التفسير الأثري الجامع - ج ٢

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5079-03-6
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٥٦٠

إنّما نسخر من هؤلاء القوم ونستهزىء بهم (١).

[٢ / ٤٣١] وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) قال : المشركون (٢).

[٢ / ٤٣٢] وأخرج عن الربيع بن أنس : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) قال : إخوانهم من المشركين (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)(٣).

قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ)

[٢ / ٤٣٣] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) قال : ساخرون بأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

[٢ / ٤٣٤] وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) قال : أي إنّما نحن مستهزئون بالقوم ونلعب بهم (٥).

[٢ / ٤٣٥] وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) : أي نستهزئ بأصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)

[٢ / ٤٣٦] قال الحسن : معناه : إنّ الله يظهر المؤمنين على نفاقهم (٧).

[٢ / ٤٣٧] وقال مقاتل بن سليمان : فقال الله ـ سبحانه ـ : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) في الآخرة إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب على الصراط فيبقون في الظلمة حتّى يقال لهم : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً)(٨) فهذا من الاستهزاء بهم. ثمّ قال : ـ سبحانه ـ : (وَيَمُدُّهُمْ) ويلجّهم (فِي طُغْيانِهِمْ

__________________

(١) الدرّ ١ : ٧٩ ؛ الطبري ١ : ١٨٨ / ٢٩٨ و ٣٠٥.

(٢) الطبري ١ : ١٨٨ / ٢٩٩.

(٣) المصدر / ٣٠١.

(٤) الدرّ ١ : ٧٨ ؛ الطبري ١ : ١٩٠ / ٣٠٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٤٨ / ١٤٢.

(٥) الدرّ ١ : ٧٩ ؛ الطبري ١ : ١٩٠ / ٣٠٤ وكذا بنحوه عن قتادة.

(٦) الطبري ١ : ١٩٠ / ٣٠٦.

(٧) البغوي ١ : ٨٩ ؛ الثعلبي ١ : ١٥٧.

(٨) الحديد ٥٧ : ١٣.

١٦١

يَعْمَهُونَ) يعني في ضلالتهم يتردّدون (١).

[٢ / ٤٣٨] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) قال :

يسخر بهم للنقمة منهم (٢).

قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)

[٢ / ٤٣٩] قال عليّ بن إبراهيم في قوله : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) : أي يدعهم (٣).

[٢ / ٤٤٠] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : (وَيَمُدُّهُمْ) قال : يملي لهم (٤).

[٢ / ٤٤١] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن السدّي في قوله : (وَيَمُدُّهُمْ) قال : يملي لهم (٥).

[٢ / ٤٤٢] وأخرج الفريابى وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : (وَيَمُدُّهُمْ) قال : يزيدهم (٦).

[٢ / ٤٤٣] وعن ابن عبّاس وعن مرّة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : (فِي طُغْيانِهِمْ) : في كفرهم (٧).

[٢ / ٤٤٤] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) : يعني في ضلالتهم يتردّدون (٨).

[٢ / ٤٤٥] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس قال : في كفرهم يتردّدون (٩).

[٢ / ٤٤٦] وأخرج عن الربيع قال : في كفرهم وضلالتهم (١٠).

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ٩١.

(٢) الدرّ ١ : ٧٨ ؛ الطبري ١ : ١٩٠ / ٣٠٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٤٨ / ١٤٣.

(٣) القمي ١ : ٣٤.

(٤) الدرّ ١ : ٧٩ ؛ الطبري ١ : ١٩٤ / ٣٠٨ ؛ ابن كثير ١ : ٥٥.

(٥) ابن أبي حاتم ١ : ٤٨ / ١٤٤.

(٦) الدرّ ١ : ٨٠ ؛ الطبري ١ : ١٩٥ / ٣٠٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٤٨ / ١٤٥ ؛ التبيان ١ : ٨٠.

(٧) الطبري ١ : ١٩٦ / ٣١١.

(٨) تفسير مقاتل ١ : ٩١.

(٩) الطبري ١ : ١٩٦ / ٣١٠ ؛ ابن كثير ١ : ٥٥.

(١٠) الطبري ١ : ١٩٦ / ٣١٣ ؛ ابن كثير ١ : ٥٥.

١٦٢

[٢ / ٤٤٧] وأخرج عن قتادة قال : أي في ضلالتهم يعمهون (١).

[٢ / ٤٤٨] وعن ابن زيد قال : طغيانهم ، كفرهم وضلالتهم (٢).

[٢ / ٤٤٩] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله : (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) قال : في كفرهم يتمادون (٣).

[٢ / ٤٥٠] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (يَعْمَهُونَ) قال : يتمادون (٤).

[٢ / ٤٥١] وأخرج الطستي عن ابن عبّاس أنّ نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله ـ عزوجل ـ : (يَعْمَهُونَ) قال : يلعبون ويتردّدون. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم. أما سمعت قول الشاعر :

أراني قد عمهت وشاب رأسي

وهذا اللعب شين بالكبير (٥)

[٢ / ٤٥٢] وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) قال : يلعبون ويتردّدون في الضلالة (٦).

[٢ / ٤٥٣] وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبّاس : يعمهون ، المتلدّد (٧).

قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ)

[٢ / ٤٥٤] قال الإمام العالم عليه‌السلام : («أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) باعوا دين الله واعتاضوا منه الكفر بالله (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) أي ما ربحوا في تجارتهم في الآخرة لأنّهم اشتروا النّار وأصناف

__________________

(١) الطبري ١ : ١٩٦ / ٣١٢.

(٢) الطبري ١ : ١٩٦ / ٣١٤ ؛ ابن كثير ١ : ٥٥ ، نقلا عن السدّي بإسناده عن الصحابة وعن أبي العالية وقتادة والربيع بن أنس ومجاهد وأبي مالك وعبد الرحمان بن زيد.

(٣) الدرّ ١ : ٧٩ ؛ الطبري ١ : ١٧٩ / ٣١٥.

(٤) الدرّ ١ : ٧٩ ؛ الطبري ١ : ١٩٧ / ٣١٦ ، ابن أبي حاتم ١ : ٤٩ / ١٤٩ ، وزاد بقوله ، وكذا فسرّه السدّي ، وخالفه آخرون فقالوا : يتردّدون.

(٥) الدرّ ١ : ٧٩ ـ ٨٠.

(٦) الدرّ ١ : ٨٠ ؛ الطبري ١ : ١٩٥ / ٣٠٩.

