التفسير الأثري الجامع - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-94552-4-8
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٤١٦

الثامن عشر ، المدلّس عمّن لم يره ، كالحجّاج بن أرطاة وذويه (١) ، كانوا يحدّثون عن أناس لم يروه ويدلّسون حتّى لا يعلم ذلك منهم.

قال أبو حاتم : حدّثني محمّد بن المنذر عن عمر بن شبّة عن زيد بن يحيى الأنماطي عن شعبة عن عمرو بن مرّة عن عبد الله بن أبي أوفى ـ الصحابي ـ قال : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : أللهمّ صلّ على آل فلان ...

قال أبو حاتم : فحدّثت به الحجّاج بن أرطاة ، فقال : هذا أصل. ثمّ بعد مدّة سمعته يحدّث بذلك عن عمرو بن مرّة. فقلت : سمعته منه؟ قال : إذا حدّثتني به فلا أبالي أن لا أسمعه. وفي المحدّثين من على مثاله كثير.

قال ابن حبّان : كان أحمد بن عبد الله بن حكيم أبو عبد الرحمان الفرياناني المروزي ، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم وعن غير الأثبات ما لم يحدّثوا به (٢). وكان أحمد بن عبد الله بن ميسرة النهاوندي يأتي عن الثقات ما ليس من حديثهم ويسرق الحديث (٣).

التاسع عشر ، المبتدع إذا كان داعية يدعو الناس إلى بدعته حتّى صار إماما يقتدى به في بدعته ويرجع إليه في ضلالته. قال عبد الله بن يزيد المقري : سمعت رجلا من أهل البدع وقد رجع عن بدعته ، يقول : انظروا هذا الحديث ممّن تأخذون ، فإنّا كنّا إذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا.

العشرون ، القصّاص والسّؤّال كانوا يضعون أحاديث هي أشبه بالأقاصيص الصبيانيّة ، استجلابا للعوامّ واستدرارا لما في أيديهم من نقود وحطام.

وقد أتينا على ذكر هؤلاء وأمثالهم في عرضنا لآفات التفسير من كتابنا «التفسير والمفسّرون» فلا نطيل.

قال أبو حاتم : فمن هاهنا وجب التفتيش والتنقير عن أصل كلّ رواية والبحث عن كلّ راو في

__________________

(١) هو : حجّاج بن أرطاة بن ثور النخعي أبو أرطاة الكوفي القاضي. يروي عن الزهري ومكحول ويحيى بن كثير ، ولم يسمع منهم ، قال العجلي : كان فقيها وكان أحد مفتيّ الكوفة ، وكان فيه تيه وكان يقول : أهلكني حبّ الشرف. وولّي قضاء البصرة. وإنّما يعيب الناس منه التدليس. وقال يعقوب بن شيبة. واهي الحديث ، في حديثه اضطراب كثير. وقال البزّار : كان حافظا مدلّسا وكان معجبا بنفسه. قالوا : كان فيه تيه لا يليق بأهل العلم. وقال إسماعيل القاضي : مضطرب الحديث لكثرة تدليسه. وقال محمّد بن نصر : الغالب على حديثه الإرسال والتدليس وتغيير الألفاظ. (تهذيب التهذيب ٢ : ١٩٨ / ٣٦٥). وقال الأصمعي : أوّل من ارتشى بالبصرة من القضاة ، حجّاج بن أرطاة. (ميزان الاعتدال ١ : ٤٥٩ / ١٧٢٦).

(٢) لسان الميزان ١ : ١٩٥ / ٦١٢.

(٣) المصدر : ٦١٣.

١٤١

النقل ، حتّى لا يتقوّل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يقل (١).

قلت : لا شكّ أنّ إسناد حديث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الإيقان بصحّة الإسناد إليه ، قد يعدّ افتراء عليه ـ والعياذ بالله ـ

[م / ١٠٦] وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلّ ما سمع» (٢).

الكذّابون على الأئمّة

وكما كان كذّابون يكذبون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك كان كذّابون يكذبون على الأئمّة من عترته الطاهرة :

[م / ١٠٧] روى الكشّي بإسناده إلى ابن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّا أهل بيت صادقون ، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ، فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصدق البريّة لهجة ، وكان مسيلمة يكذب عليه. وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه بما يفترى عليه من الكذب ، عبد الله بن سبا».

ثمّ ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام الحارث الشامي (٣) وبنانا (٤) كانا يكذبان على عليّ بن الحسين عليه‌السلام.

__________________

(١) كتاب المجروحين ١ : ٦٢ ـ ٨٨.

(٢) معاني الأخبار : ١٥٨ ـ ١٥٩ / ١ ؛ البحار ٢ : ١٥٩ / ٥.

(٣) هو : الحارث بن سعيد من أهل دمشق ، كان ظاهر التنسّك والتخشّع واعتلا بنفسه وأغواه الشيطان ، فكان يزعم أنّه يأتيه الوحي ويأتي بالمعجزات وكان يجئ إلى أهل المسجد فيريهم الأعاجيب ، وبلغ خبره عبد الملك فطلبه فهرب إلى بيت المقدس واختفى فيه ، فلم يزالوا يطلبونه إلى أن قبض عليه وأمر عبد الملك بصلبه ثمّ أمر بطعنه حتّى مات. ذكره ابن الجوزي في المنتظم في حوادث سنة (٦٩). (لسان الميزان ٢ : ١٥١ / ٦٦٩).

(٤) والصحيح : بيان بن سعيد التبّان النهدي من بني تميم. ادّعى أنّه قد حلّ في عليّ عليه‌السلام جزء إلهي. وكان يتأوّل الآية (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) (الزخرف ٤٣ : ٨٤) بأنّ إله السماء غير إله الأرض وأنّه أعظم منه. قال الذهبي : إنّ بيانا قال بإلهيّة عليّ عليه‌السلام وأنّ فيه جزءا إلهيّا متّحدا بناسوته. ثمّ من بعده في ابنه محمّد بن الحنفيّة ثمّ في أبي هاشم ابنه ، ثمّ من بعده في نفسه. وقال النوبختي : كان بيان ادّعى أنّ أبا محمّد علي بن الحسين أوصى إليه.

وهكذا روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : كان بيان يكذب على أبي وقال الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : ما أحد اجترأ أن يتعمّد الكذب علينا إلّا أذاقه الله حرّ الحديد ، وأنّ بيانا كذب على عليّ بن الحسين ، فأذاقه الله حرّ الحديد. أخذه خالد القسري وصلبه ثمّ أحرقه بالنار هو وأصحابه وهم خمسة عشر رجلا. (قاموس الرجال ٢ : ٤٠٠ ـ ٤٠٥ / ١٢٠٦).

وهكذا جاء في رواية السبعة : بيان ، بالياء. (رجال الكشّي ٢ : ٥٧٧ / ٥١١).

١٤٢

ثمّ ذكر : المغيرة بن سعيد (١) ، وبزيعا (٢) ، والسرّي (٣) ، وأبا الخطاب (٤) ، ومعمرا (٥) ، وبشّارا الشعيري (٦) ، وحمزة الزبيدي (٧) ، وصائد النهدي (٨).

ثمّ قال : «لعنهم الله ، إنّا لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ، أو عاجز الرأي ، كفانا الله مؤونة كلّ كذّاب وأذاقهم الله حرّ الحديد» (٩).

__________________

(١) هو : أبو عبد الله البجلي كان يكذب على الأئمّة ويدسّ في أحاديثهم الكفر والزندقة. فورد اللعن بشأنه (قاموس الرجال ١٠ : ١٨٨ / ٧٦٨٧) وسيأتي الحديث عنه بتفصيل.

(٢) ويقال له : بزيع الحائك من أصحاب المغيرة بن سعيد ، وكان يدّعي النبوّة. وقد أهدر الإمام الصادق عليه‌السلام دمه (الكافي ٧ : ٢٥٨ / ١٣). وقتل على زندقته. روى الكشّي بإسناده إلى ابن أبي يعفور قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : ما فعل بزيع؟ فقلت له : قتل. فقال : الحمد لله ، أما إنّه ليس لهؤلاء المغيريّة شيء خير من القتل ، لأنّهم لا يتوبون أبدا. (معجم رجال الحديث ٣ : ٢٩٦ / ١٦٨٥ وقاموس الرجال ٢ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ / ١٠٨١).

