التفسير الأثري الجامع - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-94552-4-8
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٤١٦

قال : «الرحمان ، رحمان الدنيا. والرحيم ، رحيم الآخرة» (١). فيعني : الرحمانيّة العامّة الشاملة لجميع الخلائق في هذه الحياة. وأمّا الرحيميّة فهي خاصّة بالمؤمنين في الآخرة.

[١ / ٣٣٦] وروي عن ابن عبّاس قال : هما (الرحمان الرحيم) اسمان رقيقان ، أحدهما أرقّ من الآخر» (٢). ومعنى «أرق» : ألطف وأنعم. أي إنّ رحمته تعالى الرحيميّة إنّما تشمل عباده المؤمنين بلطف وعناية بالغة ، هي أنعم وألطف من رحمته الرحمانيّة العامّة الشاملة لجميع الخلائق. فالمراد بالرقّة هنا هي النعومة والرفق البالغ ، وهي صفة الرحمة في ذاتها مفهوما ، لا شيء هو في ذات الموصوف (أي الله تبارك وتعالى).

[١ / ٣٣٧] وقال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «رحيم لا يوصف بالرقّة» (٣). وهذا على خلاف غيره تعالى حيث الرحمة منهم ناشئة عن رقّة في ذوات أنفسهم.

وقد حسب بعضهم الرقّة في حديث ابن عبّاس بإرادتها في الذات المقدّسة كما في سائر الناس ، فأنكر الحديث واحتمل التحريف وإرادة الرفق (رفيقان)!

قال الخطّابيّ : وهذا (حديث ابن عبّاس) مشكل ، لأنّ الرقّة لا مدخل لها في شيء من صفات الله تعالى. وقال الحسين بن الفضل البجلي : هذا وهم من الراوي ، لأنّ الرقّة ليست من صفاته تعالى في شيء ، وإنّما هما اسمان رفيقان ، أحدهما أرفق من الآخر. والرفق من صفات الله عزوجل.

[١ / ٣٣٨] قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله رفيق يحبّ الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» (٤).

وقد عرفت المعنى الصحيح لحديث ابن عبّاس!

[١ / ٣٣٩] وجاء في حديث الإهليلجيّة عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «إنّ رحمة الله ، ثوابه لخلقه. والرحمة من العباد شيئان : أحدهما يحدث في القلب ، الرأفة والرقّة لما يرى بالمرحوم من الضرّ والحاجة وضروب البلاء. والآخر ، ما يحدث منّا بعد الرأفة واللطف على المرحوم ...» (٥)

أي الرحمة من العباد ، إشفاق نفسي يتبعه إرفاق عملى. أمّا الرحمة من الله فهو فعله تعالى محضا ، فإشفاقه على العبد نفس إرفاقه به.

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٥٤.

(٢) تقدم عن الأسماء والصفات ١ : ٨٩.

(٣) نهج البلاغة ٢ : ١٠٠ ، الخطبة ١٧٩.

(٤) القرطبي ١ : ١٠٦.

(٥) البحار ٣ : ١٩٦.

٣٤١

[١ / ٣٤٠] وروى الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره بالإسناد إلى الضحّاك ، قال : رحمان بأهل السماء ، حين أسكنهم السماوات وطوّقهم الطاعات وقطع عنهم المطاعم واللذّات. ورحيم بأهل الأرض ، حين أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب (١).

وهذا رأي رآه الضحّاك ـ إن صحّ السند ـ يخصّه.

[١ / ٣٤١] وأيضا روي عن ابن المبارك ، قال : رحمان ، إذا سئل أعطى. رحيم ، إذا لم يسأل غضب. ذكره القرطبي في تفسيره (٢).

[١ / ٣٤٢] وعقّبه بما رواه ابن ماجة في سننه والترمذي في جامعه عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يسأل الله يغضب عليه» (هذا لفظ الترمذي). ولفظ ابن ماجة : «من لم يدع الله سبحانه غضب عليه» (٣). وقد أخذ بعض الشعراء هذا المعنى :

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبنيّ آدم حين يسأل يغضب

***

ومن غريب الأمر ما زعمه البعض من كون «الرحمان» لفظة عبرانيّة!!

حكى الأزهري عن أبي عبّاس المبرّد في قوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال : جمع بينهما ، لأنّ الرحمان عبرانيّ ، والرحيم عربيّ. وأنشد لجرير :

لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم

بالخزّ ، أو تجعلوا الينبوت ضمرانا

هل تتركنّ إلى القسّين هجرتكم

ومسحهم صلبهم رحمان قربانا (٤)

وقال أبو اسحاق الزجّاج في معاني القرآن : قال أبو العبّاس (ثعلب) أحمد بن يحيى النحوي : «الرحيم» عربيّ و «الرحمان» عبرانيّ ، فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق : وهذا القول مرغوب عنه (٥).

قال أبو جعفر الطوسي : وقال بعضهم : إنّ لفظة «الرحمان» ليست عربيّة ، وإنّما هي ببعض اللغات كقسطاس ، فإنّها روميّة. واستدل على ذلك بقوله تعالى : (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما

__________________

(١) أبو الفتوح ١ : ٦٠.

(٢) القرطبي ١ : ١٠٥.

(٣) المصدر : ١٠٦ ؛ الترمذي ٥ : ١٢٦ / ٣٤٣٣ ، باب ٣ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٢٥٨ / ٣٨٢٧ ، باب ١.

(٤) لسان العرب ١٢ : ٢٣١.

(٥) القرطبي ١ : ١٠٤ ؛ ابن كثير ١ : ٢٢.

٣٤٢

تَأْمُرُنا)(١) ، إنكارا منهم لهذا الاسم. حكي ذلك عن ثعلب!

والصحيح أنّه معروف واشتقاقه من الرحمة ـ على ما بيّنّا ـ قال الشنفري :

ألا ضربت تلك الفتاة هجينها

ألا قضب الرحمان ربّي يمينها

وقال سلامة بن جندل الطهوي :

عجلتم علينا إذ عجلنا عليكم

وما يشأ الرحمان يعقد ويطلق (٢).

وقال زيد بن عمرو بن نفيل في فراق دين قومه :

ولكن أعبد الرحمان ربّي

ليغفر ذنبي الرّبّ الغفور (٣)

وقد تقدم كلام أبي جعفر الطبري : «وقد زعم بعض أهل الغباء : أنّ العرب كانت لا تعرف الرحمان ولم يكن ذلك في لغتها ، ولذلك قال المشركون للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) إنكارا منهم لهذا الاسم ، كأنّه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحّته ، أو كأنّه لم يتل من كتاب الله قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) ـ يعني محمدا ـ (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(٤). وهم مع ذلك به مكذّبون ولنبوّته جاحدون. فيعلم بذلك أنّهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحّته واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهليّة الجهلاء :

ألا ضربت تلك الفتاة هجينها

ألا قضب الرحمان ربّي يمينها

وقال سلامة بن جندل الطهوي :

عجلتم علينا عجيلتنا عليكم

وما يشأ الرحمان يعقد ويطلق (٥).

