التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ)

وبعد ، فإنّ الآية بذاتها تشير إلى سبب هذا الخذلان وأنّه ردّ فعل لما ارتكبوه من التمرّد والعصيان الملحّ : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ. الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

إذن فقد كان الخذلان لموضع فسقهم وخروجهم عن حدود ما أمر الله به أن يوصل ، والسعي لغرض الإفساد في الأرض ، فكانت عاقبتهم الخسران والحرمان عن نفحات الرضوان.

وإليك بعض ما ورد بهذا الشأن :

[٢ / ٨٤٣] روى ثقة الإسلام الكليني بإسناده إلى سهل بن زياد عن عمرو بن عثمان عن محمّد بن عذافر عن بعض أصحابه عن محمّد بن مسلم أو أبي حمزة عن الإمام أبي عبد الله الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر عليهما‌السلام قال : قال لي أبي عليّ بن الحسين السجّاد عليه‌السلام : «يا بنيّ! انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق. قلت : يا أبه! من هم؟ قال : إيّاك ومصاحبة الكذّاب ، فإنّه بمنزلة السراب ، يقرّب لك البعيد ويباعد لك القريب. وإيّاك ومصاحبة الفاسق ، فإنّه بائعك بأكلة أو أقلّ من ذلك. إيّاك ومصاحبة البخيل ، فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه. وإيّاك ومصاحبة الأحمق ، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك. وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه ، فإنّي وجدته ملعونا في كتاب الله ـ عزوجل ـ في ثلاثة مواضع :

قال الله ـ عزوجل ـ : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ)(١).

وقال : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(٢).

وقال : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ»)(٣)(٤).

__________________

(١) محمّد ٤٧ : ٢٣.

(٢) الرعد ١٣ : ٢٥.

(٣) البقرة ٢ : ٢٧.

(٤) الكافي ٢ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧.

٢٨١

[٢ / ٨٤٤] وأخرج ابن جرير بإسناده عن الربيع في قوله : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قال : فهي ستّ خلال في أهل النفاق إذا كانت لهم الظهرة أظهروا هذه الخلال الستّ جميعا : إذا حدّثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتمنوا خانوا ، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وأفسدوا في الأرض. وإذا كانت عليهم الظهرة أظهروا الخلال الثلاث : إذا حدّثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتمنوا خانوا (١).

[٢ / ٨٤٥] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده إلى الربيع عن أبي العالية في الآية ، قال : هي ستّ خصال في المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصائص : إذا حدّثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا ائتمنوا خانوا ، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وأفسدوا في الأرض. وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال : إذا حدّثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا ائتمنوا خانوا (٢).

[٢ / ٨٤٦] وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقّاص قال : الحروريّة هم (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) قال : إيّاكم ونقض هذا الميثاق. وكان يسمّيهم الفاسقين (٣).

[٢ / ٨٤٧] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده إلى شعبة عن عمرو بن مرّة عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاص قال : سألت أبي عن قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) فقال : هم الحروريّة (٤).

[٢ / ٨٤٨] وأخرجه الحاكم في كتاب التفسير (٥) قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، غير أنّه أخرج الحديث عن منصور عن المصعب قال : قلت لأبي ـ في قوله تعالى :

__________________

(١) الطبري ١ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ / ٤٧٧ ؛ ابن كثير ١ : ٦٩ ، نقلا عن أبي العالية والربيع بن أنس ـ وفيه «الخصال» بدل «الخلال».

(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٧١ / ٢٨٨.

(٣) الدرّ ١ : ١٠٤ ؛ البخاري ٥ : ٢٣٦ ، كتاب التفسير ، سورة الكهف ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٧١ و ٧٢ / ٢٨٧ و ٢٩٥ ؛ كنز العمّال ١١ : ٣٢٢ / ٣١٦٢٧ ؛ الحاكم ٢ : ٣٧٠ ، كتاب التفسير ، سورة الكهف.

(٤) ابن أبي حاتم ١ : ٧١ / ٢٨٧.

(٥) الحاكم ٢ : ٣٧٠ ، من تفسير سورة الكهف.

٢٨٢

(هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) ـ الحروريّة هم؟ قال : لا ، ولكنّهم أصحاب الصوامع. والحروريّة قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم (١).

[٢ / ٨٤٩] وروى ابن كثير بإسناده إلى شعبة عن عمرو بن مرّة عن مصعب بن سعد قال : سألت أبي عن هذه الآية؟ فقال : هم الحروريّة.

قال ابن كثير : وهذا الإسناد وإن صحّ عن سعد بن أبي وقّاص فهو تفسير على المعنى (أي الأخذ بشمول مفهوم الآية العام) لا أنّ الآية أريد منها التنصيص على الخوارج الّذين خرجوا على عليّ عليه‌السلام بالنهروان ، فإنّ أولئك لم يكونوا حال نزول الآية وإنّما هم داخلون بوصفهم فيها مع من دخل ، لأنّهم سمّوا خوارج لخروجهم عن طاعة الإمام وعن القيام بشرائع الإسلام. والفاسق في اللغة هو الخارج عن الطاعة أيضا. وتقول العرب : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها. ولهذا يقال للفأرة : فويسقة لخروجها عن جحرها للفساد (٢).

[٢ / ٨٥٠] وقال مقاتل بن سليمان ، بعد ذهابه إلى أنّ المراد منها اليهود : ثمّ أخبر فقال ـ سبحانه ـ : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) فنقضوا العهد الأوّل ، ونقضوا ما أخذ عليهم في التوراة ، أن يعبدوا الله ، ولا يشركوا به شيئا ، وأن يؤمنوا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكفروا بعيسى وبمحمد عليهما‌السلام وآمنوا ببعض الأنبياء ، وكفروا ببعض ، (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) يعني ويعملون فيها بالمعاصي (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) في العقوبة يعني اليهود ونظيرها في الرعد (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) من إيمان بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(٣).