(٣) ولعلّه : السرّي بن عبد الله السلمي. قال الذهبي : روى عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام. لا يعرف ، وأخباره منكرة. (ميزان الاعتدال ٢ : ١١٨ / ٣٠٩٠). روى الكشّي بإسناده إلى هشام بن الحكم عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ بيانا والسرّي وبزيعا ـ لعنهم الله ـ تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدميّ من قرنه إلى سرّته. (رجال الكشّي ٢ : ٥٩٢ / ٥٤٧).

(٤) هو : محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي ويكنّى أبا زينب. غال كذّاب يروي المناكير ولا سيّما في أخريات حياته. وقد ورد اللعن بشأنه (قاموس الرجال ٩ : ٥٩٤ / ٧٢٩٣) وسيأتي الحديث عنه.

(٥) قال العلّامة : وأظنّه معمر بن خثيم ، كان هو وأخوه سعيد بن خثيم من دعاة زيد. رويا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. قال في ترجمة سعيد : أبو معمر الهلالي ضعيف هو وأخوه. (رجال العلّامة : ٢٢٦ و ٢٦١ ، القسم الثاني).

(٦) جاء هنا مصحّفا : الأشعري. والصحيح ما أثبتناه بدليل ما يأتي في بشّار الشعيرى ، أسند النجاشي إلى مرازم ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام من بشّار؟ قلت : بيّاع الشعير. قال : لعن الله بشّارا ... قال : يا مرازم ، قل لهم : ويلكم توبوا إلى الله ، فإنّكم كافرون مشركون. ومقالة بشّار هي مقالة العلياوية ، يقولون : إنّ عليّا عليه‌السلام هرب وظهر بالعلويّة الهاشميّة ، وأظهر أنّه عبده ورسوله بالمحمديّة. فوافق أصحاب أبي الخطّاب في أربعة أشخاص : علي وفاطمة والحسن والحسين. وأنّ أشخاص الثلاثة (فاطمة والحسن والحسين) تلبيس ، والحقيقة : شخص عليّ ، لأنّه أوّل هذه الأشخاص في الإمامة. وأنكروا شخص محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى خرافات أخرى. وقد تبرّأ منه الإمام الصادق عليه‌السلام وقال : إنّ بشّار الشعيري شيطان بن شيطان ، فاحذروه. وأخرجه من الدار وقال : أخرج عنّي ، لعنك الله. لا والله لا يظلّني وإيّاك سقف بيت أبدا. (رجال الكشي ٢ : ٧٠١ / ٧٤٣ ـ ٧٤٦ ؛ معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٥١).

(٧) هو : حمزة بن عمارة البربري. كان يزعم أنّ أبا جعفر الباقر عليه‌السلام يأتيه كلّ ليلة ، فكذّبه الإمام الصادق عليه‌السلام وقال : كذب والله ، لا يأتيه إلّا المتلوّن ، إنّ إبليس سلّط شيطانا يأتي الناس في أبرّ صورة شاء. والله ، ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي. ما يقدر إبليس أن يتمثّل في صورة نبيّ. ولا وصيّ نبيّ وقد تبرّأ منه الشيعة سوى رجلين من نهد : الصائب وبيان. (قاموس الرجال ٤ : ٤١ / ٢٤٥٧).

(٨) روى الكشّي بإسناده إلى بريد العجلي قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ. تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (الشعراء ٢٦ : ٢٢١ ـ ٢٢٢) قال : هم سبعة : المغيرة بن سعيد وبيان وصائد النهدي والحارث الشامي وعبد الله ابن الحارث وحمزة بن عمارة البربري وأبو الخطاب. (رجال الكشّي ٢ : ٥٧٧ / ٥١١ و ٥٩١ / ٥٤٣ ، عبد الله بن عمرو بن الحارث. وسنذكره).

(٩) رجال الكشّي ٢ : ٥٩٣ / ٥٤٩.

١٤٣

[م / ١٠٨] وروى الكشّي بإسناده إلى أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ الحكم بن عتيبة (١) ، وسلمة (٢) ، وكثيرا (٣) ، وأبا المقدام (٤) ، والتمّار يعنى سالما (٥) ، أضلّوا كثيرا ممّن ضلّ من هؤلاء (إشارة إلى المفوّضة والغلاة) وإنّهم ممّن قال الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)» (٦).

[م / ١٠٩] روى ابن بابويه الصدوق بإسناده إلى الحسن بن عليّ بن فضّال عن داوود بن أبي يزيد عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ. تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)(٧) ، قال : «هم سبعة : المغيرة وبيان وصائد وحمزة بن عمارة البربري والحارث الشامي

__________________

(١) هو : الحكم بن عتيبة بن النحاس بن حنظلة ، كان قاضيا بالكوفة معروفا. وكان بتريّا (راجع تفسير البتريّة : رجال الكشّي ٢ : ٤٩٩ / ٤٢٢). والبتريّة هم أصحاب كثير النوا ، جمعوا في الولاء بين المؤالف والمخالف. وكان الصادق عليه‌السلام يرى أنّ الحكم هذا يكذب على أبيه الباقر عليه‌السلام روى الكشّي (٢ : ٤٦٨ / ٣٦٨) بالإسناد إلى عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة ويعقوب الأحمر ، قالوا : كنّا جلوسا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل زرارة بن أعين ، فقال له : إنّ الحكم بن عتيبة روى عن أبيك أنّه قال له : صلّ المغرب دون المزدلفة! فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام بأيمان ثلاثة : ما قال أبي هذا قطّ ، كذب الحكم بن عتيبة على أبي!!

(٢) هو : سلمة بن كهيل بن الحصين أبو يحيى الحضرمي الكوفي تابعي. وكان بتريّا. روى الكليني بإسناده إلى أبي مريم قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : شرّقا وغرّبا ، فلا تجدان علما صحيحا إلّا شيئا خرج من عندنا أهل البيت (الكافي ١ : ٣٩٩ / ٣ ؛ معجم رجال الحديث ٨ : ٢٠٨ / ٥٣٧١).

(٣) هو : أبو إسماعيل كثير بن قاروند الكوفي الملقّب بالنوا ، أي بيّاع نواة التمر لعلف الدوابّ. قال ابن حجر : سكن البصرة. وهو عزيز الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. عدّه الشيخ في رجال الصادق عليه‌السلام هكذا. وأيضا ذكره في رجال الباقر عليه‌السلام وقال : بتريّ. وكان سيّئ الظنّ بالأئمّة ، ووردت في ذمّه روايات. منها ما رواه أبو بكر الحضرمي عن الصادق عليه‌السلام قال : اللهمّ إنّي أبرأ إليك من كثير النوا ، برئ في الدنيا والآخرة.

راجع : رجال الشيخ : ١٣٤ و ٢٧٧ ؛ تهذيب التهذيب ٨ : ٤٢٥ / ٧٥٦ ؛ قاموس الرجال ٨ : ٥٦١ / ٦١١٧ ؛ رجال الكشّي ٢ : ٥٠٩ ـ ٥١١ / ٤٣٩ ـ ٤٤٢.

(٤) هو : ثابت بن هرمز أبو المقدام الحدّاد الفارسي من أصحاب السجّاد والباقر والصادق عليهم‌السلام كما وصفه الشيخ في رجاله. قال العلّامة في القسم الثاني من الخلاصة : ٢٠٩ : زيدي بتري. قال ابن حجر : وقد وثقه أصحاب التراجم ولم يضعّفه أحد سوى الدارقطني (تهذيب التهذيب ٢ : ١٦ / ٢٥).

وفي رواياتنا بشأنه اختلاف ، ومع ذلك فإنّ له نسخة عن الإمام السجّاد عليه‌السلام وله ولابنه (عمرو بن ثابت) عنه روايات اعتمدها الأصحاب في كتبهم المعتبرة لابن قولويه وابن بابويه الصدوق والكليني والشيخ ، الأمر الذي يدلّ على حسن حاله ، ولعلّه رجع عمّا كان عليه ، ولله عاقبة الأمور. راجع : معجم رجال الحديث ٣ : ٣٩٨ / ١٩٧١ ؛ قاموس الرجال ٢ : ٤٧٠ / ١٢٨٨.

