تذكرة الفقهاء - ج ١٦

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٦

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-437-x
الصفحات: ٤١٨

لا يملك إلاّ جداراً واحداً ، فإن مَلَك جدارين فليسقف عليهما ، ولا يُجبر ـ والحال هذه ـ صاحب الجدار (١).

وجَعَل بعض الشافعيّة عوض الشرط الثالث أن تكون الجوانب الثلاثة من البيت لصاحب البيت وهو يحتاج إلى جانبٍ رابع ، فأمّا إذا كان الكلّ للغير ، فإنّه لا يضع الجذوع عليها قولاً واحداً (٢).

مسألة ١٠٦٧ : قد بيّنّا أنّه ليس للجار وضع جذعٍ ولا غيره على حائط الغير‌ وإن كان محتاجاً إلى الوضع وكان الجار مستغنياً عن الحائط ، إلاّ بإذنه ، فإن أذن في الوضع بغير عوضٍ فهو إعارةٌ له الرجوع فيها متى شاء قبل الوضع مجّاناً قطعاً.

وأمّا بعد الوضع للجذوع والبناء عليها : فالأقرب : إنّ له الرجوعَ أيضاً ، كما في سائر العواري ، لكن ليس له القلع مجّاناً ، بل مع الأرش وإن كان القلع يؤدّي إلى خراب ملك الجار ، وإن شاء أبقاه بالأُجرة ، فيثبت له الخيار بين القلع بالأرش وبين التبقية بالأُجرة ، كما لو أعار أرضاً للبناء ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة (٣).

قالوا : إلاّ أنّ في إعارة الأرض أمراً ثالثاً يتخيّر فيه ، وهو تملّك البناء بالقيمة ، وليس لمالك الجدار ذلك ؛ لأنّ الأرض أصلٌ ، فجاز أن تستتبع البناء ، والجدار تابع فلا يستتبع (٤).

وعندي أن لا ثالث هنا ولا في الأرض.

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٦.

(٣ و ٤) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

٦١

وقال بعض الشافعيّة : إنّه ليس له القلع ؛ لأنّ ضرر القلع يتداعى إلى ما هو خالص ملك المستعير ؛ لأنّ الجذوع إذا رُفعت أطرافها من جدارٍ لم تستمسك على الجدار الثاني ، بل تثبت له الأُجرة خاصّةً (١).

وقال بعضهم : إنّه ليس له الرجوعُ أصلاً ، ولا يستفيد به القلع ولا طلب الأُجرة للمستقبل (٢) ؛ لأنّ مثل هذه الإعارة يراد بها التأبيد ، فكان بمنزلة ما لو أعار أرضاً للدفن فدفن ، لم يتمكّن المعير من قلعه ولا من طلب الأُجرة (٣).

ولعلّ بينهما فرقاً.

مسألة ١٠٦٨ : لو أذن للجار في وضع الجذوع على جداره فوَضَعها ، لم يستعقب ذلك المطالبة بالأُجرة‌ عمّا قبل الرجوع ، فإن رفع صاحب الجذوع جذوعه لم يكن له إعادتها إلاّ بإذنٍ جديد ؛ لأنّ الإذن الأوّل زال بزواله.

وكذا لو أذن في وضع روشنٍ على حائطه أو جناحٍ أو ساباطٍ.

وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّ له الوضعَ ؛ عملاً باستصحاب الإذن الأوّل (٤).

وكذا لو سقطت الجذوع أو الروشن أو الساباط أو الجناح بنفسه.

ولو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة فكذلك ؛ لأنّ الإذن لا يتناول إلاّ مرّةً.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

(٢) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « في المستقبل » بدل « للمستقبل ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩٢ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤ (٧).

(٤) البيان ٦ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

٦٢

وللشافعيّة وجهان (١).

ولو بناه بغير تلك الآلة ، لم يُعِد الوضعَ إلاّ بإذنٍ جديد عندنا وعند الشافعيّة قولاً واحداً (٢).

ولو صالحه على وضع الجذوع أو الجناح أو الروشن أو الساباط على حائطه ، جاز ، وبه قال الشافعي (٣) ، بخلاف ما لو صالحه عن إشراع الجناح ؛ لأنّه صلح عن الهواء المجرّد ، فلا يجوز عنده (٤).

وقد سبق (٥) كلامنا فيه.

ولو رضي مالك الجدار بوضع الجذوع بعوضٍ ، فذلك إمّا بيع أو إجارة ، وسيأتي.

وعلى قول الشافعي ـ بأنّ له الإجبارَ على وضع الخشب (٦) ـ لا تصحّ المعاوضة ولا الصلح عليه بمالٍ ؛ لأنّ مَنْ ثبت له حقٌّ لا يؤخذ منه عوضٌ عليه (٧).

