التفسير الأثري الجامع - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-94552-4-8
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٤١٦

لأخفاه إليك كما أخفيت نداءك. فكان قوله ما قال ... ومراجعته ربّه ... للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان حتّى خيّلت إليه أنّ النداء الذي سمعه كان من غير الملائكة. فقال : ربّ أنّى يكون لي غلام ، مستثبتا في أمره ليتقرّر عنده بآية يريه الله في ذلك أنّه بشارة من الله (١).

[م / ٣٥٦] هذا وقد روي عن قتادة قال : شافهته الملائكة. ومع ذلك فقد عاقبه الله إذ سأل الآية مع مشافهة الملائكة إيّاه بما بشّرته به (٢).

الأمر الذي استنكره النبهاء من المفسرين ، القدامى منهم والمتأخرون.

قال القاضي : لا يجوز أن يشتبه كلام الملائكة بكلام الشيطان عند الوحي على الأنبياء عليهم‌السلام إذ لو جوّزنا ذلك لارتفع الوثوق عن كلّ الشرائع.

وأجاب بعضهم عن ذلك بما لا يفيد (٣).

أمّا الأستاذ عبده فقد وقف وقفته الحاسمة قائلا : ومن سخافات بعض المفسّرين زعمهم أنّ زكريّا عليه‌السلام اشتبه عليه وحي الملائكة ونداؤهم بوحي الشيطان ، ولذلك سأل سؤال التعجّب ، ثمّ طلب آية للتثبّت.

[م / ٣٥٧] قال : وروى ابن جرير عن السّدي وعكرمة : أنّ الشيطان هو الذي شكّكه في نداء الملائكة وقال : إنّه من الشيطان!!

قال : ولو لا الجنون بالروايات مهما هزلت وسمجت لما كان لمؤمن أن يكتب مثل هذا الهزء والسخف الذي ينبذه العقل وليس في الكتاب ما يشير إليه. ولو لم يكن لمن يروي مثل هذا إلّا هذا لكفى في جرحه ، وأن يضرب بروايته على وجهه. فعفى الله عن ابن جرير إذ جعل هذه الرواية ممّا ينشر (٤).

أمّا سؤال زكريّا فكان عن وجد واشتياق إلى لقاء الوعد ، كيف ومتى تتحقّق هذه البشارة السارّة. فجاءه الجواب : عند ما تؤمر بصيام الصمت ثلاثة أيّام. فتمسك عن الكلام إلّا بذكر الله. فعند ذاك كان أوان تحقق الوعد المبشّر به.

وهكذا نجد الأستاذ شهما عند تفسير سورة الفلق ، حيث مزدحم روايات سحر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) المصدر : ٣٥٠ ـ ٣٥١ / ٥٥٠٨.

(٢) المصدر : ٣٥٢ / ٥٥١١.

(٣) راجع : التفسير الكبير ٨ : ٣٩. والميزان ٣ : ١٩٤ ـ ١٩٥. وفيه بعض الغرابة!

(٤) المنار ٣ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

٢٤١

وأنّه سحر على يد لبيد بن أعصم اليهودي ـ قيل : كان خادما له ـ فكان يخيّل إليه أنّه فعل شيئا ولم يفعله. والقصّة ـ كما جاءت في الصحيحين (١) ـ.

[م / ٣٥٨] حدثت بها عائشة ، قالت : سحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له : لبيد ابن أعصم (٢) ، حتّى كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخيّل إليه أنّه يفعل الشيء وما يفعله.

[م / ٣٥٩] وفي لفظ آخر : سحر حتّى كان يرى أنّه يأتي النساء ولا يأتيهنّ.

[م / ٣٦٠] وفي رواية الإمام أحمد : قالت : لبث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستة أشهر يرى أنه يأتي ولا يأتي (٣).

قال سفيان : وهذا أشدّ ما يكون من السحر (٤). قالت : حتّى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله ثمّ دعا ثمّ دعا (ليكشف الله عنه). فاستخرج السحر وعوفي ، فأنزل الله المعوّذتين ، إحدى عشرة آية ، بعدد العقد وشوفي (٥).

يقول الأستاذ عبده : وقد رووا هاهنا أحاديث في أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سحره لبيد بن أعصم وأثّر سحره فيه حتّى كان يخيّل أنّه يفعل الشيء وهو لا يفعله أو يأتي شيئا وهو لا يأتيه ، وأنّ الله أنبأه بذلك وأخرجت موادّ السحر من بئر وعوفي ممّا كان نزل به من ذلك ونزلت السورة.

قال : ولا يخفى أنّ تأثير السحر في نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يصل به الأمر إلى أن يظنّ أنّه يفعل شيئا وهو لا يفعله ، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان.

بل هو ماسّ بالعقل آخذ بالروح ، وهو ممّا يصدّق قول المشركين فيه : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(٦). وليس المسحور عندهم إلّا من خولط في عقله وخيّل له أنّ شيئا يقع وهو لا يقع ، فيخيّل إليه أنّه يوحى إليه ولا يوحى إليه.

قال : وقال كثير من المقلّدين الذين لا يعقلون ما هي النبوّة ولا ما يجب لها : إنّ الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صحّ ، فيلزم الاعتقاد به. وعدم التصديق به من بدع المبتدعين ، لأنّه ضرب من إنكار السحر ، وقد جاء القرآن بصحّة السحر (٧)!!

__________________

(١) البخاري ٤ : ٩١ و ٧ : ٢٨ ؛ مسلم ٧ : ١٤.

(٢) أخرجه البيهقي في الدلائل ٧ : ٩٢ ـ ٩٤ ؛ الدرّ ٨ : ٦٨٧.

(٣) مسند أحمد ٦ : ٦٣ و ٥٧ و ٩٦.

(٤) البخاري ٧ : ٢٩.

(٥) التسهيل لعلوم التنزيل ٤ : ٢٢٥ وراجع : تفسير ابن كثير ٤ : ٦١٤.