[٢ / ٨٥١] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) قال : إيّاكم ونقض هذا الميثاق ، فإنّ الله قد كره نقضه وأوعد فيه ، وقدّم فيه في آي من القرآن حجّة وموعظة ونصيحة ، وإنّا لا نعلم الله ـ جلّ ذكره ـ أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق. فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليف به لله (٤).

__________________

(١) هامش المستدرك ٢ : ٣٧٠.

(٢) ابن كثير ١ : ٦٨ ـ ٦٩.

(٣) تفسير مقاتل ١ : ٩٥. والآية من سورة الرعد ١٣ : ٢٥.

(٤) الطبري ١ : ٢٦٥ / ٤٧٦ ؛ الدرّ ١ : ١٠٤ ، بتفاوت يسير.

٢٨٣

[٢ / ٨٥٢] وأخرج أحمد والبزّار وابن حبّان والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «ألا لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له».

وأخرج الطبراني في الكبير من حديث عبادة بن الصامت وأبي أمامة ، مثله.

وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر ، مثله (١).

[٢ / ٨٥٣] وأخرج البخاري في تاريخه والحاكم وصحّحه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسن العهد من الإيمان» (٢).

ماذا يكون هذا العهد والميثاق الّذي أخذه الله على العباد؟

قال أبو جعفر الطبري : اختلف أهل المعرفة في معنى العهد الّذي وصف الله هؤلاء الفاسقين بنقضه.

فقال بعضهم هو : وصيّة الله إلى خلقه وأمره إيّاهم بما أمرهم به من طاعته ونهيه إيّاهم عمّا نهاهم عنه من معصيته في كتبه وعلى لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ونقضهم ذلك تركهم العمل به.

وقال آخرون : إنّما نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب والمنافقين منهم وإيّاهم عنى الله ـ جلّ ذكره ـ بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٣) وبقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)(٤).

فكلّ ما في هذه الآيات فعذل لهم وتوبيخ إلى انقضاء قصصهم.

قالوا : فعهد الله الّذي نقضوه بعد ميثاقه هو ما أخذه الله عليهم في التوراة من العمل بما فيها واتّباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بعث والتصديق به وبما جاء به من عند ربّهم.

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٣٥ و ١٥٤ و ٢١٠ و ٢٥١ ؛ ابن حبّان ١ : ٤٢٢ ـ ٤٢٣ / ١٩٤ ، كتاب الإيمان ، باب ٤ (فرض الإيمان) ؛ الأوسط ٣ : ٩٨ / ٢٦٠٦ ، نقلا عن أنس ؛ الشعب ٤ : ٧٨ / ٤٣٥٤ ، باب : في الإيفاء بالعقود ؛ الكبير ٨ : ١٩٥ / ٧٧٩٨ ، (ترجمة : ثابت بن ثوبان عن القاسم) بلفظ : عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا إيمان لمن لا أمانة له والّذي نفسي بيده لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا» ؛ الأوسط ٢ : ٣٨٣ / ٢٢٩٢ ، نقلا عن ابن عمر.

(٢) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ التاريخ الكبير ١ : ٣١٩ / ١٠٠٠ ؛ الحاكم ١ : ١٦ ، كتاب الإيمان ؛ كنز العمّال ٤ : ٣٦٥ / ١٠٩٣٧.

(٣) البقرة ٢ : ٦.

(٤) البقرة ٢ : ٨.

٢٨٤

ونقضهم ذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته وإنكارهم ذلك وكتمانهم علم ذلك عن الناس بعد إعطائهم الله من أنفسهم الميثاق ليبيّننّه للناس ولا يكتمونه ، فأخبر الله ـ جلّ ثناؤه ـ أنّهم نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا.

وقال بعضهم : إنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل الشرك والكفر والنفاق وعهده إلى جميعهم في توحيده ما وضع لهم من الأدلّة على ربوبيّته وعهده إليهم في أمره ونهيه ما احتجّ به لرسله من المعجزات الّتي لا يقدر أحد من الناس غيرهم أن يأتي بمثلها الشاهدة لهم على صدقهم.

قالوا : ونقضهم ذلك تركهم الإقرار بما قد تبيّنت لهم صحّته بالأدلّة وتكذيبهم الرسل والكتب مع علمهم أنّ ما أتوا به حقّ.

وقال آخرون : العهد الّذي ذكره الله ـ جلّ ذكره ـ هو العهد الّذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الّذي وصفه في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ)(١). ونقضهم ذلك ترك الوفاء به.

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب في ذلك قول من قال : إنّ هذه الآيات نزلت في كفّار أحبار اليهود الّذين كانوا بين ظهرانيّ مهاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما قرب منها من بقايا بني إسرائيل ومن كان على شركه من أهل النفاق ، الّذين قد بيّنّا قصصهم. وقد دلّلنا على أنّ قول الله ـ جلّ ثناؤه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ ...) وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ...) فيهم أنزلت وفي من كان على مثل الّذي هم عليه من الشرك بالله ، غير أنّ هذه الآيات عندي وإن كانت فيهم نزلت فإنّه معنيّ بها كلّ من كان على مثل ما كانوا عليه من الضلال ، ومعنيّ بما وافق منها صفة المنافقين ، خاصّة جميع المنافقين ، وبما وافق منها صفة كفّار أحبار اليهود جميع من كان لهم نظيرا في كفرهم. وذلك أنّ الله ـ جلّ ثناؤه ـ يعمّ أحيانا جميعهم بالصفة ، لتقديمه ذكر جميعهم في أوّل الآيات الّتي ذكرت قصصهم ، ويخصّ أحيانا بالصفة بعضهم لتفصيله في أوّل الآيات بين فريقيهم ، أعني فريق المنافقين من عبدة الأوثان وأهل الشرك بالله ، وفريق كفّار أحبار اليهود. فالّذين ينقضون عهد الله هم التاركون ما عهد الله إليهم من الإقرار بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبما جاء به وتبيين نبوّته للناس ، الكاتمون بيان ذلك بعد علمهم به وبما قد أخذ الله عليهم في ذلك ، كما قال الله ـ جلّ ذكره ـ :

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٧٢.

