التفسير الأثري الجامع - ج ١

الشيخ محمّد هادي معرفة

التفسير الأثري الجامع - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي معرفة


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التمهيد ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-94552-4-8
ISBN الدورة:
978-600-5079-08-1

الصفحات: ٤١٦

والخلاصة : إنّما كانت قيمة تفسير الصحابي لمكان قربه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموضع عنايته البالغة بشأن تعليمه وتربيته ، وكونه أقرب عهدا بمواقع نزول القرآن ، وأعرف بأهدافه ومقاصده ومراميه ، كما قال السيّد ابن طاووس : هم أقرب علما بنزول القرآن (١).

ومن ثمّ فنستغرب موضع سيّدنا العلّامة الطباطبائي رحمه‌الله المتردّد في اعتبار قول الصحابي وكذا التابعي في مجال التفسير ، نظرا لعدم دليل خاصّ على الاعتبار!! (٢)

أو لا يكفي قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(٣) دليلا على حجّية قولهم في الإنذار والتبيين فيما تفقّهوا؟!

أو لم يكن الإنذار هو البيان والإعلام بمباني الشريعة ومعالم الدين؟ وإذا لم يكن الإنذار حجّة بالغة ، فما وجه الحذر بعد البيان؟

أو لم يكن ربّا هم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليصدروا عنه وليربّوا الناس كما ربّاهم؟ وليصبحوا مراجع للناس يفيدونهم ويستفيدون منهم. (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(٤).

أو ليس قد جعلهم أمنة للأمّة من بعده كما هو أمنة لأصحابه في حياته؟

[م / ٩٠] روى فضل الله الراوندي بإسناده إلى الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا أمنة لأصحابي ... وأصحابي أمنة لأمّتي ... ولا يزال هذا الدين ظاهرا

__________________

عليّ عليه‌السلام : «علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف باب من العلم واستنبطت من كلّ باب ألف باب». قال : فإذا كان حال الوليّ هكذا فكيف حال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! (التفسير الكبير ٨ : ٢١ ذيل الآية ٣٣ من سورة آل عمران).

ورواه المتّقي الهندي في كنزل العمّال ١٣ : ١١٤ ـ ١١٥ / ٣٦٣٧٢ و ١٦٥ / ٣٦٥٠٠. قال : أخرجه الفرضي والإسماعيلي. وفي السند الأجلح وهو صدوق شيعي جلد. وذكره ابن حجر في فتح الباري وقال : أخرجه الطبراني. راجع : فضائل الخمسة للفيروز آبادي ٢ : ٢٣٢.

(١) سعد السعود : ١٧٤.

(٢) قال ذيل الآية ٤٤ من سورة النحل : وفي الآية دلالة على حجّية قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيان الآيات القرآنيّة. ويلحق به بيان أهل بيته عليهم‌السلام لحديث الثّقلين. وأمّا سائر الأمّة من الصحابة أو التابعين أو العلماء فلا حجّية لبيانهم ، لعدم شمول الآية وعدم نصّ معتمد عليه يعطي حجّية بيانهم على الإطلاق. (الميزان ١٢ : ٢٧٨).

وهكذا ذكر في رسالة «قرآن در اسلام : ٤٩» : إنّما اعتبر قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في التفسير بنصّ الآية الكريمة (٤٤ من سورة النحل). وكذا قول العترة بنصّ حديث الثقلين. أما أقوال الصحابة والتابعين فلا اعتبار بها كما هو الحال في آراء سائر المسلمين. وهو غريب جدّا.

(٣) التوبة ٩ : ١٢٢.

(٤) البقرة ٢ : ١٤٣.

١٠١

على الأديان كلّها مادام فيكم من قد رآني» (١).

ولم يكن صحابته أمنة إلّا لأنّهم حملة علمه إلى الناس ومستودع شريعته إلى الملأ من العالمين.

ولعلّ مقصوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : «مادام فيكم من قد رآني» من قد رآه في منبع علمه ومصدر شريعته ، ممّن قد روى حديثه فأبلغ وأوعى على مدى الدهر.

[م / ٩١] كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحمل هذا الدين في كلّ قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين» (٢).

هذا الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يصف أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّهم أصحابه كملا ، وأنهم خزنة علم النبيّ وعيبة حكمته والحاملين لوائه إلى الملأ من الناس :

[م / ٩٢] روى المتّقي الهندي عن زاذان قال : «بينا الناس ذات يوم عند عليّ عليه‌السلام إذ وافقوا منه نفسا طيّبة ، فقالوا : حدّثنا عن أصحابك يا أمير المؤمنين ؛ قال : عن أيّ أصحابي؟ قالوا : عن أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ قال : كلّ أصحاب النبيّ أصحابي ، فأيّهم تريدون؟ قالوا : النفر الذين رأيناك تلفظهم بذكرك والصلاة عليهم ؛ دون القوم ، قال : أيّهم؟

قالوا : عبد الله بن مسعود؟ قال : علم السّنّة وقرأ القرآن ، وكفى به علما ، ثمّ ختم به عنده (٣).

قالوا : فحذيفة؟ قال : علم وسأل عن المعضلات حتّى عقل عنها ، فإن سألتموه عنها تجدوه بها عالما.

قالوا : فأبوذر؟ قال : وعى علما وكان شحيحا حريصا على دينه ، حريصا على العلم. وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع ، أما إنّه قد ملئ له في وعائه حتّى امتلأ.

قالوا : فسلمان؟ قال : امرؤ منّا وإلينا أهل البيت. من لكم بمثل لقمان الحكيم! علم العلم الأوّل وأدرك العلم الآخر ، وقرأ الكتاب الأوّل وقرأ الكتاب الآخر ، وكان بحرا لا ينزف.

قالوا : فعمّار بن ياسر؟ قال : ذاك امرؤ خلط الله الإيمان بلحمه ودمه وعظمه وشعره وبشره ،

__________________

(١) نوادر الراوندي : ١٤٦ / ١٩٩ ؛ البحار ٢٢ : ٣٠٩ ـ ٣١٠ / ١١ ؛ الطرائف لابن طاووس : ٤٢٨ ؛ صحيح مسلم ٧ : ١٨٣ ، فضائل الصحابة ، باب أن النبيّ أمان لأصحابه وأصحابه أمان للأمّة.

(٢) رواه الكشّي في رجاله بإسناد صحيح (١ : ١٠ ـ ١١) ؛ البحار ٢ : ٩٢ ـ ٩٣ / ٢٢. وفي الصواعق لابن حجر : ١٤١ : في كلّ خلف من امّتي عدول من أهل بيتي ... ؛ الاختصاص للشيخ المفيد ، المصنّفات ١٢ : ٤.

(٣) وهو الذي قيل بشأنه : كنيف ملئ علما.

١٠٢

لا يفارق الحقّ ساعة ، حيث زال زال معه ، لا ينبغي للنّار أن تأكل منه شيئا.

قالوا : فحدّثنا عنك يا أمير المؤمنين ؛ قال : مهلا! نهى الله عن التزكية. فقال قائل : فإنّ الله عزوجل يقول : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(١)! قال : فإنّى أحدّثكم بنعمة ربي. كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكتّ ابتدئت. فبين الجوانح منّي ملئ علما جمّا ...» (٢).

أفهل كان مثل هؤلاء الأعلام من الأصحاب إذا تحدّثوا بحديث العلم عن فقه في الدين وفهم عن الكتاب ، أفهل كان أحد يتوقّف عن الانصياع لكلامه العذب الرّويّ أو الابتهاج باستماع ذلك النغم السويّ؟!

[م / ٩٣] قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أوصيكم بأصحاب نبيّكم ... وهم الذين لم يحدثوا بعده حدثا ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى بهم» (٣).

[م / ٩٤] وروى الإمام الرضا عن أبيه الكاظم عن جدّه الصادق عليهم‌السلام قال : «اجتمع آل محمّد ... على أن يقولوا في أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن قول» (٤).

