التفسير الأثري الجامع - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-94552-4-8
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٤١٦

الحروف المقطّعة

في أوائل السور

وردت في مفتتح تسع وعشرين سورة حروف مقطّعة هي نصف حروف الهجاء ، إمّا مفردة أو منضمّة من غير تركيب ، وهي : «الم. المص. المر. الر. طس. طسم. حم. حمعسق. كهيعص. طه. يس. ص. ن. ق.». ومجموع هذه الحروف ثمانية وسبعون حرفا ، وهي بحذف المكرّرات تصبح أربعة عشر حرفا : (أ. ح. ر. س. ص. ط. ع. ق. ك. ل. م. ن. ه. ي).

قال الزمخشري : إذا تأمّلت ما أورده الله في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف حروف المعجم أربعة عشر سواء ... في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم.

ثمّ إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف. بيان ذلك : إن فيها من (المهموسة) نصفها : الصاد ، والكاف ، والهاء ، والسين ، والحاء. ومن (المجهورة) نصفها : الألف ، واللام ، والميم ، والراء ، والعين ، والطاء ، والقاف ، والياء ، والنون. ومن (الشديدة) نصفها : الألف ، والكاف ، والطاء ، والقاف. ومن (الرخوة) نصفها : اللام ، والميم ، والراء ، والصاد ، والهاء ، والعين ، والسين ، والحاء ، والياء ، والنون. ومن (المطبقة) نصفها : الصاد ، والطاء. ومن (المنفتحة) نصفها : الألف ، واللام ، والميم ، والراء ، والكاف ، والهاء ، والعين ، والسين ، والحاء ، والقاف ، والياء ، والنون. ومن (المستعلية) نصفها : القاف ، والصاد ، والطاء. ومن (المنخفضة) نصفها : الألف واللام ،

١٨١

والميم ، والراء ، والكاف ، والهاء ، والياء ، والعين ، والسين ، والحاء ، والنون. ومن حروف (القلقلة) نصفها : القاف ، والطاء (١).

ثمّ إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكورة منها ، فسبحان الذي دقّت في كلّ شيء حكمته.

قال : وقد علمت أنّ معظم الشيء وجلّه ينزّل منزلة كلّه ، وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته. فكأنّ الله عزّ اسمه عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم ، إشارة إلى ما ذكرت ، من التبكيت لهم وإلزام الحجّة إيّاهم.

قال : وقد اختلفت أعداد هذه الحروف ، فوردت (ص ، ق ، ن) حرفا واحدا. و (طه ، طس ، يس ، حم) على حرفين. و (الم ، الر ، طسم) على ثلاثة أحرف. و (المص ، المر) على أربعة أحرف. و (كهيعص ، حمعسق) على خمسة أحرف. كلّ ذلك على عادة افتنان العرب في أساليب كلامهم وتصرّفهم فيه على طرق شتّى ومذاهب متنوّعة ، ولم تتجاوز أبنية كلماتهم على ذلك (٢).

قيل : إنما جاءت الحروف المقطعة على نصف حروف المعجم تنبيها على أنّ من زعم أنّ القرآن ليس بآية فليأخذ الشطر الباقي ويركّب عليه ألفاظا ليعارض بها القرآن. نقله الزركشي عن القاضي أبي بكر. ثمّ قال : وهذه الأحرف تختلف من حيث مواضعها ، فلم تقع الكاف والنون إلّا مرّة واحدة ، والعين والياء والهاء والقاف مرّتين ، والصاد ثلاث مرّات ، والطاء أربعا ، والسين خمسا ، والراء ستّا ، والحاء سبعا ، والألف واللام ثلاث عشرة ، والميم سبع عشرة.

قال الإمام بدر الدين الزركشي : وقد جمع هذه الأحرف الأربع عشرة قولك : «نصّ حكيم قاطع له سرّ». قلت : وهكذا قولك : «صراط عليّ حقّ نمسكه»!

قال : وتأمّل السور المفتتحة بحرف واحد ، فإنّ أكثر كلماتها مبنية على ذلك ، كالقاف في سورة «ق» ، ففيها ذكر الخلق ، وتكرار القول ، والقرب ، والتلقّي ، والرقيب ، والسابق ، والقرين ، والالقاء ،

__________________

(١) بقي عليه حروف (الصفير) وهي ثلاثة : السين ، والصاد ، والزاي. فذكر منها اثنان : السين ، والصاد. لأنّ النصف ـ في العادة ـ في العدد الفرد يجب تكميل كسره. وكذلك من حروف (اللينة) اثنان : الألف ، والياء ، كذلك. و (المكرّر) وهو الراء. و (الهاوي) وهو الألف. و (المنحرف) وهو اللام ، وقد ذكرها.

وأمّا حروف (الذلاقة والمصمتة) قال أحمد : فالصحيح أن لا يعدّا صنفين ، حتّى أنّ الزمخشري في (المفصّل : ٣٩٥) أبعد في تمييزهما. (هامش الكشاف ١ : ٢٩).

(٢) الكشاف ١ : ٢٩ ـ ٣١ مع اختزال.

١٨٢

والتقدّم ، والمتّقين ، والقلب ، والقرن ، والتنقيب ، والقتل ، وتشقق الأرض ، وبسوق النخل ، والرزق ، والقوم ، وما شاكل ، وفي ذلك سرّ مكنون.

وسرّ آخر : أنّ المعاني الواردة في السورة كلّها تناسب لما في حرف القاف ، من الشدّة والجهر والقلقلة والانفتاح.

وهكذا سورة «ص» اشتملت على عدة خصومات جاءت في السورة. فأولها خصومة الكفار مع النبيّ ، ثمّ اختصام الخصمين عند داوود ، ثمّ تخاصم أهل النار ، ثمّ اختصام الملأ الأعلى في العلم ، ثمّ تخاصم ابليس.

وكذلك سورة القلم ، فواصلها على النون واشتمالها على كلمات نونية كثيرة. قال : وكذا السور المفتتحة بحرفين أو أكثر ، فإنّ له رابطا مع كلمات السورة بالذات.

هذا من جهة اللفظ ، ولعلّ في طيّها أسرارا عظيمة يعلمها الربّانيون (١).

قال جلال الدين السيوطي : إنّ كلّ سورة بدئت بحرف من هذه الحروف فإنّ أكثر كلماتها وحروفها مماثل له ، فحقّ لكلّ سورة منها أن لا يناسبها غير الوارد فيها. فلو وضع «ق» موضع «ن» لم يمكن. وسورة «ق» بدئت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ القاف. وهكذا قد تكرّرت الراء في سورة يونس ، من الكلام الواقع فيها إلى مائتي كلمة أو أكثر ، فلهذا افتتحت بالراء ، وسورة الأعراف زيد فيها «ص» على «الم» لنفس السبب (٢).