(٧) الطبري ١ : ١٩٧ / ٣١٨. والمتلدّد : المتحيّر تحيّرا ناشئا عن لدده أي لجاجه وعناده تجاه الحقّ.

١٦٣

عذابها بالجنّة الّتي كانت معدّة لهم لو آمنوا (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) إلى الحقّ والصواب» (١).

[٢ / ٤٥٥] وقال عليّ بن ابراهيم : الضلالة هاهنا : الحيرة ، والهدى : البيان. فاختاروا الحيرة والضلالة على الهدى والبيان ، فضرب الله فيهم مثلا (٢).

[٢ / ٤٥٦] وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) قال : الكفر بالإيمان (٣).

[٢ / ٤٥٧] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) قال : أخذوا الضلالة ، وتركوا الهدى (٤).

[٢ / ٤٥٨] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) قال : آمنوا ثمّ كفروا (٥).

[٢ / ٤٥٩] وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) قال : استحبّوا الضلالة على الهدى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) قال : قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ، ومن الجماعة إلى الفرقة ، ومن الأمن إلى الخوف ، ومن السنّة إلى البدعة (٦).

[٢ / ٤٦٠] وقال الطبرسي رحمه‌الله : إنّهم استبدلوا بالإيمان الّذي كانوا عليه قبل البعثة كفرا ، لأنّهم كانوا يبشّرون بمحمّد ، ويؤمنون به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا بعث كفروا به ، فكأنّهم استبدلوا الكفر بالإيمان ، عن الكلبي ومقاتل (٧).

[٢ / ٤٦١] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ نعتهم فقال ـ سبحانه ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ

__________________

(١) البرهان ١ : ١٤٦ ؛ تفسير الإمام : ١٢٥ ـ ١٢٦ / ٦٤ ؛ البحار ٦٥ : ١٠٦ / ٢٠.

(٢) البرهان ١ : ١٤٦ ؛ القمي ١ : ٣٤ ؛ البحار ٩ : ١٧٥.

(٣) الدرّ ١ : ٨٠ ؛ الطبري ١ : ١٩٨ / ٣٢١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٤٩ / ١٥٣.

(٤) الدرّ ١ : ٨٠ ؛ الطبري ١ : ١٩٨ / ٣٢٢ ؛ الثعلبي ١ : ١٥٩.

(٥) الدرّ ١ : ٩٠ ؛ الطبري ١ : ١٩٨ / ٣٢٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٠ / ١٥٤.

(٦) الدرّ ١ : ٨٠ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٦٠ / ١٨ ؛ الطبري ١ : ١٩٨ و ٢٠١ / ٣٢٣ و ٣٢٥ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٤٩ و ٥٠ / ١٥٢ و ١٥٧ ؛ أبو الفتوح ١ : ١٣١.

(٧) مجمع البيان ١ : ١١١.

١٦٤

بِالْهُدى) وذلك أنّ اليهود وجدوا نعت محمّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التوراة قبل أن يبعث فآمنوا به وظنّوا أنّه من ولد إسحاق عليه‌السلام فلمّا بعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العرب من ولد إسماعيل عليه‌السلام كفروا به حسدا ، واشتروا الضلالة بالهدى ، يقول : باعوا الهدى الّذي كانوا فيه من الإيمان بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن يبعث ، بالضلالة الّتي دخلوا فيها بعد ما بعث ، من تكذيبهم بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبئس التجارة! فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) من الضلالة (١).

[٢ / ٤٦٢] وقال أبو مسلم محمّد بن بحر الأصفهاني : المراد بالضلالة هنا : العذاب. وبالهدى : طريق الثواب. يبيّنه قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ)(٢). (٣)

قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)

مثل ضربه الله ، يبيّن مدى تعسّف المنافق في حياته المظلمة التعسة ، إنّه يبتغي النور والخلاص ، ولكنّه نور ما يجده ـ وقد مهّده الله له ولكلّ مبتغي الهداية ، بفضل رحمته الواسعة ـ إذا هو يقوم بما يعاكس مبتغاه ، لفرط جهله وعتوّه واستكباره ، فإذا هو في غياهب التيه والضلالة ، لا يبصر شيئا ولا يهتدي إلى سبيل نجاة ، وذلك أنّه أصمّ أذنه وأبكم منطقه وأعمى بصره ، فتمادى في غيّه وضلاله ، فلا يمكنه بعد ذلك الرجوع إلى جادّة الهدى ووضح النور.

وإذا كانت الآذان والألسنة والعيون ، خلقت لتلقّي الأصداء والأضواء والاهتداء بمباهج الهدى والنور ، فهؤلاء قد عطّلوا آذانهم فهم «صمّ» وعطّلوا ألسنتهم فهم «بكم» وعطّلوا عيونهم فهم «عمي» ، فلا رجعة لهم إلى الحقّ. ولا أوبة لهم إلى الهدى ، ولا هداية لهم إلى النور.

ومن ثمّ فمثلهم كمثل من اتيحت له سبل السعادة وفي ضوء مشاعل وهّاجة ، ولكن من غير ما يمكنه الانتفاع بها والاستنارة بأنوارها. فذهبت عنه أدراج الرّياح. فلم يغتنم الفرصة المناحة وأضاعها بسوء تدبيره.

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ١٦.

(٢) البقرة ٢ : ١٧٥.

(٣) أبو الفتوح ١ : ١٣١.

١٦٥

[٢ / ٤٦٣] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بالإسناد إلى ابن عبّاس ، في قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ...) قال : هذا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا يعتزّون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء ، فلمّا ماتوا سلبهم الله العزّ كما سلب صاحب النار ضوءه وتركه في ظلمات. قال : في عذاب إذا ماتوا (١).

[٢ / ٤٦٤] وهكذا أخرجه الثعلبي وتبعه البغوي عن ابن عبّاس وقتادة والضحّاك ومقاتل والسدّي ، إنّها نزلت في المنافقين. يقول تعالى : مثلهم في كفرهم ونفاقهم كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة ، فاستضاء بها واستدفأ ورأى ما حوله ، فاتّقى ما يحذر ويخاف فأمن. فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي مظلما خائفا متحيّرا. كذلك المنافقون إذا أظهروا كلمة الإيمان استناروا بنورها واعتزّوا بعزّها وناكحوا المسلمين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم وأمنوا على أموالهم وأولادهم ، فإذا ماتوا عادوا إلى الخوف والظلمة وهووا في العذاب والنقمة (٢).