لكنّا قد بيّنّا بطلان هذا القول من رأسٍ.

مسألة ١٠٦٩ : إذا كان الجدار مشتركاً بين اثنين وأكثر ، لم يكن لأحدٍ من الشركاء التصرّفُ فيه بشي‌ءٍ‌ من وجوه الانتفاعات حتى ضَرْب الوتد فيه وفتح الكُوّة بل وأخذ أقلّ ما يكون من ترابه ليترب به الكتاب بدون إذن‌

__________________

(١ و ٢) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٣ ، البيان ٦ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٧.

(٣) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ـ ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٥) في ص ٥٥ ـ ٥٦ ، المسألة ١٠٦٢.

(٦) راجع الهامش (٢) من ص ٦٠.

(٧) التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

٦٣

جميع الشركاء فيه كغيره من الأموال المشتركة مطلقاً ، سواء كان وضع جذوعٍ عليه أو لا.

وللشافعي في الإجبار على وضع الجذوع قولان ؛ لأنّ له أن يُجبر جاره على وضع جذوعه على جداره ، فشريكه أولى (١).

والأصل قد بيّنّا بطلانه.

نعم ، يجوز الانتفاع منه بل ومن جدار الغير بما لا تقع المضايقة فيه ، كالاستناد إليه وإسناد المتاع إليه إذا لم يتضرّر الجدار به ؛ لأنّه بمنزلة الاستظلال بجدار الغير والاستضاءة بسراجه.

ولو منع مالك الجدار من الاستناد ، فالوجه : التحريم ؛ لأنّه نوع تصرّفٍ بإيجاد الاعتماد عليه.

ولو بنى في ملكه جداراً متّصلاً بالجدار المشترك أو المختصّ بالجار بحيث لا يقع ثقله عليه ، جاز ، ولم يكن للآخَر الاعتراضُ.

[ الأمر ] (٢) الثاني : القسمة.

مسألة ١٠٧٠ : لكلّ جسمٍ أبعاد ثلاثة : طولٌ وعرضٌ وعُمْقٌ.

ونعني بطول الحائط امتداده من زاويةٍ من البيت إلى الزاوية الأُخرى أو من حدٍّ من أرض البيت إلى حدٍّ آخَر من أرضه ، ولا نريد به ارتفاعه عن الأرض ؛ فإنّ ذلك هو العمق والسَّمْك باعتبار أخذ المساحة ، أو الاعتبار من تحتٍ ومن فوقٍ.

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين هنا وفيما يأتي في ص ٦٧ في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « النظر ». والظاهر ما أثبتناه.

٦٤

وأمّا العرض : فهو البُعْد الثالث منه.

فإذا كان طوله عشرةً وعرضه ذراعاً ، جاز قسمته في الطول والعرض إن أراداها ، فإذا طلب أحدهما قسمته في كلّ الطول ونصف العرض ليصير لكلّ واحدٍ نصف ذراعٍ في طول عشرةٍ ، وأجابه الآخَر ، جاز.

وكذا يجوز أن يقتسماه في كلّ العرض ونصف الطول ، فيصير لكلّ واحدٍ خمسة أذرع في عرض ذراعٍ.

فإن طلبا قسمته على الوجه الثاني ، كان للحاكم أن يُعلِّم بينهما بعلامةٍ ويخطّ رسماً للتنصيف ، أو يشقّ الجدار وينشره بالمنشار.

وإن طلبا قسمته على الوجه الأوّل ، قسّمه بالعلامة ، دون الشقّ والنشر ؛ لأنّ شقّ الجدار في الطول إتلافٌ له وتضييعٌ.

ولو باشر الشريكان قسمته بالمنشار ، لم يمنعهما أحد ، كما لو نقضاه واقتسما الانقاض.

ولو طلب أحد الشريكين قسمة الجدار وامتنع الآخَر ، نُظر إن طلب القسمة على الوجه الأوّل ، لم تجب الإجابة ؛ لأنّا لو أوجبنا القسمة على هذا النحو لأُقرع في التخصيص ، والقرعة ربما تُعيّن الشقّ الذي يلي أحدهما للآخَر ، والذي يلي الآخَر للأوّل ، فلا يتمكّن أحدهما من الانتفاع بما وقع له بالقسمة ، ولأنّه لا يتمكّن من إفصال أحدهما من الآخَر بفَصْلٍ محقّق ؛ لأنّ غايته رسم خطٍّ بين الشقّين ، فإذا بنى أحدهما على ما صار إليه ، تعدّى الثقل والتحامل إلى الشقّ الآخَر.

نعم ، لو تراضيا على هذه القسمة ، جاز ، وكان رسم الخطّ كافياً في القسمة.

