تذكرة الفقهاء - ج ١٦

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٦

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: ٤١٨

سقفه مدّةً معلومة بأُجرةٍ معيّنة ، وهو جائز ، وبه قال الشافعي (١) ، وسبيل ذلك سبيل سائر الإجارات ، وإمّا بيعٌ بأن يأذن له فيه بصيغة البيع ويبيّن الثمن ، وهو صحيح عندنا وعند الشافعي (٢) ؛ للأصل ، ولعموم قوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣).

وقال أبو حنيفة : لا يجوز. وبه قال المزني (٤).

وطريق ذلك أن يبيعه سطحَ البيت للبناء عليه أو علوَّه بثمنٍ معيّن.

وليس له أن يبيع حقَّ البناء على ملكه ـ خلافاً لبعض الشافعيّة (٥) ـ لأنّ البيع إنّما يتناول الأعيان ، وحقّ البناء ليس منها.

قال بعض الشافعيّة : بيع سطح البيت أو علوّه للبناء بثمنٍ معلوم هو بعينه بيع حقّ البناء على ملكه ، فإنّ المراد منهما شي‌ء واحد وإن كان ظاهر اللفظ مشعراً بالمغايرة ؛ لأنّ بيع العلوّ للبناء إمّا أن يراد به جملة السقف ، أو الطبقة العليا منها ، وعلى التقديرين فهو بيع جزءٍ معيّن من البناء أو السقف.

وأيضاً فإنّهم صوّروا فيما إذا اشتراه ليبني عليه ، ومَن اشترى شيئاً انتفع به بحسب الإمكان ، ولم يحتج إلى التعرّض للانتفاع به.

وأيضاً ما حقيقة هذا العقد؟ إن كان بيعاً فليفد ملك عينٍ ، كسائر البيوع ، وإن كان إجارةً فليشترط التأقيت ، كسائر الإجارات.

واختلفت الشافعيّة فيه.

فقال بعضهم : يملك المشتري به مواضع رءوس الجذوع. وهو مشكل عند الباقين.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

٨١

والأصحّ عندهم : إنّه لا تُملك به عينٌ ، وحينئذٍ فوجهان :

أحدهما : إنّه إجارة ، وإنّما لم يشترط تقدير المدّة ؛ لأنّ العقد الوارد على المنفعة يتبع فيها الحاجة ، فإذا اقتضت الحاجة التأبيد ، أُبّد على خلاف سائر الإجارات ، وأُلحق بالنكاح.

وأظهرهما : إنّه ليس بإجارةٍ محضة ، بل فيه شائبة الإجارة ، وهي أنّ المستحقّ به منفعة ، وشائبةُ البيع ، وهي أنّ الاستحقاق فيه على التأبيد ، وكأنّ الشرع نظر إلى أنّ الحاجة تمسّ إلى ثبوت الاستحقاق المؤبَّد في مرافق الأملاك وحقوقها ، كما تمسّ إلى ثبوت الاستحقاق المؤبَّد في الأعيان ، فجوّز هذا العقدَ ، وأثبت فيه شبهاً من البيع وشبهاً من الإجارة.

وإذا قلنا : إنّه لا تُملك به عينٌ ، فلو عقد بلفظ الإجارة ولم يتعرّض للمدّة ، فوجهان عندهم ، أشبههما : إنّه ينعقد أيضاً ؛ لأنّه يخالف البيع في قضيّةٍ كما يخالف الإجارة في قضيّةٍ أُخرى (١).

وهذا كلّه عندنا ليس بشي‌ءٍ ، بل الواجب إن أراد نقل السقف أن يبيعه إيّاه ، أو يؤجره ويعيّن المدّة.

مسألة ١٠٨٤ : إذا جرت هذه المعاملة على ما اخترناه نحن ، أو على ما اختاره الشافعيّة وبنى المشتري‌ ، لم يكن للبائع أن يكلّفه النقض ليغرم له أرش النقصان.

ولو انهدم الجدار أو السقف بعد بناء المشتري عليه فأعاده مالكه ، فللمشتري إعادة البناء بتلك الآلات أو بمثلها.

ولو انهدم قبل البناء ، فللمشتري البناء إذا أعاده.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٤ ـ ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

٨٢

وهل يُجبر على إعادته؟ فيه خلافٌ تقدّم (١).

ولو هدم صاحب السُّفْل أو غيره السُّفْلَ قبل بناء المشتري ، فعلى الهادم قيمة حقّ البناء ؛ لأنّه حالَ بينه وبين حقّه بالهدم ، فإذا أعاد مالك السُّفْلِ السُّفْلَ ، استرجع الهادم القيمةَ ؛ لارتفاع الحيلولة ، ولا يغرم أُجرة البناء لمدّة الحيلولة.

ولو كان الهدم بعد البناء ، فعلى قول مَنْ يوجب إعادة المهدوم يكون عليه إعادة السُّفْل والعلوّ ، وعلى قول مَنْ يوجب الأرش يكون عليه أرش نقص الآلات ، وقيمة حقّ البناء ؛ للحيلولة.