(٥) هو : سالم بن أبي حفصة التمّار المتقدّم.

(٦) رجال الكشّي ٢ : ٥٠٩ / ٤٣٩. والآية من سورة البقرة ٢ : ٨.

(٧) الشعراء ٢٦ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

١٤٤

وعبد الله بن الحارث (١) وأبو الخطّاب» (٢).

[م / ١١٠] وروى الكشّي بإسناده إلى محمّد بن عيسى بن عبيد عن أخيه جعفر وأبي يحيى الواسطي : أنّ أبا الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «كان بيان يكذب على عليّ بن الحسين عليه‌السلام فأذاقه الله حرّ الحديد. وكان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر عليه‌السلام فأذاقه الله حرّ الحديد. وكان محمّد بن بشير (٣) يكذب على أبى الحسن موسى عليه‌السلام فأذاقه الله حرّ الحديد ، والذي يكذب عليّ محمّد بن فرات».

قال أبو يحيى : وكان محمّد بن فرات من الكتّاب ، فقتله إبراهيم بن شكلة (٤).

ومحمّد بن فرات هذا كان من الغلاة وكان بغداديّا فاسد العقيدة متهتّكا لا يتورّع المحارم وكان يكذب على الإمام الرضا عليه‌السلام. قال ابن الغضائري : ضعيف ابن ضعيف لا يكتب حديثه.

روى الكشّي عن خطّ جبرئيل بن أحمد : أنّ محمّد بن فرات كان يغلو في القول وكان يشرب الخمر!

[م / ١١١] وعن يونس بن عبد الرحمان قال : قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «يا يونس! ألا ترى إلى محمّد بن فرات وما كان يكذب عليّ؟ فقلت : أبعده الله وأسحقه وأشقاه! فقال : قد فعل الله ذلك به ، أذاقه الله حرّ الحديد ، كما أذاق من كان قبله ممّن يكذب علينا.

ثمّ قال : يا يونس! إنّما قلت ذلك لتحذّر عنه أصحابي ، وتأمرهم بلعنه والبراءة منه ، فإنّ الله برئ منه».

كان محمّد بن فرات من أصحاب أبي الخطّاب.

[م / ١١٢] قال الرضا عليه‌السلام : «وما كذب علينا خطّابيّ مثل ما كذب محمّد بن فرات ... كان يدّعي

__________________

(١) جاء في رجال الكشّي ٢ : ٥٩١ / ٥٤٣ : وعبد الله بن عمرو بن الحارث. قال التستري : الصحيح هو : عبد الله بن الحارث. وذكر كلام النوبختي في كتاب الفرق : ٣٢ : إنّ أبا هاشم بن محمّد بن الحنفيّة أوصى إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وأنّ الله نور ، وهو في عبد الله بن معاوية. وهؤلاء أصحاب عبد الله بن الحارث ، فهم يسمّون «الحارثيّة» وكان ابن الحارث هذا من أهل المدائن ، وهم كلّهم غلاة ، يقولون : من عرف الإمام فليصنع ما شاء. (قاموس الرجال ٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ / ٤٢٤٨).

(٢) الخصال : ٤٠٢ / ١١١ ، أبواب السبعة.

(٣) عدّه الشيخ في أصحاب الكاظم عليه‌السلام قائلا : غال ملعون. وروى الكشّي : أنّه كان صاحب شعبذة ومخاريق وكان يقول بالوقف على موسى بن جعفر وأنّه غاب عن الأعين وأنّه المهدي القائم. وله مقالات فاسدة. (راجع : ترجمته في قاموس الرجال ٩ : ١٣٥ / ٦٤٨٩).

(٤) رجال الكشّي ٢ : ٥٩١ / ٥٤٤.

١٤٥

أنّه باب وأنّه يوحى إليه» (١).

[م / ١١٣] روى الكشّي بإسناده إلى مفضّل بن مزيد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام وذكر أصحاب أبي الخطّاب والغلاة ، فقال لي : «يا مفضّل! لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا تؤاثروهم» (٢).

[م / ١١٤] وبإسناده إلى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام وذكر الغلاة ، فقال : «إنّ فيهم من يكذب ، حتّى أنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه» (٣).

[م / ١١٥] وقال فيهم الصادق عليه‌السلام : «لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممّن ينتحل مودّتنا (٤). أي ليس مواليا ولكنّه يدّعي الموالاة عن إفك وزور!»

[م / ١١٦] وروى أبو جعفر الصدوق بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود عن الإمام الرضا عليه‌السلام في حديث طويل جاء فيه : «يا ابن محمود! لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس.

ثمّ قال : يا ابن محمود! إنّ مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا ، وجعلوها على ثلاثة أقسام : أحدها الغلوّ ، والثاني التقصير في أمرنا ، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا!

فإذا سمع الناس الغلوّ فينا ، كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا.

وإذا سمعوا التقصير ، اعتقدوه فينا.

وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ، ثلبونا (شتمونا) بأسمائنا. وقد قال الله عزوجل : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٥).

يا ابن محمود! إذا أخذ الناس يمينا وشمالا ، فألزم طريقتنا ، فإنّه من لزمنا لزمناه ، ومن فارقنا فارقناه» (٦).

__________________

(١) راجع : قاموس الرجال ٩ : ٥٠٦ / ٧١٥٣ ؛ رجال الكشّي ٢ : ٨٢٩ / ١٠٤٧ ـ ١٠٤٨.

(٢) رجال الكشّي ٢ : ٥٨٦ / ٥٢٥.

(٣) المصدر / ٥٢٦.

(٤) المصدر : ٥٩٦ / ٥٥٥.

(٥) الأنعام ٦ : ١٠٨.

(٦) عيون أخبار الرضا ١ : ٢٧٢ / ٦٣ ، باب ٢٨.

١٤٦

وذكر الكشّي : أنّ يحيى بن عبد الحميد الحمّاني (١) ذكر في كتابه المؤلّف لإثبات إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه سأل شريكا (٢) عن أقوام زعموا أنّ في جعفر بن محمّد ضعفا في الحديث؟! فقال : أخبرك القصّة :

كان جعفر بن محمّد رجلا صالحا مسلما ورعا ، فاكتنفه قوم جهّال يدخلون عليه ويخرجون من عنده ويقولون : حدّثنا جعفر بن محمّد ، ويحدّثون بأحاديث كلّها منكرات كذب موضوعة على جعفر. يستأكلون الناس بذلك ويأخذون منهم الدراهم ، فكانوا يأتون من ذلك بكلّ منكر. فسمعت العوامّ بذلك منهم ، فمنهم من هلك ومنهم من أنكر.

قال : وهؤلاء مثل المفضّل بن عمر (٣) ، وبيان ، وعمرو النبطي (٤) وغيرهم ، ذكروا أنّ جعفرا حدّثهم : أنّ معرفة الإمام تكفي من الصوم والصلاة. وحدّثهم عن أبيه عن جدّه وأنّه حدّثهم عن قبل القيامة ، وأنّ عليّا عليه‌السلام في السحاب يطير مع الريح ، وأنّه كان يتكلّم بعد الموت ، وأنّه كان يتحرّك على المغتسل ، وأنّ إله السماء [هو الله] وإله الأرض الإمام ، فجعلوا لله شريكا! جهّال ضلّال!

ثمّ قال : والله ما قال جعفر شيئا من هذا قطّ. كان جعفر أتقى لله وأورع من ذلك. قال : فسمع الناس ذلك فضعّفوه ، ولو رأيت جعفرا لعلمت أنّه واحد الناس (٥).

