التفسير الأثري الجامع - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-94552-4-8
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٤١٦

السنن عن هارون (١). وهكذا فعل الذهبي في التلخيص!

والملخّص : أنّ القراءة بغير ألف. لم تثبت رواية عن السلف ، سوى ما أحدثه مروان ومن في ضربه ذلك العهد!

قراءة (مالِكِ) في الرواية عن السبعة

قرأ عاصم والكسائي من السبعة : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.) وخلف في اختياره ويعقوب. وهي القراءة الوحيدة المأثورة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجرى عليها كبار أصحابه المرموقين وتناقلها المسلمون خلفا عن سلف ، حسبما تقدّم.

وقرأ باقي السبعة : «ملك يوم الدّين». وأوّل من أحدث قراءة «ملك» بغير ألف ، هو مروان بن الحكم ، وشذّ عن الباقين ذلك العهد. واختارها اجتهادا لفيف من القرّاء المتأخّرين. وسنذكر أن لا مجال للاجتهاد في القراءة بعد كونها توقيفا على ما ثبت نصّه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتناقلها جمهور المسلمين. وهي قراءة حفص المتّصلة إسنادها إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال الإمام أحمد بن حنبل : وهي القراءة القديمة (٢) أي قراءة عامّة السلف قبل أن تحدث القراءة بغير ألف على يد مروان!

وقرأ يحيى بن يعمر وأيّوب السختياني : (مالِكِ) بالإمالة البليغة. وقرأ قتيبة بن مهران عن الكسائي ـ في غير قراءته السبعيّة ـ بالإمالة المتوسّطة (٣).

وذكر أبو علي الفارسي : أنّ أحدا لم يمل الألف من مالك (٤). ولعلّه أراد القرّاء السبعة. وإلّا فقد ردّ عليه أبو حيّان الأندلسي ونسبه إلى الجهل بالمأثور من النقل. قال : إنّ ذلك جائز إلّا أنّه لا يقرأ بما يجوز إلّا أن يأتي بذلك أثر مستفيض (٥). وهكذا قال ابن الجزري : الإمالة بكلا شقّيها : البليغة وبين بين ، جائزة في القراءة ، جارية في لغة العرب (٦).

__________________

(١) سنن البيهقي ٣ : ٣٤٩.

(٢) راجع : سنن أبي داوود ٢ : ٢٤٨ / ٤٠٠١.

(٣) قال ابن الجزري : الإمالة أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة ، وبالألف نحو الياء. كثيرا ، هو المحض. وقليلا ، وهو : بين بين. ويقال له أيضا : التقليل والتلطيف وبين بين. فهي بهذا الاعتبار تنقسم إلى قسمين إمالة شديدة ، وإمالة متوسّطة. وكلاهما جائز في القراءة ، جار في لغة العرب. النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٠.

(٤) الحجّة في القراءات ١ : ٨. وأخذ عنه الطبرسي في مجمع البيان ١ : ٢٣.

(٥) البحر المحيط ١ : ٢٠.

(٦) النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٠.

٢٨١

[١ / ١١٣] قلت : وعليه يحمل ما رواه العياشي بإسناده إلى داوود بن فرقد ، قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقرأ ما لا أحصي : ملك يوم الدّين (١) ولعلّ الإمام عليه‌السلام كان يميلها تلطيفا ـ كما قال ابن الجزري ـ فحسبها الراوي بإسقاط الألف رأسا.

[١ / ١١٤] وإلّا فقد روى العياشي ـ أيضا ـ بإسناده إلى الحلبي أنّه عليه‌السلام كان يقرأ : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(٢). وهي القراءة المشهورة المعروفة لدى عامّة المسلمين تلقّوها يدا بيد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وهي قراءة حفص عن عاصم بإسناده الذهبي إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وبما أنّ القراءة توقيف ولا مجال للاجتهاد فيها ، فما ذكروه من تعاليل وحجج في الترجيح هنا ، عليلة لا اعتبار بها. وقد رجّح الشيخ قراءة : مالك (٣) ، وهو الثابت الصحيح.

قراءة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

[١ / ١١٥] ذكر الخليل بن أحمد : أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقرأ : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيشبع رفع النون إشباعا ، وكان قرشيّا قلبا ، أي محضا (٤).

[١ / ١١٦] وأورده ابن خالويه في الشواذّ ، قال : إنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يشبع الضمّة في النون من (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وكان عربيّا قلبا ، أي محضا. قال : وقد روي عن ورش أنّه كان يقرأها كذلك (٥).

قلت : وإشباع الضمّة أمّا وصلا فظاهر ، وأمّا وقفا فعلى طريقة الرّوم ، وهو الوقف بالحركة مع إخفاء الصوت بها. وخصّه الفرّاء بالضمّ أو الكسر ، فيتولّد منه إشباع الضمّة إلى الواو. وإشباع الكسرة إلى الياء. خفيفتين.

أو على طريقة الإشمام بالضمّة عند الوقف. وهذه وتلك طريقتان من طرق الوقف الأربعة ، كما قال ابن مالك :

__________________

(١) العيّاشي ١ : ٣٧ / ٢٢.

(٢) المصدر : ٢١.

(٣) التبيان ١ : ٣٥.

(٤) تقول العرب : جئتك بهذا الأمر قلبا أي محضا لا يشوبه شيء. راجع : العين ٥ : ١٧١.

(٥) شواذّ القراءات : ١.

٢٨٢

وغيرها التأنيث من محرّك

سكّنه أو قف رائم التحرّك

أو اشمم الضمّة أو قف مضعفا

ما ليس همزا أو عليلا إن قفا (١)

[١ / ١١٧] وأخرج وكيع والفريابي عن أبي رزين قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقرأ هذا الحرف ، وكان قرشيّا عربيّا فصيحا : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا ...) يرفعهما جميعا (٢).