ولا تنفسخ هذه المعاملة بما يعرض من هَدْمٍ وانهدامٍ ؛ لأنّها ملتحقة بالبيوع.

مسألة ١٠٨٥ : إذا جرى الإذن في البناء بعوضٍ ، وجب معرفة قدر الموضع المبنيّ عليه طولاً وعرضاً.

وكذا إن كان بغير عوضٍ عند الشافعيّة (٢).

وعندي فيه إشكال ؛ لأنّ ذلك عارية ، فلا يجب فيها ما شُرط في البيوع.

ولو كان البناء على الجدار أو السطح ، وجب مع ذلك بيان سمْك البناء وطوله وعرضه ، وكون الجدران منضّدةً أو خالية الأجواف ، وكيفيّة السقف المحمول عليها ؛ لاختلاف الأغراض في ذلك كلّه ، واختلاف حمل الجدران ، فإنّ الجدار لا يحمل كلّ شي‌ءٍ ، وكذا السقف ، فوجب البيان.

وقال بعض الشافعيّة : إذا أطلق ذكر البناء كفى ، وحُمل الإطلاق على‌

__________________

(١) في ص ٦٧ ، المسألة ١٠٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

٨٣

العادة ، فما يحتمله المبنيّ عليه في العادة انصرف الإطلاق إليه ، وما لا فلا (١).

وهل يشترط التعرّض لوزن ما يبنيه عليه؟ إشكال ينشأ من أنّ الإعلام في كلّ شي‌ءٍ على ما يليق به ويعتاد فيه من اختلاف المبنيّ بالثقل والخفّة اختلافاً يختلف بسببه الأغراض وحمل الجدران والسقوف.

والأقرب في الخشب ذلك ، دون الآجر واللبن ؛ للعادة.

ولو كانت الآلات حاضرةً ، استغنى بمشاهدتها عن كلّ وصفٍ وتعريفٍ.

ولو كان الإذن في البناء على أرضه ، لم يجب ذكر سمْك البناء وكيفيّته ؛ لأنّ الأرض تحتمل كلّ شي‌ءٍ.

وبعضُ الشافعيّة شَرَطه ؛ لأنّ الإذن إن كان على وجه الإعارة أو الإجارة فإنّ عند الرجوع عن الإعارة أو انقضاء مدّة الإجارة تطول مدّة التفريغ وتقصر بحسب كثرة النقض وقلّته ، ويختلف الغرض بذلك (٢).

وليس بشي‌ءٍ.

مسألة ١٠٨٦ : لو ادّعى بيتاً في يد غيره فصالحه عليه‌ ـ إمّا مع إقراره ، عند الشافعي (٣) ، أو مطلقاً عندنا ـ على أن يبني المُقرّ أو المنكر على سطحه ، جاز ، ولم يكن ذلك فرعَ العارية ، خلافاً للشافعيّة ، وعندهم أنّه يكون قد أعاره المُقرّ له سطح بيته للبناء (٤).

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٥ ـ ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤ ، وراجع : الهامش (١) من ص ٢٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٤٤ ، البيان ٦ : ٢٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

٨٤

فلو كان التنازع في سفله والعلوّ للمدّعى عليه فأقرّ للمدّعي بما ادّعاه فتصالحا على أن يبني المدّعي على السطح ويكون السُّفْل للمدّعى عليه جاز ، وكان عند الشافعي بيعَ السُّفْل بحقّ البناء على العلوّ (١).

مسألة ١٠٨٧ : لا يجب على الجار إجراء ماء المطر من سطح جاره على سطحه‌ ولا إجراء الماء في أرضه عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، ولتخصيص المالك التامّ ملكه بالانتفاع بملكه ، وهو قول أكثر الشافعيّة ، والجديد للشافعي.

وفي القديم له قول : إنّه يُجبر صاحب السطح والأرض على إجراء الماء من سطح الجار على سطحه وأرضه (٢).

والحقّ خلافه.

ولو أذن له فيه جاز.

ولو باعه الإجراء لم يصح.

ولو آجره السطح للإجراء أو باعه إيّاه صحّ ، لكن إذا باعه السطح مَلَكه ملكاً مطلقاً يتصرّف فيه كيف شاء بما لا يتضرّر به.

وإن أعاره أو آجره ، جاز.

ويشترط بيان معرفة الموضع الذي يجري عليه الماء في الإعارة والإجارة والبيع ، والسطوح التي ينحدر منها الماء إليه في الإعارة والإجارة خاصّةً ، ولا يضرّ الجهل بقدر ماء المطر في ذلك كلّه ؛ إذ لا يمكن معرفته وضبطه ، وهذا عقدٌ جُوّز للحاجة.

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٤٤ ، البيان ٦ : ٢٤٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

(٢) البيان ٦ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٤.

٨٥

ولو صالحه على إجراء مائه على سطحه جاز ، ولم يكن هذا الصلح فرعَ غيره عندنا ، خلافاً للشافعي (١).