وعن بعض الشافعيّة أنّه يُجبر الممتنع عن القسمة ، ولا قرعة ، بل‌

٦٥

يُخصَّص كلّ واحدٍ منهما بما يليه ليقع النفع لهما معاً (١).

وأمّا إن طلب أحدهما القسمة على الوجه الثاني ـ وهو قسمة نصف الطول في كلّ العرض ـ فإن رضي الآخَر وأجابه إليها ، جاز.

وإن امتنع فإن انتفى الضرر عنهما أو عن الممتنع ، أُجبر عليها ، وإن تضرّر الممتنع لم يُجبر عليها.

وللشافعيّة وجهان في الإجبار ، فمَن اعتبر في القسمة الشقَّ والقطعَ مَنَع من القسمة ؛ لأنّ القطع يوجب إتلاف بعض الجدار ، ولا إجبار مع الإضرار (٢).

وقال بعض هؤلاء : إنّ التضرّر والنقصان هنا هيّن في هذا النوع ، فكان بمنزلة قسمة الثوب الصفيق (٣).

ومَن اكتفى في القسمة برسم العلامة والخطّ اختلفوا أيضاً :

فبعضهم جوّز الإجبار ؛ لأنّه يمكن تأتّي الانتفاع بما يصير إليه (٤).

وبعضهم مَنَع ؛ لتعذّر الفاصلة المحقّقة (٥).

مسألة ١٠٧١ : لو انهدم الجدار أو هدماه أو لم يرسماه في الأوّل‌

فأرادا قسمة عرصته في كلّ الطول ونصف العرض ولا ضرر مطلقاً أو لا ضرر على الممتنع ، فإن قلنا بتخصيص كلّ واحدٍ بالشقّ الذي يليه من غير قرعةٍ ، أُجيب طالبها إليها.

وإن منعنا من قسمة الحائط في المسألة الأُولى ، فللشافعيّة هنا وجهان مبنيّان على أنّ المنع في الحائط حذراً من القرعة أو من عدم تأتّي الفصل‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

٦٦

المحقّق؟ فإن قالوا بالأوّل استمرّ المنع من القسمة هنا ؛ لأنّ المانع هناك موجود هنا ، وإن قالوا بالثاني أُجبر الممتنع عليها ؛ لزوال المانع ، لإمكان الفصل هنا (١).

ولو طلب قسمتها في نصف الطول وكلّ العرض ، أُجيب ؛ لفقد الموانع المذكورة في الجدار هنا.

وإذا بنى الجدار وأراد أن يكون عريضاً ، زاد في عرضه من عرصة بيته.

[ الأمر ] الثالث : العمارة.

مسألة ١٠٧٢ : إذا استهدم الحائط ، أُجبر صاحبه على نقضه لئلاّ يتأذّى به أحد ، سواء كان المالك واحداً أو أكثر.

ولو كان لاثنين فنقضاه لاستهدامه أو لغير استهدامه أو انهدم الجدار بنفسه ، لم يُجبرا على بنائه ، ولا يُجبر أحدهما لو امتنع ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ـ وهو الجديد له ـ ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما (٢) ـ لأنّه ملكه ، فإذا لم يكن له حرمة في نفسه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٤٩.

(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٧ : ٩٢ ـ ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٤٣ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٦ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٨ / ١٠٠٧ ، التفريع ٢ : ٢٩٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٥ / ١١٦٨ ، المعونة ٢ : ١٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٣.

٦٧

لم يُجبر على الإنفاق عليه ، كما لو انفرد به ، بخلاف الحيوان ذي الحرمة ، فإنّه يجب عليه الإنفاق عليه ؛ لحرمته ، وتعلّق غرض الشارع بالانتفاع به ، ولأنّه ملكه ، فلا يُجبر على عمارته ، كما لا يُجبر على زراعة الأرض المشتركة ، ولأنّه بناء حائطٍ ، فلا يُجبر عليه ، كالابتداء ، ولأنّه لو أُجبر على البناء فإمّا لحقّ نفسه ، وهو باطل بما لو انفرد به ، أو لحقّ غيره ، ولا يجوز أن يُجبر الإنسان على عمارة ملك الغير ، كما لو انفرد به الغير.

والقول القديم للشافعي : إنّهما يُجبران على عمارته ، ويُجبر الممتنع عليها ـ وهو الرواية الأُخرى عن مالك وعن أحمد ـ دفعاً للضرر عن الشركاء ، وصيانةً للأملاك المشتركة عن التعطيل ، وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا ضرر ولا إضرار » (١) وفي ترك بنائه إضرار ، فأُجبر الممتنع عليه ، كما يُجبر على القسمة بينهما لو طلب أحدهما ، والملك وإن لم يكن له حرمة يلزمه بسببها الإنفاق عليه فإنّ شريكه له حرمة (٢).