هذا المغيرة بن سعيد البجلي أبو عبد الله الكوفي ، كذّاب كان يضع الحديث مغالاة بشأن أئمّة

__________________

(١) بكسر الحاء وتشديد الميم ، نسبة إلى بنى حمّان ، قبيلة من تميم نزلت الكوفة. ويحيى هذا هو : الحافظ أبو زكريّا يحيى بن عبد الحميد بن عبد الله بن ميمون بن عبد الرحمان الحمّاني ، الكوفي صاحب المسند الكبير. كان من مشايخ الحديث وكان ثقة. ذكر ابن حجر أنّه كان يتشيّع وسأله أبو داوود عن حديث لعثمان ، فقال : أو تحبّ عثمان؟! وقال الدارميّ : سمعت ابن معين يقول : ابن الحمّانى صدوق مشهور بالكوفة. مثل ابن الحمّاني ، ما يقال فيه ، من حسد. وقال : صدوق ثقة. وكان هو أوّل من جمع المسند من الكوفيين ، فكانوا يحسدونه على فضله وتقدّمه. وكان عنده عن شريك النخعي سبعة آلاف حديث ، قد سمع منه الكثير واستملى عنه. وقال سهل بن المتوكّل : سمعت أحمد وقد سئل عن ابن الحمّاني فقال : قد سمع الحديث وجالس الناس ، وقوم يقولون فيه ، ما أدري ما يقولون؟! وقال مرّة : أكثر الناس فيه ، وما أدري ذلك إلّا من سلامة صدره (تهذيب التهذيب ١١ : ٢٤٣ / ٣٩٨).

(٢) هو : شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صاحب الصيت الكبير. كان حسن الحديث وكان أروى الناس. قال وكيع : لم يكن أحد أروى من الكوفيّين من شريك. ولد سنة ٩٠ ومات سنة ١٧٧. قال الساجي : كان ينسب إلى التشيّع المفرط. وكان فقيها وكان يقدّم عليّا عليه‌السلام ، على عثمان. ومن ثمّ عيب عليه. (تهذيب التهذيب ٤ : ٣٣٣ / ٥٧٧).

(٣) لعلّه كان فيه ارتفاع ، لكنّه رجع وتاب وأصبح من الموالين الثقات. وكان موضع عناية من الإمام الصادق عليه‌السلام وملجأ للشيعة في الكوفة حتّى توفّاه الله وأدخله رضوانه.

(٤) قد مرّ الحديث عن بيان التبّان. أمّا عمرو النبطي فلم يعرف.

(٥) رجال الكشّي ٢ : ٦١٦ ـ ٦١٧.

١٤٧

أهل البيت عليهم‌السلام وقد تبرّأوا منه وخذله الله.

[م / ١١٧] روى أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي في ترجمته بالإسناد إلى الإمام أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «كان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر الباقر عليه‌السلام فأذاقه الله حرّ الحديد».

[م / ١١٨] وبالإسناد إلى الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «لعن الله المغيرة بن سعيد ، إنّه كان يكذب على أبي (الإمام الباقر عليه‌السلام) فأذاقه الله حرّ الحديد. ثمّ قال عليه‌السلام : لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، ولعن الله من أزالنا عن العبوديّة لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده ناصيتنا».

[م / ١١٩] وبالإسناد إلى محمّد بن عيسى بن عبيد قال : سأل بعض أصحابنا يونس بن عبد الرحمان وأنا حاضر فقال له : يا أبا محمّد! ما أشدّك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا ، فما الذي يحملك على ردّ الأحاديث؟!

فقال : حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : «لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسنّة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد ـ لعنه الله ـ دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي. فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فإذا حدّثنا قلنا : قال الله عزوجل وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

[م / ١٢٠] وبالإسناد إلى يونس عن هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي ، ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلى أبي ، ثمّ يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثّوها في الشيعة ، فما كان في كتب أصحاب أبي من الغلوّ فذاك ممّا دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم.

وكان الإمام أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام حلف أن لا يدع المغيرة يدخل عليه أبدا ، وكان ساخطا عليه أكاذيبه وافتراءاته. وقال : مثله مثل بلعم باعورا ، الذي قال تعالى فيه : (الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ)» (١).

وكان من أكاذيبه ـ على ما ذكره الإمام الصادق عليه‌السلام ـ : أنّ نساء آل محمّد إذا حضن قضين

__________________

(١) العيّاشي ٢ : ٤٥ / ١١٨ ، والآية من سورة الأعراف ٧ : ١٧٥.

١٤٨

الصلاة (١).

وذكر أبو عبد الله الذهبي أنّه كان يقول : إنّ الله يأمر بالعدل : عليّ. والإحسان : فاطمة. وإيتاء ذي القربى : الحسن والحسين. وينهى عن الفحشاء والمنكر : قال : فلان أفحش الناس ، والمنكر : فلان.

قال الجوزجاني : قتل المغيرة على ادّعاء النبوّة ، كان أشعل النيران بالكوفة على التمويه والشعبذة حتّى أجابه خلق. قتله خالد بن عبد الله القسري في حدود سنة ١٢٠ (٢).

وهذا أبو الخطّاب محمّد بن أبي زينب مقلاص الكوفي البزّاز ، كان يبيع الأبراد ، مولى بني أسد. كان مستقيما فاختلط وأخذ في الغلوّ والارتفاع بشأن الأئمّة ، وحتّى أنّه قد أجاز لنفسه الكذب عليهم والدسّ والتزوير في أحاديثهم ، فورد لعنه والبراءة منه.

[م / ١٢١] روى الكشّي بالإسناد إلى يونس بن عبد الرحمان ، قال : وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ووجدت أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام متوافرين ، فسمعت منهم وأخذت كتبهم. فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام وقال لي : «إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد الله ، لعن الله أبا الخطّاب. وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن. فإنّا إن حدّثنا حدّثنا بموافقه القرآن وموافقة السنّة ، إنّا عن الله وعن رسوله نحدّث ، ولا نقول قال فلان وفلان ، فيتناقض كلامنا ، إنّ كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا ، وكلام أوّلنا مصادق لكلام آخرنا. وإذا أتاكم من يحدّثكم بخلاف ذلك فردّوه عليه ، وقولوا : أنت أعلم وما جئت به ، فإنّ مع كلّ قول منّا حقيقة وعليه نورا ، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه ، فذلك قول الشيطان» (٣).

وهذا أبو الجارود ويكنّى أبا النجم زياد بن المنذر العبدي ، الهمداني الخارفي المكفوف الملقّب بسرحوب (٤). كان رأس الزيديّة وإليه تنسب الفرقة الجاروديّة أو السّرحوبيّة. كان ممّن

__________________

(١) رجال الكشّي ٢ : ٤٨٩ ـ ٤٩٥.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ١٦٠ / ٨٧١٠.

(٣) رجال الكشّي ٢ : ٤٨٩ ـ ٤٩١ / ٤٠١.

(٤) قال الكشّي : حكي أنّ أبا الجارود سمّي سرحوبا ونسبت إليه السّرحوبيّة من الزيديّة. سمّاه بذلك أبو جعفر عليه‌السلام وذكر أنّ سرحوبا اسم شيطان أعمى يسكن البحر. وكان أبو الجارود مكفوفا أعمى البصر أعمى القلب (رجال الكشّي ٢ : ٤٩٥).

١٤٩

يكذب في الحديث ويغالي وقد تبرّأ منه الإمام الصادق عليه‌السلام مع نفرين كانا على شاكلته ، وصفهم الإمام بكذّابين ومكذّبين.

[م / ١٢٢] روى الكشّي بإسناده إلى زرعة عن سماعة عن أبي بصير ، قال : «ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام كثير النوا (١) وسالم بن أبي حفصة (٢) وأبا الجارود ، فقال : كذّابون مكذّبون ... قلت : جعلت فداك ، كذّابون قد عرفتهم ، فما معنى مكذّبون؟ قال : كذّابون يأتونا فيخبرونا أنّهم يصدقونا وليسوا كذلك ، ويسمعون حديثنا فيكذّبونا به».

[م / ١٢٣] وروى أيضا بالإسناد إليه قال : كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فمرّت بنا جارية معها قمقم فقلبته ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل إن كان قلب قلب أبي الجارود ، كما قلبت هذه الجارية هذا القمقم فما ذنبي!»

