها : هل تقرأ من القرآن شيئا؟ فقال : نعم ، سورة البقرة وسورة من المفصّل ، فقال : قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلّمها وإذا رزقك الله عوّضتها. فتزوّجها الرجل على ذلك» (٤).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥١ ـ ٥٢ ؛ فضائل القرآن : ٢٦ / ٦ ـ ٢ ؛ مسند أحمد ٣ : ٨١ ؛ البخاري ٦ : ١٠٦ ، كتاب فضائل القرآن ، باب ١٥ (نزول السكينه والملائكة عند قراءة القرآن) ؛ مسلم ٢ : ١٩٤ ، كتاب الصلاة ، باب نزول السكينة لقراءة القرآن ؛ النسائي ٥ : ٢٧ ـ ٢٨ / ٨٠٧٤ ، كتاب فضائل القرآن ، باب اغتباط صاحب القرآن ، باختلاف يسير ؛ الحاكم ١ : ٥٥٤ ؛ الدلائل لأبي نعيم ٢ : ٥٦٠ ـ ٥٦١ / ٥٠٢ ، الفصل ٢٧ (في ذكر ما ظهر لأصحابه في حياته) ؛ الدلائل ، للبيهقي ٧ : ٨٤ ، باب في رواية أسيد بن الحضير وغيره السكينة والملائكة الّتي نزلت عنه قراءة القرآن ، باختلاف يسير. وابن عساكر ٩ : ٩١ ، باب أسيد بن الحضير.

(٢) الدرّ ١ : ٥٢ ؛ ابن حبّان ٣ : ٥٨ / ٧٧٩ ؛ الكبير ١ : ٢٠٨ / ٥٦٦ ؛ الحاكم ١ : ٥٥٤ ؛ الشعب ٢ : ٥٤٨ ـ ٥٤٩ / ٢٦٨٠. فصل في تنوير موضع القرآن ؛ ابن عساكر ٩ : ٩٢ ؛ كنز العمّال ١٣ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ / ٣٦٨١٥.

(٣) الدرّ ١ : ٥٢ ؛ الكبير ١ : ٢٠٨ / ٥٦٥ ؛ الأوسط ٦ : ٣٣٠ / ٦٥٤٧ ؛ كنز العمّال ١٣ : ٢٧٩ / ٣٦٨١٦.

(٤) الدرّ ١ : ٥٣ ؛ الدارقطني ٣ : ١٧٥ ؛ البيهقي ٧ : ٢٤٣.

٢٥

[٢ / ٥٤] وأخرج أبو داوود والبيهقي عن أبي هريرة ، «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للرجل : ما تحفظ من القرآن؟ قال : سورة البقرة والّتي تليها. قال : قم فعلّمها عشرين آية ، وهي امرأتك» قال أبو داوود : وكان مكحول يقول : ليس ذلك لأحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

[٢ / ٥٥] وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : من قرأ سورة البقرة فقد أكثر وأطاب (٢).

[٢ / ٥٦] وروي عن أبيّ بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة البقرة فصلوات الله عليه ورحمته وأعطي من الأجر كالمرابط في سبيل الله سنة لا تسكن روعته» (٣).

[٢ / ٥٧] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الصلصال بن الدلهمس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إقرأوا سورة البقرة في بيوتكم ، ولا تجعلوها قبورا. قال : ومن قرأ سورة البقرة تتوّج بتاج في الجنّة» (٤).

[٢ / ٥٨] وأخرج وكيع والدارمي ومحمّد بن نصر وابن الضريس عن محمّد بن الأسود قال : من قرأ سورة البقرة في ليلة توّج بها تاجا في الجنّة (٥).

[٢ / ٥٩] وأخرج عبد الرزّاق وابن أبي شيبة معا في المصنّف عن عروة قال : كان شعار أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم مسيلمة ، يا أصحاب سورة البقرة (٦).

[٢ / ٦٠] وروى ابن مردويه من حديث شعبة عن عقيل بن طلحة عن عتبة بن فرقد قال : رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصحابه تأخّرا ، فقال : يا أصحاب سورة البقرة (٧).

[٢ / ٦١] وأخرج ابن أبي شيبة عن مسدّد عن ابن مسعود قال : من حلف بسورة البقرة ، وفي لفظ بسورة من القرآن ، فعليه بكلّ آية يمين (٨).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥٣ ـ ٥٤ ؛ أبو داوود ١ : ٤٦٩ / ٢١١٢ ـ ٢١١٣ ، كتاب النكاح ، باب ٣١ (التزويج على العمل يعمل) ؛ البيهقي ٧ : ٢٤٢ ؛ النسائي ٣ : ٣١٣ / ٥٥٠٦.

(٢) الدرّ ١ : ٥٣ ؛ الكبير ٩ : ١٣٦ / ٨٦٧١ ؛ مجمع الزوائد ٢ : ٢٧٠.

(٣) أبو الفتوح ١ : ٩٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٧٤.

(٤) الدرّ ١ : ٥٣ ؛ الشعب ٢ : ٤٥٥ / ٢٣٨٤ و ٢٣٨٥ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦٢ / ٢٥٣٠.

(٥) الدرّ ١ : ٥٣ ؛ الدارمي ٢ : ٤٤٧.

(٦) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٥ : ٢٣٢ / ٩٤٦٥ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٧١٧ / ٤.

(٧) الكبير ١٧ : ١٣٣ / ٣٢٨ ؛ مجمع الزوائد ٥ : ٣٢٧.

(٨) الدرّ ١ : ٥٥ ؛ المصنّف ٣ : ٤٧٦ / ٥ ، باب ١٢.

٢٦

[٢ / ٦٢] وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من حلف بسورة من القرآن فعليه بكلّ آية منها يمين صبر ، فمن شاء برّ ومن شاء فجر» (١).