[م / ٩٥] وروى أبو جعفر الصدوق بإسناده إلى إسحاق بن عمّار عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما وجدتم في كتاب الله عزوجل فالعمل لكم به ، لا عذر لكم في تركه. وما لم يكن في كتاب الله عزوجل وكانت فيه سنّة منّي فلا عذر لكم في ترك سنّتي. وما لم يكن فيه سنّة منّي ، فما قال أصحابي فقولوا به ، فإنّما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم ، بأيّها أخذ اهتدي» (٥).

__________________

(١) الضحى ٩٣ : ١١.

(٢) كنز العمّال ١٣ : ١٥٩ ـ ١٦١ / ٣٦٤٩٢. وروى قريبا منه أبو جعفر الصدوق في الأمالي : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ / ٣٣٧ ـ ٩ ، المجلس ٤٣. والبحار ٢٢ : ٣١٨ ـ ٣١٩ / ٤.

(٣) الأمالي للشيخ : ٥٢٣ / ١١٥٧ ـ ٦٤ ، المجلس ١٨ ؛ البحار ٢٢ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦ / ٤.

(٤) أبو الفتوح ١ : ٤٩ ـ ٥٠.

وتمام الحديث هكذا : روى الإمام عليّ بن موسى الرضا عن أبيه الكاظم وهو عن أبيه الصادق عليهم‌السلام قال : «اجتمع آل محمّد على الجهر ببسم الله الرحمان الرحيم. وعلى قضاء ما فات من الصلاة في الليل بالنهار ، وقضاء ما فات في النهار بالليل. وعلى أن يقولوا في أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحسن قول».

انظر كيف جعل حسن القول في الصحابة شعارا لآل البيت عليهم‌السلام نظير الجهر بالبسملة.

(٥) معاني الأخبار : ١٥٣ / ١ ؛ البحار ٢٢ : ٣٠٧ / ٨. وبعضهم ألحق بالذيل ما لم يصح ، تركناه.

١٠٣

[م / ٩٦] وأيضا روى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى محمّد بن موسى بن نصر الرازي عن أبيه قال : سئل الرضا عليه‌السلام عن قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم». فقال : هذا صحيح ، يريد من لم يغيّر بعده ولم يبدّل (١).

وقد مرّ حديث الإمام أمير المؤمنين في الوصيّة بشأن الأصحاب ممّن لم يحدثوا حدثا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يؤووا محدثا (٢).

كما عرفت من الإمام أمير المؤمنين تعداد النبلاء من الأصحاب نماذج لمن سار على منهجهم في اتّباع سبيل الرشاد.

[م / ٩٧] فقد روى أبو جعفر الصدوق بالإسناد إلى أحمد بن محمّد بن إسحاق الطالقاني ، قال : حدّثني أبي قال : حلف رجل بخراسان بالطلاق أنّ معاوية ليس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّام كان الرضا عليه‌السلام بها. فأفتى الفقهاء بطلاقها. فسئل الرضا عليه‌السلام فأفتى أنّها لم تطلّق. فكتب الفقهاء رقعة وأنفذوها إليه وقالوا له : من أين قلت يا ابن رسول الله : إنّها لم تطلّق؟ فوقّع عليه‌السلام في رقعتهم : «قلت هذا من روايتكم عن أبي سعيد الخدري : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمسلمة يوم الفتح وقد كثروا عليه : أنتم خير ، وأصحابي خير ، ولا هجرة بعد الفتح. فأبطل الهجرة ولم يجعل هؤلاء أصحابا له. قال : فرجعوا إلى قوله» (٣).

وهذا من أجمل التلميح إلى وجه خروج أمثال معاوية ـ ممّن أحدثوا وآووا المحدثين ـ من زمرة الصحابة الأجلّاء ، نظرا لأنّ إحداثهم وبدعهم في الدين وكذا مشيتهم على خلاف سنّة الرسول الكريم ، يكشف عن ثباتهم على الجاهليّة الأولى ولمّا يتمكّن الإيمان من قلوبهم ، وإنّما أرغموا بالإسلام لا عن طوع.

فرفض عليه‌السلام أن يكون مثل معاوية صحابيّا بمعناه الفخيم! (٤)

هذا كلّه بالنسبة إلى دراية الصحابي وعلمه وفهمه لمباني الدين.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٣ / ٣٣ ، باب ٣٢.

(٢) رواه الشيخ الطوسي في أماليه : ٥٢٣ / ١١٥٧ ـ ٦٤ ، المجلس ١٨.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٣ / ٣٤ ، باب ٣٢.

(٤) فقد أخذهم الإمام عليه‌السلام على طريقة الجدل بالتي هي أحسن ، إقناعا لهم بما اعتنقوه.

١٠٤

أمّا روايته فلا تقلّ عن درايته قوّة واعتبارا ، وإنّما يحدّثك صادق مصدّق فيما وعى وأخبر ورعى.

[م / ٩٨] روى أبو جعفر الكليني بإسناده الصحيح إلى منصور بن حازم قال : «قلت لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : أخبرني عن أصحاب محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صدقوا على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم كذبوا؟ قال عليه‌السلام : بل صدقوا» (١).

فحكم عليه‌السلام حكمه العامّ بأنّهم صادقون في حديثهم عن رسول الله غير مكذّبين ولا متّهمين. وهي شهادة صريحة بجلالة شأنهم واعتلاء قدرهم في أداء رسالة الله في الأرض. (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٢).

ثمّ أخذ عليه‌السلام في بيان وجه اختلاف حديثهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه بسبب اختلافهم في الحضور لديه ، فربما حضر أحدهم بيانه في عموم حكم وفاته الحضور لدى بيان خصوصه ، وكان الآخر بالعكس. وهكذا حكم المطلق والمقيّد. وكلّ ناسخ يرفع عموم المنسوخ أو إطلاقه ، فكان كلّ من حضر شيئا من ذلك أخبر بما استمع وحفظ ، دون ما لم يحضره وحضره الآخر ، ومن ثمّ جاء الاختلاف في حديث بعضهم مع البعض ، وكلّ صادق فيما يرويه غير مكذّب.

[م / ٩٩] وللإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام حديث مسهب عن الصحابة الصالحين ، يفصلهم عن المنافقين ، وأنّ حديثهم حديث صدق ، ولم يختلفوا إلّا من جهة اختلافهم في الحضور والتلقّي ، وأمّا هو عليه‌السلام فلم يختلف ولم يتخلّف فيما استحفظه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

فالصحيح هو الاعتبار بقول الصحابي في التفسير ، سواء في درايته أم في روايته ، وأنّه أحد المنابع الأصل في التفسير ، لكن يجب الحذر من الضعيف والموضوع ، كما قال الإمام بدر الدين الزركشي ، وهو حقّ لا مرية فيه بعد أن كان رائدنا في هذا المجال هو التحقيق لا التقليد.

التفسير في دور التابعين

لم يكد ينصرم عهد الصحابة إلّا وقد نبغ رجال أكفاء ، ليخلفوهم في حمل أمانة الله وأداء رسالته في الأرض ، وهم التابعون الذين اتّبعوهم بإحسان ، إنّهم رجال أخّر بهم الزمان عن إمكان

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٥ / ٣ ، باب اختلاف الحديث.

(٢) المائدة ٥ : ١١٩.

(٣) الكافي ١ : ٦٢ ـ ٦٤ / ١.

١٠٥

الاستضاءة من أنوار عهد الرسالة الفائضة بالخير والبركات ، فاستعاضوا عنها بالمثول لدى أكابر الصحابة والعكوف على أعتابهم المقدّسة ، يستفيدون من علومهم ويستضيئون بنور هدايتهم ، والذي هو امتداد لنور الرسالة الذي أشرق الأرض بأرجائها ، فكان حتما أن يدوم ويتداوم مع الخلود.