هل الحروف المقطّعة آية؟

عدّت من بعض السّور آية دون بعض ؛ وذلك لأنّه علم توقيفي لا مجال للقياس فيه ، كمعرفة ذوات السور وعدد آيها. قال الزمخشري : أمّا (الم) فآية حيث وقعت من السور المفتتحة بها ، وهي :

ستّ (٣). وكذلك (المص) آية (٤). و (المر) لم تعدّ آية (٥). وكذلك (الر) ليست بآية في سورها الخمس (٦). و (طسم) آية في سورتيها (٧). و (طه) و (يس) آيتان. و (طس) ليست بآية (٨). و (حم)

__________________

(١) البرهان ١ : ١٦٧ ـ ١٧٠.

(٢) معترك الأقران ١ : ٧١.

(٣) البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة.

(٤) من سورة الأعراف.

(٥) من سورة الرعد.

(٦) يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر.

(٧) الشعراء والقصص.

(٨) سورة النمل.

١٨٣

آية في سورها كلّها (١). و (حم ، عسق) آيتان (٢) و (كهيعص) آية واحدة (٣). و (ص) و (ق) و (ن) ثلاثتها لم تعدّ آية.

قال : هذا مذهب الكوفيّين وأمّا من عداهم فلم يعدّوا شيئا منها آية (٤).

[م / ١٨٩] وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن أبي عبد الرحمان السّلمي : أنّه كان يعدّ (الم) آية. و (حم) آية (٥).

التلهّج بالحروف المقطّعة

قال الزمخشري : اعلم أنّ الألفاظ التي يتهجّى بها أسماء ، مسمّياتها الحروف المبسوطة التي منها ركّبت الكلم. فقولك : ضاد ، اسم سمّي به «ضه» من ضرب ، إذا تهجّيته ، وكذلك : راء ، باء ، اسمان لقولك : «ره» ، «به» (٦).

قال : وقد روعيت في هذه التسمية لطيفة ، وهي : أنّ المسمّيات لمّا كانت ألفاظا كأساميها وهي حروف وحدان ، والأسامي عدد حروفها مرتق إلى الثلاثة ، اتّجه لهم طريق إلى أن يدلّوا في التسمية على المسمّى ، فلم يغفلوها وجعلوا المسمّى صدر كلّ اسم منها ، كما ترى (٧) ، إلّا الألف ، فإنّهم استعاروا الهمزة مكان مسماها ، لأنّه لا يكون إلّا ساكنا (٨).

قال : ومما يضاهيها ، في إيداع اللفظ دلالة على المعنى : التهليل ، والحوقلة ، والحيعلة ، والبسملة. وحكمها ـ ما لم تلها العوامل ـ أن تكون ساكنة الأعجاز ، موقوفة ، كأسماء الأعداد ، فيقال : ألف ، لام ، ميم. كما يقال : واحد ، اثنان ، ثلاثة. فإذا وليتها العوامل ، أدركها الإعراب ، تقول : هذه ألف ، وكتبت ألفا ، ونظرت إلى ألف ، وهكذا كلّ اسم عمدت إلى تأدية ذاته فحسب ، قبل أن يحدث فيه ـ بدخول العوامل ـ شيء من تأثيراتها ، فحقّك أن تلفظ به موقوفا.

__________________

(١) غافر وفصّلت والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف.

(٢) الشورى.

(٣) سورة مريم.

(٤) الكشاف ١ : ٣١.

(٥) الدرّ ١ : ٥٥.

(٦) وذلك لأنّ «ضاد» اسم مركب من ثلاثة أحرف. أمّا المسمّى فهو «ض» من قولك : «ضرب» ، وهو حرف واحد لا يمكن النطق به إلّا مع إلحاق هاء السكت به ، هكذا «ضه» كما يأتي التصريح به في كلام الخليل الآتي.

(٧) فالحرف الذي هو المسمّى ، جعل صدرا للفظة التي هي اسمها ، مثل «ض» في الضاد ، و «ر» في الراء ، و «ب» في الباء.

(٨) فصدر اللفظة التي هي اسم الألف ، همزة ، حيث الألف ساكن أبدا ، ولا يمكن النطق بالساكن.

١٨٤

ألا ترى أنّك إذا أردت أن تلقي على الحاسب أجناسا مختلفة ، ليرفع حسبانها ، كيف تصنع؟ وكيف تلقيها أغفالا من سمة الإعراب! فتقول : دار. غلام. جارية. ثوب. بساط. ولو أعربت ركبت شططا.

قال : ثمّ إنّي عثرت من جانب الخليل على نصّ في ذلك. قال سيبويه : قال الخليل يوما ـ وسأل أصحابه ـ : كيف تقولون ، إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف ، التي في «لك». والباء التي في «ضرب»؟ فقيل : نقول : باء. كاف. فقال : إنّما جئتم بالإسم ، ولم تلفظوا بالحرف ، وقال : أقول : كه ، به.

قال : فإن قلت : من أيّ قبيل هي من الأسماء ، أمعربة أم مبنيّة؟ قلت : بل هي أسماء معربة ، وإنّما سكنت سكون «زيد» و «عمرو» وغيرهما من الأسماء حيث لا يمسّها إعراب ، لفقد مقتضيه وموجبه (١).

واستدلّ الإمام الرازي بأنّ هذا الحكم (أي العراء من حركات الإعراب) جار في كلّ اسم عمدت إلى تأدية مسمّاه فحسب ، لأنّ جوهر اللفظ موضوع لجوهر المعنى ، وحركات اللفظ (الإعرابيّة) دالّة على أحوال المعنى ، فإذا أريد إفادة جوهر المعنى فحسب ، وجب إخلاء اللفظ عن الحركات (٢).

الحروف المقطّعة في مختلف الآراء

اختلفت الأنظار عن الحروف المقطّعة في أوائل السور ، وربما بلغت عشرين قولا أو تزيد ، حسبما أحصاه الإمام الرازي في تفسيره الكبير. سوى أنّ الاتجاهات الرئيسيّة التي سلكتها تلكم الأقوال تعتمد على المباني الثلاثة التالية :

١ ـ اعتقاد أنها من المتشابه المجهول تماما ، علم مستور ، وسرّ محجوب ، استأثر الله به.

[م / ١٩٠] فقد حكي عن الشعبي أنّه قال : نؤمن بظاهرها ونكل العلم فيها إلى الله (٣).

وقد أنكر أهل الكلام هذا الاعتقاد لو اريد به الجهل مطلقا ، حتّى على مثل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر امناء الوحي. إذ كيف يرد في الكتاب المبين ما يكاد يخفى على الخافقين. وقد قال تعالى :

__________________

(١) الكشاف ١ : ١٩ ـ ٢١.

(٢) التفسير الكبير ٢ : ٢.

(٣) البرهان ١ : ١٧٣.

١٨٥

(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١).

وإن اريد به الحجب عن العامّة واختصاص علمه بأولياء الله المخلصين فهذا مردّه إلى القول التالي :

٢ ـ إنّها الرموز بين الله ورسوله ، لا يمسّه إلّا المطهّرون ، الامناء على وحيه. قال أرباب القلوب : التخاطب بالحروف المفردة سنّة الأحباب في سنن المحابّ ، فهو سرّ الحبيب مع الحبيب ، بحيث لا يطّلع عليه الرقيب :

بين المحبّين سرّ ليس يفشيه

قول ولا قلم للخلق يحكيه

[م / ١٩١] وقد روى السيد رضيّ الدين ابن طاووس عن «حقائق التفسير» لأبي عبد الرحمان محمّد بن الحسين السلمي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام قال : الم ، رمز وإشارة بينه تعالى وبين حبيبه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن لا يطّلع عليه سواهما ، أخرجه بحروف بعّده عن درك الأغيار ، وظهر السرّ بينهما لا غير (٢).

