التفسير الأثري الجامع - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-94552-4-8
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٤١٦

[١ / ٥٢٠] وروى صاحب كتاب الاحتجاج في حديث طويل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه : «كان يقول لأصحابه قولوا : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي واحدا ، لا نقول كما قالت الدهرية : إنّ الأشياء لا بدوّ لها وهي دائمة ، ولا كما قال الثنويّة الذين قالوا إنّ النور والظلمة هما المدبّران ، ولا كما قال مشركو العرب إنّ أوثاننا آلهة. فلا نشرك بك شيئا ولا ندعو من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفّار ، ولا نقول كما تقول اليهود والنصارى إنّ لك ولدا ، تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا» (١).

[١ / ٥٢١] وروى الطبرسي في المجمع : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تعالى منّ عليّ بفاتحة الكتاب ، إلى قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إخلاص للعبادة (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أفضل ما طلب به العباد حوائجهم» (٢).

[١ / ٥٢٢] وروى العيّاشي عن الحسن بن محمّد الجمّال عن بعض أصحابنا قال : «اجتمع أبو عبد الله عليه‌السلام مع رجل من القدريّة عند عبد الملك بن مروان ، فقال القدريّ لأبي عبد الله عليه‌السلام : سل عمّا شئت ، فقال له : إقرأ سورة الحمد ، فجعل القدريّ يقرأ سورة الحمد حتّى بلغ قول الله تبارك وتعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.) فقال له جعفر : قف ، من تستعين؟ وما حاجتك إلى المعونة إن كان الأمر إليك؟! فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين» (٣).

تفسير (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)

وهذا ابتهال من العبد إلى الله أن يجعله في كنف رحمته وأن تشمله عنايته طول الحياة. فلا يضلّ الطريق أبدا ، لا في حياته المادّيّة ولا في المعنويّات ، والاهتداء إلى معالم الإنسانيّة العليا الكريمة ، وأن يهديه سبيل الرشاد.

والصراط المستقيم هي سبيل السعادة في الحياة ، إن مادّيّا أو معنويّا ، فيكون ـ تعالى ـ هو وليّه في طول المسير ، فيخرجه من الظّلمات (غياهب الحياة ومضلّاتها) إلى النّور (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٤). وهذا يعني تداوم عنايته تعالى بعباده المؤمنين ، فلا يجابهون

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٢٠ ؛ الاحتجاج ١ : ٢٥ ، باب احتجاجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جماعة من المشركين ؛ كنز الدقائق ١ : ٦٣ ـ ٦٤ ؛ البحار ٩ : ٢٦٦ / ١ ، باب ما احتج الرسول على المشركين.

(٢) مجمع البيان ١ : ٧٢ ؛ البحار ٨٢ : ٢١ / ١٠.

(٣) العيّاشي ١ : ٣٧ / ٢٤ ؛ البحار ٨٩ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ / ٤٤ ، و ٥ : ٥٥ ـ ٥٦ / ٩٨.

(٤) البقرة ٢ : ٢٥٧.

٣٨١

منعطفا عن النهج السّويّ في مسيرة الحياة ، لأنّهم ، بشراشر وجودهم ، آمنون ومطمئنّون في كنف ولايته تعالى ، مستريحون في ظلّ عنايته عبر الأبد.

هذا ما يبتغيه كلّ مؤمن ، صادق في إيمانه ، مصرّا عليه آنات ليله ونهاره ، من نبيّ كريم ، ووليّ عظيم ، ومؤمن خالص العبوديّة لله ربّ العالمين.

قال المحقق الفيض الكاشاني قدس‌سره : لمّا كان العبد محتاجا إلى الهداية في جميع أموره ، آنا فآنا ولحظة فلحظة ، فإدامة الهداية هي هداية أخرى بعد الهداية الأولى.

فتفسير [طلب] الهداية ب [طلب] إدامتها ، ليس خروجا عن ظاهر اللفظ (١).

وعليه فالمبتغى في هذه الآية هو : شمول عنايته تعالى الخاصّة بعباده المؤمنين ، وتداومها مع مسيرة الحياة إلى الأبد ، حيث دار الرضوان ، (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ)(٢). (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ)(٣).

وقد وردت روايات في تفسير الصراط المستقيم ـ هنا ـ بما يلتئم وما ذكرناه من معنى :

[١ / ٥٢٣] روى الصدوق ـ فيما ذكره الفضل بن شاذان من العلل ـ عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّه قال : «(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) استرشاد لدينه ، واعتصام بحبله ، واستزادة في المعرفة لربّه عزوجل ولعظمته وكبريائه» (٤).

[١ / ٥٢٤] وروي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وكذا عن أبيّ بن كعب في معنى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ :) أي ثبّتنا (٥). ومعنى «ثبّتنا» : أقمها وأدمها. (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ. نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)(٦).

[١ / ٥٢٥] وعن السدّي ومقاتل : أرشدنا.

[١ / ٥٢٦] وعن الضحّاك : ألهمنا. وبعضهم قال : بيّن لنا.

قال الشيخ أبو الفتوح الرازي : والمعاني متقاربة. والجميع يرجع إلى ما ذكرناه في تفسير

__________________

(١) الصافي ١ : ١٢٦.

(٢) التوبة ٩ : ٧٢.

(٣) الحديد ٥٧ : ٢٧.

(٤) الفقيه ١ : ٣١٠ / ٩٢٦.

(٥) أبو الفتوح ١ : ٨٤.

(٦) فصّلت ٤١ : ٣٠ ـ ٣٢.

٣٨٢

الاستعانة. وهو : طلب المعونة من الله ، والسين للطلب. والمعونة من الله هي ألطافه تعالى وتمهيد أسباب الخير ممّا يقرّب العبد إلى الطاعة ويجنّبه عن ارتكاب العصيان ...

قال : ولو حملت على استبقاء القدرة على الطاعة والكمال والعقل وموجبات الاستكانة لله عزوجل جاز ... (١).

[١ / ٥٢٧] وروى الصدوق بإسناده إلى محمّد بن القاسم الأستر آبادي المفسّر قال : حدّثني يوسف بن محمّد بن زياد وعلي بن محمّد بن سيار عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : «أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ما مضى من أيّامنا ، حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا ، والصراط المستقيم هو صراطان : صراط في الدنيا وصراط في الآخرة ، فأمّا الطريق المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلوّ وارتفع عن التقصير ، واستقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل ، وأمّا الطريق الآخر طريق المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنّة إلى النار. ولا إلى غير النار سوى الجنّة» (٢).