[٢ / ٤٦٥] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ) قال : ضربه الله مثلا للمنافق. وقوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) أما النور فهو إيمانهم الّذي يتكلّمون به ، وأما الظلمة فهي ضلالتهم وكفرهم (٣).

[٢ / ٤٦٦] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق. إنّ المنافق تكلّم بلا إله إلّا الله فناكح بها المسلمين ، ووارث بها المسلمين ، وغازى بها المسلمين ، وحقن بها دمه وماله. فلمّا كان عند الموت لم يكن لها أصل في قلبه ، ولا حقيقة في عمله ، فسلبها المنافق عند الموت ، فترك في ظلمات وعمى يتسكّع فيها. كما كان أعمى في الدنيا عن حقّ الله وطاعته ، (صُمٌ) عن الحقّ فلا يسمعونه ، (بُكْمٌ) عن الحقّ فلا ينطقون به ، (عُمْيٌ) عن الحقّ فلا يبصرونه (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) عن ضلالتهم ، ولا يتوبون ولا يتذكّرون (٤).

__________________

(١) الطبري ١ : ٢٠٥ / ٣٢٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٠ / ١٥٨ ؛ ابن كثير ١ : ٥٧.

(٢) الثعلبي ١ : ١٦٠ ؛ البغوي ١ : ٩٠ ؛ مجمع البيان ١ : ١١٢ ـ ١١٣ ؛ أبو الفتوح ١ : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٣) الدرّ ١ : ٨٢ ؛ الطبري ١ : ٢٠٦ / ٣٢٩.

(٤) الدرّ ١ : ٨٣ ؛ الطبري ١ : ٢٠٦ / ٣٣٠ و ٣٣٩.

١٦٦

[٢ / ٤٦٧] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ ضرب الله للمنافقين مثلا فقال ـ عزوجل ـ : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) طفئت ناره ، يقول الله ـ عزوجل ـ : مثل المنافق إذا تكلّم بالإيمان كان له نور بمنزلة المستوقد نارا يمشي بضوئها ما دامت ناره تتّقد ، فإذا ترك الإيمان كان في ظلمة كظلمة من طفئت ناره ، فقام لا يهتدي ولا يبصر ، فذلك قوله ـ سبحانه ـ : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) يعني بإيمانهم. نظيرها في سورة النور (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(١) يعني به الإيمان ، وقال ـ سبحانه ـ في الأنعام : (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)(٢) يعني يهتدي به الّذين تكلّموا به (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) يعني الشرك (لا يُبْصِرُونَ) الهدى (٣).

[٢ / ٤٦٨] وقال عطاء الخراساني في قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) : هذا مثل المنافق يبصر أحيانا ويعرف أحيانا ثمّ يدركه عمى القلب. قال ابن أبي حاتم : وروي عن عكرمة والحسن والسدّي والربيع بن أنس نحو قول عطاء الخراساني (٤).

[٢ / ٤٦٩] وقال عطاء ومحمّد بن كعب : نزلت في اليهود وانتظارهم خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستفتاحهم به على مشركي العرب ، فلمّا خرج كفروا به (٥).

[٢ / ٤٧٠] وقال أبو مسلم : معناه أنّه لا نور لهم في الآخرة وأنّ ما أظهروه في الدنيا ، يضمحلّ سريعا كاضمحلال هذه اللمعة (٦).

[٢ / ٤٧١] وأخرج الثعلبي عن الضحّاك : لمّا أضاءت النّار أرسل الله عليه ريحا قاصفا فأطفأتها ، فكذلك اليهود كلّما أوقدوا نارا لحرب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطفأها الله (٧).

[٢ / ٤٧٢] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) قال : أما إضاءة النّار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى ، وذهاب نورهم إقبالهم إلى الكافرين

__________________

(١) النور ٢٤ : ٤٠.

(٢) الأنعام ٦ : ١٢٢.

(٣) تفسير مقاتل ١ : ٩١ ـ ٩٢.

(٤) ابن كثير ١ : ٥٧ ، ونقلا عن عبد الرحمان بن زيد بن أسلم ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٠ / ١٦٠.

(٥) البغوي ١ : ٩٠ ؛ مجمع البيان ١ : ١١٣ ؛ أبو الفتوح ١ : ١٤٠ ، نقلا عن سعيد بن جبير ومحمّد بن كعب وعطاء ويمان بن رئاب ؛ الثعلبي ١ : ١٦١ ، عن سعيد بن جبير ومحمّد بن كعب وعطاء ويمان بن رئاب.

(٦) التبيان ١ : ٨٨.

(٧) الثعلبي ١ : ١٦١.

١٦٧

والضلالة (١).

[٢ / ٤٧٣] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ...) الآية. قال : إنّ ناسا دخلوا في الإسلام عند مقدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، ثمّ نافقوا ، فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة ، فأوقد نارا أضآءت ما حوله من قذى أو أذى ، فأبصره حتّى عرف ما يتّقي. فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره ، فأقبل لا يدري ما يتّقي من أذى ، فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم ، فعرف الحلال من الحرام ، والخير من الشرّ ، بينا هو كذلك إذ كفر ، فصار لا يعرف الحلال من الحرام ، ولا الخير من الشرّ (٢).

[٢ / ٤٧٤] وعن الربيع بن أنس قال : ضرب مثل أهل النفاق ، فقال (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) ، قال : إنّما ضوء النار ونورها ما أوقدتها ، فإذا خمدت ذهب نورها. كذلك المنافق كلّما تكلّم بكلمة الإخلاص بلا إله إلّا الله أضاء له فإذا شكّ وقع في الظلمة (٣).

[٢ / ٤٧٥] وعن عبد الرحمان بن زيد في قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) إلى آخر الآية قال : هذه صفة [حالة] المنافقين كانوا قد آمنوا حتّى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الّذين استوقدوا ، ثمّ كفروا ، فذهب الله بنورهم ، فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار ، فتركهم في ظلمات لا يبصرون (٤).

[٢ / ٤٧٦] وأخرج عن الضحّاك بن مزاحم في قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) قال : أمّا النور فهو إيمانهم الّذي يتكلّمون به ، وأمّا الظلمات فهي ضلالتهم وكفرهم (٥).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٨٢ ـ ٨٣ ؛ الطبري ١ : ٢٠٧ / ٣٣٢ ؛ البخاري ٥ : ١٤٧ ، كتاب التفسير ، سورة البقرة ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥١ / ١٦١ و ١٦٣ ؛ الثعلبي ١ : ١٦١.