[م / ١٩٢] وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ ابن حيّان في التفسير عن داوود بن هند ، قال : كنت أسأل الشعبي عن فواتح السّور ، قال : يا داوود! إنّ لكلّ كتاب سرّا ، وإنّ سرّ هذا القرآن فواتح السّور ، فدعها وسل عمّا بدا لك (٣).

قال الحجّة البلاغي : ولا غرو أن يكون في القرآن ما هو محاورة رمزيّة بأسرار خاصّة ، مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامناء الوحي عليهم‌السلام (٤).

قال ابن بابويه أبو جعفر الصدوق : والعلّة الاخرى في إنزال أوائل هذه السور بالحروف المقطّعة ليخصّ بمعرفتها أهل العصمة والطهارة ، فيقيمون بها الدلائل ، ويظهرون بها المعاجز. ولو عمّ الله تعالى بمعرفتها جميع الناس لكان في ذلك ضدّ الحكمة وفساد التدبير (٥).

وهذا هو اختيار جلّ أهل النظر في التفسير.

__________________

(١) سورة ص ٣٨ : ٢٩.

(٢) سعد السعود : ٢١٧ ؛ البحار : ٨٩ / ٣٨٤ والموجود في المطبوعة أخيرا : وقيل : «الم» سرّ الحقّ إلى حبيبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يعلم سرّ الحبيب. ألا تراه يقول : «لو تعلمون ما أعلم» أي من حقائق سرّ الحقّ. وهو الحروف المفردة في الكتاب. (تفسير السلمي ١ : ٤٦).

(٣) الدرّ ١ : ٥٩.

(٤) آلاء الرحمان ١ : ٦٤.

(٥) كمال الدين وتمام النعمة : ٦٤٠ ؛ البحار ٨٩ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ / ١٤.

١٨٦

وفي كلام العرب شواهد على الرمز بالحروف ، وليس بالأمر الغريب. قال الشاعر (١) :

قلنا لها : قفي لنا ، قالت : قاف

لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف

فقد أرادت بقولها : قاف «قد وقفت» فأشارت إليه رمزا بإظهار حرف القاف كناية عن تمام الكلمة. وكذا رمزوا عن النحاس بحرف «ص» ، وعن النقد بحرف «ع» ، وعن السحاب بحرف «غ». وهكذا سمّوا بالحروف أشياء ، منها جبل قاف ، والحوت نونا. وقد يسمّون الأعلام بها أيضا ، كما سمّوا والد حارثة «لام» فقالوا : حارثة بن لام.

وممّا يشهد لذلك أيضا نقصهم الكلمة حروفا ليكون الباقي دلالة عليه ، كما في الترخيم ، في مثل «ياحار» بحذف «الثاء». و «يا مال» بحذف «الكاف» : وكقول راجزهم :

ما للظليم عال كيف لا يا

ينقد عنه جلده إذا يا

وأراد بالياء ياء المضارعة ، رمزا إلى قوله : يفعل. أي «لا يفعل» و «إذا يفعل».

وقال الآخر :

بالخير خيرا «تا» وإن شرّا «فا»

ولا اريد الشرّ إلّا أن «تا»

فالتاء إشارة إلى قول «تشاء» وبالفاء فاء الجزاء. والمعنى :

بالخير خيرا تشاء وإن شرّا فشرّا

ولا اريد الشرّ إلّا أن تشاء

قال أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري : والشواهد على ذلك كثيرة يطول باستيعابها الكتاب (٢).

ما قيل في حلّ تلك الرموز

قيل : إنها بحساب الأبجد. وأول من تنبّه لذلك يهود المدينة ، على حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك :

[م / ١٩٣] لمّا نزلت السورة الكبرى «البقرة» بالمدينة مفتتحة بقوله تعالى : (الم) جاءت جماعة من أحبارهم ـ قيل : هم حيّي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب ونفر آخرون ـ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : ما علمنا نبيّا أخبر امّته بمدّة ملكهم بأقلّ ممّا أخبرتهم به. وهي إحدى وسبعون سنة ، على

__________________

(١) في تفسير الخازن ١ : ٢٣ نسبه إلى الراجز ، وهو الأغلب بن عمرو العجلي من الشعراء المخضرمين المعمّرين. مات في وقعة نهاوند في جملة من توجّه من الكوفة مع سعد سنة ٢١. وهو أول من رجز الأراجيز الطوال. ومن ثمّ سمّي بالراجز. والإيجاف : الإسراع في السير.

(٢) الطبري ١ : ٥٣.

١٨٧

حروف (الم)(١). فولّى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا مخاطبتهم ، فقال لهم عليّ عليه‌السلام : فما تصنعون ب (المص)؟ فقالوا : مائة وإحدى وستون (٢).

قال : فما تصنعون بقوله : (الر)؟ فقالوا : مائتان وإحدى وثلاثون (٣). ثمّ قال لهم : فما تصنعون ب (المر؟) قالوا : مائتان وإحدى وسبعون (٤).

فقال عليه‌السلام : فواحدة من هذه له أو جميعها؟ فاختلط كلامهم.

وقالوا ـ أخيرا ـ : بل يجمع له كلها ، وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة (٥). ثمّ يرجع الملك إلينا ، نحن اليهود.

فقال عليه‌السلام : أكتاب من كتب الله نطق بهذا أم آراؤكم دلّتكم عليه؟ قالوا : آراؤنا دلّت عليه ، ودليل صوابه أنّ هذا حساب الجمل.

فقال عليه‌السلام : كيف دلّ على ما تزعمون من مدّة ملك هذه الامّة ، وليس في حساب الجمل دليل على ما اقترحتم بلا بيان؟ أرأيتم إن قيل لكم : إنّ هذا العدد يدلّ على لعنكم بحسابها ، أو غير ذلك ، فما ذا تقولون؟! وعند ذلك سقط ما في أيديهم ، وباؤوا بغضب من الله ورسوله (٦).

انظر إلى دقّة تعبير الإمام عليه‌السلام في ردّه على اليهود ، لم يقرّهم في أصل المبنى ولا في الفرع الذي بنوه على ذلك الأصل.

***

وقيل : إنّها رموز إلى أسمائه تعالى وصفاته الجلال والجمال. فالألف في قوله (الم) رمز عن اسم الجلالة «الله» ، واللام عن «اللطيف» ، والميم عن «المجيد». أو كناية عن «آلائه» و «لطفه» و «مجده».

أو اختصار عن قوله «أنا الله العليم» وما شاكل ذلك من التأويلات التي هي أشبه بالتخرّصات.