[١ / ٥٢٨] قال : وقال جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام في قوله عزوجل : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : «يقول : أرشدنا إلى الصراط المستقيم ، أرشدنا للزوم الطريق المؤدّي إلى محبّتك ، والمبلّغ إلى دينك (٣) ، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك» (٤).

[١ / ٥٢٩] وأخرج الطبري عن محمود بن خداش ، قال : حدّثنا محمّد بن ربيعة الكلابي ، عن إسماعيل الأزرق ، عن أبي عمر البزّار ، عن ابن الحنفيّة في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره (٥).

[١ / ٥٣٠] وأخرج عن ابن عباس في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : ألهمنا الطريق الهادي ، وهو دين الله الذي لا عوج له (٦).

__________________

(١) راجع : تفسيره ـ روض الجنان ـ ١ : ٨٤.

(٢) معاني الأخبار : ٣٣ / ٤ ، باب ٢١ (معنى الصراط) ؛ تفسير الإمام : ٤٤ / ٢٠ ؛ البحار ٢٤ : ٩ / ١.

(٣) في تفسير الإمام : «والمبلّغ إلى جنّتك ...».

(٤) معاني الأخبار : ٣٣ / ٤ ؛ تفسير الإمام : ٤٤.

(٥) الطبري ١ : ١١٢ ؛ القرطبي ١ : ١٤٧ ؛ ابن كثير ١ : ٢٩ ؛ المحرر الوجيز ١ : ٧٤.

(٦) الدرّ ١ : ٣٨ ؛ الطبري ١ : ١١١.

٣٨٣

[١ / ٥٣١] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) يقول ألهمنا دينك الحق (١).

[١ / ٥٣٢] وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الذي تركنا عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

[١ / ٥٣٣] وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) تركنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على طرفه ، والطرف الآخر في الجنّة (٣).

[١ / ٥٣٤] وقال سعيد بن جبير : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) طريق الجنّة (٤).

[١ / ٥٣٥] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الإسلام (٥).

[١ / ٥٣٦] قال ابن كثير : وقال إسماعيل بن عبد الرحمان السّديّ الكبير عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قالوا : هو الإسلام (٦).

[١ / ٥٣٧] وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الإسلام (٧).

[١ / ٥٣٨] وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والمحاملي في أماليه من نسخة المصنف والحاكم وصحّحه عن جابر بن عبد الله في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : هو الإسلام ، وهو أوسع مما بين السماء والأرض (٨).

[١ / ٥٣٩] وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية الرياحي قال : «تعلّموا الإسلام ، فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه ، وعليكم بالصراط المستقيم فإنّ (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الإسلام ، ولا تحرفوا يمينا وشمالا» (٩).

__________________

(١) ابن أبي حاتم ١ : ٣٠ / ٣٦ ؛ الدرّ ١ : ٣٨.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩ ؛ الكبير ١٠ : ١٩٩ / ١٠٤٥٤ ؛ ابن كثير ١ : ٣٠.

(٣) الدرّ ١ : ٣٩ ؛ الشعب ٢ : ٢٢٦ / ١٥٩٨.

(٤) البغوي ١ : ٧٦ ؛ أبو الفتوح ١ : ٨٥.

(٥) الطبري ١ : ١١٢ / ١٥٣ ؛ الدرّ ١ : ٣٨.

(٦) ابن كثير ١ : ٢٩.

(٧) الدرّ ١ : ٣٨ ؛ الطبري ١ : ١١١ / ١٥١.

(٨) الدرّ ١ : ٣٨ ؛ الطبري ١ : ١١١ / ١٤٩ ؛ الحاكم ٢ : ٢٥٩ ، كتاب التفسير.

(٩) الدرّ ١ : ٤٠ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ١١ : ٣٦٧ / ٢٠٧٥٨ ؛ الكامل لابن عدىّ ٣ : ١٦٣.

٣٨٤

[١ / ٥٤٠] وأخرج أحمد والترمذي وحسّنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصحّحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن النوّاس بن سمعان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داع يقول : يا أيّها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجّوا. وداع يدعو من جوف الصراط ، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال : ويحك ، لا تفتحه فإنّك إن تفتحه تلجه. فالصراط الإسلام ، والسوران حدود الله ، والأبواب المفتّحة محارم الله ، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله ، والداعي من جوف واعظ الله تعالى في قلب كلّ مسلم» (١).

[١ / ٥٤١] وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو بكر ابن الأنباري في كتاب المصاحف والحاكم وصحّحه والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : هو كتاب الله (٢).

[١ / ٥٤٢] وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال : إنّ هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين. يا عباد الله هذا الصراط فاتّبعوه ، و (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) كتاب الله فتمسّكوا به (٣).

[١ / ٥٤٣] وأخرج ابن أبي شيبة والدارمي والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عليّ عليه‌السلام قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ستكون فتن. قلت : وما المخرج منها؟ قال : كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل وليس بالهزل ، وهو حبل الله المتين ، وهو ذكره الحكيم ، وهو الصراط

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩ ؛ مسند أحمد ٤ : ١٨٢ ؛ الترمذي ٤ : ٢٢٢ / ٣٠١٩ ، أبواب الأمثال عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باب ١ ؛ النسائي ٦ : ٣٦١ ، كتاب التفسير ، في تفسير آية ٢٥ من سورة يونس ؛ الطبري ١ : ١١٢ / ١٥٧ ؛ الحاكم ١ : ٧٣ ؛ الشعب ٥ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥ / ٧٢١٦ ؛ كنز العمّال ١ : ١٨٢ / ٩٢١ ؛ ابن كثير ١ : ٢٩. وفيه : «وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث اللّيث بن سعد. ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن عليّ بن حجر عن بقية عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير عن نفير عن النوّاس بن سمعان. وهو إسناد حسن صحيح والله أعلم». صحّحنا الحديث على مختلف المصادر.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩ ؛ الطبري ١ : ١١١ / ١٤٨ ؛ الحاكم ٢ : ٢٥٨ ، كتاب التفسير ؛ الشعب ٢ : ٣٢٦ / ١٩٣٨ ؛ ابن كثير ١ : ٢٩ ، وكذا عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ البغوي ١ : ٧٦. وفيه : «وقال ابن مسعود : هو القرآن» ؛ مجمع البيان ١ : ٦٦ ؛ التبيان ١ : ٤٢.