كان أعيان الصحابة كثرة منتشرين في البلاد كنجوم السماء ، مصابيح الدجى وأعلام الهدى ، أينما حلّوا أو ارتحلوا من بقاع الأرض ، وبذلك ازدهرت معالم الدين وانتشرت تعاليم الإسلام وشاع وذاع مفاهيم الكتاب والسنّة القويمة بين العباد وفي مختلف البلاد.

مدارس التفسير

وحيثما حلّ أو ارتحل صحابي جليل من بلد إسلامي كبير ، كان قد شيّد فيه مدرسة قرآنيّة واسعة الرحب ، بعيدة الأرجاء ، يبثّ بها معالم الكتاب والسّنّة ويقصدها الروّاد من كلّ صوب. وقد اشتهرت من هذه المدارس ـ حسب شهرة مؤسّسيها ـ خمس :

١ ـ مدرسة المدينة : كانت أوسع المدارس التفسيريّة لدرس القرآن وتعليمه وتعلّمه ، تأسّست على يد الصادع بالرسالة ، وفيها علّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه القرآن وتلاوته وتفسيره والتفقّه فيه. كما علّمهم شرائع الدين في أصولها وفروعها. فكانت مدرسة واسعة وجامعة شاملة لجميع أبعاد الشريعة في مبانيها ومراميها الواسعة الأرجاء. وهكذا ربّاهم فأحسن تربيتهم علما وعملا ليصبحوا قدوة للأمّة على مدى الأحقاب.

وهكذا قامت الصحابة بتعليم وتربية الناشئة من طلّاب العلم وروّاد الفضيلة ممّن قصدوا معهد الرسالة الطيبة مدينة الرسول.

وكان جلّ الصحابة ـ وعلى رأسهم زعيم أهل البيت الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ هم المتصدّين لإدارة هذا المعهد العلمي الفسيح. وسنذكر أنّ هذه المدرسة تداومت مع الأيّام وازدهرت على يد الأئمة من أهل البيت ولا سيّما على عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام.

٢ ـ مدرسة مكّة : أقامها الصحابي الجليل عبد الله بن عبّاس ، يوم ارتحل إليها عام الأربعين من الهجرة ، حيث غادر البصرة وقدم الحجاز ، بعد استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. وقد تخرّج من هذه المدرسة أكبر رجالات العلم في العالم الإسلامي حينذاك ، وكان لهذه المدرسة ولمن تخرّج

١٠٦

منها صدى محمود في أرجاء البلاد ، وبقيت آثارها أعلاما للأمّة على مدى الأحقاب.

٣ ـ مدرسة الكوفة : هي ثالثة المدارس شهرة وصيتا عمّ البلاد. تأسّست على يد الصحابي الكبير عبد الله بن مسعود ، يوم قدم الكوفة ـ على عهد ابن الخطاب ـ معلّما ومؤدّبا. وتربّى على يده كثير من أعلام التابعين ، وأصبحت الكوفة منذ قدومه معهدا خصبا لنشر علوم الإسلام وبثّها وتعليمها ، وازدهرت ازدهارا بالغا بعد ما هاجر إليها الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه جلّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العلماء النبهاء. ومن ثمّ تداومت هذه المدرسة طوال قرون يؤمّها روّاد العلم والفضيلة على مدى الأيّام.

٤ ـ مدرسة البصرة : قامت على يد أبي موسى الأشعري يوم قدمها واليا من قبل عمر بن الخطاب سنة ١٧. وهو الذي فقّه أهل البصرة وأقرأهم. لكنّ تداومها كان على يد علماء التابعين ممّن حلّوا بها فيما بعد ولا سيّما على عهد التابعي الكبير أبي سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري. كان عالما جامعا وفقيها مأمونا وعابدا ناسكا ، حسب تعبير ابن سعد وغيره. وكان أكثر ما يقوله عن عليّ عليه‌السلام من غير أن يصرّح باسمه. ويكنّى عنه بأبي زينب. اتقاء من شرّ أعدائه (١).

٥ ـ مدرسة الشام : قام بها الصحابي الجليل أبو الدرداء عويمر بن عامر الخزرجي. كان من أفاضل الصحابة وفقهائهم وحكمائهم. تولّى قضاء دمشق على عهد عمر. وتخرّج على يديه جماعة من أكابر التابعين ، منهم : سعيد بن المسيّب وعلقمة بن قيس وسويد بن غفلة وجبير بن نفير وزيد بن وهب وآخرون. ولم ينزل دمشق من أكابر الصحابة سوى أبي الدرداء ، توفّي بها سنة ٣٢ ودفن بجوار المسجد الأموي وقبره معروف إلى اليوم. وبلال بن رباح المؤذّن الذي مات في طاعون عمواس سنة ٢٠ ودفن بحلب. وكذا واثلة بن الأسقع ، وكان آخر من مات بدمشق من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات سنة ٨٥.

أعلام التابعين

تلك مدارس التفسير كان قد تخرّج عليها رجال علماء كانوا أكفاء لحمل عبء رسالة الإسلام إلى الملأ في الخافقين. وبهم ازدهرت معالم الدين وانتشرت أحكام الشريعة ومبانيها في شتّى

__________________

(١) راجع : أمالي المرتضى ١ : ١٦٢ ؛ طبقات ابن سعد ٧ : ١٥٧ ؛ تهذيب التهذيب ٢ : ٢٦٦.

١٠٧

أرجاء البلاد. ولنذكر منهم من كانت له يد في التفسير وكانت آراؤه موضع اعتبار لدى كبار المفسّرين. وهم أعلام التابعين ومن حذا حذوهم من أتباع التابعين. وأشهرهم بالذكرهم (١) :

١ ـ سعيد بن جبير أبو عبد الله أو أبو محمّد الأسدي بالولاء. من أصل حبشي أسود اللون أبيض الخصال. كان من كبار التابعين ومتقدّميهم في الفقه والحديث والتفسير. أخذ العلم عن عبد الله بن عبّاس وسمع منه وأكثر روايته عنه. كان قد تفرّغ للعلم والقرآن حتّى صار علما وإماما للناس. قتله الطاغية الحجّاج بن يوسف الثقفي صبرا سنة ٩٥.

٢ ـ سعيد بن المسيّب بن حزن أبو محمّد المخزومي. صاحب عبادة وجماعة وعفّة وقناعة.

كان سيّد التابعين من الطراز الأوّل ، جمع بين الحديث والفقه والزهد والعبادة ، وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. توفّي سنة ٩٥.

٣ ـ مجاهد بن جبر أبو الحجّاج المخزومي. كان أوثق أصحاب ابن عبّاس ، وقد اعتمده الأئمّة وأصحاب الحديث والتفسير. قال : «عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاث مرّات ، أقف عند كلّ آية أسأله فيم نزلت وكيف نزلت» (٢). توفّي سنة ١٠٤.

٤ ـ عكرمة مولى ابن عبّاس ، أصله من البربر من أهل المغرب ، وقد اجتهد ابن عبّاس في تعليمه القرآن والسنن فكان آية في التفسير والعلم بمباني الأحكام وأصبح فقيها وأعلم الناس بمعاني القرآن. توفّي سنة ١٠٥.

٥ ـ عطاء بن أبي رباح من أصل نوبي من بلاد الحبشة. كان من أجلّة فقهاء مكّة وزهّادها ومن خواصّ أصحاب ابن عبّاس والمتربّين في مدرسته. توفّي سنة ١١٥.

٦ ـ علقمة بن قيس أبو شبل أو أبو شبيل النخعي الكوفي. أخذ عن عليّ عليه‌السلام وابن مسعود وحذيفة وأبي الدرداء وسلمان وغيرهم من النبلاء. وكان أعلم الناس بعبد الله بن مسعود وأحد السّتّة من أصحابه الذين كانوا يقرئون الناس ويعلّمونهم السنّة ويصدر الناس عن رأيهم (٣). توفّي سنة ٦٢.