وهكذا ذكر ابن كثير في التفسير (٦).

وقال الرازي ـ في تفسير لفظ الجلالة ـ : قال بعضهم : هذه اللفظة (الرحمان) ليست عربيّة ، بل عبرانيّة أو سريانيّة ، فإنّهم يقولون : إلها رحمانا ومرحيانا. فلمّا عرّب جعل «الله الرحمان الرحيم». قال : وهذا بعيد ، ولا يلزم من المشابهة الحاصلة بين اللّغتين ، الطعن في كون هذه اللفظة عربيّة أصليّة ... (٧).

__________________

(١) الفرقان ٢٥ : ٦٠.

(٢) التبيان ١ : ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) سيرة ابن هشام ١ : ٢٤٢ ؛ روض الأنف ١ : ٢٥٧.

(٤) البقرة ٢ : ١٤٦.

(٥) الطبري ١ : ٨٧ ـ ٨٨ ، والعجيلة ـ مصغّرة ـ : السير السريع.

(٦) ابن كثير ١ : ٢٣.

(٧) التفسير الكبير ١ : ١٦٣. وراجع : شرحه لأسماء الله الحسنى : ١٥٣ ـ ١٥٥.

٣٤٣

قلت : احتمال كون «الرحمان» عبريّة أو سريانيّة ، جزاف من القول لا يقوله سوى تائه في خيال. أمّا الشعر الذي استند إليه هذا القائل فمحرّف في أصله ، قال صاحب التكملة : هكذا أنشده هذا القائل ، لكنّ فيه تغييرا من جهات : الأولى : أنّ في البيتين تقديما وتأخيرا. والثانية : أنّ «رخمان» بالخاء المعجمة ، موضع في ديار هذيل ، عنده قتل تأبّط شرّا ، فقالت أمّه أو أخته ترثيه :

نعم الفتى غادرتم برخمان

من ثابت بن جابر بن سفيان

يجدّل القرن ويروى النّدمان

ذو مأقط يحمي وراء الإخوان (١)

قال محمّد مرتضى الزبيدي : رخمان ، غار ببلاد هذيل ، رمي فيه تأبّط شرّا بعد قتله (٢). قال : وبه روي شعر جرير : ومسحكم صلبهم رخمان قربانا (٣).

قال صاحب التكملة : فإذن لا مدخل له في هذا التركيب (٤).

والثالثة : أنّ الرواية ـ على ما جاء في ديوانه بجمع الصاوي ـ :

هل تتركنّ إلى القسّين هجرتكم

ومسحهم صلبهم رحمان قربانا

لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم

بالخزّ أو تجعلوا التنّوم ضمرانا (٥)

فجاء الضبط «رحمان» ـ بضم الراء ـ على وزان غفران وكفران ، مصدرا.

وعلى أيّ تقدير ، فلو فرض : أنّه أراد الرّحمان ، اسما له تعالى ، فلا دليل على أنّها لفظة عبرانيّة أو سريانيّة ، لمجرّد أنّ المخاطب المهجوّ بها ـ وهو غياث بن غوث الأخطل التغلبي ـ كان نصرانيّا! لأنّه شاعر عربيّ مجيد ومقرّب لدى خلفاء بني اميّة وكان يجيد المدح والقريض وقرّبه عبد الملك إليه لحسن قريضه. وجاء في القصيدة الكثير من أسماء الله تعالى ومصطلحات إسلاميّة عربيّة عريقة ، ولا مساس لها بلغات الأجانب ؛ كلّ ذلك لأنّ المخاطب عربي صميم وإن كان على غير دين الإسلام. ويقال : إنّه أسلم على يد عبد الملك.

__________________

(١) معجم البلدان ٣ : ٣٨.

(٢) تاج العروس ٨ : ٣٠٨.

(٣) المصدر : ٣٠٩.

(٤) هامش تاج العروس ٨ : ٣٠٧.

(٥) ديوان جرير ـ تأليف محمّد إسماعيل عبد الله الصاوي. الكتاب الكامل (مكتبة محمّد حسين النوري ـ دمشق) و (الشركة اللبنانيّة للكتاب ـ بيروت).

٣٤٤

تفسيرها الرمزي (الإشاري)

اعتاد أهل الإشارة على تفسير كلمات الأكابر على طريقة الرمز والإشارة ، وربّما لا عن قصد التأويل ، أي تحميل خواطرهم على تلك التعابير ، بل من قبيل تداعي المعاني عند ذكر المناسبات محضا. الأمر الذي صرّح به الإمام القشيري في تفسيره حسبما يأتي.

ولكن هناك لفيف من أرباب القشور حسبوها تأويلات باطنيّة يعرفها أرباب القلوب! فأخذوها حقائق رقائق وتفاسير رمزيّة لكلام الله العزيز الحميد.

من ذلك ما ذكره القرطبي عن بعضهم أنّه فسّر البسملة على الحروف :

[١ / ٣٤٣] فروي عن عثمان بن عفّان أنّه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقال : «أمّا الباء فبلاء الله ، وروحه ونضرته وبهاؤه. وأمّا السين فسناء الله. وأمّا الميم فملك الله. وأمّا «الله» فلا إله غيره. وأمّا «الرحمان» فالعاطف على البرّ والفاجر من خلقه. وأمّا «الرحيم» فالرفيق بالمؤمنين خاصّة» (١).

[١ / ٣٤٤] وروي عن كعب الأحبار أنّه قال : الباء بهاؤه ، والسين سناؤه فلا شيء أعلا منه ، والميم ملكه وهو على كلّ شيء قدير ، فلا شيء يعازّه (٢). أي لا شيء يعارضه في عزّه ، عزّت آلاؤه.

وقد قيل : إنّ كلّ حرف ـ من البسملة ـ مفتاح اسم من أسمائه تعالى :

فالباء ، مفتاح اسمه «بصير».

والسين ، مفتاح اسمه «سميع».

والميم ، مفتاح اسمه «مليك».

والألف ـ من «الله» ـ مفتاح اسمه هذا ، يعني «الله».

واللام ، مفتاح اسمه «لطيف».

والهاء ، مفتاح اسمه «هادى».

والراء ـ من «الرحمان» ـ مفتاح اسمه «رازق».

والحاء ، مفتاح اسمه «حليم».

__________________

(١) القرطبي ١ : ١٠٧.

(٢) المصدر.

٣٤٥

والنون ، مفتاح اسمه «نور» (١).

[١ / ٣٤٥] وأخرج ابن أبي حاتم بالإسناد إلى جويبر عن الضحّاك في قوله «بسم الله» قال : الباء من بهاء الله. والسين من سناء الله. والميم من ملك الله. والله : يا إله الخلق (٢).