[١ / ١١٨] وأخرج الخطيب أيضا عن أبي رزين : أنّ عليّا عليه‌السلام قرأ : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فهمز ، ومدّ ، وشدّد (٣).

قراءة (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)

[١ / ١١٩] أخرج الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) بالصاد. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد (٤).

[١ / ١٢٠] وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن الأنباري عن ابن عبّاس ، أنّه قرأ : «اهدنا السراط» بالسين (٥).

وأمّا القرّاء فقد اختلفوا هنا :

[١ / ١٢١] فروي عن ابن كثير : السين ، والصاد ، والمضارعة بين الزاي والصاد. وروى عنه الأصمعي : الزراط بالزاي.

والباقون : بالصاد. غير أنّ حمزة يلفظ بها بين الصاد والزاي.

قال أبو علي الفارسي : وأمّا الزاي فأحسب أنّ الأصمعي لم يضبط عن أبي عمرو ، لأنّ الأصمعي كان غير نحويّ ، ولست أحبّ أن تحمل القراءة على هذه اللغة (٦) ، وأحسب أنّه سمع أبا عمرو يقرأ بالمضارعة للزّاي فتوهّمها زايا!

__________________

(١) راجع : البهجة المرضية في شرح ألفية ابن مالك ، لجلال الدّين السيوطي ، باب الوقف.

(٢) الدرّ ١ : ٣٧.

(٣) تاريخ بغداد ٢ : ٣٧٠ / ٨٧٧ ، في ترجمة محمّد بن سعدان النحوي الضرير (حرف السين من آباء المحمّدين).

(٤) الحاكم ٢ : ٢٣٢. وعقّبه الذهبي في التلخيص : وغمز في السند بإبراهيم بن سليمان. لكنّ غمزه غير وارد بعد كون الرجل من الثقات وقد وثّقه أحمد وابن معين في أرجح قوليهما. تهذيب التهذيب ١ : ١٢٥ / ٢٢٠.

(٥) الدرّ ١ : ٣٨ ؛ التاريخ ٢ : ١٧٣ / ٢٠٩٩.

(٦) تقول العرب : صقر وسقر. وكلب تقول : زقر بالمضارعة وهي المشابهة والمقاربة.

٢٨٣

قال ابن السرّاج : والاختيار عندي : الصاد ، لأنّها أخفّ على اللسان ، لأنّ الصاد حرف مطبق كالطاء فيتقاربان ، ويحسنان في السمع. والسين حرف مهموس ، فهو أبعد من الطاء. ولأنّها قراءة الأكثر (١).

قلت : ولأنّه الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي قراءة حفص المسندة إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. قال أبو حيّان : وبها كتبت في الإمام (٢).

***

[١ / ١٢٢] روى العيّاشي بإسناده إلى محمّد بن علي الحلبي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : سمعته ما لا احصي وأنا اصلّي خلفه ، يقرأ : إهدنا صراط المستقيم بغير لام التعريف مضافا (٣). ليكون «المستقيم» وصف إنسان كامل ينبغي الاقتداء به والاهتداء بهداه. وقد فسّر بالإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث القدوة والاسوة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[١ / ١٢٣] ففي رواية داوود بن فرقد ـ في تفسير الصراط ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : يعني أمير المؤمنين ، صلوات الله عليه (٤).

وهكذا جاء في كلام الطبرسي في مجمع البيان (٥).

وسيأتي تبيين المراد من تفسير «الصراط المستقيم» بالإمام أمير المؤمنين ، معنيّا به القدوة في انتهاج مسيرة الإسلام ، «وأنّ الحقّ يدور معه حيثما دار» (٦).

قراءة (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)

[١ / ١٢٤] أخرج ابن أبي داوود بعدّة طرق أنّ عمر بن الخطّاب كان يقرأ : صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالّين (٧).

__________________

(١) الحجّة في القراءات ١ : ٤٩ ـ ٥٠.

(٢) البحر المحيط ١ : ٢٥.

(٣) العيّاشي ١ : ٢٤ / ٢٦. جاء في النسخ المطبوعة معرّفا باللام. وكذا من نقله عنه ممّن تأخّر عنه. غير أنّه لا وجه للاختصاص بقراءتها. ومن ثمّ فالصواب هي الإضافة بلا لام ، كما ذكره المولى الشيخ أبو الحسن الشعراني في هامش مجمع البيان ١ : ٣١. وهكذا ذكر ابن عطيّة : أنّ الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قرأ : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) بالإضافة. (المحرّر الوجيز ١ : ٧٤).

(٤) العيّاشي ١ : ٢٤ / ٢٥.

(٥) مجمع البيان ١ : ٧٢.

(٦) الحديث ، أخرجه ابن مردويه في المناقب بإسناده إلى أبي ذرّ رضى الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. راجع : الغدير ٣ : ١٧٨.

(٧) المصاحف : ٥١.

٢٨٤

وأسندها القرطبي إلى أبيّ بن كعب أيضا (١) وكذا إلى عبد الله بن الزبير (٢).

[١ / ١٢٥] وأخرج أيضا عن الأعمش عن إبراهيم قال : كان علقمة بن قيس والأسود بن يزيد يقرآنها : صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالّين (٣). والظاهر أنّه من اشتباه الراوي عن الأعمش.

[١ / ١٢٦] فقد روى ابن أبي داوود الحديث بالإسناد إلى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وعلقمة أنّهما قالا : سمعنا عمر بن الخطّاب يقرأ : صراط من أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالّين (٤). ولم يأت فيه أنّهما قرآ كذلك.

كما وقد خلط السيوطي هنا فنقل الحديث وأبدل علقمة بعكرمة : قال :

[١ / ١٢٧] أخرج ابن أبي داوود عن إبراهيم قال : كان عكرمة والأسود يقرآنها كذلك (٥).