ويشترط العلم بالسطح الذي يجري ماؤه ؛ لاختلاف الماء قلّةً وكثرةً باختلاف السطوح كبراً وصغراً.

وعند الشافعي أنّ هذا يكون فرعَ الإجارة ، ومع ذلك لا يحتاج إلى ذكر المدّة (٢).

وإذا أذن له في إجراء الماء على سطحه ثمّ بنى على سطحه بما يمنع الماء من الجريان عليه ، فإن كان عاريةً كان ما فَعَله رجوعاً فيها ، وإن كان بيعاً أو إجارةً كان للمشتري أو المستأجر نقب البناء وإجراء الماء فيه.

مسألة ١٠٨٨ : لو ادّعى عليه مالاً فصالحه منه على مسيل ماءٍ في أرضه ، جاز إذا بيّنا موضعه وعيّناه وعرفا عرضه وطوله.

ولا يحتاجان إلى أن يُبيّنا عمقه إن كان قد عقد بلفظ البيع لذلك الموضع ؛ لأنّ مَنْ مَلَك الموضع كان له النزول فيه إلى تخومه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يجب بيانه ؛ بناءً على أنّ المشتري يملك موضع الجريان ، أو لا يملك إلاّ حقّ الإجراء (٣).

والحقّ : التفصيل ، فإن باعه مسيل الماء أو مكان إجراء الماء مَلَك موضع الجريان ، وإن باع حقّ مسيل الماء بطل عندنا إن كان بلفظ البيع ، وصحّ إن كان بلفظ الصلح.

ويصحّ عند الشافعيّة على الوجهين ؛ لأنّه كبيع حقّ البناء (٤).

__________________

(١ و ٢) البيان ٦ : ٢٣٧.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

(٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

٨٦

وكذا إن عقد بلفظ الصلح على تلك الأرض ، أمّا لو كان على إجراء الماء فإنّ الأرض باقية لمالكها ، وافتقر حينئذٍ إلى تعيين العمق وتقدير المدّة.

وإذا صالحه على أن يجري الماء في ساقيةٍ في أرض المُصالَح ، صحّ ولم يكن إجارةً.

وعند الشافعي أنّه يكون إجارةً (١) ، قال في الأُمّ : ويجب تقدير المدّة (٢). وهو جيّد على مذهبنا.

وإنّما يصحّ إذا كانت الساقية محفورةً ، وإن لم تكن محفورةً لم يجز ؛ لأنّ المستأجر لا يتمكّن من إجراء الماء إلاّ بالحفر ، والمستأجر لا يملك الحفر في ملك غيره ، ولأنّه إجارة لساقيةٍ غير موجودةٍ ، قاله بعض الشافعيّة (٣).

وفيه نظر ؛ إذ التصرّف في مال الغير بإذنه جائز ، ولمّا صالحه على الإجراء فقد أذن له فيه ، فيستلزم الإذن فيما هو من ضروراته ، والإجارة وقعت على إجراء الماء ، مع أنّا نمنع كونه إجارةً.

ولو حفر الساقية وصالحه ، جاز قطعاً.

ولو كانت الأرض في يد المدّعى عليه بإجارةٍ ، جاز أن يصالحه على إجراء الماء في ساقيةٍ فيها محفورةٍ مدّةً معلومةً لا تجاوز مدّة إجارته.

وإن لم تكن الساقية محفورةً ، لم يجز أن يصالحه على ذلك ؛ لأنّه‌

__________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٤٩ ، البيان ٦ : ٢٣٧ ، المغني ٥ : ٢٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠.

(٢) الأُمّ ٣ : ٢٢٧ ، وعنه أيضاً في بحر المذهب ٨ : ٤٩ ـ ٥٠ ، والبيان ٦ : ٢٣٧.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٥٠ ، البيان ٦ : ٢٣٧.

٨٧

لا يجوز له إحداث ساقيةٍ في أرضٍ في يده بإجارةٍ.

ولو كانت الأرض وقفاً عليه ، جاز أن يصالح على إجراء الماء في ساقيةٍ محفورةٍ مدّةً معلومةً.

وإن أراد أن يحفر ساقيةً ، فالأقرب : الجواز.

ومَنَعه بعض الشافعيّة ؛ لأنّه لا يملكها ، وإنّما له أن يستوفي منفعتها ، كالأرض المستأجرة (١).

والأولى أنّه يجوز له حفر الساقية ؛ لأنّ الأرض له ، وله التصرّف فيها كيف شاء ما لم ينتقل الملك فيها إلى غيره ، بخلاف المستأجر ، فإنّه إنّما يتصرّف فيها بالإذن له فيه.

فإن مات الموقوف عليه في أثناء المدّة ، فهل لمن انتقل إليه الفسخُ فيما بقي من المدّة؟ مبنيّ على ما إذا آجره مدّةً فمات في الأثناء.