[١ / ٣٤٦] وأخرج الطبري بإسناده إلى إسماعيل بن عيّاش عن إسماعيل بن يحيى ، تارة عن ابن أبي مليكة عمّن حدّثه عن ابن مسعود. وأخرى عن مسعر بن كرام عن عطيّة العوفي عن أبي سعيد الخدرى. يردّ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنّ عيسى بن مريم عليهما‌السلام أسلمته أمّه إلى الكتّاب ليعلّمه المعلّم ، فقال له المعلّم : اكتب «بسم الله» ؛ فقال عيسى : وما «بسم»؟ قال له المعلّم : لا أدري! فقال له عيسى : الباء ، بهاء الله. والسين ، سناؤه. والميم ، مملكته».

قال الطبري : أخشى أن يكون غلطا من المحدّث ، وأراد «ب ، س ، م» على سبيل ما يعلّم المبتدى من الصبيان في الكتاب : حروف أبي جاد (٣). فغلط بذلك فوصله فقال : بسم. لأنّه لا معنى لهذا التأويل إذا تلى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على ما يتلوه القارئ في كتاب الله ، لاستحالة معناه على المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها إذا حمل تأويله على ذلك!! (٤)

[١ / ٣٤٧] والحديث ذكره ابن عديّ ملحقا به قوله : «والله : إله الآلهة. والرحمان : رحمان الآخرة والدنيا. والرحيم : رحيم الآخرة».

وأضاف : «أبو جاد» ـ يعنى : «أبجد» ـ ألف : الله. باء : بهاء الله. جيم : جلال الله. دال : الله الدائم.

«هوّز» ، هاء : الهاوية. واو : ويل لأهل النار ، واد في جهنّم. زاي : زيّ أهل الدنيا.

«حطّي» ، حاء : الله الحليم. طاء : الله الطالب لكل حقّ حتّى يؤدّيه. ياء : آي أهل النار وهو الوجع.

«كلمن» ، كاف : الله الكافي. لام : الله العليم (٥). ميم : الله المالك. نون : نون البحر [أي الحوت].

__________________

(١) المصدر.

(٢) ابن أبي حاتم ١ : ٢٥ / ٢.

(٣) أي الحروف الأبجديّة : أبجد. هوّز. حطّي. كلمن. سعفص. قرشت. ثخّذ. ضظغ.

(٤) الطبري ١ : ٨١ ـ ٨٢ / ١١٦.

(٥) اختلط الأمر على واضع الحديث!

٣٤٦

«صعفص» (١) ، صاد : الله الصادق. عين : الله العالم. فاء : الله الفرد (٢). صاد : الله الصمد.

«قرسات» (٣) ، قاف : الجبل المحيط بالدنيا ، الذي اخضرّت منه السماء. راء : رؤيا الناس بها.

سين : ستر الله. تاء : تمّت أبدا (٤).

قال الشيخ أبو أحمد عبد الله بن عديّ : هذا حديث باطل بهذا الإسناد ، لا يرويه غير إسماعيل. ثمّ قال : وبهذا الإسناد أحاديث تركتها مخافة التطويل ، وكلّها بواطيل عن مسعر لا يرويها غير إسماعيل (٥) ـ يعنى به : إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله (٦) وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني بنفس الإسناد والمتن كما ذكره ابن عديّ ، وأضاف : «غريب من حديث مسعر ، تفرّد به إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن يحيى» (٧).

وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، وفيه : «والميم : ملكه ...» (٨).

وهكذا ابن مردويه والثعلبي ، قال جلال الدين السيوطي : بسند ضعيف جدّا ... (٩)

قال ابن كثير : وهذا غريب جدّا. وقد يكون صحيحا إلى من دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد يكون من الإسرائيليّات ، لا من المرفوعات [أي إلى النبيّ] والله أعلم (١٠).

وقال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع ، محال ... قال : ما يضع مثل هذا الحديث إلّا ملحد يريد شين الإسلام ، أو جاهل في غاية الجهل وقلّة المبالاة بالدين.

قال : ولا يجوز أن يفرّق حروف الكلمة المجتمعة فيقال : الألف من كذا واللام من كذا. وإنّما هذا يكون في الحروف المقطّعة ، فيقال : اقتنع بحرف من كلمته ، مثل قولهم في «كهيعص» : الكاف من الكافي ، والهاء من الهادي.

فقد جمع واضع هذا الحديث جهلا وافرا وإقداما عظيما وأتى بشيء لا تخفى برودته والكذب

__________________

(١) اشتبه الأمر عليه ، فإنّه «سعفص».

(٢) صحّحناه على نسخة الموضوعات (١ : ٢٠٤) لابن الجوزي. وكذا مواضع من الرواية صحّحناها عليه.

(٣) هي : «قرشت» بالشين.

(٤) لم يتمّ ، وإنّما فرغت جعبة الواضع من الترّهات!

(٥) راجع : الكامل في ضعفاء الرجال ١ : ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

(٦) ذكره ابن حجر في لسان الميزان (١ : ٤٤١) من المتّهمين بالوضع ورواية الأباطيل.

(٧) الحلية ٧ : ٢٥٢.

(٨) ابن عساكر ٤٧ : ٣٧٣.

(٩) الدرّ ١ : ٢٣.

(١٠) ابن كثير ١ : ١٩.

٣٤٧

فيه (١).

وهذا الذي ذكره ابن الجوزي كلام متين ، إذ لا موضع لتفسير حروف كلمة كانت هي موادّها الذاتيّة في أصل الوضع. فلا يقال في كلمة «علوّ» : إنّ العين من عليم ، واللام من لطيف ، والواو من ودود ، مثلا. إذ ينتقل الكلام في كلّ من هذه الكلمات الثلاث لتفسير حروفها واحدة واحدة وهلمّ جرّا إلى ما لا نهاية.

نعم إنّما يقال ذلك بشأن حروف كلمة كانت مصطنعة وكانت حروفها مقتبسة من أوائل كلمات ، اختصارا. كما هو المرسوم في تسمية الشركات والمؤسّسات ، فيسمّونها باسم هي لفظة مصطنعة ومقتبسة التجاريّة الإيرانيّة العالمية ، بلفظة «متاع» ، لتكون الميم إشارة إلى المؤسّسة ، والتاء إلى التجاريّة ، والألف إلى الإيرانيّة ، والعين إلى العالميّة.

فلا يقال في (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) : إنّ الصاد اشارة إلى الصدق ، والراء إلى الرأفة والألف كذا والطاء كذا ... إن هذا إلّا تكلّف بارد!

ولا ريب أنّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) جملة برأسها تفيد معناها الخاصّ ، من غير إرادة معاني أخر مرمزا إليها بحروف كلماتها ... اللهمّ إلّا إذا أريد التمحّل في الكلام! أو هناك من حاول التشويه في وجه التفسير ، ولا غرابة بعد أن لمسنا يدا إسرائيليّة (حديث كعب الأحبار الآنف) لعبت هذا الدور!!