***

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ...) بخفض الراء. كما هي القراءة المشهورة لدى القرّاء وسائر المسلمين. على خلاف قراءة ابن كثير المكّي بالنصب.

[١ / ١٢٨] روى الحاكم في المستدرك بإسناده إلى إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب وأبي الوليد عن شعبة عن سلمة بن كهيل ، قال : سمعت أبا العنبس يحدّث عن علقمة بن وائل عن أبيه أنّه صلّى مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قال : غير المغضوب عليهم ... قال القاضي : غير ، بخفض الراء. فإنّ في قراءة أهل مكّة (يعني بهم أتباع ابن كثير) غير المغضوب عليهم ، أي بالنصب (٦).

اللغة والأدب

(الْحَمْدُ لِلَّهِ ...) جملة إنشائية لإبداء الشكر له تعالى على جزيل نعمائه. وابدلت في صورة اسميّة لغرض إرادة الثبات والدوام. وعليه فاللام للجنس لا للاستغراق ، حيث لم يكن إخبارا عن المحامد.

__________________

(١) القرطبي ١ : ١٥٠.

(٢) المصدر : ١٤٩.

(٣) المصاحف : ٩٠.

(٤) المصدر : ٥٠.

(٥) الدرّ ١ : ٤١.

(٦) الحاكم ٢ : ٢٣٢. وراجع لقراءة ابن كثير : إعراب القرآن لابن النّحاس ١ : ٢١ ؛ مجمع البيان ١ : ٦٧ ، قال : وقرئ أيضا في الشواذ : غير المغضوب عليهم ، بالنصب.

٢٨٥

و «الرب» من «ربب» مصدر مستعار للفاعل ، وهو المالك المتصرّف. ويطلق في اللغة على السيّد وعلى المتصرّف للإصلاح والتربية. والمراد هنا : الكافل بمصالح الخلائق. ولا يقال الرّبّ بلا تقييد إلّا لله القائم بمصالح العباد على الإطلاق.

وبالإضافة يقال له تعالى ولغيره. يقال : ربّ الدار وربّ الفرس لصاحبهما ، إذا كان كافلا بتدبير شؤونهما.

وقد تسامح من ترجمه بالمربّي ، من «ربو» بمعنى نما. إذ لا يتناوبان في موارد استعمالهما ، فضلا عن الافتراق في مادّة الكلمتين ومفهومهما ، ولعلّه تفسير بلازم المعنى.

و (الْعالَمِينَ) اسم جمع لجماعة العقلاء وقد ورد في القرآن أكثر من سبعين مرّة اريد به جماعة العقلاء لا غير : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ)(١). (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)(٢). (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(٣). (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً)(٤). (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ)(٥)(وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ)(٦). (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ)(٧). (مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ)(٨) ... إلى غيرها وهي كثيرة ، اريد بها جماعة الناس ، ولم يرد في شيء من ذلك ما سوى الأناسي من الخلائق.

[١ / ١٢٩] وهكذا روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام قال : «عني به الناس ، وجعل كلّ واحد منهم عالما. وقال : العالم عالمان : الكبير ، وهو الفلك بما فيه. والصغير ، وهو الإنسان ...» (٩).

[١ / ١٣٠] ونسب إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله :

أتزعم أنّك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر (١٠)

ولكن شاع من غير أساس ، تفسير العالمين بالعوالم باعتباره جمعا للعالم ، فهناك عالم الجماد وعالم النبات وعالم الحيوان وعالم الإنسان. وهكذا عالم الإنس وعالم الجنّ وعالم الملائكة.

__________________

(١) الأنعام ٦ : ٩٠.

(٢) يوسف ١٢ : ١٠٤ وص ٣٨ : ٨٧ والتكوير ٨١ : ٢٧.

(٣) الأنبياء ٢١ : ١٠٧.

(٤) الفرقان ٢٥ : ١.

(٥) العنكبوت ٢٩ : ١٠.

(٦) العنكبوت ٢٩ : ١٥.

(٧) آل عمران ٣ : ٤٢.

(٨) آل عمران ٣ : ٩٦.

(٩) أورده الراغب في مفرداته : ٣٤٥.

(١٠) مرآة العقول ١١ : ٣٦١ ـ ٣٦٢.

٢٨٦

[١ / ١٣١] وروي : «أنّ لله اثني عشر ألف عالم» (١).

قال الراغب : وجمع جمع السلامة فلكون الناس في جملتهم ، والإنسان إذا شارك غيره في اللفظ غلب حكمه.

لكنّه تكلّف ظاهر ، حيث لم يرد استعمال «العالمين» في القرآن وغيره في سوى الأناسي .. قوله تعالى : (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ)(٢) ... أفهل فضّلت على إناث غير الأناس؟!

وكان قوله : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ)(٣) هو المعني بقوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ)(٤).

وهكذا رجّح السيّد محمّد رشيد رضا ـ في المنار ـ المأثور عن جدّه الإمام جعفر الصادق ـ عليه الرضوان ـ : أنّ المراد به الناس فقط (٥).

***

وقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ...) التفاتة من الغيبة إلى الخطاب. أمّا الغيبة أوّلا ، فلاستعظام مقام الربوبيّة الشامخ أن يحضره العبد في مقام استكانته الخاضع. لكنّه لمّا وصف ربّه بصفات ونعوت هي تنمّ عن شمول رحمته وعموم عنايته ، تجرّأ أن يرى نفسه منعما بفيض الحضور لدى ساحته تعالى ، الرحبة الواسعة.

والإتيان بصيغة الجمع (نعبد. نستعين. إهدنا) استصغارا للعبد بنفسه أن يحضر بشخصه لديه تعالى ، فأدرج نفسه ضمن الجمع ، ولعله «لأجل عين ألف عين تكرم».