[٢ / ٦٣] وأخرج البيهقي في سننه عن أبي جمرة قال : قلت لابن عبّاس : إنّي سريع القراءة ؛ فقال : لأن أقرأ سورة البقرة فأرتّلها أحبّ إليّ من أن أقرأ القرآن كلّه هذرمة (٢).

[٢ / ٦٤] وأخرج مالك وسعيد بن منصور والبيهقي في سننه عن عروة ، أنّ أبا بكر صلّى الصبح فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما (٣).

[٢ / ٦٥] وأخرج الشافعي في الأمّ وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنّف والبيهقي عن أنس أنّ أبا بكر صلّى بالناس الصبح ، فقرأ بسورة البقرة ، فقال عمر : كربت الشمس أن تطلع! فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين (٤).

لا ندري كيف وقع هذا السؤال والجواب ، ولعلّه وقع بالإشارة! وهو غريب!

[٢ / ٦٦] وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس ، أنّ أبا بكر قرأ في يوم عيد بالبقرة ، حتى رأيت الشيخ يميد من طول القيام (٥) أي يميل يمنة ويسرة.

[٢ / ٦٧] وأخرج ابن أبي شيبة والمروزي في الجنائز وأبو ذرّ الهروي في فضائله عن الشعبي قال : كانت الأنصار يقرؤون عند الميّت بسورة البقرة (٦).

[٢ / ٦٨] وأخرج الخطيب في رواة مالك والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال : تعلّم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة ، فلمّا ختمها نحر جزورا (٧). وذكر مالك في الموطّأ : أنّه بلغه انّ عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلّمها (٨).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥٥ ؛ المصنّف ٣ : ٤٧٦ / ١ ، باب ١٢.

(٢) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ البيهقي ٢ : ٥٤. و ٣ : ١٣.

(٣) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ الموطّأ ١ : ٨٢ / ٣٣ ؛ البيهقي ٢ : ٣٨٩.

(٤) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ الأمّ ٧ : ٢٤٠ ـ ٢٤١ ، كتاب العتق ، باب ما جاء في الجهاد ؛ المصنّف ١ : ٣٨٩ / ٥ ؛ البيهقي ٢ : ٣٨٩ ؛ كنز العمّال ٨ : ٢٨٠ / ٢٢٩١٨.

(٥) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ المصنّف ٢ : ٨٢ / ٥ ، باب ١٣.

(٦) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ المصنّف ٣ : ١٢٣ / ٢.

(٧) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ الشعب ٢ : ٣٣١ / ١٩٥٧ ؛ ابن عساكر ٤٤ : ٢٨٦.

(٨) الموطّأ ١ : ٢٠٥ / ١١.

٢٧

وهكذا رواه القرطبي في مقدمة تفسيره من غير تبيين (١). لكنّه عند بيان فضل سورة البقرة ذكر أنّ الإطالة تلك المدّة كانت لأجل حفظها تفقّها ، قال : وتعلّمها عمر بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة ، وابنه عبد الله في ثماني سنين (٢).

وذكر ابن عطيّة أنّ عبد الله بن عمر تعلّمها بفقهها وجميع ما تحتوي عليه من العلوم في ثمانية أعوام قال : وفيها خمسمائة حكم ، وخمسة عشر مثلا (٣).

وهنا يبقى السؤال : هل كانت تلك المدّة أيّام حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الهجرة أم امتدّت حتّى ما بعد الوفاة؟!

[٢ / ٦٩] وأخرج ابن سعد في طبقاته عن ميمون أنّ ابن عمر تعلّم سورة البقرة في أربع سنين (٤).

[٢ / ٧٠] وأخرج أحمد في الزهد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سليمان بن يسار ، قال : استيقظ أبو أسيد الأنصاري ليلة وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فاتني وردي الليلة ـ وكان وردي البقرة ـ فلقد رأيت في المنام كأنّ بقرة تنطحني (٥).

[٢ / ٧١] وأخرج أبو عبيد عن محمّد بن جرير بن يزيد : أنّ أشياخ أهل المدينة حدّثوه : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيل له : ألم تر أنّ ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟ قال : فلعلّه قرأ سورة البقرة. فسئل ثابت ، فقال : قرأت سورة البقرة» (٦).

[٢ / ٧٢] وأخرج البيهقي في الدلائل عن عثمان بن العاص قال : استعملني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أصغر الستة الّذين وفدوا عليه من ثقيف ، وذلك أنّي كنت قرأت سورة البقرة (٧).

__________________

(١) القرطبي ١ : ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) المصدر : ١٥٢.

(٣) المحرّر الوجيز ١ : ٨١.

(٤) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ الطبقات ٤ : ١٦٤.

(٥) الدرّ ١ : ٥٤ ـ ٥٥ ؛ النّوادر ١ : ٣٨٨ ، الأصل ٧٧ (في حقيقة الرؤيا) ؛ ابن عساكر ٦٥ : ١٤٤ ، باب يزيد بن حازم ، باختلاف يسير.

(٦) الدرّ ١ : ٥٢ ؛ فضائل القرآن : ٢٧ / ٩ ـ ٢ ؛ ابن كثير ١ : ٣٥. وقال : «هذا إسناد جيّد إلّا أنّ فيه إيهاما ثمّ هو مرسل».

(٧) الدرّ ١ : ٥٣ ؛ الدلائل ٥ : ٣٠٨.

٢٨

[٢ / ٧٣] وأخرج الترمذي وحسّنه والنسائي وابن ماجة ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن حبّان والحاكم وصحّحه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثا وهم ذوو عدد ، فاستقرأهم فاستقرأ كلّ رجل منهم يعني ما معه من القرآن ، فأتى على رجل منهم من أحدثهم سنّا فقال : ما معك يا فلان؟ قال : معي كذا وكذا وسورة البقرة قال : أمعك سورة البقرة؟ قال : نعم ، قال : اذهب فأنت أميرهم! فقال رجل من أشرافهم : والله ما منعني أن أتعلّم سورة البقرة إلّا خشية أن لا أقوم بها. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تعلّموا القرآن واقرأوه فإنّ مثل من القرآن لمن تعلّمه فقرأه وقام به ، كمثل جراب محشوّ مسكا يفوح ريحه في كلّ مكان ، ومثل من تعلّمه فيرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على مسك» (١).