ولو صالحه على أن يسقي أرضه من نهره أو عينه ، جاز مع التعيين.

ومَنَعه الشافعي ؛ لأنّ المعقود عليه هو الماء ، وهو مجهول (٢).

وليس بجيّدٍ ؛ لانضباطه بالوقت.

ولو صالحه على سهمٍ من العين أو النهر ـ كالثلث أو الربع أو غير ذلك ـ وبيّنه ، جاز ، ولا يكون بيعاً وإن أفاد فائدته ، خلافاً للشافعي (٣).

فروع :

أ ـ ليس لمستحقّ إجراء الماء بإجارةٍ أو صلحٍ أو بيعٍ الدخولُ إلى أرض الغير الذي تجري فيه الساقية‌ وإن مَلَك الساقية ، إلاّ أن يأذن له المالك ؛ لأنّه يستلزم التصرّف في مال الغير ، وهو قبيح عقلاً ، إلاّ أن يريد‌

__________________

(١) البيان ٦ : ٢٣٧.

(٢) الأُمّ ٣ : ٢٢٧ ، البيان ٦ : ٢٣٨.

(٣) الأُمّ ٣ : ٢٢١ و ٢٢٧ ، التنبيه : ١٠٣ ، الوسيط ٤ : ٤٩ ، البيان ٦ : ٢٣٨.

٨٨

تنقية النهر أو الساقية ، فإنّه يجوز ؛ لموضع الضرورة.

ب ـ إذا نقّى النهرَ أو الساقيةَ‌ ، وجب عليه أن يُخرج ما يخرج من النهر أو الساقية عن أرض المالك.

ج ـ المأذون له في إجراء ماء المطر على سطح الآذن أو أرضه أو ساقيته ليس له إلقاء الثلج‌ ، ولا أن يترك الثلج حتى يذوب فيسيل إليه ، ولا أن يجري فيه ما يغسل به ثيابه وأوانيه ، بل لو صالح على ترك الثلوج على السطح أو إجراء الغسالات على مالٍ ، فالأقرب عندي : الجواز.

ومَنَع منه بعضُ الشافعيّة ؛ لأنّ الحاجة لا تدعو إلى مثله (١).

وهو ممنوع.

د ـ المأذون له في إلقاء الثلج ليس له إجراء الماء‌ ؛ لتغاير المنفعتين ، ولا يلزم من المصالحة على إحدى المنفعتين المصالحة على الأُخرى ، ولأنّه لا يجوز العكس فكذا هنا.

هـ ـ تجوز المصالحة على قضاء [ الحاجة ] (٢) في حُشّ الغير على مالٍ‌ ، وكذا على جمع الزبل والقمامة في ملكه ، ولا يكون ذلك إجارةً ـ خلافاً للشافعيّة ـ بل هو عقد مستقلّ برأسه.

وعندهم أنّه إجارة ، فيراعى فيه شرائطها (٣).

و ـ تجوز المصالحة على البيتوتة على سطح الجار.

ثمّ لو باع مستحقّ البيتوتة منزله ، فليس للمشتري أن يبيت عليه ، بخلاف ما لو باع مستحقّ إجراء الماء على سطح الغير مدّةً دارَه ، فإنّ المشتري يستحقّ الإجراء بقيّة المدّة ؛ لأنّ إجراء الماء من مرافق الدار ، دون‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٦ ـ ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٥.

٨٩

البيتوتة.

ز ـ لا يجب على مستحقّ إجراء الماء في ملك غيره مشاركة المالك في عمارة سقف المجرى‌

وإن خرب من الماء ، ولا على المالك إصلاح القناة لو خرب بغير سببه.

ح ـ لو استحقّ وضع خُشُبه على حائط الغير فسقطت أو وقع الحائط ، استحقّ بعد عوده الوضع ، بخلاف الإعارة.

ولو خِيف على الحائط السقوطُ ، فالأقوى : تحريم الإبقاء ؛ لما فيه من الضرر العظيم.

ط ـ لو وجد بناءه أو خُشُبه أو مجرى مائه في ملك غيره أو سطحه ولم يعلم السبب ، احتُمل تقديم قول مالك الأرض والحائط في عدم الاستحقاق.

وقال بعض العامّة : يُقدَّم قول صاحب البناء والخشبة والمسيل ؛ لأنّ الظاهر أنّه حقٌّ له ، فجرى مجرى اليد الثابتة. ولو اختلفا في ذلك هل هو بحقٍّ أو عدوان؟ فالقول قول صاحب البناء والخشبة والمسيل ؛ لأنّ الظاهر معه ، ولو زال الحائط أو السطح ثمّ عاد فله إعادته ؛ لأنّ الظاهر أنّ هذا الوضع بحقٍّ من صلحٍ أو غيره (١).

وفيه نظر.

ي ـ لا يجوز بيع حقّ الهواء ولا مسيل الماء ولا الاستطراق‌ ، خلافاً للشافعيّة في الأخيرين (٢).