__________________

(١) الخصال : ٦٣٩ / ١٤.

(٢) آل عمران ٣ : ٤٢.

(٣) الشعراء ٢٦ : ١٦٥.

(٤) النمل ٢٧ : ٥٥.

(٥) المنار ١ : ٥١.

٢٨٧
٢٨٨

نظمها البديع

سورة الحمد ، في نظمها البديع ومحتواها الرفيع ، إرشاد إلى طريقة الابتهال إلى الله وعرض الحاجة لديه تعالى. ومن ثمّ فإنّ السورة قد ترتّبت على ثلاث مراحل متلاحقة : اولاها : تمجيد شامل. والثانية : انقطاع تامّ. وفي النهاية : عرض الحاجة الملحّة. فقد كانت المرحلتان الاوليان تمهيدا طبيعيّا لإمكان البلوغ إلى المقاصد المعروضة في المرحلة الأخيرة.

تبتدئ بالتحميد والتمجيد على أتمّ النّعم الشاملة : هو ربّ العالمين. ذو رحمة واسعة ورأفة بعباده المخلصين. وفي النهاية هو المالك لأزمّة الامور يوم الدّين. فهو تحميد على المبدأ والمعاد. ثمّ انقطاع كامل تامّ ، لا معبود سواه ولا مستعان إلّا هو. فلا ملجأ غيره تعالى على الإطلاق.

وأخيرا يأتي دور عرض الحاجة : شمول عنايته تعالى لعبده المحتاج إليه طول مسيرته في الحياة ، حتّى يصبح محبوّا بولاية الله ومنعما عليه مع زمرة المنعم عليهم ، مجانبا فئة المعتدين الذين غضب الله عليهم ، وجماعة المقصّرين الذين ضلّوا الطريق.

وهذه المراحل الثلاث قد ترتّبت ترتّبا طبيعيّا ، بحيث كانت كلّ مرحلة تمهيدا للورود إلى المرحلة التالية :

فحيث يقع التمجيد بتلك الصورة الشاملة ، يتداعى منه إيجاب ذلك الانقطاع الكامل ، وهذا الانقطاع بدوره يستدعي عرض الحاجة بكلّ خشوع لديه تعالى في نهاية المطاف.

٢٨٩

[١ / ١٣٢] قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «السورة التي أوّلها تحميد وأوسطها إخلاص وآخرها دعاء ، هي سورة الحمد» (١). وإذا كان العبد يبدأ بحمده تعالى وتمجيده ، ويبدي إخلاصه لديه ، فجدير على الله أن يستجيب دعاءه ولا يخيّب رجاءه.

[١ / ١٣٣] وأخرج أبو عبيد عن مكحول قال : امّ القرآن : قراءة ، ومسألة ، ودعاء (٢).

وفي الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّ سورة الحمد قسّمت شطرين ، فشطرها الأوّل (الحمد والإخلاص) لله ، وشطرها الآخر (عرض الحاجة) للعبد ... فيقول عزوجل : «هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل. فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل ، وآمنته ممّا منه وجل».

[١ / ١٣٤] والحديث رواه الإمام أبو محمّد العسكري عن آبائه عليهم‌السلام عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «فاتحة الكتاب أعطاها الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامّته. بدأ فيها بالحمد لله والثناء عليه ، ثمّ ثنّى بالدعاء لله عزوجل. ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : قال الله عزوجل : قسّمت الحمد بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل : إذا قال العبد : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ؛ قال الله : بدأ عبدي باسمي ، حقّ عليّ أن اتمّم له اموره وابارك له في أحواله.

فإذا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، قال الله : حمدني عبدي وعلم أنّ النّعم التي له من عندي ، وأنّ البلايا التي اندفعت عنه فبتطوّلي. اشهدكم يا ملائكتي أنّي اضيف له نعيم الدّنيا إلى نعيم الآخرة ، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدّنيا.

فإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال الله : شهد لي عبدي بأنّي الرحمان الرحيم ، اشهدكم لأوفّرنّ من رحمتي حظّه ، ولأجزلنّ من عطائي نصيبه.

فإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، قال الله : اشهدكم ـ كما اعترف بأنّي أنا المالك يوم الدّين ـ لأسهّلنّ يوم الحساب عليه حسابه ، ولأتقبّلنّ حسناته ، ولأتجاوزنّ عن سيّئاته.

فإذا قال العبد : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ، قال الله تعالى : صدق عبدي ، إيّاي يعبد. اشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي.

فإذا قال : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، قال الله : بي استعان عبدي ، وإليّ التجأ ، اشهدكم لاعينّنه على

__________________

(١) العيّاشي ١ : ٣٣ / ٢.

(٢) الدرّ ١ : ١٧ ؛ فضائل القرآن : ١١٨ / ١٢ ـ ٣٣.

٢٩٠

اموره ، ولاغيثنّه في شدائده ، ولآخذنّ بيده يوم نوائبه.

فإذا قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ...) إلى آخر السورة ، قال الله عزوجل : هذا لعبدي ، ولعبدي ما سأل ، وقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمّل ، وأمنته ممّا منه وجل ...» (١).

وهذا الحديث اعتمده الصدوق ورواه من طريق محمّد بن القاسم المفسّر الأسترابادي عن يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن يسار ، عن أبويهما عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام ، وذكر الحديث في كتابيه : (العيون والأمالي) (٢).

[١ / ١٣٥] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق ابن سليمان عن الضحّاك عن عبد الله بن عبّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريبا من هذا الحديث :

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله قد أنزل عليّ سورة لم ينزلها على أحد من الأنبياء والرسل قبلي. قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

قال الله تعالى : قسّمت هذه السورة بيني وبين عبادي ، فاتحة الكتاب ، جعلت نصفها لي ونصفها لهم ، وآية بيني وبينهم :

فإذا قال العبد : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال الله : عبدي دعاني باسمين رقيقين ، أحدهما أرقّ من الآخر. فالرحيم أرقّ من الرحمان ، وكلاهما رقيقان (٣).