[٢ / ٧٤] وأخرج الزبير بن بكّار في الموفّقيات عن حمران بن أبان (٢) قال : أتي عثمان بسارق فقال : أراك جميلا! ما مثلك يسرق! قال : هل تقرأ شيئا من القرآن؟ قال : نعم. أقرأ سورة البقرة. قال : اذهب فقد وهبت يدك بسورة البقرة (٣).

هذا الحديث إن صحّ فيحمل على صورة إقراره بالسرقة تطوّعا.

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥٢ ـ ٥٣ ؛ الترمذي ٤ : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ / ٣٠٤١ ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن ؛ النسائي ٥ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ / ٨٧٤٩ ، كتاب السير باب من أولى بالامارة ؛ ابن ماجة ١ : ٧٨ / ٢١٧ ، بلفظ : عن أبي هريرة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تعلّموا القرآن واقرأوه وارقدوا ، فإنّ مثل القرآن ومن تعلّمه فقام به ، كمثل جراب محشوّ مسكا يفوح ريحه كلّ مكان. ومثل من تعلّمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على مسك» ؛ ابن حبّان ٥ : ٤٤٩ ـ ٥٠٠ / ٢١٢٦ ؛ الحاكم ١ : ٤٤٣ ، كتاب المناسك ، بلفظ : «عن أبي هريرة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثا وهم نفر فقال ماذا معكم من القرآن فاستقرأهم كذلك حتّى مرّ على رجل منهم هو من أحدثهم سنّا فقال ماذا معك يا فلان؟ قال معي كذا وكذا وسورة البقرة. قال : اذهب فأنت أميرهم» ؛ الشعب ٢ : ٥٥٣ / ٢٦٩٥ ، باختصار واختلاف يسير ؛ أبو الفتوح ١ : ٩٢ ـ ٩٣ ؛ الثعلبي ١ : ١٣٥ ـ ١٣٦. بتفاوت واختصار.

(٢) حمران بن أبان هذا ، هو مولى عثمان وحاجبه ، كان من النمر بن قاسط ، سبي بعين التمر فابتاعه عثمان من المسيّب بن نجبة فأعتقه. روى عن عثمان ومعاوية. وكان كثير الحديث. قال ابن حجر : ولم أرهم يحتجّون بحديثه. وحكى عن قتادة : أنّه كان يصلّي مع عثمان ، فإذا أخطأ فتح عليه. وأخيرا أفشى سرّا كان أسرّ إليه عثمان ، فغضب عليه ونفاه. مات بعد السبعين. (تهذيب التهذيب ٣ : ٢٤ / ٣١).

(٣) الدرّ ١ : ٥٤ ؛ كنز العمّال ٥ : ٥٥٩ / ١٣٩٥٣.

٢٩

فضل آية الكرسيّ

[٢ / ٧٥] أخرج وكيع والحرث بن أبي أسامة ومحمّد بن نصر وابن الضريس بسند صحيح عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أفضل القرآن سورة البقرة ، وأعظم آية فيه آية الكرسي. وإنّ الشيطان ليفرّ من البيت الّذي تقرأ فيه سورة البقرة» (١).

[٢ / ٧٦] وأخرج سعيد بن منصور والترمذي ومحمّد بن نصر وابن المنذر والحاكم وصحّحه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لكلّ شيء سناما وإنّ سنام القرآن البقرة ، وفيها آية هي سيّدة آي القرآن «آية الكرسى» لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلّا خرج منه» (٢).

[٢ / ٧٧] وأخرج أحمد ومحمّد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «البقرة سنام القرآن وذروته ، نزل مع كلّ آية منها ثمانون ملكا ، استخرجت (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) من تحت العرش فوصلت بها» (٣).

[٢ / ٧٨] وأخرج وكيع وأبو ذرّ الهروي في فضائله عن التميمي قال : سألت ابن عبّاس : أيّ سورة في القرآن أفضل؟ قال : البقرة قلت : فأيّ آية؟ قال : آية الكرسي (٤).

[٢ / ٧٩] وأخرج محمّد بن نصر في كتاب الصلاة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : أشرف سورة في القرآن البقرة ، وأشرف آية ، آية الكرسي (٥).

[٢ / ٨٠] وروي أنّ جماعة من الصحابة كانوا جلوسا في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتذاكرون فضائل القرآن ، وأنّ أيّ آية أفضل؟ قال بعضهم : آخر براءة. وقال آخر : آخر بني إسرائيل. وقال ثالث : كهيعص. ورابع : طه. فقال عليّ عليه‌السلام : «أين أنتم من آية الكرسيّ! فقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يا عليّ! آدم ، سيّد البشر ، وأنا سيّد العرب ، ولا فخر. وسلمان سيّد فارس ، وصهيب سيّد الروم ، وبلال سيّد الحبشة. وطور سيناء سيّد الجبال ، والسدرة سيّدة الأشجار. والأشهر الحرم سادة الشهور ،

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥١ ؛ بغية الباحث ، للحارث بن أبي أسامة : ٢٢٩ / ٧٣١ ، باب فضل القرآن. الرواية مطوّلة ـ والّذي جاء هنا ملتقط من صدره وذيله.

(٢) الدرّ ١ : ٥١ ؛ الترمذي ٤ : ٢٣٢ / ٣٠٣٨ ، باختلاف يسير ؛ الحاكم ٢ : ٢٥٩ ؛ الشعب ١ : ٤٥٢ / ٢٣٧٥ و ٤٥٧ / ٢٣٨٩.