ويزيد الأمر شناعة نسبة ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسبما عرفت. كما لا غرو بعد ذلك في نسبته إلى شيخ العترة أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام! نسبه إليه الظاهريّون من أهل الحديث ومن تبعهم من أرباب التأويل في الكلام.

[١ / ٣٤٨] روى الكليني بإسناده عن أحمد بن محمّد بن الخالد البرقي (٢) عن القاسم بن يحيى (٣) عن جدّه الحسن بن راشد (٤) عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن تفسير (بِسْمِ اللهِ

__________________

(١) الموضوعات ١ : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٢) كان يكثر الرواية عن الضعفاء وكان يعتمد المراسيل. وقد طعن فيه القميّون.

(٣) ضعّفه أصحاب التراجم.

(٤) مولى بني العباس. استوزره كلّ من المهدي وموسى وهارون. وضعّفه أرباب التراجم.

٣٤٨

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟ قال : «الباء بهاء الله ، والسين سناء الله ، والميم مجد الله. قال الكليني : وروى بعضهم : الميم ملك الله. والله إله كلّ شيء. الرحمان بجميع خلقه ، والرحيم بالمؤمنين خاصّة» (١).

قال المجلسي ـ في شرح الحديث ـ : الحديث ضعيف. واحتمل ـ على فرض الصحّة ـ أن يكون للحروف المفردة أوضاعا ومعاني متعدّدة لا يعرفها إلّا حجج الله ، وهذه إحدى جهات علومهم واستنباطهم من القرآن (٢).

والرواية بعينها رواها العيّاشي بنفس الإسناد والمحتوى تماما (٣).

وهكذا الصدوق في كتابيه : «التوحيد» و «معاني الأخبار» (٤).

[١ / ٣٤٩] وأورده بسند آخر عن صفوان بن يحيى عمّن حدّثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟ فقال : «الباء بهاء الله. والسين سناء الله. والميم ملك الله.

قال : قلت : الله؟ قال : الألف ، آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا. واللّام ، إلزام الله خلقه ولايتنا. قلت : فالهاء؟ قال : هوان لمن خالف محمّدا وآل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ. قال قلت : الرحمان؟ قال : بجميع العالم. قلت : الرحيم؟ قال : بالمؤمنين خاصّة» (٥).

قلت : ومواضع الوهن في بعض هذه التعاليل ظاهرة ، الأمر الذي ينبو عن كونه صادرا عن مقام العصمة! فضلا عن انقطاع السند.

[١ / ٣٥٠] وروى عليّ بن إبراهيم القمّي عن أبيه عن جماعة كلّهم مجاهيل سوى أبي طالب عبد الله بن الصلت عن عليّ بن يحيى (مجهول) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام. قال : سألته عن تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ؟) فقال : «الباء ، بهاء الله. والسين ، سناء الله. والميم ، ملك الله. والله إله كلّ شيء. والرحمان بجميع خلقه ، والرحيم بالمؤمنين خاصّة» (٦).

[١ / ٣٥١] وقال أبو عبد الرحمان السّلمي صاحب التفسير : وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن صحّ هذا : «الباء ، بهاؤه. والسين ، سناؤه. والميم ، مجده».

__________________

(١) الكافي ١ : ١١٤ / ١ ، باب معاني الأسماء واشتقاقها.

(٢) مرآة العقول ٢ : ٣٧.

(٣) العيّاشي ١ : ٣٦ / ١٨ و ١٩.

(٤) التوحيد : ٢٣٠ / ٢ ، باب ٣١ (معنى البسملة) ؛ معاني الأخبار : ٣ / ١ ، نفس الباب.

(٥) التوحيد : ٢٣٠ / ٣ ؛ معاني الأخبار : ٣ / ٢.

(٦) القمّي ١ : ٢٨.

٣٤٩

وكان تعليقه بقوله «إن صحّ هذا» ممّا ينبئ عن ترديده في صحّة النسبة.

[١ / ٣٥٢] ثمّ قال : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الإسكندرانى يقول : سمعت أبا جعفر الملطي يذكر عن عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمّد عليهم‌السلام قال : «بسم» الباء بقاؤه ، والسين أسماؤه ، والميم ملكه. فإيمان المؤمن ذكره ببقائه وخدمة المريد ذكره بأسمائه. والعارف فناه عن المملكة بالمالك لها. وقال أيضا : «بسم» ثلاثة أحرف : باء وسين وميم ، فالباء باب النبوّة ، والسين سرّ النبوّة الذي أسرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به إلى خواصّ أمّته ، والميم مملكة الدين الذي أنعم به للأبيض والأسود (١).

قلت : وليته تنظّر في صحّة مثل هذه النسبة إلى أئمة أهل البيت أيضا كما تنظّر في صحّة نسبتها إلى جدّهم الرسول عليهم‌السلام. فإنّ الراوي عن الإمام الرضا عليه‌السلام هو أبو جعفر الملطي ، وقد وصم أصحاب التراجم الملطيّين بأجمعهم بالكذب على الأكابر. وكان عبد الغنيّ بن سعيد الحافظ المصري يقول : ليس في الملطيين ثقة (٢).

والأسلم طريقة ما سلكه أرباب الذوق السليم ، من اعتبار ذلك من قبيل تداعي المعاني عند تذكار هذه الحروف بذكر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، من غير إرادة تفسير أو تأويل أو تحميل.

قال الإمام القشيري : «وقوم ، عند ذكر هذه الآية ، يتذكّرون من الباء برّه بأوليائه ، ومن السين سرّه مع أصفيائه ، ومن الميم منّته على أهل ولايته. فيعلمون أنّهم ببرّه عرفوا سرّه ، وبمنّته عليهم حفظوا أمره ، وبه سبحانه وتعالى عرفوا قدره.

وقوم ، عند سماع (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) تذكّروا بالباء براءة الله سبحانه وتعالى من كلّ سوء ، وبالسين سلامته سبحانه عن كلّ عيب ، وبالميم مجده سبحانه بعزّ وصفه.

وآخرون يذكرون عند الباء بهاءه ، وعند السين سناءه ، وعند الميم ملكه» (٣).

وهي طريقة سليمة ليس فيها تحميل على القرآن ولا تأويل باطل لآياته الكريمة. وإنّما هو خطور ذهني محض عند تذكّر هذه الحروف ، الأمر الذي لا مشاحّة فيه.

__________________

(١) تفسير السّلمي ١ : ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) راجع : الأنساب للسمعاني ٥ : ٣٧٩ ـ ٣٨٠.

(٣) لطائف الإشارات ١ : ٥٦.

٣٥٠

في الإجهار ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ / ٣٥٣] أخرج البزّار والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي الطفيل قال : سمعت عليّ بن أبي طالب وعمّارا يقولان : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجهر في المكتوبات ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في فاتحة الكتاب» (١).

[١ / ٣٥٤] وأخرج الدارقطني عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢).

[١ / ٣٥٥] وأخرج عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أمّني جبرئيل عليه‌السلام عند الكعبة ، فجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (٣).