__________________

(١) بفرض الواحد العددي هي السّنة ، لتكون الألف في مثل «الم» رمزا إلى سنة واحدة ، واللام ثلاثون سنة ، والميم أربعون ، فالمجموع : واحد وسبعون.

(٢) فإنّ «ص» ٩٠ يضاف إلى ٧١ ، والمجموع : ١٦١.

(٣) ألف : ١. لام : ٣٠. راء : ٢٠٠ ٢٣١.

(٤) ١+ ٣٠+ ٤٠+ ٢٠٠ ٢٧١.

(٥) وهي مجموعة : ٧١+ ١٦١+ ٢٣١+ ٢٧١ ٧٣٤. وكان في الحديث سقط صحّحناه على الدرّ المنثور ١ : ٢٣.

(٦) بتلخيص من تفسير القمّي ١ : ٢٢٣ ؛ معاني الأخبار : ١٩ ـ ٢٦ ؛ البحار ٨٩ : ٣٧٤ ـ ٣٨٠ / ١٠. وهكذا تجد مقتطفات منه في سائر التفاسير ، النيسابوري بهامش الطبري ١ : ١٢١ ـ ١٢٢ ؛ الطبري ١ : ١٣٨ / ٢٠٠ ؛ التفسير الكبير ٢ : ٧ ؛ الدرّ ١ : ٢٣.

١٨٨

وقال محيي الدين ابن عربي ـ في مفتتح سورة البقرة ـ : أشار بهذه الحروف الثلاثة إلى كلّ الوجود من حيث هو كلّ ، لأنّ «أ» إشارة إلى ذات الذي هو أول الوجود ، و «ل» إلى العقل الفعّال المسمّى جبرئيل ، وهو أوسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ ويفيض إلى المنتهى ، و «م» إلى محمّد الذي هو آخر الوجود ، تمّ به دائرته وتتّصل بأولها (١).

* * *

أنها مجرّد أسماء حروف وأصوات هجاء ، لا تحمل في طيّها معنى ولا تحتوي على سرّ مكنون ، سوى أنّ إيراد هذه الأحرف بهذا النمط وفي ذلك المقطع من الزمان يهدف إلى غرض وحكمة بالغة ، وإن كانت لا تعدو اعتبارات لفظيّة محضة.

وهذا نظير ما مرّ عن الزمخشري في بيان حكمة ذلك ، وقوله أخيرا : فسبحان الذي دقّت في كلّ شيء حكمته.

وكذا قول بعضهم : إنّ لهكذا أصوات في بدء التلاوة كان تأثير بالغ في انتباه السامعين لينصتوا إلى قراءة الذكر الحكيم. حيث كانت العرب إذا سمعوا القرآن يتلى قالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)(٢).

وهكذا القول بأنّها أقسام. أقسم الله بها كما أقسم بأشياء كالفجر والضحى والتين والزيتون. فقد أقسم بأسماء الحروف الهجائيّة ، لأنّها الأصل في كلّ كلام والأساس لكلّ بيان في أيّة لغة من اللغات.

* * *

وذكر الزمخشري وجوها ثلاثة في تأويل هذه الحروف ، أحدها ـ وزعم أنّ عليه إطباق الأكثر ـ : أنّها أسماء السور (٣).

وهكذا قال الإمام الرازي : والمختار عند أكثر المحقّقين ـ من هذه الأقوال (٤) ـ أنّها أسماء السور باعتبار أنّها أسماء ألقاب (٥).

لكن يرد عليهما : أنّه كيف جعلت أسامي لتسع وعشرين سورة فحسب ، وأمّا باقي السور فخلو عن هذه التسمية الغريبة!! ثمّ ما هي المناسبة لتسمية ستّ سور (الم) : (البقرة. آل عمران.

__________________

(١) تفسيره المختصر ١ : ١٣.

(٢) فصّلت ٤١ : ٢٦.

(٣) الكشاف ١ : ٢١.

(٤) وقد عدّها إلى أحد وعشرين قولا. التفسير الكبير ١ : ٥ ـ ٨.

(٥) المصدر : ٨.

١٨٩

العنكبوت. الروم. لقمان. السجدة) وسبع سور (حم :) (غافر. فصّلت. الشورى. الزخرف. الدخان. الجاثية. الأحقاف ـ عرفت بالحواميم) وخمس سور (الر) : (يونس. هود. يوسف. إبراهيم. الحجر) وسورتين (طسم) : (الشعراء. القصص) وهو من الاشتراك في التسمية لغير ما مبرّر.

هذا فضلا عن كون التسمية ـ هنا ـ توقيفيّة ، ولم يرد بذلك نصّ من مهبط الوحي. وللزمخشري ـ نفسه ـ ردّ لطيف على هذا القول ، يأتي عند استعراض الوجه التالي.

الوجه الثاني ـ الذي ذكره الزمخشري ـ أن يكون ورود هذه الأسماء هكذا ، مسرودة على نمط التعديد (١) كالإيقاظ وقرع العصا ، لمن تحدّي بالقرآن وبغرابة نظمه ، وكالتحريك للنظر في أنّ هذا المتلوّ عليهم ـ وقد عجزوا عنه عن آخرهم ـ كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ، ليؤدّيهم النظر إلى أن يستيقنوا : أن لم تتساقط مقدرتهم دونه ، ولم تظهر معجزتهم (٢) عن أن يأتوا بمثله بعد المراجعات المتطاولة ـ وهم أمراء الكلام وزعماء الحوار ، وهم الحرّاص على التساجل (٣) في اقتضاب الخطب ، والمتهالكون على الافتنان في القصيد والرجز ـ ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم ، المبالغ التي بزّت بلاغة كلّ ناطق (٤) وشقّت غبار كلّ سابق ، ولم يتجاوز الحدّ الخارج عن قوى الفصحاء ، ولم يقع وراء مطامح أعين البصراء ، إلّا لأنّه ليس بكلام البشر ، وأنّه كلام خالق القوى والقدر.

ثمّ أخذ في ترجيح هذا القول على الوجه الأوّل ، قال : وهذا القول من القوّة والخلاقة بالقبول (٥) بمنزل ، ولناصره على الأوّل أن يقول : إنّ القرآن إنّما نزل بلسان العرب ، مصبوبا في أساليبهم واستعمالاتهم والعرب لم تتجاوز فيما سمّوا به مجموع اسمين ، ولم يسمّ أحد منهم بمجموع ثلاثة أسماء وأربعة وخمسة. والقول بأنّها أسماء السور حقيقة ، يخرج إلى ما ليس في لغة العرب ويؤدّي أيضا إلى صيرورة الاسم والمسمّى واحدا. وعقّبه باعتراضات وأجوبة لا تخلو من طرافة (٦).

قلت : ولله درّه في نعته هذا الجميل لجانب إعجاز القرآن الكريم وهو كما قال الإمام أحمد بن

__________________

(١) التعديد والمعادّة : المناهدة وهي المناهضة في الحرب والمناضلة.

(٢) المعجزة ـ بفتح الميم والجيم ـ وبكسر الجيم أيضا ـ مصدر ، في مقابل المقدرة ـ مثلّث الدال ـ.