(٣) الدرّ ١ : ٥١ ؛ مسند أحمد ٥ : ٢٦ وللرواية ذيل ؛ الكبير ٢٠ : ٢٢٠ / ٥١١ ؛ مجمع الزّوائد ٦ : ٣١١.

(٤) الدرّ ١ : ٥٣.

(٥) المصدر.

٣٠

والجمعة سيّدة الأيّام. والقرآن سيّد الكلام. وسورة البقرة سيّدة القرآن. وآية الكرسيّ سيّدة سورة البقرة. فيها خمسون كلمة ، في كلّ كلمة بركة». (١)

وسيأتي تفصيل الحديث عن فضل آية الكرسيّ وثواب قراءتها ، ذيل الآية.

فضل آيات من سورة البقرة

[٢ / ٨١] روى ابن بابويه بإسناده عن عليّ بن الحسين عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ أربع آيات من أوّل البقرة وآية الكرسيّ وآيتين بعدها ، وثلاث آيات من آخرها ، لم ير في نفسه وأهله وماله شيئا يكرهه ، ولا يقربه الشّيطان ولا ينسى القرآن» (٢).

[٢ / ٨٢] وأخرج الدارميّ وابن الضريس عن ابن مسعود قال : من قرأ أربع آيات من أوّل سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثا من آخر سورة البقرة ، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ، ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله ، ولا يقرأن على مجنون إلّا أفاق (٣).

[٢ / ٨٣] وأخرج الدارميّ وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود قال : من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتّى يصبح. أربع من أوّلها ، وآية الكرسي ، وآيتان بعدها ، وثلاث خواتيمها. أوّلها : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ)(٤) [البقرة ٢ : ٢٨٤].

[٢ / ٨٤] وأخرج سعيد بن منصور والدارميّ والبيهقي في شعب الإيمان عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبد الله قال : من قرأ عشر آيات من البقرة عند منامه لم ينس القرآن : أربع آيات من أوّلها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث من آخرها (٥).

__________________

(١) أبو الفتوح ٣ : ٣٩٩ ذيل آية الكرسي. ونقلا عنه في مستدرك الوسائل ٤ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ / ٤٨٢٥ ـ ٢٧.

(٢) نور الثقلين ١ : ٢٦ ؛ ثواب الأعمال : ١٠٤ ؛ العيّاشي ١ : ٤٣ ـ ٤٤ / ٣ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٥ / ٩.

(٣) الدرّ ١ : ٧٠ ؛ الدارمي ٢ : ٤٤٨ ، كتاب فضائل القرآن ، باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي وليس فيه قوله : «في أهله ولا ماله» ؛ القرطبي ١ : ١٥٣.

(٤) الدرّ ١ : ٧٠ ؛ الدّارمي ٢ : ٤٤٨ ؛ الكبير ٩ : ١٣٧ / ٨٦٧٣ ، باختلاف يسير ؛ مجمع الزوائد ١٠ : ١١٨ ؛ القرطبي ١ : ١٥٣.

(٥) الدرّ ١ : ٧٠ ؛ سنن سعيد بن منصور ٢ : ٤٢٨ / ١٣٨ ؛ الدارمي ٢ : ٤٤٩ ؛ الشعب ٢ : ٤٦٤ / ٢٤١٣ بلفظ : «عن المغيرة بن

٣١

[٢ / ٨٥] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : من قرأ عشر آيات من سورة البقرة أوّل النهار لا يقربه شيطان حتّى يمسي ، وإن قرأها حين يمسي لم يقربه حتّى يصبح ، ولا يرى شيئا يكرهه في أهله وماله ، وإن قرأها على مجنون أفاق. أربع آيات من أوّلها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث آيات من آخرها (١).

[٢ / ٨٦] وأخرج البغوي في معجم الصحابة وابن عساكر في تاريخه عن ربيعة الجرشي قال : «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ القرآن أفضل؟ قال : السورة التّي يذكر فيها البقرة. قيل : فأيّ البقرة أفضل؟ قال : آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة ، نزلن من تحت العرش» (٢).

[٢ / ٨٧] وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره ، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة ، وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة ، في قبره» (٣).

[٢ / ٨٨] وأخرج الطبراني في الكبير عن عبد الرحمان بن العلاء بن اللجلاج قال : قال لي أبي : يا بنيّ إذا أنا متّ فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل : بسم الله وعلى ملّة رسول الله. ثمّ سنّ عليّ الثرى (التراب) سنّا ، ثمّ اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها. فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ذلك (٤).

[٢ / ٨٩] وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند والحاكم والبيهقي في الدعوات عن أبيّ بن كعب قال : «كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء أعرابي فقال : يا نبيّ الله إنّ لي أخا وبه وجع ، قال : وما وجعه؟ قال : به لمم. قال : فائتني به. فوضعه بين يديه فعوّذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفاتحة الكتاب وأربع

__________________

ـ سبيع قال : من قرأ عند منامه آيات من البقرة لم ينس القرآن : أربع آيات ، وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (البقرة : ١٦٣) ، وآية الكرسي وثلاث آيات من آخرها».

(١) الدرّ ١ : ٧١ ؛ الشعب ٢ : ٤٦٤ / ٢٤١٢ باختلاف يسير.

(٢) الدرّ ١ : ٥١ ؛ مجمع البيان ١ : ٧٤ ـ ٧٥ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٦١ / ٢٥٢٥ ، بلفظ : «أفضل القرآن سورة البقرة وأفضل آي القرآن آية الكرسي ، البغوي في معجمه عن ربيعة الحرشي».