فإذا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، قال الله : شكرني عبدي وحمدني.

فإذا قال : (رَبِّ الْعالَمِينَ) ، قال الله : شهد عبدي أنّي ربّ العالمين (ربّ الإنس والجنّ والملائكة والشياطين ، وربّ الخلق ، وربّ كلّ شيء) (٤).

فإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، يقول : مجّدني عبدي.

وإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ـ يعني يوم الحساب ـ قال الله تعالى : شهد عبدي أنّه لا مالك ليومه أحد غيري ، فقد أثنى عليّ عبدي.

[وإذا قال] : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ـ يعني : الله أعبد وأوحّد. (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.) قال الله : هذا بيني وبين

__________________

(١) تفسير الإمام : ٥٨ ـ ٥٩ / ٣٠.

(٢) العيون ١ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ / ٥٩ ؛ الأمالي : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ / ٢٥٣.

(٣) قال البيهقي : ولعلّه تصحيف وقع في الأصل ، وإنّما هو رفيقان. والرفيق من أسماء الله تعالى. قلت : لا محتمل للتصحيف هنا ، حيث الرّقّة هي منشأ الرحمة ، فتدبّر! وسيأتي الكلام عن ذلك في تفسير «الرحمان الرحيم».

(٤) هذا بناء على تفسير العالمين بالعوالم ، حسب الرأي المشهور ، على ما نوّهنا.

٢٩١

عبدي : إيّاي يعبد ، فهذا لي. وإيّاي يستعين ، فهذا له. ولعبدي بعد ما سأل ...» (١).

[١ / ١٣٦] وأخرج مالك في الموطأ وسفيان بن عيينة في تفسيره وأبو عبيد في فضائله وابن أبي شيبة وأحمد في مسنده والبخاري في جزء القراءة ومسلم في صحيحه وأبو داوود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف وابن حبّان والدارقطني والبيهقي في السنن عن أبي السائب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بامّ القرآن فهي خداج ، فهي خداج ، فهي خداج ثلاث مرّات. غير تامّ». قال أبو السائب : فقلت : يا أبا هريرة إنّي أحيانا أكون وراء الإمام ... فغمز ذراعي وقال : اقرأ بها يا فارسي في نفسك ، فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : قال الله عزوجل : «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ، ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل» قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اقرؤا ... يقول العبد (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فيقول الله : حمدني عبدي. ويقول العبد : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فيقول الله : أثنى عليّ عبدي. ويقول العبد : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فيقول الله مجّدني عبدي ، ويقول العبد : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فيقول الله : هذا بيني وبين عبدي ، أوّلها لي وآخرها لعبدي وله ما سأل. ويقول العبد : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فيقول الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» (٢).

[١ / ١٣٧] وأخرج الطبري عن صالح بن مسمار المروزي ، عن زيد بن الحباب ، عن عنبسة بن سعيد ، عن مطرف بن طريف ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قال الله عزوجل : قسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين وله ما سأل ، فإذا قال العبد : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال : أثنى عليّ عبدي ، وإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، قال : مجّدني عبدي ، قال : هذا لي

__________________

(١) الدرّ ١ : ٢٥ ؛ الشعب ٢ : ٤٤٧ / ٢٣٦٢ ، باب ١٩ (في فضائل السور).

(٢) الدرّ ١ : ١٨ ؛ الموطأ ١ : ٨٤ ـ ٨٥ / ٣٩ ، باب ٩ ؛ فضائل القرآن : ١١٩ / ١٣ ـ ٣٣ ؛ المصنّف ١ : ٣٩٦ / ٢ ، باب ١٣٤ ؛ مسند أحمد ٢ : ٢٨٥ ؛ مسلم ٢ : ٩ ؛ أبو داوود ١ : ١٨٩ / ٨٢١ ؛ الترمذي ٤ : ٢٦٩ ـ ٢٧٠ / ٤٠٢٧ ، وقال : هذا حديث حسن ؛ النسائي ١ : ٣١٦ / ٩٨١ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٢٤٣ ـ ١٢٤٤ / ٣٧٨٤ ؛ الطبري ١ : ١٢٧ / ١٨٢ ؛ ابن حبّان ٥ : ٨٤ / ١٧٨٤ ؛ الدارقطني ١ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ ؛ البيهقي ٢ : ٣٨ ؛ ابن كثير ١ : ١٢.

٢٩٢

وله ما بقي» (١).

[١ / ١٣٨] وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله أعطاني فيما منّ به عليّ ، أنّي أعطيتك فاتحة الكتاب. وهي من كنوز عرشي ، ثمّ قسمتها بيني وبينك نصفين» (٢).

[١ / ١٣٩] وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابيّ بن كعب قال : قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاتحة الكتاب ثمّ قال : «قال ربّكم : ابن آدم أنزلت عليك سبع آيات. ثلاث لي ، وثلاث لك ، وواحدة بيني وبينك.

فأمّا التي لي ف (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) والتي بيني وبينك (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) منك العبادة وعليّ العون لك. وأمّا التي لك (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)(٣).

[١ / ١٤٠] وأخرج الدارميّ والترمذي وحسّنه والنسائي وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وابن الضريس في فضائل القرآن وابن جرير وابن خزيمة والحاكم وصحّحه من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن ابيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان ، مثل امّ القرآن. وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي اوتيت ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل» (٤).