[م / ١٢٤] وبالإسناد إلى أبي أسامة قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما فعل أبو الجارود؟ أما والله لا يموت إلّا تائها» (٣).

[م / ١٢٥] وروى ابن النديم أنّ الإمام سأله عنه فقال : «ما فعل أبو الجارود؟ أرجا بعدما أولى إماما ، أنّه لا يموت إلّا بإمام؟ قال : لعنه الله ، فإنّه أعمى القلب أعمى البصر. وقال فيه محمّد بن سنان : أبو الجارود لم يمت حتّى شرب المسكر وتولّى الكافرين» (٤).

والذي نستخلصه من جميع مامّر : أنّ الوضع عن لسان الأئمّة ، ولا سيّما الإمامين الهمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام كان دارجا ذلك العهد ، إمّا لارتفاع في العقيدة الباطلة أو لغرض الاستئكال واستلاب أموال الضعفاء.

والأئمّة عليهم‌السلام لنباهتهم وحرصهم في الحفاظ على حقائق الدين دون أن يكدرها سفاسف المبطلين ، قاموا في وجههم وفضحوهم ولم يدعوا مجالا لتجوالهم ذلك البذيء.

الأمر الذي دعى بالأذكياء من علماء الأمّة ليبذلوا جهدهم في تنقيح وتهذيب أحاديث معزوّة إلى الأئمّة المعصومين ، وإيداعها مجاميع حديثيّة معتمدة ، أمثال المحمّدين الثلاثة (محمّد بن يعقوب الكليني : ٣٢٩. ومحمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق : ٣٨١. ومحمّد بن الحسن الطوسي :

__________________

(١) هو الحسن بن أبي صالح بتري زيدي قد تبرّأ منه الإمام الصادق عليه‌السلام (رجال الكشّي ٢ : ٥٠٩).

(٢) كان مرجيا وكان يعيّر على الإمام الصادق ويفتري عليه (الكشي ٢ : ٥٠١).

(٣) رجال الكشّي ٢ : ٤٩٥ ـ ٤٩٦ / ٤١٦.

(٤) الفهرست : ٢٦٧.

١٥٠

٤٦٠) ، في كتبهم الأربعة (الكافي الشريف. ومن لا يحضره الفقيه. وتهذيب الأحكام. والاستبصار).

وأصبحت هذه الكتب الأربعة هي مدار الفتيا والاستنباط عند الشيعة الإماميّة ، والمعتمد لفهم معالم الدين والوقوف على مبانيه الحكيمة ، حسب النصوص الواردة عن النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من عترته الطاهرين.

نعم بقيت آثار من تلك المهازيل السافلة ، تناقلتها كتب متفرّقة ، وأكثرها ساقطة عن الاعتبار ، ولكنّها مع الأسف وقعت مستند بعض أهل الظاهر من المفسّرين ، فخلطوا الحابل بالنابل ، ومن قبلهم جاءت مشكلة التفسير الروائي المعتمد على النقول.

ومن ثمّ فإنّ معرفة مواضع الدسّ في التفسير والعلم بأسباب الوضع في الحديث ، لغرض الحذر منها ومحاولة علاجها دون الوقوع في المهلكة ، لضرورة ملحّة يدعو إليها منهج التحقيق النزيه. فضلا عن وجوب الذبّ عن حريم القرآن والسنة الكريمة ، دون أن يشوبها أكدار أو يعلوها أدران ـ لا سمح الله.

وإليك الآن نماذج من أنماط الوضع في التفسير :

ما ورد بشأن فضائل السور

ذكرنا من عوامل الوضع في التفسير هو عامل الترغيب والترهيب ، تشويقا إلى حسنة أو تزهيدا عن سيّئة ، لا لسوء نيّة ، بل حسبة لله ، فيما حسبه بعض الصالحين ، ذهولا عن قباحة الكذب مهما كان نمطه وأيّا كان هدفه. قال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(١).

قال القرطبي : ومنهم جماعة وضعوا الحديث حسبة كما زعموا ، يدعون الناس إلى فضائل الأعمال. كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ، ومحمّد بن عكّاشة الكرماني ، وأحمد بن عبد الله الجويباري (٢) وأمثالهم.

قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عبّاس ، في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال : إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمّد بن إسحاق ،

__________________

(١) الكهف ١٨ : ١٠٤.

(٢) تقدّمت تراجمهم عند الكلام عن الوضع في التفسير.

١٥١

فوضعت هذا الحديث حسبة!

قال أبو عمرو عثمان بن الصلاح في كتاب «علوم الحديث» له : وهكذا الحديث الطويل الذي يروى عن أبيّ بن كعب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضائل القرآن سورة سورة ، وقد بحث باحث عن مخرجه ، حتّى انتهى إلى من اعترف بأنّه وجماعة وضعوه ، وإنّ أثر الوضع عليه لبيّن. وقد أخطأ الواحديّ المفسّر وغيره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم (١).

[م / ١٢٦] روى ابن الجوزي عن طريق ابن المبارك ، بإسناده إلى محمّد بن بكّار قال : حدّثنا بزيع بن حسّان أبو الخليل عن عليّ بن زيد بن جدعان ، وعطاء بن أبي ميمون ، كلاهما عن زرّ بن حبيش عن أبيّ بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا أبيّ ، من قرأ فاتحة الكتاب ، أعطي من الأجر ... فذكر سورة سورة وثواب تاليها إلى آخر القرآن» (٢).

[م / ١٢٧] وأيضا بإسناده إلى مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد بن جدعان وعطاء عن زرّ بن حبيش عن أبيّ بن كعب قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرض عليّ القرآن في السّنة التي مات فيها مرّتين وقال : إنّ جبرائيل عليه‌السلام أمرني أن أقرأ عليك القرآن ، وهو يقرئك السّلام!

فقال أبيّ : فقلت لمّا قرأ عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كما كانت لي خاصّة ، فخصّني بثواب القرآن ممّا علّمك الله وأطلعك عليه!

قال : نعم يا أبيّ! أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب ، أعطي من الأجر كأنّما قرأ ثلثي القرآن ، وأعطي من الأجر كأنّما تصدّق على كلّ مؤمن ومؤمنة.

ومن قرأ آل عمران ، أعطي بكلّ آية منها أمانا على جسر جهنّم.

ومن قرأ سورة النساء ، أعطي من الأجر كأنّما تصدّق على كلّ من ورثه ميراثا.

ومن قرأ المائدة ، أعطي عشر حسنات ومحي عنه عشر سيّئات ورفع له عشر درجات ، بعدد كلّ يهوديّ ونصرانيّ تنفّس في الدنيا!

ومن قرأ سورة الأنعام ، صلّى عليه سبعون ألف ملك.

ومن قرأ سورة الأعراف ، جعل الله بينه وبين إبليس [حجابا].

ومن قرأ الأنفال ، أكون له شفيعا وشاهدا وبرئ من النفاق.

__________________

(١) القرطبي ١ : ٧٨ ـ ٧٩.

(٢) الموضوعات ١ : ٢٣٩.

١٥٢

ومن قرأ يونس ، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من كذّب بيونس وصدّق به ، وبعدد من غرق مع فرعون!!

ومن قرأ سورة هود ، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق نوحا وكذّب به!!

وذكر في كلّ سورة ثواب تاليها إلى آخر القرآن.

وقد فرّق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره ، فذكر عند كلّ سورة منه ما يخصّها. وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك.

قال ابن الجوزي : ولا أعجب منهما ، لأنّهما ليسا من أصحاب الحديث (١) ، وإنّما عجبت من أبي بكر بن أبي داوود ، كيف فرّقه على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن ، وهو يعلم أنّه حديث محال.

قال : ولكن شره جمهور المحدّثين ، فإنّ من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل! وهذا قبيح منهم ،

[م / ١٢٨] لأنّه قد صحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من حدّث عنّي حديثا وهو يرى أنّه كذب ، فهو أحد الكاذبين» (٢).

وهذا ـ حديث فضائل السور ـ مصنوع بلا شكّ! وفي إسناد الطريق الأوّل بزيع بن حسّان (٣). قال الدارقطني : وهو متروك.