(٦) الإسراء ١٧ : ٤٧.

(٧) هذا شطط من القول ، إذ لا حقيقة للسحر ولا اعترف القرآن به ، وقد تكلّمنا عن ذلك بتفصيل في كتابنا التمهيد ٧ : ٢٢٣ ـ ٢٥٠. نعم ذكر الآلوسي : أنّ مذهب أهل السنّة على إثباته وأنّ له حقيقة ، لدلالة الكتاب والسنّة على ذلك. راجع : تفسيره «روح المعاني» ٣٠ : ٢٨٣.

٢٤٢

قال : فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح والحقّ الصريح في نظر المقلّد بدعة ، نعوذ بالله ، يحتجّ بالقرآن على ثبوت السحر ، ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدّه من افتراء المشركين عليه. ويؤوّل في هذه ولا يؤوّل في تلك! مع أنّ الذي قصده المشركون ظاهر ، لأنّهم كانوا يقولون : إنّ الشيطان يلابسه ، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم وضرب من ضروبه ، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد ، فإنّه قد خالط عقله وإدراكه في زعمهم.

قال : والذي يجب اعتقاده أنّ القرآن مقطوع به وأنّه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته وعدم الاعتقاد بما ينفيه ، وقد جاء بنفي السحر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه ووبّخهم على زعمهم هذا ، فإذن هو ليس بمسحور قطعا. وأمّا الحديث فعلى فرض صحّته هو آحاد والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ، وعصمة النبي من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد ، لا يؤخذ في نفيها عنه إلّا باليقين ، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظنّ والمظنون. على أنّ الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد إنّما يحصّل الظنّ عند من صحّ عنده ، أمّا من قامت له الأدلّة على أنّه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجّة. وعلى أيّ حال فلنا بل علينا أن نفوّض الأمر في الحديث ولا نحكّمه في عقيدتنا ، ونأخذ بنصّ الكتاب وبدليل العقل ، فإنّه إذا خولط النبيّ في عقله كما زعموا (١) جاز عليه أن يظنّ أنّه بلّغ شيئا وهو لم يبلّغه أو أنّ شيئا نزل عليه وهو لم ينزل عليه ، والأمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان (٢).

انظر كيف عالج تلكم الروايات ـ مهما قيل في صحّة إسنادها ـ معالجة فنّيّة ونقدها نقدا علميّا وفي ضوء هدي الكتاب ونور العقل الرشيد!

وعلى غراره جرى المفسّر المضطلع سيّد قطب ، قال : هذه الروايات تخالف أصول العصمة النبويّة في الفعل والتبليغ ولا تستقيم مع الاعتقاد بأنّ كلّ فعل من أفعاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلّ قول من أقواله سنّة وشريعة. كما أنّها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه مسحور ، وتكذيب المشركين فيما كانوا يدّعونه من هذا الإفك. ومن ثمّ نستبعد هذه الروايات ، وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة ، والمرجع هو القرآن. والتواتر شرط للأخذ بالأحاديث في أصول الاعتقاد ، وهذه الروايات ليست من المتواتر ، فضلا عن أنّ نزول هاتين السورتين في مكّة هو الراجح ، ممّا يوهن أساس

__________________

(١) ولا سيّما في حديث الستة أشهر.

(٢) راجع : تفسير الشيخ محمّد عبده لجزء عمّ : ١٨١ ـ ١٨٢.

٢٤٣

الروايات الأخرى (١).

قال السّيد محمّد رشيد رضا : ولو انتقدت الروايات من جهة فحوى متنها كما تنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنقض (٢).

وقد استوفينا الكلام حول مزعومة سحر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتزييف رواياته بصورة مستوعبة ، فراجع (٣).

وهذا المحقق المضطلع الخبير العلّامة التستري في كتابه «الأخبار الدخيلة» تراه يعالج المستوردات من الأخبار معالجة فنّيّة دقيقة ، مهما قيل بصحة أسانيدها ما دامت هزيلة المحتوى ، ومخالفة للكتاب والسنّة وللعقل الرشيد مثلا :

[م / ٣٦١] وردت رواية عن عليّ بن إبراهيم بالإسناد إلى أبي بصير ، سأل الإمام أبا جعفر عليه‌السلام عن الطلاق الذي لا يحلّ للزوج الرجوع إلّا بعد أن تنكح زوجا غيره؟

فقال : أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي :

يقول : طلّقتها على طهر ثمّ تركتها حتّى كادت تنقضي عدّتها راجعتها ، ثمّ طلّقتها على طهر وتركتها وقبل أن تنقضي عدّتها راجعتها ، ثمّ طلّقتها على طهر.

ثمّ قال : وإنّما فعلت ذلك حيث لم يكن لي بها حاجة!! (٤)

يقول العلّامة التستري : لا شكّ إنّه من الأخبار الموضوعة ، لنزاهة مقام الإمامة أن يفعل شيئا كان الله قد شنّع الجاهليّة عليه ، كانوا يكرّرون الطلاق والرجوع إضرارا بالمرأة ، لا لشيء سواه. قال تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً)(٥).

ومضافا إلى مخالفته الصريحة :

[م / ٣٦٢] لما رواه الصدوق عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «لا ينبغي للرجل أن يطلّق امرأته ثمّ يراجعها وليس له فيها حاجة ثمّ يطلّقها ، فهذا هو الضرار الذي نهى الله عزوجل عنه ، إلّا أن يطلّق ثمّ

__________________

(١) في ظلال القرآن ٨ : ٧١٠ الجزء ٣٠ / ٢٩٢.

(٢) تفسير المنار ٣ : ١٤١.

(٣) التمهيد ١ : ١٩١ ـ ١٩٦. ولسيّدنا الطباطبائي هنا كلام قد يبدو عليه أثر الغرابة. راجع : الميزان ٢ : ٥٥٠ ـ ٥٥١.

(٤) الكافي ٦ : ٧٥ ـ ٧٦ / ١.