[١ / ١٤١] وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمان مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال الله : حمدني عبدي ، وإذا قال (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال الله : أثنى عليّ عبدي. وإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله : مجّدني عبدي ـ وقال مرّة : فوّض إليّ عبدي ـ وإذا قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال : هذا بيني وبين

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٩ ؛ الطبري ١ : ١٢٨ / ١٨٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٢٨ / ١٩. وفيه : «مدحني عبدي» بدل «حمدني عبدي». من دون زيادة قوله : «ثمّ قال : هذا لي وله ما بقي» ؛ البغوي ١ : ٧٩ ، رواه مطوّلا ؛ كنز العمّال ٧ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ / ١٨٩٢٠.

(٢) الدرّ ١ : ١٦ ؛ الشعب ٢ : ٤٤٨ / ٢٣٦٣ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٥٨ / ٢٥٠٦.

(٣) الدرّ ١ : ١٩ ؛ الأوسط ٦ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ؛ مجمع الزوائد ٢ : ١١٢.

(٤) الدرّ ١ : ١٣ ؛ الدارمي ٢ : ٤٤٦ ؛ الترمذي ٤ : ٣٦٠ / ٥١٣١ ؛ سنن النسائي ٢ : ١٣٩ ؛ الطبري ٨ : ٧٨ ، بعد حديث رقم ١٦١٣٢ ؛ ابن خزيمة ١ : ٢٥٢ ؛ الحاكم ١ : ٥٥٨.

٢٩٣

عبدي ولعبدي ما سأل. وإذا قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» (١).

[١ / ١٤٢] وأخرج عبد بن حميد من طريق مطر الورّاق عن قتادة في قول الله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قال : ما وصف من خلقه. وفي قوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قال : مدح نفسه. (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال : يوم يدان بين الخلائق. أي هكذا فقولوا. (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال : دلّ على نفسه (٢)(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ.) أي الصراط المستقيم : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أي طريق الأنبياء (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قال : اليهود. (وَلَا الضَّالِّينَ) قال : النصارى (٣).

__________________

(١) راجع : ابن كثير ١ : ٢٧ ـ ٢٨.

هذا الحديث رواه العلاء عن أبيه وعن أبي السائب مولى بني عبد الله بن هشام ، وكانا جليسي أبي هريرة. راجع : صحيح مسلم ٢ : ٩.

(٢) وفي الدرّ (١ : ١٣ ط : مصر القديمة): «دلّ على أهله».

(٣) الدرّ ١ : ٣٥.

٢٩٤

الاستعاذة

قال تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)(١).

تفريع على وساوس كان يلقيها الشيطان على قلوب المؤمنين وهم قريبو عهد بالإسلام وكانت دسائس أهل الشرك لا تزال تعمل في التضعضع بالعقيدة الإسلاميّة ، وهكذا كانت تعمل الخبائث من أهل الكفر والإلحاد في كلّ زمان.

ومن ثمّ فمن الواجب الإسلامي الاستعاذة بالله من شرور شياطين الجنّ والإنس ما دامت المكائد تعمل عملها الخبيث ، وأولى به عند تلاوة كتاب الله العزيز الحميد. ومن ثمّ جاء تعقيب الآية بقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)(٢).

[١ / ١٤٣] قال الصادق عليه‌السلام : «أغلقوا أبواب المعصية بالاستعاذة ، وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية» (٣).

[١ / ١٤٤] وروى العياشي بإسناده إلى الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام عن التعوّذ من

__________________

(١) النحل ١٦ : ٩٨.

(٢) النحل ١٦ : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٣) البحار ٨٩ : ٢١٦ / ٢٤ ، باب ٢٦ ؛ الدعوات للراوندي : ٥٢ / ١٣٠.

٢٩٥

الشيطان ، عند كلّ سورة نفتحها؟ فقال : نعم ، فتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم» (١).

[١ / ١٤٥] وروى الصدوق عن أبي أحمد هانئ بن محمّد بن محمود عن أبيه بإسناد رفعه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام أنّه كان بمحضر الرشيد وعند ما أراد الاستشهاد بآي من القرآن ، استعاذ وسمّى ثمّ تلا الآية ... قال : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ ...) ـ إلى قوله : ـ (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ...) احتجاجا على صدق الذرّية على ولد البنت» (٢).

قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ ...) أي إذا أردت قراءته. نظير قوله : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً)(٣) ، أي إذا أردتم مناجاته. وقوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (٤) ...) ، أي إذا أردتم النهوض للصلاة (٥).

***

والأمر بالاستعاذة عند تلاوة القرآن ، ظاهر في الوجوب ، ولا أقلّ من التأكّد على الاستحباب.

قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : الاستعاذة عند التلاوة مستحبّة غير واجبة ، بلا خلاف (٦).

[١ / ١٤٦] وفي الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «أوّل كلّ كتاب نزل من السماء (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.) فإذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فلا تبالي أن لا تستعيذ ، فإذا قرأت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) سترتك فيما بين السماء والأرض» (٧).

قال الشهيد الأوّل محمّد بن جمال الدّين مكّي : وللشيخ أبي علي بن الشيخ الأعظم أبي جعفر الطوسي قول بوجوب التعوّذ ، للأمر به ، وهو غريب. لأنّ الأمر هنا للندب بالاتّفاق. وقد نقل فيه والده في الخلاف الإجماع منّا (٨).

[١ / ١٤٧] وروى أبو جعفر الصدوق في الفقيه : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتمّ الناس صلاة وأوجزهم ،

__________________

(١) العيّاشي ٢ : ٢٩٢ / ٦٨.

(٢) العيون ١ : ١٨ / ٩ ، باب جمل من أخبار موسى بن جعفر عليهما‌السلام. والآية من سورة الأنعام ٦ : ٨٤ ـ ٨٦.

(٣) المجادلة ٥٨ : ١٢.

(٤) المائدة ٥ : ٦.

(٥) قال الطبرسي : معناه : إذا أردتم القيام إلى الصلاة. مجمع البيان ٣ : ٢٨٢.