(٣) الدرّ ١ : ٧٠ ؛ الكبير ١٢ : ٣٤٠ / ١٣٦١٣ ؛ الشعب ٧ : ١٦ / ٩٢٩٤. وفيه : «بفاتحة الكتاب» بدل قوله «بفاتحة البقرة» ؛ مجمع الزوائد ٣ : ٤٤ ؛ كنز العمّال ١٥ : ٦٠١ / ٤٢٣٩٠. (٤) الدرّ ١ : ٧٠ ؛ الكبير ١٩ : ٢٢١ / ٤٩١ ؛ مجمع الزوائد ٣ : ٤٤.

٣٢

آيات من أوّل سورة البقرة وهاتين الآتين (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(١) وآية الكرسي ، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة ، وآية من آل عمران (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(٢) وآية من الأعراف (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ)(٣) وآخر سورة المؤمنين (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ)(٤) وآية من سورة الجنّ (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا)(٥) وعشر آيات من أوّل الصافّات ، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و «المعوّذتين» فقام الرجل كأنّه لم يشك قطّ».

وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبد الرحمان بن أبي ليلى عن رجل عن أبيه. مثله سواء (٦).

[٢ / ٩٠] وأخرج ابن النجّار في تاريخه من طريق محمّد بن عليّ الملطي عن خطّاب بن سنان عن قيس بن الربيع عن ثابت بن ميمون عن محمّد بن سيرين قال : نزلنا نهر تيرى (٧) فأتانا أهل ذلك المنزل فقالوا : ارحلوا فإنّه لم ينزل عندنا هذا المنزل أحد إلّا اتّخذ متاعه. فرحل أصحابي وتخلّفت ، للحديث الّذي حدّثني ابن عمر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ في ليلة ثلاثا وثلاثين آية لم يضرّه في تلك الليلة سبع ضاري ولا لصّ طاري ، وعوفي في نفسه وأهله وماله حتّى يصبح».

فلمّا أمسينا لم أنم حتّى رأيتهم قد جاءوا أكثر من ثلاثين مرّة ، مخترطين سيوفهم فما يصلون إليّ ، فلمّا أصبحت رحلت ، فلقيني شيخ منهم على فرس ذنوب متنكّبا قوسا عربيّا فقال لي : يا هذا إنسيّ أم جنّي؟ قلت : بل إنسيّ من ولد آدم! قال : فما بالك ...! لقد أتيناك أكثر من سبعين مرّة كلّ ذلك يحال بيننا وبينك بسور من حديد! فذكرت له الحديث فنزل عن فرسه وكسر قوسه وأعطى الله

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٦٣.

(٢) آل عمران ٣ : ١٨.

(٣) الأعراف ٧ : ٥٤.

(٤) المؤمنون ٢٣ : ١١٦.

(٥) الجنّ ٧٢ : ٣.

(٦) الدرّ ١ : ٦٩ ـ ٧٠ ؛ الحاكم ٤ : ٤١٢ ـ ٤١٣ ، كتاب الرقّي والتمائم ؛ عمل اليوم والليلة : ٢١٠ ـ ٢١١ / ٦٣٧ ؛ مسند أحمد ٥ : ١٢٨ ، باختلاف يسير ؛ ابن ماجة ٢ : ١١٧٥ / ٣٥٤٩ ، كتاب الأشربة ، باب ٤٦ (الفزع والأرق وما يتعوّذ منه) ؛ مجمع الزوائد ٥ : ١١٥ ، كتاب الطّب ، باب رقية الجنون.

(٧) بكسر التاء المثنّاة وياء ساكنة وراء مفتوحة ، مقصورا : بلد من نواحي الأهواز. قال ياقوت : حفره أردشير الأصغر. (معجم البلدان ٥ : ٣١٩).

٣٣

[عهدا] أن لا يعود فيها.

والثلاث والثلاثون آية : أربع آيات من أوّل البقرة إلى قوله : (الْمُفْلِحُونَ) وآية الكرسيّ وآيتان بعدها إلى قوله : (خالِدُونَ)(١) وثلاث آيات من آخر البقرة : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)(٢) إلى آخرها ، وثلاث آيات من الأعراف : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ) إلى قوله : (مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٣). وآخر بني إسرائيل : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ)(٤) إلى آخرها. وعشر آيات من أوّل الصّافات إلى قوله :

(لازِبٍ). وآيتان من الرحمان : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) إلى قوله : (فَلا تَنْتَصِرانِ)(٥) ومن آخر الحشر : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ)(٦) إلى آخر السورة. وآيتان من (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ : وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً) إلى قوله : (شَطَطاً)(٧).

فذكرت هذا الحديث لشعيب بن حرب فقال لي : كنّا نسمّيها آيات الحرز ، ويقال : إنّ فيها شفاء من كلّ داء. فعدّ عليّ الجنون والجذام والبرص وغير ذلك فلم أحفظ. قال محمّد بن عليّ : فقرأتها على شيخ لنا قد فلج ، حتّى أذهب الله عنه ذلك (٨).

مقاصد سورة البقرة وأهدافها

ذكرنا في مباحثنا عن تناسب الآيات (٩) ، أنّ لكلّ سورة أهدافا ومقاصد تخصّها ، فمالم تستوف الغرض لا تكتمل السورة ، وبذلك يعلّل اختلاف عدد آي السور ، وكذلك تنوّع السور من طوال وقصار ومئين ومفصّلات ، وكان ذلك دليلا على الوحدة الموضوعيّة الجامعة لآيات كلّ سورة بالذات.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٥٧.

(٢) البقرة ٢ : ٢٨٤.

(٣) الأعراف ٧ : ٥٤ ـ ٥٧.

(٤) الإسراء ١٧ : ١١٠.

(٥) الرحمان ٥٥ : ٣٣ ـ ٣٤.

(٦) الحشر ٥٩ : ٢١.

(٧) الجنّ ٧٢ : ١ ـ ٤.

(٨) الدرّ ١ : ٧٠ ـ ٧١ ؛ ذيل تاريخ بغداد ٣ : ١٦٩ ـ ١٧١ / ٧٣٣ ، و ١٨ : ١٦٩ ـ ١٧١ / ٧٣٣ ، (ط : دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ١٤١٧ ه‍. ق).