(٥) البقرة ٢ : ٢٣١.

٢٤٤

يراجع وهو ينوي الإمساك» (١).

أترى أنّ الإمام الصادق يشنّع صنيعا قد فعله أبوه الباقر من قبل؟!

يقول العلّامة التستري : مثل هذا الصنيع يتحاشاه كلّ إنسان له شرف ومقام ، فكيف بذي الشرف التليد. ثمّ إذا لم يكن للإمام حاجة بها فكان يكفيه طلاق واحد من غير حاجة إلى هذا التناوش الغريب! (٢).

فلا بدّ أن خبر أبي بصير مدسوس ، كما عرفت في حديث يونس بن عبد الرحمان عن المغيرة ابن سعيد وأنّه كان يدسّ في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام (٣).

ولسيدنا الأستاذ الإمام الخمينى قدس‌سره مواقف مشهودة في السلوك على طريقة الشيخ ، من الاعتبار بالمحتوى قبل العناية بالأسناد.

وإليك مثلا ما ورد بشأن بيع العنب ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا ، فقد أفتى بعض الفقهاء بالجواز نظرا لعدم قصد الإعانة على الإثم ، ولروايات وردت بالجواز.

[م / ٣٦٣] منها : صحيحة رفاعة بن موسى ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر ، عن بيع العصير ممّن يخمّره؟ قال : «ألسنا نبيع تمرنا ممّن يجعله شرابا خبيثا» (٤).

[م / ٣٦٤] وروى ابن أذينة ، قال : كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن رجل له كرم ، أيبيع العنب والتمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا أو سكرا؟ فقال : «إنّما باعه حلالا في الإبّان الذي يحلّ شربه أو أكله ، فلا بأس ببيعه» (٥).

[م / ٣٦٥] وفي رواية أبي كهمس : ثمّ قال : «هو ، ذا ، نحن نبيع تمرنا ممّن نعلم أنّه يصنعه خمرا» (٦).

قال الأستاذ : إنّها مخالفة للكتاب (٧) والسنّة المستفيضة :

[م / ٣٦٦] الحاكية للعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخمر وغارسها وحارسها وبائعها ومشتريها وحاملها

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٠١ ـ ٥٠٢ / ٤٧٦٢.

(٢) راجع : الأخبار الدخيلة ٣ : ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٣) راجع : رجال الكشّي ٢ : ٤٨٩ ، ترجمة المغيرة بن سعيد (٤٠١).

(٤) التهذيب ٧ : ١٣٦ / ٦٠٣ ـ ٧٤ ؛ الاستبصار ٣ : ١٠٥ / ٣٧٠ ـ ٢.

(٥) الكافي ٥ : ٢٣١ / ٨.

(٦) المصدر : ٢٣٢ / ١٢.

(٧) المائدة ٥ : ٢ : (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ).

٢٤٥

وساقيها (١).

قال : ولا يصحّ القول بتقييد الآية والسنّة ، لإباء العقول عن ذلك ، فإنّ الالتزام بحرمة التعاون على كلّ إثم إلّا بيع التمر أو العنب الذي يشترى للتخمير ، كما ترى!!

قال : فتلك الروايات ، بما أنّها مخالفة للكتاب والسنّة المستفيضة ، وبما أنّها مخالفة لحكم العقل ولروايات النهي عن المنكر ، مخالفة لأصول المذهب ومخالفة لقداسة ساحة المعصومين عليهم‌السلام حيث إنّ الظاهر منها أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كان من دأبهم بيع التمر ممّن يصنعه خمرا ، ولا يبيعونه من غيره ، الأمر الذي لا يرتضي به شيعيّ إماميّ ، كيف! ولو صدر مثل هذا العمل من أوسط الناس لعابوه ، والمسلم بما هو مسلم. والشيعي بما هو شيعي ، يرى مثل هذا العمل قبيحا مخالفا لرضى الشارع ، فكيف يصدر من المعصوم عليه‌السلام (٢).

وشاهد آخر : مسألة التحيّل للفرار عن الربا ، وقد وردت بشأنها روايات تجيزه ، معلّلة بأنّه نعم الفرار من الحرام إلى الحلال أو أنّه فرار من باطل إلى حقّ (٣).

قال الأستاذ : لا بدّ من وقفة فاحصة عند هذه الروايات ، إذ أنّ الربا ، مع تلك التشديدات التي وردت بشأنه في القرآن الكريم والسنّة المتواترة ، ممّا قلّ نحوها في سائر المعاصي ، ومع ما فيه من مفاسد اقتصاديّة واجتماعية وحتّى سياسيّة أحيانا ، كيف يمكن تحليله بمثل هذه الحيل التي يرفضها العقل الذي أدرك المصالح في منعه والمفاسد في رواجه!

ثمّ أخذ في الكلام عن أنواع الربا (القرضي والمعاملي) وأنّه في النوع الثانى يشبه الربا ، وليس نفسه عرفا ، فكان التخلّص منه بوجه شرعي جائزا. أمّا النوع القرضي فلا مخلص منه ، فإنّه عين الربا القبيح عقلا ، الممنوع شرعا.

قال : وما ورد من الروايات في تجويزه بالحيل الشرعية ـ حسب مصطلحهم ـ هي روايات ضعيفة الإسناد ، سوى رواية واحدة هي ما رواه الشيخ بإسناده إلى محمّد بن إسحاق الصيرفي (٤).

قال : وسائر الروايات ضعاف ، بل بعضها مشتمل على ما لا يليق بساحة الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٨ / ٤٩٦٨.

(٢) راجع : ما سجّله بهذا الصدد بقلمه الشريف في كتابه «المكاسب المحرّمة» ١ : ٢١٧ ـ ٢١٩.

(٣) راجع : الوسائل ١٨ : ١٧٩ ـ ١٨٠.

(٤) التهذيب ٧ : ٥٢ ـ ٥٣ / ٢٢٧ ـ ٢٧.