وفرّق بعضهم بين بيع حقّ الهواء وحقّ البناء بأنّ بيع حقّ الهواء اعتياض عن مجرّد الهواء ، وحقّ البناء يتعلّق بعين الموضع المبنيّ عليه ،

__________________

(١) المغني ٥ : ٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٤١ ـ ٤٢.

(٢) الوجيز ١ : ١٨٠.

٩٠

حتى لو صالحه عن وضع الجذوع المشرعة على جداره يصحّ ، ولهذا تجوز إجارة الملك للبناء إجماعاً ، ولا تجوز إجارة الهواء ، وكلّ حقٍّ يتعلّق بعينٍ ـ كمجرى الماء والممرّ ـ فهو كحقّ البناء.

وبالجملة ، الحقوق المتعلّقة بالأعيان لمّا كانت عندهم مقصورةً على التأبيد ، أُلحقت بالأعيان حتى استغنى العقد الوارد عليها عن التأقيت (١).

وهو عندنا باطل.

مسألة ١٠٨٩ : لو خرجت أغصان شجرة الجار إلى هواء داره المختصّة به أو المشتركة بينهما‌ ، أو على هواء جدارٍ له أو بينهما ، أو على بناءٍ أو على نفس الجدار ، كان له المطالبة بإزالة الأغصان عن هواء الدار.

فإن لم يفعل مالك الشجرة من الإزالة لم يُجبر ؛ لأنّه من غير فعله ، فلم يُجبر على إزالته ، كما إذا لم يكن ملكاً له ، وإن تلف بها شي‌ء لم يضمنه ؛ لذلك.

ويحتمل إلزامه ، كما إذا مالَ حائطه.

وعلى التقديرين إذا امتنع فله تحويلها عن ملكه ، فإن لم يمكن عطفها عنه كان له قطعها.

ولا يحتاج فيه إلى إذن القاضي ؛ لأنّه عدوان عليه ، فكان له إزالته عنه وإن لم يأذن القاضي ، وهو أقوى وجهي الشافعيّة (٢).

فإن صالحه مالك الشجرة على الإبقاء على الجدار بعوضٍ ، صحّ مع تقدير الزيادة أو انتهائها وتعيين المدّة.

وكذا له أن يصالحه على الإبقاء في الهواء ، عندنا.

خلافاً للشافعيّة ؛ فإنّهم قالوا : إن صالحه على الإبقاء من غير أن يستند‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٦.

٩١

الغصن إلى شي‌ءٍ لم يجز ؛ لأنّه اعتياض عن مجرّد الهواء ، وإن استند إلى جدارٍ فإن كان بعد الجفاف جاز ، وإن كان رطباً لم يجز ؛ لأنّه يزيد ولا يعرف قدر ثقله وضرره (١).

وجوّزه بعضهم ؛ لأنّ ما ينمو يكون تابعاً (٢).

تذنيبان :

أ : لو سرت عروق الشجرة إلى أرض الجار ، كان حكمها حكم سريان الأغصان من جواز عطفها‌ ، فإن تعذّر قَطَعها ؛ لأنّه ليس له التصرّف في ملك غيره إلاّ بإذنه ، ولأنّه عِرْق ظالمٍ فله الإزالة ؛ لقوله عليه‌السلام : « ليس لعِرْق ظالمٍ حقٌّ » (٣).

ب : لو مالَ جداره إلى هواء الجار ، كان له الإزالة‌ ، كالأغصان والعروق ؛ لأنّه شَغَل ملك الغير ومَنَعه من التصرّف فيه بغير حقٍّ.

مسألة ١٠٩٠ : يجوز للرجل التصرّف في ملكه بأيّ أنواع التصرّفات شاء‌ ، سواء حصل به تضرّرٌ للجار أو لا ، فله أن يبني ملكه حمّاماً بين الدور ، وأن يفتح خبّازاً بين العطّارين ، أو يجعله دكّان قصارة بين المساكن وإن أضرّت الحيطان بالدقّ وأخربها ، وأن يحفر بئراً إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها ، أو يحفر بالوعة أو مرتفقاً يجري ماؤه إلى بئر جاره ـ وبه قال الشافعي وبعض أصحاب أبي حنيفة ، وأحمد في إحدى الروايتين (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : « الناس مسلّطون على أموالهم » (٥).

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٦.

(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ١٧٨ / ٣٠٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٦٢ / ١٣٧٨ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢١٧ / ٥٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٩ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١٧ : ١٣ ـ ١٤ / ٤ و ٥ ، الموطّأ ٢ : ٧٤٣ / ٢٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٥٠ ، البيان ٦ : ٢٤٢ ، المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١.

(٥) أورده الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، المسألة ٢٩٠ من كتاب البيوع.

٩٢

ولأنّه تصرّف في ملكه المختصّ ولم يتعلّق به حقّ غيره ، فلم يُمنع منه ، كما لو طبخ في داره أو خبز فيها ، فإنّه لا يُمنع منهما تحرّزاً من وصول دخانه إلى جاره وإن تأذّى به ، كذا هنا.