(٣) الحرّاص ـ بضمّ الحاء وتشديد الراء : جمع حريص. والتساجل : التفاخر. واقتضاب الكلام : ارتجاله.

(٤) أي غلبت وسلبت مقدرة الخصم.

(٥) الخلاقة : الجدارة واللياقة.

(٦) الكشاف ١ : ٢٧ ـ ٢٨.

١٩٠

المنير الإسكندري في الشرح : غاية في الصناعة ونهاية في البراعة (١).

الوجه الثالث : أن ترد السورة مصدّرة بذلك ، ليكون أوّل ما يقرع الأسماع مستقلّا بوجه من الإعراب ، وتقدمة من دلائل الإعجاز. وذلك أنّ النطق بالحروف أنفسها ، كانت العرب فيه مستوية الأقدام ، الأمّيّون منهم وأهل الكتاب ، بخلاف النطق بأسامي الحروف ، فإنّه كان مختصّا بمن خطّ وقرأ وخالط أهل الكتاب وتعلّم منهم. وكان مستغربا مستبعدا من الأمّي التكلّم بها ، استبعاد الخطّ والتلاوة ، كما قال عزوجل : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ)(٢). فكان حكم النطق بذلك ـ مع اشتهار أنّه لم يكن ممّن اقتبس شيئا من أهله ـ حكم الأقاصيص المذكورة في القرآن ، التي لم تكن قريش ومن دان بدينها في شيء من الإحاطة بها ، في أنّ ذلك حاصل له من جهة الوحي ، وشاهد بصحّة نبوّته ، وبمنزلة أن يتكلّم بالرطانة (٣) من غير أن يسمعها من أحد (٤).

وقال أبو مسلم : المراد بذلك ، أنّ هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته ولم تقدروا على الإتيان بمثله هو من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في كلامكم وخطابكم ، فحيث لم تقدروا عليه فاعلموا أنّه من فعل الله ، وإنّما كررّت في مواضع ، استظهارا في الحجّة ؛ وحكي ذلك عن قطرب (٥).

***

وقال سيدنا الطباطبائي رحمه‌الله : إذا تدبّرت السّور المفتتحة بحروف مشتركة من هذه الحروف المقطّعة ، مثل الف لام ميمات والف لام راءات والطواسين والحواميم ، وجدتها متشابهة المضامين ومتناسبة السياقات. ويمكن أن يحدس أنّ بين هذه الحروف وبين مضامين تلك السور ارتباطا خاصّا. مثلا سورة الأعراف صدرت بقوله (المص) فكأنها جامعة بين مضامين الميمات وسورة ص. وكذلك سورة الرعد المصدّرة بقوله (المر) كأنها جامعة في مضمونها بين الميمات والراءات وهكذا.

ويستفاد من ذلك : أنّ هذه الحروف رموز بين الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خفيّة عنّا ، لا نعلم منها

__________________

(١) المصدر : ٢٧ ، في الهامش رقم ٣.

(٢) العنكبوت ٢٩ : ٤٨.

(٣) الرطانة : التكلّم بالأعجميّة.

(٤) الكشاف ١ : ٢٨ ـ ٢٩.

(٥) التبيان ١ : ٤٨ ؛ مجمع البيان ١ : ٧٧ ، باختلاف يسير.

١٩١

سوى هذا المقدار من الارتباط. ولعلّ المتدبّر يتبيّن له أزيد من ذلك.

وربما يشير إلى هذا المعنى :

[م / ١٩٤] ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله : «لكلّ كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي» (١).

وهناك محاولات أخرى حديثة حدثت في العصر الأخير ، حاولت كشف هذه الرموز عن طريق العقل الألكتروني ، قام بها عالم كيماوي مصري يعيش في أمريكا (هو الدكتور رشاد خليفة) نشرتها مجلّة «آخر ساعة» المصريّة لعددها (١٩٩٦ ـ ٢٤ يناير ١٩٧٣).

كما وقام الأستاذ سعد عبد المطّلب العدل ، بمحاولة غريبة لتطبيق ما ورد في القرآن من الحروف المقطّعة على الخطّ الهيروغليفي المصريّ القديم ، في رسالة أعدّها لذلك. أصدرها سنة (٢٠٠٢ م).

وقد ذكرنا ذلك بتلخيص في المجلد الخامس من التمهيد ، فليراجع هناك.

الرأي المختار

والرأي المختار هو القول بأنها إشارات رمزيّة إلى أسرار بين الله ورسوله ، لم يهتد إليها سوى المأمونون على وحيه. ولو كان يمكن الاطّلاع عليها لغيرهم لم تعد حاجة إلى الرمز بها من أوّل الأمر.

نعم لا يبعد اشتمالها على حكم وفوائد تزيد في فخامة مواضعها من مفتتح السور ، ولا سيّما بهذا النظم المتفنّن في تنوّعه البديع.

ولعلّ ما أشار إليه الزمخشري ، وجاء في كلام الزركشي ، واحتملته قريحة سيّدنا الطباطبائي لعلّه شذرات من تلك الحكم والفوائد المودعة إلى جنب ما حوته تلك الحروف من أسرار عظام. والله أعلم بحقيقة الحال.

الحروف المقطّعة في مختلف الروايات

ذكر الإمام أبو إسحاق الثعلبي أنّ كثيرا من السلف ذهبوا إلى أنّها من المتشابهات التي استأثر الله بعلمها ، فنحن نؤمن بتنزيلها ونكل إلى الله تأويلها. وعن بعضهم : لكلّ كتاب سرّ ، وسرّ القرآن

__________________

(١) الميزان ١٨ : ٦ ، سورة الشورى ؛ مجمع البيان ١ : ٧٥.

١٩٢

فواتحه (١).

وقال الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : إنّ لكلّ كتاب صفوة ، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي. وفسّره الآخرون ، فقال سعيد بن جبير : هي أسماء الله مقطّعة ، لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم الله الأعظم ، ألا ترى أنّك تقول : (الر)(٢) وتقول : (حم)(٣) وتقول : (ن)(٤) فيكون الرحمان ، وكذلك سائرها على هذا الوجه ، إلّا أنّا لا نقدر على وصلها والجمع بينها.

وقال قتادة : هي أسماء القرآن.

وقال عبد الرحمان بن زيد بن أسلم : هي أسماء للسور المفتتحة بها.

وقال ابن عبّاس : هي أقسام أقسم الله بها ، وروي أنّه ثناء أثنى الله به على نفسه.

وقال أبو العالية : ليس منها حرف إلّا وهو مفتاح لإسم من أسماء الله عزوجل ، وليس منها حرف إلّا وهو في آلائه وبلائه ، وليس منها حرف إلّا في مدّة قوم وآجال آخرين.

وقال عبد العزيز بن يحيى : معنى هذه الحروف : أنّ الله ذكرها ، فقال : اسمعوها مقطّعة ، حتّى إذا وردت عليكم مؤلّفة كنتم قد عرفتموها قبل ذلك ، وكذلك يعلّم الصبيان أوّلا مقطّعة ، وكان الله أسمعهم مقطّعة مفردة ، ليعرفوها إذا وردت عليهم ، ثمّ أسمعهم مؤلّفة.