٢٤٦

[م / ٣٦٧] كرواية محمّد بن عبد الله ـ وهو مجهول ـ عن محمّد بن إسحاق عن الرضا عليه‌السلام وفيها ـ بعد السؤال عن الحيلة ـ : «قال : لا بأس به ، قد أمرني أبي ففعلت»!! وهكذا في رواية مسعدة بن صدقة (١).

قال : وأنت خبير بأنّ بعض الأعمال وإن كان مباحا فرضا ، لكن لا يرتكبه المعصوم المنزّه عن ارتكاب ما يوجب تنفّر الطباع.

قال : ولهذا في نفسي شيء من محمّد بن إسحاق هذا ، وكان صيرفيّا يصرف النقود ، وقد نسب في رواياته ذلك إلى أربعة من المعصومين : الباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام. فيا ترى كيف يصح قبولها!؟ وإنّما هي نظير روايات بيع العنب ممّن يصنعه خمرا ، مستنكرة جدّا ويرفضها العقل الرشيد. انتهى بتلخيص (٢).

وإنّما أطلنا الكلام في هذا الباب ، نظرا لأهميّة الموضوع ولكونه تأسيسا ـ قد يبدو جديدا ـ لطريقة تمحيص الروايات ، يعود عهدها إلى عهد السلف من أهل التحقيق من الفقهاء ، رضوان الله تعالى عليهم.

منهجنا في هذا العرض

ومنهجنا في هذا العرض هو اجتياز مراحل ثلاث للوصول إلى النتيجة المطلوبة في نهاية المطاف :

أوّلا : عرض الآية على دلائلها الذاتيّة في داخل إطارها ، فإن وفت بالإفادة تماما ، وإلّا فسعيا وراء قرائن وشواهد من آيات اخرى ، ترفع الإبهام وتحلّ المشكلة. حيث القرآن ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض ، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣). فإنّ الآية قد لا تنطق ـ حيث علتها هالة من الإبهام ـ فلا بدّ أن تستنطق ، وذلك بالتدبّر والتعمّق في جوانبها والاستعلام من آيات أخرى جاءت نظيرتها وتستهدف نفس الاتّجاه. قال عليه‌السلام : «ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق» (٤). وذلك حيثما أجملت وأبهمت ، فمسّت الحاجة إلى البيان والتفصيل من خارج إطارها ، من آية أخرى

__________________

(١) المصدر : ٢٢٨ ـ ٢٨.

(٢) راجع : كتاب البيع ـ بقلمه الشريف ٢ : ٥٣٧ ـ ٥٥١.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٣٣.

(٤) المصدر ، الخطبة ١٥٨.

٢٤٧

ظاهرة الدلالة ، أو حديث صريح صحيح الإسناد إلى السلف الصالح العارفين بمواضع القرآن الكريم أو شاهد نزول متين قويم ، وغير ذلك ممّا له دخل مباشر في فهم معاني القرآن وهي أصول وقواعد عرفت باسم : مباني التفسير وأصوله الذاتيّة (١).

ثانيا : استعراض روايات مأثورة عن السلف ، فبالدرجة الأولى : روايات مأثورة عن النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث توظيفه من قبل الله تعالى بتبيين القرآن وتفهيمه للناس ، ببيان ما أبهم وتفصيل ما أجمل ، وقد فعل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كلّفه الله وامتثل أوامره تعالى بكمال.

قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(٢).

ولا بدّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امتثل هذا الدستور القاطع ، وأبان من معاني القرآن وحلّ مشاكله بصورة شاملة ورفع الإبهام عن وجهها بشكل تامّ ، الأمر الذي نبّهنا عليه عند الكلام عن تفاسير الرسول وشمولها المستوعب ، في كتابنا «التفسير والمفسّرون».

وبعده يأتي دور الصحابة والتابعين وفي مقدّمتهم العترة الطاهرة ، الذين كانوا هم المراجع لفهم معاني القرآن بعد جدّهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولدينا من ذا وذاك الوفير من صحاح أحاديث التفسير. وكانت رصيدنا الأوفى لدعم دلائل القرآن الذاتيّة الأولى.

ثالثا : تمحيص تلكم الروايات على أصول النقد النزيه ، بعرض ما تشابه منه على المحكمات المتلقّاة من الكتاب والسنّة القويمة ومع دعمها بحجج العقول ، كما في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا أتاكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله وحجّة عقولكم ، فإن وافقهما فاقبلوه وإلّا فاضربوا به عرض الجدار» (٣). وقد أوضحنا ـ فيما سبق ـ طريق العرض والاستخلاص. وبهذا النهج الرتيب نستصفي النقيّ من الرديّ من خضمّ الآثار ومزدحم الأخبار ، ولنجعلها سندا متّبعا للأخذ والاعتبار.

تلك كانت جلّ محاولاتنا سعيا وراء الحصول على اليقين المطمئنّ به من روايات التفسير ، رجاء أن يكون التوفيق حليفنا والحقّ رائدنا في طول المسير ، والله من وراء القصد ، وهو المستعان.

__________________

(١) ممّا نبّهنا عليه في حقل أصول التفسير من كتابنا التمهيد ، الجزء التاسع.

(٢) النحل ١٦ : ٤٤.

(٣) أبو الفتوح ٣ : ٣٩٢. وقد تقدّم.

٢٤٨

تفسير سورة الحمد

٢٤٩
٢٥٠

فاتحة الكتاب

هي مكيّة وآياتها مع البسملة سبع :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣)

مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا

الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ

الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧))

والكلام عنها يشمل جوانب سبعة :

١ ـ ما ورد في فضلها من جلائل الآثار.

٢ ـ ما اثر بشأن قرائتها عن السلف.

٣ ـ في نظمها البديع واسلوبها الرفيع.

٤ ـ في الكلام عن الاستعاذة.

٥ ـ في الكلام عن البسملة.

٦ ـ تفسيرها في ضوء الأثر الصحيح.

٧ ـ في ذكر آمين.