٧ ـ الأسود بن يزيد أبو عبد الرحمان النخعي الكوفي من كبار التابعين المخضرمين من

__________________

(١) تجد تفاصيل تراجمهم في كتابنا التمهيد ٩ : ٢٦٩ وما بعد.

(٢) راجع : ترجمته في الطبقات ٥ : ٤٦٦ ـ ٤٦٧ ؛ تهذيب التهذيب ١٠ : ٤٣ ـ ٤٤ ؛ ميزان الاعتدال ٣ : ٤٣٩ ؛ الجرح والتعديل ٨ : ٣١٩.

(٣) وهم : علقمة بن قيس. والأسود بن يزيد. ومسروق بن الأجدع. وعبيدة بن قيس. وعمرو بن شرحبيل. والحارث بن قيس الجعفي. (تاريخ بغداد ١٢ : ٢٩٦ و ١٣ : ٢٣٤).

١٠٨

أصحاب عبد الله بن مسعود وروى عن حذيفة وبلال وعلي عليه‌السلام وكان على جانب عظيم من الفهم لكتاب الله ، ثقة صالح ورع ناسك. وذكره جماعة في الصحابة لإدراكه. توفّي سنة ٧٥.

٨ ـ مسروق بن الأجدع أبو عائشة الهمداني الوادعي الكوفي ، الفقيه العابد. أخذ العلم عن عليّ عليه‌السلام وابن مسعود وكان خصّيصا به. وروى عن معاذ بن جبل والخبّاب بن الأرت وأبيّ بن كعب وكان على غزارة من العلم حريصا على الأخذ من كبار العلماء من صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. توفّي سنة ٦٣.

٩ ـ عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة الهمداني الوادعي الكوفي ، روى عن عليّ عليه‌السلام وعبد الله بن مسعود وكان من أصحابه. وروى عن حذيفة وسلمان وقيس بن سعد بن عبادة وأشباههم من خلّص أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. توفّي سنة ٦٣.

١٠ ـ الحارث بن قيس الجعفي الكوفي من أصحاب ابن مسعود ومن السّتّة الذين كانوا يقرؤون الناس ويفتونهم ويعلّمونهم الكتاب والسنّة. وكانوا معجبين به. قتل بصفين في ركاب عليّ عليه‌السلام.

١١ ـ عبيدة بن قيس بن عمرو السلماني. من أصحاب علي عليه‌السلام وابن مسعود. وعدّ من الفقهاء من أصحاب ابن مسعود. وكان شريح إذا أشكل عليه القضاء كتب إلى عبيدة. توفّي سنة ٧٢.

١٢ ـ أبو عبد الرحمان السّلمي ، هو : عبد الله بن حبيب الكوفي. من أصحاب ابن مسعود وشهد مع عليّ عليه‌السلام صفّين. كان ثقة كثير الحديث وكان عند جميعهم ثقة. كان قارئا ومعلّما للقرآن. وكان عاصم قد أخذ عنه القراءة عن عليّ عليه‌السلام. توفّي سنة ٧٢.

١٣ ـ مرّة الهمدانى أبو إسماعيل ابن شراحيل المعروف بمرّة الطيب ومرّة الخير ، لقّب بذلك لعبادته. روى عن عليّ عليه‌السلام وأبي ذرّ وحذيفة وابن مسعود. قيل أدرك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يره. توفّي سنة ٧٦.

١٤ ـ زرّ بن حبيش الأسدي أبو مريم الكوفي مخضرم أدرك الجاهليّة. كان من أصحاب ابن مسعود ومن ثقات الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. قال عاصم : «كان زرّ من أعرب الناس» (١). ومنه أخذ قراءة ابن مسعود. توفّي سنة ٨٣.

١٥ ـ أبو الشعثاء الكوفي ، هو : سليم بن أسود المحاربي الكوفي. روى عن أبي ذرّ وحذيفة

__________________

(١) الطبقات ٦ : ١٠٥.

١٠٩

وسلمان وابن عبّاس وابن مسعود وكان خصّيصا به. قال أبو حاتم : «لا يسأل عن مثله» (١). قال الواقدي : «شهد مع عليّ عليه‌السلام مشاهده كلّها» (٢). توفّي سنة ٨٢.

١٦ ـ أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي البصري ، أدرك الجاهليّة وأسلم بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنتين. تابعي ثقة من كبار التابعين المشهورين بالتفسير. روى عن عليّ عليه‌السلام وابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عبّاس وحذيفة وأبي ذرّ وأبي أيّوب وغيرهم من أكابر الأصحاب. وهو مجمع على وثاقته. قال ابن أبي داوود : «ليس أحد بعد الصحابة أعلم بالقراءة من أبي العالية. وبعده سعيد بن جبير ، وبعده السدّي ، وبعده الثوري» (٣). مات سنة ٩٣.

١٧ ـ زيد بن وهب أبو سليمان الجهني الكوفي. رحل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهاجرا ولم يدركه. قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في الطريق. معدود من كبار التابعين. روى عن عليّ عليه‌السلام وابن مسعود وحذيفة وأبي الدرداء وأبي ذرّ. سكن الكوفة وكان في الجيش الذي مع عليّ عليه‌السلام في حربه مع الخوارج. وهو أوّل من جمع خطبه في الجمع والأعياد وغيرها. توفّي سنة ٩٦ (٤).

١٨ ـ أبو الشعثاء الأزدي هو : جابر بن زيد اليحمدي الجوفي البصري. روى عن ابن عبّاس وعكرمة وغيرهما. قال ابن عبّاس : «لو أنّ أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما من كتاب الله» (٥). توفّي سنة ١٠٣.

١٩ ـ طاووس بن كيسان ، أبو عبد الرحمان الخولاني الهمداني اليماني من أبناء الفرس. أحد أعلام التابعين. كان فقيها جليل القدر ، نبيه الذكر. قال ابن عيينة : «قلت لعبيد الله بن أبي يزيد : مع من تدخل على ابن عبّاس؟ قال : مع عطاء وأصحابه. قلت : وطاووس؟ قال : أيهات ، كان ذلك يدخل مع الخواصّ» (٦).

[م / ١٠٠] قال أبو نعيم : «هو أوّل الطبقة من أهل اليمن ، الذين قال فيهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإيمان يمان» (٧). وقد أدرك خمسين رجلا من الصحابة وعلمائهم وأعلامهم ، وأكثر روايته عن ابن عبّاس (٨). وروى عنه الصفوة من الأئمّة التابعين. وعدّ من أصحاب الإمام زين العابدين عليه‌السلام. توفّي

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤ : ١٧٩ / ٦٨.

(٢) تهذيب التهذيب ٤ : ١٦٥.

(٣) المصدر ٣ : ٢٨٤ ـ ٢٨٦.

(٤) المصدر : ٤٢٧ ؛ أسد الغابة ٢ : ٢٤٢ ؛ الإصابة ١ : ٥٨٣ / ٣٠٠١.

(٥) تهذيب التهذيب ٢ : ٣٨ / ٦١.

(٦) الجرح والتعديل ٤ : ٥٠٠ ـ ٥٠١ ؛ سير أعلام النبلاء ٥ : ٤٦.

(٧) حلية الأولياء ٤ : ٣.

(٨) المصدر : ١٦.

١١٠

سنة ١٠٦.

٢٠ ـ محمّد بن كعب القرظي أبو حمزة ، وقيل أبو عبد الله ، المدني. سكن الكوفة ثمّ المدينة ، أحد العلماء المعاريف. قال ابن عون : «ما رأيت أحدا أعلم بتأويل القرآن من القرظي» (١). روى عن عليّ عليه‌السلام وابن عبّاس وعبد الله بن جعفر والبراء بن عازب وجابر بن عبد الله وأنس وغيرهم. قال ابن حبّان : «كان من أفاضل أهل المدينة علما وفقها» (٢). توفّي سنة ١٠٨.