(٢) الدرّ ١ : ٨١ ؛ الطبري ١ : ٢٠٥ / ٣٢٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥١ / ١٦٢ ، عن السدّي.

(٣) الطبري ١ : ٢٠٧ / ٣٣٣ ؛ ابن كثير ١ : ٥٧ ، نقلا عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ، ابن أبي حاتم ١ : ٥٠ / ١٥٩ ، عن أبي العالية.

(٤) الطبري ١ : ٢٠٧ / ٣٣٤ ؛ ابن كثير ١ : ٥٧.

(٥) الطبري ١ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ / ٣٣١ ؛ ابن كثير ١ : ٥٧ ، بلفظ : وقال الضحّاك «ذهب الله بنورهم» أمّا نورهم فهو إيمانهم الّذي تكلّموا به ؛ أبو الفتوح ١ : ١٤١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥١ ـ ٥٢ / ١٦٥ و ١٦٩.

١٦٨

[٢ / ٤٧٧] وروي عن ابن مسعود وغيره : أنّ ذلك في قوم كانوا أظهروا الإسلام ثمّ أظهروا النفاق ، فكان النور الإيمان ، والظلمة نفاقهم (١).

قوله تعالى : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ)

[٢ / ٤٧٨] روى الصدوق بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) فقال : إنّ الله تعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنّه متى علم أنّهم لا يرجعون عن الكفر والضلال ، منعهم المعاونة واللطف ، وخلّى بينهم وبين اختيارهم» (٢).

[٢ / ٤٧٩] وقال السّدّي في قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) : فكانت الظلمة نفاقهم (٣).

[٢ / ٤٨٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) قال :

فذلك حين يموت المنافق فيظلم عليه عمله عمل السوء ، فلا يجد له عملا من خير عمل به يصدّق به قول «لا إله إلّا هو» (٤).

[٢ / ٤٨١] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) يقول : في عذاب إذا ماتوا (٥).

[٢ / ٤٨٢] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) قال : بكفرهم ونفاقهم. فتركهم الله في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حقّ (٦).

[٢ / ٤٨٣] وأخرجا عن ابن عبّاس في قوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) قال : لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه (٧).

__________________

(١) التبيان ١ : ٨٨.

(٢) العيون ١ : ١١٣ / ١٦ ، باب ١١ (ما جاء عن الرضا عليّ بن موسى عليه‌السلام من الأخبار في التوحيد) ؛ البحار ٥ : ١١ / ١٧.

(٣) ابن كثير ١ : ٥٧.

(٤) ابن كثير ١ : ٥٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٢ / ١٧٠.

(٥) الدرّ ١ : ٨١ ؛ الطبري ١ : ٢٠٥ / ٣٢٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٢ / ١٦٧.

(٦) الطبري ١ : ٢٠٥ / ٣٢٦ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٢ / ١٦٨.

(٧) الدرّ ١ : ٨١ ؛ الطبري ١ : ٢١٢ / ٣٣٦ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٢ / ١٧٢ ؛ ابن كثير ١ : ٥٧ ، نقلا عن ابن عبّاس وأبي العالية وقتادة بن دعامة.

١٦٩

[٢ / ٤٨٤] وأخرجا عن قتادة قال : صمّ عن الحقّ فلا يسمعونه ، بكم عن الحقّ فلا ينطقون به ، عمي عن الحقّ فلا يبصرونه (١).

[٢ / ٤٨٥] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ نعتهم فقال ـ سبحانه ـ : (صُمٌ) لا يسمعون ، يعني لا يعقلون (بُكْمٌ) خرس لا يتكلّمون بالهدى (عُمْيٌ) فهم لا يبصرون الهدى ، حين ذهب الله بنورهم ، يعني بإيمانهم (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) عن الضلالة إلى الهدى (٢).

[٢ / ٤٨٦] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله : (صُمٌّ بُكْمٌ) : فهم الخرس (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى الإسلام (٣).

[٢ / ٤٨٧] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) قال : عن ضلالتهم ، ولا يتوبون ولا يتذكّرون (٤).

[٢ / ٤٨٨] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) : أي فلا يرجعون إلى الهدى ولا إلى الخير فلا يصيبون نجاة ، ما كانوا على ما هم عليه (٥).

قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)

[٢ / ٤٨٩] أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابه في قوله (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) قال : كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الّذي ذكر الله ، فيه رعد شديد وصواعق وبرق ، فجعلا كلّما أصابتهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق ، أن تدخل الصواعق في مسامعها فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا ، قاما مكانهما لا يمشيان. فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمّدا فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما.

__________________

(١) الطبري ١ : ٢١٣ / ٣٣٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٣ / ١٧٤.

(٢) تفسير مقاتل ١ : ٩٢.

(٣) الدرّ ١ : ٨١ ؛ الطبري ١ : ٢١١ ـ ٢١٢ / ٣٣٧ و ٣٤٠ ، ابن أبي حاتم ١ : ٥٣ / ١٧٣ و ١٧٨ ، عن السدّي.

(٤) الدرّ ١ : ٨٣ ؛ الطبري ١ : ٢١٣ / ٣٣٩.

(٥) الطبري ١ : ٢١٣ / ٣٤١.

١٧٠

فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين ، مثلا للمنافقين الّذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما وإذا أضاء لهم مّشوا فيه فإذا كثرت أموالهم وولدهم وأصابوا غنيمة وفتحا مّشوا فيه وقالوا : إنّ دين محمّد حينئذ صدق واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء بهما البرق (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) فكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم وأصابهم البلاء ، قالوا هذا من أجل دين محمّد وارتدّوا كفّارا ، كما كان ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدّي ، مثله (١).

[٢ / ٤٩٠] وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) قال : كان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينزّل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا. (٢) أي فيفضحوا ويفضح نفاقهم فيعاقبوا.

[٢ / ٤٩١] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ). قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق لجبنه ، لا يسمع صوتا إلّا ظنّ أنّه قد أتى ، ولا يسمع صياحا إلّا ظنّ أنّه ميّت. أجبن قوم وأخذله للحقّ ، وقال الله في آية اخرى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)(٣)(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) قال : البرق هو الإسلام والظلمة هو البلاء والفتنة. فإذا رأى المنافق من الإسلام طمأنينة وعافية ورخاء وسلوة من عيش (قالُوا : إِنَّا مَعَكُمْ) ومنكم ، وإذا رأى من الإسلام شدّة وبلاء حقحق (٤) عندها فلا يصبر لبلائها ولم يحتسب أجرها ولم يرج عاقبتها. إنّما هو صاحب دنيا ، لها يغضب ولها يرضى ، وهو كما نعته الله (٥).