(٦) التبيان ١ : ٤٢٥.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٣ ؛ الوافي ٨ : ٦٤٨ / ٦٧٨٨ ـ ٣.

(٨) ذكرى الشيعة ٣ : ١٣١. وراجع : الخلاف ١ : ٤٢٤.

٢٩٦

كان إذا دخل في صلاته قال : «الله أكبر ، بسم الله الرّحمان الرّحيم» (١). يعني : إذا أراد الإيجاز والاقتصار على الواجب من الصلاة.

وفي أحاديث وصف الصلاة ما يدلّ على ذلك.

[١ / ١٤٨] ففي صحيحة حمّاد ، حيث جاء الوصف لبيان الواجب منها ، اقتصر على التكبير ثمّ قرأ الحمد : «فقال : الله أكبر ، ثمّ قرأ الحمد ...» (٢).

ولكن حيث يأتي الوصف لبيان الآداب ، يذكر الاستعاذة أوّلا ثمّ البسملة :

[١ / ١٤٩] «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرّجيم ، بسم الله الرّحمان الرّحيم ...» (٣).

وبهذا الاستحباب قال أبو حنيفة وسفيان والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق (٤).

وقال مالك : لا يستعيذ :

[١ / ١٥٠] لحديث أنس (٥) : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله ربّ العالمين. قال ابن قدامة : متّفق عليه (٦). ومن ثمّ كان مالك لا يرى الاستفتاح أيضا ، بل يكبّر ويقرأ (٧).

وحمل حديث أنس على إرادة الإيجاز في الصلاة المكتوبة ، كما ذكرناه بشأن حديث الصدوق الآنف. وقد ذكر الشيخ : أنّ مالكا كان لا يتعوّذ في المكتوبة ، ويتعوّذ في قيام شهر رمضان إذا قرأ (٨).

***

قال ابن الجزري : ذهب الجمهور إلى أنّ الاستعاذة مستحبّة في القراءة بكلّ حال ، في الصلاة وخارج الصلاة ، وحملوا الأمر في ذلك على الندب. وذهب داوود بن علي وأصحابه إلى وجوبها ، حملا للأمر على الوجوب ، كما هو الأصل ، حتّى أبطلوا صلاة من لم يستعذ. وقد جنح الإمام فخر الدّين الرازي إلى القول بالوجوب ، وحكاه عن عطاء بن أبي رباح ، واحتجّ له بظاهر الآية من حيث

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٠٦ / ٩٢٠.

(٢) المصدر : ٣٠٠ ـ ٣٠١ / ٩١٥.

(٣) المصدر : ٣٠٤ / ٩١٦.

(٤) الخلاف ١ : ٣٢٤ ؛ المغني ١ : ٥١٩.

(٥) المغني ١ : ٥١٩.

(٦) المصدر : ٥١٥.

(٧) المصدر. والاستفتاح : قول «سبحانك اللهم وبحمدك ... إلخ».

(٨) الخلاف ١ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

٢٩٧

الأمر ، وبمواظبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها. ولأنّها تدرأ شرّ الشيطان. وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب (١).

وظاهر الأمر ـ في الآية ـ أيضا الإطلاق ، سواء في الصلاة أم في غيرها. وسواء صاحبتها التسمية أم لم تصاحبها. وقد مرّ حديث الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام : إنّه استعاذ وسمّى ثمّ تلا الآية.

[١ / ١٥١] وفي حديث حنان بن سدير ـ في الموثّق ـ : صلّيت خلف الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام فتعوّذ بإجهار ، ثمّ جهر ببسم الله الرّحمان الرّحيم (٢).

[١ / ١٥٢] قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «الاستعاذة غلق لأبواب المعصية ، والتسمية فتح لأبواب الطاعة» (٣).

فإذا كانت التسمية مفتاحا لأبواب الخير والبركات ، فلتكن الاستعاذة قبلها غلقا لأبواب الوساوس والشرور.

قال المولى الفيض الكاشاني : الاستعاذة تطهير اللّسان عمّا جرى عليه من غير ذكر الله ليستعدّ لذكر الله والتلاوة ، والتنظيف للقلب من تلوّث الوسوسة ، ليتهيّأ للحضور لدى المذكور ويجد الحلاوة (٤).

قال ابن الجزري : ثمّ إنّ المعنى الذي شرّعت الاستعاذة له ، يقتضي أن تكون قبل القراءة ، لأنّها طهارة الفم ممّا كان يتعاطاه من اللغو والرفث ، وتطييب له ، وتهيّؤ لتلاوة كلام الله تعالى. فهي التجاء إلى الله تعالى واعتصام بجنابه من خلل يطرأ عليه أو خطإ يحصل منه في القراءة وغيرها وإقرار له بالقدرة ، واعتراف للعبد بالضعف والعجز عن هذا العدوّ الباطن الذي لا يقدر على دفعه ومنعه إلّا الله الذي خلقه (٥).

***

ومحلّها ـ في الصلاة ـ في مفتتحها قبل البسملة في الركعة الاولى. قال الشهيد : لا تتكرّر الاستعاذة عندنا وعند الأكثر. ولو نسيها في الاولى لم يأت بها في الثانية (٦). وذلك للتأسّي ولأنّ الأمر بها توقيف ولا سيّما في الصلاة وهي عبادة ، والتجاوز عمّا ورد الأمر به بحاجة إلى دليل.

__________________

(١) النشر في القراءات العشر ١ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨. وراجع : التفسير الكبير ١ : ٦٠.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ١٣٤ / ٤.

(٣) البحار ٨٩ : ٢١٦ / ٢٤.

(٤) الصافي ١ : ١١٥.

(٥) النشر في القراءات العشر ١ : ٢٥٦.