(٩) راجع بحث التناسب القائم بين آيات السور في التمهيد ٥ : ١٩٣ ـ ١٩٧.

٣٤

الأمر الّذي تنبّه له القدماء وزادت به عناية المتأخّرين ، فلا تجد مفسّرا إلّا ويذكر في مقدمة كلّ سورة أهدافها ومقاصدها بصورة إجمال. وممّن اعتنى بهذا الجانب الخطير ـ في عالم التفسير ـ من الأقدمين ، هو مجد الدّين محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي ، في كتابه «بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز» قال بشأن سورة البقرة :

وعلى الإجمال ، مقصود هذه السّورة : مدح مؤمني أهل الكتاب ، وذمّ الكفّار كفّار مكّة ، ومنافقي المدينة ، والرّدّ على منكري النبوّة ، وقصّة التخليق ، والتعليم ، وتلقين آدم ، وملامة علماء اليهود في مواضع عدّة ، وقصّة موسى ، واستسقائه ، ومواعدته ربّه ، ومنّته على بني إسرائيل ، وشكواه منهم ، وحديث البقرة ، وقصّة سليمان ، وهاروت وماروت ، والسحرة ، والرّدّ على النّصارى ، وابتلاء إبراهيم عليه‌السلام ، وبناء الكعبة ، ووصيّة يعقوب لأولاده ، وتحويل القبلة ، وبيان الصبر على المصيبة وثوابه ، ووجوب السّعي بين الصفا والمروة ، وبيان حجّة التّوحيد ، وطلب الحلال ، وإباحة الميتة حال الضرورة ، وحكم القصاص ، والأمر بصيام رمضان ، والأمر باجتناب الحرام ، والأمر بقتال الكفار ، والأمر بالحجّ والعمرة ، وتعديد النعم على بني إسرائيل ، وحكم القتال في الأشهر الحرم ؛ والسؤال عن الخمر والميسر ومال الأيتام ؛ والحيض ؛ والطلاق ؛ والمناكحات ؛ وذكر العدّة ، والمحافظة على الصلوات ، وذكر الصّدقات والنّفقات ، وملك طالوت ؛ وقتل جالوت ؛ ومناظرة الخليل عليه‌السلام ونمرود ، وإحياء الموتى بدعاء إبراهيم ، وحكم الإخلاص في الإنفاق ، وتحريم الربا وبيان المداينات ، وتخصيص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج بالإيمان (١) حيث قال : (آمَنَ الرَّسُولُ) إلى آخر السّورة.

قال : هذا معظم مقاصد هذه السورة الكريمة (٢).

***

وذكرنا في التمهيد : أنّ سورة البقرة هي أولى سورة نزلت بالمدينة واكتملت لعدّة سنوات ،

__________________

(١) تبع في هذا ما ذكره في تنوير المقباس : (أنّه نزلت الآية وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) اشتدّ ذلك على المؤمنين ، فلمّا عرج به إلى السماء سجد لربّه ، فقال الله تعالى ـ مدحا لنبيّه ـ : (آمَنَ الرَّسُولُ ...).

(٢) بصائر ذوي التمييز ١ : ١٣٤ ـ ١٣٥ مع تصحيح لبعض الألفاظ بالمقابلة.

٣٥

ونزلت خلالها سور وآيات ، تراها على طولها منتظمة على أسلوب رتيب : مقدمة لا بدّ منها ـ في عشرين آية ـ ثمّ دعوة ـ في قريب من مائة وعشرين آية ـ وبعده تشريع ـ في قريب من مائة وأربعين آية ـ وختام في ثلاث آيات وبذلك تكتمل السورة على أحسن انسجام.

أمّا المقدمة ففي بيان طوائف الناس ومواقفهم تجاه دعوة الأنبياء ، فمن متعهّد يخضع للحقّ الصريح ، أو معاند يجحد بآيات الله ، أو منافق مراوغ يحاول الخداع والالتواء اللئيم.

أمّا الشك والارتياب عن سلامة قصد ، فهذا ينفيه القرآن الكريم ، ولا مجال له بعد وضوح دلائل الحقّ ووفور آياته. (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)(١).

وبعد ذلك يأتي دور الدعوة ، بتوجيه نداء عامّ إلى الملأ من الناس كافّة (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ...)(٢) ودعمها بدلائل وبراهين وشواهد من سابق حياة الإنسان ، ولا سيّما دور بني اسرائيل وسوء تصرّفهم في الحياة الدينيّة ، بما أورثهم العار والشنار وتلك هي الأمّة الوحيدة الّتي تعرفها العرب ولهم معها نسب قريب.

ثمّ يأتي دور التشريع (٣) ويتقدّمه الحديث عن الكعبة وتشريفها ، وبيان النسخ في الشرائع ، فيبتدئ بقضيّة تحويل القبلة ، وتشريع الحجّ والجهاد والقتال في سبيل الله ، والصوم والزكاة والاعتكاف ، والنكاح والطلاق والعدد ، والمحيض والرضاع والأيمان ، والوصيّة والدّين والرّبا ، والتجارة الحاضرة (٤).

ثمّ ختام في ثلاث آيات ، وبذلك تنتهي السورة في انسجام ووئام بديع.

هذه هي الصبغة العامّة للسورة ، وفي ضمنها الاستطراق إلى عدّة مواضيع بالمناسبة ، كما هي طريقة القرآن في جمعه لشتات الأمور ، ولكن في وحدة موضوعيّة شاملة.

وفي ختام السورة جاء الحديث عن ملكوت السماوات والأرض ، وعلمه تعالى بما في الصّدور ، فيحاسب عباده على مدى نيّاتهم في مزاولة الأمور. والحديث عن إيمان الرسول بما أنزل عليه ، والمؤمنون على أثره ، وأن لا تكليف بغير المستطاع ، ولا بدّ من الاستغفار على التفريط في

__________________

(١) تنتهي المقدمة بالآية رقم ٢٠.