(٣) الدرّ ١ : ٣٩.

٣٨٥

المستقيم» (١).

[١ / ٥٤٤] وأخرج البيهقي في الشعب من طريق قيس بن سعد عن رجل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «القرآن هو النور المبين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم» (٢).

[١ / ٥٤٥] وقال الطبرسي : وقيل في معنى «الصراط» وجوه : أحدها أنّه كتاب الله وهو المرويّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن عليّ عليه‌السلام (٣).

[١ / ٥٤٦] وروى الطبري بإسناده إلى الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال وذكر القرآن فقال : هو الصّراط المستقيم.

قال : حدّثنا بذلك موسى بن عبد الرحمان المسروقي قال : حدّثنا حسين الجعفي عن حمزة الزيّات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث عن الحارث عن عليّ عليه‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

وهكذا ما ورد من تفسير (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) بصراط الأنبياء.

[١ / ٥٤٧] روى أبو النّصر مسعود بن عيّاش السمرقندي بإسناده إلى محمّد بن مسلم عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله منّ عليّ بفاتحة الكتاب من كنز الجنّة ـ إلى قوله ـ : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) صراط الأنبياء ، وهم الذين أنعم الله عليهم» (٥).

وكذا ما ورد من تفسيره بولاية الرسول الأعظم وآل بيته الأطياب. فإنّهم العصمة الموصولة بين الله وبين العباد ، من تمسّك بحبل ولائهم نجى ومن فارقهم ضلّ وهوى. إنّهم القدوة وبهم الأسوة وإنّهم السبل إلى الله وكهف الورى وورثة الأنبياء والمثل الأعلى والدعوة الحسنى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ....

[١ / ٥٤٨] وجاء ـ خطابا مع الأئمّة المعصومين في زيارتهم ـ : «أنتم الصراط الأقوم ، وشهداء دار الفناء ، وشفعاء دار البقاء ، والرحمة الموصولة ، والآية المخزونة ، والأمانة المحفوظة ، والباب

__________________

(١) الدرّ ١ : ٣٩ ؛ المصنّف ٧ : ١٦٤ / ٢ ، كتاب ٢٦ ، باب ١٦ (في التمسّك بالقرآن) ؛ الدّارمي ٢ : ٤٣٥ ؛ الترمذي ٤ : ٢٤٥ / ٣٠٧٠ ، باب ١٤ (ما جاء في فضل القرآن) ؛ الشعب ٢ : ٣٢٥ ـ ٣٢٦ / ١٩٣٥ ؛ كنز العمّال ١ : ١٧٥ / ٨٨٧ ؛ القرطبي ١ : ٥ ؛ أبو الفتوح ١ : ٨٥.

(٢) الدرّ ١ : ٣٩ ؛ الشعب ٥ : ٣٢٦ / ١٩٣٧ ؛ كنز العمّال ١ : ٥١٧ / ٢٣٠٩.

(٣) نور الثّقلين ١ : ٢٠ ؛ مجمع البيان ١ : ٦٦ ؛ التبيان ١ : ٤٢ ؛ كنز الدقائق ١ : ٦٨.

(٤) الطبري ١ : ١١٠ ـ ١١١ / ١٤٧ ؛ البغوي ١ : ٧٦.

(٥) العيّاشي ١ : ٣٦ / ١٧ ؛ البحار ٨٩ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ / ٤٠.

٣٨٦

المبتلى به الناس ، من أتاكم نجى ومن لم يأتكم هلك ... سعد من والاكم ، وهلك من عاداكم ، وخاب من جحدكم ، وضلّ من فارقكم ، وفاز من تمسّك بكم ، وأمن من لجأ إليكم ، وسلم من صدّقكم ، وهدي من اعتصم بكم ...» (١).

[١ / ٥٤٩] وروى الصدوق بإسناده إلى حنان بن سدير عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام قال : «قول الله عزوجل في الحمد (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يعنى : محمّدا وذرّيّته ، صلوات الله عليهم» (٢).

[١ / ٥٥٠] وأخرج الحاكم الحسكاني بإسناده المتّصل إلى مسلم بن حيّان عن أبي بريدة في قول الله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : صراط محمّد وآله عليهم‌السلام. (٣)

[١ / ٥٥١] وبإسناده إلى وكيع بن الجرّاح عن سفيان الثوري عن أسباط ومجاهد عن ابن عباس قال : يقول : قولوا معاشر العباد : اهدنا إلى حبّ النبيّ وأهل بيته.

[١ / ٥٥٢] وبإسناده إلى حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : «أنت الطريق الواضح ، وأنت الصراط المستقيم ، وأنت يعسوب المؤمنين».

[١ / ٥٥٣] وبإسناده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله جعل عليّا وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه ، وهم أبواب العلم في أمّتي ، من اهتدي بهم هدي إلى صراط مستقيم» (٤).

[١ / ٥٥٤] وأخرج بإسناده إلى الإمام أبي جعفر الباقر عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلج الجنّة بغير حساب (٥) ، فليتولّ وليّي ووصيّي وصاحبي وخليفتي ... فوعزّة ربّي وجلاله ، إنّه لباب الله الذي لا يؤتى إلّا منه ، وإنّه الصراط المستقيم ، وإنّه الذي يسأل الله عن ولايته يوم القيامة» (٦).

[١ / ٥٥٥] وقد أخرج الديلمي بإسناده إلى أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ في قوله

__________________

(١) الزيارة الجامعة.

(٢) معاني الأخبار : ٣٦ / ٧.

(٣) راجع : الثعلبي ١ : ١٢٠.

(٤) شواهد التنزيل ١ : ٥٧ ـ ٥٨.

(٥) إشارة إلى قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) الانشقاق ٨٤ : ٨.

(٦) شواهد التنزيل ١ : ٥٩.

٣٨٧

تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)(١) ـ : «وقفوهم ، إنّهم مسؤولون عن ولاية عليّ» (٢).

قال ابن حجر الهيثمي : وكأنّ هذا هو مراد الواحدي بقوله : روي في قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) أي عن ولاية عليّ وأهل البيت ، لأنّ الله أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجرا إلّا المودّة في القربى. والمعنى : أنّهم يسألون : هل والوهم حقّ الموالاة ، كما أوصاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم أضاعوها وأهملوها ، فتكون عليهم المطالبة والتبعة (٣).