٢١ ـ عامر الشعبي أبو عمرو بن شراحيل الحميري الكوفي من شعب همدان. روى عن عليّ عليه‌السلام وابن عبّاس ومسروق بن الأجدع وكثير من الأصحاب والتابعين. كان فقيها بارعا ، قويّ الحافظة. قال العجلي : «سمع من ٤٨ صحابيا ولا يكاد يرسل إلّا صحيحا» (٣). توفّي سنة ١٠٩.

٢٢ ـ الحسن البصري أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري. كان أكثر ما يقوله عن عليّ عليه‌السلام من غير أن يصرّح باسمه الشريف وكان يكنّي عنه بأبي زينب. قال الشريف المرتضى : «كان الحسن بارع الفصاحة ، بليغ الموعظة ، كثير العلم. وجميع كلامه في المواعظ وذمّ الدنيا ـ أو جلّه ـ مأخوذ لفظا ومعنى أو معنى ، من كلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٤) فهو القدوة والغاية. توفّي سنة ١١٠.

٢٣ ـ شهر بن حوشب الأشعري أبو سعيد ، مولى أسماء بنت يزيد. روى عنها وعن أمّ سلمة وأبي سعيد الخدرى وسلمان وأبي ذرّ وجابر وغيرهم من كبار الأصحاب. وروى عنه كثير من أقرانه التابعين ، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥) واعتمده الأئمّة وكانت رواياته حجّة لدى الجميع. ولثقة الإسلام الكليني رواية مسندة عنه في باب الوصيّة للإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام (٦). وروى عنه الطبري في التفسير وكذا الطبرسي والقمّي عن طريق أبي حمزة الثمالي. توفّي سنة ١١١.

٢٤ ـ قتادة بن دعامة أبو الخطّاب السّدوسي البصري. كان تابعيّا وعالما كبيرا ، كان فقيه أهل

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٥ : ٦٨ ؛ خلاصة تهذيب التهذيب : ٣٥٧.

(٢) تهذيب التهذيب ٩ : ٤٢٠ ـ ٤٢٢ / ٦٨٩.

(٣) المصدر ٥ : ٦٥ ـ ٦٩.

(٤) أمالي المرتضى ١ : ٢٦٢ و ١٥٣.

(٥) رجال الشيخ : ٦٨ / ١٠.

(٦) الكافي ١ : ٢٩٨ / ٣ ، باب الاشارة والنصّ على الحسن بن عليّ عليه‌السلام. وراجع : معجم رجال الحديث ١٠ : ٥٠ / ٥٧٧٠ ، ترجمة شهر بن حوشب ؛ تهذيب التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ٦٣٥.

١١١

البصرة. قال أبو عبيدة : «كان أجمع الناس». قال أبو حاتم : «سمعت أحمد بن حنبل وذكر قتادة ، فأطنب في ذكره ، فجعل ينشر من علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير ، ووصفه بالحفظ والفقه». وقال : «قلّما تجد من يتقدّمه ، أمّا المثل فلعلّ» (١). سمع أنس بن مالك ونفرا من الأصحاب. وأكثر روايته عن أكابر التابعين كسعيد بن المسيّب وعكرمة وأبي الشعثاء جابر بن زيد والحسن البصري وغيرهم. توفّي بواسط في الطاعون سنة ١١٨.

٢٥ ـ زيد بن أسلم العدوي أبو اسامة ، ويقال : أبو عبد الله المدني ، الفقيه المفسّر ، كان مولى عمر بن الخطاب وبرع حتّى أصبح من كبار التابعين المرموقين (٢). أخذ عن أبيه وابن عمر وأبي هريرة وعائشة وجابر وأنس وغيرهم. صحب الإمام زين العابدين عليه‌السلام وكان يجالسه كثيرا. كانت له حلقة في مسجد المدينة يحضرها جلّ الفقهاء وربما بلغوا أربعين فقيها. وله رواية عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام. وله تفسير يرويه عنه ابنه عبد الرحمان ، توفّي سنة ١٣٦.

٢٦ ـ الربيع بن أنس البكري ، ويقال : الحنفي ، البصري ثمّ الخراساني. روى عن أنس وأبي العالية والحسن البصري وأرسل عن أمّ سلمة. قال أبو حاتم : صدوق. وقال ابن معين : كان يتشيّع فيفرط. وذكره ابن حبّان في الثقات. توفّي سنة ١٤٠ (٣).

٢٧ ـ الأصبغ بن نباتة التميمى ثمّ الحنظلي أبو القاسم الكوفي من أصحاب عليّ والحسن بن عليّ عليهما‌السلام قال العجلي : «كوفي تابعي ثقة». كان على شرطة عليّ عليه‌السلام (٤) وكان مفتونا به. قال سيدنا الأستاذ الخوئي رحمه‌الله : «هو من المتقدّمين من سلفنا الصالحين. عدّه النجاشي من خاصّة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وروى عنه عهد الأشتر ووصيّته إلى ابنه محمّد. وهو من العشرة الذين دعاهم الإمام خاصّته. وعمّر بعده» (٥).

أتباع التابعين

ويلحق بالتابعين أتباعهم ممّن نشطوا على انتهاج طريقتهم ونسجوا كرائم الآثار على منوالهم.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥.

(٢) طبقات المفسّرين للداودي ١ : ١٧٦ ـ ١٧٧ / ١٧٥ ؛ تقريب التهذيب (ابن حجر) ١ : ٢٧٢.

(٣) تهذيب التهذيب ٣ : ٢٣٨ / ٤٦١.

(٤) المصدر ١ : ٣٦٢ / ٦٥٨.

(٥) معجم رجال الحديث ٣ : ٢١٩ / ١٥٠٩.

١١٢

وهم كثرة من علماء أجلّاء بهم دارت رحى العلم في أرجاء البلاد وملأوا الآفاق صيتا وشهرة ، فكانوا قدوة أهل العلم مصدرا ومرجعا يرجع إليهم روّاد العلم والفضيلة من كلّ صوب ومكان.

وإليك الأهمّ ممّن حملوا علوم القرآن ونشروا معارفه في الخافقين :

١ ـ الضحّاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم وقيل : أبو محمّد الخراساني. لقي كبار التابعين وأخذ عنهم ولا سيّما سعيد بن جبير ، أخذ عنه تفسير ابن عبّاس. وكانت له يد طولى في التفسير وفهم معاني القرآن. وله تفسيران : صغير وكبير ، كانا من مراجع الطبري والطبرسي وابن كثير وغيرهم. وذكرناه عند الكلام عن الطريق السادس إلى تفسير ابن عبّاس (١). توفّي سنة ١٠٥. وذكر ابن قتيبة أنّه مات سنة ١٠٢.

٢ ـ السّدّي الكبير ، إسماعيل بن عبد الرحمان أبو محمّد القرشي الكوفي من كبار أتباع التابعين. أخذ عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عبّاس. وكذلك عن مرّة بن شراحيل الهمداني عن ابن مسعود وناس من الصحابة. وروى عنه الأئمّة مثل الثوري وشعبة ، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام السجّاد عليه‌السلام. وعدّ من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام (٢) أيضا. وذكرناه عند الكلام عن الطريق الرابع إلى ابن عبّاس (٣). توفّي سنة ١٢٨.

٣ ـ جابر الجعفي : أبو عبد الله بن يزيد بن الحارث الكوفي ، عربيّ صميم. أخذ عن عكرمة وعطاء وطاووس وجماعة. وأخذ عنه شعبة والثوري وغيرهما. عدّه الشيخ في رجال الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام (٤) وصفه الأئمّة بالصدق والورع والأمانة. كان إماما في الحديث والتفسير. له كتاب في التفسير معروف. توفّي سنة ١٢٨.