وقال أحمد في الرواية الأُخرى : إنّه يُمنع من ذلك كلّه ـ وهو قول بعض الحنفيّة ـ لقوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا إضرار » (١) وهذا الفعل يضرّ بجيرانه ، ولأنّ هذا إضرار بالجيران فمُنع منه ، كما يُمنع من إرسال الماء في ملكه بحيث يضرّ بجاره ويتعدّى إلى هدم حيطانه ، ومن إشعال نارٍ تتعدّى إلى احتراق الجيران (٢).

والجواب : الحديث مشترك ؛ لأنّ منع المالك عن عمل مصلحةٍ له في ملكه يعود نفعها إليه إضرار غير مستحقّ ، فالضرر مشترك ، وليس مراعاة أحدهما أولى من مراعاة الآخَر ، بل مراعاة المالك أولى ، والنار التي أضرمها والماء الذي أرسله تعدّيا فكان مرسلاً لذلك في ملك غيره ، فأشبه ما لو أرسلها إليه قصداً ، ولأنّ ذلك غير عامٍّ ؛ إذ الممنوع منه الإضرام عند هبوب الرياح بحيث يعلم التعدّي ، وليس ذلك دائماً ، فلهذا مُنع. وكذا إرسال الماء على وجه الكثرة.

__________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٦٨ ، الهامش (١).

(٢) المغني ٥ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٥٠ ، البيان ٦ : ٢٤٢.

٩٣
٩٤

الفصل الرابع : في التنازع‌

مسألة ١٠٩١ : إذا تنازعا عيناً في يد أحدهما ، حُكم بها لصاحب اليد مع اليمين وعدم البيّنة‌ ؛ لأنّه منكر.

فإن صالحه عنها على شي‌ءٍ منها أو من غيرها جاز ، سواء كان عقيب إقرارٍ أو إنكارٍ ، عند علمائنا ، خلافاً للشافعي (١) ، وقد سبق (٢).

ولو كانت العين في يد اثنين [ فادّعاها ثالث ] (٣) فصدّقه أحدهما وكذّبه الآخَر ، ثبت له النصف بإقرار المصدّق ، وكان على المكذّب اليمين مع عدم البيّنة ؛ لأنّه منكر.

فلو صالح المدّعي [ المُقرّ ] ٤ على مالٍ فأراد المكذّب أخذه بالشفعة ، لم يكن له ذلك عندنا ؛ لأنّ الشفعة تتبع البيع خاصّةً ، والصلح عندنا ليس بيعاً وإن كان على مالٍ ، بل هو عقد مستقلّ برأسه.

أمّا مَنْ يعتقده بيعاً كالشافعي (٥) فقد اختلف طُرق الناقلين عنه في الجواب.

قال بعضهم : إن مَلَكاها في الظاهر بسببين مختلفين فله ذلك ؛ لأنّه لا تعلّق لأحد المِلْكين بالآخَر ، وإن مَلَكاها بسببٍ واحد من إرثٍ أو شراءٍ فوجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّ الدار بزعم المكذّب ليست للمدّعي ، فإنّ في‌

__________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٢٦.

(٢) في ص ٢٦ ، ضمن المسألة ١٠٣٢.

(٣ و ٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) راجع الهامش (٣) من ص ٨٨.

٩٥

ضمن إنكاره تكذيبَ المدّعي في نصيب المُقرّ أيضاً ، وحينئذٍ يبطل الصلح.

وأظهرهما عندهم : إنّ له الأخذَ ؛ لحُكمنا في الظاهر بصحّة الصلح ، وانتقال الملك إلى المُقرّ ، ولا استبعاد في انتقال نصيب أحدهما إلى المدّعي دون الآخَر وإن مَلَكاها بسببٍ واحد (١).

وأشكل على بعضهم هذه الطريقة : بأنّا لا نحكم بالملك إلاّ بظاهر اليد ، ولا دلالة لليد على اختلاف السبب واتّحاده ، فأيّ طريقٍ يعرف به الحاكم الاختلاف والاتّحاد؟ وإلى قول مَنْ يرجع؟ ومَن الذي يُقيم البيّنة عليه؟ (٢).

وقال بعضهم : إن ادّعى عليهما عن جهتين فللمكذّب الأخذ بالشفعة ، وإن ادّعى عن جهةٍ واحدة ففيه الوجهان ، ولا يخلو من إشكالٍ ؛ لأنّه ليس من شرط المدّعي التعرّض لسبب الملك ، وبتقدير تعرّضه له فليس من شرط الإنكار نفي السبب ، بل يكفي نفي الملك ، وبتقدير تعرّضه له فلا يلزم من تكذيبه المدّعي في قوله : « ورثت هذه الدار » زعم أنّه لم يرث نصفها (٣).

وقال بعضهم : إن اقتصر المكذّب على أنّه لا شي‌ء لك في يدي ، أو : لا يلزمني تسليم شي‌ءٍ إليك ، أخذ بالشفعة ، وإن قال مع ذلك : وهذه الدار ورثناها ، ففيه الوجهان (٤).