وفي الطريق الثاني مخلد بن عبد الواحد (٤). قال ابن حبّان : منكر الحديث جدّا ، ينفرد بمناكير لا تشبه أحاديث الثقات!

__________________

(١) أي من أصحاب نقد الحديث وتمحيصه.

(٢) أخرجه الترمذي ٤ : ١٤٣ / ٢٧٩٩ ، في كتاب العلم.

(٣) قال ابن حبّان : يأتي عن الثقات بأشياء موضوعات كأنّه المتعمّد لها. وقال ابن عديّ : له مناكير لا يتابع عليها. قال البرقاني عن الدارقطني : متروك ، قلت : له عن هشام عجائب! قال : هي بواطيل ، ثمّ قال : كلّ شيء له باطل. وقال الحاكم : يروي أحاديث موضوعة ويرويها عن الثقات. وقال عليّ بن الحسن بن شقيق : سمعت عبد الله بن المبارك يقول : حديث أبيّ بن كعب ـ في فضائل السور ـ أظنّ الزنادقة وضعته. (لسان الميزان ٢ : ١٢ / ٣٨).

(٤) هو : أبو الهذيل البصري. قال ابن حبّان : منكر الحديث جدّا ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات ، فبطل الاحتجاج به. (كتاب المجروحين ٣ : ٤٣). قال الذهبي : وروى عنه شبابة بن سوّار عن ابن جدعان ، وعن عطاء بن أبي ميمون عن زرّ بن حبيش عن أبيّ ابن كعب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك الخبر الطويل الباطل في فضل السّور ، فما أدري من وضعه ، إن لم يكن مخلد افتراه. حدّث به الخطيب عن ابن رزقويه عن ابن السماك عن عبد الله بن روح المدائني عن شبابة. قال محمّد بن إبراهيم الكناني : سألت أبا حاتم عن حديث شبابة عن مخلد : من قرأ سورة كذا. فله كذا. فقال : ضعيف. (ميزان الاعتدال ٤ : ٨٣ / ٨٣٩٠).

١٥٣

وقد اتّفق بزيع ومخلد على رواية هذا الحديث عن عليّ بن زيد (١) ، وقد قال أحمد ويحيى : عليّ بن زيد ليس بشيء.

قال : وبعد هذا فنفس الحديث يدلّ على أنّه مصنوع ، فإنّه عدّد السور واحدة واحدة ، وذكر لكل واحدة منها ما يناسبها من الثواب ، ولكن بكلام ركيك في نهاية البرودة ، لا يناسب كلام رسول الإسلام ، النبيّ العربيّ الصميم (٢).

قلت : لا شكّ إنّه من وضع من يحاول الشين بالإسلام ، وقد صحّ قول ابن المبارك ـ بشأن

__________________

(١) هو : عليّ بن زيد بن عبد الله بن زهير أبي مليكة بن جدعان ، أبو الحسن القرشي التيمي البصري ، أحد علماء التابعين. روى عن أنس وأبي عثمان النهدي وسعيد بن المسيّب. وعنه شعبة وعبد الوارث وخلق. اختلفوا فيه. قال شعبة : حدّثنا عليّ بن جدعان قبل أن يختلط. وكان ابن عيينة يضعّفه. وقال حمّاد بن زيد : كان يقلب الأسانيد. وكان يحيى القطّان يتّقي الحديث عن عليّ بن جدعان. وقال ابن زريع : كان عليّ بن زيد رافضيّا. وقال أحمد : ضعيف. وقال يحيى : ليس بشيء. وقال العجلي : كان يتشيّع ، وليس بالقويّ. وقال البخاري وأبو حاتم : لا يحتجّ به. وقال الفسوي : اختلط في كبره. وقال ابن خزيمة : لا أحتجّ به لسوء حفظه. وقال الدارقطني : عندي فيه لين. (ميزان الاعتدال ٣ : ١٢٩ / ٥٨٤٤).

(٢) إذ أيّ مفهوم لقوله ـ في ثواب قراءة المائدة ـ : رفع له عشر درجات بعدد كلّ يهوديّ ونصرانيّ تنفّس في الدنيا؟! وقوله ـ في ثواب سورة يونس ـ : بعدد من كذّب بيونس وبعدد من غرق مع فرعون؟! وهكذا سائر التعابير التي تبدو عليها ركّة وشناعة.

وفيه أيضا : من قرأ سورة الرعد أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ سحاب مضى وكل سحاب يكون (الثعلبي ٥ : ٢٦٧ ومجمع البيان ٦ : ٥).

ومن قرأ سورة إبراهيم والحجر أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من عبد الأصنام وبعدد من لم يعبدها. (الثعلبي ٥ : ٣٠٤ ؛ مجمع البيان ٦ : ٥٥).

ومن قرأ سورة مريم أعطي من الأجر بعدد من صدّق بزكريّا وكذّب به ، ويحيى ومريم وعيسى وموسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر حسنات ، وبعدد من دعى لله ولدا وبعدد من لم يدع له ولدا. (الثعلبي ٦ : ٢٠٥ ؛ مجمع البيان ٦ : ٣٩٧).

ومن قرأ سورة الفرقان بعث يوم القيامة وهو يؤمن [حينذاك!] وأنّ السّاعة آتية لّا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور؟! (الثعلبي ٧ : ١٢٢ ؛ مجمع البيان ٧ : ٢٧٨).

ومن قرأ سورة الصافّات أعطي من الأجر بعدد كلّ جنيّ وشيطان. (الثعلبي ٨ : ١٣٨ ؛ مجمع البيان ٨ : ٢٩٣).

ومن قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح!؟ (الثعلبي ١٠ : ٤٣ ؛ مجمع البيان ١٠ : ١٣٠).

ومن قرأ سورة المرسلات كتب أنّه ليس من المشركين! (الثعلبي ١٠ : ١٠٨ ؛ مجمع البيان ١٠ : ٢٢٧).

ومن قرأ سورة الانفطار أعطاه الله من الأجر بعدد كلّ قبر حسنة!! (الثعلبي ١٠ : ١٤٥ ؛ مجمع البيان ١٠ : ٢٨٣).

ومن قرأ سورة العاديات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة! (الثعلبي ١٠ : ٢٦٨ ؛ مجمع البيان ١٠ : ٤٢١).

ومن قرأ سورة تبّت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة!! (الثعلبي ١٠ : ٣٢٣ ؛ مجمع البيان ١٠ : ٤٧٤).

إلى غيرها من سفاسف هي أشبه بالمهازل ، وتتحاشاها بداعة كلام الرسول وبراعته الفائقة!

١٥٤

حديث أبيّ هذا ـ : «أظنّ الزنادقة وضعته» (١).

قلت : ويبدو غريبا أن لا ذكر لسورة البقرة في هذا الأثر ، ولعلّها على كبر حجمها تغوفلت أو تنوسيت وذهبت عن ذاكرة جاعل الأثر!

ولكن هناك خبر آخر تدارك هذه الثلمة بأكذوبة أغرب وأشنع :

[م / ١٢٩] فقد روى الدارقطني عن أبي حاتم قال : روى يعقوب بن الوليد المدني عن موسى ابن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو تمّت البقرة ثلاثمائة آية ، لتكلّمت البقرة مع الناس!!؟؟».

يالله والعجب ، ولكانت البقرة ردف الإنسان في جنسيّة الحيوان الناطق!!؟؟

قال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع ، لا عفا الله عمّن وضعه ، لأنّه قصد عيب الإسلام بهذا.

قال أحمد بن حنبل : كان يعقوب من الكذّابين على الثقات ، لا يحلّ كتب حديثه إلّا على التعجّب (٢).

قال أبو عبد الله الذهبي : قال أحمد ـ بشأن يعقوب بن الوليد ـ : مزّقنا حديثه وقال : كان من الكذّابين الكبار ، يضع الحديث. وكذّبه أبو حاتم ويحيى بن معين (٣).

قال ابن الجوزي : وقد روى في فضائل السور أيضا ميسرة بن عبد ربّه (٤). قال عبد الرحمان بن مهدي : قلت لميسرة : من أين جئت بهذه الأحاديث : من قرأ كذا فله كذا؟ قال : وضعته ، أرغّب الناس فيه!