٢٨٥

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ)(١). ونبذهم ذلك وراء ظهورهم هو نقضهم العهد الّذي عهد إليهم في التوراة ، الّذي وصفناه ، وتركهم العمل به.

قال : وإنّما قلت : إنّه عنى بهذه الآيات من قلت. لأنّ الآيات من ابتداء الآيات الخمس والستّ من سورة البقرة فيهم نزلت إلى تمام قصصهم. وفي الآية الّتي بعد الخبر عن خلق آدم وأبنائه في قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(٢). وخطابه إيّاهم بالوفاء في ذلك خاصّة دون سائر البشر ، ما يدلّ على أنّ قوله : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) مقصود به كفّارهم ومنافقوهم ومن كان من أشياعهم من مشركي عبدة الأوثان على ضلالهم. غير أنّ الخطاب وإن كان لمن وصفت من الفريقين ، فداخل في أحكامهم وفي ما أوجب الله لهم من الوعيد والذمّ والتوبيخ ، كلّ من كان على سبيلهم ومنهاجهم من جميع الخلق وأصناف الأمم المخاطبين بالأمر والنهي.

فمعنى الآية إذن : وما يضلّ به إلّا التاركين طاعة الله ، الخارجين عن اتّباع أمره ونهيه ، الناكثين عهود الله الّتي عهدها إليهم في الكتب الّتي أنزلها إلى رسله وعلى ألسن أنبيائه ، باتّباع أمر رسوله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به ، وطاعة الله في ما افترض عليهم في التوراة من تبيين أمره للناس وعدم كتمانه. ونكثهم في ذلك ونقضهم إيّاه هو مخالفتهم لله في عهده إليهم ، بعد إعطاء ربّهم الميثاق بالوفاء ، كما وصفهم به بقوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ)(٣). (٤).

***

وذكر الفخر الرازي وجوها في المراد بهذا الميثاق :

أحدها : أنّ المراد حججه القائمة على عباده الدالّة لهم على صحّة توحيده وصدق رسله ، فكان ذلك ميثاقا وعهدا على التمسّك بالتوحيد ، إذ كان يلزم بهذه الحجج ما ذكر من التمسّك بالتوحيد

__________________

(١) آل عمران ٣ : ١٨٧.

(٢) البقرة ٢ : ٤٠.

(٣) الأعراف ٧ : ١٦٩.

(٤) الطبري ١ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٢٨٦

وغيره. ولذلك صحّ قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)(١).

وثانيها : يحتمل أن يعني به ما دلّ عليه بقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً)(٢).

فلمّا لم يفعلوا ما حلفوا عليه وصفهم بنقض عهده.

قال : والتأويل الأوّل يمكن فيه العموم في كلّ من ضلّ وكفر ، والثاني لا يمكن إلّا في من اختص بهذا الحلف. وبذلك يبدو رجحان التأويل الأوّل من وجهين : أحدهما : إمكان إجراء الآية على عمومها. وعلى الثاني يلزم التخصيص. وثانيهما : أنّ على التقدير الأوّل يلزمهم الذمّ ، لأنّهم نقضوا عهدا أبرمه الله وأحكمه بما أنزل من الأدلّة الّتي كرّرها عليهم في الأنفس والآفاق وأوضحها وأزال اللبس عنها ، ولما أودع في العقول من دلائلها وبعث الأنبياء وأنزل الكتب مؤكّدا لها. وأمّا على التقدير الثاني فإنّه يلزمهم الذمّ لأجل أنّهم تركوا شيئا هم بأنفسهم كانوا التزموه ، ومعلوم أنّ ترتيب الذمّ على الوجه الأوّل أولى.

وثالث الوجوه : قال القفّال (٣) : يحتمل أن يكون المقصود بالآية قوما من أهل الكتاب قد أخذ عليهم العهد والميثاق في الكتب المنزلة على أنبيائهم بتصديق نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيّن لهم أمره وأمر أمّته فنقضوا ذلك وأعرضوا عنه وجحدوا نبوّته.

ورابعها : قال بعضهم : إنّه عنى ميثاقا أخذه من الناس وهم على صورة الذرّ وأخرجهم من صلب آدم ـ على ما مرّ في كلام الطبري ـ.

قال : قال المتكلّمون : هذا ساقط ، لأنّه تعالى لا يحتجّ على العباد بعهد وميثاق لا يشعرون به ، كما لا يؤاخذون بما ذهب علمه عن قلبهم بالسهو والنسيان ، فكيف يجوز أن يوبّخهم على ذلك؟

وخامسها : عهد الله إلى خلقه في ثلاثة عهود : العهد الأوّل ما أخذه على جميع ذريّة بني آدم

__________________

(١) البقرة ٢ : ٤٠.

(٢) فاطر ٣٥ : ٤٢.

(٣) هو أبو بكر عبد الله بن أحمد الفقيه الشافعي ، كان وحيد زمانه وله في مذهب الشافعي آثار ليست لغيره من أبناء عصره.

اشتغل بالتحصيل على الكبر بعد أن قضى شبيبته في صنع الأقفال وبذلك لقّب بالقفّال. وقد برع ومهر في مختلف العلوم حتّى طار صيته. وهو الّذي صلّى صلاة كذائيّة بمحضر السلطان محمود بن سبكتكين وكان حنفيّا فتحوّل إلى مذهب الشافعي ، على ما ذكره الدميري وابن خلّكان. توفّي سنة ٤١٧. راجع : الكنى والألقاب للقمي ٣ : ٧٨.

٢٨٧

بالإقرار بربوبيّته ، في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ...)(١). العهد الثاني عهد خصّ به النبيّين أن يبلّغوا الرسالة ويقيموا الدّين ولا يتفرّقوا ، في قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ ...)(٢). العهد الثالث عهد خصّ به العلماء من أهل الكتاب ، في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ)(٣). (٤).