[١ / ٥٥٦] وروى الحاكم الحسكاني بإسناده إلى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا كان يوم القيامة أوقف أنا وعليّ على الصراط ، فما يمرّ بنا أحد إلّا سألناه عن ولاية عليّ ، فمن كانت معه وإلّا ألقيناه في النار. وذلك قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)» (٤).

[١ / ٥٥٧] وهكذا روى بإسناده إلى أبي حفص الصائغ عن عبد الله بن الحسن في قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(٥) ، قال : يعني : عن ولايتنا ، والله يا أبا حفص (٦).

[١ / ٥٥٨] قال ابن الفارسي الفتّال : وروي في أخبارنا : أنّ النعيم ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٧).

[١ / ٥٥٩] وروى الشيخ في الأمالي بإسناده إلى أبي سليمان ، عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام في الآية قال : «نحن من النعيم. وفي قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً)(٨) ، قال : نحن الحبل» (٩).

[١ / ٥٦٠] وروى الصدوق بإسناده إلى محمّد بن سنان عن المفضل بن عمر قال : حدّثني أبو حمزة ثابت بن دينار الثمالي عن سيّد العابدين علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : «نحن أبواب الله ، ونحن الصراط المستقيم ، ونحن عيبة علمه ، ونحن تراجمة وحيه ، ونحن أركان توحيده ، ونحن موضع سرّه» (١٠).

__________________

(١) الصافات ٣٧ : ٢٤.

(٢) هكذا رواه الحاكم الحسكاني بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري وابن عبّاس وأبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، شواهد التنزيل ٢ : ١٠٦ ـ ١٠٨ / ٧٨٥ ـ ٧٩٠ ، باب ١٣٥.

(٣) الصواعق المحرقة : ٨٩.

(٤) شواهد التنزيل ٢ : ١٠٧ / ٧٨٨.

(٥) التكاثر ١٠٢ : ٨.

(٦) شواهد التنزيل ٢ : ٣٦٩ / ١١٥٢.

(٧) روضة الواعظين للفتّال : ٤٩٣ ؛ البرهان ٨ : ٣٧٤ / ٥.

(٨) آل عمران ٣ : ١٠٣.

(٩) الأمالي ١ : ٢٧٢ / ٦ ؛ البرهان ٨ : ٣٧٤ / ٦.

(١٠) معاني الأخبار : ٣٥ / ٥٠.

٣٨٨

[١ / ٥٦١] وروى علي بن إبراهيم بإسناده إلى الإمام الصادق عليه‌السلام في الآية قال : «الطريق ، هو معرفة الإمام» (١).

[١ / ٥٦٢] وبإسناده إلى عليّ بن رئاب قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «نحن والله سبيل الله الذي أمر الله باتّباعه ، ونحن والله الصراط المستقيم ، ونحن والله الذين أمر الله العباد بطاعتهم ، فمن شاء فليأخذ هنا ، ومن شاء فليأخذ هناك ، لا يجدون والله عنّا محيصا» (٢).

[١ / ٥٦٣] وروى الصدوق بإسناده إلى أبي بصير عن خيثمة الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال : «نحن خيرة الله ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عزوجل» (٣).

[١ / ٥٦٤] وروى بإسناده إلى المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصراط؟ فقال : «هو الطريق إلى معرفة الله عزوجل. قال : والصراط في الدنيا هو الإمام المفترض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه ، مرّ على الصراط ، ومن لم يعرفه زلّت قدمه ...» (٤).

[١ / ٥٦٥] وروى القمّي بإسناده إلى سعدان بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الصراط؟ فقال : «هو أدقّ من الشعر ، وأحدّ من السيف ، فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق ، ومنهم من يمرّ عليه مثل عدو الفرس ، ومنهم من يمرّ عليه ماشيا ، ومنهم من يمرّ عليه حبوا ، ومنهم من يمرّ عليه متعلّقا ، فتأخذ النار منه شيئا وتترك منه شيئا» (٥).

[١ / ٥٦٦] وروي عن الصادق عليه‌السلام : إنّ الصورة الإنسانيّة هي الطريق المستقيم إلى كلّ خير ، والجسر الممدود بين الجنة والنار (٦).

[١ / ٥٦٧] وفي رواية أخرى : «إنّه مظلم ، يسعى الناس عليه على قدر أنوارهم» (٧).

قال المحقق الفيض الكاشاني ـ بعد نقل لفيف من هذه الأحاديث ـ : ومآل الكلّ واحد عند العارفين بأسرارهم. وبيانه ـ على قدر فهمك ـ : أنّ لكلّ إنسان من ابتداء حدوثه إلى منتهى عمره انتقالات جبلّيّة باطنيّة في الكمال ، وحركات طبيعيّة ونفسانيّة تنشأ من تكرار الأعمال ، وتنشأ منها المقامات والأحوال ومن مقام إلى مقام ومن كمال إلى كمال ، حتّى يتّصل بالعالم العقلي

__________________

(١) القمّي ١ : ٢٨.

(٢) المصدر ٢ : ٦٦.

(٣) كمال الدين ١ : ٢٠٦ / ٢٠.

(٤) بتلخيص عن معاني الأخبار : ٣٢ / ١.

(٥) القمّي ١ : ٢٩.

(٦) الصافي ١ : ١٢٧.

(٧) المصدر.

٣٨٩

والمقرّبين ، ويلحق بالملأ الأعلا والسابقين ، إن ساعده التوفيق ، وكان من الكاملين. أو بأصحاب اليمين ، إن كان من المتوسّطين ، أو يحشر مع الشياطين وأصحاب الشمال ، إن ولّاه الشيطان وقارنه الخذلان في المآل.

وهذا معنى الصراط المستقيم ، منه ما إذا سلكه أوصله الجنّة ، وهو ما يشتمل عليه الشرع ، كما قال الله عزوجل : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، صراط الله وهو صراط التوحيد والمعرفة والتوسّط بين الأضداد في الأخلاق ، والتزام صوالح الأعمال.

وبالجملة : صورة الهدى الذي أنشأه المؤمن لنفسه مادام في دار الدنيا ، مقتديا فيه بهدى إمامه ، وهو أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف في المعنى ، مظلم لا يهتدى إليه إلّا من جعل الله له نورا يمشي به في الناس ، يسعى الناس على قدر أنوارهم ... (١).