٤ ـ ابن أبي نجيح ، أبو يسار عبد الله بن أبي نجيح يسار الثقفي الكوفي. له تفسير رواه عن مجاهد ، وثقه الأئمّة وعدّ تفسيره من أصحّ التفاسير. وقد طبع بعناية مجمع البحوث الإسلاميّة بباكستان سنة ١٣٦٧. وله شأن كبير في التفاسير الأثريّة. توفّي سنة ١٣١.

٥ ـ واصل بن عطاء ، أبو حذيفة البصري شيخ المعتزلة ومؤسس المدرسة العقليّة في إبّان

__________________

(١) راجع : التمهيد ٩ : ٢٤١.

(٢) راجع : معجم رجال الحديث ٤ : ٦٣ / ١٣٧٣ ؛ تهذيب التهذيب ١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ / ٥٧٢.

(٣) راجع : التمهيد ٩ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٤) رجال الطوسي : ١٧٦. وراجع : ميزان الاعتدال : ٣٧٩ / ١٤٢٥. ترجمة جابر بن يزيد.

١١٣

النهضة الفكريّة في الجامعة الإسلامية يومذاك. له تفسير باسم «معاني القرآن». وترجم له السيد المرتضى في الأمالي وأثنى عليه (١). توفّي سنة ١٣١.

٦ ـ عطاء الخراساني ، أبو أيّوب ابن أبي مسلم ميسرة البلخي نزيل الشام. روى عن الصحابة مرسلا ولا سيّما ابن عبّاس. وأكثر رواياته في التفسير عن سعيد بن المسيّب وعطاء بن أبي رباح ويحيى بن يعمر وأمثالهم. وروى عنه ابنه وشعبة وابن طهمان ومعمر وابن جريج وخلق. وذكر ابن جريج : «أنّه لم يسمع التفسير من عطاء وإنّما أخذ الكتاب من أبيه ونظر فيه» (٢). وعدّه أبو نعيم من الفقهاء الكمّلين والوعّاظ العاملين. توفّي سنة ١٣٥.

٧ ـ عطاء بن السائب : أبو محمّد الثقفي الكوفي أحد الأئمّة. أخذ عن سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وغيرهم. وروى عنه الأعمش وابن جريج وغيرهما. قال أبو إسحاق : «كان عطاء بن السائب من البقايا» (٣). وعدّ من أصحاب الإمام السجّاد عليه‌السلام. توفّي سنة ١٣٦.

٨ ـ أبان بن تغلب بن رباح : أبو سعيد البكري الكوفي. قال الشيخ : «ثقة جليل القدر ، عظيم المنزلة. لقي أبا محمّد السجّاد وأبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق عليهم‌السلام وكانت له عندهم حظوة وقدم». وكان إذا قدم المدينة تقوّضت له الحلق وأخليت له سارية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ذلك بأمر الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام.

[م / ١٠١] قال له : «اجلس في المسجد وأفت للناس ، فإنّى أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك». كان قارئا فقيها لغويّا نبيلا ، سمع العرب وحكى عنهم وصنّف كتاب «الغريب في القرآن» وذكر شواهده من شعر العرب (٤). توفّي سنة ١٤١.

٩ ـ أبو النضر ، محمّد بن السائب الكلبي الكوفي ، النسّابة المفسّر الشهير. أخذ التفسير عن أبي صالح مولى أمّ هانيء عن ابن عبّاس. قال ابن خلّكان : «صاحب التفسير وعلم النسب ، وكان إماما في هذين العلمين» (٥). قال جلال الدين السيوطي : «وليس لأحد تفسير أطول ولا أشبع منه ، وبعده مقاتل بن سليمان ، إلّا أنّ الكلبي يفضّل عليه» (٦). وقد ذكرناه عند الكلام عن الطريق التاسع

__________________

(١) الأمالي ١ : ١١٣ ـ ١١٤ ، المجلس ١١.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ : ١٩١.

(٣) الكامل ٥ : ٣٦٢.

(٤) الفهرست : ٥٧. وراجع : رجال النجاشي : ١٠ / ٧. ترجمة أبان بن تغلب.

(٥) وفيات الأعيان ٤ : ٣٠٩ / ٦٣٤.

(٦) الإتقان ٤ : ٢٠٩ ؛ الكامل لابن عديّ ٦ : ١٢٠.

١١٤

إلى تفسير ابن عبّاس (١). توفّي سنة ١٤٦.

١٠ ـ أبو حمزة ثابت بن دينار الثمالي الأزدي الكوفي. كان معظّما عند أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام كثير السماع منهم.

[م / ١٠٢] قال الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام بشأنه : «أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمان ـ أو كسلمان ـ في زمانه. وذلك أنّه خدم أربعة من الأئمّة : السجّاد والباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام» (٢).

قال ابن النديم بشأنه : «من النجباء الثقات» (٣). وقال السيّد الصدر : «شيخ الشيعة في الكوفة والمسموع قوله فيهم». ورواياته في التفسير معتمدة ، اعتمدها الطبري والثعلبي وابن كثير وغيرهم. وأخرج أحاديثه الحاكم وصحّحها وكذا غيره من أعلام المحدّثين كالترمذي وابن ماجة والخطيب وابن أبي شيبة والطحاوي وأمثالهم. وله تفسير استخرجه الأستاذ عبد الرزّاق حرز الدين (٤). توفّي سنة ١٤٨.

١١ ـ ابن أبي ليلى : أبو عبد الرحمان محمّد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي الفقيه. قال العجلي : كان فقيها صاحب سنّة ، صدوقا وكان عالما بالقرآن وكان من أحسب الناس. وتصدّى قضاء الكوفة أيّام يوسف بن عمر الثقفي (٥). توفّي سنة ١٤٨.

١٢ ـ شبل بن عبّاد ، أبو داوود المكّي من القرّاء المفسّرين ، أخذ عن أبي الطفيل وابن كثير وابن سهل بن سعد الساعدي وزيد بن أسلم وسويد بن حجير وابن أبي نجيح وآخرين. توفّي سنة ١٤٨. وقيل : بعد الخمسين.

١٣ ـ ابن جريج ، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج من أصل رومي. كان من أوعية العلم وأصبح فقيه أهل الحرم وإمامهم. وهو أوّل من تصدّى لجمع الحديث وتدوينه وتبويبه في مكّة. أخذ عن عطاء بن أبي رباح وابن أبي طلحة وزيد بن أسلم وصالح بن كيسان وطاووس وابن أبي مليكة وعطاء الخراساني وعمرو بن دينار وخلق كثير. وعدّه الشيخ من رجال الإمام الصادق عليه‌السلام وكان الإمام يرجع الناس إليه في الفتوى. وأسند عنه الكليني والصدوق وغيرهما من أعلام. توفّي سنة ١٥٠.

__________________

(١) راجع : التمهيد ٩ : ٢٤٨ ـ ٢٥٢.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٤٥٨.

(٣) الفهرست : ٧٠.

(٤) طبع سنة ١٤٢٠ ق.

(٥) سير أعلام النبلاء ٦ : ٣١٠ ـ ٣١٢ / ١٣٣ ترجمة ابن أبي ليلى.

١١٥

١٤ ـ يحيى بن كثير ، أبو النضر من أصحاب الحسن البصري وأخذ عن عطاء بن السائب وعاصم الأحول والرقاشي والخزّاز وغيرهم. وعدّه ابن حجر من رواة الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام (١). توفّي حدود سنة ١٥٠.

١٥ ـ مقاتل بن حيّان ، أبو بسطام البلخي النبطي الخرّاز. وهو معروف بابن دوال دوز ، ومعناه الخرّاز. روى عن عمّته عمرة وسعيد بن المسيّب وعكرمة وشهر بن حوشب وقتادة والضحّاك وجماعة. ذكره ابن حبّان في الثقات. توفّي حدود سنة ١٥٠ (٢).