نعم كان عهد الله المعقود مع البشر يتمثّل في عهود كثيرة : إنّه عهد الفطرة المركوزة في جبلّة كلّ إنسان منذ أن نشأ ، يعرف خالقه ويتّجه بكلّ وجوده إليه في بخوعه والاستكانة لديه ثمّ الاستعانة به والانقطاع إليه في حوائجه. ولا تزال هذه الرغبة الملحّة للاعتقاد بالله العظيم في الفطرة عبر الوجود ، عقيدة راسخة في جوهر كلّ موجود ، ليحنّ إلى بارئه مستعطفا إيّاه راغبا في رعايته وعنايته الشاملة ، هو الرحمان الرحيم. (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٥).

وهذه هي الهداية الربّانيّة شملت كلّ شيء وكلّ موجود برز إلى الوجود : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٦). (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(٧).

وهذه هي الهداية خصّ بها الإنسان في مراحل :

أولاها : عند ما عرض (الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ)(٨) حيث القابليّة وتواجد الصلاحيّة لحمل عبء الأمانة وركيزتها العقل الرشيد.

ثانيتها : حيثما جعله خليفته في الأرض (٩) ، لتتمثّل فيه جلائل صفاته تعالى ، ويصبح مظهرا تامّا لصفات الجمال والجلال. حيث أودعه قدرة الإبداع والتفكير والتدبير.

ثالثتها : أن علّمه الأسماء كلّها (١٠) ، بأن أودع فيه الهيمنة على استكشاف أسرار الوجود والعثور على كوامن الطبيعة ليستخرجها ويستخدمها في عمارة الأرض وإحياء معالمها : (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها)(١١).

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٢) الأحزاب ٣٣ : ٧.

(٣) آل عمران ٣ : ١٨٧.

(٤) التفسير الكبير ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، المسألة ١٨.

(٥) الإسراء ١٧ : ٤٤.

(٦) طه ٢٠ : ٥٠.

(٧) الأعلى ٨٧ : ١ ـ ٣.

(٨) الأحزاب ٣٣ : ٧٢.

(٩) البقرة ٢ : ٣٠.

(١٠) البقرة ٢ : ٣١.

(١١) هود ١١ : ٦١.

٢٨٨

رابعتها : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا)(١). وذلك أنّ كلّ مولود يولد على الفطرة ـ كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ.

[٢ / ٨٥٤] وسئل الإمام الباقر عليه‌السلام عن هذه الفطرة؟ قال : يعني المعرفة بأنّ الله ـ عزوجل ـ خالقهم. ثمّ تلا قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٢). قال عليه‌السلام : «ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه» (٣).

والخامسة : ـ وهي القاطعة للعذر ـ أن بعث إليهم أنبياء وأنزل معهم الكتاب والحكمة وفصل الخطاب. (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(٤).

[٢ / ٨٥٥] وقال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكّروهم منسيّ نعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول» (٥).

ودعم الفطرة بإرسال الرسل وإنزال الشرائع والكتب ، كان قد وعد به الله منذ أن هبط الإنسان إلى الأرض ولمست رجلاه هذه البسيطة ، حيث أحسّ بالوحشة على أثر الوحدة ، كيف يعالج خضمّ الحياة ، وملؤها الأكدار والأقذار ، فوعده الله الحراسة والحمى في كنفه ، مادام لائذا به وعائذا بلطف كرمه.

(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٦).

إذن فالمواطن لتوكيد ذلك الميثاق وفيرة ومتلاحقة عبر حياة الإنسان ، منذ أن فطر على الفطرة وبعد أن برز إلى الوجود وهكذا استمرّ عبر حياته حتّى يفارقها إلى دار البقاء ليلاقي ربّه وقد تمّت عليه الحجّة (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(٧).

قوله تعالى : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)

[٢ / ٨٥٦] قال شيخ الطائفة : قال قوم : أراد صلة رسوله وتصديقه ، فقطعوه بالتكذيب ، وهو قول

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٢) لقمان ٣١ : ٢٥.

(٣) البحار ٣ : ٢٧٩ / ١١ عن توحيد الصدوق : ٣٣٠ / ٩.

(٤) النساء ٤ : ١٦٥.

(٥) نهج البلاغة ١ : ٢٣.

(٦) البقرة ٢ : ٣٨.

(٧) الأنعام ٦ : ١٤٩.

٢٨٩

الحسن (١).

[٢ / ٨٥٧] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) قال : الرحم والقرابة (٢).

قوله تعالى : (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)

[٢ / ٨٥٨] أخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) قال : يعملون فيها بالمعصية (٣).

[٢ / ٨٥٩] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) : يعني ويعملون فيها بالمعاصي (٤).

قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)

[٢ / ٨٦٠] أخرج ابن المنذر عن مقاتل في قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قال : هم أهل النار (٥).

[٢ / ٨٦١] وقال مقاتل بن حيّان في قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قال : في الآخرة. وهذا كما قال تعالى : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(٦).

[٢ / ٨٦٢] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : كلّ شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم ، مثل خاسر ، فإنّما يعني به الكفر ، وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنّما يعني به الذنب (٧).

__________________

(١) التبيان ١ : ١٢١ ؛ مجمع البيان ١ : ١٤٠ ، بلفظ : معناه : أمروا بصلة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين فقطعوهم. عن الحسن.

(٢) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ الطبري ١ : ٢٦٦ / ٤٧٨ ، بلفظ : عن قتادة وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ فقطع والله ما أمر الله به أن يوصل بقطيعة الرحم والقرابة.

(٣) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٧٢ / ٢٩٦.

(٤) تفسير مقاتل ١ : ٩٥.

(٥) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٧٣ / ٢٩٩.

(٦) ابن كثير ١ : ٧٠.

(٧) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ الطبري ١ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ / ٤٧٩ ؛ ابن كثير ١ : ٧٠ ؛ التبيان ١ : ١٢١ ، بلفظ : قال قوم : كلّما نسبه الله من الخسار إلى غير المسلمين فإنّما عنى به الكفر وما نسب به إلى المسلمين إنّما عنى به الدنيا ، روى ذلك عن ابن عبّاس ؛ مجمع البيان ١ : ١٤٠ ، بنحو ما روي في التبيان ؛ أبو الفتوح ١ : ١٨٣.