[٢ / ٤٩٢] وقال مقاتل بن سليمان : ثمّ ضرب للمنافقين مثلا فقال ـ سبحانه ـ : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ

__________________

(١) الدرّ ١ : ٨١ ـ ٨٢ ؛ الطبري ١ : ٢٢٣ / ٣٧٩.

(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٥٦ / ١٩٦.

(٣) المنافقون ٦٣ : ٤.

(٤) الحقحقة : الوقفة في السير لشدّة التعب.

(٥) الدرّ ١ : ٨٣ ؛ الطبري ١ : ٢٢٤ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤. وتقدّم الحديث عن الطبري ذيل الآية السابقة.

١٧١

السَّماءِ) يعني المطر (فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) مثل المطر مثل القرآن ، كما أنّ المطر حياة للناس فكذلك القرآن حياة لمن آمن به. ومثل الظلمات يعني الكافر بالقرآن يعني الضلالة الّتي هم فيها ، ومثل الرعد ما خوّفوا به من الوعيد في القرآن ، ومثل البرق الّذي في المطر مثل الإيمان وهو النور الّذي في القرآن (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) يقول : مثل المنافق إذا سمع القرآن فصمّ أذنيه كراهية للقرآن كمثل الّذي جعل أصبعيه في أذنيه من شدّة الصواعق (حَذَرَ الْمَوْتِ) يعني مخافة الموت. يقول : كما كره الموت من الصاعقة فكذلك يكره الكافر القرآن ، فالموت خير له من الكفر بالله ـ عزوجل ـ والقرآن. (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) يعني أحاط علمه بالكافرين (١).

[٢ / ٤٩٣] وأخرج عن ابن عبّاس في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ) الآية. قال : الصيّب : المطر. وهو مثل المنافق في ضوء ما تكلّم بما معه من كتاب الله ، وعمل مراءاة للناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره ، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك ، وأمّا «الظلمات» فالضلالة ، وأمّا «البرق» فالإيمان. وهم أهل الكتاب (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ) فهو رجل يأخذ بطرف الحقّ لا يستطيع أن يجاوزه (٢).

[٢ / ٤٩٤] وروي عن ابن عبّاس : أنّه مثل للقرآن ، شبّه المطر المنزل من السماء ، بالقرآن. وما فيه الظلمات ، بما في القرآن من الابتلاء. وما فيه من الرعد ، بما في القرآن من الزجر. وما فيه من البرق ، بما فيه من البيان وما فيه من الصواعق ، بما في القرآن من الوعيد آجلا والدعاء إلى الجهاد عاجلا (٣).

[٢ / ٤٩٥] وأخرج ابن جرير عن الضحّاك بن مزاحم في قوله : (فِيهِ ظُلُماتٌ) قال : أمّا الظلمات فالضلالة ، والبرق : الإيمان (٤).

[٢ / ٤٩٦] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله تعالى : (فِيهِ ظُلُماتٌ) قال : ابتلاء (٥).

[٢ / ٤٩٧] وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) قال : مثل ضرب للكفّار (٦).

[٢ / ٤٩٨] وقال عليّ بن ابراهيم في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) : أي كمطر ، وهو مثل الكفّار (٧).

__________________

(١) تفسير مقاتل ١ : ٩٢.

(٢) الدرّ ١ : ٨٢ ؛ الطبري ١ : ٢٢٣ / ٣٨٠.

(٣) التبيان ١ : ٩٣ ؛ مجمع البيان ١ : ١١٨.

(٤) الطبري ١ : ٢٢٥ / ٣٨٦. ومثله عن ابن عبّاس.

(٥) الطبري ١ : ٢٢٣ / ٣٨١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٤ / ١٨٢.

(٦) الطبري ١ : ٢٢٥ / ٣٨٩.

(٧) القمي ١ : ٣٤.

١٧٢

[٢ / ٤٩٩] وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة من طرق عن ابن عبّاس في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) قال : المطر.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد والربيع وعطاء ، مثله (١).

[٢ / ٥٠٠] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصيّب : المطر (٢).

[٢ / ٥٠١] وأخرج عن ابن جريج : قال : قال لي عطاء : الصيّب : المطر (٣).

[٢ / ٥٠٢] وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّما الصيّب من هاهنا» ، وأشار بيده إلى السماء (٤).

[٢ / ٥٠٣] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) قال : القطر (٥).

[٢ / ٥٠٤] وعن عبد الرحمان بن زيد ، قال : أو كغيث من السماء (٦).

[٢ / ٥٠٥] وقال الضحّاك : هو السحاب (٧).

[٢ / ٥٠٦] وقال سفيان : الصيّب : الّذي فيه المطر (٨).

[٢ / ٥٠٧] وقال مجاهد : الصيّب : الربيع (٩).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٨٣ ؛ أبو يعلى ٥ : ٧١ / ٢٦٦٤ ؛ الطبري ١ : ٢١٥ / ٣٤٦ عن ابن عبّاس و ٣٤٧ عن مجاهد ، و ٣٤٨ عن الربيع و ٣٥٠ عن عطاء ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٤ / ١٨٠ ، وزاد : قال أبو محمّد وكذلك فسرّه أبو العالية والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعطيّة العوفي وقتادة وعطاء الخراساني والسدّي والربيع بن أنس ؛ العظمة ٤ : ١٢٦٢ / ٧٤٣ ، باب ٢٤ (ذكر المطر ونزوله) ورقم ٧٤٤ عن مجاهد بعين اللفظ ورقم ٧٤٥ عن حكيم بن جابر ايضا بعينه ؛ البخاري ٢ : ٢١ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١٣ ؛ ابن كثير ١ : ٥٧.

(٢) الطبري ١ : ٢١٥ / ٣٤٥.

(٣) الطبري ١ : ٢١٤ / ٣٤٣ ؛ ابن كثير ١ : ٥٧ ؛ التبيان ١ : ٩١ ، ثمّ قال الشيخ رحمه‌الله : وبه قال ابن مسعود وجماعة من الصحابة وبه قال قتادة.

(٤) الدرّ ١ : ٨٣ ؛ الأوسط ٩ : ١٣٩ / ٩٣٥٣ ؛ مجمع الزوائد ٢ : ٢١٦.

(٥) الطبري ١ : ٢١٤ / ٣٤٢ ؛ التبيان ١ : ٩١.

(٦) الطبري ١ : ٢١٥ / ٣٤٩.