[١ / ٣٥٦] وأخرج عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال «كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في السورتين جميعا» (٤).

[١ / ٣٥٧] وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة. وزاد البيهقي : فترك الناس ذلك (٥).

[١ / ٣٥٨] وأخرج الدارقطني عن عبد الله بن عمر قال : صلّيت خلف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأبي بكر ، وعمر فكانوا يجهرون ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٦).

[١ / ٣٥٩] وأخرج الطبراني والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان ، من طريق أبي الطفيل ، والحاكم عن أنس قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٧).

[١ / ٣٦٠] وأخرج الثعلبي عن عليّ بن زيد بن جدعان أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢١ ـ ٢٢ ؛ الدارقطني ٢ : ٣٧ ؛ الشعب ٢ : ٤٣٦ / ٢٣٢٢ ، باب ١٩ (في تعظيم القرآن) ؛ كنز العمّال ٨ : ١١٦ / ٢٢١٦٧.

(٢) الدرّ ١ : ٢٣ ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٨ ، باب وجوب قراءة بسم الله الرحمان الرحيم.

(٣) الدرّ ١ : ٢٢ ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٧.

(٤) الدرّ ١ : ٢٢ ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٢ ؛ وكنز العمّال ٨ : ١١٦ / ٢٢١٦٤.

(٥) الدرّ ١ : ٢٢ ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٦ ، باب وجوب قراءة بسم الله الرحمان الرحيم ؛ الحاكم ١ : ٢٠٨ ؛ البيهقي ٢ : ٤٧ ، جماع أبواب صفة الصلاة ، باب افتتاح القراءة في الصلاة ببسم الله الرحمان الرحيم ، ورواه ابن كثير (١ : ١٨) عن ابن عبّاس.

(٦) الدرّ ١ : ٢٢ ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٤.

(٧) الدرّ ١ : ٢٢ ؛ الأوسط ١ : ١٥ ، عن ابن عباس ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٧ ؛ الشعب ٢ : ٤٣٦ / ٢٣٢٢ ، في رواية جابر بن أبي الطفيل عن عليّ وعمار ؛ الحاكم ١ : ٢٣٣.

٣٥١

ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يجهرون بها. عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير (١).

[١ / ٣٦١] وأخرج الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره بالإسناد إلى الرضا عن أبيه عن الصادق عليهم‌السلام قال : «اجتمع آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.)(٢) وعلى قضاء ما فات من الصلاة في الليل بالنهار ، وعلى قضاء ما فات في النهار بالليل. وعلى أن يقولوا في أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن قول» (٣).

[١ / ٣٦٢] وروى علي بن إبراهيم بإسناده إلى ابن أذينة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : («بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أحق ما جهر به وهي الآية التي قال الله عزوجل : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً)(٤)». (٥)

[١ / ٣٦٣] وروى الصدوق بإسناده إلى الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام أنّه قال : «والإجهار ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في الصلاة واجب» (٦).

[١ / ٣٦٤] وروى بإسناده إلى الفضل بن شاذان فيما كتبه الرضا عليه‌السلام للمأمون في بيان محض الإسلام ، جاء فيه : «والإجهار ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في جميع الصلوات سنّة» (٧).

[١ / ٣٦٥] وعن الرضا عليه‌السلام أنّه كان يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في جميع صلواته بالليل والنهار (٨).

[١ / ٣٦٦] وروى الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمّد عن صفوان الجمال قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاما فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وكان يجهر في السورتين جميعا (٩).

[١ / ٣٦٧] وروى العيّاشي بإسناده إلى خالد بن المختار ، قال : سمعت جعفر بن محمّد عليهما‌السلام يقول :

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢١ ؛ الثعلبي ١ : ١٠٦ ، وزاد فيه : «وعبد الله بن صفوان» ؛ أبو الفتوح ١ : ٤٩.

(٢) وهكذا ذكر البيهقي في الخلافيّات : أنّه اجتمع آل الرسول على الجهر بالبسملة (نيل الأوطار ، الشوكاني ٢ : ٢٠٠).

(٣) أبو الفتوح ١ : ٥٠ ، وعنه النوري في المستدرك ٤ : ١٨٩ / ٤٤٥٦.

(٤) الإسراء ١٧ : ٤٦.

(٥) القمّي ١ : ٢٨.

(٦) الخصال : ٦٠٤ / ٩ ، باب الواحد إلى المائة.

(٧) العيون ١ : ١٣١ / ١ ، باب ٣٥ (ما كتبه الرّضا عليه‌السلام في محض الإسلام وشرائع الدّين).

(٨) المصدر ٢ : ١٩٦ / ٥ ، باب ٤٤ (في ذكر أخلاقه ووصف عبادته).

(٩) الكافي ٣ : ٣١٥ / ٢٠ ، كتاب الصلاة ، باب قراءة القرآن. ورواه الشيخ في الصحيح عن صفوان (التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦).

٣٥٢

«ما لهم عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها ، وهي (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (١).

[١ / ٣٦٨] وبإسناده إلى أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ويرفع صوته بها ، فإذا سمعها المشركون ولّوا مدبرين ، فأنزل الله : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً)» (٢).

[١ / ٣٦٩] وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «علّمني جبرئيل الصلاة فقام فكبّر لنا ، ثمّ قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فيما يجهر به في كلّ ركعة» (٣).

[١ / ٣٧٠] وأخرج عن الحكم بن عمير وكان بدريّا قال : صلّيت خلف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجهر في الصلاة ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في صلاة الليل ، وصلاة الغداة ، وصلاة الجمعة (٤).

ما ورد من الإسرار بالبسملة أو تركها

وهي أحاديث غريبة ومعارضة بالأصحّ الأقوى والأشهر ، فضلا عن نكارة فيها سوف ننبّه عليها :

[١ / ٣٧١] أخرج البيهقي عن الزهري قال : من سنّة الصلاة أن تقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وإنّ أوّل من أسرّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة ، وكان رجلا حييا (٥).

[١ / ٣٧٢] وأخرج الطبراني عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسرّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وأبو بكر ، وعمر (٦).

[١ / ٣٧٣] وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن ابن عبد الله ابن مغفل قال : سمعني أبي وأنا أقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقال : أي بنيّ محدث؟ إيّاك والحدث ، قال : صلّيت خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فلم أسمع أحدا منهم جهر

__________________

(١) العيّاشي ١ : ٣٦ / ١٦.

(٢) المصدر ١ : ٣٤ / ٦. والآية من سورة الإسراء ١٧ : ٤٧.

(٣) الدرّ ١ : ٢٠ ـ ٢١ ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٥.

(٤) الدرّ ١ : ٢٢ ـ ٢٣ ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٨.