٢٩٠

قال تعالى :

(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨))

[٢ / ٨٦٣] قال الإمام العسكري : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكفّار قريش واليهود : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) الّذي دلّكم على طريق الهدى وجنّبكم ـ إن أطعتموه ـ سبيل الردى (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) في أصلاب آبائكم وأرحام أمّهاتكم (فَأَحْياكُمْ) أخرجكم أحياء (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) في هذه الدنيا ويقبركم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) في القبور وينعم فيها المؤمنين ويعذّب الكافرين فيها (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد ، ثمّ تحيوا للبعث يوم القيامة ، ترجعون إلى ما قد وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها ، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها» (١).

[٢ / ٨٦٤] وقال عليّ بن إبراهيم : وقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) أي نطفة ميتة وعلقة ، فأجرى فيكم الروح (فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في القيامة.

قال : والحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة ، فمن الحياة ابتداء خلق الله الإنسان في قوله : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ، فهي الروح المخلوقة الّتي خلقها الله وأجراها في الإنسان.

والوجه الثاني من الحياة ، يعني إنبات الأرض ، وهو قوله : (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(٢) والأرض الميتة : الّتي لا نبات بها فإحياؤها بنباتها.

ووجه آخر من الحياة ، وهو دخول الجنّة ، وهو قوله : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ)(٣) ، يعني الخلود في الجنّة ، والدليل على ذلك قوله : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ)(٤). (٥).

[٢ / ٨٦٥] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) بأنّه واحد لا شريك له (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) يعني نطفا (فَأَحْياكُمْ) يعني فخلقكم وذلك قوله ـ سبحانه ـ : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ

__________________

(١) تفسير الإمام : ٢١٠ / ٩٧ ؛ البحار ٦ : ٢٣٦ / ٥٤.

(٢) الروم ٣٠ : ١٩.

(٣) الأنفال ٨ : ٢٤.

(٤) العنكبوت ٢٩ : ٦٤.

(٥) القميّ ١ : ٣٥.

٢٩١

الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ. ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند إحيائكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) من بعد الموت يوم القيامة (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجزيكم بأعمالكم (١).

[٢ / ٨٦٦] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) قال : لم تكونوا شيئا فخلقكم (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) يوم القيامة (٢).

[٢ / ٨٦٧] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) قال : في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئا حتّى خلقكم ، ثمّ يميتكم موتة الحقّ ، ثمّ يحييكم حياة الحقّ حين يبعثكم (٣).

[٢ / ٨٦٨] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله فأخرجهم ثمّ أماتهم الموتة الّتي لا بدّ منها ثمّ أحياهم للبعث يوم القيامة. فهما حياتان وموتتان (٤).

[٢ / ٨٦٩] وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية يقول : حين لم يكونوا شيئا ثمّ أحياهم حين

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ٩٥ ـ ٩٦.

(٢) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ الطبري ١ : ٢٦٨ / ٤٨٠ ؛ القرطبي ١ : ٢٤٩ ، بلفظ : فقال ابن عبّاس وابن مسعود : أي كنتم أمواتا معدومين قبل أن تخلقوا فأحياكم ، أي خلقكم ، ثمّ يميتكم عند انقضاء آجالكم ثمّ يحييكم يوم القيامة ؛ التبيان ١ : ١٢٢ ؛ مجمع البيان ١ : ١٤١ ، نقلا عن ابن عبّاس وابن مسعود ؛ أبو الفتوح ١ : ١٨٥ ، نقلا عن ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد.

(٣) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٧٣ / ٣٠٢ ، وزاد في آخره : قال : وهي مثل قوله : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ). وروي عن أبي العالية والحسن البصري وأبي صالح والسدّي وقتادة نحو ذلك ؛ ابن كثير ١ : ٧٠ ، بلفظ : قال ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس : (كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) ؛ أمواتا في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئا حتّى خلقكم ثمّ يميتكم موتة الحقّ ثمّ يحييكم حين يبعثكم قال : وهي مثل قوله تعالى : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ؛ أبو الفتوح ١ : ١٨٥ ، نقلا عن ابن عبّاس وابن مسعود ومجاهد ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ / ٢٨ ، عن الكلبي وبلفظ : قال : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ثمّ أحياهم ثمّ يميتهم ثمّ يحييهم حين يبعثهم.

(٤) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ الطبري ١ : ٢٦٩ / ٤٨٨ ؛ ابن كثير ١ : ٧٠ ؛ التبيان ١ : ١٢٢ ؛ مجمع البيان ١ : ١٤١ ؛ أبو الفتوح ١ : ١٨٥ ، قال أبو الفتوح الرازي : والدليل على ضعف هذا القول ، أنّ قوله (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يعني البعث والنشور في القيامة ، فلو كان قوله : (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) مرادا به ذلك أيضا ، لزم التكرار من غير فائدة.

٢٩٢

خلقهم ثمّ أماتهم ثمّ أحياهم يوم القيامة ثمّ رجعوا إليه بعد الحياة (١).

[٢ / ٨٧٠] وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : لم تكونوا شيئا حتّى خلقكم ، ثمّ يميتكم موتة الحقّ ، ثمّ يحييكم. وقوله : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(٢) مثلها (٣).

[٢ / ٨٧١] وعن عبد الله بن محمّد بن سعيد في قوله : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(٤) قال : هي كالّتي في البقرة : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)(٥).

[٢ / ٨٧٢] وعن أبي مالك في قوله : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) قال : خلقتنا ولم نكن شيئا ثمّ أمتّنا ثمّ أحييتنا (٦).

[٢ / ٨٧٣] وعن ابن عبّاس في قوله تعالى : (فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) قال : هو قوله تعالى : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(٧).

[٢ / ٨٧٤] وعنه قال ـ في قوله : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ـ : كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ، ثمّ أحياكم فخلقكم فهذه إحياءة ، ثمّ يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ، ثمّ يبعثكم يوم القيامة فهذه إحياءة. فهما ميتتان وحياتان ، فهو قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٨).