وبعد تلكم الأحاديث المتظافرة والتي رواها الفريقان بإجماع :

[١ / ٥٦٨] روى عبد بن حميد وابن عساكر من طريق عاصم الأحول (٢) عن أبي العالية في قوله (صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحباه من بعده. قال : فذكرنا ذلك للحسن ، فقال : صدق ... (٣).

[١ / ٥٦٩] ولعلّ الأصل هو ما رواه المفسّرون ورواه الطبراني بإسناده إلى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : الصراط المستقيم ، الذي تركنا عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤). مرادا به النبيّ الأعظم ومن جرى على منهجه وشريعته من صحابته الأخيار والتابعين لهم بإحسان.

قال أبو جعفر الطبري : والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي ـ أعني : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ـ أن يكون معنيّا به : وفّقنا للثبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل ، وذلك هو الصراط المستقيم. لأنّ من وفّق لما وفّق له من أنعم الله عليه من النبيّين

__________________

(١) الصافي ١ : ١٢٧.

(٢) هو ابن سليمان البصري ، مولى عثمان ويقال : آل زياد. كان يتولّى الولايات ، فكان بالكوفة على الحسبة في المكاييل والأوزان وكان قاضيا بالمدائن لأبي جعفر. وكان يحيى بن سعيد قليل الميل إليه. وقال ابن إدريس : رأيته أتى السوق فقال : اضربوا هذا ، أقيموا هذا ، فلا أروي عنه شيئا. وتركه وهيب ، لأنّه أنكر بعض سيرته. قال عليّ بن المديني عن القطّان : لم يكن بالحافظ. (تهذيب التهذيب ٥ : ٤٣ / ٧٣).

(٣) الدرّ ١ : ٣٩ ـ ٤٠ ؛ ابن عساكر ٤٤ : ٢٥٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٠ / ٣٤ ؛ الحاكم ٢ : ٢٥٩.

(٤) راجع : ابن كثير ١ : ٣٠ ؛ الكبير ١٠ : ٢٠٠ / ١٠٤٥٤.

٣٩٠

والصدّيقين والشهداء ، فقد وفّق للإسلام وتصديق الرسل والتمسّك بالكتاب والعمل بما أمر الله به والانزجار عمّا زجره عنه ، واتّباع منهج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة من بعده وكلّ عبد لله صالح. وكلّ ذلك من الصراط المستقيم (١).

تفسير (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)

وهذا تبيين للصراط المستقيم الذي يبتغي العبد الاهتداء إليه والتداوم عليه. ألا وهو سبيل الطاعة المؤدّي إلى الهداية وشمول العناية الإلهيّة الكبرى. (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً)(٢).

(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً. وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً. وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(٣).

نعم ، عاقبة الطاعة والاستسلام لله تعالى ، هو الاهتداء إلى معالم الهداية وشمول العناية ، الكافلة لسعادة الدارين.

وهي الطريقة الوسطى لا غلوّ فيها ولا تقصير :

لا غلوّ يستجلب السخط من الله (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى)(٤). (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٥).

ولا تقصير يوجب الضلال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) ... (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)(٦).

(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)(٧).

وجاء في الروايات تفسير (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بالنبيّين وبالذين اتّبعوا الدين الحنيف ، (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً). و (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) باليهود الذين غلوا في دينهم وحادوا عن الطريقة الوسطى.

__________________

(١) راجع : الطبري : ١ / ١١٠ ، ونقله ابن كثير في التفسير ١ : ٣٠.

(٢) النساء ٤ : ٦٩ ـ ٧٠.

(٣) النساء ٤ : ٦٦ ـ ٦٨.

(٤) طه ٢٠ : ٨١.

(٥) النحل ١٦ : ١٠٦.

(٦) الممتحنة ٦٠ : ١.

(٧) البقرة ٢ : ١٠٨.

٣٩١

و (الضَّالِّينَ) بالنصارى الذين فرّطوا في جنب الله وقالوا : ثالث ثلاثة. (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ)(١).

وجاء خطابا إلى عامّة أهل الكتاب أن يلتزموا الطريقة الوسطى ولا يحيدوا عنها لا يمين ولا يسار. (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)(٢).

(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً)(٣).

(ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(٤).

(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)(٥).

[١ / ٥٧٠] روى الصدوق بإسناده إلى الفضل من العلل عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : («صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) توكيد في السؤال والرغبة ، وذكر لما تقدّم من نعمه على أوليائه ، ورغبة في مثل تلك النعم (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفّين به وبأمره ونهيه (وَلَا الضَّالِّينَ) اعتصام من أن يكون من الذين ضلّوا عن سبيله ، من غير معرفة وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا» (٦).

[١ / ٥٧١] وقال الطبري : حدّثنا القاسم ، قال : حدّثنا الحسين ، قال : قال وكيع (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) المسلمون (٧).

[١ / ٥٧٢] وأخرج عن ابن زيد في قوله : (صِراطَ الَّذِينَ) قال : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن معه (٨).

[١ / ٥٧٣] وأخرج عن ابن عباس في قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال : المؤمنون (٩).

[١ / ٥٧٤] وقال : حدّثني أحمد بن حازم الغفاري ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر عن ربيع في قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال : النبيّون (١٠).

__________________

(١) المائدة ٥ : ٧٣. (٢) المائدة ٥ : ٧٧.

(٣) الأنعام ٦ : ١٦١. (٤) آل عمران ٣ : ٦٧ ـ ٦٨.

(٥) النساء ٤ : ١٢٥.

(٦) الفقيه ١ : ٣١٠ / ٩٢٦.

(٧) الطبري ١ : ١١٤ / ١٦١ ؛ ابن كثير ١ : ٣١.

(٨) الدرّ ١ : ٤١ ؛ الطبري ١ : ١١٤ / ١٦٢.

(٩) الطبري ١ : ١١٣ / ١٦٠.

(١٠) المصدر / ١٥٩.

٣٩٢

[١ / ٥٧٥] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) يقول : طريق من أنعمت عليهم بطاعتك وعبادتك من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، الذين أطاعوك وعبدوك (١).

[١ / ٥٧٦] وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال : النبيّون (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قال : اليهود (وَلَا الضَّالِّينَ) قال : النصارى (٢).

[١ / ٥٧٧] وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قال : اليهود (وَلَا الضَّالِّينَ) قال : النصارى (٣).

[١ / ٥٧٨] وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال : اليهود والنصارى (٤).