(٥) الدرّ ١ : ٢١ ؛ البيهقي ٢ : ٥٠ ، للرواية صدر بلفظ : «... وكان يقول أوّل من قرأ بسم الله الرحمان الرحيم سرّا بالمدينة عمرو بن سعيد ...».

(٦) الدرّ ١ : ٢٩ ؛ الكبير ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ / ٧٣٩ ، فصل ممّا أسند أنس بن مالك ؛ مجمع الزوائد ٢ : ١٠٨ ، كتاب الصلاة ، باب في بسم الله الرحمان الرحيم.

٣٥٣

ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.) وفي لفظ الترمذي : لم أسمع أحدا منهم يقولها ، فلا تقلها ، إذا أنت صلّيت فقل : الحمد لله ربّ العالمين (١).

[١ / ٣٧٤] وروي عن أنس قال : صلّيت خلف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلف أبي بكر وعمر ، فلم أسمع أحدا منهم يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢).

***

[١ / ٣٧٥] وأخرج الطبراني من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هزأ منه المشركون وقالوا : محمّد يذكر إله اليمامة ، وكان مسيلمة يتسمّى الرحمان. فلمّا نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يجهر بها (٣).

قلت : لا شكّ أنّه حديث مفترى ؛ إذ كانت العرب تعرف الرحمان وأنّه ربّ العالمين. (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ)(٤). (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ)(٥). وقد خاطبهم الله سبحانه بهذا الوصف في أكثر من خمسين موضعا في القرآن! فكيف يا ترى أنكروا وصفه تعالى بهذا الوصف ، وزعم أنّه مستعار من وصف صاحب اليمامة؟!

على أنّ البسملة هي أولى آية نزلت بمكّة وكان النبيّ يجهر بها علانية في صلواته وتلاوة القرآن ليله ونهاره. ولم تظهر دعوة كذّاب اليمامة إلّا قبيل سنة عشر من الهجرة (٦) ، نعم ، الكذوب تخونه ذاكرته.

وأمّا قولهم : (وَمَا الرَّحْمنُ ...)(٧) فهو كقول فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)(٨) ... استهزاء بموضع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعوته إلى عبادة الله إلها واحدا لا شريك له ، ولذلك أتوا ب «ما» بدل «من»! وقالوا :

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٩ ؛ المصنّف ١ : ٤٤٧ / ١ ؛ الترمذي ١ : ١٥٤ ـ ١٥٥ / ٢٤٤ ، أبواب الصلاة ، باب ١٨٠ (ما جاء في ترك الجهر ببسم الله ...) ، بلفظ : عن ابن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا في الصلاة أقول «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» فقال لي : أي بنيّ محدث؟ إيّاك والحدث! قال : ولم أر أحدا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أبغض اليه الحدث في الإسلام ، يعني منه. وقال : وقد صلّيت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها ، فلا تقلها إذا أنت صليت ، فقل «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ... ؛ النسائي ١ : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ٩٨٠ ؛ ابن ماجة ١ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ؛ البيهقي ٢ : ٥٢.

(٢) القرطبي ١ : ٩٦ ؛ المصنّف ١ : ٤٤٨ / ١٧ ، باب ١٩٣ ؛ كنز العمّال ٨ : ١١٨ / ٢٢١٧٤.

(٣) الدرّ ١ : ٢٩ ؛ الأوسط ٥ : ٨٩ ؛ مجمع الزوائد ٢ : ١٠٨.

(٤) الزخرف ٤٣ : ٢٠.

(٥) يس ٣٦ : ١٥.

(٦) راجع : سيرة ابن هشام ٤ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٧) الفرقان ٢٥ : ٦٠.

(٨) الشعراء ٢٦ : ٢٣.

٣٥٤

(أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا؟) وليس فيه أيّ إشارة إلى كذّاب اليمامة؟

قال أبو جعفر الطبري : وقد زعم بعض أهل الغباء أنّ العرب كانت لا تعرف «الرحمان» ولم يكن ذلك في لغتها ، ولذلك قال المشركون للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) إنكارا منهم لهذا الاسم! كأنّه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحّته ، أو كأنّه لم يتل من كتاب الله قول الله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) ـ يعني محمدا ـ (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) وهم مع ذلك به مكذّبون ولنبوّته جاحدون. فيعلم بذلك أنّهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحّته واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهليّة الجهلاء :

ألا ضربت تلك الفتاة هجينها

ألا قضب الرحمان ربّي يمينها

وقال سلامة بن جندل الطهوي :

عجلتم علينا عجيلتنا عليكم

وما يشأ الرحمان يعقد ويطلق (١)

[١ / ٣٧٦] وهكذا أخرج أبو داوود في مراسيله عن سعيد بن جبير قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بمكة ، وكان أهل مكة يدعون مسيلمة : الرحمان. فقالوا : إنّ محمّدا يدعو إلى إله اليمامة ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإخفائها ، فما جهر بها حتّى مات (٢).

[١ / ٣٧٧] وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : الجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قراءة الأعراب! (٣)

[١ / ٣٧٨] وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم [النخعي] قال : جهر الإمام ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بدعة (٤).

كما نستغرب ما أخرجه أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وابن جرير الطبري في التفسير بالإسناد إلى عطاء الخراساني ، قال : كان «الرحمان». فلمّا اختزل «الرحمان» من اسمه تعالى صار (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)! (٥)

__________________

(١) الطبري ١ : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) الدرّ ١ : ٢٩ ؛ المراسيل : ٨٩ / ٣٤ ، باب ٩ (ما جاء في الجهر ببسم الله).

(٣) الدرّ ١ : ٢٩ ؛ المصنّف ١ : ٤٤٨ ؛ كنز العمّال ٨ : ١١٩ / ٢٢١٨١ ؛ مجمع الزوائد ٢ / ١٠٨.

(٤) الدرّ ١ : ٢٩ ـ ٣٠ ؛ المصنّف ١ : ٤٤٨ / ١١ ، كتاب الصلاة ، باب ١٩٣ (من كان يجهر ببسم الله ...).

(٥) معاني القرآن ١ : ٥٣ ـ ٥٤ ؛ الطبري ١ : ٨٧ / ١٢٤.

٣٥٥

إذ قد عرفت أنّ مسيلمة إنّما تسمّى بالرحمان في أخريات عهد الرسالة في المدينة. وقد نزلت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، منذ بدء الرسالة ، على مشرّفها آلاف التحيّة والثناء.

***

والأغرب ما زعمه البعض من عدم نزول البسملة آية في القرآن ، لا في مفتتح السور ولا غيرها سوى سورة النمل. أو أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكتبها حتّى نزلت سورة النمل.

والأعجب قولهم : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكتب في أوائل السور شعار الجاهليّة : «باسمك اللهمّ» بدل شعار الإسلام : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)!

قالوا : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكتب في بدء الأمر على رسم قريش : «باسمك اللهمّ» حتّى نزلت : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها)(١) ، فكتب : «باسم الله». حتّى نزلت : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ)(٢) ، فكتب : «باسم الله الرحمان». حتّى نزلت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٣) ، فكتب مثلها (٤).