[٢ / ٨٧٥] وعن ابن زيد في قوله الله تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(٩) قال : خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق. وقرأ : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) حتّى بلغ :

__________________

(١) الطبري ١ : ٢٦٩ / ٤٨٥.

(٢) غافر ٤٠ : ١١.

(٣) الدرّ ١ : ١٠٦ ؛ الطبري ١ : ٢٦٨ ـ ٢٦٩ / ٤٨٣.

(٤) غافر ٤٠ : ١١.

(٥) الطبري ١ : ٢٦٨ / ٤٨١ ؛ التبيان ١ : ١٢٢ ؛ الحاكم ٢ : ٤٣٧ ، كتاب التفسير ، سورة المؤمن ؛ الكبير ٩ : ٢١٤ / ٩٠٤٤ ؛ مجمع الزوائد ٧ : ١٠٢ ، كتاب التفسير ، سورة غافر. قال الهيثمي : رواه الطبراني عن عبد الله بن محمّد بن سعيد بن أبي مريم.

(٦) الطبري ١ : ٢٦٨ / ٤٨٢ ، وفي حديث آخر بلفظ : قال : كانوا أمواتا فأحياهم الله ، ثمّ أماتهم ثمّ أحياهم ؛ وأيضا الطبري ١٢ : ٦٠ / ٢٣٣٥٤ ، سورة غافر ، الآية ١١.

(٧) الطبري ١ : ٢٦٩ / ٤٨٤.

(٨) الطبري ١ : ٢٦٩ / ٤٨٦ ؛ ابن كثير ١ : ٧٠ ، وزاد : وهكذا روي عن السدّي بسنده عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عبّاس وعن مرّة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة وعن أبي العالية والحسن ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحّاك وعطاء الخراساني نحو ذلك.

(٩) غافر ٤٠ : ١١.

٢٩٣

(أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)(١) قال : فكسبهم العقل وأخذ عليهم الميثاق. قال : وانتزع ضلعا من أضلاع آدم القصيرى ، فخلق منه حوّاء ، ذكره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : وذلك قول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً)(٢) قال : وبثّ منهما بعد ذلك في الأرحام خلقا كثيرا ، وقرأ : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ)(٣) قال : خلقا بعد ذلك. قال : فلمّا أخذ عليهم الميثاق أماتهم ثمّ خلقهم في الأرحام ، ثمّ أماتهم ثمّ أحياهم يوم القيامة ، فذلك قول الله : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا). وقرأ قول الله : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً)(٤). قال : يومئذ. قال : وقرأ قول الله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا)(٥). (٦).

[٢ / ٨٧٦] وأخرج وكيع وابن جرير عن أبي صالح في الآية قال : يحييكم في القبر ثمّ يميتكم (٧).

[٢ / ٨٧٧] وقال القرطبي : وقد قيل : إنّ الله تعالى أوجدهم قبل خلق آدم عليه‌السلام كالهباء ثمّ أماتهم ، فيكون على هذا خمس موتات وخمس إحياءات وموتة سادسة للعصاة من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخلوا النار ؛ لحديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا أهل النار الّذين هم أهلها فإنّهم لا يموتون فيها ولا يحيون ، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٢) النساء ٤ : ١.

(٣) الزمر ٣٩ : ٦.

(٤) الأحزاب ٣٣ : ٧.

(٥) المائدة ٥ : ٧.

(٦) الطبري ١ : ٢٧٠ / ٤٨٩ ؛ ابن كثير ١ : ٧٠ ، بلفظ : قال ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عبد الرحمان بن زيد بن أسلم : قال : خلقهم من ظهر آدم ثمّ أخذ عليهم الميثاق ثمّ أماتهم ثمّ خلقهم في الأرحام ثمّ أماتهم ثمّ أحياهم يوم القيامة. وذلك كقوله تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ). قال : وهذا غريب والّذي قبله! ؛ التبيان ١ : ١٢٢ ، مع عدم ذكر الراوي. بلفظ : وقال قوم : معناه إنّ الله تعالى أحياهم حين أخذ الميثاق منهم وهم في صلب آدم وكساهم العقل ثمّ أماتهم ثمّ أحياهم وأخرجهم من بطون أمّهاتهم وقد بيّنا أنّ هذا الوجه ضعيف في نظائره لأنّ الخبر الوارد بذلك ضعيف.

(٧) الدرّ ١ : ١٠٥ ؛ الطبري ١ : ٢٦٩ / ٤٨٧ ؛ ابن كثير ١ : ٧٠ ؛ التبيان ١ : ١٢٢ ، بلفظ : روي عن أبي صالح أنّه قال : كنتم أمواتا في القبور فأحياكم فيها ثمّ يميتكم ، ثمّ يحييكم يوم القيامة.

٢٩٤

فأماتهم [الله] إماتة حتّى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر (١) فبثّوا على أنهار الجنّة ثمّ قيل : يا أهل الجنّة أفيضوا عليهم ، فينبتون نبات الحبّة تكون في حميل السّيل». فقال رجل من القوم : كأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كان [يرعى] بالبادية. أخرجه مسلم (٢).

[٢ / ٨٧٨] وروى أبو الفتوح الرازي عن الحسن البصري يقول : الآية عامّة لمن كانت له حياتان وموتتان. ولكن جماعة كانت لهم ثلاث موتات وثلاثة إحياءات ، كما في قصّة عزير أماته الله مأة عام ثمّ أحياه. والّذين خرجوا من ديارهم حذر الموت وهم ألوف فقال لهم الله موتوا ثمّ أحياهم.

والسبعون من قوم موسى أخذتهم الصاعقة ثمّ أحياهم (٣).

__________________

(١) قوله : ضبائر ضبائر أي جماعات في تفرقة.

(٢) القرطبي ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ ؛ مسلم ١ : ١١٨ ، كتاب الإيمان ، باب إثبات الشفاعة.

(٣) أبو الفتوح ١ : ١٨٦.