ولا نسلّم أنّ في ترك بنائه ضرراً ؛ فإنّ الضرر إنّما حصل بانهدامه ، وإنّما ترك البناء ترك لما يحصل النفع به ، وفي ترك بنائه إضرار به ، ولا يُزال الضرر بالضرر.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢٢٨ / ٨٤ و ٨٥ ، مسند أحمد ١ : ٥١٥ / ٢٨٦٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٤٣ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٨ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٦ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٥٩٨ / ١٠٠٧ ، التفريع ٢ : ٢٩٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٥ / ١١٦٨ ، المعونة ٢ : ١٢٠١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٤٩٣ ، المغني ٥ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٣.

٦٨

والخبر مشترك الدلالة ؛ لأنّ في تكليف الشريك العمارةَ إضراراً عظيماً به ، فلم يُجبر عليها.

والفرق بينه وبين القسمة ظاهر ؛ فإنّ للإنسان الاختصاصَ بالتصرّف في ملكه ، وإنّما يتمّ بالقسمة ، والإجبار على العمارة يقتضي إجبار الغير على عمارة ملكه لينتفع الآخَر به ، والقسمة دفع الضرر عنهما بما لا ضرر فيه ، والبناء مضرّ ؛ لما فيه من الغُرْم ، ولا يلزم من إجباره على إزالة الضرر بما لا ضرر فيه إجباره على إزالته بما فيه ضرر.

مسألة ١٠٧٣ : لو هدم أحد الشريكين الجدار المشترك من غير إذن صاحبه‌ ، فإن كان لاستهدامه وفي موضع وجوب الهدم ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإن كان ممّا لا يجب هدمه أو هدمه وهو معمور لا يخشى عليه السقوط ، فقد اختلف قول علمائنا :

قال بعضهم : يُجبَر الهادم على عمارته وإعادته إلى ما كان عليه أوّلاً (١).

والأقوى : لزوم الأرش على الهادم ؛ لأنّ الجدار ليس بمِثْليٍّ.

مسألة ١٠٧٤ : قد بيّنّا أنّه لا يجب على الشريك في الجدار بناؤه لو انهدم ولا مساعدة شريكه فيه لإزالة الضرر عن شريكه ؛ لأنّ الممتنع قد لا يكون له نفعٌ في الحائط ، بل وقد يكون عليه ضرر فيه أكثر من نفعه به ، وقد يكون معسراً لا مال له ينفق على البناء ، فحينئذٍ لا يُجبر لو امتنع عن الإنفاق وإن كان موسراً وكان يتضرّر بترك البناء.

وعلى القديم للشافعي يُجبر (٢).

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ١٢٥.

(٢) راجع الهامش (٢) من ص ٦٨.

٦٩

فإن أصرّ على الامتناع ، أنفق الحاكم عليه ليرجع على الممتنع إذا وُجد له مالٌ ، فإن استقلّ وبذل أن يبنيه ويرجع عليه ، ففي الرجوع عليه قولان للشافعي ، ولأصحابه طُرق :

أصحّها عند أكثرهم : القطع بعدم الرجوع ، وحمل قول الرجوع على ما إذا أنفق بالإذن.

والثاني : إنّ القول بعدم الرجوع تفريع على الجديد ، والقول بالرجوع تفريع على القديم.

والثالث : إن قلنا بالقديم رجع قطعاً ، وإن قلنا بالجديد فقولان.

والرابع : إن أمكنه عند البناء مراجعة الحاكم فلا يرجع [ وإن لم يمكنه ] (١) فيرجع ، أمّا إن أذن له الحاكم في البناء ليرجع أو بذل عن الشريك إقراضه ، فإنّ له الرجوعَ إن قلنا به (٢).

مسألة ١٠٧٥ : لو كان بين الشريكين نهر مشترك أو قناة أو دولاب أو ناعورة أو بئر فاحتاج شي‌ء من ذلك في الانتفاع به إلى العمارة‌ ، لم يُجبر أحد الشريكين الآخَر على العمارة كما قلنا في الجدار ، وهو الجديد للشافعي ، كما تقدّم.

وفي القديم : إنّه يُجبر ، وبه قال أبو حنيفة (٣) ، وفرّق بين هذه وبين الجدار ، فأوجب على الشريك في هذه العمارةَ والإصلاحَ وتنقيةَ البئر ،

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو لا يمكنه ». والأنسب بالعبارة ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، المغني ٥ : ٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٩.

٧٠

ولم يوجب بناء الجدار ؛ لأنّ الشريك لا يتمكّن من مقاسمته ، فيضرّ به ، بخلاف الحائط ، فإنّه يمكنه قسمته مع شريكه وقسمة عرصته (١).