وقال أبو روق : إنّها تكتب للكفّار ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلّها ، وكان المشركون يقولون : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ.)

فربما صفّقوا وربما صفّروا وربما لغطوا ليغلّطوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك أسرّ في الظهر والعصر وجهر في سائرها ، وكانوا يضايقونه ويؤذونه ، فأنزل الله تعالى هذه الحروف المقطعة ، فلمّا سمعوها بقوا متحيرين متفكّرين ، فاشتغلوا بذلك عن إيذائه وتغليطه ، فكان ذلك سببا لاستماعهم وطريقا إلى انتفاعهم.

وقال الأخفش : إنّما أقسم الله بالحروف المعجمة لشرفها وفضلها ، ولأنّها مباني كتبه المنزلة

__________________

(١) الطبري ١ : ١٣٢. ونسبه الثعلبي (١ : ١٣٦) إلى أبي بكر ، ولم يثبت في مستند وثيق ، والجوامع التفسيريّة والحديثيّة قبله خلو عن هذا الاستناد. نعم نسبه أبو بكر ابن الأنباري (النحوي اللغوي العلّامة. ت ٣٢٨) إلى الربيع بن خثيم. ثمّ قال : قال أبو بكر : فهذا يوضّح أنّ حروفا من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم. إلى آخر ما يأتي في كلام القرطبي. فلعلّ الإمام الثعلبي زعمه أبا بكر الصدّيق وهو غريب!

(٢) الحجر ١٥ : ١.

(٣) الدخان ٤٤ : ١.

(٤) القلم ٦٨ : ١.

١٩٣

بالألسن المختلفة ، ومباني أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وأصول كلام الأمم بما يتعارفون ويذكرون الله ويوحّدونه ، وكأنّه أقسم بهذه الحروف إنّ القرآن كتابه وكلامه لا ريب فيه.

وقال النقيب : هي النبهة والاستئناف ليعلم أنّ الكلام الأوّل قد انقطع ، كقولك : ولا ، إنّ زيدا ذهب.

وأحسن الأقاويل فيه وأمتنها ، أنّها إظهار لإعجاز القرآن وصدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك أنّ كلّ حرف منه من هذه الحروف الثمانية والعشرين (١).

والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كلّه كقوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)(٢) أي صلّوا لا يصلّون ، وقوله : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)(٣) فعبّر بالركوع والسجود عن الصلاة إذ كانا من أركانها ، وقال : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)(٤) أراد جميع أبدانكم.

وقال : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)(٥) أي الأنف فعبّر باليد عن الجسد ، وبالأنف عن الوجه.

وقال الشاعر في امرأته :

لمّا رأيت أمرها في حطّي

وفنكت في كذب ولطّ

أخذت منها بقرون شمط

فلم يزل ضربي بها ومعطي

حتّى علا الرأس دم يغطّي (٦)

فعبّر بلفظة «حطّي» عن جملة حروف أبجد.

ويقول القائل : (أب ت ث) وهو لا يريد هذه الأربعة الأحرف دون غيرها ، بل يريد جميعها ، وقرأت : الحمد لله ، وهو يريد جميع السورة ، ونحوها كثير.

وكذلك عبّر الله بهذه الحروف عن جملة حروف التهجّي ، والإشارة فيه : أنّ الله تعالى نبّه العرب وتحدّاهم ، فقال : إنّي قد نزّلت هذا الكتاب من جملة الثمانية والعشرين التي هي لغتكم ولسانكم ،

__________________

(١) وفي العبارة تشويش ظاهر ، ولعلّ الأصل : أنّ القرآن الذي عجزتم عن الإتيان بمثله مؤلّف من هذه الحروف الثمانية والعشرين ، التي تعرفونها. فجاء بنصف حروف التهجّي وهي بعضها اكتفاء بالبعض عن الكل.

(٢) المرسلات ٧٧ : ٤٨.

(٣) العلق ٩٦ : ١٩.

(٤) آل عمران ٣ : ١٨٢.

(٥) القلم ٦٨ : ١٦.

(٦) هي من الخماسيّات راجع : الطبري ١ : ١٣٢. ولسان العرب ١٠ : ٤٨٠. و «حطّي» بحاء مهملة ، ثانية جملات أبي جاد (أبجد ، حطّي ...).

١٩٤

وعليها مباني كلامكم ، فإن كان محمّد هو الذي يقوله من تلقاء نفسه ، فأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة مثله ، فلمّا عجزوا عن ذلك بعد الإجهاد ثبت أنّه معجزة.

هذا قول المبرّد وجماعة من أهل المعاني ، فإن قيل : فهل يكون حرفا واحدا عودا للمعنى؟ وهل تجدون في كلام العرب أن يقال : الم زيد قائم؟ وحم عمرو ذاهب؟ قلنا : نعم ، هذا عادة العرب يشيرون بلفظ واحد إلى جميع الحروف ويعبّرون به عنه. قال الراجز :

قلت لها : قفي قالت : قاف

لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف (١)

أي قف أنت. وأنشد سيبويه لغيلان :

نادوهم أن ألجموا ، ألا تا

قالوا جميعا كلّهم : ألا فا (٢)

أي ألا تركبون فقالوا : ألا فاركبوا. وأنشد قطرب في جارية :

قد وعدتني أمّ عمرو أن تا

تدهن رأسي وتفلّيني تا

أراد : أن تأتي وتمسح. (٣) وأنشد الزجّاج :

بالخير خيرات وإن شرّا «فا»

ولا أريد الشرّ إلّا أن «تا» (٤)

أراد بقوله (فا) : وإن شرّا فشرّ له ، وبقوله «تا» : إلّا أن تشاء.

قال الأخفش : هذه الحروف ساكنة لأنّ حروف الهجاء لا تعرب ، بل توقف على كلّ حرف على نيّة السكت ، ولا بدّ أن تفصل (٥) بالعدد في قولهم : واحد ـ إثنان ـ ثلاثة ـ أربعة. قال أبو النجم :

أقبلت من عند زياد كالخرف

تخطّ رجلاي بخطّ مختلف

وتكتبان في الطريق : لام الف (٦)

فإذا أدخلت حرفا من حروف العطف حرّكتها.

وأنشد أبو عبيدة :

إذا اجتمعوا على ألف وواو

وياء هاج بينهم جدال

__________________

(١) شرح شافية ابن الحاجب ٤ : ٢٦٤.

(٢) المصدر.

(٣) لسان العرب ١ : ١٦٤ وفيه : تفلّيني وا.

(٤) المصدر ١٥ : ٢٨٨.

(٥) أي يوقف هنيهة قدر ما يميّز كلّ عدد من غيره. راجع : شرح الشافية ٢ : ٢١٥.

(٦) لسان العرب ٩ : ٦٢ ، «لام الف» فتح الميم ـ نقلا لحركة الهمزة إليها ـ وكسر لام الف ، بإسقاط الهمزة هكذا «لام لف» والمقصود : أنّ رجليه تخطّان على الأرض حرف «لا». وراجع : شرح الشافية ٢ : ٢٢٣.