٢٩٥

قال تعالى :

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩))

[٢ / ٨٧٩] روى الصدوق عن أبي الحسن محمّد بن القاسم المفسّر رضي الله عنه قال : حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار عن أبويهما عن الحسن بن عليّ عن أبيه عليّ بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه الرضا عليّ بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول الله ـ عزوجل ـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قال : هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعا لتعتبروا به ولتتوصّلوا به إلى رضوانه ، وتتوقّوا به من عذاب نيرانه ، (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أخذ في خلقها وإتقانها (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ولعلمه بكلّ شيء علم المصالح فخلق لكم كلّ ما في الأرض لمصالحكم يا بني آدم» (١).

[٢ / ٨٨٠] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) قال : نعم والله ، سخّر لكم ما في الأرض جميعا كرامة من الله ، ونعمة لابن آدم. متاعا ، وبلغة ، ومنفعة إلى أجل (٢).

[٢ / ٨٨١] وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) قال : سخّر لكم ما في الأرض جميعا (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) قال : خلق الله الأرض قبل السماء ، فلمّا خلق الأرض ثار منها دخان ، فذلك

__________________

(١) عيون الأخبار ٢ : ١٥ ـ ١٦ / ٢٩ ، باب ٣٠ (فيما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار المنثورة) ؛ البحار ٣ : ٤٠ ـ ٤١ / ١٤ ؛ تفسير الإمام : ٢١٥ / ٩٩ ، من قوله : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام».

(٢) الدرّ ١ : ١٠٦ ؛ الطبري ١ : ٢٧٥ / ٤٩٠ ؛ إلى قوله : في الأرض ؛ ابن عساكر ٧ : ٣٩٩ ، (آدم نبيّ الله) ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٧٥ / ٣٠٧.

٢٩٦

قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) يقول : خلق سبع سماوات بعضهنّ فوق بعض ، وسبع أرضين بعضهنّ تحت بعض (١).

[٢ / ٨٨٢] وقال مقاتل بن سليمان : فأمّا اليهود فعرفوا وسكتوا وأمّا المشركون فقالوا : أئذا كنّا ترابا من يقدر أن يبعثنا من بعد الموت؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من شيء (٢).

[٢ / ٨٨٣] وروى زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطّاب أنّ رجلا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أن يعطيه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما عندي شيء ولكن ابتع عليّ فإذا جاء شيء قضينا» (٣) ، فقال له عمر : هذا أعطيت إذا كان عندك فما كلّفك الله ما لا تقدر. فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول عمر ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله! «أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا» (٤). فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرف السرور في وجهه لقول الأنصاري ، ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بذلك أمرت» (٥).

كلام عن أصالة الإباحة

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)

تشير هذه الآية الكريمة وما شابهها من آيات (٦) إلى أصل أصيل من أمّهات القواعد الفقهيّة ،

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٠٦ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٦٣ / ٢٩ ؛ الطبري ١ : ٢٨٠ ـ ٢٨١ / ٤٩٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٧٤ / ٣٠٤ ؛ العظمة ٤ : ١٣٦٧ / ٨٨٣ ؛ القرطبي ١ : ٢٥٥ ، بلفظ : قال مجاهد وغيره من المفسّرين : إنّه تعالى أيبس الماء الّذي كان عرشه عليه فجعله أرضا وثار منه دخان فارتفع ، فجعله سماء فصار خلق الأرض قبل خلق السماء ثمّ قصد أمره إلى السماء فسوّاهنّ سبع سماوات ، ثمّ دحا الأرض بعد ذلك وكانت إذ خلقها غير مدحوّة ؛ ابن كثير ١ : ٧١ ـ ٧٢.

(٢) تفسير مقاتل ١ : ٩٦.

(٣) أي اشتر ما تبغي على حسابنا ، فإذا جاءنا شيء نسدّه.

(٤) الإقلال : الإفقار ضدّ الإغناء.

(٥) القرطبي ١ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، وقال : فخوف الإقلال من سوء الظنّ بالله ، لأنّ الله تعالى خلق الأرض بما فيها لولد آدم وقال في تنزيله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ؛ كنز العمّال ٧ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ / ١٨٦٣٧ ، باختلاف ؛ الشمائل المحمّديّة : ٢٩٤ ؛ مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا : ١١٨ / ٣٩٠.

(٦) منها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة ٢ :

٢٩٧

والّتي تمنح الإنسان حقّ الانتفاع بمتع الحياة والتمتّع بكلّ ما مهّدت له الطبيعة من متع ومنح. فقد كان الأصل الذاتي هو جواز الانتفاع ما لم يرد منع عن شيء أو يزاحم حقوق الآخرين.

قال المحقّق الأردبيلي : وفي الآية (١) دلالة على إباحة السكنى في الأرض مطلقا ، بل التصرّف فيها مطلقا ، حتّى يمنع بدليل. وعلى أنّ خلق الأشياء وتدبيرها بهذا التقدير الموزون ، إنّما هو لصالح الإنسان ، وإباحة كلّ ما خلق لهذا الإنسان ، كما دلّ عليه العقل أيضا ، أي أنّ أصل الإباحة في الأشياء كلّها ، كما دلّ عليه الشرع دلّ عليه العقل أيضا ، لقاعدة «قبح العقاب بلا بيان» (٢). نعم قد يحرم شيء لدليل عقليّ إذا كان ضارّا كالسمومات المخلوقة لأغراض اخر في صالح الإنسان أيضا. أو لدليل نقليّ من آية أو سنّة أو إجماع ، كالميتة والدم ولحم الخنزير. (وهذا قد يخفى مفاسده على الإنسان في ظاهر الحال. لكنّه معلوم بدليل الحكمة في الخلق والتكليف). وعلى أيّ تقدير فالآية وما شاكلها دلّت على إباحة كلّ ما ينبت على وجه الأرض أو يشرب أو يركب وسائر الانتفاعات بأسرها إلّا ما أخرجه الدليل.

وقال ـ تذييلا على الآية ١٦٨ من سورة البقرة ـ : يمكن الاستدلال بها على إباحة كلّ ما في الأرض لكلّ أحد ، سواء المؤمن والكافر والعاصي. إذ المحلّل محلّل على الجميع والمحرّم محرّم

__________________

ــ ١٦٨).