يالها من سفاسف لا يقبلها عقل سليم!!

[١ / ٣٧٩] وذكر القرطبي ـ ناسبا له إلى الشعبي والأعمش (وحاشاهما) ـ : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكتب «باسمك اللهمّ» ، حتّى أمر أن يكتب «بسم الله» فكتبها. فلمّا نزلت : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) ، كتب «بسم الله الرحمان». فلمّا نزلت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كتبها.

[١ / ٣٨٠] قال : وفي مصنّف أبي داوود : قال الشعبي وأبو مالك وقتادة وثابت بن عمارة : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) حتّى نزلت سورة النمل (٥).

[١ / ٣٨١] قال : وقال الحسن أيضا : لم تنزل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم) في شيء من القرآن إلّا في «طس» : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٦).

والعمدة : أنّها مراسيل لا موضع لاعتبارها!

__________________

(١) هود ١١ : ٤١.

(٢) الإسراء ١٧ : ١١٠.

(٣) النمل ٢٧ : ٣٠.

(٤) راجع : البغوي ١ : ٧٣ / ٢٨ ؛ عبد الرزّاق ٢ : ٤٧٧ / ٢١٥٨.

(٥) القرطبي ١ : ٩٢ ؛ وراجع : سنن أبي داوود ١ : ١٨٢ ذيل الحديث رقم ٧٨٧.

(٦) القرطبي ١ : ٩٥.

٣٥٦

[١ / ٣٨٢] وروى مسلم عن أنس ، قال : صلّيت خلف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يفتتحون ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، لا يذكرون (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، لا في أول قراءة ولا في آخرها.

[١ / ٣٨٣] وعنه أيضا : لم أسمع أحدا منهم يقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(١). وجاء في الهامش : معناه : أنّهم كانوا يسرّون بالبسملة كما يسرّون بالتعوّذ. وهو المعنيّ بقوله : فكانوا يستفتحون بالحمد لله! والدليل على هذا التأويل رواية أنس أيضا ، قال : صلّيت خلف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلف أبي بكر وعمر ، فلم أسمع أحدا منهم : يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٢).

في كتابة البسملة

[١ / ٣٨٤] روى ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بإسناده إلى سيف بن هارون مولى آل جعدة ، قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : اكتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من أجود كتابك ، ولا تمدّ الباء حتّى ترفع السين (٣).

قال المحقق الفيض الكاشاني : يعني : لا تمدّ الباء إلى الميم ـ كما وقع التصريح به في حديث الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. ورفع السين : تضريسه (٤).

وقال الفاضل الأستر آبادي : استحباب رفع السين قبل مدّ الباء ، يحتمل اختصاصه بالخطّ الكوفي (٥).

[١ / ٣٨٥] أخرج الختلي (٦) في مسند عليّ عليه‌السلام عن سعيد بن أبي سكينة ، قال : بلغني أنّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام نظر إلى رجل يكتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال : جوّدها ، فإنّ رجلا جوّدها فغفر له (٧).

__________________

(١) المصدر ، وراجع : مسلم ٢ : ١٢ ؛ ابن كثير ١ : ١٨ ، رواه عن أنس في الصحيحين ؛ كنز العمّال ٨ : ١١٨ / ٢٢١٧٥.

(٢) القرطبي ١ : ٩٦.

(٣) الكافي ٢ : ٦٧٢ / ٢.

(٤) الوافي ٥ : ٧٠٩ / ٢٩٢٠ ، باب ١٠٧.

(٥) مرآة العقول ١٢ : ٥٨٠.

(٦) هو : أحمد بن محمد بن أبي شحمة الختلي. روى عن أبي سالم الروّاس عن أبي حفص العبدي عن أبان عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتب بسم الله الرحمان الرحيم ، فحسّنها غفر له». ذكره الخطيب في تاريخه (٥ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، ٢٦٩٥). قال : ولم أر من أحمد بن محمّد الختلي سوى هذا الحديث.

(٧) كنز العمّال ١٠ : ٣١١ / ٢٩٥٥٨ ، أدب الكتابة ؛ القرطبي ١ : ٩١.

٣٥٧

[١ / ٣٨٦] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «تنوّق رجل في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فغفر له» (١).

[١ / ٣٨٧] وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان وابن أشته في المصاحف عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من كتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مجوّدة تعظيما لله غفر الله له» (٢).

[١ / ٣٨٨] وأخرج ابن أبي داوود السجستاني عن وكيع عن عليّ بن المبارك عن أبي حكيمة العبدي ، قال : «كنت أكتب المصاحف بالكوفة فيمّر علينا عليّ عليه‌السلام فيقوم فينظر فيعجبه خطّنا ويقول : هكذا نوّروا ما نوّر الله».

[١ / ٣٨٩] وعنه أيضا قال : قال عليّ عليه‌السلام : «اجل قلمك ، فقططت منه ثمّ كتبت وهو قائم ، فقال : نوّره كما نوّره الله عزوجل» (٣).

قوله : «اجل قلمك» من الجلاء وهو الوضوح والظهور ، يقال : جلا الأمر جلاء أي كشفه وأوضحه. وجلا السيف : صقله.

[١ / ٣٩٠] وهو المعنيّ بقوله عليه‌السلام : «الخطّ علامة ، فكلّ ما كان أبين كان أحسن» (٤).

[١ / ٣٩١] وروى أبو عبيد القاسم بن سلام بإسناده إلى عبد الله بن سليمان العبدي عن أبي حكيمة العبدي قال : كنت أكتب المصاحف ، فبينا أنا أكتب مصحفا إذ مرّ بي عليّ عليه‌السلام فقام ينظر إلى كتابي فقال : «أجلل قلمك» ، قال : فقصمت من قلمي قصمة ، ثمّ جعلت أكتب ، فقال : «نعم هكذا نوّره كما نوّره الله عزوجل» (٥).

والإجلال : رفع العيب ، كناية عن الاستواء في الكتابة بلا نقص ولا عيب.

[١ / ٣٩٢] وعن عوانة بن الحكم قال : قال عليّ عليه‌السلام لكاتبه : «أطل جلفة قلمك ، وأسمنها ، وأيمن قطّتك ، وأسمعني طنين النون ، وحوّر الحاء ، وأسمن الصاد ، وعرّج العين ، واشقق الكاف ، وعظّم الفاء ، ورتّل اللّام ، وأسلس الباء والتّاء والثّاء ، وأقم الزّاي ، وعلّ ذنبها. واجعل قلمك خلف أذنك ، يكون أذكر لك» (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٧ ؛ الشعب ٢ : ٥٤٦ / ٢٦٦٧ ، باب في تعظيم القرآن ؛ كنز العمّال ٢ : ٢٩٦ / ٤٠٤٥.

(٢) الدرّ ١ : ٢٧ ، وذكر أخبار إصبهان ٢ : ٣١٣ وفيه : «فجوده» بدل قوله «مجودة».