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّ في قسمة العرصة إضراراً بهما ، وفي قسمة الحائط أكثر إضراراً والإنفاق أرفق ، فكانا سواءً.

مسألة ١٠٧٦ : لو كان علوّ الجدار لواحدٍ وسُفْلها لغيره فانهدمت‌ ، لم يكن لصاحب السُّفْل إجبار صاحب العلوّ على مساعدته في إعادة السُّفْل ؛ لأصالة البراءة.

وكذا ليس لصاحب العلوّ إجبار صاحب السُّفْل على إعادة السُّفْل ليبني عليه علوّه ، عند علمائنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد ، وأحمد في إحدى الروايتين ، وأبو الدرداء (٢) ـ لما تقدّم من أنّ الإنسان لا يُجبر على عمارة ملكه ولا عمارة ملك غيره ، والحقّ لا يعدوهما.

وقال الشافعي ـ في القديم ـ ومالك وأحمد ـ في الرواية الأُخرى ـ وأبو ثور : إنّه يُجبر صاحب السُّفْل على الإعادة ، وإذا قلنا بالإجبار وجب عليه وحده الإنفاق عليه ؛ لأنّه خاصّ ملكه (٣).

__________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٦٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٧ : ٩٢ ، روضة القضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢٠٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠١ ، التنبيه : ١٠٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٤٤ ، الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٨ ـ ٣١٩ ، المغني ٥ : ٤٨ ـ ٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٧ / ١١٧٠.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٠٠ ، التنبيه : ١٠٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٤٤ ،

٧١

وكذا لو كان له ساباط استحقّ وضعه على حائط غيره فانهدم ، لم يُجبر أحدهما على العمارة.

وللشافعيّة قولان (١).

وهذا الخلاف فيما إذا انهدم الحائط أو هدمه صاحب السُّفْل والعلوّ معاً من غير شرطٍ ، أمّا إذا استهدم فهدمه صاحب السُّفْل بشرط أن يعيده ، أُجبر عليه قولاً واحداً.

ويجري الخلاف فيما إذا طلب أحدهما اتّخاذ سترةٍ بين سطحيهما ، هل يُجبر الآخَر على مساعدته؟ ومذهبنا أنّه لا يُجبر ؛ لأصالة البراءة.

مسألة ١٠٧٧ : إذا انهدم الحائط المشترك فطلب أحدهما بناءه ، لم يُجبر الآخَر على ذلك‌ ، كما تقدّم (٢) ، وهو الجديد للشافعي.

وفي القديم ـ وبه قال مالك وأحمد في روايةٍ عنهما ـ : إنّه يُجبر (٣).

فإن كان له مالٌ وامتنع ، أنفق الحاكم منه ، وإن لم يكن له مالٌ فبذل شريكه أن يبنيه ويرجع عليه ، أذن له الحاكم.

وكذا إن بذل غيره إقراضه.

فإذا بناه بإذن الحاكم ، استحقّ ما أنفقه على شريكه عنده (٤) ، وكان‌

__________________

الوسيط ٤ : ٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٩ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٠ ، التفريع ٢ : ٢٩٤ ، التلقين : ٤٣٣ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٥٦ / ١١٧٠ ، المغني ٥ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ١ : ٣١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٧٧٣ / ٥٢١٠.

(١) لم نعثر عليهما في مظانّه.

(٢) في ص ٦٧ ، المسألة ١٠٧٢.

(٣) راجع الهامش (٢) من ص ٦٨.

(٤) البيان ٦ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٢

الحائط بينهما يعيد كلّ واحدٍ منهما رسومه عليه.

ولو بناه بغير إذن شريكه في الإنفاق ولا إذن الحاكم عند امتناع شريكه ، كان متطوّعاً ، ولا يرجع به على شريكه.

ثمّ يُنظر فإن بناه وأعاد الحائط بالآلة المشتركة القديمة ، فالجدار بينهما كما كان ؛ لأنّ المُنفق إنّما أنفق على التأليف ، وذلك أثر لا عين يملكها ويختصّ بها.

ولو أراد الباني نقضه ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّه ملكهما ، فليس له التصرّف بما فيه ضرر عليهما. وكون التأليف منه لا يقتضي جواز نقضه.

وكذا لو بنى صاحب السُّفْل جدران السُّفْل بإنقاضه القديمة ، فهو لصاحب السُّفْل كما كان ، وليس لصاحب العلوّ نقضه ولا منعه من الانتفاع بملكه.

وإن بناه بآلةٍ من عنده مستجدّة ، فالحائط له ينفرد بملكه ، وله أن يمنع شريكه من وضع خشبه عليه ، ويُمكَّن من نقضه ؛ لأنّه ملكه خاصّةً ، فله التبقية والإزالة ، وبه قال الشافعي وأحمد (١).