(٢) تبتدئ الدعوة بالآية رقم ٢١ وتنتهي برقم ١٤١.

(٣) من الآية رقم : ١٤٢.

(٤) وتنتهي بالآية رقم : ٢٨٣.

٣٦

جنب الله ، وطلب رضوانه وابتغاء فضله ورحمته. وبذلك ينتهي المطاف.

ولعلّك تأمّلت المناسبة الظاهرة بعد ذلك التفصيل بين دلائل الدعوة ومعالم التشريع.

وقد جهد الإمام الرّازي في تبيين النظم القائم بين هذه الآيات الثلاث بالذات وما سبقتها من دلائل التوحيد وتشريع الأحكام ، وذكر في ذلك وجوها لا بأس بها وعقّبها بقوله :

ومن تأمّل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها ، علم أنّ القرآن كما أنّه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه ، فهو أيضا معجز بحسب ترتيبه ونظم آياته. ولعلّ الّذين قالوا : إنّه معجز بحسب أسلوبه أرادوا ذلك ، إلّا أنّي رأيت جمهور المفسّرين معرضين عن هذه اللطائف ، غير منتبهين لهذه الأمور. ثمّ تمثّل بقول الشاعر :

والنجم تستصغر الأبصار رؤيته

والذنب للطرف لا للنجم في الصغر (١)

* * *

ولسيّد قطب وصف دقيق عن هدف السورة ومحتواها الشامل لكلا جانبي تبليغ الدعوة ومكافحة الخصوم. قال : هذه السورة تضمّ عدّة موضوعات ، ولكن المحور الّذي يجمعها كلّها محور واحد مزدوج يترابط الخطّان الرئيسيّان فيه ترابطا شديدا. فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة ، واستقبالهم لها ، ومواجهتهم لرسولها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها. وسائر ما يتعلّق بهذا الموقف ، بما فيه تلك العلاقة القويّة بين اليهود والمنافقين من جهة ، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى. وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أوّل نشأتها ، وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض. بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها ، ونقضهم لعهد الله بخصوصها ، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم عليه‌السلام صاحب الحنيفيّة الأولى ، وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات الّتي سبّبت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم. وكلّ موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطّيه الرئيسيّين.

__________________

(١) التفسير الكبير ٧ : ١٢٧.

٣٧

ولكي يتّضح مدى الارتباط بين محور السورة وموضوعاتها من جهة ، وبين خطّ سير الدعوة أوّل العهد بالمدينة ، وحياة الجماعة المسلمة وملابساتها من الجهة الأخرى ، أخذ يشرح من تلك الملابسات ما يرتبط ومواجهة نزول آيات السورة ابتداء ، مع التنبيه الدائم إلى أنّ هذه الملابسات في عمومها هي الملابسات الّتي ظلّت الدعوة الإسلاميّة وأصحابها يواجهونها ـ مع اختلاف يسير ـ على مرّ العصور وكرّ الدهور ، من أعدائها وأوليائها على السواء. ممّا يجعل هذه التوجيهات القرآنيّة هي دستور هذه الدعوة الخالد ، ويبثّ في هذه النصوص حياة تتجدّد لمواجهة كلّ دور وكلّ طور ، ويرفعها معالم للطريق أمام الأمّة المسلمة تهتدي بها في طريقها الطويل الشاقّ ، بين العداوات المتعدّدة المظاهر المتوحّدة الطبيعة. وهذا هو الإعجاز يتبدّى جانب من جوانبه في هذه السمة الثابتة المميّزة في كلّ نصّ قرآني! وأخذ يصف موقف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الهجرة ومحاولاته في بناء الجماعة المسلمة ذات الترابط الحكيم. ثمّ هجرته إلى المدينة وتأسيسه لحكم إسلامي قويّ الشوكة رهيب. وتلك معاهداته مع قبائل العرب واليهود على سواء. وأخيرا يقول :

من أولئك السابقين من المهاجرين والأنصار تكوّنت طبقة ممتازة من المسلمين نوّه القرآن بها في مواضع كثيرة. وهنا نجد السورة تفتتح بتقرير مقوّمات الإيمان ، وهي تمثّل صفة المؤمنين الصادقين إطلاقا. ولكنّها أوّلا تصف ذلك الفريق من المسلمين الّذي كان قائما بالمدينة حينذاك.

ثمّ نجد بعدها مباشرة في السياق وصفا للكفّار ؛ وهو يمثّل مقوّمات الكفر على الإطلاق. ولكنّه أوّلا وصف مباشر للكفّار الّذين كانت الدعوة تواجههم حينذاك ، سواء في مكّة أو فيما حول المدينة ذاتها من طوائف الكفّار.

كذلك كانت هناك طائفة المنافقين. ووجود هذه الطائفة نشأ مباشرة من الأوضاع الّتي أنشأتها الهجرة النبويّة إلى المدينة في ظروفها التي تمّت فيها ، ولم يكن لها وجود بمكّة. فالإسلام في مكة لم تكن له دولة ولم تكن له قوّة ، بل لم تكن له عصبة يخشاها أهل مكّة فينافقونها ، على الضدّ من ذلك كان الإسلام مضطهدا ، وكانت الدعوة مطاردة ، وكان الّذين يغامرون بالانضمام إلى الصفّ الإسلامي هم المخلصون في عقيدتهم ، الذين يؤثرونها على كلّ شيء ويحتملون في سبيلها كلّ شيء. فأمّا في يثرب الّتي أصبحت منذ اليوم تعرف باسم المدينة ـ أي مدينة الرسول ـ فقد أصبح