١٦ ـ مقاتل بن سليمان ، أبو الحسن بن سليمان بن بشير الأزدي الخراساني صاحب التفسير. أخذ عن عطاء بن أبي رباح وعطيّة بن سعد العوفي ومجاهد والضحّاك وغيرهم من أعلام. قال الشافعي : «الناس عيال على مقاتل في التفسير». وقد وصفوه بكثرة العلم. توفّي سنة ١٥٠ (٣).

١٧ ـ معمر بن راشد ، أبو عروة بن أبي عمرو البصري. هاجر بعد موت الحسن إلى اليمن وبنا هناك مدرسة قرآنيّة طار صيتها في الآفاق. أخذ عن كبار التابعين. أمثلهم قتادة. وأخذ عنه الكثير ، أشهرهم محمّد بن جعفر غندر وعبد الرزّاق الصنعاني وهشام الدستوائي وشعبة بن الحجّاج والثوري وخلق. جالس قتادة وهو ابن أربعة عشرة سنة. وعدّه ابن المديني وأبو حاتم فيمن دار الإسناد عليهم. توفّي سنة ١٥٣ (٤).

١٨ ـ أبو الجارود ، زياد بن المنذر الهمداني الكوفي الخارفي ، المكفوف وكان يلقّب بالسرحوب. أخذ العلم من وجهاء التابعين كعطيّة العوفي وابن نباتة والحسن ، وكان منقطعا إلى الإمام أبى جعفر الباقر عليه‌السلام له تفسير عرف باسمه ، غير أنّ فيه تخليطا يعود إلى مذهبه الزيدي الجارودي. ذكره البخاري فيمن توفّي بين الخمسين إلى الستّين بعد المأة (٥).

١٩ ـ شعبة بن الحجّاج ، أبو بسطام بن الورد العتكي الواسطي ثمّ البصري ، علم من الأعلام ، كان فقيها نابها وعالما بارعا في الحديث والتفسير. أخذ العلم من أئمّة كبار ، أمثال : أبان بن تغلب والجعفي وابن أبي ليلى وابن السائب وعطاء الخراساني وقتادة وآخرين ربما بلغوا ثلاثمأة إنسان

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١١ : ٢٣٤ / ٤٣٩.

(٢) المصدر ١٠ : ٢٤٨ / ٥٠٢.

(٣) المصدر : ٢٤٩ ـ ٢٥٠ / ٥٠٣.

(٤) راجع : سير أعلام النبلاء ٧ : ٥ ـ ٦ / ١ ؛ تهذيب التهذيب ١٠ : ٢١٨ ـ ٢١٩ / ٤٤١.

(٥) راجع : معجم رجال الحديث ٨ : ٣٣٢ / ٤٨١٥.

١١٦

أوردهم ابن حجر بتفصيل. قال الحاكم : شعبة ، إمام الأئمّة في معرفة الحديث بالبصرة ، رأى أنسا وعمرو بن سلمة من الصحابة. وسمع من أربعمأة من التابعين. وذكره الشيخ وابن حجر وأبو نعيم فيمن اقتبس العلم من الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام. توفّي سنة ١٦٠ (١).

٢٠ ـ ورقاء بن عمر ، أبو بشر بن كليب اليشكري الكوفي نزيل المدائن. أصله من مرو وقيل من خوارزم. وصفه الذهبي بالإمام الثقة الحافظ العابد. أخذ عن زيد بن أسلم وابن أبي نجيح وابن السائب وأضرابهم. وأخذ عنه كبار الأئمّة أمثال شعبة ـ وكان أكبر منه ـ ووكيع وابن المبارك وغيرهم. توفّي حدود سنة ١٦٠ (٢).

٢١ ـ سفيان الثوري ، أبو عبد الله بن سعيد بن مسروق. كان إماما في الحديث وأجمع الناس على دينه وورعه وزهده وثقته. وهو أحد الأئمّة المجتهدين. أخذ عن جمّ من الأقطاب كالجعفي وسماك بن حرب والأعمش وابن أبي نجيح وابن السائب وغيرهم. وعدّه الشيخ في أصحاب الصادق عليه‌السلام (٣). وصفه الأئمّة بأنّه أمير المؤمنين في الحديث. وأخذ عنه خلق كثير ممّن نشروا العلم في البلاد. توفّي سنة ١٦١.

٢٢ ـ سفيان بن عيينة ، أبو محمّد بن أبي عمران الهلالي الكوفي. كان إماما عالما ثبتا حجّة ومجمعا على صحّة حديثه. وصفه الذهبي بشيخ الإسلام ، وكان أدرك نيفا وثمانين نفسا من التابعين وأخذ عنهم. قال الإمام أحمد بشأنه : «ما رأيت أحدا من الفقهاء أعلم بالقرآن والسنن منه» (٤). وهكذا وصفه الإمام الشافعي بغزارة العلم والكفاءة. وعدّه الشيخ والبرقي في أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام (٥) وبقي إلى أيّام الإمام الرضا عليه‌السلام وله في تفسير القمي والكافي الشريف والتهذيب (٦) روايات اعتمدها الأصحاب. وكانت له يد طولى في التفسير. توفّي سنة ١٦٣.

٢٣ ـ ابن أسلم ، هو : ابن زيد ويكنّى بأبي زيد أيضا. عبد الرحمان بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم ، المدني ، التنوخي. نسبة إلى تنوخ : قبيلة باليمن. محدّث مفسّر مشهور. له كتاب في التفسير ورسالة في الناسخ والمنسوخ. روى عن أبيه وابن المنكدر وصفوان وأبي حازم. وأخذ

__________________

(١) راجع : تهذيب التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٥٩٠ ؛ سير أعلام النبلاء ٧ : ٢٠٢ / ٨٠.

(٢) راجع : سير أعلام النبلاء ٧ : ٤١٩ / ١٥٧.

(٣) رجال الشيخ : ٢٢٠ / ١٦٢.

(٤) راجع : تهذيب التهذيب ٤ : ١٠٧ / ٢٠٥.

(٥) معجم رجال الحديث ٩ : ١٦٤ ـ ١٦٥ / ٥٢٤٦.

(٦) راجع : القمّي ١ : ٧٠ ؛ الكافي ٤ : ٨٣ ـ ٨٤ / ١ ؛ تهذيب الأحكام ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٥ ـ ١.

١١٧

عنه كبار المفسّرين أمثال عبد الرزّاق بن همّام ووكيع بن الجرّاح وسفيان بن عيينة وغيرهم. وهو ممّن احتمله الناس وممّن يكتب حديثه. عدّه الطوسي من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام. توفّي سنة ١٨٢.

٢٤ ـ أبو معاوية ، هشيم بن بشير السّلمي الواسطي. بخاري الأصل نزيل بغداد ، فقيه محدّث ومفسّر خبير ومن مشايخ الإمام أحمد بن حنبل. وكان مرجع الطبري في التاريخ والتفسير. سمع الزهري وعمرو بن دينار وابن زاذان وأبا بشر وأيّوب السختياني وحصين بن عبد الرحمان. وأخذ عنه شعبة ويحيى بن سعيد وابن حنبل وقتيبة وابن أيّوب وخلق كثير. توفّي سنة ١٨٣.

٢٥ ـ السّدّي الصغير ، محمّد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل ، حفيد السّدّي الكبير. روى عن الأعمش ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمّد بن السائب الكلبي صاحب التفسير وغيرهم من أعلام. وكان الرجل موضع ثقة عند الأئمّة. ذكرناه ذيل الحديث عن الطريق التاسع إلى ابن عبّاس (١). وعدّ في أصحاب الإمام الباقر ومن رجال الإمام الصادق عليهما‌السلام. توفّي سنة ١٨٦.