وقد عرفتَ أنّ هذا كلّه لا يتأتّى على مذهبنا من الاقتصار في طلب الشفعة على الانتقال بالبيع خاصّةً.

مسألة ١٠٩٢ : لو ادّعى اثنان داراً في يد رجلٍ ، فأقرّ لأحدهما بنصفها وكذّب الآخَر‌ ، نُظر فإن كانا قد ادّعياها بسببٍ يوجب الشركة ـ كالإرث ،

__________________

(١ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٦.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٨.

٩٦

وشراء وكيلهما في عقدٍ واحد ـ تشاركا في النصف الذي دفعه المدّعى عليه إلى المُقرّ له ؛ لأنّ الإرث يقتضي إشاعة التركة بين الورثة ، فكلّ ما يخلص يكون بينهما ، وذلك كما لو تلف بعض التركة وحصل البعض ، فإنّ التالف يكون منهما ، والحاصل لهما ، وكذا لو تلف بعض المال المشترك.

هذا إذا لم يتعرّضا لقبض الدار ، أمّا لو قالا : ورثناها وقبضناها ثمّ غصبتَها منّا ، فالأقرب : إنّه كذلك أيضاً يشتركان فيما يقبضه المُقرّ له منه ؛ لأنّ إيجاب الإرثِ الشيوعَ (١) لا يختلف ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، ومحكيٌّ عن أبي حنيفة ومالك.

والقول الآخَر لهم : إنّه لا يشاركه ؛ لأنّ التركة إذا حصلت في يد الورثة صار كلّ واحدٍ منهما قابضاً لحقّه ، وانقطع حقّه عمّا في يد الآخَرين ، ولهذا يجوز أن يطرأ الغصب على نصيب أحدهما خاصّةً بأن تزال يده ، فإنّ المغصوب لا يكون مشتركاً بينهما (٢).

وإن ادّعياها بجهةٍ غير الإرث من شراءٍ وغيره ، فإن لم يقولا : اشترينا معاً ، أو : اتّهبنا وقبضنا معاً ، فالأقرب عندي : عدم الشركة في المقبوض حيث لم تثبت الشركة في السبب ولم يدّعياه.

وإن قالا : اشتريناها معاً ، أو اتّهبناها وقبضنا معاً ، فالأقرب : إنّه كالإرث ؛ لاشتراك السبب ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّهما لا يشتركان فيما أقرّ به ؛ لأنّ البيع بين اثنين بمنزلة الصفقتين ، فإنّ تعدّد المشتري يقتضي تعدّد العقد ، فكان بمنزلة ما لو مَلَكا بعقدين (٣).

ولو لم يتعرّضا لسبب الاستحقاق ، فلا شركة بحالٍ.

__________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة زيادة : « وهو ». والظاهر أنّ المناسب للعبارة عدمها.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٨ ـ ١١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٧.

٩٧

مسألة ١٠٩٣ : كلّ موضعٍ قلنا بالشركة في هذه الصُّور لو صدّق المدّعى عليه أحدهما‌ وكذّب الآخَر وصالح المصدَّق [ المدّعى ] (١) عليه عن المُقرّ به على مالٍ ، فإن كان بإذن الشريك صحّ ، وتشارك المدّعيان في مال الصلح ، سواء كان بعين النصف أو غيره ، وإن كان بغير إذنه بطل الصلح في نصيب الشريك ، وصحّ في نصيبه.

وللشافعيّة في صحّته في نصيبه قولا تفريق الصفقة (٢).

وقال بعض الشافعيّة : يصحّ الصلح في جميع المُقرّ به ؛ لتوافق المتعاقدين وتقاربهما (٣).

وليس بجيّدٍ.

مسألة ١٠٩٤ : لو ادّعيا داراً في يد الغير فأقرّ لأحدهما بجميعها‌ ، فإن كان قد وُجد من المُقرّ له في الدعوى ما يتضمّن إقراراً لصاحبه بأن قال : هذه الدار بيننا ، وما أشبه ذلك ، شاركه صاحبه فيها.

وكذا إن كان المُقرّ له قد تقدّم إقراره بالنصف لصاحبه.

وإن لم يتلفّظ بما يتضمّن الإقرار ، بل اقتصر على دعوى النصف ، نُظر فإن قال بعد إقرار المدّعى عليه بالكلّ : إنّ الكلّ لي ، سلّم الجميع إليه ، وكان هو والآخَر خصمين في النصف الذي ادّعاه الآخَر ، ويكون القولُ قولَ مدّعي الكلّ مع اليمين ، وعلى الآخَر البيّنة.

ولا يلزم من ادّعائه النصفَ أن ينتفي ملكه عن الباقي ؛ لجواز أن تكون معه بيّنة بالنصف ولا تساعده البيّنة على الجميع في الحال ، بل على النصف ، و (٤) يخاف الجحود الكلّي لو ادّعى الجميع.