(٧) التبيان ١ : ٩١.

(٨) الطبري ١ : ٢١٥ / ٣٥٠.

(٩) التبيان ١ : ٩١.

١٧٣

[٢ / ٥٠٨] وأخرج ابن جرير عن مجاهد ، قال : الرعد : ملك يزجر السحاب بصوته (١).

[٢ / ٥٠٩] وأخرج عن شهر بن حوشب قال : الرعد : ملك موكّل بالسحاب ، يسوقه كما يسوق الحادي الإبل ، يسبّح (٢) كلّما خالفت سحابة سحابة صاح بها ، فإذا اشتدّ غضبه طارت النار من فيه ، فهي الصواعق الّتي رأيتم (٣).

[٢ / ٥١٠] وأخرج عن ابن عبّاس ، قال : الرعد : ملك من الملائكة اسمه الرعد ، وهو الّذي تسمعون صوته (٤).

[٢ / ٥١١] وأخرج الترمذي بإسناده إلى ابن عبّاس قال : «سألت اليهود النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الرعد ما هو؟ قال : ملك من الملائكة موكّل بالسحاب معه مخاريق (٥) من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله. فقالوا : فما هذا الصوت الّذي نسمع؟ قال : زجره بالسحاب إذا زجره حتّى ينتهي إلى حيث أمر. قالوا : صدقت» (٦).

[٢ / ٥١٢] وأخرج ابن جرير عن أبي مالك ، عن ابن عبّاس ، قال : الرعد : ملك يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير (٧).

__________________

(١) الطبري ١ : ١١٧ و ٢١٨ / ٣٥١ و ٣٥٧ ؛ الدرّ ٤ : ٦٢٣ ، سورة الرعد ، الآية ١٣.

(٢) اي تلك الصيحة هي تسبيحه.

(٣) الطبري ١ : ٢١٨ / ٣٥٣ ؛ البغوي ١ : ٩١ ، بلفظ : قال شهر بن حوشب : الرعد ملك يزجر السحاب فإذا تبدّدت ضمّها ، فإذا اشتدّ غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق ؛ التبيان ١ : ٩٣ ، بلفظ : روى شهر بن حوشب : إنّ الملك إذا اشتدّ غضبه طارت النار من فيه فهي الصواعق ؛ أبو الفتوح ١ : ١٤٥ ؛ الدرّ ٤ : ٦٢٢ ؛ سورة الرعد ، الآية ١٣ ؛ وفيه : أنّ الرعد ملك يزجر السحاب كما يحثّ الراعي الإبل ، فإذا شذّت سحابة ضمّها ، فإذا اشتدّ غضبه طار من فيه النار ، فهي الصواعق ؛ الثعلبي ١ : ١٦٣. وفيه : «الرعد ملك يزجي السحاب كما يحثّ الراعي الإبل فإذا انتبذت السحاب ضمّها ، فإذا اشتدّ غضبه طار من فيه النار فهي الصواعق».

(٤) الطبري ١ : ٢١٨ / ٣٥٤ ؛ الدرّ ٤ : ٦٢١ ـ ٦٢٢ نقلا عن ابن جرير وابن مردويه عن ابن عبّاس ، بتفاوت. سورة الرعد ، الآية ١٣.

(٥) مخاريق : جمع مخراق ، آلة شبه سوط يضرب بها البهائم. وهو في الأصل ثوب يلفّ ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا في لعبهم.

(٦) الترمذي ٤ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ / ٥١٢١ ، أبواب تفسير القرآن ، سورة الرعد ؛ النسائي ٥ : ٣٣٧ / ٩٠٧٢ ؛ القرطبي ١ : ٢١٧.

(٧) الطبري ١ : ٢١٨ / ٣٥٥ ؛ الدرّ ٤ : ٦٢٢ ، سورة الرعد ، الآية ١٣.

١٧٤

[٢ / ٥١٣] وأخرج عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : الرعد : اسم ملك ، وصوته هذا تسبيحه ، فإذا اشتدّ زجره السحاب اضطرب السحاب واحتك فتخرج الصواعق من بينه (١).

[٢ / ٥١٤] وأخرج عن شهر بن حوشب عن ابن عبّاس ، قال : الرعد : ملك يسوق السحاب بالتسبيح ، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه (٢).

[٢ / ٥١٥] وأخرج عن عكرمة ، قال : الرعد : ملك في السحاب يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل (٣).

[٢ / ٥١٦] وعنه أيضا قال : الرعد : ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل (٤).

[٢ / ٥١٧] وعن قتادة ، قال : الرعد : خلق من خلق الله سامع مطيع لله ـ عزوجل ـ (٥).

[٢ / ٥١٨] وعن عكرمة ، قال : إنّ الرعد ملك يؤمر بإزجاء السحاب فيؤلّف بينه ، فذلك الصوت تسبيحه (٦).

[٢ / ٥١٩] وأخرج عن أبي صالح قال : الرعد : ملك من الملائكة يسبّح (٧).

[٢ / ٥٢٠] وأخرج عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عبّاس إذا سمع الرعد ، قال : سبحان الّذي سبّحت له ، قال : وكان يقول : إنّ الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه (٨).

***

[٢ / ٥٢١] وعن ابن عبّاس : البرق مخاريق بأيدي الملائكة يزجرون بها السحاب (٩).

__________________

(١) الطبري ١ : ٢١٨ / ٣٥٦ ؛ الدرّ ٤ : ٦٢٢.

(٢) الطبري ١ : ٢١٨ / ٣٥٧ ؛ الدرّ ٤ : ٦٢١ ، سورة الرعد ، الآية ١٣.

(٣) الطبري ١ : ٢١٨ / ٣٥٨ ؛ الدرّ ٤ : ٦٢٢ ، بلفظ : ... عن عكرمة قال : إنّ الرعد ملك من الملائكة وكّل بالسحاب يسوقها كما يسوق الراعي الإبل.

(٤) الطبري ١ : ٢١٩ / ٣٦٤ ؛ الثعلبي ١ : ١٦٣ بنحوه.

(٥) الطبري ١ : ٢١٨ / ٢١٨.

(٦) الطبري ١ : ٢١٨ / ٣٦٠. والإزجاء : السياقة والدفع برفق.

(٧) الطبري ١ : ٢١٧ / ٣٥٢.

(٨) الطبري ١ : ٢١٩ / ٣٦٥. قوله : «سبّحت له» أي سبّحت السحب أو السماوات.