وقوله : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ. وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ. وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر ١٥ : ١٩ ـ ٢١).

وقوله : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (الأعراف ٧ : ١٠).

وقوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (الملك ٦٧ : ١٦).

وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) (الحجّ ٢٢ : ٦٥).

وقوله : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ. وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ. رِزْقاً لِلْعِبادِ ...) (ق ٥٠ : ٩ ـ ١١).

وقوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) (طه ٢٠ : ٨١).

(١) الآيات ١٩ ـ ٢١ من سورة الحجر.

(٢) سيأتي الكلام عن عدم مساوقة القاعدة مع الأصل المستفاد من الكتاب.

٢٩٨

على الجميع ، ولا دليل على التخصيص (١).

قال الفاضل المقداد : الآية إخبار بكون الأرض محلّ المعاش والارتزاق ، والامتنان على عباده بإباحة ذلك لهم (٢).

إباحة ذاتيّة تتبعها إباحة ظاهريّة

أصالة الإباحة الجارية في عامّة الأشياء إباحة ذاتيّة ، تعني إباحة كلّ شيء ذاتيّا وبعنوانه الذاتي الأوّلي ، ليكون كل شيء منحته الطبيعة من جمادها ونباتها وحيوانها جعلت بفطرتها الأوّليّة في متناول الإنسان ، أي خلقت لينتفع بها الإنسان في مآربه حسبما يشاء جعلا أوّليّا. فالأشجار والثمار والأنهار ، وكذا المعادن والآجام والجبال والبحار ، والطير في الهواء والحيوان في الغابات والقفار ، كلّ ذلك كانت مباحة للإنسان ، في أصل خلقتها ذاتيّا ، وليس لطروّ عنوان آخر يعرضها أحيانا.

فالأصل في كلّ شيء ـ حسب ذاته ـ هي الإباحة وجواز الانتفاع به ما لم يمنعه دليل خاصّ. نعم كان المشكوك حلّيته ـ أيضا ـ ملحقا بعموم العامّ حتّى يتبيّن خروجه عن العموم. وهذا من باب تحكيم العامّ فيما شك في خروجه ، إذا كان المخصّص منفصلا ، قاعدة أصوليّة مطّردة. لأنّ العامّ قد انعقد عمومه ، ولا ينفصم إلّا حيث علم شمول التخصيص له.

وعليه فالأصل الظاهري (إجراء أصل الإباحة في المشكوك حرمته) امتداد للأصل الذاتي وإسراء له في موارد شكّ خروجها من تحت ذاك العام.

وبذلك دلّت النصوص الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام :

[٢ / ٨٨٤] روى ثقة الإسلام الكليني عن شيخه عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه».

__________________

(١) زبدة البيان في أحكام القرآن للمحقّق الأردبيلي : ٣٦١ ـ ٣٦٥. نقلا بتوضيح.

(٢) كنز العرفان ٢ : ٢.

٢٩٩

ومثّل بالثوب تشتريه لعلّه من سرقة أو امرأة تتزوّج بها لعلّها رضيعتك. ثمّ قال : «والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة» (١).

[٢ / ٨٨٥] وروى بالإسناد إلى ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو حلال لك أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» (٢).

[٢ / ٨٨٦] وروى بالإسناد إلى عبد الله بن سليمان قال : سألت أبا جعفر الباقر عليه‌السلام عن الجبن. فقال : «سأخبرك عن الجبن وغيره ، كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه» (٣).

[٢ / ٨٨٧] وأيضا بالإسناد إلى الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة» (٤).

[٢ / ٨٨٨] وروى الشيخ ـ في الأمالي ـ بإسناده إلى كلّ من صفوان بن يحيى وجعفر بن عيسى بن يقطين عن الحسين بن أبي غندر عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «الأشياء مطلقة ما لم يرد عليك أمر ونهي. وكلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا ما لم تعرف الحرام منه فتدعه» (٥).

[٢ / ٨٨٩] وروى ابن أبي جمهور الأحسائي ـ في باب الاعتكاف ـ قال : قال الصادق عليه‌السلام : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه منع» (٦). وفي نسخة المجلسي : «... حتّى يرد فيه نصّ» (٧).

والأحاديث بهذا الشأن كثيرة ومتضافرة وقد طفق الأصحاب (الفقهاء) يعملون بها ويستندون إليها في فتاواهم في مختلف أبواب الفقه ، سواء في شبهة حكميّة أو موضوعيّة حسبما ننبّه.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ ـ ٣١٤ / ٤٠ ، كتاب المعيشة ، باب النوادر ؛ التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٩ ـ ٩ ؛ الوسائل ١٧ : ٨٩ / ٢٢٠٥٣ ـ ٤.

(٢) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٣٩ ؛ التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٨ ـ ٨. وكلاهما في المرآة ١٩ : ٤٣١ ـ ٤٣٢ / ٣٩ و ٤٠ ؛ البحار ٢ : ٢٧٣ / ١٢ و : ٢٨٢ / ٥٨.

(٣) الكافي ٦ : ٣٣٩ / ١ ؛ الوسائل ٢٥ : ١١٧ ـ ١١٨ ، باب ٦١ ـ ١. (الأطعمة والأشربة).

(٤) الكافي ٦ : ٣٣٩ / ٢.

(٥) الأمالي للطوسي : ٦٦٩ / ١٤٠٥ ـ ١٢ ، المجلس ٣٦ ؛ ترتيب الأمالي ١ : ٢٠٤ / ١٦٧ ـ ٢ ، باب ١٩ و ٦ : ٤٩٧ / ٣٢٩٤ ـ ١٠ ، باب ٢٤ ؛ جامع أحاديث الشيعة ١ : ٣٩٣ / ٦٤٢ ـ ١٦.

(٦) عوالي اللئالي ٣ : ٤٦٥ / ١٦.

(٧) البحار ٢ : ٢٧٢ / ٣.

٣٠٠