ولنذكرها تباعا في سبعة فصول :

٢٥١
٢٥٢

فضل سورة الحمد

لا شكّ أنّ سورة الحمد ـ على قصر حجمها ـ هي كبيرة الشأن ، عظيمة الشأو ، غزيرة المفاد. ويكفي في عظيم شأنها : أنّها جعلت عدل القرآن العظيم ، وهي السّبع المثاني المفروض قراءتها في الصلاة بتكرار واستمرار. وقد اشتملت على امّهات مقاصد الكتاب.

والآثار بشأنها على طوائف :

منها ما ورد في فضل تلاوتها وأنّها تعدل تلاوة ثلث القرآن أو ثلثيه أو القرآن كلّه.

ومنها ما ورد : أنّها ذخر ادّخرها الله في كنز تحت العرش وأنزلها اختصاصا بهذه الأمّة.

ومنها ما ورد : أن لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ولا يعوّض عنها بشيء.

ومنها ما ورد : أنّها شفاء من كلّ داء وفيها قضاء كلّ حاجة وقد تقطّع فيها اسم الله الأعظم.

ومنها غير ذلك ممّا ورد في رفيع شأنها ، نذكرها حسب الترتيب :

[١ / ١] روى أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه الصدوق من طريق محمّد بن القاسم المفسّر المعروف بأبي الحسن الجرجاني ، عن يوسف بن محمّد بن زياد ، وعليّ بن محمّد بن سيار عن أبويهما ، عن الإمام الحسن بن علي عن أبيه علي بن محمّد عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه الرضا عن آبائه عن علي عليهم‌السلام أنّه قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ الله تبارك وتعالى قال

٢٥٣

لي : يا محمّد (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)(١) فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم ، وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش ، وإنّ الله عزوجل خصّ محمّدا وشرّفه بها ، ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان ، فإنّه أعطاه منها «بسم الله الرحمان الرحيم» ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (٢).

ثمّ ذكر ثواب قراءتها وقال : «من قرأها أعطاه الله تعالى بكلّ حرف منها حسنة ، كلّ واحدة منها أفضل له من الدّنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها ، ومن استمع إلى قارئ يقرأها كان له قدر ما للقارئ ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرّض لكم ، فإنّه غنيمة لا يذهبنّ أوانه ، فيبقى في قلوبكم الحسرة» (٣).

[١ / ٢] وروي أنّ رجلا يسمّى عبد الرحمان كان معلّما لأولاد في المدينة فعلّم ولدا للحسين عليه‌السلام يقال له جعفر ، فعلّمه (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فلمّا قرأها على أبيه الحسين عليه‌السلام استدعى المعلّم وأعطاه ألف دينار وألف حلّة وحشافاه درّا ، فقيل له في ذلك؟ فقال عليه‌السلام : «وأنّى تساوى عطيّتي هذه بتعليمه ولدي (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)» (٤).

[١ / ٣] وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاتحة الكتاب تجزئ ما لا يجزئ شيء من القرآن. ولو أنّ فاتحة الكتاب جعلت في كفّة الميزان ، وجعل القرآن في الكفّة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرّات» (٥).

[١ / ٤] وأخرج عبد بن حميد في مسنده والفريابي في تفسيره عن ابن عبّاس قال : فاتحة الكتاب ثلث القرآن (٦).

[١ / ٥] وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ فاتحة

__________________

(١) الحجر ١٥ : ٨٧.

(٢) النمل ٢٧ : ٢٩ ـ ٣٠.

(٣) الأمالي : ٢٤٠ ـ ٢٤١ / ٢٥٥ ، المجلس ٣٣ ؛ العيون ١ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ / ٦٠ ، باب ٢٨ (ما جاء عن الرضا من الأخبار المتفرّقة) ؛ تفسير الإمام : ٢٩ ؛ البحار ٨٩ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ / ٥ ، باب ٢٩ ؛ جامع الأخبار : ١٢٢ / ١٥.

(٤) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٢٢٢ ؛ البحار ٤٤ : ١٩١ / ٣ ، باب ٢٦.

(٥) الدرّ ١ : ١٦ ؛ فردوس الأخبار ٣ : ١٥٧ / ٤٢٦٣ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٥٧ / ٢٤٩٨.

(٦) الدرّ ١ : ١٥.

٢٥٤

الكتاب فكأنّما قرأ التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان» (١).

[١ / ٦] روى الطبرسي عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب ، أعطي من الأجر كأنّما قرأ ثلثي القرآن ، وأعطي من الأجر كأنّما تصدّق على كلّ مؤمن ومؤمنة». وروي من طريق آخر هذا الخبر بعينه ، إلّا أنّه قال : «كأنّما قرأ القرآن» (٢).

[١ / ٧] وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن ابن عبّاس يرفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن» (٣).

[١ / ٨] روى العياشي بإسناده إلى يونس بن عبد الرحمان عمّن رفعه ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ، فقال : «هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وإنّما سمّيت المثاني لأنّها تثنّى في الركعتين» (٤) أي تكرّر.

[١ / ٩] وعن أبي رجاء قال : سألت الحسن عن قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) قال : هي فاتحة الكتاب. ثمّ سئل عنها وأنا أسمع ، فقرأها : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ...) حتّى أتى على آخرها ، فقال : تثنّى في كلّ قراءة. أو قال : في كلّ صلاة. الشكّ من أبي جعفر (٥)

[١ / ١٠] وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناده عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ أمّ القرآن وقل هو الله أحد فكأنّما قرأ ثلث القرآن» (٦).

[١ / ١١] وأخرج الحاكم وصحّحه وأبو ذرّ الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال : «كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه ، فالتفت إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ألا أخبرك بأفضل القرآن؟ فتلا عليه (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ...)(٧).

[١ / ١٢] وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي زيد وكانت له صحبة قال : «كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض فجاج المدينة ، فسمع رجلا يتهجّد ويقرأ بامّ القرآن. فقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاستمع حتّى ختمها

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٦ ؛ فضائل القرآن : ١١٧ / ٧ ـ ٣٣ ، باب ٣٣.