٣٨

الإسلام قوّة يحسب حسابها كلّ أحد ؛ ويضطرّ لمصانعتها كثيرا أو قليلا ـ وبخاصّة بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين فيها انتصارا عظيما ـ وفي مقدّمة من كان مضطرّا لمصانعتها نفر من الكبراء ، دخل أهلهم وشيعتهم في الإسلام وأصبحواهم ، ولا بدّ لهم ـ لكي يحتفظوا بمقامهم الموروث بينهم وبمصالحهم كذلك ـ أن يتظاهروا باعتناق الدّين الّذي اعتنقه أهلهم وأشياعهم. ومن هؤلاء عبد الله بن أبيّ ابن سلول الّذي كان قومه ينظّمون له الخزر ليتوّجوه ملكا عليهم قبيل مقدم الإسلام على المدينة. ونجد في أوّل السورة وصفا مطوّلا لهؤلاء المنافقين ، ندرك من بعض فقراته : أنّ المعنيّ به في الغالب هم أولئك الكبراء الذين أرغموا على التّظاهر بالإسلام ، ولم ينسوا بعد ترفّعهم على جماهير الناس ، وتسمية هذه الجماهير بالسفهاء على طريقة المتكبّرين!

وفي ثنايا هذه الحملة على المنافقين ـ الّذين في قلوبهم مرض ـ نجد إشارة إلى شياطينهم ، والظاهر من سياق السورة ومن سياق الأحداث في السيرة : أنّها تعني اليهود ، الذين تضمّنت السورة حملات شديدة عليهم فيما بعد.

ولقد كانت معجزة الإسلام الخالدة : أنّ صفتهم ـ اليهود ـ الّتي دفعهم بها ، هي الملازمة لهم في كلّ أجيالهم ، من قبل الإسلام ومن بعده إلى يومنا هذا. ممّا جعل القرآن يخاطبهم في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما لو كانوا هم أنفسهم الّذين كانوا على عهد موسى عليه‌السلام وعلى عهود خلفائه من أنبيائهم ، باعتبارهم جبلّة واحدة ، سماتهم هي هي ، ودورهم هوهو ، وموقفهم من الحقّ والخلق هو موقفهم على مدار الزّمان! ومن ثمّ يكثر الالتفات في السياق من خطاب قوم موسى ، إلى خطاب اليهود في المدينة ، إلى خطاب أجيال بين هذين الجيلين. ومن ثمّ تبقى كلمات القرآن حيّة كأنّما تواجه موقف الأمّة المسلمة اليوم وموقف اليهود منها. وتتحدّث عن استقبال يهود لهذه العقيدة ولهذه الدعوة ، اليوم وغدا ، كما استقبلتها بالأمس تماما!

وكأنّ هذه الكلمات الخالدة هي التنبيه الحاضر ، والتحذير الدائم للأمّة المسلمة ، تجاه أعدائها الذين واجهوا أسلافها بما يواجهونها اليوم به من دسّ وكيد ، وحرب منوّعة المظاهر ، متّحدة الحقيقة!

***

٣٩

وهذه السورة الّتي تضمّنت هذا الوصف ، وهذا التنبيه ، وهذا التحذير ، تضمّنت كذلك بناء الجماعة المسلمة وإعدادها لحمل أمانة العقيدة في الأرض بعد نكول بني إسرائيل عن حملها قديما ، ووقوفهم في وجهها هذه الوقفة أخيرا.

تبدأ السورة ـ كما أسلفنا ـ بوصف تلك الطوائف الّتي كانت تواجه الدعوة أوّل العهد بالهجرة ـ بما في ذلك تلك الإشارة إلى الشياطين اليهود الّذين يرد ذكرهم فيما بعد مطوّلا ـ وتلك الطوائف هي الّتي تواجه هذه الدعوة على مدار التاريخ بعد ذلك. ثمّ تمضي السورة على محورها بخطّيه الأساسيّين إلى نهايتها ، في وحدة ملحوظة ، تمثّل الشخصيّة الخاصّة للسورة ، مع تعدّد الموضوعات الّتي تناولها وتنوّعها ...

فبعد استعراض النماذج الثلاثة الأولى : المتّقين. والكافرين. والمنافقين. وبعد الإشارة الضمنيّة لليهود الشياطين ، نجد دعوة الناس جميعا إلى عبادة الله والإيمان بالكتاب المنزل على عبده ، وتحدّي المرتابين فيه بأن يأتوا بسورة من مثله. وتهديد الكافرين بالنار وتبشير المؤمنين بالجنّة. ثمّ التعجيب من أمر الّذين يكفرون بالله.

وعند هذا المقطع الّذي يشير إلى خلق ما في الأرض جميعا للناس ، تجيء قصّة استخلاف آدم في الأرض.

بعد هذا يبدأ السياق جولة واسعة طويلة مع بني إسرائيل ، تتخلّلها دعوتهم للدخول في دين الله وما أنزله الله مصدّقا لما معهم ، مع تذكيرهم بعثراتهم وخطاياهم والتوائهم وتلبيسهم منذ أيّام موسى عليه‌السلام ولا يزالون.

ومن ثمّ تتضمّن السورة حملة قويّة على أفاعيلهم هذه ، وتذكّرهم بمواقفهم المماثلة من نبيّهم ومن شرائعهم وسائر أنبيائهم ، على مدار الأجيال ، وتخاطبهم في هذه كأنّهم جيل واحد متّصل ، وجبلّة واحدة لا تتغيّر ولا تتبدّل!

وتنتهي هذه الحملة بتيئيس المسلمين من الطمع في إيمانهم لهم ، وهم على هذه الجبلّة المؤوفة الطبع ، كما تنتهي بفصل الخطاب في دعواهم أنّهم وحدهم المهتدون ، بما أنّهم ورثة إبراهيم. وتبيين أنّ ورثة إبراهيم الحقيقيّين هم الذين يمضون على سنّته ، ويتقيّدون بعهده مع ربّه ؛ وأنّ وراثة

٤٠