[١ / ٥٧٩] وأخرج عبد الرزّاق وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي في معجم الصحابة وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق قال : «أخبرني من سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بوادي القرى على فرسه ، وسأله رجل من بني القين فقال : من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ قال : اليهود. قال : فمن الضالّون؟ قال : النصارى» (٥).

[١ / ٥٨٠] وفي مسند أحمد : حدّثنا عبد الله حدّثني أبي عن عبد الرزاق عن معمر عن بديل العقيلي : أخبرني عبد الله بن شقيق أنّه أخبره من سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بوادي القرى وهو على فرسه فسأله رجل من بلقين فقال : «يا رسول الله من هؤلاء؟ قال : هؤلاء المغضوب عليهم وأشار إلى اليهود. قال : فمن هؤلاء؟ قال : هؤلاء الضالّون يعني النصارى» (٦).

[١ / ٥٨١] وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل : من هؤلاء؟ قال : هؤلاء (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤١ ؛ الطبري ١ : ١١٣ / ١٥٨ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١ / ٣٧ و ٣٨ ؛ المحرر الوجيز ١ : ٧٥ ؛ القرطبي ١ : ١٤٩.

(٢) الدرّ ١ : ٤١ ؛ الطبري ١ : ١١٣ و ١١٩ و ١٢٤ / ١٥٩ و ١٦٦ و ١٧٧ ؛ معاني القرآن ١ : ٦٨. إلى قوله : غير المغضوب ... ؛ ابن كثير ١ : ٣٠ ـ ٣٢.

(٣) الدرّ ١ : ٤١ ؛ الطبري ١ : ١١٩ و ١٢٤ / ١٦٨ و ١٧٥.

(٤) الدرّ ١ : ٤١ ـ ٤٢.

(٥) الدرّ ١ : ٤٢ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٥٦ / ١٣ ؛ الطبري ١ : ١١٩ و ١٢٣ / ١٦٥ و ١٧٤ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢.

(٦) مسند أحمد ٥ : ٧٧ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١٠ ـ ٣١١. وفيه : «رواه كلّه أحمد ورجال الجميع رجال الصحيح».

٣٩٣

يعني اليهود قال : يا رسول الله فمن هؤلاء الطائفة الأخرى؟ قال : هؤلاء «الضآلون» يعني النصارى» (١).

[١ / ٥٨٢] وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال : «سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ؟) قال : اليهود. قلت : (الضَّالِّينَ؟) قال : النصارى» (٢).

[١ / ٥٨٣] وأخرج البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين عن ابن عمّ له أنّه قال «أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بوادي القرى فقلت : من هؤلاء عندك؟ قال : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود و (الضَّالِّينَ) النصارى» (٣).

[١ / ٥٨٤] وأخرج سفيان بن عيينة في تفسيره وسعيد بن منصور عن اسمعيل بن أبي خالد «أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود و «الضآلون» هم النصارى» (٤).

[١ / ٥٨٥] وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسّنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عديّ بن حاتم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود ، وإنّ (الضَّالِّينَ) النصارى» (٥).

[١ / ٥٨٦] وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) اليهود و (الضَّالِّينَ) النصارى.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد ، مثله (٦).

وقال ابن أبي حاتم : لا أعلم في هذا الحرف اختلافا بين المفسرين في تفسير (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) باليهود و (الضَّالِّينَ) بالنصارى (٧).

[١ / ٥٨٧] وقال ابن جرير : وحدّثنا أبو كريب ، قال : حدّثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدّثنا بشر ابن عماد ، قال : حدّثنا أبو روق عن الضحاك. عن ابن عباس قال : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) يعني

__________________

(١) الدرّ ١ : ٤٢ ؛ الطبري ١ : ١١٩ و ١٢٣ / ١٦٤ و ١٧٤.

(٢) الدرّ ١ : ٤٢ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢.

(٣) الدرّ ١ : ٤٢ ؛ الشعب ٤ : ٦١ / ٤٣٢٩.

(٤) الدرّ ١ : ٤٢.

(٥) الدرّ ١ : ٤٢ ؛ مسند أحمد ٤ : ٣٧٨ ـ ٣٧٩ ؛ الترمذي ٤ : ٢٧٣ / ٤٠٣٠ ؛ الطبري ١ : ١١٨ و ١٢٣ / ١٦٣ و ١٧٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣١ / ٤٠ ؛ ابن حبان ١٤ : ١٣٩ ـ ١٤٠ / ٦٢٤٦ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٢٠٨ ؛ ابن كثير ١ : ٣٢.

(٦)الدرّ ١: ٤٢؛ الطبري ١:١١٩ و ١٢٤/ ١٦٧ و ١٧٨ عن ابن مسعود، وحديث ١٦٨ و ١٧٥ عن مجاهد.

(٧) ابن أبي حاتم ١ : ٣١. الدرّ ١ : ٤٢.

٣٩٤

اليهود الذين غضب الله عليهم (١).

[١ / ٥٨٨] وقال : حدّثنا أحمد بن حازم الغفارى ، قال : حدّثنا عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن ربيع قال : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قال : اليهود (٢).

[١ / ٥٨٩] وقال : حدّثنا محمّد بن حميد ، قال : حدّثنا مهران ، عن سفيان ، عن مجاهد في قوله : (وَلَا الضَّالِّينَ) قال : النصارى (٣).

[١ / ٥٩٠] وقال : حدّثنا أبو كريب ، قال : حدّثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمّار ، قال : حدّثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : (وَلَا الضَّالِّينَ) وغير طريق النصارى الذين أضلّهم الله بفريتهم عليه. قال : يقول : فألهمنا دينك الحقّ ، وهو لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، حتّى لا تغضب علينا كما غضبت على اليهود ولا تضلّنا كما أضللت النصارى فتعذّبنا بما تعذّبهم به. يقول : امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك وقدرتك (٤).

[١ / ٥٩١] وقال : حدّثنا القاسم ، قال : حدّثنا الحسين ، قال : حدّثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عبّاس : الضالّين : النصاري (٥).

[١ / ٥٩٢] وقال : حدّثني موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدّثنا عمرو بن حماد ، قال : حدّثنا أسباط بن نصر ، عن إسماعيل السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرّة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَلَا الضَّالِّينَ :) هم النصارى (٦).

[١ / ٥٩٣] وقال : حدّثني أحمد بن حازم الغفاري ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر ، عن ربيع قال : (وَلَا الضَّالِّينَ :) النصارى (٧).