(٢) مجمع البيان ١ : ٤٨ ؛ جامع الأخبار : ١٢١ / ١٠ و ١١ ، فصل ٢٢.

(٣) الدرّ ١ : ١٥ ؛ المحرّر الوجيز ١ : ٦٦ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد : ٢٢٧ / ٦٧٨ ، باب مسند ابن عبّاس ؛ كنز العمّال ١ : ٥٥٦ / ٢٤٩٥.

(٤) العيّاشي ١ : ٣٣ / ٣.

(٥) الطبري ١ : ٧٤ / ١١١.

(٦) الدرّ ١ : ١٥ ؛ الأوسط ٥ : ٣٢ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١١.

(٧) الدرّ ١ : ١٥ ؛ الحاكم ١ : ٥٦٠ / ٧ ؛ الشعب ٢ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥ / ٢٣٥٨ ؛ الكبرى ٥ : ١١ / ٨٠١١ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٥٩ / ٢٥١٤.

٢٥٥

ثمّ قال : ما في الأرض مثلها» (١).

[١ / ١٣] وأخرج مسلم والنسائي وابن حبّان والطبراني والحاكم عن ابن عبّاس قال : «بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضا (٢) من السماء من فوق ، فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال : يا محمّد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قطّ! قال : فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسلّم عليه فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبيّ قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ حرفا منهما إلّا اعطيته» (٣).

[١ / ١٤] وأخرج ابن الضريس عن أبي قلابة يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من شهد فاتحة الكتاب حين تستفتح كان كمن شهد فتحا في سبيل الله ، ومن شهدها حين تختم كان كمن شهد الغنائم حين تقسّم» (٤).

[١ / ١٥] وأخرج عبد بن حميد في تفسيره عن إبراهيم قال : سألت الأسود عن فاتحة الكتاب أمن القرآن هي؟ قال : نعم (٥).

[١ / ١٦] وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : كان عبد الله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف وقال : لو كتبتها لكتبت في أوّل كلّ شيء (٦).

[١ / ١٧] وأخرج عبد بن حميد ومحمّد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمّد بن سيرين أنّ ابيّ بن كعب كان يكتب فاتحة الكتاب ، والمعوّذتين ، واللهمّ إيّاك نعبد ، واللهمّ إيّاك نستعين ، ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهنّ. وكتب عثمان بن عفّان فاتحة الكتاب ، والمعوّذتين (٧).

وقد بسطنا الكلام عن ذلك في مباحثنا عن مصاحف الصحابة في العهد الأوّل في الجزء الأوّل

__________________

(١) الدرّ ١ : ١٤ ؛ الأوسط ٣ : ١٨٣ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١٠.

(٢) هو بالقاف والضاد أي صوتا كصوت الباب إذا فتح.

(٣) الدرّ ١ : ١٣ ؛ مسلم ٢ : ١٩٨ ؛ النسائي ١ : ٣١٧ / ٩٨٤ ؛ ابن حبان ٣ : ٥٧ / ٧٧٨ ؛ الكبير ١١ : ٣٥٠ ، باب سعيد بن جبير عن ابن عبّاس ؛ الحاكم ١ : ٥٥٨ ـ ٥٥٩ ، باب فضيلة فاتحة الكتاب ، وصحّحه على شرط الشيخين ؛ القرطبي ١ : ١١٦ ؛ ابن كثير ١ : ١٢.

(٤) الدرّ ١ : ١٧ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٤٢ / ٢٤٣٠ ؛ تاريخ بغداد ٩ : ٣٠٨ / ٤٨٤٥ (صالح بن بشير).

(٥) الدرّ ١ : ١٠.

(٦) الدرّ ١ : ١٠ ؛ القرطبي ١ : ١١٥. بلفظ : «... قيل لعبد الله بن مسعود : لم لم تكتب فاتحة الكتاب في مصحفك؟ قال : لو كتبتها لكتبتها مع كلّ سورة» ؛ ابن كثير ١ : ١٠.

(٧) الدرّ ١ : ١٠.

٢٥٦

من كتابنا التمهيد (١).

***

[١ / ١٨] قال مجاهد : سمّيت مثاني لأنّ الله تعالى استثناها لهذه الامّة فذخرها لهم (٢).

[١ / ١٩] وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن علي عليه‌السلام. أنّه سئل عن فاتحة الكتاب فقال : حدّثنا نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّها انزلت من كنز تحت العرش» (٣).

[١ / ٢٠] وأخرج الواحدي في أسباب النزول والثعلبي في تفسيره عن عليّ عليه‌السلام قال : «نزلت فاتحة الكتاب بمكّة من كنز تحت العرش» (٤).

[١ / ٢١] وروي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاتحة الكتاب ، وآية الكرسيّ ، وشهد الله أنّه لا إله إلّا هو ، وقل اللهمّ مالك الملك. هذه الآيات معلّقات بالعرش ليس بينهنّ وبين الله حجاب» (٥).

[١ / ٢٢] وأخرج أبو الشيخ في الثواب والطبراني وابن مردويه والديلمي والضياء المقدسي في المختارة عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أربع انزلن من كنز تحت العرش لم ينزل منه شيء غيرهنّ. أمّ الكتاب ، وآية الكرسي ، وخواتيم سورة البقرة ، والكوثر».

وأخرج ابن الضريس عن أبي أمامة موقوفا (أي على أبي أمامة) مثله (٦).

[١ / ٢٣] روى الصدوق بإسناده إلى جابر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل قال فيه حاكيا عن الله تعالى : «وأعطيت لك ولامّتك كنزا من كنوز عرشي : فاتحة الكتاب» (٧).