ويشكل فيما إذا كانت العرصة مشتركةً.

ولو قال الشريك : أنا أدفع إليك نصف النفقة ولا تنقض ، فعلى القديم للشافعي : لا يجوز له النقض ، ويجب عليه القبول ؛ لأنّ لأحد الشريكين إجبارَ الآخَر على البناء ، فلأن يُجبره على الاستدامة أولى ، فإن لم يبذل دَفْعَ قيمة نصف البناء كان للباني نقضُه (٢).

__________________

(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٣٤٣ ، التهذيب ـ للبغوي ـ ٤ : ١٥٧ ، البيان ٦ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١ ، المغني ٥ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٣

وعلى الجديد لو أراد الشريك الطالب للعمارة الانفرادَ بها ، فإن أراد عمارة الجدران بالنقض المشترك أو أراد صاحب العلوّ إعادة السُّفْل بنقض صاحب السُّفْل أو بآلةٍ مشتركة بينهما ، فللآخَر منعه منها.

وإن أراد بناءه بآلةٍ من عنده ، فله ذلك ، وجاز أن يبني على عرصةٍ مشتركة بينه وبين غيره بغير إذنه ليصل إلى حقّه من الحمل عليه والرسم ، كما لو سقطت جذوعه الموضوعة على الجدار المشترك ، ينفرد بإعادتها (١).

ثمّ إن أعاده بآلته ، كان لشريكه وضعُ خشبه عليه ؛ لأنّه ملكٌ لهما ، فكان له ردّ رسومه عليه.

وإن بناه بآلةٍ من عنده مختصّة به ، انفرد بملكه ، وكان له أن يمنع الذي كان لشريكه من وضع رسومه ، وكان المعاد ملكاً للباني يضع عليه ما شاء ، وينقضه إذا شاء.

ولو قال الشريك : لا تنقض لأغرم لك نصف القيمة ، أو قال صاحب السُّفْل : لا تنقض لأغرم لك القيمة ، لم تلزمه إجابته على هذا القول ـ وهو عدم الإجبار على البناء ـ فلا يُجبره على التبقية ، كابتداء العمارة.

ولو طالَبه شريكه بنقضه ، لم يكن له ذلك ، إلاّ أن يكون له رسم خشبٍ عليه ، فيقول : إمّا أن تأخذ منّي نصف قيمته وتمكّنني من وضع خُشُبي عليه ، أو تقلع حائطك لنبنيه جميعاً ، كان له ذلك ؛ لأنّه لا يجوز للباني إبطال رسومه ببنائه.

ولو قال صاحب السُّفْل : انقض ما أعدتَه لأبنيه بآلة نفسي ، فإن كان قد طالَبه بالبناء [ فلم يُجب ] (٢) لم يُجب الآن إلى ما يقوله ، وإن لم يطالبه‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، وكما هو المستفاد من روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

٧٤

وقد بنى علوّه عليه فكذلك لا يُجاب.

وهل له أن يتملّك السُّفْل بالقيمة؟ قال بعض الشافعيّة : نعم (١). وليس بجيّدٍ.

وإن لم يَبْن عليه صاحب العلوّ بَعْدُ ، أُجيب صاحب السُّفْل.

ومهما بنى الباني بآلة نفسه ، فله منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد بفتح كوّةٍ وغرز وَتَدٍ ووضع خشبةٍ وغير ذلك ، وليس له منع صاحب السُّفْل من السكون ؛ فإنّ العرصة ملكه.

وقال بعض الشافعيّة : له المنع من السكون أيضاً (٢). وهو غلط.

ولو أنفق أحد الشريكين على البئر والنهر ، لم يكن له منع الشريك من [ سقي ] (٣) الزرع والانتفاع بالماء ، وله منعه من الانتفاع بالدولاب والبكرة المحدثين.

ولو كان للممتنع على الجدار الذي انهدم جذوع فأراد إعادتها بعد ما بناه الطالب بآلة نفسه ، كان على الباني تمكينه ، أو نقض ما أعاده ليبني معه الممتنع ويعيد جذوعه.

مسألة ١٠٧٨ : لو كان بينهما دولاب أو ناعورة ، كان حكمهما حكمَ الحائط على ما ذكرناه.

ولو كان بينهما بئر أو نهر ، فإن قلنا : ليس لأحدهما إجبار الآخَر على الإنفاق ، كان لكلّ واحدٍ منهما أن يُنفق على ذلك ، فإن أنفق أحدهما عليه ،

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز » و « روضة الطالبين ». راجع الهامش السابق.