(٦) ذكرى الشيعة ١ : ٣٣١.

٢٩٨

قال الشيخ : التعوّذ مستحبّ في أوّل ركعة دون ما عداها. وللشافعي قولان ، أحدهما : مثل قولنا. والثاني : أنّه في كلّ ركعة إذا أراد القراءة. وعلى الأوّل أكثر أصحابه ، وبه قال ابن سيرين. قال الشيخ : دليلنا : أنّ ما اعتبرناه مجمع عليه ، وتكراره في كلّ ركعة يحتاج إلى دليل ، وليس في الشرع ما يدلّ عليه (١).

وأمّا في غير الصلاة فالاستعاذة إنّما هي في مفتتح التلاوة وإن تعدّدت ما لم يتخلّلها أجنبيّ عنها. ولأنّ ظاهر الآية الأمر بها قبل الشروع في القراءة لا في استدامتها آية فآية حتى مع الفصل القصير!

***

ذهب الشيخ وعامّة الأصحاب إلى الإسرار بالاستعاذة والإجهار بالبسملة فقط. قال : التعوّذ يسرّ به في جميع الصلوات (الجهرية والإخفاتيّة). وللشافعي فيه قولان ، أحدهما : مثل ما قلنا ، والثاني : أنّه يجهر به فيما يجهر فيه بالقراءة. قال الشيخ : دليلنا : إجماع الفرقة (٢).

قال الشهيد : ويستحبّ الإسرار بها ولو في الجهريّة. قاله الأكثر. ونقل الشيخ فيه الإجماع منّا (٣). وحمل حديث حنان بن سدير على إرادة الجواز.

[١ / ١٥٣] وروى المجلسي الرواية عن قرب الإسناد عن محمّد بن عبد الحميد وعبد الصمد ابن محمّد معا عن حنان بن سدير ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب ، فتعوّذ بإجهار : «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ بالله أن يحضرون» ، ثمّ جهر ببسم الله الرحمان الرحيم (٤). أي جهر بهما معا.

وأورد كلام الشهيد وقال : لم أر مستندا للإسرار ، والإجماع لم يثبت ، والرواية تدلّ على استحباب الجهر ، خصوصا للإمام ، لا سيّما في المغرب. إذ الظاهر اتحاد الواقعة في الروايتين. ويؤيّده عموم ما ورد في إجهار الإمام في سائر الأذكار إلّا ما أخرجه الدليل (٥).

واستجاده الفقيه البحراني بعد نقل كلامه ولم يزد ، دليلا لارتضائه لما ذهب إليه (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٣٢٦.

(٢) المصدر : ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(٣) ذكرى الشيعة ١ : ٣٣٠.

(٤) البحار ٨٢ : ٣٥ / ٢٥ عن قرب الاسناد : ١٢٤ / ٤٣٦.

(٥) البحار ٨٢ : ٣٥.

(٦) راجع : الحدائق الناضرة ٨ : ١٩٥.

٢٩٩

قال السيّد العاملي : وليعلم أنّه يستحبّ الإخفات بها ، كما نصّ عليه أكثر من تعرّض له. وذكر إجماع الخلاف ، والنسبة إلى الأكثر من الذكرى وجامع المقاصد والفوائد الملّيّة. وعن التذكرة وإرشاد الجعفريّة : إنّه على ذلك عمل الأئمّة عليهم‌السلام. ثمّ نقل كلام المجلسي في البحار واستجواد الفقيه البحراني له ، وعقّبه بقوله : والإجماع المنقول والسيرة المنقولة عن الأئمّة عليهم‌السلام وفتوى الأصحاب من غير خلاف ، مع شهادة صحيح صفوان ، حجّة عليهما (١).

[١ / ١٥٤] أمّا صحيحة صفوان فهي ما رواه الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن صفوان ، قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاما ، كان يقرأ في فاتحة الكتاب. بسم الله الرّحمان الرّحيم. فإذا كان صلاة لا يجهر فيها بالقراءة ، جهر ببسم الله الرّحمان الرّحيم ، وأخفى ما سوى ذلك (٢).

قال العلّامة المجلسي : قوله : «وأخفى ما سوى ذلك» يدلّ على استحباب الإخفات في الاستعاذة ، لأنّ «ما سوى ذلك» يشملها. إذ يبعد تركه عليه‌السلام للاستعاذة في صلوات متوالية.

ثمّ استدرك ذلك باحتمال إرادة ما سوى البسملة من الفاتحة ، ولأنّه الظاهر من السياق. إذ من المعلوم أنّه عليه‌السلام كان يجهر بالتسبيحات (في الركوع والسجود) وبالتشهّد والقنوت وسائر الأذكار ، لاستحباب الإجهار للإمام (٣). (٤)

***

قال ابن الجزري : المختار عند الأئمّة القرّاء هو الجهر بالاستعاذة ، عن جميع القرّاء ، لا نعلم في ذلك خلافا عن أحد منهم إلّا ما جاء عن حمزة وغيره ممّا نذكره.

قال الحافظ أبو عمرو في جامعة : لا أعلم خلافا في الجهر بالاستعاذة عند افتتاح القرآن وعند ابتداء كلّ قارئ بعرض أو درس أو تلقين في جميع القرآن ، إلّا ما جاء عن نافع وحمزة.

[١ / ١٥٥] وروى ابن المسيّبي عن أبيه عن نافع : أنّه كان يخفي الاستعاذة ويجهر بالبسملة عند افتتاح السور ورؤوس الآيات في جميع القرآن.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٢ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦ ـ ١٤.

(٣) ففي الحديث : ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول ، التشهّد وغيره. راجع : وسائل الشيعة ٨ : ٣٩٦ ، باب ٥٢ (من أبواب صلاة الجماعة).

(٤) البحار ٨٢ : ٣٥ ـ ٣٦.

٣٠٠