[١ / ٢٤] قال الطبرسي : روى جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمّا أراد الله عزوجل أن ينزل فاتحة الكتاب ، وآية الكرسي ، وشهد الله ، و (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) إلى قوله (بِغَيْرِ حِسابٍ)(٨) تعلّقن بالعرش وليس بينهنّ وبين الله حجاب ، وقلن : يا ربّ تهبطنا دار الذنوب وإلى من

__________________

(١) التمهيد ١ : ٢٧٧ فما بعد (تأليف القرآن).

(٢) البغوي ١ : ٧٠.

(٣) الدرّ ١ : ١٦ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٥٧ / ٢٥٠١.

(٤) الدرّ ١ : ١٠ ؛ أسباب النزول : ١١ ؛ الثعلبي ١ : ٨٩ ؛ التفسير الكبير ١ : ١٧٧ ؛ أبو الفتوح ١ : ٣٤ ؛ كنز العمّال ٢ : ٢٩٧ / ٤٠٥١.

(٥) القرطبي ١ : ١١١ ؛ كنز العمّال ٢ : ٦٧٩ / ٥٠٥٦ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٩ / ١٨ ؛ جامع الأخبار : ١٢٥ / ٢٤٠ ـ ٢٨.

(٦) الدرّ ١ : ١٦ ؛ كنز العمّال ١ : ٥٥٨ / ٢٥٠٤ ؛ الكبير ٨ : ٢٣٥.

(٧) الخصال : ٤٢٥ / ١ ، باب العشرة (أسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشرة) ؛ البحار ٨٩ : ٢٣٠ / ١٠ ، باب ٢٩ (فضائل سورة الفاتحة).

(٨) آل عمران ٣ : ١٨ و ٢٦ ـ ٢٧.

٢٥٧

يعصيك ونحن معلّقات بالطهور والقدس! فقال : وعزّتي وجلالي ما من عبد قرأكنّ في دبر كلّ صلاة إلّا أسكنته حظيرة على ما كان فيه ، ونظرت إليه بعيني المكنونة ، في كلّ يوم سبعين نظرة ، وإلّا قضيت له في كلّ يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة ، وإلّا أعذته من كلّ عدوّ ونصرته عليه ، ولا يمنعه من دخول الجنّة إلّا الموت» (١). أي لا يحول بينه وبين الجنّة سوى الموت.

[١ / ٢٥] وأخرج الحاكم وصحّحه وابن مردويه في تفسيره وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اعطيت سورة البقرة من الذكر الأوّل ، واعطيت فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش ، والمفصّل نافلة» (٢).

[١ / ٢٦] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن قال : أنزل الله مائة وأربعة كتب ، أودع علومها أربعة منها : التوراة ، والإنجيل والزبور والفرقان ، ثمّ أودع علوم التوراة والإنجيل والزبور الفرقان ، ثمّ أودع علوم القرآن المفصّل ، ثمّ أودع [علوم] المفصّل فاتحة الكتاب. فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة (٣).

[١ / ٢٧] وأخرج أبو بكر ابن الأنباري في المصاحف عن قتادة قال : نزلت فاتحة الكتاب بمكّة (٤).

[١ / ٢٨] وأخرج وكيع في تفسيره وابن الأنباري في المصاحف وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال : رنّ إبليس أربعا : حين نزلت فاتحة الكتاب ، وحين لعن ، وحين هبط إلى الأرض ، وحين بعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

[١ / ٢٩] وأخرج ابن الضريس عن عبد العزيز بن ربيع قال : لمّا نزلت فاتحة الكتاب ، رنّ إبليس كرنّته يوم لعن (٦).

[١ / ٣٠] وأخرج ابن الضريس عن مجاهد قال : لمّا نزلت (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) شقّ على

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٢٦٧ ؛ البحار ٩٢ : ٢٦١ / ٥٧ ، باب ٢٩ (فضائل سورة الفاتحة).

(٢) الدرّ ١ : ١٦ ؛ الحاكم ١ : ٥٥٩ ؛ الشعب ٢ : ٤٤٨ / ٢٣٦٤.

(٣) الدرّ ١ : ١٦ ؛ الشعب ٢ : ٤٥٠ ـ ٤٥١ / ٢٣٧١ ؛ أبو الفتوح ١ : ٣٠.

(٤) الدرّ ١ : ١١ ؛ المحرّر الوجيز ١ : ٦٥. وفيه : قال ابن عبّاس وموسى بن جعفر عن أبيه وعلي بن الحسين وقتادة وأبو العالية ومحمّد بن يحيى بن حبان : أنّها مكّية ؛ القرطبي ١ : ١١٥. وفيه : قال ابن عبّاس وقتادة وأبو العالية الرياحي ـ واسمه رفيع ـ وغيرهم : هي مكّية ؛ ابن كثير ١ : ٩ ؛ مجمع البيان ١ : ٤٧ عن ابن عبّاس وقتادة ؛ أبو الفتوح ١ : ٣٣ ؛ التبيان ١ : ٢٣.

(٥) الدرّ ١ : ١٦ ـ ١٧ ؛ العظمة ٥ : ١٦٧٩ / ١١٢٤ ؛ حلية الأولياء ٣ : ٢٩٩ ؛ القرطبي ١ : ١٠٩ ؛ أبو الفتوح ١ : ٣٨ ، بالاختصار.

(٦) الدرّ ١ : ١٧.

٢٥٨

إبليس مشقّة شديدة ، ورنّ رنّة شديدة ، ونخر نخرة شديدة. قال مجاهد : فمن أنّ أو نخر فهو ملعون (١).

[١ / ٣١] روى الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «رنّ إبليس أربع رنّات : يوم لعن ، وحين اهبط إلى الأرض ، وحين بعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حين فترة من الرسل ، وحين انزلت امّ الكتاب» (٢).

[١ / ٣٢] وروى العيّاشي بإسناده عن عبد الملك بن عمرو ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ إبليس رنّ أربع رنّات : يوم لعن وحين هبط إلى الأرض وحين بعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فترة من الرّسل وحين أنزلت أمّ الكتاب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.) ونخر نخرتين : حين أكل آدم عليه‌السلام من الشجرة وحين أهبط آدم إلى الأرض ، قال : ولعن من فعل ذلك» (٣).