٧٥

لم يكن له أن يمنع الآخَر من نصيبه من الماء ؛ لأنّ الماء ينبع من ملكهما المشترك بينهما ، وإنّما أثر أحدهما نقل الطين عنه ، وليس له فيه عين ملكٍ ، بخلاف الحائط إذا بناه بغير آلته.

وإن قلنا : يُجبر الممتنع منهما ـ كما هو قول الشافعي في القديم (١) ـ أجبره الحاكم. فإن امتنع وله مالٌ ظاهر ، أنفق منه ، وإن لم يكن له ، أذن لشريكه ، ويُنفق عليه ، ويرجع بقدر نصيب شريكه عليه. فإن أنفق شريكه بغير إذنه ولا إذن الحاكم ، كان متبرّعاً لا يرجع عليه قولاً واحداً ، وليس له منعه من حقّه من الماء على ما تقدّم.

وقد عرفت مذهبنا فيه ، وأنّ الشريك ليس له الإجبار على الإنفاق.

مسألة ١٠٧٩ : قد ظهر بما مرّ : إنّ الجدار المشترك بين اثنين لو انفرد أحدهما بإعادته بالنقض المشترك فإنّه يعود مشتركاً كما كان‌ ، فلو عمراه معاً وأعاداه بالنقض المشترك بينهما ، كان الاشتراك بينهما أولى.

إذا عرفت هذا ، فلو شرطا مع التعاون على الإعادة والشركة في بنائه زيادةً لأحدهما ، قالت الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّه شرط عوضٍ من غير معوّضٍ ، فإنّهما متساويان في العمل وفي الجدار والعرصة والأنقاض (٢).

والأقوى عندي : الجواز ؛ عملاً بالشرط ، وقد قال عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٣) وبه قال بعض الشافعيّة (٤).

وكذا لو باع أحد الشريكين في دارٍ أو متاعٍ نصفَه من المشترك بثلث‌

__________________

(١) راجع الهامش (١) من ص ٧١.

(٢) البيان ٦ : ٢٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٧٦

المشترك من نصف صاحبه ، صحّ ، ويصير المشترك بينهما أثلاثاً بعد أن كان نصفين ، فلو باع أحدهما نصفَه المشاع بنصف صاحبه ، فالأقوى : الجواز.

ولم يقدّر الشافعيّة ذلك بيعاً ، ولا تترتّب عليه أحكام البيع عندهم (١).

والأقرب : ما قدّمناه من صحّة بيع أحدهما نصفَه بالثلث من نصف الآخَر وبنصفه.

وبعض الشافعيّة جوَّز البيعَ هنا ، ومَنَع من صحّة الشرط في البناء ؛ لأنّ الموجود في البناء هو البناء بشرط الزيادة لأحدهما ، ومجرّد الشرط والرضا بالتفاوت لا يغيّر كيفيّة الشركة القديمة ، إلاّ أنّ البناء بالإذن والشرط قائم مقام البيع (٢).

أمّا لو انفرد أحد الشريكين بالبناء بالنقض المشترك بإذن صاحبه بشرط أن يكون له الثلثان ، جاز ، ويكون السدس الزائد له في مقابلة عمله في نصيب الآخَر.

وقال بعض الشافعيّة : هذا إنّما يتصوّر لو شرط سدس النقض له في الحال لتكون الأُجرة عتيدةً (٣) ، فأمّا إذا شرط السدس الزائد له بعد البناء ، لم يصح ؛ فإنّ الأعيان لا تؤجَّل (٤).

قيل عليه : التصوير وإن وقع فيما ذكره لكن وجب أن يكون الحكم فيه كالحكم فيما إذا شرط للمُرضع جزءاً من الرقيق المرتضع في الحال ولقاطف الثمار جزءاً من الثمار المقطوفة في الحال ؛ لأنّ عمله يقع على ما‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١.

(٣) أي : حاضرة : لسان العرب ٣ : ٢٧٩ « عتد ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٧٧

هو مشترك بينه وبين غيره. وسيأتي (١).

ولو بناه أحدهما بآلة نفسه بإذن الآخَر بشرط أن يكون ثلثا الجدار له ، فقد قابل ثلث الآلة المملوكة وعمله بسدس العرصة المبنيّ عليها.

وفي صحّة هذه المعاملة للشافعيّة قولان ؛ لأنّه قد جمع فيها بين أمرين مختلفي الحكم ، وهُما البيع والإجارة (٢).

وهذا عندنا صحيح ، والجمع بين الأُمور المختلفة الأحكام جائز عندنا.

ويشترط في صحّة ذلك العلمُ بالآلات وبصفات الجدار.