(٩) الطبري ١ : ٢٢٠ / ٣٦٩ ؛ كنز العمّال ٦ : ١٧٠ / ١٥٢٣٩.

١٧٥

[٢ / ٥٢٢] وعنه أيضا : هو سوط من نور يزجر به الملك السحاب (١).

[٢ / ٥٢٣] وعن مجاهد ، قال : البرق : مصع ملك (٢). (٣).

[٢ / ٥٢٤] وعن محمّد بن مسلم الطائفي ، قال : بلغني أنّ البرق ملك له أربعة أوجه : وجه إنسان ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، فإذا مصع بأجنحته فذلك البرق (٤).

[٢ / ٥٢٥] وعن شعيب الجبّائي ، قال : في كتاب الله الملائكة حملة العرش ، لكلّ ملك منهم وجه إنسان ، وثور ، وأسد ، فإذا حرّكوا أجنحتهم فهو البرق. وقال أمية بن أبي الصلت :

رجل وثور تحت رجل يمينه

والنّسر للأخرى وليث مرصد (٥)

[٢ / ٥٢٦] وعن مجاهد عن ابن عبّاس قال : البرق : ملك (٦).

[٢ / ٥٢٧] وقال ابن عبّاس : البرق ملك يتراءى (٧).

[٢ / ٥٢٨] وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ، قال : الصواعق ملك يضرب السحاب بالمخاريق يصيب منه من يشاء (٨).

ملحوظة

لعلّك تستغرب تفسير الرعد أو البرق بالملك وسياطه وزجره للسحب.

لكنّا قد نبّهنا ـ مسبقا ـ أنّ القوى العاملة في الطبيعة قد عبّر عنها بالملائكة سواء أكانت عاقلة كجبريل وميكال. أو غير عاقلة كالعوامل الطبيعية الّتي هي رهن إرادة الله تعالى في الخلق والتدبير.

فالتعابير في هكذا نصوص ، إنّما هي تعابير كنائيّة ، من قبيل الاستعارة في الكلام ، فلا تغفل.

__________________

(١) الطبري ١ : ٢٢٠ / ٣٧٠ ؛ القرطبي ١ : ٢١٧.

(٢) يقال : مصع البرق : لمع. الدابّة بذنبها : حرّكته. ومصع فلانا : ضربه بسوط ونحوه.

(٣) الطبري ١ : ٢٢١ / ٣٧٣ ؛ الدرّ ٤ : ٦١٩ ، سورة الرعد ، الآية ١٢ ، بلفظ : عن مجاهد قال : البرق مصع ملك ، يسوق السحاب.

(٤) الطبري ١ : ٢٢١ / ٣٧٤ ؛ الدرّ ٤ : ٦١٩ ، وفيه : فإذا مصع بذنبه فذلك البرق.

(٥) الطبري ١ : ٢٢١ / ٣٧٥ ؛ الدرّ ٤ : ٦١٩.

(٦) الطبري ١ : ٢٢١ / ٣٧٦.

(٧) القرطبي ١ : ٢١٧ ؛ الدرّ ٤ : ٦١٩ ، سورة الرعد الآية ١٢.

(٨) الطبري ١ : ٢٢٢ / ٣٧٧.

١٧٦

حديث مفترى

هناك روايات وردت بشأن مراجعة ابن عبّاس لأهل الكتاب في التاريخ واللغة والآداب ، ولا سيّما فيما يمسّ تفسير القرآن ، الأمر الّذي نستغر به جدّا مع وفرة أفاضل أمجاد من الصحابة الأعلام.

والّذي يزيد غرابة في ذلك أنّ الأسئلة الّتي ـ زعموا ـ وجّهها ابن عبّاس إلى أولئك اليهود هي مسائل تافهة وبسيطة جدّا ، ليس ينبغي لمثل حبر الأمّة السؤال عنها من أناس جهلاء لا شأن لهم في العلم والمعرفة سوى كونهم يقرأون سطورا من صحف محرّفة. ولعلّهم كانوا أحوج إلى السؤال من مثل ابن عبّاس!

[٢ / ٥٢٩] هذا ابن جرير الطبري يروي بإسناده إلى أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الجلد إذ جاءه رسول ابن عبّاس بكتاب إليه. فكتب إليه : تسألني عن البرق ، فالبرق : الماء (١).

[٢ / ٥٣٠] وفي حديث آخر بنفس الإسناد : كتب إليه : كتبت تسألني عن الرعد ، فالرعد : الريح (٢).

يا ترى هل يجهل مثل ابن عبّاس ـ وهو العربيّ الصميم ـ معنى الرعد والبرق ، حتّى يسأل رجلا غريبا في حياته ، مجهولا في نسبه وحسبه؟!

[٢ / ٥٣١] وهكذا أخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : كتب ابن عبّاس إلى أبي الجلد يسأله عن الصواعق ، فكتب إليه : أنّ الصواعق مخاريق يزجر بها السحاب (٣).

ثمّ من هو أبو الجلد؟

ذكر ابن سعد في الطبقات أنّ أبا الجلد الجوني ـ حيّ من الأزد ـ اسمه جيلان بن فروة ، كان يقرأ الكتب. وزعمت ابنته ميمونة : أنّ أباها كان يقرأ القرآن في كلّ سبعة أيّام. ويختم التوراة في ستّة ، يقرأها نظرا. فإذا كان يوم يختمها حشد لذلك ناس (٤)!

لا شكّ أنّها مغالاة من ابنته ، يقول جولد تسيهر : ولا يتّضح حقّا من هذا الخبر الغامض ، الّذي

__________________

(١) المصدر : ٢٢١ / ٣٧١.

(٢) المصدر : ٢١٩ / ٣٦٦.

(٣) ابن أبي حاتم ١ : ٥٦ / ١٩٧.

(٤) الطبقات ٧ : ٢٢٢.

١٧٧

زادته مغالاة ابنته غموضا ، أيّ نسخة من التوراة كان يستخدمها في دراسته (١).

وقد كانت دراستنا بهذا الشأن وافية ، في كتابنا «التفسير والمفسّرون» (الجزء التاسع من التمهيد) فراجع.