[١ / ٣٣] وأخرج ابن أبي شيبة في المصنّف وأبو سعيد ابن الأعرابي في معجمه والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة : إنّ إبليس رنّ حين أنزلت فاتحة الكتاب ، وانزلت بالمدينة (٤).

قلت : وهذا وهم من أبي هريرة ، رواه عنه مجاهد رواية لا اعتقادا. وقد أسبقنا الكلام عن ذلك في الجزء الأوّل من التمهيد.

[١ / ٣٤] وأخرج وكيع والفريابي في تفسيريهما وأبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي شيبة في المصنّف وعبد بن حميد وابن المنذر في تفسيره وأبو بكر ابن الأنباري في كتاب المصاحف وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية من طرق عن مجاهد (ولعلّه عن أبي هريرة) قال : نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة (٥).

__________________

(١) المصدر.

(٢) الخصال : ٢٦٣ / ١٤١ ، أبواب الأربعة ، باب رنّ إبليس لعنه الله أربع رنّات ، وزاد : «ونخر نخرتين : حين أكل آدم من الشجرة ، وحين أهبط من الجنّة» ؛ العيّاشي ١ : ٣٤ / ٨ ، بزيادة : «ونخر نخرتين : حين أكل آدم من الشجرة وحين أهبط آدم إلى الأرض».

(٣) العيّاشي ١ : ٣٤ / ٨.

(٤) الدرّ ١ : ١١ ؛ المصنّف ٧ : ١٨٥ / ١ ؛ الأوسط ٥ : ١٠٠ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣١١. قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ، شبيه المرفوع ورجاله رجال الصحيح.

(٥) الدرّ ١ : ١١ ؛ فضائل القرآن : ٢٢٢ / ١٥ ـ ٥٦ ؛ المصنّف ٧ : ١٨٥ / ٧ ؛ العظمة ٥ : ١٦٧٩ / ١١٢٤ ؛ الحلية ٣ : ٢٩٩ عن مجاهد ؛ التفسير الكبير ١ : ١٧٧ ؛ المحرّر الوجيز ١ : ٦٥ ؛ القرطبي ١ : ١١٥ ، لكنّه رجّح نزولها بمكّة ؛ والبغوي ١ : ٧٠ ؛ ابن كثير ١ : ٩ ، لكنّه رجّح نزولها بمكّة ؛ مجمع البيان ١ : ٤٧ ؛ أبو الفتوح ١ : ٣٣ عن مجاهد وعطاء ؛ التبيان ١ : ٢٣ عن مجاهد.

٢٥٩

[١ / ٣٥] وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق ابن إسحاق : حدّثني إسحاق بن يسار عن رجل من بني سلمة قال : لمّا أسلم فتيان بني سلمة ، وأسلم ولد عمرو بن الجموح ، قالت امرأة عمرو له : هل لك أن تسمع من ابنك ما روى عنه؟ فقال : أخبرني ما سمعت من كلام هذا الرجل. فقرأ عليه (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إلى قوله : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فقال : ما أحسن هذا وأجمله! وكلّ كلامه مثل هذا؟ فقال : يا أبتاه وأحسن من هذا ، وذلك قبل الهجرة (١).

[١ / ٣٦] وأخرج أحمد والبخاري والدارمي وأبو داوود والنسائي وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد بن المعلّى قال : كنت اصلّي فدعاني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم اجبه فقال : «ألم يقل الله (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ)(٢) ثمّ قال : لاعلّمنّك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ، فأخذ بيدي فلمّا أردنا أن نخرج قلت : يا رسول الله إنّك قلت لأعلّمنّك سورة في القرآن؟ قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ...) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي اوتيته» (٣).

في هذا الحديث نكارة من وجوه :

أوّلا ، كيف يوبّخ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا أخذ بحرمة الصلاة فلم يقطعها ، ليؤخّر إجابة النبي فور إكمال الصلاة ، كما في الحديث الآتي : فخفّف وأسرع إلى النبيّ وسلّم عليه سلام تسليم؟

ثانيا ، ما وجه دلالة الآية التي استند إليها النبي ـ فرضا ـ وهي خاصّة بشأن دعوته للإسلام؟

ثالثا ، الثابت من الأحاديث ومن ظاهر تعبير القرآن ، أنّ سورة الحمد ـ وهي السبع المثاني ـ تعادل القرآن العظيم ، لا أنّها القرآن بذاته!

رابعا ، ما ذا يبدو من الحديث؟ هل كانت سورة الحمد أعظم سورة في القرآن ، أم هي نفس القرآن؟! والعبارة في ذيل الحديث مجملة : «هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي اوتيته» ... ما شأن العطف في «... والقرآن العظيم» ، وما شأن الوصف في «... الذي اوتيته ...» ، وصف لماذا؟

خامسا ، ما هذا الاهتمام البالغ بشأن تعليم سورة ، كان المسلمون تعاهدوها منذ بزوغ

__________________

(١) الدرّ ١ : ١١ ؛ الدلائل ١ : ٣١١ / ٢٢٨ ، الرواية مطوّلة.

(٢) الأنفال ٨ : ٢٤.

(٣) الدرّ ١ : ١٣ ؛ مسند أحمد ٤ : ٢١١ ؛ البخاري ٥ : ١٤٦ ، كتاب تفسير القرآن ؛ الدارمي ١ : ٣٥٠ ؛ أبو داوود ١ : ٣٢٨ / ١٤٥٨ ؛ النسائي ٥ : ١١ / ٨٠١٠ ؛ الطبري ٨ : ٧٩ / ١٦١٣٥ ؛ ابن حبان ٣ : ٥٦ / ٧٧٧ ؛ الشعب ٢ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ / ٢٣٤٥ ؛ ابن ماجة ٢ : ١٢٤٤ / ٣٧٨٥.

٢٦٠