مسألة ١٠٨٠ : لو كان لشخصين مِلْكان متجاوران ولا حائط ـ يحجز بينهما ـ قديم‌ ، فطلب أحدهما من الآخَر المساعدة على بناء حائطٍ يحجز بينهما ، فامتنع الآخَر ، لم يُجبر على مساعدته ، وبه قال أحمد روايةً واحدة (٣).

ولو أراد البناء وحده ، لم يكن له البناء إلاّ في ملكه خاصّة ؛ لأنّه لا يملك التصرّف في ملك جاره المختصّ ولا في الملك المشترك ، فإن بناه في ملك جاره أو بعضه في ملكه وبعضه في ملك جاره ، كان للجار هدمه ؛ لأنّه وضع بغير حقٍّ ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ١٠٨١ : لو كان له حقّ إجراء الماء في ملك الغير أو على سطحه فانهدم ذلك الملك ، لم يجب على مستحقّ الإجراء مشاركته في العمارة‌ ؛ لأنّ العمارة تتعلّق بتلك الأعيان وهي لمالكها ، وليس لمستحقّ الإجراء فيها‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

(٣) المغني ٥ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٦ ـ ٤٧.

٧٨

شركة ، ولا يجب أيضاً على صاحب الملك العمارةُ لو طلبها صاحب الإجراء.

ولو كان الانهدام بسبب الماء ، فكذلك على الأقوى.

وليس على صاحب الإجراء عمارةٌ أيضاً ؛ لأنّه ليس بملكٍ والانهدامُ حصل بسببٍ مستحقٍّ ، وهو أقوى وجهي الشافعيّة (١).

ولو حصل تفريط من أحد الشريكين أو من أحد المستحقّين في ذلك كلّه ، كان عليه الضمان.

البحث الثالث : في السقف.

مسألة ١٠٨٢ : السقف الحائل بين العلوّ والسُّفْل المختلفي المالكين قد يكون مشتركاً بين المالكين‌ ، وتارةً يكون خالصاً لأحدهما ، كما تقدّم في الجدار بين الدارين لمالكين ، لكن حكم القسمين في الانتفاع يخالف حكمهما في الجدار ؛ فإنّه يجوز لصاحب العلوّ الجلوسُ ووضع الأثقال عليه على الاعتياد ، ولصاحب السُّفْل الاستظلالُ والاستكنان به ؛ لأنّا لو لم نُجوّز له ذلك لعَظُم الضرر وتعطّلت المنافع.

والأقرب : إنّه ليس لصاحب السُّفْل تعليقُ الأمتعة فيه ، سواء كان لها ثِقْلٌ يتأثّر به السقف أو لا ، كالثوب ونحوه.

وللشافعيّة قولان فيما ليس له ثقل :

أحدهما : إنّه غير جائزٍ ؛ إذ لا ضرورة فيه ، بخلاف الاستظلال.

والثاني : الجواز ؛ بناءً على الاعتياد تسويةً بين صاحب العلوّ وصاحب‌

__________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٢.

٧٩

السُّفْل في تجويز تثقيل السقف.

فعلى هذا فلهم وجهان :

أحدهما : إنّ التعليق الجائز هو الذي لا يحتاج إلى إثبات وتدٍ في السقف.

وأظهرهما : إنّه لا فرق.

فإن قلنا : ليس له إثبات الوتد والتعليق فيه ، فليس لصاحب العلوّ غرز الوتد في الوجه الذي يليه ؛ إذ لا ضرورة إليه.

وإن جوّزنا ذلك لصاحب السُّفْل ، ففي جوازه لصاحب العلوّ وجهان ؛ لندور الحاجة إليه ، بخلاف التعليق (١).

وأمّا ما لا ثقل له يتأثّر به السقف فعند الشافعيّة قولاً واحداً أنّه لا منع منه (٢).

مسألة ١٠٨٣ : تصوير اشتراك السقف سهل‌ ، وأمّا خلوصه لأحدهما :

فأمّا لصاحب العلوّ فبأن يبيعه صاحب السُّفْل السقفَ والغرفةَ عندنا ، أو يكون لصاحب السُّفْل جداران متقابلان فيأذن لغيره في وضع الجذوع عليهما والبناء على تلك الجذوع بعوضٍ أو بغير عوضٍ عندنا وعند الشافعي (٣).

وأمّا لصاحب السُّفْل فبأن يبيعه جدران الغرفة دون سقفها ، عندنا ، أو يأذن لغيره في البناء على سقف ملكه فيبني عليه ، عندنا وعند الشافعي (٤).

فإذا أذن المالك لغيره في البناء على ملكه بغير عوضٍ ، كان عاريةً.

وإن كان بعوضٍ ، فهو إمّا إجارة بأن يُكري أرضه أو رأس جداره أو‌

__________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٥٣.

٨٠