١٩٥

وهذه الحروف تذكّر على اللفظ وتؤنّث على توهّم الكلمة.

قال كعب الأحبار : خلق الله العلم من نور أخضر ، ثمّ أنطقه ثمانية وعشرين حرفا من أصل الكلام ، وهيّأها بالصوت الذي سمع وينطق به ، فنطق بها العلم فكان أوّل ذلك كلّه الهمزة ، فنظرت إلى بعضها فتصاغرت وتواضعت لربّها تعالى ، وتمايلت هيبة له ، فسجدت فصارت همزة ، فلمّا رأى الله تعالى تواضعها مدّها وطوّلها وفضّلها ، فصارت ألفا ، فتلفظها به ، ثمّ جعل القلم ينطق حرفا حرفا إلى ثمانية وعشرين حرفا ، فجعلها مدار الكلام والكتب والأصوات واللغات والعبارات كلّها إلى يوم القيامة ، وجميعها كلّها في أبجد. وجعل الألف لتواضعها مفتاح أول أسمائه ، ومقدّما على الحروف كلّها (١).

فأمّا قوله عزوجل : (الم) فقد اختلف العلماء في تفسيرها :

[م / ١٩٥] روى عطاء بن السايب عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس في قول الله تعالى : (الم) قال : أنا الله أعلم.

[م / ١٩٦] وروى أبو روق عن الضحاك في قوله (الم :) أنا الله أعلم.

[م / ١٩٧] وقال مجاهد وقتادة : (الم) اسم من أسماء القرآن.

[م / ١٩٨] وقال الربيع بن أنس : (ألف) مفتاح اسم الله ، و (لام) مفتاح اسمه لطيف ، و (ميم) مفتاح اسمه مجيد.

[م / ١٩٩] وروى خالد عن عكرمة قال : (الم) قسم.

[م / ٢٠٠] وقال محمّد بن كعب : (الألف) آلاء الله ، و (اللام) لطفه ، و (الميم) ملكه.

[م / ٢٠١] وفي بعض الروايات عن ابن عبّاس (٢) : (الألف) الله ، و (اللام) جبرئيل ، أقسم الله بهم إنّ هذا الكتاب لا ريب فيه ، ويحتمل أن يكون معناه على هذه التأويل : أنزل الله هذا الكتاب على لسان جبريل إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال أهل الإشارة : (ألف) : أنا ، (لام) : لي ، (ميم) : منّي.

[م / ٢٠٢] وعن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن جعفر الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن قوله : (الم)

__________________

(١) أسطورة إسرائيليّة غريبة!

(٢) في تفسير السّلمي (١ : ٤٦) عن سهل بن عبد الله : الألف هو الله ، واللام جبرائيل ، والميم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٩٦

فقال : في الألف ستّ صفات من صفات الله : «الابتداء» ؛ لأنّ الله تعالى ابتدأ جميع الخلق. والألف ابتداء الحروف. و «الاستواء» : فهو عادل غير جائر ، والألف مستو في ذاته ، و «الانفراد» والله فرد والألف فرد. و «اتصال الخلق بالله» ، والله لا يتصل بالخلق ، فهم يحتاجون إليه وله غنى عنهم. وكذلك الألف لا يتصل بحرف ، فالحروف متصلة به ، وهو «منقطع عن غيره» ، والله باين بجميع صفاته من خلقه. و «معناه من الألفة» ، فكما أنّ الله سبب ألفة الخلق ، فكذلك الألف ، عليه تألّفت الحروف وهو سبب ألفتها (١).

وقالت الحكماء (٢) : عجز عقول الخلق في ابتداء خطابه ، وهو محل الفهم ، ليعلموا أن لا سبيل لأحد إلى معرفة حقائق خطابه إلّا بعلمهم بالعجز عن معرفة حقيقة خطابه.

وأما محل (الم) من الإعراب فرفع بالابتداء وخبره فيما بعده.

وقيل : (الم) ابتداء ، و (ذلِكَ) ابتداء آخر و (الْكِتابُ) خبره ، وجملة الكلام خبر الابتداء الأول (٣).

***

وهكذا ذكر أبو عبد الله الأنصاري القرطبي ذهاب لفيف من السلف إلى أنّ هذه الحروف رموز وأسرار استأثر الله بعلمها ، لا يعلمها إلّا الله ، قال :

اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور ؛ فقال عامر الشّعبيّ وسفيان الثّوري وجماعة من المحدّثين : هي سرّ الله في القرآن ، ولله في كلّ كتاب من كتبه سرّ. فهي من المتشابه الذي انفرد الله تعالى بعلمه ، ولا يجب أن يتكلّم فيها ، ولكن نؤمن بها ونقرأ كما جاءت.

وذكر أبو اللّيث السّمرقنديّ عن ابن مسعود أنّه قال : الحروف المقطّعة من المكتوم الذي لا يفسّر. وقال أبو حاتم : لم نجد الحروف المقطّعة في القرآن إلا في أوائل السّور ، ولا ندري ما أراد الله بها!

قال : ومن هذا المعنى ما ذكره أبو بكر ابن الأنباري بإسناده إلى سعيد بن مسروق عن الربيع بن

__________________

(١) لم نجد له مستندا ، وهو حديث غريب جدّا. (رواه عنه الطبرسي في مجمع البيان (١ : ٣٢ ـ ٣٣).

(٢) في تفسير السلمي : وقال بعض العراقيين : حيّر عقول الخلق في ابتداء خطابه ، وهو محلّ الفهم ، ليعلموا أن لا سبيل لأحد إلى معرفة حقائق خطابه إلّا بعلمهم بالعجز عن معرفة خطابه.

(٣) الثعلبي ١ : ١٣٦ ـ ١٤٠.

١٩٧

خثيم قال : إن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء ، وأطلعكم على ما شاء ، فأما ما استأثر به لنفسه فلستم بنائليه فلا تسألوا عنه ، وأما الذي أطلعكم عليه فهو الذي تسألون عنه وتخبرون به ، وما بكل القرآن تعلمون ، ولا بكل ما تعلمون تعملون. قال أبو بكر : فهذا يوضّح أنّ حروفا من القرآن سترت معانيها عن جميع العالم ، اختبارا من الله عزوجل وامتحانا ؛ فمن آمن بها أثيب وسعد ، ومن كفر وشكّ أثم وبعد.