[م / ١٣٠] وروى بإسناده إلى محمّد بن النضر النيسابوري (٥) عن محمود بن غيلان (٦) قال : سمعت مؤمّلا (٧) يقول : حدّثني شيخ بفضائل سور القرآن ، الذي يروى عن أبيّ بن كعب! فقلت

__________________

(١) الموضوعات ١ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٢) الموضوعات ١ : ٢٤٢ ؛ كتاب المجروحين ٣ : ١٣٨.

(٣) ميزان الاعتدال ٤ : ٤٥٥ / ٩٨٢٩.

(٤) الفارسي ثمّ البصري الترّاس الأكّال. قال ابن حبّان : كان ممّن يروي الموضوعات عن الأثبات ويضع الحديث وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل. وقال أبو حاتم : كان يفتعل الحديث ، روى في فضل قزوين والثغور. قال أبو زرعة : وضع في فضل قزوين أربعين حديثا ، وكان يقول : إنّي أحتسب في ذلك. (لسان الميزان ٦ : ١٣٨ / ٤٨٠) ولنعته بالأكّال قضايا غريبة. راجع : (لسان الميزان ٦ : ١٣٩ / ٤٨٠).

(٥) ابن سلمة العامري ، ثقة حافظ. (تقريب التهذيب ٢ : ٢١٣ / ٧٦٨).

(٦) أبو أحمد المروزي ، نزيل بغداد. ثقة (المصدر : ٢٣٣ / ٩٦١).

(٧) هو : ابن إسماعيل أبو عبد الرحمان البصري نزيل مكّة. صدوق ، شديد في السّنّة وذكره ابن حبّان في الثقات. (تهذيب التهذيب ١٠ : ٣٨١ / ٦٨٣).

١٥٥

للشيخ : من حدّثك؟ قال : حدّثني رجل بالمدائن ، وهو حيّ. فصرت إليه ، فقلت : من حدّثك؟ قال : حدّثني شيخ بواسط ، وهو حيّ. فصرت إليه ، فقال : حدّثني شيخ بالبصرة ، فصرت إليه ، فقال : حدّثني شيخ بعبّادان ، فصرت إليه. فأخذ بيدي فأدخلني بيتا ، فإذا فيه قوم من المتصوّفة ومعهم شيخ ، فقال : هذا الشيخ حدّثني. فقلت : يا شيخ ، من حدّثك؟ فقال : لم يحدّثني أحد ، ولكنّا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن ، فوضعنا لهم هذا الحديث ، ليصرفوا وجوههم إلى القرآن (١).

وروى ابن أبي داوود في كتاب «فضائل القرآن» من طريق محمّد بن عاصم قال : حدّثنا شبابة بن سوّار (٢) عن مخلد بن عبد الواحد عن عليّ بن زيد وعطاء عن زرّ بن حبيش عن أبيّ بن كعب ... وساق الحديث كما سبق. ورواه الخطيب عن ابن رزقويه عن ابن السماك عن عبد الله بن روح المدائني عن شبابة.

قال جلال الدين السيوطي : ومن طرقه الباطلة : طريق هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة عن أبيّ بن كعب (٣).

وأخرجه ابن عديّ ـ في الكامل ـ قال : هارون بن كثير ، شيخ ليس بمعروف. روى عن زيد ابن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة الباهلي عن أبيّ بن كعب عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضائل القرآن سورة سورة ، حدّث بذلك عنه سلّام الطويل (٤) بطوله.

ورواه إبراهيم بن شريك الآمدي عن أحمد بن يونس (٥) عنه.

ورواه عن هارون بن كثير ، القاسم بن حكم العرني (٦) بطوله سورة سورة.

ورواه عن هارون ، يوسف بن عطيّة الكوفي (٧) ـ لا البصري ـ بعضه.

قال : وهارون ، غير معروف ، ولم يحدّث به عن زيد بن أسلم غيره. وهذا الحديث غير محفوظ

__________________

(١) الموضوعات ١ : ٢٣٩ ـ ٢٤١.

(٢) المدائني أصله من خراسان. ثقة حافظ. (تقريب التهذيب ١ : ٣٤٥ / ٦).

(٣) اللئالي المصنوعة ١ : ٢٢٧.

(٤) هو : سلّام بن سلم ، ويقال : ابن سليم التميمي السعدي الخراساني ثمّ المدائني ، ويلقّب بالطويل. قال أحمد : منكر الحديث. وقال ابن معين : ضعيف ، ليس بشيء. لا يكتب حديثه. وقال النسائي : متروك. (ميزان الاعتدال ٢ : ١٧٥ / ٣٣٤٣).

(٥) هو : أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي. ثقة حافظ. (تقريب التهذيب ١ : ١٩ / ٧٤).

(٦) هو : القاسم بن الحكم بن الكثير العرني أبو أحمد الكوفي ، قاضي همدان. صدوق ، فيه لين (المصدر ١ : ١١٦ / ١١).

(٧) الباهلي الورّاق. قال الغلّاس : هو أكذب من الصفّار. وقال الدارقطني : ضعيف. (المغني في الضعفاء ٢ : ٧٦٣ / ٧٢٤٥).

١٥٦

عن زيد (١).

قال جلال الدين السيوطي : وهذه الأحاديث الثلاثة مخرجة بطولها في آخر تفسير ابن مردويه (٢).

وقال ابن الجوزي : وقد فرّق حديث أبيّ أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره ، فذكر عند كلّ سورة منه ما يخصّها. وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك. ولا أعجب منهما ، لأنّهما ليسا من أصحاب الحديث ، وإنّما عجبت من أبي بكر بن أبي داوود ، كيف فرقّه على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن ، وهو يعلم أنّه حديث محال (٣). وقد تقدّم كلامه.

قلت : ولا يكاد ينقضي تعجّبي من علّامة ناقد أريب ، هو أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي ، كيف أودع تفسيره القيّم الجليل حديثا كانت بوادر الوضع على محيّاه لائحة. وفرّقه على السور حسب تفريق الثعلبي وذويه. إن هي إلّا هفوة من عظيم والعصمة لله.

ما ورد بشأن خواصّ القرآن

هناك الكثير من أصحاب الأوراد والأذكار ، صنفوا كتبا في علم الخواصّ ، وهو علم ـ على ما ذكره حاجي خليفة ـ باحث عن الخواصّ المترتّبة على قراءة أسماء الله سبحانه وكتبه المنزلة ، وعلى قراءة الأدعية. ويترتّب على كلّ من تلك الأسماء والدعوات خواصّ مناسبة لها.

قال بعض العارفين : واعلم أنّ النفس بسبب اشتغالها بأسماء الله تعالى والدعوات الواردة في الكتب المنزلة ، تتوجّه إلى جناب القدس ، وتتخلّى عن الأمور الشاغلة لها عنه ، فبواسطة ذلك التوجّه والتخلّي ، تفيض عليها آثار وأنوار تناسب استعدادها الحاصل لها بسبب الاشتغال. ومن هذا القبيل الاستعانة بخواصّ الأدعية المأثورة ، يعتقد الرائي أنّ ذلك يفعل السحر.

قال : وغاية ما يذكر في ذلك ، كان مستنده تجارب الصالحين ، وورد في ذلك بعض من الأحاديث. أوردها السيوطي في الإتقان ، وقال : بعضها موقوف على الصحابة والتابعين ، وما لم يرد به أثر فقد ذكر الناس من ذلك كثيرا ، والله العالم بصحّته (٤).

__________________

(١) الكامل لابن عدي ٧ : ١٢٧ / ٢٧ ـ ٢٠٤٤.

(٢) اللئالي المصنوعة ١ : ٢٢٧.

(٣) الموضوعات ١ : ٢٤١.

(٤) راجع : كشف الظنون ١ : ٧٢٥ ـ ٧٢٦.

١٥٧

قلت : لا شكّ أنّ للأوراد والأذكار تأثيرا في الشفاء عن الأسقام والآلام ، تأثيرا بإذن الله تعالى ، الذي هو مسبّب الأسباب في عالم الطبيعة. إذ لا مؤثّر في الوجود إلّا الله. والنفس إذا توجّهت بكليّتها إلى مبدأ الإفاضة في الوجود ، اكتسبت روحانيّة ملكوتيّة توجب استعدادها للاستفاضة من بركات الملأ الأعلى المفاضة على سائر الممكنات عبر الآنات.