[١ / ٥٩٤] وقال : حدّثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمان بن زيد : (وَلَا الضَّالِّينَ :) النصارى (٨).

[١ / ٥٩٥] وقال : حدّثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدّثنا عبد الرحمان بن زيد ، عن

__________________

(١) الطبري ١ : ١١٩ / ١٦٦.

(٢) المصدر / ١٦٩.

(٣) المصدر : ١٢٤ / ١٧٥.

(٤) المصدر / ١٧٦.

(٥) المصدر / ١٧٧.

(٦) المصدر / ١٧٨.

(٧) المصدر / ١٧٩.

(٨) المصدر / ١٨٠.

٣٩٥

أبيه ، قال : (وَلَا الضَّالِّينَ :) النصارى (١).

***

وبهذا المعنى أيضا ما ورد من تفسير (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بمن والا عليّا عليه‌السلام وتفسير (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) بمن عاداه.

لأنّ ولاية عليّ عليه‌السلام هي سبيل المؤمنين حقّا. ومعاداته هي سبيل الغيّ والضلال.

[١ / ٥٩٦] وهذا وفقا لما قاله النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشأن عليّ عليه‌السلام : «لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق» (٢). ولا شكّ أن المؤمن ممّن أنعم الله عليه ، والمنافق ممّن أبغضه الله وغضب عليه.

[١ / ٥٩٧] أخرج الصدوق عن الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي قال : حدّثنا فرات بن إبراهيم ، قال : حدّثني عبيد بن كثير ، قال : حدّثنا محمّد بن مروان ، قال : حدّثنا عبيد بن يحيى بن مهران العطّار قال : حدّثنا محمّد بن الحسين عن أبيه عن جدّه ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قول الله عزوجل : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال : شيعة عليّ عليه‌السلام الذين أنعمت عليهم بولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لم تغضب عليهم ولم يضلّوا» (٣).

[١ / ٥٩٨] وأخرج عليّ بن إبراهيم القمّي في التفسير قال : حدّثني أبي عن حمّاد عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «المغضوب عليهم : النصّاب ، والضّالين : اليهود والنصارى» (٤).

[١ / ٥٩٩] وعنه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال : «المغضوب عليهم : النصّاب ، والضالّين : الشكّاك الذين لا يعرفون الإمام» (٥).

[١ / ٦٠٠] وفي تفسير الإمام عليه‌السلام في قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أمر الله عزوجل عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم ، وهم : النبيّون والصدّيقون والشهداء والصالحون. وأن يستعيذوا [به] من طريق المغضوب عليهم وهم اليهود الذين قال الله

__________________

(١) المصدر / ١٨١.

(٢) حديث متواتر ، راجع : فضائل الخمسة للفيروز آبادي ٢ : ٢٠٧ ـ ٢١٢.

(٣) معاني الأخبار : ٣٦ / ٨ ، باب تفسير الصراط ؛ تفسير فرات الكوفي : ٥٢.

(٤) القمّي ١ : ٢٩.

(٥) المصدر.

٣٩٦

تعالى فيهم : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ)(١) وأن يستعيذوا به من طريق الضالّين ، وهم الذين قال الله تعالى فيهم : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)(٢) وهم النصارى.

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كلّ من كفر بالله فهو مغضوب عليه ، وضالّ عن سبيل الله عزوجل».

[١ / ٦٠١] وقال الرضا عليه‌السلام كذلك ، وزاد فيه ، فقال : «ومن تجاوز بأمير المؤمنين عليه‌السلام العبوديّة فهو من المغضوب عليهم ومن الضالّين» (٣).

قوله : ومن تجاوز بأمير المؤمنين العبوديّة ، أي غلا فيه واعتلا به عن مرتبة العبوديّة.

[١ / ٦٠٢] قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا تتجاوزوا بنا العبوديّة ، ثمّ قولوا ما شئتم ولن تبلغوا (٤) وإيّاكم والغلوّ كغلوّ النصارى ، فإنّي بريء من الغالين» (٥).

[١ / ٦٠٣] وأخرج الصدوق عن محمّد بن القاسم الأسترآبادى المفسّر قال : حدّثني يوسف ابن محمّد بن زياد وعليّ بن محمّد بن سيّار عن أبويهما عن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام «في قول الله عزوجل : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أي قولوا : اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك ، وهم الذين قال الله عزوجل : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)» (٦).

وحكى هذا بعينه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

ثمّ قال : ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحّة البدن وإن كان كلّ هذا نعمة من الله ظاهرة ، ألا ترون أنّ هؤلاء قد يكونون كفارا أو فسّاقا فما ندبتم إلى أن تدعوا بأن ترشدوا إلى صراطهم وإنّما أمرتم بالدعاء بأن ترشدوا إلى صراط الذين انعم عليهم بالإيمان بالله وتصديق رسوله وبالولاية لمحمّد وآله الطيبين ، وأصحابه الخيّرين المنتجبين ، وبالتقية الحسنة التي يسلم بها من شرّ عباد الله ، ومن الزيادة في آثام أعداء الله وكفرهم ، بأن تداريهم ولا تغريهم بأذاك وأذى

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦٠.

(٢) المائدة ٥ : ٧٧.

(٣) تفسير الإمام : ٥٠ / ٢٣.

(٤) أي لن تبلغوا وصفنا.

(٥) تفسير الإمام : ٥٠ / ٢٤.

(٦) النساء ٤ : ٦٩.

٣٩٧

المؤمنين ، وبالمعرفة بحقوق الإخوان من المؤمنين.