مخاريق هزيلة

[٢ / ٥٣٢] اسندوا إلى ابن عبّاس أنّه قال : كنّا مع عمر بن الخطاب في سفرة بين المدينة والشام ومعنا كعب الأحبار ، قال : فأصابتنا ريح وأصابنا رعد ومطر شديد وبرق ، وفرق الناس (٢). قال : فقال لي كعب : إنّه من قال حين يسمع الرعد : سبحان من يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، عوفي ممّا يكون في ذلك السحاب والبرد والصواعق. قال : فقلتها أنا وكعب فلمّا أصبحنا واجتمع الناس ، قلت لعمر : يا أمير المؤمنين ، كأنّا كنّا في غير ما كان فيه الناس! قال : وما ذاك؟ قال : فحدّثته حديث كعب ، قال : سبحان الله! أفلا قلتم لنا فنقول كما قلتم!

ـ وفي رواية ـ فإذا بردة (٣) قد اصابت أنف عمر فأثّرت به.

قال القرطبي : ذكر الروايتين أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب البغدادي في روايات الصحابة عن التابعين (٤).

قلت : ما أعلى كعب كعب عند هؤلاء المساكين حسبوا من رأس اليهود عملاقا يعلم كلّ شيء ويفوق علمه علم الصحابة النبهاء ، فيالها من مخلقة تنبو بها روح الإسلام الزكيّة الطاهرة!

وأورد القرطبي هذا الخبر في تفسير سورة الرعد ، جاء فيه :

[٢ / ٥٣٣] وذكر الخطيب من حديث سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس عن أبيه عن جدّه قال : كنّا مع عمر في سفر فأصابنا رعد وبرد ، فقال لنا كعب : من قال حين سمع الرعد : «سبحان من يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته» ثلاثا عوفي ممّا يكون في ذلك الرعد. ففعلنا فعوفينا.

قال : ثمّ لقيت عمر بن الخطّاب فإذا بردة قد أصابت أنفه فأثّرت به ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا؟ قال : بردة أصابت أنفي فأثّرت فقلت : إنّ كعبا حين سمع الرعد قال لنا : من قال حين يسمع

__________________

(١) مذاهب التفسير الإسلامي : ٨٦.

(٢) فرق : فزع.

(٣) البردة ـ بالتحريك ـ : حبّ الغمام.

(٤) القرطبي ١ : ٢١٨.

١٧٨

الرعد : «سبحان من يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته» ثلاثا عوفي ممّا يكون في ذلك الرعد ، فقلنا فعوفينا! فقال عمر : أفلا قلتم لنا حتّى نقولها؟ (١)

قلت : لا شكّ أنّه خبر موضوع ، بعد تظافر الروايات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه هو الّذي علّم أصحابه ذلك :

[٢ / ٥٣٤] فيما رواه أبو هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سمع صوت الرعد يقول : «سبحان من يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كلّ شيء قدير» ، فإن أصابته صاعقة فعليّ ديته (٢).

ولفظة «كان» تدلّ على تداومه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك على ملاء من أصحابه.

[٢ / ٥٣٥] ومن ثمّ روي عن ابن عبّاس أيضا كان يقول : من سمع صوت الرعد فقال : سبحان الّذي يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كلّ شيء قدير ، فإن أصابته صاعقة فعليّ ديته.

[٢ / ٥٣٦] وهكذا كان عبد الله بن الزبير إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال : سبحان من يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته. ويقول : إنّ هذا الوعيد لأهل الارض شديد (٣).

وهكذا روى الثعلبي في تفسيره (٤).

[٢ / ٥٣٧] وأخرج أحمد عن حجاج بن أرطأة عن أبي مطر عن سالم يحدّث عن أبيه قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال : «أللهمّ لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك» (٥).

[٢ / ٥٣٨] وأخرج ابن جرير عن قتادة : أنّه كان يتأوّل قوله : (حَذَرَ الْمَوْتِ) حذرا من الموت (٦).

[٢ / ٥٣٩] وأخرج عن ابن جريج قال : ليس شيء في الأرض سمعه المنافق إلّا ظنّ أنّه يراد به

__________________

(١) القرطبي ٩ : ٢٩٨.

(٢) هكذا رواه القرطبي في التفسير ٩ : ٢٩٨ وراجع : الثعلبي ٥ : ٢٧٩.

(٣) البغوي ٣ : ١١.

(٤) الثعلبي ٥ : ٢٧٩.

(٥) مسند أحمد ٢ : ١٠٠ ـ ١٠١ ؛ الثعلبي ٥ : ٢٧٩ ؛ البغوي ١ : ٩١.

(٦) الطبري ١ : ٢٢٧ / ٣٩٠.

١٧٩

وأنّه الموت كراهية له ، والمنافق أكره خلق الله للموت ، كما إذا كانوا بالبراز (١) في المطر فرّوا من الصواعق (٢).

[٢ / ٥٤٠] وعن ابن عبّاس في قوله : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) يقول : الله منزل ذلك بهم من النقمة (٣).

[٢ / ٥٤١] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) قال : جامعهم في جهنّم (٤).

قوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

[٢ / ٥٤٢] أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله : (يَكادُ الْبَرْقُ) قال : يلتمع (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) ولمّا يخطف. وكلّ شيء في القرآن «كاد ، وأكاد ، وكادوا» فإنّه لا يكاد ، أبدا (٥).

قوله : أبدا أي هذا الحكم سار في جميع القرآن عامّة.

[٢ / ٥٤٣] وقال عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى : (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) : أي يعمي (٦).

[٢ / ٥٤٤] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) يقول : يكاد محكم القرآن يدلّ على عورات المنافقين (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) يقول : كلّما أصاب المنافقون من الإسلام عزّا اطمأنوا ، وإن أصابوا من الإسلام نكبة ، قالوا : ارجعوا إلى الكفر. يقول : (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ...) الآية (٧). (٨).

__________________

(١) البراز ـ بفتح الباء ـ : الخلاء ، الأرض الواسعة الّتي تخلو عن أعين الناظرين.

(٢) الطبري ١ : ٢٢٥ / ٣٨٨.

(٣) الطبري ١ : ٢٢٨ / ٣٩٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٧ / ١٩٩.

(٤) الدرّ ١ : ٨٣ ؛ الطبري ١ : ٢٠٧ / ٣٩١ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٧ / ٢٠٠.

(٥) الدرّ ١ : ٨٣ ـ ٨٤ ؛ الطبري ١ : ٢٢٩ / ٣٩٣ ، بلفظ : «يلتمع أبصارهم ولمّا يفعل» ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٧ / ٢٠٤ ، إلى قوله : «ولمّا يخطف».

(٦) القمي ١ : ٣٤.

(٧) الحجّ ٢٢ : ١١.

(٨) الطبري ١ : ٢٢٤ / ٣٨١.

١٨٠