وقال جمع من العلماء كبير : بل يجب أن نتكلّم فيها ، ونلتمس الفوائد التي تحتها ، والمعاني التي تتخرّج عليها ؛ واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة ؛ فروي عن ابن عبّاس : أنّ الحروف المقطّعة في القرآن اسم الله الأعظم ، إلّا أنّا لا نعرف تأليفه منها. وقال قطرب والفرّاء وغيرهما : هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحدّاهم بالقرآن ، أنّه مؤتلف من حروف هي التي منها بناء كلامهم ؛ ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجّة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم. قال قطرب : كانوا ينفرون عند استماع القرآن ، فلمّا سمعوا : (الم) و (المص) استنكروا هذا اللفظ ، فلما أنصتوا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ، ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجّة عليهم. وقال قوم : روي أن المشركين لمّا أعرضوا عن سماع القرآن بمكة وقالوا : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)(١) نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجّة. وقال جماعة : هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيّتها ؛ كقول ابن عبّاس وغيره : الألف من الله ، واللام من جبريل ، والميم من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل : الألف مفتاح اسمه : الله ، واللام مفتاح اسمه : لطيف ، والميم مفتاح اسمه : مجيد. وروى أبو الضّحى عن ابن عبّاس في قوله : (الم) قال : أنا الله أعلم ، (الر) أنا الله أرى ، (المص) أنا الله أفصّل. فالألف تؤدّي عن معنى أنا ، واللام تؤدّي عن اسم الله ، والميم تؤدّي عن معنى أعلم. واختار هذا القول الزجّاج وقال : أذهب إلى أنّ كلّ حرف منها يؤدّي عن معنى ؛ وقد تكلّمت العرب بالحروف المقطّعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها ، كما سبق (٢).

وإليك أمّهات الأقوال في هذه الحروف ـ حسبما ورد في الروايات ـ :

__________________

(١) فصّلت ٤١ : ٢٦.

(٢) القرطبي ١ : ١٥٤ ـ ١٥٥.

١٩٨

القول بأنّها أقسام أقسم الله بها

[م / ٢٠٣] أخرج ابن جرير بإسناده إلى عكرمة قال : (الم) قسم (١).

[م / ٢٠٤] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن ابن عبّاس في قوله (الم) و (المص) و (الر) و (المر) و (كهيعص) و (طه) و (طسم) و (طس) و (يس) و (ص) و (حم) و (ق) و (ن) قال : هو قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله (٢).

القول بأنّها تشكّل الاسم الأعظم

[م / ٢٠٥] أخرج ابن جرير بإسناده إلى ابن مسعود في قوله (الم) قال : هو اسم الله الأعظم (٣).

[م / ٢٠٦] وأخرج ابن أبي شيبة في تفسيره وعبد بن حميد وابن المنذر عن عامر. انه سئل عن فواتح السور نحو (الم) و (الر) قال : هي أسماء من أسماء الله مقطعة بالهجاء ، فإذا وصلتها كانت أسماء من أسماء الله (٤).

[م / ٢٠٧] وروى الصدوق بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (الم) هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطّع في القرآن ؛ الذي يؤلّفه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام ، فإذا دعى به أجيب (٥).

[م / ٢٠٨] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدّي قال : بلغني عن ابن عبّاس في قوله (الم) و (حم) و (طس) قال : هي اسم الله الأعظم (٦).

[م / ٢٠٩] وروى عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن المفضّل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : (الم) وكلّ حرف في القرآن ، مقطّعة من حروف اسم الله الأعظم الذي يؤلّفه الرسول والإمام عليهما‌السلام فيدعو به فيجاب (٧).

__________________

(١) الطبري ١ : ١٣٠ / ١٩٢ ؛ الدرّ ١ : ٥٧ ؛ معاني القرآن ١ : ٧٤ ـ ٧٥.

(٢) الدرّ ١ : ٥٦ ـ ٥٧ ؛ الأسماء والصفات ١ : ١٥٣.

(٣) الطبري ١ : ١٣٠ / بعد حديث ١٨٩ ؛ الدرّ ١ : ٥٧.

(٤) الطبري ٧ : ١٠٦ / ١٣٥٩٣ ؛ الدرّ ١ : ٥٧.

(٥) معاني الأخبار : ٢٣ / ٢.

(٦) الدرّ ١ : ٥٧ ؛ الطبري ١ : ١٣٠ / ١٨٩ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٢ / ٤٤.

(٧) تأويل الآيات ١ : ٣١ / ١. وراجع : القميّ ٢ : ٢٦٧ ، سورة الشورى.

١٩٩

[م / ٢١٠] وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن السدّي قال : فواتح السور كلّها من أسماء الله (١).

[م / ٢١١] وأخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال : فواتح السور أسماء من أسماء الله (٢).

القول بأنّها أسماء السور

[م / ٢١٢] أخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال (الم) ونحوها أسماء السور (٣).

القول بأنّها أسماء القرآن

[م / ٢١٣] أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله (الم) قال : اسم من أسماء القرآن (٤).

[م / ٢١٤] وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (الم) قال : اسم من أسماء القرآن (٥).

القول بأنّها هجاء موضوع افتتح بها السور

[م / ٢١٥] أخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : فواتح السور كلها (الم) و (المر) و (حم) و (ق) وغير ذلك هجاء موضوع (٦).

__________________

(١) الدرّ ١ : ٥٧ ؛ الأسماء والصّفات ١ : ١٥٤ ؛ ابن كثير ١ : ٣٨ ، نقلا عن سالم بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الرحمان السّدي الكبير ؛ الطبري ١ : ١٣٠ / ١٩٠.

(٢) الدرّ ١ : ٥٧.

(٣) الدرّ ١ : ٥٧ ؛ الطبري ١ : ١٣٠ / ١٨٨ ، بلفظ : سألت عبد الرحمان بن زيد بن أسلم عن قول الله الم. ذلِكَ الْكِتابُ والم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ و (المر تِلْكَ) فقال : قال أبي : إنّما هي أسماء السور ؛ القرطبي ١ : ١٥٦ ؛ ابن كثير ١ : ٣٨ ؛ التبيان ١ : ٤٧ ، نقلا عن زيد بن أسلم والحسن ـ قال الشيخ الطوسي رحمه‌الله في ص ٤٨ : واحسن الوجوه التي قبلت قول من قال : إنّها أسماء للسور خص الله تعالى بها بعض السور بتلك كما قيل للمعوذتين : المقشقشتان ؛ مجمع البيان ١ : ٧٥ ، بلفظ : إنّها أسماء السور ومفاتحها ـ عن الحسن وزيد بن أسلم ـ قال الطبرسي رحمه‌الله في ص ٧٧ : أجود هذه الأقوال القول المحكي عن الحسن ؛ أبو الفتوح ١ : ٩٦.

(٤) الدرّ ١ : ٥٧ ؛ الطبري ١ : ١٢٩ / ١٨٥ ، وفي الحديث رقم ١٨٦ : نقلا عن ابن جريج ؛ التبيان ١ : ٤٧ ؛ أبو الفتوح ١ : ٩٦.

(٥) الدرّ ١ : ٥٧ ؛ عبد الرزاق ١ : ٢٥٨ ؛ الطبري ١ : ١٢٩ / ١٨٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٣٣ / ٥٠ ، نقلا عن مجاهد وقتادة وزيد بن أسلم ؛ القرطبي ١ : ١٥٦ ؛ التبيان ١ : ٤٧. عن قتادة ومجاهد وابن جريج.

(٦) الدرّ ١ : ٥٧ ؛ الطبري ١ : ١٣١ / ١٩٧ ؛ ابن كثير ١ : ٣٩ ؛ التبيان ١ : ٤٨ ، بلفظ : قال بعضهم : هي حروف هجاء موضوعة. روى ذلك عن مجاهد.

٢٠٠