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٧.

(٤) الظاهر : « أو » بدل « و».

٩٨

ولو قال : النصف الآخَر لصاحبي ، سلّم إليه.

وإن لم يقل شيئاً ولا أثبت النصفَ الآخَر لنفسه ولا لصاحبه ولا نفاه ، فالأقرب : إنّه يُترك في يد المدّعى عليه ؛ لأنّ الآخَر ادّعى خلافَ الظاهر ولا بيّنة له ، وهو أصحّ وجوه الشافعيّة.

والثاني : إنّه ينتزع من يد المدّعى عليه ، ويحفظه الحاكم لمن يثبت له.

والثالث : إنّه يُسلّم إلى المدّعي ؛ لأنّه يدّعي ما لا يدّعيه أحد (١).

ويُضعّف الثاني : بأنّه يؤدّي إلى إسقاط دعوى هذا المدّعي عن المُقرّ بغير حجّةٍ ، والثالث : بأنّه يُثبت حقّاً للمدّعي بغير بيّنةٍ ولا إقرار.

وإذا قلنا : ينتزعه الحاكم ، فإنّه يؤجره ويحفظ الأُجرة ، كالأصل.

وقال بعض الشافعيّة : يصرفه في مصالح المسلمين (٢).

وليس بصحيحٍ ؛ لأنّ الأصل إذا كان موقوفاً فالنماء كذلك.

مسألة ١٠٩٥ : لو تداعى اثنان حائطاً بين ملكيهما‌ ، فإن كان متّصلاً ببناء أحدهما خاصّةً دون الآخَر اتّصالاً لا يمكن إحداثه بعد بنائه ـ بأن يكون لأحدهما عليه أزج أو قبّة لا يتصوّر إحداثهما بعد تمام الجدار ، وذلك بأن أُميل البناء من مبدأ ارتفاعه عن الأرض قليلاً قليلاً ، أو كان متّصلاً ببناء أحدهما في تربيعه وعلوّه وسَمْكه دون الآخَر ، أو دخل رَصْف من لَبِنات فيه في جداره الخاصّ ، ورَصْف من جداره الخاصّ في المتنازع فيه ، ويظهر ذلك في الزوايا ـ كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّ ذلك ظاهر يشهد له.

ويحتمل أن يكون بناء القبّة والأزج ورَصْف اللَّبِن برضا الآخَر أو إجازته ، فلهذا أوجبنا اليمين ، وحُكم له بها ، إلاّ أن تقوم البيّنة على خلافه.

ولو كان رَصْف اللَّبِن في مواضع معدودة من طرف الجدار ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٧.

(٢) حلية العلماء ٥ : ٢٧.

٩٩

لم يُحكم له به ؛ لإمكان إحداثه بعد بناء الجدار بنزع لَبِنةٍ وإدراج أُخرى.

ولو كان الحائط مبنيّاً على خشبةٍ طويلة طرفها تحت الحائط المتنازع فيه وطرفها الآخَر تحت حائطٍ آخَر ينفرد به أحدهما ، كان ذلك ظاهراً أنّه لمَن بعض الخشب في ملكه والجدار المبنيّ عليها تحت يده ، فيحلف ، ويُحكم له به.

وإن كان الحائط غيرَ متّصلٍ ببناء أحدهما ، بل كان منفصلاً عنهما معاً حائلاً بين ملكيهما لا غير ، أو متّصلاً ببنائهما معاً ، فهو في أيديهما ، فإن أقام أحدهما بيّنةً أنّه له قُضي له به ، وإن لم يكن لأحدهما بيّنةٌ حلف كلّ واحدٍ منهما للآخَر على النصف الذي في يده ، وحُكم به لهما ، وكذا إن نكلا معاً ؛ عملاً بظاهر اليد.

وإن حلف أحدهما ونكل الآخَر ، أعدنا اليمين على الحالف في النصف الذي في يد صاحبه ، فإن حلف قُضي له بالجميع ، وإن نكل ونكل الآخَر فهو لهما.

هذا إن حلّفنا كلّ واحدٍ منهما على النصف الذي في يده.

وللشافعي في الحلف وجهان :

أحدهما : إنّ كلّ واحدٍ منهما يحلف على النصف الذي يسلم له ، وهو أظهر وجهيه.

والثاني : إنّه يحلف كلّ واحدٍ منهما على الجميع ؛ لأنّه ادّعى الجميع (١).

فإن قلنا بالثاني فإذا حلّف الحاكمُ أحدَهما على الجميع ، لم يمنع ذلك حلف الآخَر عليه ، بل يحلّفه الحاكم على الجميع أيضاً ، فإن حلف الآخَر أيضاً على الجميع قسّم الجدار بينهما ؛ لأنّه لا أولويّة في الحكم به لأحدهما دون الآخَر ، وإن نكل الآخَر بعد أن حلف الأوّل على الجميع‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٢٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٨.

١٠٠