(٣) المصاحف : ١٣٠ ـ ١٣١.

(٤) كنز العمّال ١٠ : ٣١٢ / ٢٩٥٦٢ ، أدب الكتابة.

(٥) فضائل القرآن : ٢٤٣ ـ ٢٤٤ ، باب ٦٦.

(٦) كنز العمّال ١٠ : ٣١٣ / ٢٩٥٦٤.

٣٥٨

[١ / ٣٩٣] وأيضا قال لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع : «ألق دواتك. وأطل شقّ قلمك ـ وافرج بين السطور وقرمط بين الحروف» (١).

[١ / ٣٩٤] وروى الديلمي : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لبعض كتّابه : «ألق الدواة ، وحرّف القلم ، وانصب الباء ، وفرّق السين. ولا تغوّر الميم ، وحسّن «الله» ، ومدّ «الرحمان» ، وجوّد «الرحيم» وضع قلمك على أذنك اليسرى ، فإنّه أذكر لك» (٢).

[١ / ٣٩٥] وأخرج الخطيب في الجامع عن الزهري قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تمدّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٣) أي تمدّ الباء إلى الميم من غير تضريس السين بينهما كما في الحديث الآتي.

[١ / ٣٩٦] أخرج السلفي في جزء له عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا تمدّ الباء إلى الميم حتّى ترفع السين» (٤).

[١ / ٣٩٧] وأخرج الديلمي في مسند الفردوس وابن عساكر في تاريخ دمشق عن زيد بن ثابت قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كتبت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فبيّن السين فيه» (٥).

[١ / ٣٩٨] وأخرج الخطيب وابن أشته في المصاحف عن محمّد بن سيرين : أنّه كان يكره أن يمدّ الباء إلى الميم حتّى يكتب السين (٦).

[١ / ٣٩٩] وأخرج الخطيب عن مطر الورّاق قال : كان معاوية بن أبي سفيان كاتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمره أن يجمع بين حروف الباء والسين ، ثمّ يمدّه إلى الميم ، ثمّ يجمع حروف الله ، الرحمان ، الرحيم ، ولا يمدّ شيئا من أسماء الله في كتابه ، ولا قراءته (٧).

[١ / ٤٠٠] وفي تفسير البغوي : كان عمر بن عبد العزيز يقول لكتّابه : طوّلوا الباء وأظهروا السين وفرّجوا بينهما ودوّروا الميم تعظيما لكتاب الله عزوجل (٨).

[١ / ٤٠١] وأخرج ابن سعد في طبقاته عن جويريّة بنت أسماء أنّ عمر بن عبد العزيز عزل كاتبا

__________________

(١) المصدر / ٢٩٥٦٣.

(٢) المصدر : ٣١٤ / ٢٩٥٦٦ ، وراجع : منية المريد للشهيد السعيد زين الدين العاملي : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، الخامس عشر من آداب الكتابة ؛ الفردوس بمأثور الخطاب ٥ : ٣٩٤ / ٨٥٣٣.

(٣) الدرّ ١ : ٢٧ ؛ الجامع ١ : ٤١١ / ٥٥٣.

(٤) الدرّ ١ : ٢٧.

(٥) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٣٤٤ / ١٠٩٦ ؛ ابن عساكر ١٦ : ٦ / ١٨٥٩.

(٦) الدرّ ١ : ٢٧ ؛ الجامع ١ : ٤٠٨ ـ ٤٠٩ / ٥٥٠.

(٧) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ الجامع ١ : ٤١٢ ـ ٤١٣ / ٥٥٥.

(٨) البغوى ١ : ٧٠ ؛ أبو الفتوح ١ : ٥٢.

٣٥٩

له في هذا كتب (بسم) ولم يجعل السين (١). أي لم يضرّس السين ومدّ الباء إلى الميم.

[١ / ٤٠٢] وأخرج أبو عبيد عن عمران بن عون أنّ عمر بن عبد العزيز ضرب كاتبا كتب الميم قبل السين (٢). فقيل له : فيم ضربك أمير المؤمنين؟ فقال : في سين (٣).

[١ / ٤٠٣] وأخرج أبو عبيد عن ابن عون أنّه كتب لابن سيرين : (بسم) (٤) فقال : مه ... اكتب سينا. اتّقوا أن يأثم أحدكم وهو لا يشعر (٥).

[١ / ٤٠٤] وأخرج ابن سعد عن محمّد بن سيرين أنّه كان يكره أن يكتب الباء ، ثمّ يمدّها إلى الميم حتّى يكتب السين ، ويقول فيه قولا شديدا (٦).

[١ / ٤٠٥] وأخرج الخطيب عن معاذ بن معاذ قال : كتبت عند سوار (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فمددت الباء ولم أكتب السين ، فأمسك يدي وقال : كان محمّد والحسن يكرهان هذا (٧).

[١ / ٤٠٦] وأخرج الخطيب عن عبد الله بن صالح قال : كتبت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ورفعت الباء فطالت فأنكر ذلك الليث وكرهه وقال : غيّرت المعنى ، يعني لأنها تصير لاما (٨)(٩).

[١ / ٤٠٧] وأخرج أبو عبيد عن مسلم بن يسار أنّه كان يكره أن يكتب (بسم) حين يبدأ فيسقط السين (١٠).

[١ / ٤٠٨] وأخرج الخطيب في الجامع والديلمي عن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال «إذا كتب أحدكم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فليمدّ الرحمان» (١١).

***

وأوّل من تنوّق في كتابة المصحف وتجويد خطّها ، هو خالد بن أبي الهياج ، صاحب أمير

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ الطبقات ٥ : ٣٦٧ ، الطبقة الثالثة من أهل المدينة من التابعين (عمر بن عبد العزيز).

(٢) أي قبل أن يضرّس السين قبل الميم.

(٣) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ فضائل القرآن : ١١٦ / ١٥ ـ ٣٢.

(٤) أي وصل الباء بالميم من غير فصل السين مضرّسة.

(٥) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ فضائل القرآن : ١١٦ / ١٤ ـ ٣٢.

(٦) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ الطبقات ٧ : ١٩٥ ، باب محمّد بن سيرين.

(٧) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ الجامع ١ : ٤١٠ / ٥٥٢ ، وفيه : كان الحسن ومحمّد ....

(٨) ذلك حيث لم ينقّط الخطّ حينذاك. فإذا رفعت ركزة الباء ، حسبوها لاما.

(٩) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ الجامع ١ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ / ٥٤٨ وزاد : قال ابن حمدان : لأنّه يصير : لسم الله.

(١٠) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ فضائل القرآن : ١١٥ / ١٣ ـ ٣٢.

(١١) الدرّ ١ : ٢٨ ؛ الجامع ١ : ٤١٣ ـ ٤١٤ / ٥٥٦ ؛ الفردوس بمأثور الخطاب ١ : ٢٩٦ / ١١٦٨.

٣٦٠