فإنّه ما من عبد ولا أمة والى محمّدا وآل محمّد عليهم‌السلام وعادى من عاداهم إلّا كان قد اتّخذ من عذاب الله حصنا منيعا وجنّة حصينة ؛ وما من عبد ولا أمة دارى عباد الله فأحسن المداراة فلم يدخل بها في باطل ولم يخرج بها من حقّ إلّا جعل الله عزوجل نفسه تسبيحا ، وزكّى عمله ، وأعطاه بصيرة على كتمان سرّنا واحتمال الغيظ لما يسمعه من أعدائنا ، ثواب المتشحّط بدمه في سبيل الله ؛ وما من عبد أخذ نفسه بحقوق إخوانه ، فوفّاهم حقوقهم جهده ، وأعطاهم ممكنه ، ورضي عنهم بعفوهم وترك الاستقصاء عليهم ، فيما يكون من زللهم واغتفرها لهم إلّا قال الله له يوم يلقاه : يا عبدي قضيت حقوق إخوانك ، ولم تستقص عليهم فيما لك عليهم ، فأنا أجود وأكرم وأولى بمثل ما فعلته من المسامحة والكرم ، فإنّي أقضيك اليوم على حقّ [ما] وعدتك به ، وأزيدك من فضلي الواسع ، ولا أستقصي عليك في تقصيرك في بعض حقوقي ، قال : فيلحقهم بمحمّد وآله ، ويجعله في خيار شيعتهم. ثمّ قال :

[١ / ٦٠٤] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعض أصحابه ذات يوم : «يا عبد الله أحبّ في الله ؛ وأبغض في الله ؛ ووال في الله ؛ وعاد في الله ؛ فإنّه لا تنال ولاية الله إلّا بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتّى يكون كذلك ، وقد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدّنيا ، عليها يتوادّون ، وعليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئا.

فقال الرّجل : يا رسول الله فكيف لي أن أعلم أنّي قد واليت وعاديت في الله ؛ ومن وليّ الله حتّى أواليه؟ ومن عدوّه حتّى أعاديه؟ فأشار له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ عليه‌السلام فقال : أترى هذا؟ قال : بلى. قال : وليّ هذا وليّ الله فواله ، وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده ، ووال وليّ هذا ولو أنّه قاتل أبيك [وولدك] وعاد عدوّ هذا ولو أنّه أبوك أو ولدك» (١).

__________________

(١) معاني الأخبار : ٣٦ ـ ٣٧ / ٩ ، باب معنى الصراط ؛ وراجع : تفسير الإمام : ٤٧ ـ ٤٩ / ٢٢.

٣٩٨

ذكر آمين

هناك وردت روايات باستحباب قول «آمين» عند الفراغ من قراءة الحمد ، سواء المنفرد في صلاته أم مع الجماعة ، إماما أو مأموما.

وفي روايات أهل البيت عليهم‌السلام استحباب قول «الحمد لله ربّ العالمين» والنهي عن التأمين لأنّه احتذاء بفعلة اليهود والنصارى كالتكفير الذي هو فعلة المجوس (١).

[١ / ٦٠٥] روى ثقة الإسلام الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها ، فقل أنت : الحمد لله ربّ العالمين. ولا تقل : آمين» (٢).

[١ / ٦٠٦] وروى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في كتابيه (التهذيب والاستبصار) بإسناده إلى محمّد الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : «أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين؟ قال : لا».

[١ / ٦٠٧] وفي رواية أخرى بالإسناد إلى معاوية بن وهب قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقول :

__________________

(١) جاء في حديث زرارة عن الباقر عليه‌السلام : ولا تكفّر ، فإنّما يفعل ذلك المجوس. (الكافي ٣ : ٢٩٩ / ١). قال ابن الأثير : التكفير : هو أن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه في حالة القيام قبل الركوع ومنه حديث أبي معشر : أنّه كان يكره التكفير في الصلاة. النهاية ٤ : ١٨٨. وفي اللسان (٥ : ١٥٠) : التكفير : أن يضع يده أو يديه على صدره. وهو من فعل العلج للدّهقان يضع يده على صدره ويتطامن له.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٥.

٣٩٩

آمين ، إذا قال الإمام : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال : هم اليهود والنصارى! ولم يجب في هذا (١). أي سكت عن الإجابة صريحا ، وأشار إلى أنّ التأمين أثناء العبادة هي فعلة أهل الكتاب ، لا ينبغي الاحتذاء بهم!».

[١ / ٦٠٨] وفي حديث زرارة عن الإمام أبي جعفر عليه‌السلام قال : «ولا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك : آمين. فإن شئت قلت : الحمد لله ربّ العالمين» (٢).

[١ / ٦٠٩] وروى الصدوق في باب ذكر أخلاق الرّضا عليه‌السلام ووصف عبادته : «وكان إذا فرغ من الفاتحة قال : الحمد لله ربّ العالمين» (٣).

قال القاضي النعمان المصري : وكرهوا (أي أئمة أهل البيت عليهم‌السلام) أن يقال بعد فراغ فاتحة الكتاب : «آمين» ....

[١ / ٦١٠] قال : وقال جعفر بن محمّد عليه‌السلام : «إنّما كانت النصارى تقولها» (٤).

قال أبو القاسم عليّ بن أحمد الكوفي : إنّها كلمة سريانيّة ، معناها بالعربيّة : استجب (٥).

قلت : والكلمة دارجة عند أكثر أهل الأديان القديمة ، وقد أخذت عنهم اليهود وجرت عليها النصارى. وقد عرفتها العرب لجوارهم مع أهل الكتاب. أمّا وتداولها عند المسلمين ولا سيّما في قراءة الصلاة ، فمن المستحدثات المتأخّرة عن عهد الرسالة ، ومن ثمّ قابلها أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام بالإنكار ، ورفضها الفقه الإماميّ وعدّها الفقهاء من المكروهات في الصلاة ، بل من المبطلات إذا تعمّدت البدعة فيها ، نعم قد يجوز ذلك وهو دعاء إذا لم يكن عن قصد الابتداع.

[١ / ٦١١] ولذلك وردت الرخصة فيها في صحيحة جميل ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة ـ حين يقرأ فاتحة الكتاب ـ : آمين؟ قال : ما أحسنها ، واخفض الصوت بها» (٦). ولعلّ الأمر بخفض الصوت كان للتجنّب عمّا ابتدعته العامّة من رفع الصوت بها إلى حدّ العجيج.

[١ / ٦١٢] ففي الدعائم والجعفريّات مرفوعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «وما لم تكن لهم ضجّة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٧٤ ـ ٧٥ / ٢٧٦ و ٢٧٨ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٨ ـ ٣١٩ / ١١٨٦ و ١١٨٨.

(٢) رواه الصدوق في علل الشرائع ٢ : ٣٥٨ / ١ ، باب ٧٤ ؛ وسائل الشيعة ٦ : ٦٨ / ٤.

(٣) العيون ٢ : ٢٥ ، باب ٤٤.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١٦٠ ؛ مستدرك الوسائل ٤ : ١٧٥ / ٤.

(٥) كتاب الاستغاثة : ٣٣ ؛ مستدرك الوسائل ٤ : ١٧٥ / ٥.

(٦) رواه الشيخ في التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٧٧ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٧.

٤٠٠