هذا هو العامل الأساسي لهذا التأثير والتأثّر والترابط الوثيق بين عالمي الملك والملكوت.

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ. فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(١).

كما لا شكّ أنّنا نعيش في عالم الأسباب والمسبّبات ، من تأثيرات وتأثّرات هي رهن عوامل طبيعيّة واقعة تحت نظام عام حكيم وهي سنّة الله التي جرت في الخلق. ولكن هذا لا يعني الاستغناء عن الاستفاضة من عالم الملكوت ، فلا تأثير ولا تأثّر في سنن الطبيعة إلّا وهو بحاجة إلى إذنه تعالى بالإفاضة من جانبه تعالى. (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)(٢). (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٣).

إذن فتأثير الدعاء في مجال الطبيعة ومجاريها ، هو استعطاف جانب لطفه تعالى في الإفاضة على التأثيرات على الوجه الأصلح في التقدير والتدبير ليجعل من الدواء الناجع شفاء من الداء ورفعا أو دفعا للأسقام والآلام.

فلم يكن من شأن الدعاء ، عزل الطبيعة عن التأثير ، كلّا ، وإنّما هو استجلاب لعطفه تعالى أن يمنحها التوفيق في مسيرتها نحو الكمال بسلام.

على أنّ الابتهال إلى الله ، يزداد الداعي قوّة روحيّة ، تجعله على رجاء دون اليأس ، وتمنحه اطمئنانا نفسيّا دون الاضطراب ، الأمر الذي يجعل من الحياة ذات أمن وراحة ، وكان ملؤها البهجة والحيويّة والسرور. (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(٤).

لكنّ هناك ـ للابتهال إلى الله بالأدعية والأذكار ـ شروطا ، أهمّها : العقيدة والإخلاص ، والإيقان بكونه مأثورا ، سواء أفي أصله أم في كيفيّة ورده ، حتّى يكون مشروعا في التوسّل به إلى الله تعالى.

ذلك أنّ هذه الأدعية والأذكار ، هي الوسائل للبلوغ إلى أعتابه تعالى المقدّسة ، ولا يعرف الطريق إليه تعالى إلّا من قبله ومن تعريفه إيّاه ، إذ لا يعرف السبيل إليه إلّا منه وعلى يد أوليائه العظام.

__________________

(١) الذاريات ٥١ : ٢٢.

(٢) الواقعة ٥٦ : ٦٤.

(٣) البقرة ٢ : ١٠٢.

(٤) الرعد ١٣ : ٢٨.

١٥٨

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(١) وهذه الوسيلة عرّفها الله سبحانه في شخصيّة نبيّه الكريم ، حيث قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٢).

ومن ثمّ أنكر على المشركين حيث زعموا من أوثانهم شفعاء إلى الله ، حيث لم يأتوا به من سلطان : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ)(٣). (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ. قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)(٤).

وهكذا الدعاء والذكر ، هي وسيلة إلى الله ، ولا بد أن تكون مشروعة ، بورود أثر صحيح بشأنه وفي مجال استعماله والشرائط التي يجب توفّرها عند الدعاء والابتهال إليه سبحانه.

[م / ١٣١] روى ثقة الإسلام الكليني عن طريق شيخه عليّ بن إبراهيم القميّ بالإسناد إلى عبد الرحيم القصير ، قال : دخلت على الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك ، إنّي اخترعت دعاء!

فقال ـ من فوره ـ : «دعني من اختراعك ، إذا نزل بك أمر ، فافزع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول الله».

ثمّ علّمه دعاء يدعو به بعد الصلاة وذكرا يكرّره أربعين مرّة في خمس نوبات. ثمّ التوسّل بمحمّد وأهل بيته الراشدين ... ويكرّر النداء : «يا الله» حتّى ينقطع نفسه ... وأخيرا يطلب حاجته ، فتقضى إن شاء الله.

قال الصادق عليه‌السلام : «فأنا الضامن على الله عزوجل أن لا يبرح حتّى تقضى حاجته» (٥).

وبعد ، فلا ننكر أن يكون لتلاوة القرآن تأثيرا مباشرا في النفس بإفاضة البركات ، ونفحات قدسيّة تنهال على العبد ، إثر ترنّمه بكلام ربّ العالمين ، فإنّ فيه شفاء لما في الصدور.

[م / ١٣٢] سأل عبد الله بن سنان أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام عن الرّقية والعوذة والنشرة ، فقال :

__________________

(١) المائدة ٥ : ٣٥.

(٢) النساء ٤ : ٦٤.

(٣) يونس ١٠ : ١٨.

(٤) يونس ١٠ : ٦٨ ـ ٦٩.

(٥) الكافي ٣ : ٤٧٦ ـ ٤٧٧ / ١ ، باب صلاة الحوائج.

١٥٩

«لا بأس بها إذا كانت من القرآن ، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ، وهل أبلغ في هذه الأشياء من القرآن؟ أليس الله تعالى يقول : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(١). أليس يقول : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)(٢).

ثمّ قال لابن سنان : سلونا نعلّمكم ونوقفكم على قوارع القرآن لكلّ داء» (٣).

[م / ١٣٣] وسأل أحمد بن محمّد بن مسلم أبا جعفر الباقر عليه‌السلام : أيتعوّذ بشيء من هذه الرّقى؟ قال : «لا ، إلّا من القرآن ، فإنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : إنّ كثيرا من الرّقى والتمائم من الإشراك!» (٤)

[م / ١٣٤] وقد ورد متواترا : أنّ قراءة الحمد ، شفاء من كلّ داء إلّا السّام ، وهو الموت الحتم (٥).

[م / ١٣٥] وعن الإمام الرضا عليه‌السلام : «إنّما شفاء العين ، قراءة الحمد والمعوّذتين وآية الكرسيّ» (٦).

[م / ١٣٦] وروى الصدوق بإسناده إلى الإمام زين العابدين عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ أربع آيات من أوّل البقرة ، وآية الكرسيّ وآيتين بعدها ، وثلاث آيات من آخرها ، لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه ، ولا يقربه شيطان ، ولا ينسى القرآن» (٧).

قلت : لا شكّ أنّ الاشتغال بتلاوة كلامه تعالى ـ عن إيمان وإيقان ـ وقاية من كلّ شرّ ومكروه.

[م / ١٣٧] روى البرقي بإسناده إلى الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «إذا دخلت مدخلا تخافه ، فاقرأ هذه الآية : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٨) فإذا عاينت الذي تخافه فاقرأ آية الكرسي» (٩).

قلت : ولا من شكّ أنّ تلاوة القرآن ، حراسة عن المخاوف كلّها ، ولا سيّما مع الإيقان بأنّ فيها لجوءا إلى كنف وثيق وحصن منيع.

[م / ١٣٨] وقد ورد أنّ في قراءة آية الكرسيّ تنفيرا لعفاريت الجنّ الأبالسة ، ووقاية منيعة عن شرورهم (١٠) ، الأمر الذي لا شك فيه. (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً)(١١).

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٨٢. (٢) الحشر ٥٩ : ٢١.

(٣) طبّ الائمة : ٤٨ ؛ البحار ٩٢ : ٤ / ٢.

(٤) طب الأئمّة : ٤٨ ؛ البحار ٩٢ : ٥ / ٣.

(٥) دعوات الراوندي : ١٨٩ / ٨٢٤ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦١ / ٥٦.

(٦) الكافي ٦ : ٥٠٣ / ٣٨.

(٧) ثواب الأعمال : ١٠٤ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٥ / ٩.

(٨) الإسراء ١٧ : ٨٠.

(٩) المحاسن ٢ : ٣٦٧ / ١١٨ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٧ / ١٢.

(١٠) المحاسن ٢ : ٣٦٧ / ١١٨ ؛ البحار ٨٩ : ٢٦٧ / ١٢.

(١١) الإسراء ١٧ : ٤٦.

١٦٠