٢٦ ـ وكيع بن الجرّاح ، هو أبو سفيان الرؤاسي الكوفي من كبار الحفّاظ والعلماء. قال أحمد : «ما رأيت أوعى للعلم من وكيع ولا أحفظ منه وكان مطبوع الحفظ» (٢) وكان إمام المسلمين في وقته وكان جهبذا رفيع القدر حجّة وكان يفتي. أخذ عن السفيانين وشريك النخعي وشعبة والأعمش وابن جريج وأبي حمزة وغيرهم من أعلام. له تفسير القرآن رواه الحسّاني واستخدمه الثعلبي في الكشف والبيان وكذا الطبري في جامع البيان. توفّي سنة ١٩٦.

٢٧ ـ ابن كيسان الأصمّ ، أبو بكر عبد الرحمان. كان من أفصح الناس وأفقههم وله تفسير عجيب ومقالات في أصول الاعتزال نالا تقديرا كبيرا. كان من طبقة أبي الهذيل العلّاف. توفّي حدود سنة ٢٠٠.

٢٨ ـ الفرّاء ، أبو زكريّا يحيى بن زياد. له تفسير كبير (معاني القرآن) كثير الفائدة جليل. طبع في ثلاث مجلّدات. توفّي سنة ٢٠٣.

٢٩ ـ أبو المنذر الكلبي ، هشام بن محمّد بن السائب ، من المشاهير الأعلام. عالم بالأنساب وله تفسير. أخذ عن أبيه وعن مجاهد وجماعة. خلّف أكثر من مئة كتاب وتأليف. توفّي سنة ٢٠٤.

__________________

(١) التمهيد ٩ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٢) تهذيب التهذيب ١١ : ١١٠.

١١٨

٣٠ ـ روح بن عبادة ، أبو محمّد بن العلاء القيسي الحافظ المفسّر. أخذ العلم عن الثقات الأثبات : مالك والأوزاعي وابن جريج وابن عون وشعبة والسفيانين وغيرهم. وأخذ عنه خلق كثير. قال الخطيب : «كان روح من أهل البصرة فقدم بغداد وحدّث بها مدّة طويلة. كان كثير الحديث وجمع التفسير وكان ثقة» (١). توفّي سنة ٢٠٥.

٣١ ـ يزيد بن هارون ، أبو خالد بن هارون بن زاذان الواسطي ، أصله من بخارا ، أحد الأعلام الحفّاظ المشاهير. أخذ عن الثوري وشعبة وابن اسحاق والربعي وأمثالهم. وأخذ عنه خلق. له كتاب في الفرائض وكتاب التفسير. توفّي سنة ٢٠٥.

٣٢ ـ الصنعاني ، عبد الرزّاق بن همّام ، الحافظ الكبير صاحب التصانيف ، قصده روّاد العلم من كل صوب ومكان ، أخذ عن عكرمة وابن جريج والأوزاعي ومالك والسفيانين وعمدتهم معمر بن راشد ، وعنه أخذ الأئمّة المعاريف. توفّي سنة ٢١١.

٣٣ ـ الفريابي ، أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن واقد التركي ، نزيل قيساريّة على ساحل الشام. أخذ عن الأوزاعي والثوري ولازمه. وعنه أخذ البخاري وخلق. توفّي سنة ٢١٢.

٣٤ ـ أبو عامر ، قبيصة بن عقبة الكوفي له كتاب في التفسير ، أفاد منه الطبري والثعلبي وغيرهما من أعلام المفسّرين. أخذ عن الثوري والجرّاح والد وكيع وحمّاد بن سلمة وحمزة الزيّات وغيرهم. وأخذ عنه البخاري وعبد بن حميد وابن سلام وابن حنبل وآخرون. توفّي سنة ٢١٥.

٣٥ ـ أبو حذيفة ، موسى بن مسعود النّهدي البصري المحدّث المفسّر من شيوخ البخاري. أخرج له الطبري في التفسير والتاريخ. أخذ عن عكرمة بن عمار وشبل بن عباد وغيرهم. وروى له أبو داوود والترمذي وابن ماجة وآخرون ، توفّي سنة ٢٤٠.

تفسير التابعي في كفّة الميزان

لقد اهتمّ أرباب التفسير في العناية بالمأثور من تفاسير الأوائل ، ولا سيّما الصحابة والتابعين ، ولم يكن ذلك منهم إلّا عناية بالغة بشأنهم وبمواضعهم الرفيعة من التفسير.

إنّ ذلك الحجم المتضخّم من التفسير المنقول عن السلف الصالح ، وأكثرها الغالب من التابعين.

__________________

(١) تاريخ بغداد ٨ : ٤٠١ ، روح بن عبادة (٤٥٠٣).

١١٩

بعد أن كان المأثور عن ابن عبّاس منقولا عن طريق متخرّجي مدرسته ممّن يعدّ من أعلام التابعين. وهكذا المنقول عن سائر الأصحاب. إنّ ذلك لممّا يدلّ على مبلغ الاهتمام بتفاسيرهم والإجلال بمقامهم الرفيع. وليس إلّا لأنّهم أقرب عهدا بنزول الوحي ، وأطول باعا في الإحاطة بأسباب النزول ، وأسهل تناولا لفهم معاني القرآن الكريم. فإنّ القرآن قد نزل بلغة العرب وعلى أساليب كلامهم المألوف ، وقد كان الأوائل أصفى ذهنا وأقرب تناوشا لتصاريف اللغة ومجاري ألفاظها وتعابيرها. إنّهم أعرف بمواضع اللغة في عهد خلوصها ، وأطول يدا في البلوغ إلى مجانيها من ثمرات وأعواد.

كما أنّهم أمسّ جانبا بأحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعلماء من صحابته الأعلام. فهم أقرب فهما لأبعاد الشريعة في أصولها والفروع ، والإحاطة بجوانب الكتاب والسنّة والسيرة الكريمة.

فكان الاهتمام بشأنهم ، والرجوع إلى آرائهم ونظراتهم ، ومعرفة أقوالهم في التفسير ، إنّما هو لمكان تقدّمهم وسبقهم في مسرح الدّين الحنيف ، شأن كلّ خلف يرجع إلى آراء سلفه ، لا ليتقلّدها أو يتعبّد بها ، بل ليستعين بها ويستفيد في سبيل الوصول إلى أقصاها ، والصعود على أعلاها ، فكان تمحيصا وتحقيقا في الاختيار ، لا تقليدا أو تعبّدا برأي!

ولا شكّ أنّ الإحاطة بآراء العلماء سلفا وخلفا ، لهي من أكبر عوامل التوسعة في الفكر والإجالة في النظر والإنتاج ، وبالتالي أكثر توسّعا في العلوم والمعارف والصعود على مدارج الفضيلة والكمال. هكذا تقدّم العلم وازدهرت معارف الإنسان على طول الزّمان.

فلآراء السلف قيمتها ووزنها في سبيل الرقيّ على مدارج الكمال ، ولولاه لتوقّف العلم على نقطته الأولى ، ولم يخط خطواته الواسعة في مسيرته هذه الحثيثة ، نحو التكامل والازدهار.

قال الإمام بدر الدين الزركشي : وفي الرجوع إلى قول التابعي روايتان عن أحمد. واختار ابن عقيل المنع وحكوه عن شعبة. لكن عمل المفسّرين على خلافه وقد حكوا في كتبهم أقوالهم.

قال : وهذه تفاسير القدماء المشهورين ، وغالب أقوالهم تلقّوها من الصحابة (١).

وقال الحافظ أبو أحمد ابن عديّ : للكلبي (٢) أحاديث صالحة وخاصّة عن أبي صالح ، وهو

__________________

(١) البرهان ٢ : ١٥٨.

(٢) هو أبو المنذر هشام بن أبي النضر محمّد بن السائب الكلبي الكوفي. كان أعلم الناس بالأنساب ، وكان إلى جنب علمه بالأنساب عالما بالتفسير كبيرا. صحب الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام. توفّي سنة ١٤٦.

١٢٠